المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السيستاني أطلق مبادرته دون استشارة أحد أو خوف من الفشل



جمال
09-01-2004, 11:05 AM
النجف ـ موفد القبس ـ
نزار حاتم:

في النجف التي تتزاحم عندها الأحداث ـ هذه الأيام ـ يشعر المتابع بان المرجع الديني الأعلى آية الله علي السيستاني منذ عودته المفاجئة من لندن، اكتسبت مواقفه وقراراته اطارا ممغنطا ينجذب اليه المعنيون بخاصة وغالبية العراقيين بعامة.

والأسئلة الجوهرية التي تسبح في هذا الاطار تتمثل ـ أولا ـ بالأسباب الداعية الى اتخاذ السيستاني قرار العودة بهذه العجالة فيما كان يفترض بقاؤه في العاصمة البريطانية فترة أطول للنقاهة، وتتمثل ـ ثانيا ـ بمبادرته المعروفة التي أطفأت لهيب الأزمة، وما لها من انعكاسات آنيّة ومستقبلية في الداخل العراقي على الصعيدين الشعبي والرسمي.

للإجابة عن هذين السؤالين وغيرهما من الأسئلة المقبلة، لابد من التعرف على بعض جوانب شخصية السيستاني وطريقة تفكيره وتعاطيه حيال مجمل الأمور المتحركة من حوله. ولهذه الغاية أجرت «القبس» سلسلة لقاءات مع مريدي السيد السيستاني المقربين، فضلا عمن يصفونهم حوزويا بـ «أهل الخبرة» أكدوا خلالها أنه ألمع طلاب المرجع الديني الراحل أبو القاسم الخوئي، فقها واصولا، ووصفوه بأنه قارئ نهم لم يقتصر في قراءته على العلوم الدينية، وقد حدّث بعضهم أنه يقرأ كل شيء.


تجارب المراجع ايام الاحتلال البريطاني
وقد أخذ عن استاذه الخوئي طريقة الاصغاء بعناية الى المتحدث معه ليبدأ، تاليا، بسيل من الاشكالات والاعتراضات على ما أفضى به محدثه.

ويضيف هؤلاء المعنيون أنه متأثر جدا بالتاريخ «الميداني» خصوصا على صعيد تجارب مراجع الدين في زمن الاحتلال البريطاني للعراق وما قبله، ولعل هذه النقطة بالذات تمثل حجر الزاوية في فك الالتباس لدى كثير من المتابعين بشأن عودته غير المتوقعة الى النجف.

وقد شدد حامد الخفاف الذي رافقه في رحلته العلاجية واعلن مبادرته لوسائل الاعلام على ان السيستاني اتخذ قرار العودة دون مشورة مع أحد، ودون أن يشير من قريب او بعيد الى مبادرته، فقد حرص على كتمانها لحين وصوله الى البصرة قادما من الكويت حيث أفضى بخطوطها العامة دون الدخول في التفاصيل.


لم يصغ إلى نصائحهم
كما أنه لدى استقباله الوفد الحكومي في البصرة ـ لمدة عشر دقائق ـ اكتفى خلالها بالاستماع الى ما افضى به اعضاء الوفد من نصائح تدعوه الى التريث في التوجه الى النجف بدعوى الحرص على سلامته.

وقد توجه الى النجف دون ان يعير اهتماما لهذه النصيحة لتكون عودته في وقتها المناسب، ولأسباب عزاها مقربوه الى مخاوفه من احتمال دخول القوات الأميركية الى الحرم العلوي خلال فترة غيابه فيكون مثل هذا الحدث ـ لو حصل فعلا ـ سابقة لا يغفرها التاريخ لمقام المرجعية.

وفي خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ مراجع الشيعة، سلك السيستاني طريق الجنوب البري لتحتشد الجماهير، وليثبت لها أنه معها، كما حرص على ان تكون دعوته للناس في التوجه الى النجف بصيغة خلت من الالحاح، حيث أكد الخفاف ـ على لسانه ـ أن هذه الدعوة ليست فتوى وانها مطروحة لمن يرغب، ليكون واضحا ان المرجع الأعلى بدعوته العادية هذه، قد استطاع حشد الملايين خلفه، ما يعني أنه قادر على تحشيد جميع الشيعة لو اصدر فتوى بذلك، وهذا ما يريد ابلاغه للاميركان والحكومة على حد سواء.


التصادم كان واردا
وبخلاف ما يشاع عنه من الغاء احتمال المواجهات كليّا من حساباته، اكد انه لم يسقط مثل هذا الاحتمال من خلال دعوته الجماهير للذهاب الى النجف، حيث امكان التصادم والتصعيد المسلح أمر قائم في ظل الأجواء الملتهبة التي يمكن في ظلها حصول حوادث بسيطة قد تجر الى مواجهة شاملة.

ولما وصل النجف لم يحدث أحدا بتفاصيل مبادرته فيما كان التصور السائد انه سيتصل بالاطراف المعنية للتحاور معهم.

فقد عمد الى ارسال واحد من أعضاء مكتبه الى السيد مقتدى الصدر لابلاغه بالمجيء الى محل اقامته في منزل الشيخ غفار الانصاري، وقد أكد شهود عيان لـ«القبس» ان السيد مقتدى توجه اليه ولم يكن معه أحد غير سائق سيارته، ودخل على السيد السيستاني اذ حرص الأخير أن يكون اللقاء ثنائيا تمخض، عقب ساعة من اللقاء، عن موافقة الصدر على مبادرة المرجعية كاملة، ومن ثم أوعز بالاعلان عن تفاصيلها.

وفقرات هذه المبادرة عمد السيستاني الى صياغتها بمعزل عن تفكير مقتدى الصدر، وتفكير الحكومة لتكون مستقلة وفاعلة هدفها انقاذ البلد من وضع خطير.


انتظار لا تردد
وفيما اثبت المرجع من خلال مبادرته انه متقدم على الحكومة في معالجة الأزمات الخطيرة، فقد ضمّن هذه المبادرة فقرة متعلقة بضرورة تحقيق الانتخابات ليعطي صورة واضحه عن تمسكه بقناعته السياسية في عملية صياغة المستقبل السياسي للعراق، ومن هنا يفسر بعض المتابعين صمت السيستاني حيال كثير من الامور السياسية التي حصلت في البلد على انه انتظار وليس ترددا، ناهيك عن كونه حريصا على عدم الدخول في تفاصيل الممارسة السياسية تحاشيا لاضعاف موقعه الديني، وليؤكد أيضا أنه يعرف متى يقف ومتى يتحرك.


لا تبني للمطالب الاميركية
والواضح لدى مقربيه انه يسعى الى عزل الأميركان سياسيا من خلال حصر تدخلاته في الأمور التي تخص الشعب والحكومة فقط.

وفي السياق ذاته آثر المرجع الديني عدم مطالبة السيد مقتدى بحل «جيش المهدي»، انطلاقا من قناعته في ان هذا المطلب في حقيقته مطلب أميركي، ولو كان طلب من مقتدى ـ حسب مقربيه ـ حل هذا الجيش لفعل بلا تردد، اذ نقل بعض من التقى السيستاني أن السيد مقتدى قد شدد خلال اللقاء على خضوعه التام وتنفيذه لاوامر المرجعية.

ولعل من مصاديق هذا الخضوع اصدار السيد مقتدى أمرا الى انصاره بوقف المواجهات اينما وجدوا، حيث أكد مصدر مطلع لـ«القبس» أن هذا الأمر قد جاء بناء على طلب من المرجع الأعلى، الذي كان قد وعد بعض من يثق بهم في المضي ـ بصورة غير مباشرة ـ في اخماد الأزمات الأخرى عقب احتواء ازمة النجف من اجل أن تمضي العملية السياسية من دون عراقيل قد تستخدم ذريعة لتأخير الانتخابات في العام المقبل.

http://www.alqabas.com.kw/news_details.php?id=81585&cat=2