علي علي
09-28-2009, 12:11 PM
بقلم: حمزة قزاز
لا توجد دولة خليجية وعربية تضاهي السعودية في المميزات والإمكانيات، وبالرغم من ذلك فان واقع التنمية في المملكة بمختلف أبعادها شبه كارثي.
ميدل ايست اونلاين
كانت المملكة العربية السعودية في بداية تأسيسها دولة تعاني - كباقي الدول من حولها - من انعدام التنمية الاقتصادية والبشرية والبعد عن الحضارة، خاصة وان المملكة دولة حديثة التأسيس، تضم عدد من الأقاليم والمجتمعات المتنوعة والمتعددة، والتي يغلب عليها طابع البداوة والبعد عن المدنية، ولكل منها جذور تاريخية ونمط اجتماعي خاص ولهجة متميزة، وتتنوع على صعيد الانتماء المذهبي والمرجعية الفقهية، في إطار الانتماء للإسلام كدين والعروبة كتاريخ وقومية.
عمدت الحكومة السعودية تحت قيادة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، ومن بعهد نجله الملك سعود إلى البحث عن موارد يقوم عليها بناء الدولة ويضمن وحدتها ويثبت سلطة العائلة المالكة، وبعوائدها يتم بناء الشعب السعودي الذي كان يعاني من الفقر والأمية والجهل، وكافة أشكال التخلف الإنساني بمختلف مظاهره وأبعاده وآثاره، حيث إن الإمارات والدول التي حكمت الأقاليم التي تتكون منها السعودية – باستثناء المنطقة الشرقية والحجاز- لم تقم بأية مشاريع تنموية تهدف إلى بناء الإنسان ونشر العلم والمعرفة والتنوير في أوساط رعاياها، فكان أن اكتشف البترول في الثلاثينات، وبدا إنتاجه وتصديره الفعلي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن العشرين، وبدا به عهد الدولة السعودية القوية الراسخة والمسيطرة، فالبترول لعبت السعودية ادوارا إقليمية وعربية كبيرة، وأصبحت دولة لها أهميتها الكبرى في المنطقة العربية، حيث تمتلك المملكة احتياطات ضخمة من النفط تبلغ 264.2 مليار برميل، ومن الغاز الطبيعي 231 تريليون قدم مكعب، وهي بذلك تمتلك اكبر احتياطي نفطي في العالم، وتعتبر اليوم اكبر مصدر عالمي للنفط، إلى جانب ثروة معدنية متنوّعة كالذهب والفضة والنحاس والزنك والرصاص والحديد والألمنيوم والمعادن الصناعية والفوسفات والفحم الحجري والمواد الأولية للبناء، علاوة على امتلاكها لثروة زراعية وحيوانية وسمكية قابلة للنمو، يمكن من خلالها تحقيق نسبة إستراتيجية من الأمن الغذائي، كما تسيطر المملكة على المدينتين المقدستين مكة والمدينة، اللتان يزورهما ملايين الحجاج والمعتمرين كل عام، ويقع الكيان السياسي والجغرافي السعودي بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويعتبر طريقا هاما جدا لدول الخليج العربية والمنفذ الوحيد لبعضها، وتمتد السواحل السعودية في الخليج العربي والبحر الأحمر على مسافة 2400 كيلو متر، وتطل المملكة على قناة السويس، وتمتد حدودها الدولية لتجاور دول عربية مهمة كالعراق ومصر والأردن، كما إنها طريق التجارة البري الوحيد بين دول الخليج واليمن من جهة، وباقي الدول العربية من جهة أخرى، وتشكل الجزء الرئيسي من الجزيرة العربية، الذي يعج بالثروات، علاوة على ذلك فان عدد سكان المملكة قليل بشكل عام، حيث يبلغ وفق الإحصائيات الأخيرة 25 مليون نسمة، منهم 7 مليون مقيم، أي إن عدد السعوديين لا يتجاوز ال18 مليون نسمة، يعيشون في وطن يمتد على مساحة 2 مليون كيلومتر مربع، يشكل 71% من أراضي شبه الجزيرة العربية.
كل هذه الثروات الهائلة والخصائص التي تتميز بها المملكة، من قلة عدد السكان في مقابل ضخامة الموارد من المفترض أن تبني دولة متطورة وشعبا متقدما ومجتمعا ناهضا في مختلف المجالات والأصعدة والميادين، حيث إن المملكة أغنى دولة في الخليج إن لم يكن في العالم العربي باجمعه. ولا توجد دولة خليجية وعربية تضاهيها في المميزات والإمكانيات، سواء على صعيد الثروة الطبيعية أو عدد السكان أو الموقع الهام أو الإمكانيات المتوفرة، وبالرغم من ذلك فان واقع التنمية في المملكة بمختلف أبعادها شبه كارثي، حيث إن ما تم انجازه على مدى أكثر من خمسين عاما، أي منذ تصدير النفط – لا يشكل إلا جزء محدودا جدا من نسبة العائدات النفطية التي تدفقت على البلاد طوال نصف قرن، بينما تفوقت دول الخليج الأخرى على المملكة في مختلف المجالات، رغم محدودية ثرواتها وإمكاناتها قياسا بالمملكة، التي تعاني اليوم من إشكالات واسعة النطاق تجاوزت معظمها دول الخليج المجاورة لها، أو على الأقل أصبحت لا تعاني منها إلا بنسبة منخفضة كالفقر والتمييز ضد المرأة والأقليات وتخلف أجهزة القانون والقضاء والنظام والاجتماعي، وضعف منظومتي الحقوق والحريات، وزيادة معدلات الفساد وتراجع جودة الخدمات العامة.
ويمكن القول إن المملكة لم تستفد من ثرواتها وإمكانياتها ولم تحقق أي تنمية يعتد بها، إذا ما قورنت بدول الخليج المجاورة لها، فضلا عن الدول التي كانت في نفس مرحلتها التنموية والاقتصادية - كماليزيا وكوريا الجنوبية – التي تفوقت عليها خلال اقل من ثلاثين عاما فقط، بينما ظلت معدلات التنمية في المملكة ثابتة
خلالها ولم تحقق أية انجازات حقيقية.
إن المملكة اليوم تعاني من قلة مشاريع التنمية وإخفاقات حضارية شاملة، وفشل ذريع في التنمية البشرية والاقتصادية والحضارية، تصاحبه عدم وجود إرادة سياسية تأخذ على عاتقها القيام بإصلاحات واسعة النطاق تكون أساسا لتنمية واعدة وتحديث كامل للبلاد يؤدي إلى تطور الحياة الاجتماعية وبناء الإنسان السعودي، والمحافظة على وحدة البلاد وحفظ كيانها السياسي.
قبل أيام احتفلت الحكومة السعودية باليوم الوطني التاسع والسبعين، وكعادة أجهزة الإعلام في الدول النامية فقد بالغت الصحف والقنوات الفضائية الرسمية بإظهار منجزات الدولة، والتقدم الحضاري في مختلف المجالات، وصورت السعودية على أنها دولة تسير في ركب التطور والازدهار، وإنها دولة مستقرة والشعب السعودي يعيش في بحبوحة من الرفاهية والسعادة، ولا يعاني من أية إشكالات أو معوقات خطيرة، يمكن في يوم ما أن تتحول إلى عوامل تؤدي إلى عواقب وخيمة لا يحمد عقباها ولا يمكن تحديد نتائجها وإفرازاتها، هذا هو واقع الإعلام في البلدان التي لا تحظى صحافتها وأجهزتها الإعلامية بالحرية اللازمة التي تمكنها من أداء دورها في رصد مكامن الخلل والضعف ومساعدة الحكومة في أداء مهامها، حيث إن الصحافة في دول العالم الثالث تعمد إلى قلب الحقائق وتزويرها وتساهم في محاصرة الإنسان، فإذا ما كانت أجهزة الأمن تحاصر جسده، فان أجهزة الإعلام تحاصر عقله وتمنعه من التفكير في واقعه وحقيقة ما يعيشه في بلاده، فالمملكة على النقيض مما زينته أجهزة إعلامها، وهذا هو اخطر ما في الأمر، حيث تصور للحاكم والمحكوم إن الأمور بخير وان كل شي على ما يرام، وهو لا يعلم انه يسير في طريق خطير قد تكون نهايته السقوط في وادي عميق، إن لم يتدارك الأمر ويغير الاتجاه.
ونوجز في الآتي: بناء على الإحصائيات الصادرة من الصحف السعودية ومراكز الأبحاث والدراسات الإقليمية والعالمية المشهود لها بالنزاهة والموضوعية حول واقع المملكة وحقيقة مركزها على المستوى الدولي، وصورتها الحقيقة ما بين دول العالم، يكتشف المواطن السعودي واقع بلاده المؤلم، رغم ما تمتلك من إمكانيات ومقدرات، من المفترض إن تتحول بموجبه إلى دولة من أعظم دول العالم، ويصبح الشعب السعودي من أفضل الشعوب وكثرها رقيا وتحضرا.
أولا: واقع الاقتصاد الوطني.
يقوم الاقتصاد القومي المعاصر على إستراتيجية تسخير الموارد القابلة للنضوب كالنفط والغاز والمعادن الصناعية في تشييد بنى تحتية متطورة، واستثمار دائم للموارد الغير قابلة للنضوب، وتحويل المجتمع الاستهلاكي إلى مجتمع قائم على الإنتاج والاعتماد على قدراته الذاتية – برعاية الدولة - في تحقيق الرفاهية وإشباع الحاجات، وتحويل السلطة التنفيذية (الحكومة) إلى مؤسسة تدير الاقتصاد وتشرف على مرافقه، وذلك عبر تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية، وتشييد مرافق خدمية متطورة، وتنفيذ برامج تنمية شاملة، واستغلال شامل لرأس المال البشري والثروة البشرية، باعتبارها رافد لا ينضب، عبر تشييد مؤسسات التعليم والتدريب المختلفة، ومحاربة الفساد المالي والإداري والبيروقراطية وكافة معوقات التنمية، وتحول الدولة من الدولة الرعوية إلى دولة المشاركة، والاستمرار في استغلال الإمكانيات المتاحة من ثروات زراعية ومعدنية عبر القطاع الخاص، وتخصيص المرافق الخدمية التي تشكل عبأ على الميزانية العامة، ووضع خطة إستراتيجية لرسم شخصية الدولة الاقتصادية من خلال المعطيات المتاحة القائمة على الموارد الغير قابلة للنضوب، ووضع خطط عملية دقيقة لتحويل اقتصاد السكان من الاعتماد على النفط إلى تشييد اقتصاد فعلي قائم على الإنتاج الحقيقي والاعتماد على الذات، ودعمه ببرامج تأمينات وقروض ميسرة، ليتحول بموجبها القطاع الحكومي إلى قطاع إدارة وإشراف وخدمات وإنتاج في نفس الوقت، لتكون بذلك ميزانية الدولة من خلال الضرائب والرسوم التي تفرض على دخل الأفراد والمنشئات والمؤسسات التجارية والاقتصادية والاستثمارية، وأرباح شركات القطاع العام، سواء المملوكة بالكامل للدولة أو الشركات المساهمة التي تمتلك الحكومة جزء من أسهمها،
ليقوم الاقتصاد الوطني في نهاية الأمر على مفهوم المشاركة الإقليمية والعالمية في كافة القطاعات والمجالات المتاحة في إطار الدولة القومية وسيادتها.
هكذا قام اقتصاد اليابان التي لا تمتلك أية موارد تذكر، ولكنها قامت على استثمار ضخم لرأس المال البشري، وماليزيا التي كانت قبل 20 عاما دولة زراعية، ولكنها من خلال تطوير التعليم وتشجيع الاستثمارات تمكنت من جلب المليارات من الدولارات التي شيدت بها بنى تحتية متطورة وأسست قواعد راسخة لاقتصاد مزدهر، تطور بسرعة كبيرة عبر النجاح المنقطع النظير في خطط التنمية الاقتصادية والبشرية وتشييد وتطوير البنى التحتية، وكوريا الجنوبية أيضا - التي كانت قبل 30 عاما دولة استهلاكية وتصدر آلاف العمالة لدول الخليج - شيدت اقتصاد قائم على الصناعة واستثمرت في رأس مالها البشري، فعادت معظم عمالتها إلى الداخل وأعيد تأهيلها وتدريها ثم ضخت في آلاف المعامل والمصانع لتشيد اقتصاد قائم على الإنتاج والمعرفة والابتكار.
والنموذج القريب من المملكة – رغم محدودية التجربة وعدم نضجها- هو اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يشكل العائد النفطي من حجمه الإجمالي 36% فقط، بينما تشكل مصادر الدخل الغير نفطية 64%، وان كانت إمارة ابوظبي ما تزال تعتمد على النفط في تمويل الميزانية الاتحادية، فان إمارة دبي لا يشكل النفط سوى 4% من دخلها، ومع ذلك فإنها ترفد الميزانية الاتحادية بمقدار النصف، حيث تمكنت دبي من تحويل نفسها لمركز مالي وتجاري إقليمي، يضم مقرات وفروع لآلاف الشركات والمؤسسات المالية حول العالم، وأصبحت مركزا إقليما لإعادة التصدير والترانزيت، وأصبح مينائها يستقبل أضخم الحاويات والسفن، وأسست حكومة الإمارة عشرات الشركات الاستثمارية الضخمة التي تدير استثمارات بمليارات الدولارات في مختلف أنحاء العالم، بينما الشركات الحكومية أو شبه الحكومية في المملكة لا تحقق أرباح تذكر وتعوض خسائرها من خلال الدعم الحكومي، فشركة النقل الجماعي والشركة السعودية للكهرباء والخطوط السعودية والمؤسسة العامة للسكك الحديدية، جميعها شركات خاسرة ولولا الدعم الحكومي السخي لأعلنت إفلاسها منذ زمن بعيد
وتمكنت دبي بذلك من بناء اقتصاد محلي يعتمد على الاستثمار في رأس المال البشري، سواء الوطني أو المقيم، وقائم على الخدمات والاستثمار والابتكار، بينما اقتصاد المملكة ما يزال قائما على إنتاج سلعة واحدة فقط هي النفط، الذي يعتبر مصدر دخل لثمانية عشر مليون إنسان يشكلون الشعب السعودي، حيث تبيع حكومة المملكة النفط الخام لتنفق به على البلاد والعباد! من دون وجود خطط إستراتيجية لاستثمار العوائد النفطية في بناء اقتصاد حديث ومتطور، بالرغم من تأكيد الخبراء الدوليين إن حقول النفط السعودية تستنزف بمعدل يتراوح ما بين 7 الـ 12% سنويا
وهو ما يعني أنه يتعين على شركة ارامكو أن تضيف سنويا ما بين 600 ألف و800 ألف برميل يوميا إلى طاقتها الإنتاجية لتعوض هذا النقص، كما تشير الدراسات العالمية المعترف بها إن احتياطات النفط المثبتة في العالم تبلغ 1258 بليون برميل، وإنها قد تكفي لاستهلاك 42 سنة، وإما احتياطات الغاز فلـ 60 سنة والفحم الحجري لـ 122 سنة، وفي تقديرات أخرى إن احتياطات المملكة العربية السعودية من النفط قد تكفي لمدة 80 عاما تقريبا، ومع ذلك لم تتحرك حكومة المملكة للبدء بتنويع مصادر دخلها وتأسيس اقتصاد حقيقي، يقول عبد الرحمن الراشد في مقاله (ارامكو البقرة المقدسة) "والسبب الذي جعل «ارامكو» بقرة مقدسة لا يجوز الحديث عنها، أو لمسها، إنها تعتبر المصدر المالي شبه الوحيد لنحو 26 مليون إنسان في السعودية، كون النفط مصدر الرزق العام. الحقيقة إن أهمية «ارامكو» إنها تملك رخصة اكبر بحيرة نفط في العالم".
ويقول أ. د خالد عبد العزيز السهلاوي "إن المتتبع لمسار الاقتصاد السعودي خلال الثلاثين سنةً الماضية يرى مجموعةً من القرارات التي تم اتخاذها بهدف تنويع مصادر الدخل وتصحيح مسار الاقتصاد. من ذلك ما تم اتخاذه بشأن ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي لتقليص العجز في ميزانية الدولة نتيجة انخفاض أسعار النفط في عامي 1985 و1997، وهذا بلا شك أمر إيجابي وجيد، لكن الغريب في الأمر أن حدوث ارتفاع جديد في أسعار النفط يعيد الأمور لما كانت عليه من قبل وكأن شيئا لم يكن، وأن ما حدث لا يعدو عن كونه رد فعل لظروف قاسية مر بها الاقتصاد خلال سنة أو سنتين، وليس إستراتيجية يتم إتباعها لمعالجة اختلالات جوهرية في هيكل الاقتصاد وتصحيح مساره، فكثير من الإصلاحات يتم لمواجهة إشكالية وظروف معينة ما تلبث أن يتم التراجع عنها بعد تحسن تلك الظروف أو تلاشي الأسباب التي دعت لمثل هذه الإصلاحات".
ويقول مازن السديري في صحيفة الرياض: "أولاً: ما هو الاقتصاد؟ الاقتصاد هو علم يدرس إنتاج أي دولة أو مجتمع مع معرفة المنتجات ومن هم المنتجون وشرائح الغنى والفقر بالإضافة إلى دراسة الاستهلاك وطبقاته وأنواعه... كل ما ينتجه الشعب السعودي لا يشكل نسبة 5% من الدخل القومي العام والباقي يعود الفضل به إلى النفط ومشتقاته الكيميائية لنمتلك سيولة عالية تضيع بين فترة وأخرى.. أزمات في أسواق الأسهم كل عام.. وخصخصة شركات كل شهر لامتصاص السيولة ولم يراعى عند الموافقة على طرحها نسبة البطالة التي سوف تمتصها هذه الشركة. كل ما هو مطلوب طرح شركة لسحب السيولة فقط ومواطن يطلب قرضاً ليستهلك أو يستثمر فيما لا يعرف ليعوض عجزاً في دخله كان أحرى أن يعوض له من خلال عمله الأساسي ليزداد استهلاكه وكذلك إنتاجه وتلك هي دورة الاقتصاد.
الاقتصاد السعودي يفتقد إلى عنصر النمو عن طريق الدورة الاقتصادية وهي إنتاج ثم استهلاك ثم تطوير ومن ثم النمو.. النمو قادم من عنصر خارجي وهو أسعار النفط فقط ولا علاقة له بإنتاج المؤسسات الوطنية.. بصراحة نحن نمتلك سيولة ولا نمتلك اقتصاداً أبداً.
حتى التعليم لم يراعى ولم يصمم بطريقة تناسب سوق العمل وفي الأخير صممنا معاهد لإخراج عمال سوف يكون دخلهم نقطة ضعف على الاقتصاد في بلد تتفجر فيه الشركات ولكن فقط لتحسين وتجميل سوق الأسهم، وهذا ينطبق على ضعف قطاعات أخرى تمس المجتمع مثل (الصحة والقضاء التجاري).. تقرير فرنسي يؤكد كلامي.. ليظهر جانب ضعف الاقتصاد وحقيقة الأبعاد الخفية التي تبين أن السعودية لا تمتلك اقتصاداً حقيقياً..
مجرد سيولة تضيع كل عام في سوق الأسهم أو تتجمد في العقار والسيناريو سوف يتكرر وخبراء اقتصاديون يرسمون لنا الغد عبر التحليل الفني فقط والسبب أن كل هذا لا علاقة له بدخل الدولة ولم يراعي دخل المواطن".
وبسبب افتقاد البلاد لرؤية مستقبلة وخطط مدرسة لتسخير الموارد والطاقات فقد عانت المملكة من كافة مظاهر التقادم والتراجع في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة، ولم تحقق أية انجازات تنموية يعتد بها، وتسجل في تاريخها الممتد لأكثر من 80 عاما، بل نخرت فيها الأمراض والظواهر الخطيرة، وشدت حضاريا وتنمويا عن دول الخليج الأخرى، وساهم المناخ الاجتماعي المحافظ في كبح جماح أي نهضة إنسانية واقتصادية وحضارية يعتد بها، فهربت رؤؤس الأموال والأفكار الاقتصادية والتنموية الخلاقة، واستفحل الجمود في كافة مرافق البلاد، وأصبح الأداء الحكومي عديم الشفافية، وطغى على مختلف المؤسسات الحكومية التقليد والتبعية وغياب الإبداع، وشاعت التناقضات الاجتماعية وزادت المصاعب المعيشية للمواطنين وتراجعت الخدمات العامة وزادت معدلات الفساد، وشاع التدين السلبي الذي حارب قيم العصر ومتطلبات النهضة وأصبح عائقا أمام أي تجديد أو تطوير أو تشييد حضاري واقتصادي وتنموي يعتد به، ولإثبات ذلك نستشهد بالنقاط التالية:
(1) المملكة تسجل أعلى نسبة فساد في دول الخليج: سجلت المملكة نسبت فساد مالي وأداري قدر بـ 3 تريليونات ريال سعودي سنويا، وفقدان 120 ألف وظيفة في العام، وهو الرقم الأعلى في دول الخليج، واحتلت السعودية المرتبة الأخيرة في مدركات الفساد من بين دول الخليج العربية.
حيث جاءت قطر في المرتبة الأولى (28 عالميا)، والإمارات في المرتبة الثانية (35 عالميا)، وعمان في المرتبة الثالثة (41 عالميا)، والبحرين في المرتبة الرابعة (43عالميا)، والكويت في المرتبة الخامسة (65 عالميا)، والسعودية في المرتبة السادسة (المرتبة 80 عالميا)، ويقول اقتصاديون وخبراء قانونيون أن انتشار بعض صور الفساد الإداري في السعودية جعلها في مراتب متراجعة حددتها منظمة الشفافية العالمية، حيث أتت المملكة في المرتبة 80 من أصل 160 دولة في العالم، مشيرين إلى أن الخسائر تعادل الأموال السعودية المهاجرة التي تقدر بنحو 3 تريليونات ريال.
وفي هذا الإطار يتساءل أستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات الدبلوماسية في وزارة الخارجية الدكتور محمد القحطاني عن النشاطات الحكومية الممولة من الدولة والمتراجعة كالصحة والتعليم وانتشار ظاهرة الفقر، موضحا أن كل هذه القضايا تدل على أن كل الأموال التي تصرفها الدولة لا تذهب في الوجه الصحيح.
(2) خسائر المملكة من سوء الإدارة: تخسر المملكة بسبب سوء الإدارة والبيروقراطية سنويا 16 مليار دولار، ومن أمثلة ذلك ما جاء في خبر نشرته صحيفة الوطن في عددها رقم (10421) تحت عنوان: "تفاقم أزمة تفريغ الحاويات في ميناء جدة ومطالب بتدخل رسمي" جاء فيه: تفاقمت أزمة الحاويات في ميناء جدة الإسلامي بعد أن ارتفعت مدة تسليم الحاويات من ساعات محدودة إلى يومين وسط احتجاج التجار على الشركات العاملة في الميناء والمتعهدة بتقديم خدمات نقل وتفريغ تلك الحاويات... وتحرك عدد من التجار وأصحاب المصانع والمستوردين إلى تحويل البضائع المستوردة لميناء جدة الإسلامي عبر الخطوط الملاحية العالمية إلى موانئ دبي لتلافي الخسائر والتلفيات في البضائع نتيجة تأخر خروج الحاويات.
(3) كارثة سوق الأسهم السعودية: في عام 2006 حلت كارثة في سوق الأسهم السعودية حيث فقد المؤشر 50% وفقد معظم المتداولين السعوديين 75% من رؤوس أموالهم، وبلغت السيولة التي خرجت من سوق الأوراق المالية السعودي أكثر من سبعمائة مليار ريال، وعد ذلك عند بعض الاقتصاديين من اكبر السرقات المالية في التاريخ الحديث، حيث يعادل هذا المبلغ ميزانيات بعض الدول النامية.
وكان رد فعل الحكومة هو تخفيض أسعار البنزين (رغم اعتراض شركة ارامكو لما يسببه ذلك من خسائر مباشرة، حيث إن أسعار المحروقات الحالية مدعومة من قبل الدولة وليس لها مدخول يعتد به) من دون سعيها لمعاقبة المتلاعبين وضبط النشاط في السوق ومساعدة المواطنين على تعويض خسائرهم الفادحة التي كانت لها آثار اجتماعية وأسرية وصحية سلبية، كما فعلت الحكومة الكويتية في أزمة سوق المناخ الشهيرة عام 1983 عندما قررت تعويض كل مواطن عن خسائره.
(4) رغم حصول المملكة على المركز الأول في نسبة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من بين دول الخليج إلا أنها تظل نسبة لا تشكل رصيدا في الدخل الإجمالي الذي يظل معتمدا على النفط كمصدر دخل وحيد، ولم تقم الحكومة باستغلال نشاط الشركات الأجنبية لصالح مواطنيها ومشاريعها التنموية، وذلك بفرض توظيف نسبة محددة من المواطنين السعوديين، كشرط أساسي لدخولها في السوق السعودية، وإلزامها بالقيام بأنشطة تنموية تجاه الدولة والمجتمع، إلى غير ذلك من الشروط التي تفرضها الدول على الشركات الاستثمارية الأجنبية والتي لا تشكل في نفس الوقت أية عوائد تذكر أمام سلاسة ومرونة أعمالها وأنشطتها الاستثمارية.
ومن ناحية أخرى، لم تشكل عوائد الإرباح المتحققة من هذه الشركات أي قيمة لصالح تطوير النشاط الاقتصادي للبلاد، حيث إن رفع معدلات الاستثمار يؤدي غالبا إلى زيادة معدلات النمو ومساهمة القطاع الخاص في التنمية وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد وتوفير مزيد من الفرص الوظيفية في السوق.
من شواهد ذلك ما جاء في مقال للدكتور علي سليمان العلي في صحيفة الوطن بعنوان: "هيئة الاستثمار" والمستثمرون الأجانب!
"في الرابع من شهر جمادى الآخرة 1429هـ كتبت مقالاً بعنوان (استثمار أجنبي في الحُمّص) أشرت فيه إلى أن نظام الاستثمار الأجنبي منح المستثمرين الأجانب المزايا والحوافز والضمانات والقروض الصناعية التي تتمتع بها المنشآت الوطنية بهدف استقطاب أموال أجنبية من خارج البلاد لإقامة مصانع أو مشاريع منتجة توفر فرص عمل لمواطني البلاد وتنقل إليه تقنية وتنتج سلعا أو تقدم خدمات بتكلفة مناسبة، إلا أن غالبية المستثمرين الأجانب الذين تم استقطابهم في بلادنا الغالية كانوا مقيمين يمارسون أنشطة تجارية أو صناعية أو صحية أو زراعية تحت كفالة مواطنين متسترين يكتفون بمبالغ مقطوعة وقيَّض الله لهم نظاما يستطيعون من خلاله خلع كفلائهم والاستمرار في نشاطهم نفسه واستقدام أقاربهم للعمل معهم وإنهاء جميع إجراءاتهم بيسر وسهولة من مركز خدمات شامل يحلم بمثله المواطن السعودي. كما أشرت إلى وجود مكاتب خدمات متخصصة في تسهيل حصول الأجانب المقيمين في المملكة على رخصة استثمار أجنبي دون توفر الشروط المطلوبة.
"وقد كنا سابقاً نعاني من ظاهرة تستر مواطنين على وافدين يعملون لحسابهم الخاص مقابل مبالغ مالية ومع إنشاء الهيئة العامة للاستثمار تغيرت أحوال الوافدين وأصبحوا يتمتعون بمزايا يحلم بها المواطن المسكين ويحصلون على التأشيرات التي يرغبون بها بيسر وسهولة ويتسترون على غيرهم من الوافدين وسيطروا على غالبية أنشطة التجارة والصيانة وغيرها حتى بلغت نسبة المستثمرين الأجانب الذين يعملون في الأنشطة التجارية في مدينة جدة أكثر من تسعين في المائة وتباهت إدارة رخص المستثمرين الأجانب في جدة أنها أصدرت ستمائة رخصة جديدة لممارسة أنشطة صيانة سيارات وأجهزة ومطاعم وعمارة ودباغة وهي أنشطة كانوا يمارسونها بالتستر ومنحتهم الهيئة فرصة التحول من مكفول صغير إلى متستر وكافل كبير لعشرات ومئات من الوافدين لهذا فقد نصحت عددا من رجال الأعمال الذين يعانون من صعوبة الحصول على التأشيرات التي يحتاجونها بأن يتفقوا مع احد مكفوليهم على استخراج رخصة استثمار أجنبي ليتم احترامهم وتقديرهم وإعفاؤهم من السعودة ويحصلوا باسمه على التأشيرات التي يحلمون بها ويبيعوا ما يزيد عن حاجتهم".
ويقول الدكتور على سعد الموسى في مقال: "مهزلة رخصة الاستثمار الأجنبي": "قابلته وهو يقضي بصحبة عائلته رحلة سياحية فاخرة كل شيء بها كان من النجوم الـ5. يقول في ثنايا قصته إنه قدم لهذا البلد منذ 40 عاماً خلت، وعمل في مدينة جدة تحت ستار عشرات الكفلاء وكلما فكر في استثمار جديد عمل معه على نقل الكفالة، طالب بالجنسية واستكمل الملف وعندما وجد أن المعاملة تتراكم أوراقاً دون نتيجة تقدم للهيئة العامة للاستثمار برخصة استثمار أجنبي حصل عليها في أقل من شهر. قصته مع رخصة الاستثمار تبرهن أن الهيئة الموقرة في الطريق لأن تصبح ستارة للتستر وتحويلة نظامية للاستثمار الرخيص وباباً مفتوحاً أمام المستثمر الأجنبي لمزاحمة ابن البلد في فرص استثمارية صغيرة. صاحبنا هذا حصل على رخصة الاستثمار ليدير مجموعة من الشقق المفروشة... كان صاحبنا، وباعترافه، يمتلك سلسلة الشقق المتهالكة والفندق المتواضع تحت مسمى كفيل وهمي ومنحته هيئة الاستثمار أن يمتلكها في وضح النهار برخصة استثمار.
".... كنت قبل مقابلته أظن أن رخصة الاستثمار الأجنبي تمنح للقادمين من وراء الحدود من أجل إقامة مصانع السيارات وتوظيف الآلاف في شركات البرمجة، وكنت أظن أن الشرط الأول أمام رخصة الاستثمار الأجنبي أن يأتي بالملايين إلى هنا!... اليوم، من يصدق أن الهيئة العامة للاستثمار الموقرة تمنح رخصة الاستثمار الأجنبي من أجل 6 مغاسل للثياب والشراشف؟ هذه حقائق أمتلك عليها البرهان وسيستيقظون قريباً أمام بوابة - الفوال - وهو يعلق فوق رأسه رخصة استثمار أجنبي".
(5) المملكة تسجل أعلى نسبة فقر في دول الخليج: حيث كشف عضو مجلس الشورى الدكتور سعيد الشيخ إن 22% من مواطني المملكة هم تحت خط الفقر! في تقارب مع بعض الدول العربية والآسيوية التي تفتقر للثروات والإمكانيات التي تمتلكها المملكة، حيث بلغت نسبة الفقر في باكستان 28%، ولبنان 24%، وسريلانكا 22%، وجميعها دول غير نفطية وتفتقر للثروات الطبيعية، وتفوقت على المملكة في تدني معدلات الفقر كل من تونس 7%، وبالمغرب 15%، وهي كذلك دول لا تمتلك أية ثروات طبيعية.
ويتساءل الشيخ: "لماذا هذا العدد والنسبة الكبيرة في دولة غنية مثل السعودية، في وقت تعتبر فيه كثير من دول العالم أن هذه النسبة غير مقبولة".
وجاء في التقرير السنوي الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية إن "دائرة مكافحة التسول في المملكة سجلت ارتفاعا في نسبة المتسولين من السعوديين والسعوديات حيث بلغ العدد لعام 1429هـ 5306 وبلغت النسبة 19% مقارنة بالعام الماضي الذي كانت النسبة فيه تساوي 15% وكان العدد يساوي 4952".
يتساءل عبد الله باجبير في "الاقتصادية" فقراء في ثالث أغنى دولة في العالم حسب متوسط الدخل؟ فقراء رغم أننا نملك ثلث احتياطي البترول في العالم كله؟".
(6) السعوديون يسجلون اقل نسب للأغنياء إلى عدد السكان في منطقة الخليج: وذلك وفق تقريرٍ أصدرته مجموعة "بوسطن كونسالتينغ، حيث احتلت قطر المرتبة المرتبة الثانية عالميًا من حيث نسبة الأغنياء إلى عدد السكان بنسبة 7.9% من مواطنيها، سبقتها سنغافورة التي جاءت في المرتبة الأولى عالميًا حيث 10.6% من السكان يملكون ما يزيد على مليون دولار أو أكثر لكل منهم، جاءت سويسرا في المرتبة الثالثة بنسبة 7.3% ثم دولة الإمارات العربية المتحدة وبعدها الكويت في المراتب 4 و 5 على التوالي، بينما حققت المملكة نسبة 2.2% فقط نسبة الأغنياء بين المواطنين، وهي النسبة الأدنى في دول مجلس التعاون الخليجي.
(7) دخل الفرد السعودي ما قبل الأخير في دول الخليج: حيث احتل المواطن القطري المرتبة الأولى بقيمة تزيد على (107) آلاف ريال سنويا، ثم الفرد الإماراتي بما يزيد على (70) ألف ريال سنويا، ثم الفرد الكويتي بما يزيد على (56) ألف ريال سنويا ثم الفرد البحريني بما يزيد على (46) ألف ريال سنويا، بينما دخل الفرد السعودي لا يتجاوز (35) ألف ريال سنويا، وحل الفرد العماني في المركز الأخير ب (30) ألف ريال سنويا.
حمزة قزاز، كاتب وباحث سعودي، جدة
لا توجد دولة خليجية وعربية تضاهي السعودية في المميزات والإمكانيات، وبالرغم من ذلك فان واقع التنمية في المملكة بمختلف أبعادها شبه كارثي.
ميدل ايست اونلاين
كانت المملكة العربية السعودية في بداية تأسيسها دولة تعاني - كباقي الدول من حولها - من انعدام التنمية الاقتصادية والبشرية والبعد عن الحضارة، خاصة وان المملكة دولة حديثة التأسيس، تضم عدد من الأقاليم والمجتمعات المتنوعة والمتعددة، والتي يغلب عليها طابع البداوة والبعد عن المدنية، ولكل منها جذور تاريخية ونمط اجتماعي خاص ولهجة متميزة، وتتنوع على صعيد الانتماء المذهبي والمرجعية الفقهية، في إطار الانتماء للإسلام كدين والعروبة كتاريخ وقومية.
عمدت الحكومة السعودية تحت قيادة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، ومن بعهد نجله الملك سعود إلى البحث عن موارد يقوم عليها بناء الدولة ويضمن وحدتها ويثبت سلطة العائلة المالكة، وبعوائدها يتم بناء الشعب السعودي الذي كان يعاني من الفقر والأمية والجهل، وكافة أشكال التخلف الإنساني بمختلف مظاهره وأبعاده وآثاره، حيث إن الإمارات والدول التي حكمت الأقاليم التي تتكون منها السعودية – باستثناء المنطقة الشرقية والحجاز- لم تقم بأية مشاريع تنموية تهدف إلى بناء الإنسان ونشر العلم والمعرفة والتنوير في أوساط رعاياها، فكان أن اكتشف البترول في الثلاثينات، وبدا إنتاجه وتصديره الفعلي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن العشرين، وبدا به عهد الدولة السعودية القوية الراسخة والمسيطرة، فالبترول لعبت السعودية ادوارا إقليمية وعربية كبيرة، وأصبحت دولة لها أهميتها الكبرى في المنطقة العربية، حيث تمتلك المملكة احتياطات ضخمة من النفط تبلغ 264.2 مليار برميل، ومن الغاز الطبيعي 231 تريليون قدم مكعب، وهي بذلك تمتلك اكبر احتياطي نفطي في العالم، وتعتبر اليوم اكبر مصدر عالمي للنفط، إلى جانب ثروة معدنية متنوّعة كالذهب والفضة والنحاس والزنك والرصاص والحديد والألمنيوم والمعادن الصناعية والفوسفات والفحم الحجري والمواد الأولية للبناء، علاوة على امتلاكها لثروة زراعية وحيوانية وسمكية قابلة للنمو، يمكن من خلالها تحقيق نسبة إستراتيجية من الأمن الغذائي، كما تسيطر المملكة على المدينتين المقدستين مكة والمدينة، اللتان يزورهما ملايين الحجاج والمعتمرين كل عام، ويقع الكيان السياسي والجغرافي السعودي بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويعتبر طريقا هاما جدا لدول الخليج العربية والمنفذ الوحيد لبعضها، وتمتد السواحل السعودية في الخليج العربي والبحر الأحمر على مسافة 2400 كيلو متر، وتطل المملكة على قناة السويس، وتمتد حدودها الدولية لتجاور دول عربية مهمة كالعراق ومصر والأردن، كما إنها طريق التجارة البري الوحيد بين دول الخليج واليمن من جهة، وباقي الدول العربية من جهة أخرى، وتشكل الجزء الرئيسي من الجزيرة العربية، الذي يعج بالثروات، علاوة على ذلك فان عدد سكان المملكة قليل بشكل عام، حيث يبلغ وفق الإحصائيات الأخيرة 25 مليون نسمة، منهم 7 مليون مقيم، أي إن عدد السعوديين لا يتجاوز ال18 مليون نسمة، يعيشون في وطن يمتد على مساحة 2 مليون كيلومتر مربع، يشكل 71% من أراضي شبه الجزيرة العربية.
كل هذه الثروات الهائلة والخصائص التي تتميز بها المملكة، من قلة عدد السكان في مقابل ضخامة الموارد من المفترض أن تبني دولة متطورة وشعبا متقدما ومجتمعا ناهضا في مختلف المجالات والأصعدة والميادين، حيث إن المملكة أغنى دولة في الخليج إن لم يكن في العالم العربي باجمعه. ولا توجد دولة خليجية وعربية تضاهيها في المميزات والإمكانيات، سواء على صعيد الثروة الطبيعية أو عدد السكان أو الموقع الهام أو الإمكانيات المتوفرة، وبالرغم من ذلك فان واقع التنمية في المملكة بمختلف أبعادها شبه كارثي، حيث إن ما تم انجازه على مدى أكثر من خمسين عاما، أي منذ تصدير النفط – لا يشكل إلا جزء محدودا جدا من نسبة العائدات النفطية التي تدفقت على البلاد طوال نصف قرن، بينما تفوقت دول الخليج الأخرى على المملكة في مختلف المجالات، رغم محدودية ثرواتها وإمكاناتها قياسا بالمملكة، التي تعاني اليوم من إشكالات واسعة النطاق تجاوزت معظمها دول الخليج المجاورة لها، أو على الأقل أصبحت لا تعاني منها إلا بنسبة منخفضة كالفقر والتمييز ضد المرأة والأقليات وتخلف أجهزة القانون والقضاء والنظام والاجتماعي، وضعف منظومتي الحقوق والحريات، وزيادة معدلات الفساد وتراجع جودة الخدمات العامة.
ويمكن القول إن المملكة لم تستفد من ثرواتها وإمكانياتها ولم تحقق أي تنمية يعتد بها، إذا ما قورنت بدول الخليج المجاورة لها، فضلا عن الدول التي كانت في نفس مرحلتها التنموية والاقتصادية - كماليزيا وكوريا الجنوبية – التي تفوقت عليها خلال اقل من ثلاثين عاما فقط، بينما ظلت معدلات التنمية في المملكة ثابتة
خلالها ولم تحقق أية انجازات حقيقية.
إن المملكة اليوم تعاني من قلة مشاريع التنمية وإخفاقات حضارية شاملة، وفشل ذريع في التنمية البشرية والاقتصادية والحضارية، تصاحبه عدم وجود إرادة سياسية تأخذ على عاتقها القيام بإصلاحات واسعة النطاق تكون أساسا لتنمية واعدة وتحديث كامل للبلاد يؤدي إلى تطور الحياة الاجتماعية وبناء الإنسان السعودي، والمحافظة على وحدة البلاد وحفظ كيانها السياسي.
قبل أيام احتفلت الحكومة السعودية باليوم الوطني التاسع والسبعين، وكعادة أجهزة الإعلام في الدول النامية فقد بالغت الصحف والقنوات الفضائية الرسمية بإظهار منجزات الدولة، والتقدم الحضاري في مختلف المجالات، وصورت السعودية على أنها دولة تسير في ركب التطور والازدهار، وإنها دولة مستقرة والشعب السعودي يعيش في بحبوحة من الرفاهية والسعادة، ولا يعاني من أية إشكالات أو معوقات خطيرة، يمكن في يوم ما أن تتحول إلى عوامل تؤدي إلى عواقب وخيمة لا يحمد عقباها ولا يمكن تحديد نتائجها وإفرازاتها، هذا هو واقع الإعلام في البلدان التي لا تحظى صحافتها وأجهزتها الإعلامية بالحرية اللازمة التي تمكنها من أداء دورها في رصد مكامن الخلل والضعف ومساعدة الحكومة في أداء مهامها، حيث إن الصحافة في دول العالم الثالث تعمد إلى قلب الحقائق وتزويرها وتساهم في محاصرة الإنسان، فإذا ما كانت أجهزة الأمن تحاصر جسده، فان أجهزة الإعلام تحاصر عقله وتمنعه من التفكير في واقعه وحقيقة ما يعيشه في بلاده، فالمملكة على النقيض مما زينته أجهزة إعلامها، وهذا هو اخطر ما في الأمر، حيث تصور للحاكم والمحكوم إن الأمور بخير وان كل شي على ما يرام، وهو لا يعلم انه يسير في طريق خطير قد تكون نهايته السقوط في وادي عميق، إن لم يتدارك الأمر ويغير الاتجاه.
ونوجز في الآتي: بناء على الإحصائيات الصادرة من الصحف السعودية ومراكز الأبحاث والدراسات الإقليمية والعالمية المشهود لها بالنزاهة والموضوعية حول واقع المملكة وحقيقة مركزها على المستوى الدولي، وصورتها الحقيقة ما بين دول العالم، يكتشف المواطن السعودي واقع بلاده المؤلم، رغم ما تمتلك من إمكانيات ومقدرات، من المفترض إن تتحول بموجبه إلى دولة من أعظم دول العالم، ويصبح الشعب السعودي من أفضل الشعوب وكثرها رقيا وتحضرا.
أولا: واقع الاقتصاد الوطني.
يقوم الاقتصاد القومي المعاصر على إستراتيجية تسخير الموارد القابلة للنضوب كالنفط والغاز والمعادن الصناعية في تشييد بنى تحتية متطورة، واستثمار دائم للموارد الغير قابلة للنضوب، وتحويل المجتمع الاستهلاكي إلى مجتمع قائم على الإنتاج والاعتماد على قدراته الذاتية – برعاية الدولة - في تحقيق الرفاهية وإشباع الحاجات، وتحويل السلطة التنفيذية (الحكومة) إلى مؤسسة تدير الاقتصاد وتشرف على مرافقه، وذلك عبر تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية، وتشييد مرافق خدمية متطورة، وتنفيذ برامج تنمية شاملة، واستغلال شامل لرأس المال البشري والثروة البشرية، باعتبارها رافد لا ينضب، عبر تشييد مؤسسات التعليم والتدريب المختلفة، ومحاربة الفساد المالي والإداري والبيروقراطية وكافة معوقات التنمية، وتحول الدولة من الدولة الرعوية إلى دولة المشاركة، والاستمرار في استغلال الإمكانيات المتاحة من ثروات زراعية ومعدنية عبر القطاع الخاص، وتخصيص المرافق الخدمية التي تشكل عبأ على الميزانية العامة، ووضع خطة إستراتيجية لرسم شخصية الدولة الاقتصادية من خلال المعطيات المتاحة القائمة على الموارد الغير قابلة للنضوب، ووضع خطط عملية دقيقة لتحويل اقتصاد السكان من الاعتماد على النفط إلى تشييد اقتصاد فعلي قائم على الإنتاج الحقيقي والاعتماد على الذات، ودعمه ببرامج تأمينات وقروض ميسرة، ليتحول بموجبها القطاع الحكومي إلى قطاع إدارة وإشراف وخدمات وإنتاج في نفس الوقت، لتكون بذلك ميزانية الدولة من خلال الضرائب والرسوم التي تفرض على دخل الأفراد والمنشئات والمؤسسات التجارية والاقتصادية والاستثمارية، وأرباح شركات القطاع العام، سواء المملوكة بالكامل للدولة أو الشركات المساهمة التي تمتلك الحكومة جزء من أسهمها،
ليقوم الاقتصاد الوطني في نهاية الأمر على مفهوم المشاركة الإقليمية والعالمية في كافة القطاعات والمجالات المتاحة في إطار الدولة القومية وسيادتها.
هكذا قام اقتصاد اليابان التي لا تمتلك أية موارد تذكر، ولكنها قامت على استثمار ضخم لرأس المال البشري، وماليزيا التي كانت قبل 20 عاما دولة زراعية، ولكنها من خلال تطوير التعليم وتشجيع الاستثمارات تمكنت من جلب المليارات من الدولارات التي شيدت بها بنى تحتية متطورة وأسست قواعد راسخة لاقتصاد مزدهر، تطور بسرعة كبيرة عبر النجاح المنقطع النظير في خطط التنمية الاقتصادية والبشرية وتشييد وتطوير البنى التحتية، وكوريا الجنوبية أيضا - التي كانت قبل 30 عاما دولة استهلاكية وتصدر آلاف العمالة لدول الخليج - شيدت اقتصاد قائم على الصناعة واستثمرت في رأس مالها البشري، فعادت معظم عمالتها إلى الداخل وأعيد تأهيلها وتدريها ثم ضخت في آلاف المعامل والمصانع لتشيد اقتصاد قائم على الإنتاج والمعرفة والابتكار.
والنموذج القريب من المملكة – رغم محدودية التجربة وعدم نضجها- هو اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يشكل العائد النفطي من حجمه الإجمالي 36% فقط، بينما تشكل مصادر الدخل الغير نفطية 64%، وان كانت إمارة ابوظبي ما تزال تعتمد على النفط في تمويل الميزانية الاتحادية، فان إمارة دبي لا يشكل النفط سوى 4% من دخلها، ومع ذلك فإنها ترفد الميزانية الاتحادية بمقدار النصف، حيث تمكنت دبي من تحويل نفسها لمركز مالي وتجاري إقليمي، يضم مقرات وفروع لآلاف الشركات والمؤسسات المالية حول العالم، وأصبحت مركزا إقليما لإعادة التصدير والترانزيت، وأصبح مينائها يستقبل أضخم الحاويات والسفن، وأسست حكومة الإمارة عشرات الشركات الاستثمارية الضخمة التي تدير استثمارات بمليارات الدولارات في مختلف أنحاء العالم، بينما الشركات الحكومية أو شبه الحكومية في المملكة لا تحقق أرباح تذكر وتعوض خسائرها من خلال الدعم الحكومي، فشركة النقل الجماعي والشركة السعودية للكهرباء والخطوط السعودية والمؤسسة العامة للسكك الحديدية، جميعها شركات خاسرة ولولا الدعم الحكومي السخي لأعلنت إفلاسها منذ زمن بعيد
وتمكنت دبي بذلك من بناء اقتصاد محلي يعتمد على الاستثمار في رأس المال البشري، سواء الوطني أو المقيم، وقائم على الخدمات والاستثمار والابتكار، بينما اقتصاد المملكة ما يزال قائما على إنتاج سلعة واحدة فقط هي النفط، الذي يعتبر مصدر دخل لثمانية عشر مليون إنسان يشكلون الشعب السعودي، حيث تبيع حكومة المملكة النفط الخام لتنفق به على البلاد والعباد! من دون وجود خطط إستراتيجية لاستثمار العوائد النفطية في بناء اقتصاد حديث ومتطور، بالرغم من تأكيد الخبراء الدوليين إن حقول النفط السعودية تستنزف بمعدل يتراوح ما بين 7 الـ 12% سنويا
وهو ما يعني أنه يتعين على شركة ارامكو أن تضيف سنويا ما بين 600 ألف و800 ألف برميل يوميا إلى طاقتها الإنتاجية لتعوض هذا النقص، كما تشير الدراسات العالمية المعترف بها إن احتياطات النفط المثبتة في العالم تبلغ 1258 بليون برميل، وإنها قد تكفي لاستهلاك 42 سنة، وإما احتياطات الغاز فلـ 60 سنة والفحم الحجري لـ 122 سنة، وفي تقديرات أخرى إن احتياطات المملكة العربية السعودية من النفط قد تكفي لمدة 80 عاما تقريبا، ومع ذلك لم تتحرك حكومة المملكة للبدء بتنويع مصادر دخلها وتأسيس اقتصاد حقيقي، يقول عبد الرحمن الراشد في مقاله (ارامكو البقرة المقدسة) "والسبب الذي جعل «ارامكو» بقرة مقدسة لا يجوز الحديث عنها، أو لمسها، إنها تعتبر المصدر المالي شبه الوحيد لنحو 26 مليون إنسان في السعودية، كون النفط مصدر الرزق العام. الحقيقة إن أهمية «ارامكو» إنها تملك رخصة اكبر بحيرة نفط في العالم".
ويقول أ. د خالد عبد العزيز السهلاوي "إن المتتبع لمسار الاقتصاد السعودي خلال الثلاثين سنةً الماضية يرى مجموعةً من القرارات التي تم اتخاذها بهدف تنويع مصادر الدخل وتصحيح مسار الاقتصاد. من ذلك ما تم اتخاذه بشأن ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي لتقليص العجز في ميزانية الدولة نتيجة انخفاض أسعار النفط في عامي 1985 و1997، وهذا بلا شك أمر إيجابي وجيد، لكن الغريب في الأمر أن حدوث ارتفاع جديد في أسعار النفط يعيد الأمور لما كانت عليه من قبل وكأن شيئا لم يكن، وأن ما حدث لا يعدو عن كونه رد فعل لظروف قاسية مر بها الاقتصاد خلال سنة أو سنتين، وليس إستراتيجية يتم إتباعها لمعالجة اختلالات جوهرية في هيكل الاقتصاد وتصحيح مساره، فكثير من الإصلاحات يتم لمواجهة إشكالية وظروف معينة ما تلبث أن يتم التراجع عنها بعد تحسن تلك الظروف أو تلاشي الأسباب التي دعت لمثل هذه الإصلاحات".
ويقول مازن السديري في صحيفة الرياض: "أولاً: ما هو الاقتصاد؟ الاقتصاد هو علم يدرس إنتاج أي دولة أو مجتمع مع معرفة المنتجات ومن هم المنتجون وشرائح الغنى والفقر بالإضافة إلى دراسة الاستهلاك وطبقاته وأنواعه... كل ما ينتجه الشعب السعودي لا يشكل نسبة 5% من الدخل القومي العام والباقي يعود الفضل به إلى النفط ومشتقاته الكيميائية لنمتلك سيولة عالية تضيع بين فترة وأخرى.. أزمات في أسواق الأسهم كل عام.. وخصخصة شركات كل شهر لامتصاص السيولة ولم يراعى عند الموافقة على طرحها نسبة البطالة التي سوف تمتصها هذه الشركة. كل ما هو مطلوب طرح شركة لسحب السيولة فقط ومواطن يطلب قرضاً ليستهلك أو يستثمر فيما لا يعرف ليعوض عجزاً في دخله كان أحرى أن يعوض له من خلال عمله الأساسي ليزداد استهلاكه وكذلك إنتاجه وتلك هي دورة الاقتصاد.
الاقتصاد السعودي يفتقد إلى عنصر النمو عن طريق الدورة الاقتصادية وهي إنتاج ثم استهلاك ثم تطوير ومن ثم النمو.. النمو قادم من عنصر خارجي وهو أسعار النفط فقط ولا علاقة له بإنتاج المؤسسات الوطنية.. بصراحة نحن نمتلك سيولة ولا نمتلك اقتصاداً أبداً.
حتى التعليم لم يراعى ولم يصمم بطريقة تناسب سوق العمل وفي الأخير صممنا معاهد لإخراج عمال سوف يكون دخلهم نقطة ضعف على الاقتصاد في بلد تتفجر فيه الشركات ولكن فقط لتحسين وتجميل سوق الأسهم، وهذا ينطبق على ضعف قطاعات أخرى تمس المجتمع مثل (الصحة والقضاء التجاري).. تقرير فرنسي يؤكد كلامي.. ليظهر جانب ضعف الاقتصاد وحقيقة الأبعاد الخفية التي تبين أن السعودية لا تمتلك اقتصاداً حقيقياً..
مجرد سيولة تضيع كل عام في سوق الأسهم أو تتجمد في العقار والسيناريو سوف يتكرر وخبراء اقتصاديون يرسمون لنا الغد عبر التحليل الفني فقط والسبب أن كل هذا لا علاقة له بدخل الدولة ولم يراعي دخل المواطن".
وبسبب افتقاد البلاد لرؤية مستقبلة وخطط مدرسة لتسخير الموارد والطاقات فقد عانت المملكة من كافة مظاهر التقادم والتراجع في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة، ولم تحقق أية انجازات تنموية يعتد بها، وتسجل في تاريخها الممتد لأكثر من 80 عاما، بل نخرت فيها الأمراض والظواهر الخطيرة، وشدت حضاريا وتنمويا عن دول الخليج الأخرى، وساهم المناخ الاجتماعي المحافظ في كبح جماح أي نهضة إنسانية واقتصادية وحضارية يعتد بها، فهربت رؤؤس الأموال والأفكار الاقتصادية والتنموية الخلاقة، واستفحل الجمود في كافة مرافق البلاد، وأصبح الأداء الحكومي عديم الشفافية، وطغى على مختلف المؤسسات الحكومية التقليد والتبعية وغياب الإبداع، وشاعت التناقضات الاجتماعية وزادت المصاعب المعيشية للمواطنين وتراجعت الخدمات العامة وزادت معدلات الفساد، وشاع التدين السلبي الذي حارب قيم العصر ومتطلبات النهضة وأصبح عائقا أمام أي تجديد أو تطوير أو تشييد حضاري واقتصادي وتنموي يعتد به، ولإثبات ذلك نستشهد بالنقاط التالية:
(1) المملكة تسجل أعلى نسبة فساد في دول الخليج: سجلت المملكة نسبت فساد مالي وأداري قدر بـ 3 تريليونات ريال سعودي سنويا، وفقدان 120 ألف وظيفة في العام، وهو الرقم الأعلى في دول الخليج، واحتلت السعودية المرتبة الأخيرة في مدركات الفساد من بين دول الخليج العربية.
حيث جاءت قطر في المرتبة الأولى (28 عالميا)، والإمارات في المرتبة الثانية (35 عالميا)، وعمان في المرتبة الثالثة (41 عالميا)، والبحرين في المرتبة الرابعة (43عالميا)، والكويت في المرتبة الخامسة (65 عالميا)، والسعودية في المرتبة السادسة (المرتبة 80 عالميا)، ويقول اقتصاديون وخبراء قانونيون أن انتشار بعض صور الفساد الإداري في السعودية جعلها في مراتب متراجعة حددتها منظمة الشفافية العالمية، حيث أتت المملكة في المرتبة 80 من أصل 160 دولة في العالم، مشيرين إلى أن الخسائر تعادل الأموال السعودية المهاجرة التي تقدر بنحو 3 تريليونات ريال.
وفي هذا الإطار يتساءل أستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات الدبلوماسية في وزارة الخارجية الدكتور محمد القحطاني عن النشاطات الحكومية الممولة من الدولة والمتراجعة كالصحة والتعليم وانتشار ظاهرة الفقر، موضحا أن كل هذه القضايا تدل على أن كل الأموال التي تصرفها الدولة لا تذهب في الوجه الصحيح.
(2) خسائر المملكة من سوء الإدارة: تخسر المملكة بسبب سوء الإدارة والبيروقراطية سنويا 16 مليار دولار، ومن أمثلة ذلك ما جاء في خبر نشرته صحيفة الوطن في عددها رقم (10421) تحت عنوان: "تفاقم أزمة تفريغ الحاويات في ميناء جدة ومطالب بتدخل رسمي" جاء فيه: تفاقمت أزمة الحاويات في ميناء جدة الإسلامي بعد أن ارتفعت مدة تسليم الحاويات من ساعات محدودة إلى يومين وسط احتجاج التجار على الشركات العاملة في الميناء والمتعهدة بتقديم خدمات نقل وتفريغ تلك الحاويات... وتحرك عدد من التجار وأصحاب المصانع والمستوردين إلى تحويل البضائع المستوردة لميناء جدة الإسلامي عبر الخطوط الملاحية العالمية إلى موانئ دبي لتلافي الخسائر والتلفيات في البضائع نتيجة تأخر خروج الحاويات.
(3) كارثة سوق الأسهم السعودية: في عام 2006 حلت كارثة في سوق الأسهم السعودية حيث فقد المؤشر 50% وفقد معظم المتداولين السعوديين 75% من رؤوس أموالهم، وبلغت السيولة التي خرجت من سوق الأوراق المالية السعودي أكثر من سبعمائة مليار ريال، وعد ذلك عند بعض الاقتصاديين من اكبر السرقات المالية في التاريخ الحديث، حيث يعادل هذا المبلغ ميزانيات بعض الدول النامية.
وكان رد فعل الحكومة هو تخفيض أسعار البنزين (رغم اعتراض شركة ارامكو لما يسببه ذلك من خسائر مباشرة، حيث إن أسعار المحروقات الحالية مدعومة من قبل الدولة وليس لها مدخول يعتد به) من دون سعيها لمعاقبة المتلاعبين وضبط النشاط في السوق ومساعدة المواطنين على تعويض خسائرهم الفادحة التي كانت لها آثار اجتماعية وأسرية وصحية سلبية، كما فعلت الحكومة الكويتية في أزمة سوق المناخ الشهيرة عام 1983 عندما قررت تعويض كل مواطن عن خسائره.
(4) رغم حصول المملكة على المركز الأول في نسبة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من بين دول الخليج إلا أنها تظل نسبة لا تشكل رصيدا في الدخل الإجمالي الذي يظل معتمدا على النفط كمصدر دخل وحيد، ولم تقم الحكومة باستغلال نشاط الشركات الأجنبية لصالح مواطنيها ومشاريعها التنموية، وذلك بفرض توظيف نسبة محددة من المواطنين السعوديين، كشرط أساسي لدخولها في السوق السعودية، وإلزامها بالقيام بأنشطة تنموية تجاه الدولة والمجتمع، إلى غير ذلك من الشروط التي تفرضها الدول على الشركات الاستثمارية الأجنبية والتي لا تشكل في نفس الوقت أية عوائد تذكر أمام سلاسة ومرونة أعمالها وأنشطتها الاستثمارية.
ومن ناحية أخرى، لم تشكل عوائد الإرباح المتحققة من هذه الشركات أي قيمة لصالح تطوير النشاط الاقتصادي للبلاد، حيث إن رفع معدلات الاستثمار يؤدي غالبا إلى زيادة معدلات النمو ومساهمة القطاع الخاص في التنمية وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد وتوفير مزيد من الفرص الوظيفية في السوق.
من شواهد ذلك ما جاء في مقال للدكتور علي سليمان العلي في صحيفة الوطن بعنوان: "هيئة الاستثمار" والمستثمرون الأجانب!
"في الرابع من شهر جمادى الآخرة 1429هـ كتبت مقالاً بعنوان (استثمار أجنبي في الحُمّص) أشرت فيه إلى أن نظام الاستثمار الأجنبي منح المستثمرين الأجانب المزايا والحوافز والضمانات والقروض الصناعية التي تتمتع بها المنشآت الوطنية بهدف استقطاب أموال أجنبية من خارج البلاد لإقامة مصانع أو مشاريع منتجة توفر فرص عمل لمواطني البلاد وتنقل إليه تقنية وتنتج سلعا أو تقدم خدمات بتكلفة مناسبة، إلا أن غالبية المستثمرين الأجانب الذين تم استقطابهم في بلادنا الغالية كانوا مقيمين يمارسون أنشطة تجارية أو صناعية أو صحية أو زراعية تحت كفالة مواطنين متسترين يكتفون بمبالغ مقطوعة وقيَّض الله لهم نظاما يستطيعون من خلاله خلع كفلائهم والاستمرار في نشاطهم نفسه واستقدام أقاربهم للعمل معهم وإنهاء جميع إجراءاتهم بيسر وسهولة من مركز خدمات شامل يحلم بمثله المواطن السعودي. كما أشرت إلى وجود مكاتب خدمات متخصصة في تسهيل حصول الأجانب المقيمين في المملكة على رخصة استثمار أجنبي دون توفر الشروط المطلوبة.
"وقد كنا سابقاً نعاني من ظاهرة تستر مواطنين على وافدين يعملون لحسابهم الخاص مقابل مبالغ مالية ومع إنشاء الهيئة العامة للاستثمار تغيرت أحوال الوافدين وأصبحوا يتمتعون بمزايا يحلم بها المواطن المسكين ويحصلون على التأشيرات التي يرغبون بها بيسر وسهولة ويتسترون على غيرهم من الوافدين وسيطروا على غالبية أنشطة التجارة والصيانة وغيرها حتى بلغت نسبة المستثمرين الأجانب الذين يعملون في الأنشطة التجارية في مدينة جدة أكثر من تسعين في المائة وتباهت إدارة رخص المستثمرين الأجانب في جدة أنها أصدرت ستمائة رخصة جديدة لممارسة أنشطة صيانة سيارات وأجهزة ومطاعم وعمارة ودباغة وهي أنشطة كانوا يمارسونها بالتستر ومنحتهم الهيئة فرصة التحول من مكفول صغير إلى متستر وكافل كبير لعشرات ومئات من الوافدين لهذا فقد نصحت عددا من رجال الأعمال الذين يعانون من صعوبة الحصول على التأشيرات التي يحتاجونها بأن يتفقوا مع احد مكفوليهم على استخراج رخصة استثمار أجنبي ليتم احترامهم وتقديرهم وإعفاؤهم من السعودة ويحصلوا باسمه على التأشيرات التي يحلمون بها ويبيعوا ما يزيد عن حاجتهم".
ويقول الدكتور على سعد الموسى في مقال: "مهزلة رخصة الاستثمار الأجنبي": "قابلته وهو يقضي بصحبة عائلته رحلة سياحية فاخرة كل شيء بها كان من النجوم الـ5. يقول في ثنايا قصته إنه قدم لهذا البلد منذ 40 عاماً خلت، وعمل في مدينة جدة تحت ستار عشرات الكفلاء وكلما فكر في استثمار جديد عمل معه على نقل الكفالة، طالب بالجنسية واستكمل الملف وعندما وجد أن المعاملة تتراكم أوراقاً دون نتيجة تقدم للهيئة العامة للاستثمار برخصة استثمار أجنبي حصل عليها في أقل من شهر. قصته مع رخصة الاستثمار تبرهن أن الهيئة الموقرة في الطريق لأن تصبح ستارة للتستر وتحويلة نظامية للاستثمار الرخيص وباباً مفتوحاً أمام المستثمر الأجنبي لمزاحمة ابن البلد في فرص استثمارية صغيرة. صاحبنا هذا حصل على رخصة الاستثمار ليدير مجموعة من الشقق المفروشة... كان صاحبنا، وباعترافه، يمتلك سلسلة الشقق المتهالكة والفندق المتواضع تحت مسمى كفيل وهمي ومنحته هيئة الاستثمار أن يمتلكها في وضح النهار برخصة استثمار.
".... كنت قبل مقابلته أظن أن رخصة الاستثمار الأجنبي تمنح للقادمين من وراء الحدود من أجل إقامة مصانع السيارات وتوظيف الآلاف في شركات البرمجة، وكنت أظن أن الشرط الأول أمام رخصة الاستثمار الأجنبي أن يأتي بالملايين إلى هنا!... اليوم، من يصدق أن الهيئة العامة للاستثمار الموقرة تمنح رخصة الاستثمار الأجنبي من أجل 6 مغاسل للثياب والشراشف؟ هذه حقائق أمتلك عليها البرهان وسيستيقظون قريباً أمام بوابة - الفوال - وهو يعلق فوق رأسه رخصة استثمار أجنبي".
(5) المملكة تسجل أعلى نسبة فقر في دول الخليج: حيث كشف عضو مجلس الشورى الدكتور سعيد الشيخ إن 22% من مواطني المملكة هم تحت خط الفقر! في تقارب مع بعض الدول العربية والآسيوية التي تفتقر للثروات والإمكانيات التي تمتلكها المملكة، حيث بلغت نسبة الفقر في باكستان 28%، ولبنان 24%، وسريلانكا 22%، وجميعها دول غير نفطية وتفتقر للثروات الطبيعية، وتفوقت على المملكة في تدني معدلات الفقر كل من تونس 7%، وبالمغرب 15%، وهي كذلك دول لا تمتلك أية ثروات طبيعية.
ويتساءل الشيخ: "لماذا هذا العدد والنسبة الكبيرة في دولة غنية مثل السعودية، في وقت تعتبر فيه كثير من دول العالم أن هذه النسبة غير مقبولة".
وجاء في التقرير السنوي الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية إن "دائرة مكافحة التسول في المملكة سجلت ارتفاعا في نسبة المتسولين من السعوديين والسعوديات حيث بلغ العدد لعام 1429هـ 5306 وبلغت النسبة 19% مقارنة بالعام الماضي الذي كانت النسبة فيه تساوي 15% وكان العدد يساوي 4952".
يتساءل عبد الله باجبير في "الاقتصادية" فقراء في ثالث أغنى دولة في العالم حسب متوسط الدخل؟ فقراء رغم أننا نملك ثلث احتياطي البترول في العالم كله؟".
(6) السعوديون يسجلون اقل نسب للأغنياء إلى عدد السكان في منطقة الخليج: وذلك وفق تقريرٍ أصدرته مجموعة "بوسطن كونسالتينغ، حيث احتلت قطر المرتبة المرتبة الثانية عالميًا من حيث نسبة الأغنياء إلى عدد السكان بنسبة 7.9% من مواطنيها، سبقتها سنغافورة التي جاءت في المرتبة الأولى عالميًا حيث 10.6% من السكان يملكون ما يزيد على مليون دولار أو أكثر لكل منهم، جاءت سويسرا في المرتبة الثالثة بنسبة 7.3% ثم دولة الإمارات العربية المتحدة وبعدها الكويت في المراتب 4 و 5 على التوالي، بينما حققت المملكة نسبة 2.2% فقط نسبة الأغنياء بين المواطنين، وهي النسبة الأدنى في دول مجلس التعاون الخليجي.
(7) دخل الفرد السعودي ما قبل الأخير في دول الخليج: حيث احتل المواطن القطري المرتبة الأولى بقيمة تزيد على (107) آلاف ريال سنويا، ثم الفرد الإماراتي بما يزيد على (70) ألف ريال سنويا، ثم الفرد الكويتي بما يزيد على (56) ألف ريال سنويا ثم الفرد البحريني بما يزيد على (46) ألف ريال سنويا، بينما دخل الفرد السعودي لا يتجاوز (35) ألف ريال سنويا، وحل الفرد العماني في المركز الأخير ب (30) ألف ريال سنويا.
حمزة قزاز، كاتب وباحث سعودي، جدة