المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علي شريعتي....... بين دين الملوك و دين العامة (مقالة لمحمد زيدان)



الدكتور عادل رضا
09-03-2004, 12:33 AM
علي شريعتي.. بين دين الملوك ودين العامة

19/05/2004
محمد زيدان**


الدكتور علي شريعتي

برز اسم الراحل علي شريعتي بقوة باعتباره صاحب رؤية واضحة في منهج وفكر التغيير؛ فهو مجدد شيعي؛ ولكن منهجه في التجديد الفكري ينطبق على المذهبين الشيعي والسني؛ فضلا عن أنه لم يكن مفكرا متعصبا، وإنما كان منفتحا على الثقافة الغربية وعلى المذهب السني، وهو ما يمكن أن نفهمه من ترجمته كتاب "أبو ذر الغفاري" للكاتب المصري عبد الحميد جودة السحار إلى الفارسية، وكان أبو ذر أحد الصحابة الذين جاهدوا التمايز الاقتصادي والاجتماعي الذي بدأ يظهر في المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وبصورة خاصة عند بداية الخلافة الأموية، وعندما قام علي شريعتي بتسويق صحابي سني في مكانة أبو ذر الغفاري فقد كان يمارس فكر ومشروع التقريب بين الشيعة والسنة.

نشأة ومسيرة غير عادية

الدكتور علي شريعتي المولود عام 1933 في قرية مازينا شرق إيران تأثر بأفكار والده الداعية الإسلامي محمد تقي شريعتي عضو حركة تحرير إيران ذات التوجه الإسلامي الإصلاحي التي أسسها كل من مهدي بازرجان وآية الله طلقاني، وفي نهاية الأربعينيات انضم شريعتي مع والده إلى كبرى الجماعات المعارضة لحكم الشاه، والتي تكونت من عدد من المثقفين الإيرانيين تحت اسم "الاشتراكيون الذين يخشون الله".

وأثناء تواجد شريعتي في باريس عام 1958 لنيل درجة الدكتوراة في التاريخ وعلم الاجتماع الإسلامي درس أفكار فرانز فانون، وتعلم منه أفكارا حول التغريب الثقافي والتأثيرات النفسية السلبية التي أتت بها الظاهرة الإمبريالية، كما تأثر بعلم الاجتماع الماركسي وفلاسفة ومنظرين وثوار مثل روجيه جارودي وجان بول سارتر وشي جيفارا.

وفي باريس اكتشف شريعتي أن أيا من الأيديولوجيات التي درسها لا تستطيع أن تتفهم بشكل كامل واقع وخصوصية ظروف العالم الثالث عامة، والعالم الإسلامي بشكل خاص.

وعندما عاد شريعتي إلى إيران عام 1964 تم اعتقاله فورا، ثم أطلق سراحه، وعمل محاضرا في قسم الاجتماع بجامعة "مشهد"، وقدم علي شريعتي عددا كبيرا من المحاضرات في مواقع مختلفة من إيران، ثم تعرض -بسبب أفكاره الثورية- لاعتقال طويل خلال الفترة من 1973 إلى 1977، وخلال هذه الفترة حققت أشرطة محاضراته انتشارا واسعا بين الشباب الإيراني بصورة خاصة، لكن سلطات الشاه عادت واضطرت إلى الإفراج عن شريعتي تحت الضغوط المحلية الشبابية والعالمية بشرط مغادرته للبلاد، وبالفعل غادر على الفور إلى لندن في يونيو 1977، غير أنه توفي فجأة بلندن، ولم يعرف سبب الوفاة حتى الآن، غير أن المعارضة الإيرانية أكدت وقتها أن أحد عملاء السافاك دس له السم في الطعام.

التقاء تيارات متعارضة

لا يستطيع قارئ شريعتي أن يحدِّد بوضوح موقعه الفكري، على الرغم من إسهاماته العميقة في تجديد النظرة إلى الإسلام! وهو -كأيِّ مفكِّر إشكالي- تقاطعت لديه رؤى متعارضة وثنائيات صعبة، فرضها المشهدُ السياسيُّ والثقافي في لحظة تاريخية، هي حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين التي تعددت فيها الأيديولوجيات والتيارات الحزبية، وانتعشت خلالها التيارات اليسارية والشيوعية وحركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا، وظهرت إزاءها محاولات لاسترداد الهويات القومية والوطنية من جهة، والهوية الإسلامية الجامعة من جهة أخرى.

ويمثل شريعتي بإشكاليته الفكرية مظهرًا من مظاهر أزمة المصالحة العسيرة بين العناصر المتنافرة في العالم الإسلامي الذي كانت تتجاذبه تجلِّياتُ الأنماط السلوكية التغريبية والأفكار التحديثية، متزامنة مع ذيوع المقولات اليسارية والشيوعية ذات المنحى الكفاحي الأيديولوجي، وفي ضوء هذا المسعى التصالحي حثَّ شريعتي على ضرورة اقتباس التجارب الغربية وتوظيف الوسائل الإعلامية؛ كالتلفزيون والمسرح والسينما، في شئون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، دون المساس أو التعارض مع الدين.

بل لقد رأى أن هذه الوسائل تخدم الدين، وتساعد على نشر الأفكار والعقائد والثقافة الإسلامية. ويصف شريعتي هذه المصالحة بأنها حضارية راقية، تعبِّر عن التقليد بشكله الإيجابي الواعي. أما التقليد الذي يستحق الإدانة والشجب في نظره فهو التقليد الأعمى.

ويمتص شريعتي الكثير من المقولات والمفاهيم المختلفة المنتزَعة من حقول الدراسات والعلوم الإنسانية الحديثة التي كان متضلعًا فيها، بحكم اختصاصه في جامعة السوربون في علم الاجتماع الديني وتعرُّفه على أساطين الفكر، مثل ريمون آرون وماسينيون وجاك بيرك وهنري ماسيه وسواهم. وهو يعيد توظيف هذه المفاهيم لبناء نظريته التوفيقية التي تؤالف بين التراث والعصر.

واقتبس شريعتي -الذي تعمق في فهم تاريخ الأديان- من أطروحة هنري برغسون تفريقَه بين "الدين المنغلق" و"الدين المنفتح"، ليستخدم هذا التفريق نفسه لبناء ثنائيته الشهيرة التي تميز بين "دين الملوك" و"دين العامة"، وبين التشيع العلوي (الحق) والتشيع الصفوي (المنحرف).

وشريعتي -الذي ينظر إلى الغرب نظرة إعجاب وارتياب في الوقت نفسه- يقرُّ بالمسيرة العلمية التصاعدية التكاملية التي وصل إليها الغرب وتفوَّق فيها على الشرق. إلا أنه ينكر عليه تفوُّقه على الشرق في المواضيع الأخلاقية والمواضيع المعنوية!

ومن منطلق أن الثقافة ذات خصوصية تراكمت عبر الأجيال المتعاقبة في تاريخ شعب من الشعوب، وصنعت كيانه المعنوي.. كان منطقيًّا لديه أن يدعو إلى العودة إلى الذات لإصلاحها من الداخل.

نظرة خاصة لمفهوم الإمامة


علي شريعتي في شبابه

وفي هذا المقام التأويلي التوفيقي نزع شريعتي -بخطوة متقدمة ودراية اجتماعية- مفهوم "الإمامة" من مباحث علم الكلام الإسلامي باتجاهاته الفلسفية التجريدية التي أبقت هذا المفهوم داخل نطاق المقولات والدلالات النظرية والافتراضية، وأدخَلَه في ملحمة الواقع المأزوم وأروقة الاجتماع السياسي.

وبهذه النظرة الاجتماعية الواقعية للإمامة تملَّص شريعتي من ذيول المنازعات التي اشتجرت بين المسلمين الأوائل، وأراقت الكثير من المداد والدماء، رافضًا الشورى والنص كليهما؛ ليجعل الخلافة قائمة لا بالعوامل الخارجية (مثل الانتخاب أو التعيين أو النص الإلهي) غير مقتصرة على سلالة أو قبيلة أو فئة، بقدر ما هي حصيلة حقٍّ ذاتي ناشئ من ماهية الشخص، ومن تشخيص الجماهير له، وتقبُّل إطاعته، والاقتداء به عن قناعة لا يرقى إليها الشك.

وعلى ضوء هذا الاتجاه الاجتماعي وضرورة التصدِّي لمسائل العصر وقضاياه ينتقد شريعتي أولئك الفقهاء التقليديين الذين ينكبُّون على ألف مسألة شرعية في آداب التخلِّي (الدخول إلى بيت الخلاء) دون أن يقدموا مسألة واحدة أو حكمًا شرعيًّا واحدًا يتعلق بالمصير المشئوم الذي ينتظر الأمة الإسلامية.

مفارقات في حياة شريعتي

وبآلية القياس التي يتبناها علي شريعتي لإقامة علاقة تكافؤ بين بنيتين مختلفتين وزمنين مختلفين تقوم علاقة استمرارية بين حلقات الماضي وحلقات الحاضر، ويجعل من مستقبل التاريخ المدفوع بحركة الصراع بين الطبقات مدارًا لمسار مدفوع -هو الآخر- بحركة العدالة والعناية الإلهية؛ انتصارًا للحق على الباطل، وللمظلوم على الظالم، وللضحية على الجلاد.

وعلى قاعدة هذا التناقض يكشف شريعتي أن العالم الذي لا يعيش إلا في كنف الحضارات الدينية؛ لأن الدين بُعد أساسي في نشوء الأمم والمدنيات.. يعاني من مواجهة دائمة وأساسية بين دين ودين. ومن هنا جاء عنوان كتابه: "دين ضد الدين". أما الأول فهو "الدين المنفتح" الذي يلبِّي أشواق الناس وتطلعاتهم، والثاني هو "الدين المنغلق" على عقائده الجامدة المتحجرة الذي يستلب إرادة البشر.

وحيث إن كل دين يرنو في البداية إلى جادة الحق والصواب قبل أن تضع هذه السلطة المركَّبة يدها عليه وتحرفه عن مساره؛ فإنه يتحول بعامل الخوف والجهل والمُلكية والتمييز الطبقي إلى دين تبريري تخديري (إلى "دين أفيوني"، حسب عبارة شريعتي)، وهذان القطبان المتعارضان المتناقضان في داخل كل دين -أو بين دين وآخر- مستمران في حربهما أحدهما ضد الآخر منذ بداية النوع البشري.

لكن يجب ألا يُفهَم من هذا الكلام أن شريعتي ينتقد أصل التدين كما كانت حال ماركس، عندما قال كلمته المشهورة: "بالنسبة إلى ألمانيا اكتمل جوهريًّا نقد الدين، ونقد الدين هو الشرط المسبق لكلِّ نقد"، إنما ينحو شريعتي إلى تصويب مسار الدين، وتعديل دوره في خدمة الناس، وإلى إيقاف الإسلام على قدميه.

فإن الدين يفقد غايته وعلة وجوده بفقده دوره الاجتماعي والروحي وفعاليته الواقعية ومراميه التغييرية؛ فكلُّ شيء -في نظر شريعتي- ينزع إلى ذاته فحسب، ولا يكون وسيلة لمأرب أو هدف؛ لأنه يفقد فائدته وقيمته مهما كان مقدسًا؛ لذا كان فهم علي شريعتي للإسلام على الدوام أنه إسلام احتجاجيّ اعتراضيّ.

وفي حياته كان علي شريعتي مؤازرًا لحركات التحرر الوطنية، وعلى رأسها الثورة الجزائرية، وانضوى في شبابه في حركة المقاومة الوطنية التي أنشأها طالقاني وبازركان وزنجاني.

وتحت وطأة هذه النظرة الأيديولوجية الكفاحية لدور الدين نظر شريعتي إلى الإنجازات الفنية والجمالية والهندسية ذات الطابع الديني نظرة نفعية فحسب، واعتبر الجمالية المعمارية في المساجد والتزويق والزخرفة زوائد لا قيمة لها وإضافات تحجب حقيقة العبادة.

في حين أن المسجد -"برلمان الشعب"- مركز ومظهر من مظاهر الألفة والانسجام بين الناس وفضاء توحيدي يذيب الحدود والفواصل والطبقات.

ولا فائدة -في رأيه- من الشعائر الحسينية التي يتهم الحكامَ الصفويين بأنهم اقتبسوها من المحافل المسيحية في أوربا الشرقية التي كانت تحيي فيها ذكرى شهدائها، وبأنهم حولوا الإمام الحسين إلى صورة عن آلام المسيح.

بل من مفارقات شريعتي الإشكالي التوفيقي أيضًا أنه لا يلبث -في بعض الأحيان- أن يتزحزح عن موقعه ومنطلقاته وعن رؤيته التجديدية الإصلاحية، ولكن تحت ضغط حصار المناهضين له الذين يتهمونه بالزندقة والمروق؛ فيقرُّ بما سبق له أن غالَطَه وناقَضَه، بل إن المفارقة تبلغ مداها وذروتها حينما يفاضل علي شريعتي (الأستاذ الجامعي الذي درس في أرقى الجامعات الفرنسية) بين الجامعة والحوزة؛ فيؤثر الطريقة الحوزوية في التعليم على طرائق التدريس الأكاديمية الجامعية!

اقرأ أيضا:

علي شريعتي: الحج.. صور وتفسيرات أدبية

المرجعية الشيعية في إيران والعراق

موسى الصدر.. الإمام المخفي!!

حول "المشهد الثقافي في إيران

عبد الجبار الرفاعي: إطلالة على المشهد الثقافي الشيعي

عاشوراء مازوكية.. أم نضالية؟

الدكتور عادل رضا
09-03-2004, 01:05 AM
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=2056