المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمازيغ يطالبون بالاعتراف ولا يطلبون دولة



سلسبيل
09-26-2009, 11:32 AM
سمير التنير - السفير

إن تاريخ البربر بما هو تاريخ منطقة شمال افريقيا، وفي ظل ضعف البحوث واستعصاء الكثير من الاكتشافات والرموز على القراءة، يجعل المؤرخ غير قادر على الاستقرار على حقائق علمية متفق عليها. إلى جانب هذا الضعف يكمن العائق الثاني في الاعتبارات غير المعرفية التي حكمت معظم المقاربات للموضوع، والتي أنتجت تبسيطاً واختزالاً يخضعان الواقع لتأويلات مجحفة.
كيف تم حمل الاسلام إلى البربر وتعريب جزء كبير منهم. ومن تولى هذه المهمة على امتداد أربعة عشر قرناً؟

لا يمكن للمتعاطي مع هذه القضية حتى لو كان منحازاً الا ان يعترف بأن عملية بهذا الحجم من الاتساع والعمق، ما كان لها ان تتم ضمن سيرورة المتشكل والتطور المعروفة وان تتمتع بذلك القدر من سرعة التجــذر والانتشار، لو انها تمت من خارج الجماعة نفسـها. اذ ليس في العروبة والإسلام، كما ليــس في أيـة ديانة او قومية أخرى جوهر يحولها بشـكل سحري إلى شحنة رمزية تستقطب حولـها الأفئدة بشكل تلقائي وتحافظ على استمرارية مفعولها.

الحدث التاريخي المدون يسجل الشكل المتميز الذي تبلورت فيه الهوية الجديدة للمنطقة وملامح هذا التميز والملاحق التي نظمت وحكمت إنتاج مفهوم مشترك للهوية تتماهى معه الجماعات في المنطقة. لكن هذا المفهوم يظل في حدود معينة، مثار اختلاف بين بعض النخب حول دقته التاريخية والسياسية والثقافية، وتحديداً حول موضوع الاتصال والانفصال بين الديني والقومي.

لعل المسألة الأساسية التي يقف عندها الدارس لظاهرة الزوايا والشرفاء في المغرب (مؤسسات تعليمية وثقافية) هي واقع التناقض والازدواجية التي تميّزت به مواقفها من دون أن يلغي ذلك الادوار الأساسية التي لعبتها، أولاً في جمع القبائل وتوسيع رقعة نفوذها، وهي خطوة كبيرة على طريق تكريس تقليد المركزية وثانياً في توسيع دائرة الأسلمة والتعريب. بجعلها علوم الدين المعتمدة على النص المكتوب باللغة العربية المعيار الذي يفصل بين الجهل والمعرفة.

وليس التناقض والازدواجية في التعاطي السياسي مع السلطة المركزية ومع الحماية الأجنبية إلا واحداً من أوجه الصراع الذي ينبغي الوقوف عنده. فالصراع الذي احتدم على مدى عشرات السنين بين السلطة وهذه المؤسسة هو من النوع الذي يصعب تصنيفه من مثل القول إنه صراع بين النظام والفوضى. بل هو من النوع الذي يجبر قارئ الظاهرة بالحذر الشديد. ويطال التعريفات التي جرى تداولها في مجرى التاريخ. اذ ان الزوايا وصلت عن طريق الحجاج في القرن العاشر. لكن ليس ثمة مجازفة في اعتبار ان هذه الظاهرة هي مغاربية في الأساس تزعمتها سلالات عربية في أغلب الأحيان بثقة السكان البربر. وإنها مؤسسات تحتكر إلى جانب المجال الديني والقانوني المجال التربوي والتعليمي، يقوم بناؤها الداخلي على تراتبية عمودية مرمزة اسمياً وعاكسة للتراتبية الاجتماعية ذات الأسس الاقتصادية والاجتماعية.

كيف أسست هذه المؤسسات علاقتها بالسلطة المركزية؟ وما هي المسارات التي قطعتها تلك العلاقة، والعوامل التي تحكمت في تلك المسارات؟

نستطيع أن نسجل بداية أن تلك العلاقات لم تكن ذات طبيعة واحدة وعلى خط واحد ممتدّ ومنسجم. فسلطة الزاوية على المنطقة التي تعيش فيها، هي انعكاس الى هذا الحد او ذاك، لوضع السلطة في المركز. وكما هو الحال بالنسبة للسلطة القبلية، فإنها تنحو نحو التمدّد والاستقلال. وهذا الاستقلال يختلف في مضامينه وفي أهدافه بحسب كل مؤسسة على حدة. هكذا وفي الوقت الذي تميل بعض الزوايا إلى عقد تحالفات مع الغزاة والاستقواء بهم ضد السلطة، تطالعنا اوجه مشرقة من العمل الوطني الذي تزعمته زوايا أخرى.

لعبت مؤسسة ثانية دوراً مشابها (في التعريب والأسلمة) هي مؤسسة الشرفاء والفقهاء والعلماء. وعرف أغلب هؤلاء بتحالفهم مع السلطة. وبإيجاز شديد يمكن القول إن الصراع بين السلطة المركزية والزوايا له أوجه عديدة. الوجه الأول سياسي، ذلك ان العصبيات الفرعية التي تؤسسها الزوايا على أسس دينية وعقائدية تقود اما إلى بناء علاقة وساطة في نظام طرفه الأقوى السلطة التي تحكم بموجب شرعية دينية تكرسها الزاوية.

هنا يمكن التساؤل: هل عروبة المغرب اختيار استراتيجي ام ردة فعل تكتيكية؟ هل التوافق الذي حصل في وعي الوطنيين المغاربة بين الانتماء الديني والانتماء القومي توافق مرحلي أملته شروط العمل الوطني. بمعنى آخر هل الخطاب العروبي الذي صاغته الحركة الوطنية خطاب تلفيقي بين عوامل متنافرة تم لأغراض آنية. الجواب هو بالنفي لأن علاقة التوافق لم تتم بين عالمين مختلفين.
«البربر» كلمة يكرهها المنتسبون اليها في المغرب، تماما كما يكرهون تسمية بلادهم «بالمغرب العربي» فهم يفضلون ان يطلق عليهم اسم «الامازيغ» التي تعني «الرجل الحر».

ماذا يريد أمازيغ المغرب؟ يقول الباحث السياسي محمد الخنوبي «إننا نريد الاعتراف الدستوري باللغة الامازيغية كلغة رسمية ونطالب بإدماج حقيقي لا صوري لهذه اللغة في البرامج والدستور والقضاء والمؤسسات التربوية وادارات الدولة والمؤسسات التربوية».

معروف انه حتى الآن، لا يوجد أي حزب سياسي للامازيغ في المغرب، ولا توجد جمعيات ذات صبغة سياسية. كما انهم لم يذهبوا في ما ذهب اليه بعض ابناء مناطق القبائل في الجزائر الى الدعوة للاستقلال والانفصال. ولكن المطالب الامازيغية في مملكة محمد السادس باتت قضية قائمة بذاتها وحاضرة في النقاش.

سيكون من الخطأ مقاربة «المسألة الامازيغية» في المغرب بالمنطق ذاته الذي نقارب به المسألة الكردية في المشرق العربي او مسألة الاقليات في جنوب السودان بسبب اختلاف الطبيعة بينهما الناشئ عن نوع التكوين الاجتماعي ـ التاريخي للامازيغ في الكيان المغربي المختلف عن مثيله الكردي في المشرق او الاقلوي ـ الديني في السودان.