سلسبيل
08-26-2009, 01:32 AM
http://www.aldaronline.com/AlDar/UploadAlDar/Article%20Pictures/2009/8/25/M1/154653187-111_med_thumb.jpg
د. خالد الفرج - الدار
أكتب هذه الكلمات وأنا على فراش المرض أتصبب عرقاً فقبل بضعة أيام عدت إلى الوطن بعد قضاء إجازة قصيرة مع الأسرة، أثناء السفر وبعد الوصول ظهرت علينا أعراض الانفلونزا، وتراوحت بين احتقان شديد في الحنجرة وارتفاع درجة الحرارة وسعال وغيرها من الأعراض. عندما كنا في الطائرة وزع المضيفون علينا كرتاً طلب منا ملؤه يتعلق بالانفلونزا الوبائي الشائع حالياً، استبشرت خيراً بإجراءات المسؤولين، لكن بعد أن ملأت الكرت لي ولأسرتي همس الراكب الكويتي الجالس بجانبي قائلاً: لا تهتم كثيراً بملء الكروت لأن أحداً لن يسألك عنها عند الوصول ولي تجربة في ذلك ثم رأيته يمزق الكروت.
قلت في نفسي لعله يبالغ في قوله وفعله. وبالفعل ما أن نزلنا ووصلنا إلى ضابط الجوازات وقدمتها له حتى ختم عليها ومضيت إلى قاعة استلام الأمتعة دون أن يسألني أحد عن الكروت المتعلقة بالإنفلونزا.
حتى الآن يبدو أن الأمر عادي،ازدادت الأعراض فأخذني أحد أقاربي إلى المستوصف، فحصتني الطبيبة ثم حولتني إلى المستشفى الأميري، ذهبت بمعية زوجتي إلى المستشفى، فقال لنا طبيب حوادث الباطنية: لقد جئتم إلى المكان الخطأ، كان يفترض أن يتم تحويلكم إلى مستشفى الأمراض السارية، فحص درجة حرارتي وكانت في تلك اللحظة غير مرتفعة فقال: لا داعي أصلاً للذهاب إلى الأمراض السارية لأن ارتفاع الحرارة أهم أعراض الانفلونزا الوبائية.
عدت أدراجي إلى البيت، وقضيت ليلة صعبة، بين انخفاض وارتفاع في درجة حرارتي إلى حد أن أسناني كانت تصطك ببعضها في بعض الأحيان، في الصباح طلبت من زوجتي أن أقطع المسافة الشرعية حتى أتمكن من الإفطار لعدم قدرتي على إتمام الصوم دون شرب بعض الأدوية والسوائل،كنت متردداً في الذهاب للأمراض السارية، لكن تطور حالتي دفعني إلى أن أذهب مع زوجتي إلى ذاك المستشفى. وصلنا وبدأت المفاجآت تترى.
في البدء طلب مني تحويل من المستشفى، وعندما ذكرت للكاتب أن الطبيبة حولتني خطأ إلى المستشفى الأميري وأن طبيب الأميري رفض إعطائي التحويل، لأنه كان هو المخاطب في التحويل، رأف الكاتب بحالي وكتب لي ورقة دخول للطبيب وطلب مني مراجعة الجناح الرابع، وأنا أتساءل في نفسي أن وباء عالمياً منتشراً إلى درجة أن أي شخص يصاب به يصبح بمثابة قنبلة متنقلة هل يعقل أن يطالب بتحويل من المستوصف؟ ألا يفترض بالمسؤولين أن يبحثوا هم عن هذه الحالات حتى لا تقوم بنشر الوباء؟!
وأنا في حال الانتظار، بدأت أتساءل: هل يعقل أن تكون العملية مركزية إلى درجة أن أي حالة مشتبه بها في الكويت لابد أن تراجع مكاناً واحداً فقط...هو الأمراض السارية.؟.لماذا لا تتعدد المراكز المختصة بهذا الوباء الطارئ؟
لن أتحدث عن المكان البائس في الجناح الرابع وكم هو قديم...ولن أتحدث عن الغرفة الضيقة التي انتظرنا فيها والتي لا يتجاوز مساحتها 4 × 4 على أقصى تقدير. لكن كنت أتساءل وأقول: هذا موسم عودة المسافرين من سفرهم، وهو أيضاً موسم عودة الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم... فكيف سيكون وضع الجناح الرابع بعد أيام قلائل؟
وأنا في حال انتظار وأتساءل مع نفسي وأطرح الأسئلة على زوجتي، بدأت جموع المرضى تترى على الجناح، وصار عددهم كبيراً... والطبيب المنتظر لم يأت بعد بل ما زال مصلياً. لحسن الحظ، كان ثمة طبيبة أخرى، لم أتمالك نفسي فصرخت: هل يعقل أن يأخذ الطبيب أكثر من عشرين دقيقة في صلاته؟ تعاطفت الطبيبة معي، وأبدت استعدادها لفحصي مع زوجتي. أخذت منا عينات، وأعطيت لنا أدوية تقاوم هذا النوع الانفلونزا الوبائي، على أن يتم الاتصال بنا فور ظهور نتيجة الفحص إن كانت –لا سمح الله – إيجابية. قالت لها زوجتي إن حنجرتها محتقنة لكن درجة حرارتها غير مرتفعة فأجابت: لقد مرت علينا حالات مصابة بالمرض دون أن ترتفع درجة حرارتها...عند هذه اللحظة تذكرت كلام طبيب المستشفى الأميري وكيف نصحنا بعدم مراجعة الأمراض السارية بدعوى أن الحرارة غير مرتفعة رغم وجود كل الأعراض الأخرى.
لست من أولئك الذين يمارسون التهويل لكن ما شاهدته من استعدادات تتعلق بالإنفلونزا في مستشفى الأمراض السارية لم يكن أبداً بحجم خطورة هذا المرض الوبائي الذي أقلق العالم،خصوصاً أننا نعيش هذه الأيام موسم عودة المسافرين من سفرهم وعودة الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، ولك أن تتخيل الحال عندما يتزاحم المئات وربما الآلاف في الجناح الرابع من هذا المستشفى البائس!
لذا أرفع صوتي إلى مسؤولي الصحة مناشداً: افتحوا مراكز متعددة لفحص الحالات المشتبه بها في مناطق مختلفة من البلد. ولابد أن تكون لكم رؤية موحدة وواضحة يعرفها كل الأطباء حتى لا يكون كلامهم للمرضى متناقضاً، وأخيراً: لا تقولوا أن احتمال الإصابة ضعيف.لأن الإنسان المسؤول عندما يريد أن يتخذ قراراً في الحالات الخطيرة لا يلتفت إلى قوة الاحتمال بل إلى خطورة المحتمل.
Kfaraj@hotmail.com
د. خالد الفرج - الدار
أكتب هذه الكلمات وأنا على فراش المرض أتصبب عرقاً فقبل بضعة أيام عدت إلى الوطن بعد قضاء إجازة قصيرة مع الأسرة، أثناء السفر وبعد الوصول ظهرت علينا أعراض الانفلونزا، وتراوحت بين احتقان شديد في الحنجرة وارتفاع درجة الحرارة وسعال وغيرها من الأعراض. عندما كنا في الطائرة وزع المضيفون علينا كرتاً طلب منا ملؤه يتعلق بالانفلونزا الوبائي الشائع حالياً، استبشرت خيراً بإجراءات المسؤولين، لكن بعد أن ملأت الكرت لي ولأسرتي همس الراكب الكويتي الجالس بجانبي قائلاً: لا تهتم كثيراً بملء الكروت لأن أحداً لن يسألك عنها عند الوصول ولي تجربة في ذلك ثم رأيته يمزق الكروت.
قلت في نفسي لعله يبالغ في قوله وفعله. وبالفعل ما أن نزلنا ووصلنا إلى ضابط الجوازات وقدمتها له حتى ختم عليها ومضيت إلى قاعة استلام الأمتعة دون أن يسألني أحد عن الكروت المتعلقة بالإنفلونزا.
حتى الآن يبدو أن الأمر عادي،ازدادت الأعراض فأخذني أحد أقاربي إلى المستوصف، فحصتني الطبيبة ثم حولتني إلى المستشفى الأميري، ذهبت بمعية زوجتي إلى المستشفى، فقال لنا طبيب حوادث الباطنية: لقد جئتم إلى المكان الخطأ، كان يفترض أن يتم تحويلكم إلى مستشفى الأمراض السارية، فحص درجة حرارتي وكانت في تلك اللحظة غير مرتفعة فقال: لا داعي أصلاً للذهاب إلى الأمراض السارية لأن ارتفاع الحرارة أهم أعراض الانفلونزا الوبائية.
عدت أدراجي إلى البيت، وقضيت ليلة صعبة، بين انخفاض وارتفاع في درجة حرارتي إلى حد أن أسناني كانت تصطك ببعضها في بعض الأحيان، في الصباح طلبت من زوجتي أن أقطع المسافة الشرعية حتى أتمكن من الإفطار لعدم قدرتي على إتمام الصوم دون شرب بعض الأدوية والسوائل،كنت متردداً في الذهاب للأمراض السارية، لكن تطور حالتي دفعني إلى أن أذهب مع زوجتي إلى ذاك المستشفى. وصلنا وبدأت المفاجآت تترى.
في البدء طلب مني تحويل من المستشفى، وعندما ذكرت للكاتب أن الطبيبة حولتني خطأ إلى المستشفى الأميري وأن طبيب الأميري رفض إعطائي التحويل، لأنه كان هو المخاطب في التحويل، رأف الكاتب بحالي وكتب لي ورقة دخول للطبيب وطلب مني مراجعة الجناح الرابع، وأنا أتساءل في نفسي أن وباء عالمياً منتشراً إلى درجة أن أي شخص يصاب به يصبح بمثابة قنبلة متنقلة هل يعقل أن يطالب بتحويل من المستوصف؟ ألا يفترض بالمسؤولين أن يبحثوا هم عن هذه الحالات حتى لا تقوم بنشر الوباء؟!
وأنا في حال الانتظار، بدأت أتساءل: هل يعقل أن تكون العملية مركزية إلى درجة أن أي حالة مشتبه بها في الكويت لابد أن تراجع مكاناً واحداً فقط...هو الأمراض السارية.؟.لماذا لا تتعدد المراكز المختصة بهذا الوباء الطارئ؟
لن أتحدث عن المكان البائس في الجناح الرابع وكم هو قديم...ولن أتحدث عن الغرفة الضيقة التي انتظرنا فيها والتي لا يتجاوز مساحتها 4 × 4 على أقصى تقدير. لكن كنت أتساءل وأقول: هذا موسم عودة المسافرين من سفرهم، وهو أيضاً موسم عودة الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم... فكيف سيكون وضع الجناح الرابع بعد أيام قلائل؟
وأنا في حال انتظار وأتساءل مع نفسي وأطرح الأسئلة على زوجتي، بدأت جموع المرضى تترى على الجناح، وصار عددهم كبيراً... والطبيب المنتظر لم يأت بعد بل ما زال مصلياً. لحسن الحظ، كان ثمة طبيبة أخرى، لم أتمالك نفسي فصرخت: هل يعقل أن يأخذ الطبيب أكثر من عشرين دقيقة في صلاته؟ تعاطفت الطبيبة معي، وأبدت استعدادها لفحصي مع زوجتي. أخذت منا عينات، وأعطيت لنا أدوية تقاوم هذا النوع الانفلونزا الوبائي، على أن يتم الاتصال بنا فور ظهور نتيجة الفحص إن كانت –لا سمح الله – إيجابية. قالت لها زوجتي إن حنجرتها محتقنة لكن درجة حرارتها غير مرتفعة فأجابت: لقد مرت علينا حالات مصابة بالمرض دون أن ترتفع درجة حرارتها...عند هذه اللحظة تذكرت كلام طبيب المستشفى الأميري وكيف نصحنا بعدم مراجعة الأمراض السارية بدعوى أن الحرارة غير مرتفعة رغم وجود كل الأعراض الأخرى.
لست من أولئك الذين يمارسون التهويل لكن ما شاهدته من استعدادات تتعلق بالإنفلونزا في مستشفى الأمراض السارية لم يكن أبداً بحجم خطورة هذا المرض الوبائي الذي أقلق العالم،خصوصاً أننا نعيش هذه الأيام موسم عودة المسافرين من سفرهم وعودة الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، ولك أن تتخيل الحال عندما يتزاحم المئات وربما الآلاف في الجناح الرابع من هذا المستشفى البائس!
لذا أرفع صوتي إلى مسؤولي الصحة مناشداً: افتحوا مراكز متعددة لفحص الحالات المشتبه بها في مناطق مختلفة من البلد. ولابد أن تكون لكم رؤية موحدة وواضحة يعرفها كل الأطباء حتى لا يكون كلامهم للمرضى متناقضاً، وأخيراً: لا تقولوا أن احتمال الإصابة ضعيف.لأن الإنسان المسؤول عندما يريد أن يتخذ قراراً في الحالات الخطيرة لا يلتفت إلى قوة الاحتمال بل إلى خطورة المحتمل.
Kfaraj@hotmail.com