المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النجف في قبضة النار.... عدد الـجواسيس في المدينة يتجاوز عدد زوارها



جمال
08-31-2004, 10:17 AM
النجف: موفد القبس د.جمال حسين

http://www.alqabas.com.kw/images/310804/1.jpeg

للمرة الأولى بعد كل الحروب الشمطاوات التي تذوقنا مرارتها، تسري بنا حرب النجف في مجال ليس له علاقة بالأخريات. وبدون أي تأنيب لضمير العين والعدسة، نسجل لكم، حكاية حرب فاشلة، لا قيمة لها، قاسية في المفرد والمجموع، بأساور الأكباد ولمن يهوى جرّ النار على أطراف ثيابه البالية واستدراج الدم النافر من حلق المدينة وروادها وأهلها النابغين، بالأحجار الممزقة بوابل الأخطاء والأسارير المتهيجة الجراحات والتهليل للكلمات والصواريخ والأرض المحروقة، صور مكانها النجف، أسوأ ما يتنبأ به التحليل السياسي ويبتكره التقرير الإخباري. أن مطحنة النجف، كانت مريعة كطائف للمرقد خيطوا فمه، خارجة عن المألوف، بعيدة عن الأمل، قريبة من الضياع والعذاب.

سنروي لكم على حلقات، نتمنى قبل غيرنا نهايتها، لنلقي قهرها في أحزاننا الساهرة وأسرار التاريخ عندما يهوى التمويه والتدجين والحدس، حكايات التحريم والتحليل، القتل كقدر مصبوب وما تنأى عنه النجوم فوق كوفة الثائرين وأحشائهم في أيديهم وهم نائمون، عن الموت كسخرية ومقدمة ووجنتين شاحبتين، عن تلك المدينة التي سلقوها وحمصـّـوها وغلوها بالغيّ وعلقوها بخيوط اليأس، عن النار مأوى للجماجم والبيوت المنحدرة على رقاب الأطفال والمسافات المبطئة والتضاريس، حالما يحلو لها النيل من البشر، عن الركـّـع الخاشعين والسماسرة المسرفين ومن استمرأ الموت من كل فج عميق، في جوانحها وتصبب ارتعاشاتها ما ان يبحث الرحالة يوم يبعثون عن تلك التي سيسمونها : معركة النجف الأغر!

للمرة الأولى بعد كل الحروب الشمطاوات التي تذوقنا مرارتها، تسري بنا حرب النجف في مجال ليس له علاقة بالأخريات. وبدون أي تأنيب لضمير العين والعدسة، نسجل لكم، حكاية حرب فاشلة، لا قيمة لها، قاسية في المفرد والمجموع، بأساور الأكباد ولمن يهوى جرّ النار على أطراف ثيابه البالية واستدراج الدم النافر من حلق المدينة وروادها وأهلها النابغين، بالأحجار الممزقة بوابل الأخطاء والأسارير المتهيجة الجراحات والتهليل للكلمات والصواريخ والأرض المحروقة، صور مكانها النجف، أسوأ ما يتنبأ به التحليل السياسي ويبتكره التقرير الإخباري. أن مطحنة النجف، كانت مريعة كطائف للمرقد خيطوا فمه، خارجة عن المألوف، بعيدة عن الأمل، قريبة من الضياع والعذاب.

سنروي لكم على حلقات، نتمنى قبل غيرنا نهايتها، لنلقي قهرها في أحزاننا الساهرة وأسرار التاريخ عندما يهوى التمويه والتدجين والحدس، حكايات التحريم والتحليل، القتل كقدر مصبوب وما تنأى عنه النجوم فوق كوفة الثائرين وأحشائهم في أيديهم وهم نائمون، عن الموت كسخرية ومقدمة ووجنتين شاحبتين، عن تلك المدينة التي سلقوها وحمصـّـوها وغلوها بالغيّ وعلقوها بخيوط اليأس، عن النار مأوى للجماجم والبيوت المنحدرة على رقاب الأطفال والمسافات المبطئة والتضاريس، حالما يحلو لها النيل من البشر، عن الركـّـع الخاشعين والسماسرة المسرفين ومن استمرأ الموت من كل فج عميق، في جوانحها وتصبب ارتعاشاتها ما ان يبحث الرحالة يوم يبعثون عن تلك التي سيسمونها : معركة النجف الأغر!

طوال أسابيع قاهرة، طويلة، غاشمة، تردد على كل ألسنة المعنيين مفردة جائلة، سريعة براقة كلآلئ وزبرجد وأحجار لها من القدسية والاحترام، ما يمكن أن تحمل كل هموم الكوكب ما ان تنقشع غيومه.

انه ضريح الامام علي بن ابي طالب.

ما أصعب الوصول

ضمن مبادرة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، قررت قوى الأمن العراقية، بأفرعها المتعددة، منع دخول أي شخص مهما بلغت منزلته، الى الطرق المؤدية الى ضريح الإمام، وكانت هذه مقدمة لسطو الكلام ورشاقة التعبير وعمق البرهان، للوصول الى مكان الحدث مهما كلف الأمر.

ليس مبالغة القول، أن الأمور في النجف، ليست على ما يرام تماما، ولم تمر عشر خطوات ونيف دون سماع رشقات رصاص، قراءتنا لموسيقاها، ليست تبادل إطلاق نار، لكن الذين منعوا دخول العابرين الى كل الطرق المؤدية الى الضريح، كانوا يطلقون النار بكثافة مرة وبانفراد مرة أخرى، لأسباب، قد نوجزها حسب الخبرة بأنها التفاهم بالنار.

توتر سائد

هو عنوان اليوم الأول من السلام المبيـّت والمتفق عليه بعد انبساط الأرض بالحرائق، وهو سلام اللحظة الأخيرة الذي لا يزال مبكرا كحمرة باهتة ومثل كفن لم يخط جيدا.

وهكذا هم الحرس الوطني، أي بعض كتائب الجيش العراقي الفتي والشرطة العراقية وقوى أمنية كثيرة مختلفة، سنتوقف عندها حتما لاحقا، بملابس مدنية أو نصف عسكرية، وأحيانا شبيهة بالميليشيات وغيرها من تقليعات القوة.

والعنوان هو القلق يزيده التوتر عصبية وعربدة وزفرات من لم يتذوق الماء طويلا، فلا أحد يرغب في رؤية الغرباء، وفوق ذلك بكاميرات.

الطرق المتوعكة

وهي المؤدية الى الضريح والبادية كشبح غامض، أو مثل «روبوت» عملاق انتزعوا منه أسلاكه. يزيد عدد المسلحين على الأعمدة واليافطات والمحلات المحروقة والمنهوبة.

محيرة تلك المعركة المكعبة بصعوبتها البالغة للغاية، فقد كانت عناصر جيش المهدي، وقادته مدركون من الناحية التعبوية عناد موقفهم، فأي مهاجم يحاول اقتحام الضريح عليه تحمل الكثير من الخسائر، فإلى جانب الأزقة الضيقة التي تؤدي إليه وسهولة رصد المهاجمين، فان كل المباني التي تحيط بتلك المنطقة مزودة بالمعمار النجفي المعروف والذي يسمونه العساكر الملاجئ، فيما يسميه المحليون : السراديب.

والسراديب تشكل مدينة متكاملة تحت أرض النجف، ومنها سرية للغاية ولا يعرفها سوى قلة، تلك التي تؤدي الى مركز الضريح ومنه تلقي بك الى فؤاد المدينة.

كان الاقتحام، إذاً، عبارة عن معركة شوارع غير مضمونة النتائج، وعلى الأرجح، فان هندسة المكان، عقـّدت من خطط المهاجمين ومنحت المدافعين المنتشرين في المدينة القديمة والسوق والشوارع المتفرعة من الضريح، كما الضريح نفسه، قدرا هائلا من المناورة يدركه أي شخص ذي حس عسكري وخبرة كافية.

كفاية السلاح

ولجيش المهدي والقائمين عليه والمنفذين لأوامر قيادته، السلاح الفعال الكافي، من ناحية النوع والكم. وهو السلاح المنسجم تماما مع المكان الشديد التعقيد.

فالصواريخ المضادة للدروع والبي كي سي وبنادق القنص والرشاشات ومدافع الهاون السهلة الحركة وغيرها من الأسلحة الخفيفة، كافية جدا للمشاغلة في حرب الشوارع.

فالدبابات الأميركية لو تدخل الى الفروع المؤدية للضريح ستّضرب بسهولة ويسر، فعرضها يغلق الشارع، وستنهمر عليها الصواريخ من الشبابيك وأسطح المنازل.

ولو طارت لتغطيتها المروحيات، فسيتحتم عليها اتباع تكتيك الأرض المحروقة وتدمير كل المباني وتسويتها بالأرض، وهذا لا يستطيع أحد فعله بالقرب من المرقد، على الرغم من أنهم فعلوا ذلك كما سنريكم في حلقة قادمة، ولكن مهما بلغ حجم التدمير، فمن الصعب الوصول الى السراديب.

شبه التحليل العسكري هذا، نراه مفيدا جدا، لإدراك أسباب ما آلت إليه الأمور نحو «السلام البارد». فالفرقاء وصلوا الى مرحلة من تدمير بعضهم البعض، لا يستطيعون بعدها القيام بتدمير شامل، إلا في حالة قلع الضريح من على وجه الأرض، وهذه الخطوة لا يستطيع أحد على قيد الحياة الآن القيام بها، ووصلت الحالة، أن الضريح نفسه، اتكأ على جراحه بين الحين والآخر.

تنظيف وجرد

يمر الضريح هذه اللحظات، التي سجلناها، بمرحلة نقاهة وتنظيف وتلميع ونقل مخلفات المعركة، وعلمنا بأن الحكومة ستباشر فورا بتصليح الأضرار التي تعرض لها، على الرغم من صعوبة تنفيذ هذا الأمر من دون مختصين وخطاطين ونقاشين وتوفير مستلزمات كالكاشي الكربلائي الخاص ووضعه في الأماكن نفسها وبطريقة تشبه عملية التجميل، وهذا الأمر يتطلب وقتا ومعرفة وجهودا محترفة.

وبالنسبة لعملية الجرد، فقد تحدثوا عنها كثيرا، لكننا علمنا بأن عملية الجرد الفعلية لم تبدأ بعد، لأن على اللجنة المكلفة بهذا الأمر العمل في ظروف طبيعية، ناهيك أن هذه اللجنة غير مكتملة حتى الآن، فالجماعة في جيش المهدي، تولوا مهمة ترحيل بعض العارفين بحيثيات الصحن الحيدري من على وجه الأرض ابتداء من سادن الحضرة حيدر الكيدار الذي قتل مع السيد عبد المجيد الخوئي في معركة السيطرة على «المفاتيح» ابان سقوط النظام، وآخرين غادروا النجف وأكثرهم الى إيران، التي وجدت لها منفذا جديدا لفتح صفحة جديدة للصراع من أجل الضريح.

ترميم وتضميد

وملخص المسألة، بدأ عندما اقترحت إيران ووفق نوايا لا نجد ثمة ضرورة للتوقف عندها الآن، القيام بترميم ضريح الإمام بنفسها.

وهذا الاقتراح اعتبره الرسميون وغير الرسميين في العراق، تدخلا ليس له داع في ظروف يتهم فيها وزراء سيادة عراقيون إيران بالتدخل في شؤون بلادهم، لاسيما في المناطق المقدسة.

فالعراقيون لابد أن يعثروا على بعض قطع الكاشي الخاص يضمدون بها جراح الإمام التي لم تندمل بعد، ولا يجدون ثمة ضرورة استراتيجية لاستيراد عدد من الطابوقات لوضعها في مكان المدمرة منها، فلماذا الظهور الإيراني مجددا في باحة الضريح؟!

جواسيس وضح النهار

نسأل العقيد والمقدم والرائد والنقيب في الحرس الوطني، المنهار تعبا أو المتوتر قلقا، الزائغة نظراته، والمتوجس خشية، الواضع أصابعه على زناد اللحظة المقبلة، والملثم من غدر الغادرين، لمن يتبع هؤلاء الممغنطون بدشداشات رثة ويحملون معهم أحدث أجهزة الاتصالات وكاميرات التجسس : هل تعرفون هؤلاء المتسولين وكيف وصلوا الى جدران الضريح؟ فالمنطق لا يفرض وجود متسولين عند بوابة ضريح لا يصل إليه أحد، والمتسول يفترض أن يمارس مهنته بين زحمة الناس وحتى في المقابر، فلماذا يتعاطاها في منطقة عسكرية محظورة؟!

وغيرهم وغيرهم، لكن ما لا يقبل الشك والجدل، أن بعض الدول والكثير من القوى ترسل من يصور لها ما يجري في تلك اللحظات الرهيبة التي تعيشها المدينة ولا تعتمد على التغطية الإعلامية المحدودة، فلكل طرف حساباته وأجندته ومقاييسه في تقييم الآتي، وعليه الاستناد بالحجة والتبرير على الصور واستنساخ ما يجري بالمليمتر، فهنيئا للمدينة المدمرة جواسيسها الذين تجاوز عددهم عدد الزوار الطائعين.

مرور عرضي

كان من الصعب في تلك اللحظات المضطربة والوقت النازف أسابيع من الدماء، العثور على من يحكي لك حقيقة «واقعة الضريح».

غير أن للصدف وقعها الأفضل من ألف ميعاد، فقد مر رجلان بالملابس الدينية التقليدية عبر ساحة الضريح، وكانا يتطلعان نحونا، الأمر الذي شجعنا الى استنفار بعض الأسئلة.

بداية لم يكن هذا التوقف العابر بحاجة الى المزيد من التعريف، فهما من العاملين في الحضرة، والمحظور عليهما أيضا دخولها في الوقت الراهن.

وأبدا الشيخان الشابان معرفة حسنة بما حصل، لكونهما يسكنان في الحي نفسه المطل على المرقد المقدس، وعلى حد قولهما فان الأصوات التي كانا يسمعانها (والمقصود أصوات القتال )، كانت كافية لمعرفة ما يجري، وليس الرؤية فقط. وأكدا على فضل المرجعية لتجنب موقف صعب جدا، كاد الضريح ومن فيه التعرض إليه، وحسب قولهما، فان تدخل المرجعية في اللحظة التاريخية والمصيرية أوقف عاصفة كادت تبعثر كل التاريخ الماضي والمستقبل الغامض.

ولأول مرة نسمع صراحة من أحد عبارة «جرائم جيش المهدي» بقولهما: إنها واحدة من جرائم جيش المهدي !

ومن الواضح أنهما يتبعون للحوزة، غير المتفقة تماما مع الصدريين، لكن ما أثار في هذه المسألة أن عبارتهما كانت مباشرة وصريحة وشجعتهما على إرشادنا الى بعض من هذه «الجرائم» حسب وصفهم إياها والتي سنتحاسب معها في مناسبة قادمة بلا شك.

جراح الضريح

لعدستنا نحو عشرين لقطة لآثار تدمير حلت بجدران الضريح، أشار إليها الزميل نزار حاتم في رسالته أمس، أكبرها فتحة يمكن لشخصين المرور عبرها بالقرب من بوابتها الخلفية وثقب قطره نصف متر حطم الواجهة الغربية منه، أما الضربات الأخرى فقد أحدثت شقوقا وحفرا لأثمن نقوشه المزينة.

ولابد من الإقرار بأن التصريحات التي كان يطلقها الناطقون باسم جيش المهدي حول تعرض الضريح للقصف كانت صحيحة، ويبقى السؤال : من الذي قام بقصف الضريح؟

المساحة المخصصة لجلوس ومرور الزوار حول الضريح والمبلطة بالطابوق الخاص، كانت مليئة بحفر نتيجة سقوط قذائف.

تفحصنا هذه الحفر وآثارها بمساعدة استشارية من بعض العالمين بشؤون القذائف إضافة الى بعض المعرفة بالشيء قادنا لافتراض أنها بفعل قنابل عنقودية، فهي تتوزع بشكل عادل على منطقة واسعة، ولا يوجد تأثير إلا لمثل هذا النوع من القنابل.

وبما أن جيش المهدي لا يمتلك العنقودي ولا وسائل إيصاله لأرض العدو، فالاستنتاج الوحيد، أن الطائرات الأميركية ألقت بالقنابل العنقودية فعلا على المساحة القريبة للغاية من جدران الضريح. ويحتمل جدا، أنها أصابت بقذائف أخرى جدران الضريح وأحدثت فيه الأضرار التي تبينها الصور الصريحة.

لسبب منطقي وحيد، هو أن عناصر جيش المهدي لا يستطيعون قصف أنفسهم وهم المنتشرون بكثافة في هذه المنطقة.

ولكوننا لا نبرر لأحد في هذه الحرب السيئة الصيت على الجميع، فأن وجود الضريح بحد ذاته، في مكان يطلق عليه العسكريون : مجال الرمي أو ساحة المعركة، فمن غير الممكن عدم إصابته بأي «طشـّـار»، نفترض أنه غير متعمد لإنهاء الجدل حول هذه المسألة.

كل هذا البهاء

تنحني أمام الضريح وتداري بعض الدموع، حتى تدرك كل هذا البهاء الذي رؤيته تعادل إلقاء ماء على عين سلكت صحراء، بأقواسه الساحرة التي تفكك الأسرار وتضمد الجراح.

وأبهى ما حدث، سلامته وخروجه معافى، كعطايا جديدة.

تدخلت المعجزات لتنفض الفرقاء عن قبر ابن عم رسول الله وصديقه.

تنساب المياه التي غسلت الصحن والجدران، مداوية آلام ما تبقى من مدينة عبر فضاء نظر وجه أجنحتنا لملاقاة ملائكة التعب للبدء في رواية الجزء الآخر من حكايات المدينة المحروقة.

http://www.alqabas.com.kw/news_details.php?id=81456&cat=2

جمال
09-01-2004, 11:01 AM
النجف في قبضة النار - 3

النجف ـ موفد القبس د. جمال حسين


لاقت النجف حتفها، غادية زهرا مكرها على الذبول، وأحجاراً محترقة منخورة، وعبر طرقها الدهماء ترتعش المقارنة مع مدن مقهورة أخرى في الأرض وأقربها بيروت قبل ان تستعيد سلامها المفقود، متطوعة للغفران منتظرة العون لتستعيد أمانها وسلامها والبهاء.

وحريق النجف يؤدي إلى التحليل المر المستنتج بكيمياء البارود، بأن وقف إطلاق النار حل متأخرا جدا، وبعد خراب المدينة البادية كما لو أن هراوة عملاقة ضربتها وبرّحت في إيذائها.

عبر المدينة القديمة

إنها قديمة جدا، أحياء النجف المسماة بالمدينة القديمة والتي كانت المعارك تدور فيها.

تجاوزا على الأعراف المعتادة نسميها معارك، فقد كان الأمر أشبه بسيل نار يتدفق على نار أخرى، فتحسر البيوت رأسها وتستسلم للدمار والانهيار، كما لو كانت في زاوية عاثرة فيها، فجرت قنبلة.

والشيوخ الذين سمرّهم الزمن عند عتبات البيوت، لم يبالوا بالغريب الطارئ، كالشبان الذين تطوعوا لشرح أدق التفاصيل، باضطراب واستعجال كما لو كانت أصواتهم ستصل مباشرة الى الدول المانحة.

بداية كانت أصوات الشبان العاملين في سوق الجملة غاضبة كحركاتهم وملامحهم التي تحمـّـل الغريب أكثر مما يرى، فانشغل بالسماع وتسجيل الصور وترديد عبارات التضامن وبث الحرقة في النفس وتجهم العيون.

كان الشرح يتدفق على حامل العدسة من شبان السوق:

ـ كل بضاعتنا نأخذها «على التصريف»، لقد تحملنا ديونا بالملايين..

ـ انظر هنا، صوّر هناك، تعال وشاهد ماذا فعلوا.

ـ في هذا المحل مات رجل وابنه، وعند المنعطف احترق كل شيء.

ـ من يعوضنا، من يعيد لنا أموالنا؟ هل ستكتب الحقيقة؟

ـ هل يعوضنا علاوي؟ هل يعوضنا الصدر؟

ـ هل تعرف كم من العوائل تعيش على هذا السوق؟

إن الناس الذين شمروا عن كلماتهم التي لم تخرج عما ذكرناه، أبدوا تعاونا عالي اللياقة، بعد دقائق من انسجامهم مع الغريب، ولم يتركوه وحده أبدا، وأرشدوه إلى كل الخطوات التي تسهّل مهمته في تسجيل الدمار المرعب الذي ألحق بأكبر سوق في المدينة.

دمار شامل

وهو كذلك، فلم يسلم شيء أبدا من سوق يمتد على مساحة شاسعة للغاية وسط المدينة. وإزاء هذا المنظر، تعجز الذاكرة عن المقارنة الملحة حول أي حرب خلفت مثل هذا الدمار. لم نر مثله لا في أفغانستان ولا في الشيشان، ولم تخلفه حتى حرب الإطاحة بنظام صدام، عندما تقاتل جيشان نظاميان يحتمي أحدهما بالمدنيين أيضا.

ويبرز سؤال غير سياسي بالمرة: لماذا قصف الأميركان النجف بقسوة شديدة هذه المرة؟!

ويتساءل العابر الجوال: أي نوع من القصف يحرق منطقة واسعة بأسرها؟

بداية، لا يستطيع العابر تخيل أن جيش المهدي (كجيش عدو للقوات المهاجمة التي هي أميركية في حالتنا) يتحصن في السوق، لسبب بسيط، أن سوق الجملة، عبارة عن مظلات من الصفيح ورفوف من الخشب، ولا تصلح أبدا للاحتماء حتى لمدافع أهوج، وهذا ما أكده الشبان الذين صادقوا المصور العابر في هذه اللحظات، حيث قالوا له، إن أفراد جيش المهدي كانوا في بنايات شارع الطوسي وشارع زين العابدين متخندقين عند ساحة العشرين.

فلماذا قصف الأميركان تلك المناطق التي بمجملها فنادق حديثة، وزادوا عليها بإحراق السوق الكبيرة وكل ما يمت الى مركز المدينة بصلة؟

ومع كل المناظر المؤلمة، أصر احد أصحاب المحال على إطلاع العابر على ما حل بأملاكه. وتبين أنه محل لبيع الكرزات والفستق، وقد حمَّصت النيران الفستق وبقي متفحما تماما دون أن يمسه أحد غير النار.

لقد حمّـصوا البلدة، بهذه القسوة لكي يرعبوا جيش المهدي وليعمقوا كراهية الناس له جراء تضررهم الرهيب، وهم بذلك حققوا هدفين بقنبلة واحدة.

السبب المعتق

هو أسلوبهم، ولا يوجد أعتى متطرف في جيش المهدي يجرؤ على إنكاره، وهو أنهم حينما يقررون الدخول في مبنى أو بيت أو شارع، فانهم يحتلونه بالقوة، منكلين أولا بأصحاب البيت أو الملك المعين في حالة اعتراضه، وفي أحسن الأحوال تركه يهرب على وجهه. وبعدها تكون البناية أو أي مكان يتمركزون فيه تحت تصرفهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فلا يستأذنون صاحب المبنى بالقيام ولا بالقعود ولا نصب مدافعهم ولا مد فوهات قناصاتهم.

ومن هنا تبدأ مشكلة القوات الحكومية والأميركية في كيفية إخراجهم من هذه المنطقة التي احتلوها. فالأنباء عندما تتحدث «عن سيطرة جيش المهدي على المدينة القديمة»، أو «نجاح القوات الأميركية في استعادة بعض أحياء المدينة» وجزء مهم من الشارع الفلاني وفرض السيطرة على العلاني، فإن هذا يعني الدمار الفظيع، والنار التي لا ترحم، والجحيم الذي لا يقاوم، إن ذلك يعني قصفا أميركيا بلا رحمة، ودك مواقع بلا شفقة، وتسوية دور ومبان بالأرض، بلا أي عودة ومراجعة قوانين الحرب.

وقالها القادة الميدانيون الأميركيون صراحة ؛ إنهم لا يستطيعون عدم الرد على النيران التي تصوب ضدهم، أولا، وثانيا، ان الرد سيكون ساحقا ومدمرا.

فالمبنى الذي تنطلق منه النيران، يعد مدمرا بعد لحظات من قبل دبابات الأبرام وعربات برادلي والأباتشي ومدافع الهوارتز 155 ملم ومدافع 12 سم وقاذفات القنابل التي تصيب أهدافها عن بعد.

هي إذن، معركة تدمير النفس وقضم لسانك بأنيابك، بما يشبه ترك المقابل يقتلك ومن معك، وعودة الى حساب مجمل الخسائر بين الجانبين، فانها ستكون أكثر من 1 الى 200، وهي النسبة التي تدخل في خانة العمليات الانتحارية.

فمعركة النجف، لم تخرج من أهوال حروب المدن المأهولة التي يتحمل فيها السكان العبء الأول والأخير، بأرواحهم وممتلكاتهم. ولسوء الحظ، تكرر هذا التخطيط والسيناريو الدموي، بلغة نار عنيفة، في النجف.

التزام أميركي

لقد نصّ احد بنود الاتفاق الخمسة على خروج جميع القوات الأجنبية من النجف والكوفة. وخلال المطالعة الميدانية، يمكن التأكيد أن الأميركان التزموا كليا بهذا البند، وخرجت جميع قواتهم من كل أراضي النجف والكوفة، وأخلت مواقعها حتى في المقابر والسماء.

الالتزام الأميركي أنعش المبادرة وشجع على صمود وقف إطلاق النار حتى الآن.

غير أن القوات الأميركية تمركزت في نقاط تفتيش تبعد عددا من الكيلومترات في كل الطرق المؤدية الى النجف، الأمر الذي أحدث زحاما هائلا، قد يطول ساعات، للشاحنات والمركبات العادية التي تسلك الطريق الدولي المار بالنجف، وهذا أثّر نفسيا وعصبيا في الناس الذين يرومون الانتقال على هذه الطرق، ويصابون بطوابير طويلة جدا من السيارات حتى لتلك التي لا تمثّل النجف أو الكوفة هدفا لها.

وإلى جانب الأميركان، فقد رصدت القوات البولونية وهي تعزز من تحركاتها في هذه المنطقة، التي كانت في وقت سابق تحت سيطرتها ومسؤوليتها، لكن أيا من القوتين لم تدخل النجف ـ المدينة واكتفت بالتواجد في القرى المحاذية لها.

يقظة مقتولة

إن الاتفاق جاء متأخرا ولم ينقذ النجف، وهذا شأن حديث الصور التي ستختصر علينا الكثير من الشرح. وأوجع ما في نتائج معركة الأسابيع الثلاثة، أنها دمرت كل الاستثمارات التي ازدهرت بعد أكثر من عام.

فقد وضع كل أصحاب الأموال ما يملكون في مشروعات لدعم السياحة الدينية، ويبدو أن هذه السياحة قد أجهضت عن عمد، كون التخريب قد طال عشرات الفنادق السياحية الحديثة وجميع المرافق التي اعتاد الزوار ارتيادها، كالمطاعم والمحال ودور الاستراحة.

ومراجعة مع أصحاب أملاك مركز النجف بيّنت، أن أغلبهم مماشاة للتغيير الإيجابي الحاصل، هدموا أملاكهم السابقة من مطاعم وفنادق وغيرها، وأقاموا مكانها مباني جديدة تواكب العصر وتنسجم مع راحة الزائرين الباحثين عنها.

زد على ذلك المعامل البسيطة المتخصصة بالتذكارات والصور والمسابح والقطع الأثرية والباعة المتجولين والبسطات. ولا يمكن تغافل، جيش كامل من الشبان الذين وجدوا لهم أعمالا متعددة لدى شركات السياحة، كمترجمين ومرشدين ومرافقين وسائقين وطباخين وكل ما تحمله السياحة من خدمات، تدر ربحا كبيرا على أبناء المدينة الذين تعودوا على هذه المهن وتوارثوها، لغاية اليوم الذي وجدوا كل شيء يحترق أمامهم.

مبان منقذة

أن البنايات الحديثة التي شيدت عند إطار الصحن الحيدري، حمته دون أن تدري. فقد حاول أصحاب العقارات والمشاريع بناء فنادق عالية في مساحات صغيرة يملكونها، لذلك تجاوزوا في ظل غياب القوانين، في الارتفاع وسرقوا من السماء وليس من الأرض.

هذه البنايات العالية أنقذت الصحن الحيدري من إصابته أكثر، فامتصت النيران بدلا عنه، فيما ساعدت بنايات عالية أخرى القناصة الأميركيين على استغلالها والإشراف على المدينة القديمة والتركيز أكثر وتجنب إصابة الصحن الحيدري، زائدا وجود مثل هذه المباني بالقرب من الصحن التي أصبحت كمصد ّ للنيران قبل وصولها الى الصحن.

فهي علاقة عسكرية ـ دراماتيكية ـ قدسية ـ دينية ـ سياسية ـ تكتيكية، ولعلها تتحمل عوامل كثيرة أخرى، تلك التي تربط المعركة المعقدة التي تدور على مبعدة أمتار من مكان يقدسه شعب يفترض أنهم قطعوا آلاف الأميال لكي يساعدوه.

مبان تعيسة

كالمدارس التي رمموها وطلوها من أموال إعادة الإعمار قبل عام دراسي واحد، فقد حولها جيش المهدي الى ثكنات ومخازن لأسلحتهم ومرابط راحتهم، وجدت نفسها من جديد في جوف النار وحلق الرمي. وربما كان لقرار تأجيل بدء العام الدراسي الى مطلع أكتوبر بدلا من منتصف سبتمبر، وهو الموعد المعتاد لبدء العام الدراسي، علاقة بما يحصل في البلاد، من هواية استغلال المدارس والمساجد لمقارعة «الكفار»، وهي طريقة موروثة من النظام السابق بلا شك.

الحيرة القاتلة

إن الكلمات لا بد أن تسير بالعابر الجوال، لكي يدرك أسباب هذه المحرقة، نحو السبب الأخلاقي لها، وملخصه أن الحكومة تريد فرض النظام على جزء من البلاد تقع مسؤوليته على عاتقها، لكن مرارة المنطق الذي حصل تكمن في أن فرض الحكومة المحلية النظام ضد أناس يمارسون سلطة مدنية وعسكرية خارجة عن إرادتهم، حررت يد المارينز ليحيلوا المدينة الى تل من الركام والدمار.

والواقع يقول إن الدمار هو بداية لمرحلة جديدة من الإعمار تكفلت بها السلطة القانونية، بعد مساهمتها في هذا الدمار!! وهذا منطق الحال، الذي من الصعب أن تلقي اللوم فيه على طرف بعينه.

مقابر مؤقتة

وكباقي حروب المدن المحاصرة، يجد المدنيون أنفسهم محاصرين مع المدافعين. ولأنهم يموتون يوميا، ومقبرة المدينة تحولت هي الأخرى الى ساحة قتال، فلابد من دفن أمواتهم في أي مكان.

لذلك شهدت الساعات الأولى من بداية وقف إطلاق النار، عمليات البحث عن المقابر المؤقتة والجثث التي دفنت على عجالة.

وتجاوزا لحكاية «جثث المحكمة الشرعية» التي سنبحثها لاحقا، فقد انتشرت ظاهرة المقابر المؤقتة، التي أرشدنا إليها أفراد الحرس الوطني والشرطة، وقالوا إنهم اكتشفوها بمعرفتهم ولم تساعدهم عناصر جيش المهدي بالاستدلال عليها.

وشعرنا بتحمل بعض العار، عندما كنا نهتف لمسؤولي هذه الأجهزة، عندما يصعب علينا العثور على المكان المحدد وكأننا نسأل عن مطعم أو سينما: أين المقبرة الجماعية؟!

مقابر الأنقاض

وللناظر والماشي والعابر والمصور المزيد والمزيد من الحزن ليسجله، ما أن يشير أحدهم إليه: توقف وصوِّر هنا، تحت هذا المبنى 14 جثة!

تنظر إليه، جاثم بأسقفه وجدرانه على الأرض ومن غير الممكن إزالة هذا المبنى الذي تحول اسمه الآن الى أنقاض كما تحول سكانه من أسماء الى جثث، بالنظر للإمكانات المحدودة التي تمتلكها سلطة السلطة في المدينة والتي لا تتجاوز بعض الشاحنات وتركتورات تصلح ما تصلح للحرث وليس لرفع أطنان من الإسمنت.

سرقات

وتوقفك مجموعة من الشبان الذين حولتهم الحرب الى رجال ابيضت لحاهم، ليقرروا عدم موضوعيتك وحياديتك، فبينما أنت منشغل بتصوير أنقاض الحرب ومقابرها الجماعية يهتفون بك: لماذا لا تصور السرقات؟ وتسأل: أي سرقات؟

ليجيبك أكثر من صوت: عربات الجيش والشرطة، ألم تشاهدها محملة؟!

لا دفاع ممكنا في مثل هذه المواقف غير الاستسلام للعبارة الفضفاضة: لم أر أي عربات تحمل سرقات؟ ويهددونك داخل السؤال: كيف لم ترها؟ فتضطر إلى التبرير من موقف لا حول لك به ولا ناقة ولا حتى جمل: أمتلك عينين فقط ولا تستطيع العينان رؤية ورصد كل ما يجري في البلد!

http://www.alqabas.com.kw/news_details.php?id=81584&cat=2

مجاهدون
09-02-2004, 03:38 PM
النجف ـ موفد القبس د. جمال حسين


لم يتفقوا على تسمية محددة لهم بعد، أولئك الفتية الذين اتخذوا الحرب مهنة لهم بخيارهم، دون أن يزجهم أحد في أتونها. ظهروا بشكل مباغت في مواجهات محلية سابقة وكانت لهم مواقف تحدث عنها كل الأضداد.

بدأوا كتائب ثم أفواجا، وسيزدادون عدة وعددا، طالما تلفظ النيران بريقها على هذه الأرض، وسيعيشون كأشجار مثمرة في البلاد التي ما إن رأتهم مقبلين - في تلك الأيام التي استسلمت فيها الشوارع والأزقة للصوص والمجرمين - حتى فاضت بالأزهار، مانحة ثقتها بعدالة الراية التي تحملها سواعدهم التي قد تحمي من لا حول له ولا قوة في اللحظات المتبقية له قبل أن يموت.

الفتية الذين نوقشت ملفاتهم في قمم الرؤساء وحانات المنظمات وكهوف المجاهدين وصالات العشاء الأخير قبل قص شريط تخرجهم، شبان الوجبة الأولى للجيش العراقي الجديد الذي خلف ذلك المعجون بالحروب، والذين احتاروا في تسميتهم لغاية اللحظة التي دبت في بنادقهم النيران لفض اشتباكات الإخوة.. التي تحولت تدريجيا الى حروب الجميع ضد الجميع. أولئك الذين يسمونهم اليوم: قوات الحرس الوطني.


يسميهم أعداؤهم «دروع الاحتلال»، وصفا لاذعا لخصومهم، كون طبيعة الأمور تفرض وجودهم في الصفوف الأولى، عند نقاط التفتيش والحواجز، وتنفيذا لمطالب أهل الدولة الذين طالما كرروا على الأميركان، ضرورة استبدال قواتهم، برجال لهم السحنة واللغة نفسها للشعب.

لكن استبدالهم بالقوات الأجنبية، منحهم لقبا آخر، بالرغم، من أن واجباتهم الأساسية، ليست بالضرورة مساعدة المحتلين على الإمعان في احتلالهم، بل العكس أقرب في الواقع، حيث يخفف تواجدهم بالقرب من الشعب، معاناته وآلامه التي قد يسببها تواجد أجنبي فظ.

العملاء

وهذا نعت آخر يوصفون به، من أولئك الذين كانوا يوجهون انتقاداتهم بسبب عدم وجود جيش في البلاد. وما أن بدأ القائمون على الوضع تأسيس جيش جديد، حتى سارعوا بتسميتهم العملاء، قبل أن يروهم.

وأسموهم المرتزقة، بينما هم عراقيون اختاروا طواعية مهنة العسكر ليخدموا داخل المساحة الجغرافية لبلادهم، ويتلقوا من وزارة عراقية مرتباتهم، وينفذوا مهام معلنة وغير سرية، وتحت مراقبة الرأي العام، وكانت لهم مواقف في معارك الفلوجة، ولم يسجل لهم حتى أعداؤهم أي تورط مشين في معارك النجف.

حمدا للسلامة

وصفوهم بشتى النعوت، هؤلاء الشبان العراقيون في الحرس الوطني. ولأننا من القلب نتمنى السلامة لكل البشر، فقد استبدلنا تحيتنا بعبارة: حمدا لله على السلامة ! فهؤلاء خرجوا توا من جوف النار والمواجهة غير المواتية، عندما يسلب الرصاص منك حق الاختيار وتوجهه الى أخيك.

كنا نرى وقع هذه العبارة عليهم، وكانوا يتأثرون جدا عندما يسمعونها، فمنهم من يعانقنا وآخر يقبلنا وكأننا تفارقنا البارحة فقط بعد صداقة عمر.

فيهم طيبة لا محدودة ورائحة أهل البلد وعلى سجيتهم ومطيعين للغاية وغير عدوانيين، بالرغم من أن بعض عنجهية الأميركان تسربت إليهم تطبيقا للمثل: من عاشر القوم أربعين يوما.. لكنها غير واضحة وتبرز في المواقف المتشنجة أصلا.

توقف.. سرْ

وهم أهل قانون، حتى لو تجاوزت القانون أمامهم، فسيواجهونك به وبالمعروف.

فالوضع في النجف لاسيما في الساعات الأولى لدخولهم الى المناطق التي كان يسيطر عليها جيش المهدي، لا تسمح لهم بالانشغال مع باحث عن الأنباء أو مصور. فقد كانوا يجتازون مواقع كانت قبل ساعات يتمركز فيها «عدو». وكأي جيش لابد له من التقدم والاستيلاء عليها بحذر متداركا وجود ألغام أو عبوات ناسفة موقوتة أو سلاحا غير مؤمن.. وغير ذلك من مشاكل المعارك.

أي أن الوضع الخاص والعام، الفردي والمجموع كان مشحونا ومتوترا جدا، وفي هذه اللحظات يدخل شخص في زحمة هذه المشاغل والهموم، ليصور!

أكثر من عشر مرات تم إيقافنا وسحبنا من «المواقع العسكرية» وعرضنا على الضابط المسؤول عن الموقع، سجلت عدستنا منها موقفين فقط، حيث يظهر الضباط وهم يتفحصون هوية «القبس» ويحدقون فيها وبنا.

طبعا، في تلك اللحظات التي يحدق فيها الضابط بالهوية، يفكر في تقرير مصيرنا، لذلك، وحسب الخبرة، لا ينبغي تضييع أي جزء من الثانية وتدبير الأمر معه بما يتيسر من حديث يجب أن يتناسب مع وضعه في اللحظة الراهنة.

في كل حالات الإيقاف التي تعرضنا لها كانت النتيجة الإفراج بعد دقائق، لكن طلبا - كما لو أن الجميع اتفقوا عليه - كنا نسمعه دائما منهم: احتكم الى ضميرك عندما تكتب!

استنفار عام

في النجف كل القوى الأمنية العراقية وما تمتلكه الحكومة من وسائل الحفاظ على الأمن والقانون.

وتعبئة الجهود، والقوى كلها في مكان واحد، له سلبية واحدة مقابل الكثير من الإيجابيات.

السلبية تكمن في صعوبة التنسيق بين الأجهزة الأمنية المختلفة، بينما وجودها مجتمعة، يحسب لصالح التخصص بحيث يأخذ كل ذي خبرة دوره.

كما أن مراقبة الأجهزة لعمل الأخرى، يمنع التجاوزات، فمثلا، لو قام بعض أفراد الحرس الوطني بتجاوز ما، فسيمنعهم رجال الاستخبارات، ولو قامت شرطة المرور بفعل غير صحيح، فسيوقفهم رجال مكافحة الإجرام وهكذا.

البحث عن الموت

كانت أول مهمة كلفت بها الأجهزة الأمنية الوطنية وفي مقدمتهم الحرس الوطني، البحث عن مخابئ الأسلحة والذخائر وإبطال ما قد يسبب مفاجآت مميتة.

لقد عثر مقاتلو الحرس الوطني على كميات لا بأس بها من السلاح، غير أنهم لم يضعوا أيديهم على معظم السلاح الذي كان موجودا لدى عناصر جيش المهدي، الذين انسحبوا بخطة وسيناريو محكمين دون أن يخلفوا وراءهم أسلحة جدية - عدا مدفع 57 تركوه بالقرب من الصحن الحيدري، لعل حمله ونقله كان صعبا عليهم، لأنهم انسحبوا بدون سيارات - وبعض القذائف والعتاد القديم.

تعاطف شعبي

أن الذي خطط لوضع الحرس الوطني في مطلع القوات الحكومية الداخلة الى النجف، أصاب في قراره الى حد بعيد، فقد جرى استقبال هؤلاء الفتية من الأهالي بشكل حسن، وتعاونوا معهم بإيجابية وأرشدوهم الى مخابئ الأسلحة والمعتقلات وما أشيع على تسميتها «المقابر الجماعية» ولفتوا أنظارهم الى المباني المدمرة التي سقطت على ساكنيها وغيرها.

بتمنٍّ نقولها، أن العلاقة بنيت بشكل صحيح منذ البداية، لكن الحالة برمتها لا تسمح دائما بالصفاء، طالما توجد قوى تلعب دورها في هذه اللحظات.

كما أن الظرف يحتم تصادم الأهالي مع أصحاب البيت الجدد، فمثلا، عندما يقررون عدم دخول أحد الى مسافة كذا من الصحن الحيدري، فان هذا القرار غير الشعبي، سيؤدي بالضرورة الى مصادمة ولو بالكلام.

فثمة أصحاب أملاك في تلك المنطقة، لا يستطيعون تفقد أملاكهم، وهناك من اعتاد مخالفة الأوامر أضف إليهم الفضوليين والمخبرين وما أكثرهم.

حماية الآخر

وللحرس الوطني دور تعدى الأمني، ليتداخل بعض الشيء بالبناء. فقد أوكلت إليهم مهمة حماية عمال البلدية والمتطوعين الذي قدموا من كربلاء لإزالة الأنقاض وتنظيف المدينة، التي بدأوا حملتها منذ اليوم الأول ابتداء من الصحن.

كلفوا أيضا بحماية ممتلكات المواطنين الذين غادروا المدينة هربا، ومئات المتاجر التي سلمت من الحرق والقصف وما تبقى من المؤسسات الحكومية وشبكة الكهرباء وأبراجها ومحولاتها وغيرها من بنى تحتية خاصة بالمدينة.

استراحة محارب

أن توفير الأهالي الماء البارد والسجاد والكراسي لقوات الحرس الوطني والشرطة، دليل واضح على رفض الناس لأصحاب البيت القدامى وترحيبهم بالجدد، وهذه المظاهر كلها مسجلة بالعدسة وليست من بنات الأفكار وموهبة التخمين.

ولعل أجمل غنائم هذه الحرب، جلسة على حصير أمام المرقد وتناول بعض الماء من يد صبية تريد للجميع السلام والذهاب بأسرع وقت الى مدرستها القريبة، المنزوعة السلاح.


معاناة


يبدو أن قادة الحرس الوطني في النجف، وغيرها أيضا، يعتقدون بأن الإعلام لم ينصفهم جيدا، ويردد تلك النعوت التي ذكرت في المقدمة.

وهو إحساس بالظلم لمسناه من رجال يشعرون بأنهم يخدمون في جيش وطني وحراس لبلد يمر بوضع استثنائي، وفي كل الأحوال فإن عدم وجودهم سيضر بهذا الوطن أكثر. وإذا كان الوطن يتعرض للاحتلال أو للتدخل الأجنبي لهذا الطرف أو ذاك، فالذنب لا يقع لمن اختار العسكرية مهنة له في بلاده.

فهؤلاء الفتية يقفون ساعات طويلة تحت القيظ والنار والأخطار، لا ليحموا أنفسهم، بل مؤسسات ومنشآت الدولة والمسؤولين عليها، يحمون الطرق والجسور والمستشفيات والمدارس، ويطفئون الحرائق ويواجهون العصابات التي تروع الناس بالسلب والنهب والاختطاف. وإذا كان خصومهم بفضائياتهم يتناسون دور المجرمين الحقيقيين الذين أخروا عجلة البلاد عن الدوران ويلقون باللوم على كل ما تفعله الحكومة وأجهزتها، فان ذلك في كل المقاييس ليس ذنب رجال الحرس الوطني ولا الشرطة ولا أي جهاز آخر.


زيارة ليست عسكرية

عندما توقفت سيارة تقل مجموعة من أفراد الحرس الوطني أمام البوابة الرئيسية للضريح، لم نعرف هدفهم، حيث نزلوا من حوض العربة برشاقة، وتوجهوا الى البوابة واصطفوا كما لو كانوا سيؤدون تحية عسكرية لموكب.

لم تفت هذه اللقطة عدستنا، فقد كانت مؤثرة جدا، فالشبان كانوا يؤدون التحية للإمام علي ويمارسون طقوس الزيارة ويقرأون الفاتحة.

لكن سرعان ما تقدم منا صاحب أضخم شارب فيهم وحاول منعنا من تصويرهم، ولأول مرة نجد أنفسنا مجبرين للتوضيح بأسلوب الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع بالقول: هذه الصورة لصالحكم فأنتم تعلمون ماذا يقولون عنكم.. ان صورتكم وأنتم تؤدون الزيارة سترد على اتهاماتهم واحتكارهم التقوى.

بعد أن سمع الضابط الشاب المرافق للمجموعة هذه الجمل، نهر صاحب الشوارب الكثة وتابعوا تأديتهم الزيارة.

جمال
09-04-2004, 10:54 AM
أحــلام جــيش المـــهدي وكوابـيسه

النجف - موفد «القبس» د.جمال حسين:

أنشئ جيش المهدي لسببين أعلنهما السيد مقتدى الصدر بدون شعرية ولا زيادة ولا نقصان: لحماية العتبات المقدسة ولحرمة الحوزة العلمية والمراجع الدينية.
غير أن الأقدار والأيام أثبتت بعد مرور أشهر على نشوء هذه الميليشيات المسلحة بأنه، في نهاية المطاف، العتبات المقدسة والمراجع الدينية هي التي حمت جيش المهدي وليس العكس.

بـَطـُلَ السبب

لو حلّ العجب، لبطل السبب، كحال كل الأشياء المعكوسة التي حدثت وقد تحدث. وستعاني ميليشيات الصدريين كثيرا بعد واقعة النجف، من انهيار أسبابهم الفقهية التي ولدوا من أجلها، فلم يتحولوا الى حماة للعتبات المقدسة، والمرجعية الدينية هربت من مساكنها بسببهم، وهذا ما حصل على أقل تقدير.

ان أحدا لم يتوقف كثيرا لمعرفة سبب العودة السريعة جدا للسيد علي السيستاني من لندن، التي استغرقت ساعات معدودة ومحسوبة كقنبلة على وشك الانفجار، كما نسي الجميع تصريحات وزراء القوة العراقيين التي أطلقوها علنا ومن ثم بلعوا هذه التصريحات لخطورتها، ولخطورتها الرهيبة لم يشأ أي شخص التفكير فيها، تلك التصريحات التي اتهموا بها عناصر جيش المهدي بتفخيخ ضريح الإمام علي.

بداية الانهيار

كانت عملية تفخيخ الضريح بداية انهيار جيش المهدي وخروجه الصاخب من المرقد، وهي التي جلبت السيستاني على وجه السرعة الفائقة، فالسيد مقتدى الصدر قد توعَّد الأميركان في خطبة الكوفة بأن مجاهدي جيش المهدي سيتحولون الى قنابل حية ومتحركة ضد المحتلين أينما ثقفوهم. فماذا لو نفذ انتحاريو جيش المهدي هذه التهديدات؟!

أضف الى هذا التهديد العلني ما قاله الصدر في جلسة خاصة نورده بالحرف: «ما نفعله الآن أقل بكثير من أن يوصف بالمقاومة، فلو فعلنا ذلك لن يبقى لقوات الاحتلال بقوة الله، باقية».

ماذا كان يقصد السيد مقتدى بعبارته: «فلو فعلنا ذلك...»؟!

الذي كان يقصده، شيء رهيب يقض سكون الشيعة والمسلمين عموما، شيء لا يمكن لأحد السكوت عنه، سيؤدي الى وقفة واحدة للشيعة ضد الاحتلال، ولا يوجد مثل هذا الشيء، سوى ما كادت الأمور تؤول إليه، ذلك الشيء المفزع الذي جعل السيستاني ومن معه يجتازون سرعة الصوت لكي يصلوا، أمر سيهز العراق والعالم: تفجير مرقد الإمام!!

إنذار الرابية

هو الأمر المريع نفسه الذي دفع بوزير الدفاع العراقي حازم الشعلان، الذي لم ينصفه أحد لصراحته حتى الآن، الهبوط على رابية للحرس الوطني متجحفلة في بحر النجف والإعلان من هناك عن نبأ تلغيم الحضرة.

الغريب، أن هذه الأمور سارت بلا تدوين ولا رد فعل من الرأي العام، ووجدت الحكومة العراقية ووزراء القوة المتكفلين بحل هذه المعضلة، نفسها، أمام خيارات مريرة، أوصلت مستشار الأمن الوطني موفق الربيعي الى المستشفى بعد أن أصيب بجلطة لم يتحمل قلبه هول ما سيحدث، فيما كان الشعلان وقاسم داود ومن ورائهم اياد علاوي في أقسى درجات الحيرة، فما الذي سيحدث لو فجروا الإمام؟

إدراك مقتدى

والسيد مقتدى الصدر يعلم بأن أحداثا جساما لم تحرك الشيعة في العراق، سواء في ظل النظام السابق أو في أوقات الاحتلال، وكان لابد من عملية كبرى لهزّ الضمير الشيعي.

أما السيد السيستاني فقد أنجز مبادرته على الوتر نفسه، فإذا كان يكفيه وهو المرجع الأعلى إصدار فتوى أو إطلاق مبادرة، فلماذا دعا العراقيين الى الزحف نحو النجف «لإنقاذ الضريح الشريف».

ليلة مقتدى الليلاء

«فلو فعلنا ذلك ..»، لن يبقى للاميركان باقية، وهو السيناريو الأخير للحرب الأخيرة. فالسيد مقتدى يعرف أن هذا السكون الشيعي لم يزحزحه مقتل عمه وعمته: السيد محمد باقر الصدر والعلوية آمنة السيد حيدر الصدر (نور الهدى)، ولم يحدث الأمر بمقتل والده وشقيقيه. ما زالت تلك الليلة الدامية تؤثر في مقتدى الشاب الذي اندفع مع الشيخ محمد النعماني الى غرفة الطوارئ التي كان والده وشقيقاه ممددين فيها بدمائهم الطاهرة، وشاهد شقيقه السيد مصطفى الصدر مفتوح العينين وأشار نحوه وقد كان حيا، نظر إليه ثم أغمض عينيه من عمق الجراح. بعدها أخرجوا السيد مقتدى والنعماني بالقوة من غرفة الطوارئ، ولم يرهم أحياء بعدها.

وستبقى تلك الليلة الظلماء في ذاكرة السيد مقتدى الصدر الى الأبد، فعندما طلب النظام أن يرسلوا من طرفهم أحد المجتهدين لاستلام المرجع الشهيد (لتثبيت واقعة الموت لا أكثر لدى شخصية دينية معترف بها) حصل ما لا يمكن أن ينساه السيد مقتدى: طرقوا الباب على السيد السيستاني فكلمهم خادمه من وراء الباب وأخبرهم بأن السيد نائم، وعندما أعلموه بأن الأمر ضروري وعليه إيقاظ السيد، ذهب وعاد ليكرر ما قاله إن السيد نائم!!

ورفض استلام الجثث أيضا كل المراجع الدينية، فقد رفض السيد حسين بحر العلوم بحجة أنه مريض والسيد محمد كلانتر قال انه كبير السن ولا يستطيع الخروج ليلا والشيخ محمد اسحق الفياض قال بالحرف: لا أستطيع، والسيد علي البغدادي قال إن بيته قريب من المقبرة ولا يستطيع ترك أسرته وحدهم لأنهم يخافون.

ولم يطلب الصدريون من السيد محمد سعيد الحكيم ولا من الشيخ بشير الباكستاني (النجفي) وتوقعوا رد آل بحر العلوم لأنهم يدركون سلفا بأن موقفهم الرفض الشديد لأسباب كثيرة: (لا ينسى العارفون بأن الشهيد محمد صادق الصدر وصف بشير النجفي بأنه «مفسد» ورفع في واحدة من خطب الجمعة نص كتاب موقع من صدام حسين ألغى فيه عائدية جامعة الصدر في الكوفة من الصدريين وأوكلها بعهدة محمد سعيد الحكيم، متسائلا : من منا العميل للنظام؟! أما موقفه من آل بحر العلوم فقال بحقهم والد مقتدى: الخّمس غير مبرّئ للذمة إذا منح لبحر العلوم!).

في النتيجة قام بهذه المهمة، أي استلام جثة المرجع الشهيد وولديه ودفنهما ليلا الشيخ محمد اليعقوبي ومعه الشيوخ عباس الربيعي وحسين المالكي ومحمد النعماني ومحمد الصافي وعلي الكعبي وعدد قليل جدا من الأخيار.

ذاكرة السيد الشاب

ليس من السهولة على السيد مقتدى الصدر نسيان ما جرى في تلك الليلة، حيث ترك والده السيد والمرجع وشقيقاه في مشرحة أمن النظام ورفضت غالبية المراجع في الحوزة العلمية استلام جثثهم، ومن العسير عليه نسيان الاتهامات التي كان الحكيميون من طهران والخوئيون من لندن والمراجع المذكورة من الداخل، يكيلونها لأبيه الشهيد مثل «تعاونه وارتباطاته المشبوهة مع النظام».

هذه وأمور أخرى كتقسيم عوائد المراقد المقدسة وتنظيمها والإشراف عليها، كانت القنابل الموقوتة لصراع «السادة» على النجف، والتي وجدت الحكومة ومن ورائها القوات المتعددة الجنسية نفسها في قلبها، بعد أن دفعتهم أطراف مؤثرة في المشهد السياسي العراقي، دون أن يوضحوا للساسة الجدد ولا للاميركان الغافلين كعادتهم عن فهم التركيبة الشيعية» المعقدة، الى صدام مسلح، كان شعاره من طرف جيش المهدي محاربة المحتلين ومن الجانب الحكومي ـ الاميركي بسط القانون والقضاء على الخارجين عنه، في وقت يدرك فيه العالمون بالأمور، ان كلا الشعارين، لم يخرج عن كونه شعارا فحسب.

ضد الساكتين

اللافتة التي ترونها في الصورة والمكتوب عليها:«دماؤنا في أعناق الساكتين»، تحولت الى أساس أيديولوجي للحوزة الناطقة التي قادها السيد محمد صادق الصدر، والد مقتدى والتي انتهت بتأسيسهم لأول مرة في تاريخ المرجعية ما أطلق عليها الصدر الثاني بـ «الحوزة الناطقة». التي أخذ السيد مقتدى، على عاتقه إحياءها كونه درس في الحوزة العلمية مذ كان عمره 14 سنة، أي أن السنوات الـ 16 التي قضاها في الدراسة الفقهية والشرعية تمكنه من اجتياز مرحلة «المقدمات والسطوح والسطوح العالية» حسب التعبير الحوزوي.

والصدريون يعدون مرجعهم في التقليد السيد الشهيد محمد باقر الصدر ويرجعون في المستحدثات الى السيد كاظم الحائري، وبعضهم يفضل محمد اسحق الفياض لقربه منهم، أما إثبات الحجة الشرعية فيطول شرحها و «مرجعية الاستناد» ترجع الى تقليد الشهيد الصدر الأول.

ان أساس «الحوزة الناطقة»بناه الشهيد الثاني، ويتابع ابنه السيد مقتدى المعركة التي بدأها والده ضد الساكتين والتي استندت الى أصول مدرسة الصدر الأول.

ونظرا لانتشار وشيوع ظاهرة الميليشيات المسلحة للأحزاب التي دخلت الى العراق بعد السقوط، فإن ظهور ميليشيا مسلحة صدرية، كان منطقيا وله أسسه المذكورة.

الصدريون

الصدريون الجدد مقلدو الشهيد الأول محمد باقر الصدر والشهيد الثاني محمد محمد صادق الصدر الذي ولد بعد حكاية مؤكدة فيها الكثير من العبر.

فبعد أن يئست والدة محمد صادق الصدر (والد مقتدى) من الحمل، تضرعت أثناء تأديتها الزيارة لقبر النبي أن يرزقها الله بولد تسميه محمدا، وما أن عادت الى العراق حتى ولدت محمد محمد صادق الصدر في اليوم نفسه الذي ولد فيه النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، والإمام جعفر الصادق، عليه السلام. فتربى في منزل جده لأمه آية الله العظمى رضا آل ياسين وتعلم على يد والده السيد الحجة محمد صادق الصدر. بعد أن كبر تزوج من بنت عمه السيد محمد جعفر الصدر ورزق بأولاده الأربعة: مصطفى، مقتدى، مؤمل، مرتضى.

وعمه السيد محمد باقر الصدر المعروف بعلمه ومدرسته المرتبطة بوالده العلامة حيدر الصدر وجده لأبيه السيد إسماعيل الصدر معلم الفقهاء الشهير والأستاذ الكبير بالأصول، ووالدته ابنة واحد من أعظم علماء المذهب الشيخ عبد الحسين آل ياسين ويعود نسبه الى الإمام السابع موسى بن جعفر الكاظم.

وأعمام السيد مقتدى الصدر، هم خيرة أعلام وعلماء المذهب كموسى الصدر وجده صالح شرف الدين وجده الثاني صدر الدين الصدر وقافلة طويلة من العلماء الصدريين بدأها في العراق محمد حسن الصدر وتؤول الآن الى مقتدى الصدر.

الوريث الأخير

ومقتدى لم يكن ابنا عاديا للسيد الشهيد الثاني، بل واصل دراسته، بما يسميه أهل الحوزة كطالب بحث خارجي، الى الدرجة التي أوكل إليه أبيه رئاسة تحرير جريدة «الهدى»، على الرغم من أنه لم يصل الى درجة مجتهد ولا مرجع مقلـّد، واكتفى بوكالة المرجع كاظم الحائري وقيادة «الحوزة الناطقة» السائرة على تقليد عمه وأبيه، لكن بلا مرتبة حوزوية.

هكذا إذن، ظهر الصدر الأخير في العراق، على خلفية جيل من العلم والأعلام، المجاهدين والشهداء، أنبل الجيل وأكثرهم رفعة ووزنا وعلما. وحمله الزمن والمسؤولية وظروف العراق لأن يجد نفسه مرتديا الكفن ذاته الذي لبسه والده الشهيد، خطيبا ساخنا، من على المنبر ذاته الذي قدرت الأيام للصدريين حمل لواء المذهب بغياب الخوئيين والحكيميين وسكوت السيستاني وبشير الباكستاني (النجفي) ومحمد اسحق الفياض ومحمد سعيد الحكيم وباقي المراجع الكبار.

البوادر الأولى

بعد سقوط النظام يمكن متابعة الأحداث في المدن المقدسة كالتالي: بعد يوم واحد فقط وفي العاشر من أبريل، اغتيل السيد عبد المجيد الخوئي، وانتهى عرق الخوئيين الى الأبد في المدن المقدسة. صاحب ذلك مقتل حيدر الكليدار واستلام مفاتيح الحضرة من قبل الصدريين وبقائها لديهم لغاية انتهاء الأزمة الأخيرة.

مرت أشهر قليلة جدا من عودة السيد محد باقر الحكيم وتفضيله الصحن الحيدري لإلقاء خطبة الجمعة، بمعنى أن الحكيميين سيطروا مرجعيا على حضرة الإمام علي، لكنه اغتيل في جريمة النجف الشهيرة. وقبلها بأيام كان المرجع السيد محمد سعيد الحكيم قد نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال بعد أن دمرت مكتبه عبوة ناسفة.

في غضون ذلك، بثت أنباء عن سيطرة الصدريين على الطرق المؤدية لمساكن كل المراجع الدينية المذكورين أعلاه، الأمر الذي اعتبره السيد مقتدى الصدر محض افتراء، لكن المراجع الكبار كانوا يعانون بالفعل من تواجد الصدريين المسلحين بالقرب منهم وكان الغطاء لذلك حمايتهم.

بعدها، وصلت الأمور، الى سيطرة الصدريين العسكرية الكاملة على النجف والكوفة وكربلاء على أساس السببين اللذين أعلنهما السيد مقتدى واللذين قدمنا بهما هذا الكلام: حماية العتبات المقدسة والحوزة العلمية والمراجع، فيما عرف في كل الكوكب بالتسمية التي لا تخلو من معان عدة بـ «جيش المهدي».

نبض أبريل

لم تكن معارك أبريل هي الأولى بين «جيش المهدي» والاميركان، فقد سبقها جس نبض متعدد في مواقع كثيرة في العراق، لكن ما دار في أبريل هو جس النبض الذي قصم العلاقة بين الصدريين والسلطة العراقية ومن ورائها القوات العسكرية الأجنبية.

فمن بدأ المعركة الأولى؟

الذي حصل على الأرض كان بما لا يقبل الشك، تحرش من سلطات بريمر بدفع من بعض أعضاء مجلس الحكم الشيعة، ضد الصدريين، وهنا لابد من التوقف عند بعض النقاط:

1 - ان أعضاء مؤثرين في مجلس الحكم من الشيعة لديهم خلاف تاريخي كبير مع الصدريين، وهذا ما فات بريمر ومجموعة العسكريين وقتها سانشيز وكيميت.

2 - ان مجلس الحكم كان يريد استمالة المرجعية العليا وخصوصا السيد علي السيستاني لتمرير مشاريعه السياسية الاستراتيجية، فأرادوا قلع شوكة الصدريين من عنق المرجع الأعلى كتمهيد لإقامة علاقة جديدة تسهل لهم المهمة المذكورة.

3 - ولهذا السبب عندما طالب السيستاني بضرورة إجراء الانتخابات وعدم تعيين الحكومة الأولى وحتى الثانية، خرج الصدريون مؤيدين له أكثر من أتباعه بكثير، محاولة منهم لإفشال مخطط بعض أعضاء مجلس الحكم بتحييد السيستاني ومن ثم موقف المرجعية ككل من مشاريعهم السياسية، بما في ذلك قانون إدارة الدولة الذي تحفظ عليه السيستاني وهاجمه الصدريون بقوة.

4 - للفقرة الرابعة علاقة وطيدة جدا بـ «مبادرة السيستاني» الجديدة التي أخرجت الصدريين من المدن المقدسة والتي لولاها لأحرج الصدريون المرجعية أكثر مما فعلوا، عندما تضمنت البند الخامس الخاص بضرورة تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات في حينها.

5 - ومضمون «في حينها»، أن للمرجعية والصدريين على السواء خشية من عدم إجرائها في الوقت المعلن، كتعبير السيد مقتدى بنفسه الذي أوحى بأن هذه الحكومة باقية مع آليات وجودها وسيجدون مبررات لدعم هذا الوجود.

6 - ولماذا لا تكون مبررات هذا الوجود معارك وأعمال عنف مع ميليشيات غير شرعية كجيش المهدي. فالمنطق يقول إن مبادرة السيستاني كانت تخص مدينتي النجف والكوفة وجاءت لتنقذ النفق المسدود الذي دخلت به الأطراف بعد «أزمة الضريح»، فما الداعي لذكر موضوع الانتخابات كبند رئيسي في الاتفاق؟!

كان القائمون على معارك أبريل يريدون إنهاء الوجود المسلح للصدريين بأي شكل، لكن تشابك الوضع مع معارك الفلوجة وتردد بريمر وقرب تسليم السيادة، وصلابة جيش المهدي وعناده في القتال وعدم دخول الخسائر التي تكبدها في عضده، أي لا الأفراد ولا القيادات اهتمت وتأثرت بالخسائر البشرية والمادية وظل موقفها على ما هو عليه، عندها ارتضت الأطراف بالهدنة.

هذه الهدنة منحت جيش المهدي اليد الطولى، ليس في النجف وكربلاء فحسب، بل في الجنوب كله ومدينة الصدر في بغداد.

الشغل الصحيح

كانت الهدنة مع القوة العظمى، مشروع انتصار لدى الصدريين الذين لم يحاربوا بكامل قواهم الكامنة. وفوجئوا بمعارك أبريل التي أجبروا عليها، حيث كنا نراقب ميدانيا كيف كانوا يجمعون السلاح البسيط من السوق المحلية، فأكثر ما كانوا يفكرون فيه، تنظيم مسيرات سلمية لإثبات الوجود ولهزّ موقف أهل الحكم وتثبيت إدانتهم لتصرفات المحتلين ضد قياداتهم وجريدتهم.

لائحة جيش المهدي

لكن فشل الاميركان في كسر شوكة الصدريين في معارك أبريل، أعطاهم الدافع للعمل المضني والصحيح بين الناس ولتأكيد جملة المبادئ التي أنشئ جيش المهدي لتحقيقها والتي يمكن تلخيصها حسب أدبياتهم وتصريحات قادتهم بالتالي:

- جيش المهدي قوة عراقية مخلصة للدين والوطن والشعب تحقق مطالب الشعب الأمنية ولا تتجاوز حدودها بما يسيء إلى أي مفردة من مفردات الوطن الحضارية والدينية والجغرافية والاقتصادية.

- جيش المهدي رد فعل ضروري وطبيعي نتيجة لإخفاق قوات الاحتلال في حفظ الأمن والنظام ونتيجة طبيعية لعدم وفاء الإدارة الاميركية بوعودها وعهودها للشعب العراقي.

- جيش المهدي لا تنحصر مهمته لمصلحة السلطات الحاكمة وتأمين مصالحها وكراسيها، بل هو جيش إسلامي مخلص هدفه الحفاظ على بيضة الدين وحماية أمن المواطنين ومد العون للمحتاجين لبناء الدولة.

- مادة جيش المهدي المخلصون من أبناء الوطن مسلمين ومسيحيين عربا وكردا، ورايته التي يحملها راية الحق والإيمان والسلام للبشرية جمعاء التي حملها الأنبياء والرسل والأولياء الصالحون. ولا يسلمها إلا لمنقذ البشرية من الضياع والهلاك الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن مُلِئت ظلما وجورا.

- شعار جيش المهدي: كلا للظلم نعم للعدل، كلا للجهل نعم للعلم، كلا للشيطان نعم للرحمن، كلا للخيانة نعم للوطنية، كلا للكفر نعم للإيمان.

. قيادة جيش المهدي تتألف من المرجعية الصالحة التي تطبق فكر الإسلام المحمدي، فكر أهل البيت عليهم السلام الذي كان رمزا للحب والإخلاص للمؤمنين.

- نشاط جيش المهدي: معاونة المحتاج وبناء المهدوم وإعمار العراء ونصرة الحق وأهله وعلى المؤمنين رؤوف رحيم وعلى الظالمين شديد حكيم.

هذه اللوائح قدمها أتباع السيد مقتدى الصدر ما ان أسسوا جيش المهدي في يوليو 2003 بعد اغتيال السيد الشهيد محمد باقر الحكيم مباشرة. والأهداف التي أعلنوها في التعريف بمؤسستهم العسكرية، تقبل الكثير من الجدل والنقاش، والمراجعة، بعد أن أثبتت الأيام فيما بعد، قيمة حوار من هذا النوع وما لجيش المهدي وما عليه، وما الذي حققه من هذه الأهداف وما الذي اتبعه من أساليب، وجدها الكثيرون مناقضة تماما للمبادئ التي طرحوها في تلك الظهيرة الحاسمة من صيف عام السقوط.

علنية جيش المهدي

كان استعراض يوليو أول ظهور علني لجيش المهدي في مدينة الصدر، وكان هذا الاستعراض فاتحة لتاريخ جديد في العلاقة الشيعية - الاميركية في العراق، تلك الفاتحة التي أنهت القول بوجود تحالف ما بين الطرفين. وكان الاستعراض رسالة من السيد مقتدى الصدر لخصومه وأصدقائه على السواء، بأن لديه ميليشيات، حاله كحال الحكيميين في قوات بدر والكرد بتفرعات قواتهم المسلحة وباقي الأحزاب العلمانية بتشكيلاتهم المختلفة.

وكان القرار الذي اتخذه الصدر، أن يكون جيش المهدي بقيادته وعناصره علنيا لا سريا، مستندا الى المدخل الشرعي، بأن» كل العراقيين وكل أبناء المذهب هم أعضاء في جيش المهدي»، نافيا أن تكون لديه أي سلطة على جيش الإمام المنتظر.

لم يأخذ أحد من الرسميين العراقيين ولا قوات التحالف وقتذاك هذا الكلام وهذه الخطوات على محمل الجد، وتكمن هنا أسباب المصائب التي انهالت على الجميع في الأشهر الساخنة التالية.

هيكلية جيش المهدي

كانت الشعارات المطروحة أعلاه لنصرة المحرومين وإحقاق العدل، كافية لانخراط المسحوقين من أبناء الجنوب العراقي المضطهد، والمنكل بهم في سنوات القمع الى هذه التشكيلات المستندة إلى تيار يعتبر مقلدو السيد الشهيد محمد باقر الصدر قائده صاحب أشهر وأفضل مدرسة أصولية في المذهب.

ولأن أغلبهم ممن تلقوا تدريبات عسكرية محترفة في الجيش العراقي، فلم تكن لديهم مشكلة في بناء المعسكرات وتصنيف القوات، كما أن توفر السلاح المطلوب في السوق المحلية وتحت الأرض من مخلفات أسلحة الجيش، وكرم دول جوار معروفة، قد ساهما في سرعة إنجاز تسليحه.

أما الهيكلية، فقد سارت حسب مدرسة الجيش العراقي المنحل وكالتالي: الفصيل (50 - 60 مقاتلا) . السرية (5 - 6 فصائل) . الفوج (6 - 7 سرايا).

وحسب معلومات دقيقة حاربت في النجف 45 - 50 سرية بمجموع يتراوح ما بين 15 و17 ألف مقاتل بمختلف الصنوف (الرصد - الهندسة العسكرية - المشاة - القناصة ...الخ).

قادة السرايا يتبعون مباشرة هيئة قيادة جيش المهدي التي يشرف عليها السيد مقتدى الصدر مباشرة وهي التي يسمونها القيادة العامة لقوات جيش المهدي. بمعنى أن قادة السرايا وهم القادة الميدانيون على الأرض لا يتصلون مباشرة بالسيد مقتدى، أما أعضاء القيادة العامة فأغلبهم من العسكريين السابقين معظمهم من الضباط المحترفين.

الصدريون السنـّة!

أول تأثير للأيديولوجيا الجديدة التي استند إليها «جيش المهدي» بضم سنة ومسيحيين إليه، وهي الدعوات التي تلقتها منظمة بدر والبشمركه مباشرة من السيد مقتدى في واحدة من خطبه، كانت وصول قوافل ضمت نحو 15 ألفا من مدن سنية كالموصل و الأنبار الى الكوفة للصلات خلف السيد مقتدى يوم الجمعة.

وكانت اللافتات التي تحملها هذه القوافل في مجملها سياسية، ولم تشر واحدة منها الى طائفة أو مذهب، وركزت على ما أطلقوا عليه وقتها: وحدة الشعب العراقي.

وبالرغم من أن الصدر اعتبر هذه «البيعة » نجاحا دنيويا لم يسبقه إلى تحقيقه حتى والده الذي سبق أن دعا السنة للصلاة المشتركة، إلا أن ظهور «صدريين سنـّة» بهذا القدر والحجم والحماس، لفت انتباه المعنيين العاملين في قصور بريمر وتحت قبة مجلس الحكم الموصوف بالدمية الاميركية من قبل مقتدى الجديد، فكانت شرارة الخطر التي أحس بها قادة العراق الجدد ومنها دفعوا الاميركان للقضاء على مقتدى الصدر بأي طريقة ولو بـ«مذكرة جوحي» ذائعة الصيت! (هو بذاته القاضي رائد جوحي الذي استجوب صدام).

نضال مشترك

بعد الاتفاق على الصلاة المشتركة وتنفيذها، لم يبق غير «الجهاد المشترك»، ووصل هذا في قمته يوم قرر القادة العسكريون في سلطة الائتلاف الانتقام من قتلة المقاولين الاميركان واقتحام الفلوجة مطلع أبريل الماضي.

وحصل أن التزم السيد مقتدى بالاتفاق، ساعده في ذلك تسرع اميركي - عراقي (رسمي) بإصدار مذكرة التوقيف بحق مقتدى الصدر وقبلها اعتقال الشيخ مصطفى اليعقوبي أحد مساعدي الصدر، المقربين وإغلاق الحوزة وإطلاق النار على المتظاهرين المدنيين وسط بغداد ومدينة الصدر.

ساعد الاميركان ومن ورائهم بعض شيعة مجلس الحكم (هم مستشار الأمن الوطني موفق الربيعي الذي ليس له ظهر في العراق غير الاميركان، وعبد العزيز الحكيم الغارق في خلافات موروثة ودموية مع الصدريين، ومحمد بحر العلوم الذي لم يبرئ ذمته والد مقتدى من جباية الخـُمس)، كلهم ساعدوا مقتدى على الإسراع في تقوية جيش المهدي بأي شكل، والنزول الى الشارع لمقاتلة المحتلين، الذين أسماهم مرة بـ«الضيوف»!!

تابع .....

جمال
09-04-2004, 10:59 AM
فدائيو مقتدى

في هذه اللحظات انسل فدائيو صدام وعساكر الجيش العراقي المنحل وضباط المخابرات والأمن الهاربون وغيرهم من خريجي السجون (لأسباب جنائية مختلفة وليست سياسية)، منخرطين في التشكيل القوي والمتسرع التشكيل تحت راية الإمام المهدي، في ظل فوضى عارمة جدا كانت تعصف بالبلاد.

يعترف، بعد فوات الأوان، السيد مقتدى الصدر بوجود ما أسماهم بـ«المندسين» في جيش المهدي، في وقت أصبح صعبا جدا ليس على الاميركان والقوات الحكومية فحسب، بل على مقتدى الصدر لجم هؤلاء «المندسين».

والدليل، أن هؤلاء المندسين ولغاية لحظة كتابة هذه السطور، يرفضون سماع توجيهات «القائد العام لجيش المهدي» بترك السلاح والانخراط بالعملية السياسية ولا يزالون يمارسون نشاطاتهم العسكرية والاستخبارية وانتهاك حرمة الناس والبيوت وفرض قوانينهم على أحياء بأكملها حتى في بغداد.

انشطار الصدريين

من المهم الالتفات الى نقطة خطيرة للغاية وهي: ليس كل الصدريين من أتباع مقتدى الصدر وأفرادا في جيش المهدي، وليس كل أتباع مقتدى الصدر وعناصر جيش المهدي، صدريين!

فالصدريون هم كل من يتبع في التقليد الشهيد الأول والثاني وفي المستحدثات يميلون الى أحد المراجع الكبار الأحياء (فقهيا صحيح).

أما «جماعة مقتدى» ففيهم صدريون وفيهم من لا يصلي ولا يعرف متى يحل رمضان، وفيهم لصوص وقطاع طرق وفدائيو صدام، ومن لم تتحمل رؤيتهم بيوتهم وفيهم.. وفيهم ...

الجيش الوردي

ولعل السيد مقتدى قد سمع أو لم يسمع، كيف يصف العراقيون جيش المهدي ليس تندرا كاملا، بـ «الجيش الوردي»، نسبة الى الكبسولة الوردية التي يتعاطاها المدمنون على المخدرات وحبوب الهلوسة والفاليوم وغيرها من تقليعات العراق الجديد، لكثرتهم في صفوف ميليشياته ولتصرفاتهم التي لا تنطلق إلا من شخص واقع تحت تأثير الكبسولة الوردية.

ومن غير المرجح أن أحدا من هؤلاء المهلوسين قد اطلع على لائحة جيش المهدي المذكورة أعلاه، في وقت يتعاطون فيه مرتبات تفوق ما يستلمه رجال الشرطة.

التمويل

انه مشروع تحقيق طويل، تلك الأموال التي تصل الى العراق لتحرك التمردات والحركات المسلحة ومجاميع المجاهدين والمفجرين أنفسهم والذابحين رقاب السواق والصحافيين.

لكن ما يهمنا في هذا التحقيق، تلك الأموال التي بنت جيشا قارع الاميركان في معركتين كبيرتين حتى الآن، ويسيـّر فيها مكاتب وإدارات تمتد في ثلثي الأراضي العراقية، ويشتري أي سلاح موجود في الأسواق، ويطبع صورا تفوق ما طبعه الطاغية السابق وغيرها من أموال لا تحصى.

فهل يصرف أنصار السيد مقتدى هذه الأموال من الهبات والتبرعات وأموال الخـُمس؟

وهل تكفيهم هذه الأموال وكلهم محرومون مسحوقون كما نراهم ويقولون عن أنفسهم؟

أم أن في الأموال سـرّا محيـّرا؟

زيارة حافلة

الزيارة الأثيرية التي قام بها مقتدى الصدر الى إيران وصف أهدافها كالتالي: زيارة قبر جدي الإمام الرضا وسماع نصائح آية الله العظمى كاظم الحائري.

لكنه لم يذكر بأن مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي استقبله استقبال الرؤساء، وقال له بالحرف الواحد: أرى فيك حسن نصر الله العراق!

وفاته الانتباه الى أن صور الإمام الخميني انتشرت في المناطق التي يسيطر عليها في العراق بعد هذه الزيارة! وكانت الصور هي الأمر الذي يرى وما خفي كان أخطر، وقبل أن يتطوع ويعلن عن نفسه «اليد الضاربة لحزب الله وحماس في العراق»، ألم يعرف بأن أعضاء حماس أقاموا مجالس الفاتحة بعد مقتل عدي وقصي ولا يزالون يرفعون صور صدام حسين الذي قتل والده وأخويه، في تظاهراتهم؟

اتهامات وأسئلة
اعتاد السيد مقتدى الصدر، الأجابة عن الاتهامات التي توجه إليه وإلى جماعته بالنفي المجرد واستخدام مفردات مثل: افتراء، ظلم، كذب ...إلخ، لكنه لم يتعمق أكثر ويحاول تفنيدها بالحجة مقابل الحجة.

فالسيد مقتدى متهم بالتورط بتصفية المراجع الدينية ومقتل السيد عبد المجيد الخوئي، وجماعته متهمون بمساعدة قوات القدس التابعة لحرس الثورة الإيرانية بتدبير اغتيال محمد باقر الحكيم بعد رفضه لعب دور إيراني في العراق وانزوائه للبحث والعلم.

وثمة اتهامات بأن الإيرانيين يوظفون مقتدى لإحداث انقلاب على شيعة العراق لصالح شيعة إيران، كونه - أصلا - وكيلا لأحد مراجع قم السيد كاظم الحائري ومن خلال هذا «الخط» ومن خلال تصرفات جماعة مقتدى التي تمعن في إهانة المراجع الكبار حتى لم يسلم منهم السيد علي السيستاني الذين حاصروا بيته واعتدوا عليه أكثر من مرة، بحركات يراد منها إزالة الهيبة عن حوزة النجف لتصب في النهاية في حوزة قم.

وهكذا فإن مقتدى الصدر شاكس الجميع: أطلق على مجلس الحكم مجلس الكفر وتبرأ من حكومة علاوي الى يوم الدين، ودان صمت المرجعية مرارا ويجيش الجيوش لمحاربة القوات الأجنبية في العراق.

بمعنى آخر، ان مقتدى الصدر تبنى الموقف الإيراني الكامل مما يحصل في العراق، وجوهر آخر، أنه عادى الجميع، حتى أولئك الذين نجحوا في تنفيذ «المشروع السياسي الشيعي» بعد تهميش للمذهب دام 1400 سنة.

انشقاق الصدريين

هذه الأحكام والتصرفات أدت الى انشقاق الكثير من الصدريين عن السيد مقتدى، بدأها الشيخ محمد اليعقوبي (الآنف الذكر) الذي كان يدير مكتب الشهيد الصدر المركزي في عهد والده ومن ثم في عهده، مؤسسا ما أطلق عليه «حركة الفضلاء» وهي تنظيم حوزوي فكري ثقافي يتم التعاطي فيه بالسياسة ولكن بشكل سلمي للغاية. ومن ثم نشوء حركة محمد سعيد الصرخي الحسني (من داخل الرحم الصدري) الذي ادعى الأعلمية وساند حركة الفلوجة، ولكنه على خلاف مع حركة اليعقوبي (على الرغم من أنه عديله . متزوجين من شقيقتين).

أما علاء البحراني الغريفي فقد التزم الصمت وبدأ يميل في الآونة الأخيرة الى مرجعية السيد محمد سعيد الحكيم، فيما يعتكف الشيخ علي البغدادي في مكتبه الصغير في النجف بدون ضجة ولا يمارس غير تعليم مريديه وطلاب الفقه والشريعة.

وبهذه الانشقاقات، يكون السيد مقتدى الصدر، الوحيد من الرعيل الأول الذي عمل مع والده، رافعا راية الصدريين الأوائل.

حاشية مغمورة
لكن أهل العلم والمعرفة بالصدريين يؤكدون، أنهم لا يعرفون شيئان مهمين لكل من يدعي المشيخة والأعلمية والاجتهاد ممن يحيطون بمقتدى الصدر الآن، تحت مسميات مختلفة: مدير مكتب، مساعد القائد، الناطق الرسمي ...الخ.

والأمران المهمان غير المعروفين بهؤلاء المحيطين بالسيد مقتدى هما النسب والانحدار، والتحصيل الدراسي .

وبدون ذكر الألقاب والأسماء، فإن من هو مطروح منهم في الآونة الأخيرة، كانوا مجرد طلاب في المراحل الأولى في الحوزة العلمية في أحسن الأحوال، ويبدو أن اعتماد السيد مقتدى الصدر عليهم في المسائل الحساسة والاستراتيجية، يسجل كواحد من أخطائه المتتابعة، التي من الصعب تجاوزها في هذا المقام.

الخط الأحمر

عندما أعلن السيد علي السيستاني النجف خطا أحمر، فهو لم يعلن ذلك على الاميركان فحسب، بل على جيش المهدي بالدرجة الأولى.

فالاميركان عندما دخلوا النجف أيام 6 و 7 و 8 و 9 أبريل 2003 خرجوا منها مباشرة ولم يدخلوا الحضرة الحيدرية التي تحصن بها من كنا نسميهم وقتذاك «المتطوعين العرب».

لم يعتبر السيستاني النجف خطا أحمر، إلا بعد أحداث أبريل التي دارت فيها معارك طاحنة بين جيش المهدي والاسبان والاميركان والبولونيين.

خط السيستاني الأحمر لم يعترف به جيش المهدي، ووصل الأمر الى تطويق دار المرجع الأعلى، بحجة أن المكلفين بحمايته هربوا.

وإذا كانت حماية السيستاني قد هربت بالفعل، فممن هربت ولماذا؟

ولماذا قرروا قسطرة قلب السيستاني قبل بداية معارك النجف الأخيرة بساعات؟

لماذا ترك السيستاني النجف قبل ساعات من اندلاع المعارك فيها؟

تركها بعد أن أدرك أن الجماعة في جيش المهدي سائرون الى إحداث عملية كبرى، ووجوده في النجف سيزيدها تعقيدا وسيعطيها الشرعية ولو بالإجبار وباستخدام وسائل مضللة. ولم يدفعه الى العودة السريعة، غير الإدراك بأن الحريق اقترب بالفعل وسيطول الإمام علي هذه المرة.

كسب الود

بعد هدنة أبريل، حاول القائمون على جيش المهدي تنفيذ ما وعدوا به من خلال لائحتهم المذكورة أعلاه. وبغض النظر عن الأهداف الحقيقية، وفيما إذا كانوا يقيمون حواجز التفتيش ويسيرون الدوريات المسلحة «لغرض مساعدة الشرطة على استتباب الأمن» كما قالوا (ثمة رأي يقول ان ذلك نوع من استعراض القوة وإثبات فرض السيطرة وتحديد هوية صاحب البيت)، إلا أنهم بالفعل قاموا بإلقاء القبض على بعض اللصوص وأفشلوا بعض محاولات تهريب المخدرات وسلموا المجرمين الى الشرطة وأحيانا كانوا ينفذون بهم «الأحكام الشرعية» ويعدمونهم على مرأى الناس، الأمر الذي لم يعلنه أي مسؤول.

وكان اتفاق ما بعد الهدنة، قد حدد العلاقة بين الشرطة وعناصر جيش المهدي، متفقين على عدم تعرض أحدها للآخر.

غير أن حادثة واحدة مظهرها بسيط حصلت بين شرطي وفرد من أتباع جيش المهدي، كانت شرارة اندلاع معركة النجف الكبرى؟

فهل يجوز للمنطق الإقرار بأن هذه الحادثة العرضية واليومية في الشارع العراقي، يمكنها أن تؤدي الى حريق النجف، أم أن كل العوامل كانت قد مهدت أصلا، لنشوب النار؟

المعركة الطويلة

كان قرار قيادة جيش المهدي (أو من دفعهم الى ذلك)، تحويل معركة النجف الى حرب استنزاف طويلة الأمد، مع استثمار كامل لـ «العوامل المقدسة» وتدخل الدول والأطراف المعنية بالمقدسات وغيرها من استراتيجية وضعت لـ«فتنمة» النجف وكربلاء والكوفة. ولتحقيق هذا الهدف، استعد جيش المهدي لهذه المعركة منذ أشهر ولم تندلع النار بمصادفة الحادث العرضي المذكور الذي وان حصل، فهو متعمد.

تعزيزا لذلك، لابد من الإشارة الى أن الكمية الهائلة من الذخيرة والسلاح التي كانت في المدينة القديمة والأحياء المطلة على الضريح وفي الضريح نفسه وآلاف المسلحين الذين رقدوا مع الأموات في مقبرة وادي السلام، كانت كافية لهذه الحرب الطويلة الأمد، ناهيك عن الجهود الضخمة التي بذلت من أجل إيصال الرجال والسلاح والعتاد لهذه المواقع.

تكتيك عال

لقد استخدم قادة جيش المهدي الميدانيين تكتيكا عاليا درسوه وتدربوا عليه في الجيش العراقي واستثمروا كل العوامل المساعدة في هذه المعركة، لذا فهم ليسوا قليلي خبرة و«رعاع» كما قيل عنهم، لأنهم أفلحوا في تنفيذ خطط حرب مدن وشوارع في منتهى الدقة والحرفنة، الأمر الذي زاد من صعوبة القوات المقابلة وأحرجها ودفعها الى فقدان صوابها باستخدام أسلوب التدمير الشامل وهو ما لحق بالمدينة في النهاية.

ويمكن تلخيص التكتيك الذي اتبعه جيش المهدي في إدارة معركة النجف (وباقي المدن كالصدر مثلا) بالمهام والخطوات التالية التي لا تقبل الشك في أنها خبرة أناس عهدوا القتال وامتهنوا العسكرية:

- الحرص على زرع جواسيس لدى الطرف المقابل للحصول على معلومات التحركات قبل وقوعها ودرجة استعدادات الطرف الآخر وأماكن تجحفله وطرق إدارته وتوزيع قطعاته. (الاميركان استخدموا الأمر نفسه ولديهم جواسيسهم بالمقابل في جيش المهدي، وعندما كانوا يدخلون في شارع يعرفون أين زرعت العبوة الناسفة وأي منزل أو موقع مفخخ!).

- استخدام السراديب داخل المدينة ومقبرة وادي السلام على أفضل وجه، الأمر الذي عقد من مهمة الاميركان كثيرا، لاسيما التفريق بين الأحياء منهم والأموات.

- توظيف بعض الأهالي الذين يتنقلون بحرية ومن خلال الحواجز الاميركية كالأطفال والنساء لمعرفة ما يجري في الطرف المقابل.

- استخدام أجهزة الاتصالات الحديثة والتي باتت متاحة للجميع في العراق كالموبايلات (لا نعرف لماذا لم يغلق الأميركان هذه الشبكة خلال المعركة!!). فمثلا، كان قادة الفصائل والسرايا والأفواج على اتصال مستمر مع بعضهم البعض، الأمر الذي لم يتوفر في معارك ابريل الماضي.. وتلافوا هذا النقص في المعركة الأخيرة.

- استخدام الماطورسيكلات أو الدراجات النارية التي تسهل حركتها في أزقة ضيقة ولها مناورة مدهشة في مثل هذه الأحياء المكتظة بالبيوت للمراقبة والرصد وكذلك لتنفيذ هجمات بالهاون وإطلاق الصواريخ المحمولة على الكتف ومن ثم مغادرة المكان حالا (لأول مرة في الحروب استخدم النازيون الدراجات النارية لفرق الاستطلاع وأجاد حرس الثورة استخدامها في الحرب العراقية . الإيرانية).

- تنفيذ طرق التمويه بشكل فعال، فمثلا، تهاجم مجموعة من أربعة أشخاص مواقع اميركية (بما يسميه العسكريون المشاغلة، ومن ثم تنقض المجموعة المكلفة بالهجوم من جهة أخرى، لتظهر ثالثة مهمتها التغطية وهكذا .

- تطوير الحرب الإعلامية بالإكثار من» الناطقين الرسميين» لتهييج الرأي العام الإسلامي والعالمي والمحلي عبر قنوات متفق عليها ومن خلال أجهزة هاتف مملوكة للاميركان!!

- تصوير خسائر الاميركان والعمليات الناجحة التي ينفذها جيش المهدي، أدى الى إرباك القوات الاميركية وأدخلها قسرا في» الحرب الإعلامية»، الأمر الذي أدى الى إهدار وقتها وجهدها ونفوسها بحرب جانبية، كإخلاء الخسائر من معدات وأفراد، ومعروف كم من الصعوبة سحب دبابة او عربة مدرعة من ساحة المعركة في حرب المدن.

- ابتكار طرق جديدة في التفخيخ، كاستخدام الحيوانات (ليست جديدة تماما فقد استخدمها على نطاق محدود مقاتلي طالبان). فكانوا يفخخون الكلاب والحمير وينتظرون وصولها الى المواقع الاميركية لكي يفجروها عن بعد.

- من المرجح أنهم فخخوا جثث المدنيين والشرطة، حسب أقاويل شهود عيان، لكن هذا الأمر غير مؤكد.

- لأول مرة يزرع أفراد جيش المهدي الطرق المؤدية الى مواقعه بالألغام الأرضية المضادة للأشخاص والدروع وهذا تطور كبير في نشاطهم العسكري.

- لانعدام الكهرباء شهدت معركة النجف أطرف المواقف عندما كان يخصص جيش المهدي مولدات للكهرباء لشحن بطاريات العبوات الناسفة عن بعد!

ضحايا وجبات الهامري

الناس الذين حوصروا بين نارين أو أكثر، تضوروا جوعا وعطشا، ولم يكن أمام الاميركان والحرس الوطني، غير تقاسم وجباتهم معهم. فقد كانت عربات الهامري الاميركية تنقل الطعام الخاص بالجنود الاميركان المعروف بـ «وجبات الهامري» وكالمعتاد يتجمع الناس ليأخذ كل ذي رزق رزقه.

ومن الطبيعي أن يراقب أفراد جيش المهدي هذا المنظر الذي لا يحسدون عليه، فهم يقاتلون الاميركان من أجل هذا الشعب الذي يذهب الى الاميركان ليتقبل مساعداتهم.

هذا الفهم والموقف، أدى الى أن يقرر من قرر في جيش المهدي، قصف هؤلاء المدنيين، أصحاب النفوس الضعيفة الذين يتسولون من الذين يحاربونهم، وقرروا عمالة هؤلاء الجياع المحصورين ببيوتهم بسببهم، ونفذوا حكم الإعدام بهم بغض النظر عن كل شيء!

تنظيم المعارك

لأنهم من أهل البلد، فلا يبالون بقيظ منتصف النهار، لذلك ينشط أفراد جيش المهدي في الظهيرة، أي بعد الساعة الواحدة ظهرا ولغاية الخامسة عصرا، وهي الأوقات التي يكسل فيها الجنود الاميركان أو يهجعون للراحة أو اتقاء نار الشمس. بينما ينشطون ليلا، أو في المساء، فتجهيزهم وسلاحهم يساعدهم على تأدية الأعمال العسكرية الليلية على العكس من الطرف المقابل الذي لا يمتلك غير مشاعل (قذائف) التنوير.

وعلى العموم، فقد تميز الأسبوعان الأولان من معركة النجف، بتحديد القوات الحكومية - الاميركية على نشاط جيش المهدي العسكرية، أي اقتصر عملهم على الرد فقط لدى رصدهم تحركات أو تعرضهم لهجمات، ومن المعروف أن الرد كان بقدرة نارية كبيرة، فقد كانت قذيفة الدوشكا العادية تخترق ثلاثة جدران دفعة واحدة، لذلك لم ينفع دائما الاحتماء بالمباني والجدران، ففضل أنصار الصدر الغوص أعمق في الأرض عند السراديب.

مقبرة المحكمة

حاولت القوات الحكومية، في اللحظات الأولى من استلامها النجف (المدينة القديمة والضريح وما حوله)، الاستمرار بالحرب الإعلامية وتشويه صورة جيش المهدي بوضع بعض قناني الخمر في مواقعهم واتهامهم بفتح مقابر جماعية لخصومهم وللمدنيين والشرطة.

وكانت أزمة الجثث - التي عثر عليها أفراد الحرس الوطني والشرطة في قبو تابع لما أطلق عليه «المحكمة الشرعية»، وهي دار قديمة جدا تقع في زقاق مطل على الحضرة الحيدرية، استخدمها أتباع مقتدى الصدر في محاكمة الخلق وفق الشريعة - واحدة من حلقات «الحرب الإعلامية» التي يصعب تصديق سيناريو الجانب الحكومي أو الصدري في غضونها. وزادنا حيرة ذلك الحوار الذي تم بيننا والشبان المتجمهرين عند بوابتها. فقد انبرى أحدهم للدفاع عن جيش المهدي وأن هذه الجثث كانت لفلان ولفلان واستمر بذكر أسماء من قال قادة جيش المهدي بأنها لقتلاهم.

لكن في غضون هذا الدفاع، تطوع شاب آخر وأخبرنا بأنه قبل ساعات فقط، حمل 6 جثث لشرطة عراقيين كانوا معدومين وملقاة جثثهم في السرداب.

كادت معركة بالسكاكين تنشب بين المدعين، لولا سحبنا لمحامي جيش المهدي خارج المنطقة، لكون المجموعة كلها كانت ضده، وارتأينا إنقاذ ولو شخص واحد من جيش المهدي فيما تبقى من لحظات المواجهة التي لا يمكن التكهن بمصيرها وآفاقها.


http://www.alqabas.com.kw/news_details.php?cat=2&id=81895

سيد مرحوم
09-04-2004, 11:11 AM
القبس : د.جمال حسين:: كانت عملية تفخيخ الضريح بداية انهيار جيش المهدي وخروجه الصاخب من المرقد، وهي التي جلبت السيستاني على وجه السرعة الفائقة، فالسيد مقتدى الصدر قد توعَّد الأميركان في خطبة الكوفة بأن مجاهدي جيش المهدي سيتحولون الى قنابل حية ومتحركة ضد المحتلين أينما ثقفوهم. فماذا لو نفذ انتحاريو جيش المهدي هذه التهديدات؟!

أضف الى هذا التهديد العلني ما قاله الصدر في جلسة خاصة نورده بالحرف: «ما نفعله الآن أقل بكثير من أن يوصف بالمقاومة، فلو فعلنا ذلك لن يبقى لقوات الاحتلال بقوة الله، باقية».

ماذا كان يقصد السيد مقتدى بعبارته: «فلو فعلنا ذلك...»؟!

الذي كان يقصده، شيء رهيب يقض سكون الشيعة والمسلمين عموما، شيء لا يمكن لأحد السكوت عنه، سيؤدي الى وقفة واحدة للشيعة ضد الاحتلال، ولا يوجد مثل هذا الشيء، سوى ما كادت الأمور تؤول إليه، ذلك الشيء المفزع الذي جعل السيستاني ومن معه يجتازون سرعة الصوت لكي يصلوا، أمر سيهز العراق والعالم: تفجير مرقد الإمام!!

إنذار الرابية

هو الأمر المريع نفسه الذي دفع بوزير الدفاع العراقي حازم الشعلان، الذي لم ينصفه أحد لصراحته حتى الآن، الهبوط على رابية للحرس الوطني متجحفلة في بحر النجف والإعلان من هناك عن نبأ تلغيم الحضرة.

الغريب، أن هذه الأمور سارت بلا تدوين ولا رد فعل من الرأي العام، ووجدت الحكومة العراقية ووزراء القوة المتكفلين بحل هذه المعضلة، نفسها، أمام خيارات مريرة، أوصلت مستشار الأمن الوطني موفق الربيعي الى المستشفى بعد أن أصيب بجلطة لم يتحمل قلبه هول ما سيحدث، فيما كان الشعلان وقاسم داود ومن ورائهم اياد علاوي في أقسى درجات الحيرة، فما الذي سيحدث لو فجروا الإمام؟

إدراك مقتدى

والسيد مقتدى الصدر يعلم بأن أحداثا جساما لم تحرك الشيعة في العراق، سواء في ظل النظام السابق أو في أوقات الاحتلال، وكان لابد من عملية كبرى لهزّ الضمير الشيعي.

أما السيد السيستاني فقد أنجز مبادرته على الوتر نفسه، فإذا كان يكفيه وهو المرجع الأعلى إصدار فتوى أو إطلاق مبادرة، فلماذا دعا العراقيين الى الزحف نحو النجف «لإنقاذ الضريح الشريف».

ليلة مقتدى الليلاء

«فلو فعلنا ذلك ..»، لن يبقى للاميركان باقية، وهو السيناريو الأخير للحرب الأخيرة. فالسيد مقتدى يعرف أن هذا السكون الشيعي لم يزحزحه مقتل عمه وعمته: السيد محمد باقر الصدر والعلوية آمنة السيد حيدر الصدر (نور الهدى)، ولم يحدث الأمر بمقتل والده وشقيقيه. ما زالت تلك الليلة الدامية تؤثر في مقتدى الشاب الذي اندفع مع الشيخ محمد النعماني الى غرفة الطوارئ التي كان والده وشقيقاه ممددين فيها بدمائهم الطاهرة، وشاهد شقيقه السيد مصطفى الصدر مفتوح العينين وأشار نحوه وقد كان حيا، نظر إليه ثم أغمض عينيه من عمق الجراح. بعدها أخرجوا السيد مقتدى والنعماني بالقوة من غرفة الطوارئ، ولم يرهم أحياء بعدها.

الكاتب الصحفي يهين عقلية القاريء بهذا الخرط الواضح! شنو احنا يهال حتى اقص علينا بهالشخبطة الي اسميها تقرير !!! لا والاسلوب روائي يعني ناقص اطفي الليت وابطل الاباجورة واقراه وانا اشرب نص جلاص جاي!

هاشم
09-04-2004, 03:36 PM
كااااااااااااااااااكككك

سيد مرحوم ليش نص قلاص .... خليه قلاص كامل :D

بس ترى سيد مرحوم هذا مقتدى صج طلع العن من صدام لا يغرك ما عليك منه ... أى كلام !

بو حسين
09-04-2004, 07:36 PM
أصاب الكاتب في بعض المواضع .. واخطا كثيرا في مواضع اخرى

جمال
09-05-2004, 08:08 AM
شبح المدينة الخاوية

النجف - موفد القبس د. جمال حسين:

كحال كل المدن خلال المعارك، وبعدها، خاوية.. لا صباح يفتح شبابيكها ولا مساء ينتدب السكون في أنقاضها.
رحمتها السماء: النجف.. إذ خيطت أرضها وضمدت نزفها الملتئم وموتها الصامد.

مصحوبين معنا، لتدارك كارثة المدينة وإخراجها من وحدتها، وإن كانت بالصور غير المؤلفة، لا بجناح العدسة ولا بسطوع العيون.



خواء الأزقة

الأزقة النجفية مهر المدينة ومبالغة في حلاوتها وتفردها الساحر. فاقتراب البيوت وأبوابها ونوافذها، تآلف قلوب وسماع آهات الجيران وفرحهم وحزنهم، مشاريعهم وعراكهم وتجويد شيخ الدار لما تيسر له قبل النوم.

أزقة تنهمر بالأخوة، وفناء يفضي الى فناء أضيق من اتساع المرح، وسلم خصيب يلقي بك الى منحدر.. ينابيعه خلود الحياة في ممرات البشر. ولكثرة ما يعرف الناس بعضهم الآخر، فلا تقرأ لوحات تدلك على البيوت أو تعلن أسماء الأزقة والفروع، فلكل حجر هنا، أو خشب ساج نمقوا به واجهة الدار، حكاية واسم عائلة، بلا تدوين حروف أو إعلان عن أسر.

أزقة كأقفاص تتدلى منها لحى صفراء، وأخرى تبطش بالفراغ فلا تستطيع المرور منها دون الاصطدام بعتبات البيوت. وأزقة تذهب بك الى أخرى، لتلقي بك أعمق ما في الخطوط من رسوخ، فتطير عند أول انعطافة لك الحمامات، هاديات، موقظات، شجرة المدينة وأسمائها المتسعة.



خواء المحال

تعجـّب بأسواقها ابن بطوطة الذي زارها عام 727 هـ، حيث كتب عنها: « أنها من أحسن مدن العراق وأكثرها ناسا وأتقنها بناء وأسواقها حسنة ونظيفة».

هكذا عرف التاريخ والرحالة وكل من رأى النجف - على مر الأزمنة - شهرة أسواقها ومحلاتها وازدهار التجارة فيها، لاسيما تلك السلع النادرة جدا والتي يحرص التجار على عرضها في أسواق النجف بالذات، كالتذكارات الحسينية والحلي الأصلية والرخيصة التي تحمل نقوشا وزخارف وتخط عليها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والأحجار الكريمة والزمرد والياقوت والفيروز، المباخر والطاسات المذهبة والفضية، الأباريق وألواح الزيارة والشماعد والمزهريات، الأعلام والتيجان والمنسوجات وأغطية القبور والخيام والملابس المرصعة بالأحجار والسجاد بمختلف أنواعه، المعقود من وجه ومن وجهين، الثريات والكريستال، زخارف الخشب والمسابح المتنوعة الأحجار.. وغيرها من بضائع نفيسة، غالية ورخيصة، تميزت بها أسواق النجف التي، لو تتمشى عند حوافها اليوم، يئن في رواقها الخواء وينطق الصمت لو ارتفعت تهاليل باعتها وروادها الغائبين.


خواء المحلات

أكبر محلات المدينة القديمة يسمونها: العمارة، ساكنة خالية من أي حركة أو نفس أو حياة. هذه المحلة التي قطنها كل طلاب العلم الذين قدموا الى النجف للدراسة في الحوزة لقربها من الضريح الشريف ولتوفر مساكن رخيصة فيها لقدمها وتداخلها مع المحال التي تلبي الراحة والطعام وما يحتاجه الغريب.

ومثلها محلة العلا التي استبدلوها بتسمية المشراق، ومحلة الحويش التي تؤدي بك الى الجنوب نحو محلة البراق، التي تضم الأسواق الحديثة التي تتناسب مع متطلبات العصر كالتصوير والكمبيوتر وصالونات التجميل والملابس الحديثة وغيرها.

تتماسك محلات الخواء بعضها يشد فراغ بعضها الآخر، ابتداء من حي الغدير مرورا بالأمير والسعد والحنانة والجديدة والإسكان والعلماء وانتهاء بحي المثنى.


خواء الشوارع

تتعرج الشوارع الخالية في النجف كدمعة لا تكاد تسقط من شدة الوهن. فثمة شوارع خالية وهذا أفضل مصير، وهناك شوارع مدمرة بناياتها، سائلة أنقاضها على حوافها، كتمرد أعضاء جسم واحد. هكذا كان مصير شارع الإمام زين العابدين وشارع المدينة وشارع الطوسي، فيما يحل الصمت والانتظار شوارع الرسول صلى الله عليه وسلم والإمام الصادق عليه السلام والكوفة والسور والخورنق والسدير.

يتوزع الخواء بعدل في هذه الشوارع، ذات الأسماء المعلومة، والتي لكل واحد منها حكاية، سائرة بروح المدينة المثقلة بالأوجاع بإدهاش وهمي يبيد مرأى الناظر.


خواء العيادات

في واحدة من أزقة المدينة القديمة، أطلت علينا غابة من الأسلاك الكهربائية والهاتفية المقطوعة - وقد امتدت كسقف خيمة - مغطية العشرات من يافطات الأطباء مختلفي الاختصاص والواجبات.

منظر القطع البيضاء الملفوفة بالأسلاك التي قطعتها الحرب وسكون الزقاق الذي هرب منه أطباؤه، صورة جسمت وضع النجف، بلا إطار ولا تحتاج الى المزيد من الوجع ولا الكلمات.


خواء الكتب

والنجف ناسخة كتب من الدرجة الأولى، وفيها أكثر نسبة قراء في العالم، ونسبة لعدد سكانها، فان وجود 50 مكتبة لبيع وشراء الكتب يعد نسبة عالية، زد على ذلك أسواق المزاد التي تنشط أيام عطلة الحوزة في الخميس والجمعة.

في هذا السوق، ترى العلماء والطلاب والهواة، يتنافسون على اقتناء الكتاب على قدم المساواة، سواسية في أمهر ما اشتهرت به المدينة على الإطلاق: طلب العلم.

مكتبات النجف المعروفة بأنها الأهم والأغنى في العالم الإسلامي مثل مكتبات: الحيدرية، العلمين، الحسينية، الشوشترية، مدرسة القوم، المدرسة الخليلية الكبرى والصغرى، الشيخ جعفر الكبير، الشيخ فخر الدين الطريحي، الرابطة العلمية، عبد العزيز البغدادي، منتدى للنشر، كلية الفقه، المكتبة العامة، البروجردي، مكتبة جامعة النجف، الآخوند، الأصفهاني، البلاغي والكثير جدا من مكتبات البيوت والعائلات المعروفة في النجف.

حزين للغاية، أن هذا السوق الذي لم يتوقف على مر دهور طويلة وعقود، تناثرت أشلاؤه الآن وجف حبره بعد قطع وريده وشريانه الأهم: الناس والكتاب.

وتتولى عدة مطابع في النجف شؤون طبع الكتاب ونشره كمطبعة الحبل المتين والمطبعة المرتضوية والنعمان والزهراء والقضاء والآداب وغيرها كثير.

النجفيون القائلون إن «زكاة الكتاب رعايته» - الذين اعتادوا «رهن الكتاب» في حالة الاستدانة، بدلا من الذهب كما جرت العادة - يدارون الأسى، لعلّ الأيام القادمة تعيد إليهم أنوار الكتب والمكتبات وسوقهم الثري للكتب الذي يحوي - مع ما تحويه المكتبات - ملايين من العناوين وآلافا من المخطوطات النادرة.


خواء المدارس

ولا يدرك الآن مصير العديد من المدارس العلمية والفقهية والشرعية والفلسفية والدينية، مع مطلع عام الدراسة، وهل تستقبل طلابها ومريديها وحلقات درسها ونقاشها.

غير أن النجف التي مرت عبر تاريخها بالكثير من المحن، ظلت محافظة وفية لعلومها ولمريديها في مدارس الصدر الأعظم، ومدرسة الملا عبد الله المهتمة بتدريس المنطق، القوام، الجوهرجي، الشيرازي، القزويني، دار العلم، مدارس آخوند الكبرى والمتوسطة والصغرى، البخاري، دار الحكمة،، مدرسة المعتمد، مدرسة النجف الدينية وعدد آخر من مدارس خرجت نوابغ الفقه والتشريع والمنطق والفلسفة وغيرها من العلوم.

تتكئ جدرانها محفورة بذخائر المحاضرات، مثقوبة بذلك الترتيل المضيء، الذي مهما اشتدت الخطوب، سيعيد فتح أبوابها للسائلين والمثابرين والمجتهدين.


خواء الدهور

يسير بنا التاريخ الى حوادث احترقت بها النجف أكثر من مرة وتعرضت للدمار والغزو والنهب مرارا، بداية من هجوم الخارجي مرّة عليها، مرورا بغزو المشعشعي الذي نهب مرقد الإمام وحطم الصندوق المشيد فوق أمير المؤمنين، وغزاها الروم والأوزبيك والصفويون والعثمانيون والوهابيون والبريطانيون.. وأخيرا الإسبان والبولونيون والأميركيون.

لم تسقط النجف في كل الغزوات والحروب التي داهمتها بلا إرادتها، وكانت تنبعث دائما وسط رماد حرائقها لتبث الأنوار وتوقظ الأرواح التي تحرسها والعلوم التي تشجـّرها.

محروسة أيتها النجف برسوخ موتاك قبل أحيائك، بجراح الإمام المغدور وحماماته الحانية، خالدة تبقين، مرصعة بعلمك الشامخ.


http://www.alqabas.com.kw/news_details.php?id=82081&cat=2

سيد مرحوم
09-05-2004, 09:03 AM
اخوي هاشم...جلاص كامل! ..خو آنا قلت جاي مو شربت :)

انت اشرب الجاي بجلاص مثلي ومايصير استكانة (هذا جزء من العلاج الروحي ) واقطع عنك خرابيط عواميد ومقالات الجرايد الجاهزة وركز في الاحداث وصدقني كل الاوهام والخزعبلات الي انتقلت لك بالعدوى عن مقتدى بتروح وبتكون من اشد منتقدي نادي علاوي الامريكي الرياضي الثقافي :D

اخوي بوحسين..

الاسلوب الروائي يعتمد على خلط الحابل بالنابل وشوية عواطف من هنيه واسلوب بلاغي من هناك يحاول جعل بعض العبارات الغير مقنعة او التي عليها علامات استفهام تتسلل الى القاريء من خلال عواطفه بدلا من بوابة عقله لصعوبة الاقناع من خلاله وبعدين اقولك بالهنا والشفا يامغفل ..والي يقرأ مايدري لو دقق شوي في بعض الحيثيات وطريقة تركيبها لوجد انها سم هاري مدسوس بالعسل لا اكثر وهالاساليب الصحفية المسيسة او المشخصنة معروفة!

كويتى
09-05-2004, 10:51 PM
أحسنت أخ جمال موضوع وتفاصيل هامة أسمعها لأول مرة .... أما حزب التقديس والإنحناء الدائم فالأمر غريب عليهم لذلك نجدهم يستهزئون ويقللون من شأن الحقائق .

سيد مرحوم
09-06-2004, 08:01 AM
كيف عرف البعض قبل ان يتثبت ان تفاصيلها هامة وحكم ( كما انتقد الاخر الذي علق على بعض مبالغاتها واكاذيبها المضحكة ) انها بالمطلق صحيحة مع انه ذكر بانه يسمعها لاول مرة ؟!

جمال
09-06-2004, 01:09 PM
زوال وادي «السـلام المندرس»


النجف - موفد القبس: د . جمال حسين

فيها، تفكر بأي ضوء نافذ، زائغا على حطام القبور الممتلئة بالعبرات والبيارق المتعثرة الرياح والنذور المأخوذة من فم الرضيع والشواهد الذائب لونها في الرخام، كأن البشر هنا استحالوا أرقاما وصورا لا وزن لها ورمالا مغمسة بلهاث السفينة غير المكتملة لإنقاذ ما تبقى قبل الطوفان بزفرة الرجال العظام الذين يدوس المحاربون على ثراهم، بوفاقهم ودأبهم، بأناقة أشرطتهم الخضراء ومسالك نبوغهم المبكر، هنا يرقدون، أسلمت بأنهم يرقدون هنا الى الأبد، وغدا ستقرأ الرياح ارتجافها على موضع ناصيتك ومنتهاك.

فلنقرأ عليكم قبل أن يفوت الأوان، سونيتة الزوال لشدو محافظة القيام والنواح والتحطم قبل الانتهاء في مناهضة الجنائز ما أن يستقيم الوداع على منبر العنوان الأخير في: محافظة الموتى!


الأقدم والأكبر والأكثر

تمتد «مقبرة وادي السلام» في الجهة الغربية من بحر النجف الجاف الذي يهدي المدينة الحر والبرد. وتعد أول مقبرة في البشرية منذ أيام سيدنا آدم وتستدعي أسماءها الأولى «الجودي» و «الغري» حكاية سيدنا نوح الذي تركه ولده واحتمى بالجبل، الذي يعتبره بعض العلماء النجف الحاضرة الآن.

وهي الأكبر من حيث مساحتها وعدد سكانها الذين يتجاوزون أضعاف سكان المدينة، بل ومدن عراقية أخرى. ولا تضاهيها في الكبر وعدد المدفونين سوى المقبرة الصينية.

وأكثر المقابر «طبقية»، ففيها تُشيّد مراقد كبيرة تفوق حجم القصور، فيما لا يجد الفقراء مترا يدفنون فيه، فيلقون بهم في أحوال كثيرة خارج الوادي.

ومساحتها غير محددة، ولعلها تقاس بكيلومترات الموت وأعداد الزائرين، ذلك العدد الذي يتفاقم مع اشتداد الخطوب والحروب التي لا تريد الانتهاء في البلاد، كما أنها تستقبل يوميا أعدادا كبيرة من الموتى، ليس من داخل العراق فحسب، بل من إيران والكويت وباكستان ولبنان، وعدد آخر من البلدان التي يقطنها الشيعة.


العذاب أهون

ويصر الشيعة على الرقود بالقرب من الإمام علي، ليشفع لهم ويخفف عنهم عذاب القبر ولكي يرافقوه في ليلة الحشر، سائلين إياه الثواب بعد حلول القيام.

ولهذا حملت جثث سلاطين وشاهات وملوك وأمراء ووزراء وأولياء بناء على وصاياهم لتدفن هناك مثل عضد الدولة البويهي وولديه شرف الدولة وبهاء الدين وفيروز أبو النصر (بهاء الدولة) والوالي بدر بن حسنويه والشاه عباس الأول الصفوي والسلطان محمد القاجاري والملك كيومرث والسلطان محمد حسن خان والملك حسين قلي خان والملك عز الدين عبد العزيز و الملك عز الدين الأصفر والإمبراطور الشهير تيمورلنك والكثير من ملوك مصر (الفاطميون منهم خاصة) وملوك إيران وأمراء باكستان وأذربيجان وطاجيكستان والهند.


سكون المراقد

وفي الـ 1383 كيلومترا مربعا فقط وهي مساحة النجف، يرقد الأنبياء والأئمة، كالنبي هود والنبي صالح والإمام علي بن أبي طالب والإمام زين العابدين ومقام محمد بن الحنفية ومقام رقية بنت الحسن والعديد من أصحاب الإمام علي: خباب بن الأرت، الأحنف بن قيس، جويرة بن مسهر العبدي، كميل بن زياد النخعي، سهل بن حنيف وغيرهم.

وتورد بعض المخطوطات وكتب الزيارات ومدونات الرحالة كابن بطوطة و سيدي علي التركي في كتابه «مرآة المماليك» بأن السادة الأنبياء آدم ونوح وشمعون مدفونون في النجف، غير أن الجدال التاريخي يكثر حول هذا الأمر.

ولا يقرّ المسيحيون بذلك، فقد قام البريطانيون في أول دخولهم الى النجف بتحطيم مراقد النبيين هود وصالح، فيما تركوا النبي (الكفل) الذي يبعد عنهما ويؤمه ويزوره ويتبرك به يهود النجف (عاش الكثير من اليهود في النجف حتى أن حيا كاملا أطلق عليه «عقد اليهود» كانوا يسكنون فيه).

ويرقد في المقبرة علماء وشيوخ طوائف لا يتسع المقام لذكرهم جميعا.



أدب القبور

لو تسنى لأحد جمع كل الأشعار المكتوبة على الشواهد، لمدينة كل سكانها ينظمونه، لحصلنا على واحد من أثرى الآداب في الإنسانية والذي لم يتنبه إليه أحد والذي يمكننا أن نسميه «أدب القبور». ويمكن للسارح والشارد والغفلان، قراءة أشعار قوية للغاية، بلغات من دفنوا. فيها الفلسفة والدين والمنطق والفكر والبلاغة والصور الشعرية العميقة. كتبت على أحجار الشواهد الرخامية منها والمرمرية، بل نحتت وزينت بألوان لا يمكن للزمن مهما طغى، محوها ولا التجرؤ على الاقتراب منها.



مقابر الشهداء اللانهائية

شواهد الحقيقة وهوام الحياة النابضة بالموت، بوخزاته ومنبته، بالأسئلة التي تجهز على المشاعر وتتواطأ مع الخيبة والفراق بلكنة الأقدار ما أن تخط: مقبرة الشهداء .. وإن لم يكف الموت عن حصدهم يسمونها الأولى، لكي يخطوا من جديد مقبرة الشهداء الثانية، وقد تكون الخاتمة على السكون المنفلت للنادبات حظوظهن لحظة ولادتهن هذا الكم من الشبان القتلى، فلا أهمية للرقم واكتبوا: مقبرة الشهداء الثالثة،، ليصيح الديك على قافلة من الفتيان المحمولين والمقمطين بالعلم، زد الرقم، زد عليه، إلى أن يضيع الحساب.


شبكة السراديب

تميز النجف ببناء الأقبية والسراديب يعود الى مناخها الجاف الهاب عليها من بحر النجف، فالحرارة تشتد صيفا بشكل لا يطاق، وفي الشتاء يكون البرد قارسا جدا. لهذا السبب بنى النجفيون السراديب لأنها تحافظ على درجة حرارة ثابتة نسبيا، بطريقة بناء وتصميم جعلها باردة صيفا دافئة شتاء.

وانتقل التقليد الى المقبرة أيضا، لأن الله سبحانه وتعالى كوّن جيولوجيا المقبرة فجعل طبقتها العليا رملية فيما السفلى رملية صلبة تسمح بحفر اللحد عموديا ومنحها العلي القدير، مناخا جافا خاصا جدا لمنع العفونة وتسرب روائح الموت وأهداها نسيما عبقا جعل الأهالي يتجولون فيها من شدة عذوبته.

وتحولت «نزهة القبور» الى تقليد شبه يومي، يقرب الناس من موتاهم ويجمع الأقرباء المشتتين في مدن أخرى. فمثلا، عندما يزور الناس في البصرة أو الديوانية أو الكويت، قبور أقربائهم، فهم في البداية يتوجهون الى الأقرباء والمعارف الأحياء لإلقاء التحية عليهم أولا، وهؤلاء الأحياء يصطحبونهم فيما بعد الى قبور الأقرباء المشتركين. وهذا عرف لأهل النجف، فلا يتركون الغريب القادم إليهم يؤدي الزيارة وحده، لأن في ذلك عيبا كبيرا، ويتحتم عليهم الزيارة وكسب الثواب الذي يعدونه كبيرا وأجرا وواجبا تؤجل بموجبه كل الأعمال والمشاغل الدنيوية.

أما الدفانون، فيعرفون الموتى أكثر من أقربائهم، يحفظون أسماء كل السكان، وما أن تقول له اسم الميت ورقم القطعة المسجّى جسده فيها، حتى يدلك خلال لحظات على الذي سبقك الى الموت.

زحام الأقرباء عند القبور، جعلهم يعتنون بالمساحة المخصصة لهم، فبنوا فيها الديوانيات وأوصلوا المياه والكهرباء إليها وتجد هناك المطابخ وغرف النوم، كالبيوت تماما، ويمضون أحيانا هناك عدة ليال، يبكون وينوحون ويصلون، ومن ثم يخرجون من وادي الموت الى الحياة مرة أخرى.



وادي الحروب

اعتقدنا، أنها توطئة ضرورية لاستيعاب وفهم أسباب اختيار المتمردين والأطراف الأضعف تقنيا وعسكريا، مقبرة وادي السلام طوال التاريخ والتجائهم إليها عند اندلاع المعارك والعمليات العسكرية مع الأطراف الأقوى دائما.

فحصار النجف الذي امتد 40 يوما والذي فرضه الغزاة البريطانيون مطلع القرن الماضي، لم يفككه غير المقبرة، وتناولتها اشتباكات عديدة ابان الاستعمار البريطاني، وعاش فيها لاجئا، هاربا الكثير من السياسيين بعد بطش أنظمة الثوار التي تعاقبت على العراق، لغاية الانتفاضة المجيدة في 1991 التي شهدت فيها المقبرة أعنف المعارك بين المنتفضين وقوات الحرس الجمهوري.

لقد زحفت الألوية المدرعة للحرس وسحقت دباباتهم القبور في تلك الأيام بمناظر لا يمكن أن تعيدها أحرف ولا عبارات، ووصلت بهم الحال إلى أنهم كدسوا تلالا من الشواهد والرخام والأحجار والصور والبيارق لقبور سووها مع الأرض.

وأدرك الطاغية ما لمقبرة النجف من دور في انتفاضات قد تحصل وملاذ آمن للمعارضين، فقرر «تكريمها» بشق شوارع عريضة داخلها، لم تكن سوى محاولة للسيطرة عليها، فقد كانت الشوارع الرئاسية مخصصة لمسير الدبابات والمدرعات ولم يخطر بذهنه أبدا شقها لخدمة زوار المقبرة.



في الزمن الديموقراطي

الذي فتحت فيه الحدود والجيوب، تحولت المقبرة الى مرتع لكل من دبّ على أرض البلاد، فكانت النعوش تحمل البنادق والقذائف وما ملكت أيديهم من سلاح بغير حساب، وتناثرت الأنباء من كل حدب عن استقرار «الأجانب» بكامل عددهم وعدتهم وأجهزتهم، ولم يسأل أحد وقتها، ما الذي يجبر هذا «الزائر الأجنبي» على السكن في المقبرة مع هاتفه الفضائي وكمبيوتره المحمول؟!

كان الرسميون العراقيون يصيحون في مناسبات عديدة وينبهون، وكانت الدول المعنية ترد بأن هؤلاء «ليسوا سوى أناس بسطاء قصدوا النجف لأداء الزيارة».


حمى القبور

لغاية اليوم الذي بدأ العالم مجددا يعرف اسم المقبرة الأولى على أرضه ويرددها كنغمة إخبارية أولى، بعدما استخدمت القوى العظمى وحليفتها إسبانيا كل ما لديها من قوة لدك المقبرة التي تحصن فيها عناصر جيش المهدي في القصة المعروفة للجميع.

لم تنفع معهم، على الرغم من كثرة الضحايا، الوسائل العسكرية والقصف العادي، حتى استخدم الأميركان في معارك أبريل ومن ثم في مواجهات أغسطس الدموية أبشع قنابل التدمير الشامل وهي العنقودي!

ليس اتهاما ولا ادعاء على المحررين أبدا، فبأوامر منهم والحرس الوطني حذروا من زيارة القبور لامتلاء المقبرة بالعنقودي غير المنفلق.

وستمر السنون، كما الحواكي، لتظهر علينا قنابل المحررين والمتمردين لتقض نومتنا الأخيرة، وتنسف من تسول له نفسه ويقرأ الفاتحة على عظامنا المنخورة.


http://www.alqabas.com.kw/news_details.php?cat=2&id=82181&brdate=2004-09-06

كويتى
01-21-2005, 09:17 PM
أجد هذه التقارير الصحفية غنية بالمعلومات عن جيش المهدى ويمكن ان تشكل كتابا كاملا عن الوضع فى المناطق الشيعية فىالعراق .

سمير
04-26-2005, 10:38 AM
جائزة الصحافة العربية لـ القبس

الزميل جمال حسين يفوز بجائزة أفضل تحقيق صحفي

فاز الزميل جمال حسين مراسل «القبس» في بغداد بجائزة افضل تحقيق صحفي في اطار جائزة الصحافة العربية التي ينظمها نادي دبي للصحافة.
وقد منحت الجائزة للزميل جمال حسين عن تحقيقه المنشور في «القبس» العام الماضي تحت عنوان «النجف في قبضة النار»، والذي اعتبر «افضل تحقيق صحفي يتناول موضوعات او ظواهر اجتماعية او سلوكية او تربوية او خدمية»، وفقا للنظام الداخلي للجائزة وقرار لجنة التحكيم.

وتسلم حسين جائزته مع بقية الفائزين في فئات الجائزة الأخرى الاثنتي عشرة خلال حفل كبير اقيم امس في قاعة ارينا بمدينة جميرا بحضور الشيخ محمد بن راشد ولي عهد دبي ووزير الدفاع، والشيخ عبدالله بن زايد وزير الاعلام الاماراتي ونخبة من رؤساء التحرير والكتَّاب والاعلاميين العرب والاجانب.

اما جائزة شخصية العام الاعلامية فقد منحت للاستاذ رجاء النقاش من مصر.