تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات صبي مجند.. حين صار القتل حرفة في سيراليون



فيثاغورس
08-18-2009, 11:59 PM
Tue Aug 18, 2009

القاهرة (رويترز) - يهدي كاتب من سيراليون روايته التي تتناول سيرته الذاتية الى "كل أطفال سيراليون الذين سرقت منهم طفولتهم" بسبب حرب اجبر على المشاركة فيها وهو صبي بعد تجنيده دون ان يعرف شيئا عن أطراف الصراع.

ويقول اشمائيل بيه في كتابه (الطريق الطويل.. مذكرات صبي مجند) ان المتمردين كانوا يجندون على الفور الصبية في المناطق التي يهاجمونها ويختمون جلودهم بالاحرف الاولى من اسم (الجبهة الثورية المتحدة) في أي مكان بالجسم باستخدام رمح ساخن لضمان عدم الهرب منهم لان حامل هذا الختم معرض للقتل في أي وقت وبدون تحقيق عن طريق أي فصيل.

ونظرا للطبيعة التسجيلية للكتاب فقد تكررت في كثير من صفحاته مشاهد القرى المحترقة والقتل والدم المتخثر والجثث التي يتجمع عليها الذباب وقد تناثرت أعضاؤها كأوراق أشجار بعد العاصفة وعيون القتلى المفتوحة على الرعب رغم موت أصحابها.

ويقع الكتاب الذي ترجمته الكاتبة المصرية سحر توفيق في 300 صفحة متوسطة القطع وأصدرته دار الشروق في القاهرة بالاشتراك مع مؤسسة محمد بن راشد ال مكتوم.

ويقول الغلاف الخلفي للكتاب انه ترجم لاكثر من 22 لغة وان مؤلفه ولد في سيراليون في 1980 وانتقل الى الولايات المتحدة في 1998 حيث أكمل السنتين الاخيرتين من دراسته الثانوية في مدرسة الامم المتحدة الدولية بنيويورك وتخرج في كلية اوبرلين في 2004 وهو عضو في اللجنة الاستشارية لحقوق الانسان (قسم مراقبة حقوق الاطفال) ويقيم حاليا في نيويورك.

ويقول المؤلف انه كان يسمع حكايات عن الحرب ويظنها بعيدة في أرض أخرى ولن تصل الى بلده "فلم يسبق لي أن عرفت حروبا الا تلك التي قرأت عنها في الكتب أو رأيتها في الافلام" الى أن جاءت اليه الحرب في 1993 حيث كان بصحبة أخيه جونيور الذي يكبره بسنة في احدى المدن للاشتراك في حفل لاستعراض المواهب وكان المؤلف وأخوه وصديقاهما تالوي ومحمد أنشأوا قبل نحو أربع سنوات فرقة للرقص وأغاني الراب.

وكانت بداية تعرف المؤلف على الحرب بعد أن وصل هو وأصدقاؤه سيرا على الاقدام الى مدينة يفصلها عن بلدتهم 16 ميلا وهناك سمعوا أن المتمردين هاجموا بلدتهم وهرولت الامهات الى المدارس بحثا عن أبنائهن وجرى الاولاد الى البيوت بحثا عن ابائهم " وعندما تكاثف اطلاق النار تخلى الناس عن البحث عن أحبائهم وهربوا خارج البلدة" التي أصبح هواؤها يفوح برائحة الدم واللحم المحترق وأجساد القتلى والجرحى الذين برزت أحشاؤهم من ثقوب طلقات الرصاص.

ويرصد اشمائيل بيه كيف صار مجندا ضمن فرقة فيها صبية وقليل من البالغين وكانوا جاهزين للانقضاض على من يمتلكون "بعض الذخيرة والطعام" ثم يسيرون نحو القتلى في الطرف الاخر ويتبادلون التهنئة بصفق أكف الايدي.

وبعد اختيار الصبية للتجنيد يجري تأهليهم بالتدريب على بعض المهام بقتل بعض الناس أمامهم ويبرر المتمردون هذا السلوك الدموي للصبية قائلين "لا بد أن نفعل ذلك لتروا الدماء وتقوى قلوبكم" ثم يضحكون وهم يبشرون الصبية بأن القتل التالي سيكون بأيديهم.



ويروي الكاتب أنه شاهد متمردا يكبره بقليل وهو يحمل رأس رجل وبدا الرأس "وكأنه لا يزال يتألم من جذب شعره" والدم يتساقط من الرقبة المذبوحة ثم جلس المتمرد مع أصدقائه يتباهون وهم يلعبون الورق بما فعلوا وقال أحدهم "أحرقنا ثلاث قرى في ساعات قليلة بعد الظهر. انه أمر يستحق الفخر... كم كان عملنا متقنا لقد نفذنا الاوامر وأعدمنا الجميع" وتبادلوا ضرب الاكف واستأنفوا اللعب.

ويسجل أن هجوما فرق بينه وبين أخيه ذات ليلة أثناء صلاة العشاء فحين علم المصلون بوصول المتمردين الى القرية غادروا المسجد بسرعة وصمت "حتى أصبح الامام وحده" وأمسك به المتمردون الذين طالبوه بمعرفة مكان اختباء الناس لكنه رفض فقيدوا يديه وقدميه "وربطوه في عمود حديدي وأشعلوا النار في جسده. ولم يحرقوه كاملا لكن النار قتلته وظلت بقاياه نصف المحترقة في ساحة القرية" التي هجرها الاهالي.

ويصف كيف عاد بعد أيام الى القرية الخالية من الاهالي "وكان الصمت مثيرا للرعب... كانت الكلاب تأكل من البقايا المحترقة لجسد الامام... وفي الاعلى تجمعت النسور" استعدادا للانقضاض على الجسد.

وهرب المؤلف من القرية وظل خمسة أيام يمشي من الفجر الى الغروب دون أن يقابل انسانا في الطرق أو في قرى مهجورة عبرها وفي اليوم السادس رأى أربعة صبية وفتاتين ورجلا وامرأة يسبحون في نهر فلحق بهم لكنهم لم يطمئنوا اليه ولم يثقوا به فتركهم يواصلون السباحة وخرج من الماء الى الغابة التي عاش فيها وحيدا لمدة شهر لم ير خلاله أحدا الى أن قابل ستة من الصبية في مثل سنه هاربين من الحرب.

ويقول ان الخوف "حل محل براءتنا وأصبحنا وحوشا" اذ كان الناس يخشون الاقتراب منهم أو الرد على اسئلتهم الباحثة عن مخرج من هذا التيه بسبب انعدام الثقة ثم رأوا بعد ستة أيام من السير رجلا متقدما في العمر في شرفة بيت بقرية مهجورة وقال لهم "هرب الجميع عندما سمعوا أن سبعة أولاد في الطريق الى هنا. لكنني لم أستطع الجري فتركوني. لم يكن أحد مستعدا لحملي ولم أكن أريد أن أكون عبئا عليهم."

ويغادر الصبي تلك القرية مع أصدقائه في رحلة الى هدف غير محدد ويمرون بقرى وثوار ومتمردين يستوقفونهم ويحاكمونهم لدرجة الاقتراب من قتلهم الى أن يتأكد لهم أنهم صبية فارون من قتال لا علاقة لهم به. وفي احدى القرى تقترب امرأة من المؤلف وتخبره أنها رأت أمه وأباه وأخاه الاصغر في قرية أخرى وأن أخاه الاكبر جونيور جاء الى هنا قبل أسابيع للبحث عنه.

وفي قريته يساق المؤلف مع أطفال في مثل سنه للتدريب على حمل السلاح. وحين جرب أن يقتل في مواجهة داخل الغابة شعر "كأن شخصا اخر يطلق النار داخل عقلي" وتوالت عملية القتل حيث تناثرت الجماجم في الغابة وتحول المستنقع الى دماء وكان القتلى من الرجال والصبية يرتدون الحلي في الاعناق والمعاصم ثم أزاح المؤلف وزملاؤه الاجساد "وقلبناها وأخذنا ذخيرتهم وبنادقهم" قبل تلقي تدريب على قتل الاسرى حيث يتنافسون على ذبحهم بالحراب بطريقة سريعة ولم يكن الاسير الذي كان على المؤلف أن يقتله "سوى متمرد اخر مسؤول عن موت عائلتي كما أصبحت أعتقد بذلك". وأعلن العريف الذي كان يحمل ساعة ايقاف فوز المؤلف بالمركز الاول وتم منحه رتبة (ملازم أول شبل) وأصبح مسؤولا عن وحدة صغيرة من الصبية.

لكن اشمائيل بيه سيشدد في وقت لاحق عند مشاركته في افتتاح برلمان الامم المتحدة الدولي الاول للاطفال على أنه اضطر لخوض التجربة وأنه لم يعد جنديا.. "أنا مجرد طفل".