فاطمة
08-10-2009, 06:21 AM
عبدالله العتيبي - الجريدة
'من صادها عشا عياله'... تحول هذا المثل الانتهازي الى 'خارطة طريق' لكثير من الموظفين الكويتيين المنتفعين، الذين أضحوا من أصحاب الملايين بالتكسب من وظائفهم، وهؤلاء موجودون في معظم وزارات الدولة.
كانت يده تلهو بكأس من الويسكي الفاخر، وهو يجلس باسترخاء على مقعد عريض من الكتان الأخضر، في شقته الفاخرة، ويلوح بيده الأخرى بسيجار كوبي، قال لنديمه فلاح، الموظف في مكتبه في الوزارة وابن عمه، الجالس قبالته بتحفز 'شرايك فيني... مو آنا ذيب'؟... كان أبو نايف يقصد 'نجاحاته' في تكوين ثروة وجاه خلال فترة قياسية.
بدا فلاح متلعثما، يبحث عن إجابة ترضي 'معزبه'، خصوصا إنه لم يفهم مغزى السؤال، لكن أبو نايف أنقذه من ورطته، عندما أجاب عن سؤاله بنفسه، وهو يطلق تنهيدة طويلة متلذذا بشرابه:
«أدري الناس حاسديني ويحجون عني، يشوفوني عايش أحسن منهم، بعد شوي لما يوصلون الربع وتبدأ السهرة، كلهم يعجفون، يشربون وياكلون ويستانسون، ومن وراي يقولون أبو نايف حرامي، خل يقولون آنا ما يهمني».
يقاطعه فلاح كأنه يعزيه: تكرم يا بو نايف، ما عاش اللي يحجي عنك.
يتابع أبو نايف وكأنه لم يسمع شيئا:
«آنا لو مو ذيب كان بقيت طول عمري فقير مثلهم، هالحين عندي 3 قسايم صناعية حق عيالي، وشقة في باريس، وشقتين في لبنان، و3 ملايين دينار في البنك، وأسهم».
يتدخل فلاح من جديد بصوت متكسر: تستاهل يابو نايف، الله يزيدك ويعزك.
يكمل أبو نايف وهو يشير بيده في أنحاء الشقة الأنيقة: «أنا ما تهمني الفلوس، المهم مونس نفسي، شوف شلون مضبط شقتي، أسهر على كيفي، أجيب أكبر راس، وزراء، نواب، ومسؤولين، تحت أمري، وما خاف من أي واحد، حتى شهادة دكتوراه صارت عندي، وبالفرنسي بعد».
أبو نايف واحد من المئات من الكويتيين، الذين انتفعوا من وظيفتهم الحكومية، حتى باتوا يملكون الملايين، وهو لا يخجل من كونه حصل على أمواله بواسطة وظيفته، ولديه مبرر لا ينفك يذكره عندما يواجه موقفا دفاعيا:
«يا رجال، الديرة خربانه، منهو ما يبوق، دبر نفسك وما عليك، يبا من صادها عشا عياله».
يصف أبو نايف نفسه بالذئب، ليمتدح نفسه، على اعتبار انه 'ذكي وقوي' بحيث استطاع أن يجمع الأموال بشطارة لا يملكها الكثيرون، حتى لو عبر الاستيلاء عليها بطرق ملتوية وغير مشروعة، على اعتبار أن الإنسان الشريف أو غير الحرامي هو شخص 'مسكين وعديم الحيلة' في الأعراف الكويتية الجديدة، لأنه يظل يعيش على راتبه فحسب! خصوصاً في ظل شيوع قيم جديدة في المجتمع الكويتي تعتبر الاستيلاء على أموال الدولة بمثابة «كسب» مشروع!
هنالك طرق عدة لكي تصبح مليونيرا في الكويت عبر وظيفتك الحكومية، وليس عن طريق الراتب المتواضع بالطبع، في مقدمها أن يجري تعيينك في قسم المشتريات في الوزارة، خصوصا في الوزارات 'السيادية'، إذ تتوافر عقود مغرية بأسعار كبيرة، تبدأ بالملايين.
توفر هذه الوظيفة عمولات كبيرة، من خلالها يمكن التلاعب بعقود الشراء، إما مباشرة، أو عبر وضع اشتراطات خاصة، لا تتوافر إلا لشركات معينة، بالتنسيق معها، لا تفوز سوى المناقصة المقصودة، وبالطبع ليس الجميع لصوصا، بل لمن 'ذمتهم وسيعة'... كما يقال.
ويمثل 'نفخ الفواتير' كما يطلق عليه، أو باب «النثريات»، أحد أوسع الأبواب للحصول على مبالغ مالية جيدة من الوزارات والمؤسسات، كما حصل في بند الهدايا في مصروفات أحد المسؤولين، إذ وصل سعر بعض الهدايا، من بخور وعطور وأقلام وبزمات وساعات ومجسمات ودروع وأبوام ولوحات وبشوت ومسابيح، بلغت قيمتها حوالي 16 مليون دينار كويتي...؟
ساعد في 'البوقة' الشراء بطريقة الأمر المباشر وليس بالممارسة أو المناقصة؟ ومن دون استجلاب عروض أسعار من عدة مؤسسات وشركات للحصول على أفضل المواصفات وأقل الأسعار، خصوصا عند التعامل مع محل 'صديق'!
بلدية الكويت تعتبر 'منجما من الذهب' لـ'بلاعين البيزة'، وخرجت منها مئات الملايين بصورة غير مشروعة، ومنذ عشرات السنين وهي تُسرق، وإلا لما شكلت أهمية تذكر، سيما في توزيع الإراضي الصناعية، أو في تحويل بعض المناطق من سكني الى تجاري، التي تجلب الملايين لمن يسعون وراءها، ومعظمها توقع بواسطة أعضاء في مجلس الأمة أو المجلس البلدي، وبمقابل مادي طبعا.
الرشوة، التي كان الكويتيون يتندرون فيها على بعض البلدان العربية التي يزورونها، استفحلت هذه الظاهرة في الكويت بصورة فاضحة، وهنالك مسؤولون كبار يوقعون معاملات في وزارات خدمية معروفة بواسطة مبالغ معينة، كعقود العمل والاقامات وتأشيرات الزيارة ورخص القيادة، وتدار العمليات بواسطة موظفين صغار غير كويتيين، وليسوا عربا أحيانا 'مستعدين نوقع لك أي معاملة بس تدفع'... هكذا يقولون لك!
أما الكويتيون في بعض الوزارات، فوصل سعرهم الى 30 أو 40 دينارا، يبيعون شرفهم وكرامة وطنهم مقابل تمرير بعض المعاملات الصغيرة، وجرى في أحيان كثيرة القبض عليهم وزج بعضهم في السجن، لكن الرشوة مستمرة بواسطة آخرين، وفي معظم وزارات الدولة، كما في إدارة الجمارك مثلا، حيث تمرر بعض الممنوعات مقابل رشاوى كبيرة، حتى ان البعض حصل على الجنسية الكويتية بواسطة الرشوة، وانكشف فعلا أن بعض المتجنسين حصلوا على الجنسية من دون استيفاء الشروط اللازمة.
مقابل كل هذه اللصوصية، تظل هنالك علامات مضيئة، فكثير من الكويتيين يعرفون شخصية كويتية مهمة، من عائلة معروفة، عرض عليه 30 مليون دينار كويتي، فقط مقابل أن يخرج في إجازة سنوية، كي يمرر نائبه معاملة لمجموعة مستفيدة من صفقة مهمة، ستعود عليهم بالملايين، لكن الرجل أبى ورفض، لكن للأسف حورب لاحقا في عمله، وحوصر بالظلم والتدليس، حتى أخرج من الوزارة المعنية، بعد أن دُفع الى التقاعد، لكنه يثبت لكل المخلصين من أبناء الوطن أنها 'لو خليت خربت'.
'من صادها عشا عياله'... تحول هذا المثل الانتهازي الى 'خارطة طريق' لكثير من الموظفين الكويتيين المنتفعين، الذين أضحوا من أصحاب الملايين بالتكسب من وظائفهم، وهؤلاء موجودون في معظم وزارات الدولة.
كانت يده تلهو بكأس من الويسكي الفاخر، وهو يجلس باسترخاء على مقعد عريض من الكتان الأخضر، في شقته الفاخرة، ويلوح بيده الأخرى بسيجار كوبي، قال لنديمه فلاح، الموظف في مكتبه في الوزارة وابن عمه، الجالس قبالته بتحفز 'شرايك فيني... مو آنا ذيب'؟... كان أبو نايف يقصد 'نجاحاته' في تكوين ثروة وجاه خلال فترة قياسية.
بدا فلاح متلعثما، يبحث عن إجابة ترضي 'معزبه'، خصوصا إنه لم يفهم مغزى السؤال، لكن أبو نايف أنقذه من ورطته، عندما أجاب عن سؤاله بنفسه، وهو يطلق تنهيدة طويلة متلذذا بشرابه:
«أدري الناس حاسديني ويحجون عني، يشوفوني عايش أحسن منهم، بعد شوي لما يوصلون الربع وتبدأ السهرة، كلهم يعجفون، يشربون وياكلون ويستانسون، ومن وراي يقولون أبو نايف حرامي، خل يقولون آنا ما يهمني».
يقاطعه فلاح كأنه يعزيه: تكرم يا بو نايف، ما عاش اللي يحجي عنك.
يتابع أبو نايف وكأنه لم يسمع شيئا:
«آنا لو مو ذيب كان بقيت طول عمري فقير مثلهم، هالحين عندي 3 قسايم صناعية حق عيالي، وشقة في باريس، وشقتين في لبنان، و3 ملايين دينار في البنك، وأسهم».
يتدخل فلاح من جديد بصوت متكسر: تستاهل يابو نايف، الله يزيدك ويعزك.
يكمل أبو نايف وهو يشير بيده في أنحاء الشقة الأنيقة: «أنا ما تهمني الفلوس، المهم مونس نفسي، شوف شلون مضبط شقتي، أسهر على كيفي، أجيب أكبر راس، وزراء، نواب، ومسؤولين، تحت أمري، وما خاف من أي واحد، حتى شهادة دكتوراه صارت عندي، وبالفرنسي بعد».
أبو نايف واحد من المئات من الكويتيين، الذين انتفعوا من وظيفتهم الحكومية، حتى باتوا يملكون الملايين، وهو لا يخجل من كونه حصل على أمواله بواسطة وظيفته، ولديه مبرر لا ينفك يذكره عندما يواجه موقفا دفاعيا:
«يا رجال، الديرة خربانه، منهو ما يبوق، دبر نفسك وما عليك، يبا من صادها عشا عياله».
يصف أبو نايف نفسه بالذئب، ليمتدح نفسه، على اعتبار انه 'ذكي وقوي' بحيث استطاع أن يجمع الأموال بشطارة لا يملكها الكثيرون، حتى لو عبر الاستيلاء عليها بطرق ملتوية وغير مشروعة، على اعتبار أن الإنسان الشريف أو غير الحرامي هو شخص 'مسكين وعديم الحيلة' في الأعراف الكويتية الجديدة، لأنه يظل يعيش على راتبه فحسب! خصوصاً في ظل شيوع قيم جديدة في المجتمع الكويتي تعتبر الاستيلاء على أموال الدولة بمثابة «كسب» مشروع!
هنالك طرق عدة لكي تصبح مليونيرا في الكويت عبر وظيفتك الحكومية، وليس عن طريق الراتب المتواضع بالطبع، في مقدمها أن يجري تعيينك في قسم المشتريات في الوزارة، خصوصا في الوزارات 'السيادية'، إذ تتوافر عقود مغرية بأسعار كبيرة، تبدأ بالملايين.
توفر هذه الوظيفة عمولات كبيرة، من خلالها يمكن التلاعب بعقود الشراء، إما مباشرة، أو عبر وضع اشتراطات خاصة، لا تتوافر إلا لشركات معينة، بالتنسيق معها، لا تفوز سوى المناقصة المقصودة، وبالطبع ليس الجميع لصوصا، بل لمن 'ذمتهم وسيعة'... كما يقال.
ويمثل 'نفخ الفواتير' كما يطلق عليه، أو باب «النثريات»، أحد أوسع الأبواب للحصول على مبالغ مالية جيدة من الوزارات والمؤسسات، كما حصل في بند الهدايا في مصروفات أحد المسؤولين، إذ وصل سعر بعض الهدايا، من بخور وعطور وأقلام وبزمات وساعات ومجسمات ودروع وأبوام ولوحات وبشوت ومسابيح، بلغت قيمتها حوالي 16 مليون دينار كويتي...؟
ساعد في 'البوقة' الشراء بطريقة الأمر المباشر وليس بالممارسة أو المناقصة؟ ومن دون استجلاب عروض أسعار من عدة مؤسسات وشركات للحصول على أفضل المواصفات وأقل الأسعار، خصوصا عند التعامل مع محل 'صديق'!
بلدية الكويت تعتبر 'منجما من الذهب' لـ'بلاعين البيزة'، وخرجت منها مئات الملايين بصورة غير مشروعة، ومنذ عشرات السنين وهي تُسرق، وإلا لما شكلت أهمية تذكر، سيما في توزيع الإراضي الصناعية، أو في تحويل بعض المناطق من سكني الى تجاري، التي تجلب الملايين لمن يسعون وراءها، ومعظمها توقع بواسطة أعضاء في مجلس الأمة أو المجلس البلدي، وبمقابل مادي طبعا.
الرشوة، التي كان الكويتيون يتندرون فيها على بعض البلدان العربية التي يزورونها، استفحلت هذه الظاهرة في الكويت بصورة فاضحة، وهنالك مسؤولون كبار يوقعون معاملات في وزارات خدمية معروفة بواسطة مبالغ معينة، كعقود العمل والاقامات وتأشيرات الزيارة ورخص القيادة، وتدار العمليات بواسطة موظفين صغار غير كويتيين، وليسوا عربا أحيانا 'مستعدين نوقع لك أي معاملة بس تدفع'... هكذا يقولون لك!
أما الكويتيون في بعض الوزارات، فوصل سعرهم الى 30 أو 40 دينارا، يبيعون شرفهم وكرامة وطنهم مقابل تمرير بعض المعاملات الصغيرة، وجرى في أحيان كثيرة القبض عليهم وزج بعضهم في السجن، لكن الرشوة مستمرة بواسطة آخرين، وفي معظم وزارات الدولة، كما في إدارة الجمارك مثلا، حيث تمرر بعض الممنوعات مقابل رشاوى كبيرة، حتى ان البعض حصل على الجنسية الكويتية بواسطة الرشوة، وانكشف فعلا أن بعض المتجنسين حصلوا على الجنسية من دون استيفاء الشروط اللازمة.
مقابل كل هذه اللصوصية، تظل هنالك علامات مضيئة، فكثير من الكويتيين يعرفون شخصية كويتية مهمة، من عائلة معروفة، عرض عليه 30 مليون دينار كويتي، فقط مقابل أن يخرج في إجازة سنوية، كي يمرر نائبه معاملة لمجموعة مستفيدة من صفقة مهمة، ستعود عليهم بالملايين، لكن الرجل أبى ورفض، لكن للأسف حورب لاحقا في عمله، وحوصر بالظلم والتدليس، حتى أخرج من الوزارة المعنية، بعد أن دُفع الى التقاعد، لكنه يثبت لكل المخلصين من أبناء الوطن أنها 'لو خليت خربت'.