المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحداث النجف الأخيرة .. دروس وعبر .. 0000000 طاهر الخزاعي



سيد مرحوم
08-30-2004, 10:17 AM
أحداث النجف الأخيرة .. دروس وعبر - 1

أرض السواد - طاهر الخزاعي

ألقت بظلالها الحزينة على شعب ملبسه الحزن ومأكله التعب ومسكنه الموت والسجون والتشريد والعذابات التي رافقته هذه الأرض التي سُنَّ أول قانون من رحمها في دنيا الانسان ! .. أحداث النجف لم تكن اول الامتحانات العسيرة ولا آخرها ولكنها قد تختلف من جهة الظروف المحيطة من حيث الزمان ليس إلا .. هذا الزمان باعتقادي هو العامل الأهم في الاحداث وتداعياتها حاضراً ومستقبلاً . الزمن هو زمن الاحتلال الامريكي , ونفسه زمن الحكومة المؤقتة ونفسه زمن تأسيس مجلس منتخب من قبل مؤتمر ليكون خطوة نحو تأسيس حكومة عراقية , هو ذات الزمن الذي تتطلع فيه معظم القوى السياسية العراقية للحصول على موطأ قدم في الحكومة ! .. هو ذات الزمن الذي صادف أن اُصيب قلب المرجع بوعكة قلبية سافر على أثرها الى لندن ! .. هو ذات الزمن الذي خلت فيه النجف من بقية المراجع , هو زمن مواجهة الحكومة المؤقتة لتحديات الاستقرار والأمن في العراق وهو ذاته زمن ما قبل انتخابات بوش .
سأحاول تناول شيء من تداعيات هذه الأزمة , ما لها وما عليها , وما للآخرين وما عليهم من حيث التعاطي معها سلباً أو ايجاباً من أجل ملامسة طائف من الحقيقة التي نبحث عنها لنستفيد ما أمكن من دروسها وعبرها , كل ذلك بشيء من الشفافية التي ستغيض من لا تعجبه ولكن العزاء أن نؤسس لأن نكون أمة تستفيد من تجاربها وأن تخرج أصلب عوداً بعد ألم وجراح المخاضات العسيرة ! .

سأتناول ذلك على الطريقة التفكيكية فيكون :

أولاً : أزمة النجف بين تيار الصدر وقوات الاحتلال
ثانيا : أزمة النجف والحكومة العراقية
ثالثا : أزمة النجف والمرجعية
رابعا : أزمة النجف والقوى السياسية العراقية

أزمة النجف بين تيار الصدر وقوات الاحتلال

أتصور أن أزمة النجف بالنسبة للاحتلال لم تبدأ هذا الشهر ولا قبل أربعة شهور في نيسان الماضي يوم اعتقل بريمر مساعد مقتدى الصدر "اليعقوبي" وأغلق صحيفة تيار الصدر وضرب مظاهرات مدينة الثورة بالطائرات والدبابات وأصدر مذكرة اعتقال مقتدى الصدر .. بل بدأت أزمة النجف مع الاحتلال في اليوم الأول الذي أعقب سقوط النظام الصدامي وتحديدا في اليوم الذي قُتل فيه عبدالمجيد الخوئي موفد القوات الامريكية والبريطانية الى النجف . الجماهير التي قتلت عبدالمجيد الخوئي في النجف العام الماضي وتحت أي ذريعة وأي تخطيط داخلي أو خارجي وجهتها أمريكا بحق أو بباطل نحو تيار الصدر الأمر الذي جعل قوات الاحتلال أرَّخت لهذه الازمة من ذلك الوقت . ولكن أولويات القوات الامريكية في العراق لترتيب الوضع السياسي والاقتصادية وملاحقة صدام وأبنائه ورجاله الخمس والخمسين وحل وزرارات وتأسيس أخرى وغير ذلك من الأمور هي التي جعلت أمريكا تؤجل قرار التصفية لتيار الصدر لأنسب الأوقات لها . وما يؤكد هذا الطرح القرار الأمريكي الذي تم اتخاذه بتصفية تيار الصدر متمثلاً برأسه مقتدى الصدر وبعض ممثليه وهذا ما صرح به بريمر رسميا بمذكرة صدرت في ذلك وتحدث في هذا المضمار كل من بوش وباول ورامسفيلد أيضا . فالمراقب غير المنحاز يجد ذلك جليا ومن خلال التصعيد الامريكي ومحاولات جر أتباع الصدر لمواجهات وبشكل خاص في مدينتي الثورة والنجف . وما أدى الى نشوب الازمة الاخيرة هو محاولة القوات الامريكية مع الشرطة العراقية مداهمة بيت مقتدى الصدر فتصدى لهم أنصاره , فاستعرت النار بين الطرفين وامتدت الى كل من البصرة والناصرية والعمارة والديوانية والكوت والحلة فضلاً عن مدينة الثورة في بغداد .
لعل السؤال الأهم هنا هو كيف يبدأ التصعيد ؟ وبشكل تصعيد الازمة الاخيرة , اذ نعلم أن الازمة التي سبقتها كان سببه اعتقال اليعقوبي واغلاق صحيفة "الحوزة الناطقة" تلتها مذكرة اعتقال مقتدى الصدر . أما الازمة الاخيرة فكان أحد أسباب تصعيدها هو اختطاف خال محافظ النجف الذرفي وقتله وقيل التمثيل به من قبل عصابة أوحت أنها من جيش المهدي وأتباع مقتدى الصدر . وحسب معلومات من مصادر موثوقة على تماس بالأوضاع هناك أكدت أن هؤلاء من المندسين بين أتباع الصدر ! وهذه بحد ذاتها مشكلة تُحتم على مقتدى الصدر والقيمين على تيار الصدر أن يضعوا حداً لحالات الاندساس والاختراق لهذا التيار . مع الاعتراق بصعوبة ذلك لافتقاد هذا التيار للاسلوب التنظيمي المؤسساتي مما يسهل اختراق المندسين ويصعب تشخيصهم في نفس الوقت ومع هذا لابد من التفكير بطريقة ما لوضع علاج لهذه الحالة . فماهو الضمان أن لا تتكرر هذه الحالة وبأي اسلوب آخر ؟ .

لهذا السبب سمعنا محافظ النجف في اليوم الاول للأزمة قال انه شخصيا استدعى القوات الامريكية ! . ولا يبعد أن يكون ذلك منه انتقاما وثأرا لدم خاله ! مما يضعنا أمام وقفة أخرى وهو استدعاء القوات الامريكية من أجل الثأر الشخصي واستغلال صلاحيات المنصب لاراقة الدماء وزج المجتمع العراقي في معارك من نمط المعارك الاخيرة ! ..

اذاً واحدة من أمراض تيار الصدر هو حالات الاختراق التي يجب علاجها وأن يكون التيار حاضرا في أي حادثة لنفيها والتنصل والبراءة منها .. وقضية الاختراق هذه بحاجة الى شيء من القاء الضوء عليها ولم اجد حتى اللحظة تفسيرا مقنعا لها . فأكثر الآراء تذهب الى أن المخترقين هم من البعثيين وأزلام النظام البائد , وهذه لا تقف أمام التدقيق والتمحيص لأن البعثيين عادوا جميعا الى وظائفهم وانتهى عمليا والغي قرار اجتثاثهم هذا من جانب ومن جانب آخر ليس من صفات البعثي أن يضع نفسه في موقف مواجهة مع قوات الاحتلال وهم من هربوا ونام قدوتهم في حفرته لاكثر من ثمانية أشهر ! .. هناك تفسيران لامكانية اختراق البعثيين لتيار الصدر , التفسير الأول أن بعض البعثيين مطلوبين ومتورطين بجرائم قتل بحيث لا يوجد خط رجعة لهم فوجدوا في هذا التيار غطاء حماية لهم , وهو تفسير فيه من الضعف ما لا يخفى لأن البعثي القاتل أمامه فرصة الخروج والهروب من العراق أو التواري عن الانظار أفضل من أن يلتحق بتيار الصدر لإمكانية اكتشافه . والتفسير الثاني وهو الأقرب ذلك ان هؤلاء يتقمصون الانتساب لتيار الصدر وجيش المهدي لزرع بذور الفتنة والتصرف وفق منهج يُتيح لهم التحرك بعد خلق جو من الفوضى والاضطراب لتحقيق أهداف معينة وهذه تنطبق على البعثيين وغيرهم . على كل حال وسواء كانت مسألة الاختراق مبالغ فيها أم لا , يبقى على القيمين على تيار الصدر أن يغلقوا كل المنافذ على أمثال هؤلاء .

المسألة الاخرى الذي تحتاج الى وقفة تتعلق بتيار الصدر والسيد مقتدى الصدر بشكل خاص , تلك هي المحكمة الشرعية الموجودة في النجف الأشرف .. ونعلم أن هذه المحكمة أسسها الشهيد الصدر الثاني رحمه الله , وبكل المقاييس كانت صحيحة فهي رسالة للنظام الصدامي وقتها والشعب معاً مفادها عدم الاعتراف بمحاكم صدام غير الشرعية فهي نوع من سلب الشرعية من محاكم النظام , واهم مافي ذلك أن القيم عليها كان هو الشهيد الصدر الثاني وهو مجتهد ومرجع والمحكمة كانت تستمد شرعيتها من ذلك . أما الآن وقد زال النظام الصدامي وزالت محاكمه ومع فقدان المرجع الصدر الثاني أو أي مرجع آخر يمضي هذه المحكمة ويعين قضاتها أصبحت تفتقد للشرعية ولا يكفي في ذلك تأسيسها على يد الصدر الثاني وتطبيق الاستصحاب لا يصح هنا . نعم قد يقول السيد مقتدى الصدر ان المحاكم العراقية اليوم لا تختلف عن محاكم صدام من حيث عدم الشرعية وهنا جانب كبير من الصحة الا عدم شرعية المحاكم الحالية لا يعطي المحكمة الصدرية حاليا أي شرعية خاصة اذا ما نظرنا الى امكانية حالات الاختراق وعدم وجود مجتهدين فيها للقضاء . هذه المحكمة انتهى دورها وانتهت مرحلتها ويمكن استبدالها بمؤسسة علمية ثقافية أخرى تنسجم والمرحلة .

ويؤخذ أيضا على ممثلي الصدر ومن في الواجهة منهم - على كثرتهم - هذه اللامركزية الظاهرة في التصريحات التي غالبا ما تقع متناقضة مما يعطي الطرف الآخر فرصة أكبر للتحجج في ضرب هذا التيار .. إن تداعيات هذه الأزمة في من الدروس الجمة التي يجب على القيمين على تيار الصدر دراستها والاستفادة منها وتصحيح الاخطاء فكل المؤشرات تقول ان الأحداث ستتكرر سيناريوهاتها . وليعلم السيد مقتدى الصدر والقيمين على هذا التيار انه ليس ملكاً لهم بل هو ملك العراق والعراقيين وهو تيار جاء ثمرة الدماء والتضحيات الكثيرة التي أرسى قواعدها الصدر الأول وتكللت في انتفاضة شعبان وعمل على ديمومتها بكل جد ومثابرة الصدر الثاني بكفنه ودمه .

إن من المهم الالتفات الى أن قوات الاحتلال لا يهمها محكمة مقتدى الصدر ولا حتى حالات الاختراق ووجود المندسين بين صفوف تيار الصدر بقدر ما يهمها أن هذا التيار رافض للاحتلال ويأبى السير في السفينة التي أعدها نجار الاحتلال .. قوات الاحتلال يهمها أن هذا شخص يقود تيار يصرح بالعداء للاحتلال ويطالب بجدولته وبالتالي نهايته وهذا مالا تقبل فيه قيادة الاحتلال ولا حتى تسكت عنه اذ لها أجندتها في العراق ولا تريد من - قد - يُفسد عليها هذه الاجندة إن عاجلا أم آجلاً . وهذا هو اُس قرار تصفية الصدر وتياره أو أن يلتحق بتلك الاجندة وإن مرغما كما هو غيره ! .

الحقيقة أن أزمة النجف الأخيرة وكما هو الواقع في الشارع العراقي أدت الى تجذير تيار الصدر أكثر وأكثر فرفعت من رصيده لأنه كان في موقع المدافع عن نفسه أولاً ولمرور سنة ونصف تقريبا من سقوط النظام ولم يحصد الشعب العراقي من الوعود الامريكية شيئا يُذكر فالبطالة كما هي , لا أمن ولا استقرار , لا خدمات ولا ديمقراطية ! .. هذا الكشف الذي حققته الأزمة يجعل من المعنيين في الشأن السياسي العراقي أن يقلبوا صفحة تهميش التيار الصدري وأن يعيدوا الحسابات ثانية , فالتيار الصدري خزين عراقي هائل مستعد للتضحية من أجل قضيته والاستعداد للتضحية عملة نادرة لا يجوز التفريط بها .

الحقيقة أعلاه تقودنا الى الحقيقة الأخرى التي يجب ايصالها الى قوات الاحتلال ومن سار في اسلوبها من الحكومة المؤقتة , ذلك أن العنف لا يولد الا العنف أولاً واستخدام السلاح والارهاب في اقصاء الآخر والقضاء عليه تجربة أثبتت فشلها بشكل صارخ لمدة ثلاثة عقود مضت ! . والحل الناجم عن استخدام الدبابة يوسع المشكلة ولا يحلها بل يؤسس لولادة حركات تتبنى الكفاح المسلح وبشكل سري للتعبير عن ممارسة معارضتها للاحتلال والحكومة الناتجة عنه ! , وهو ما لا ينسجم وادعاءات الديمقراطية وحرية التعبير والمجتمع المدني .
من الامور الاخرى التي لابد من الاشارة اليها هي :

1 - استماتة أتباع الصدر في الدفاع ! ولم تسجل أحداث الاسابيع الثلاثة الاخيرة ولا الازمة التي سبقتها حالة هروب واحدة من قبل أتباع الصدر ! . وهذه النقطة محسوبة لهذا التيار وهي بشكل خاص ستزيد من رصيد الاحترام له بين أبناء الشعب العراقي , اذ المعروف أنك تحترم عدوك اذا كان شجاعا مقداما .

2 - مقتدى الصدر كقائد لهذا التيار أثبت - على خلاف الكثير من التوقعات - نجاحا في اسلوب ادارة الازمة الدفاعية التي خاضها رغم جرحه ورغم حداثة سنه وقلة خبرته نلاحظه وجه دفة الأزمة لصالحه ورمى بالكرة في ملعب المرجعية وهذا ما سنتعرض له لاحقا .

3 - تمكن تيار الصدر ومن خلال الصمود في الأزمة الاخيرة من نسف الفكرة القائلة بتعاون الشيعة مع قوات الاحتلال وأثبت أيضا أن قوات الاحتلال لا تميز بين شيعيا وسنيا فهي لم تنته من الفلوجة حتى تحركت نحو مدن الشيعة .

4 - وهو أمر مهم تعرت حكاية استلام السلطة والسيادة في الثلاثين من حزيران الماضي وحتى تسمية قوات متعددة الجنسيات فقد أثبتت أزمة النجف أن القوات الامريكية مرابطة أصلا في بحر النجف وبين الكوفة والنجف ودخولها المعارك بشكل مباشر دون اشتراك أي جنسية أخرى ! .

5 - بعد أحداث النجف واستخدام القنابل العنقودية وشتى الاسلحة الثقيلة وهذا الدمار الذي خلفته حرب الاسابيع الثلاثة في النجف ألغى والى الأبد اضحوكة غزو العراق للحد من اسلحة الدمار الشامل جنبا الى جنب مع اضحوكة تحرير الشعب العراقي ! . وأمريكا في تعاطيها مع أزمة النجف الأخيرة قرأت رسالتها للعراقيين وبالخط العريض أن من يطالب بخروج الاحتلال ومن يلوح بمقاومة الاحتلال فمصيره هذا الدمار وهذا السحق ! .

6 - أثبتت الأزمة ان نفط العراقيين أهم من دمائهم عند أمريكا فقد كان احتراق أنابيب وحقول ومضخات النفط في الجنوب عاملاً كبيرا ودورا رئيسا في نهاية أزمة النجف ولو مؤقتاً ! .

سيد مرحوم
09-02-2004, 08:00 AM
ازمة النجف الأخيرة .. دروس وعبر

2



أرض السواد - طاهر الخزاعي

أزمة النجف والحكومة العراقية المؤقتة ..

بعد تناول الطرف الأول في أزمة النجف ذلك هو التيار الصدر في الحلقة الاولى من هذا الموضوع يبدو أن الدرس الأول في طريقه للتطبيق حيث قبول هذا التيار بدخول اللعبة السياسية ! وما يهم في هذه المسألة هو نهاية المظاهر المسلحة في العراق لغير القوات التابعة للدولة وينبغي - بل يجب - أن يجب تعميم هذه الحالة على الجميع ووضع حد للمظاهر المسلحة لجميع الميليشيات وعلى وجه التحديد الكردية منها والتابعة للمجلس الاعلى وهي ما تسمى بميليشيا بدر . نعم ينبغي أن تغيب المظاهر المسلحة في العراق الحالي وفي الوقت ذاته ينبغي أن لا يلقي التيار الصدري كل ما لديه من عنب في سلة العملية السياسية ! فالجميع لا يعلم ما ستؤول اليه الأمور بالنسبة للاحتلال .. متى يرحل ؟ هل يتدخل بالعملية السياسية المستقبلية أم لا ؟ وأمور أخرى كثيرة تجعل التفكير بعملية القاء السلاح قضية مرحلية نهايتها بنهاية الاحتلال . وهناك فرق كبير جداً بين غياب الاجنحة العسكرية وبين تغييبها , فالتغييب ليس بمصلحة قضية العراق والعراقيين في حساب النتائج المعتمد على ما يؤول اليه مصير الاحتلال في العراق . وهذه نقطة حساسة جداً ينبغي دراستها والوقوف عندها وأخذ الموقف المناسب غيابا أو تغييبا من زاوية وجود الاحتلال ونهايته , وفي هذا الصدد يكون من المهم جدا بل المطلب الملح هو جدولة الاحتلال للعراق .

وعودة على تقييم تعاطي الحكومة مع أزمة النجف , فقد ظهرت الحكومة بموقف لا تُحسد عليه بأي حال من الأحوال . وأول مفاصل الفضيحة برأيي هو فقدان العراق للسلطة والسيادة معاً , وهو أمر تبين بشكل جلي من خلال أحداث النجف اذ القرار كان أمريكيا والتنفيذ أمريكي أيضا وما كان من الحكومة الا التخبط الذي أوضح أن لا فرق بين ما قبل تاريخ الثلاثين من حزيران وما بعده . فالنجف عاشت شبيهة بالأزمة الاخيرة قبل حزيران ولم يختلف الموقف في طريقة المعالجة ولا في منفذيها . يمكن للمراقب أن يقول أن الفرق الوحيد هو فارق الوجوه ففي أزمة ما قبل الثلاثين من حزيران كان قادة الاحتلال وبريمر على وجه الخصوص يتصدى للتصريحات والقرارات وفي الازمة الاخيرة كانت الوجوه والألفاظ عراقية لكن التنفيذ كان أمريكيا في الميدان . وبالرغم من التصدي العراقي للتصريحات الا أن محافظ النجف الزرفي اختزل الطريق في أول يوم من الازمة وقال : ( أنا من استدعى القوات الامريكية للنجف ) ! .. هنا من حق أحد أن يقول : لا سلطة ولا سيادة مدعاة بعد الثلاثين من حزيران الماضي .. ومن هنا كان زج القوات العراقية بمعية القوات الامريكية أمر في غاية الخطورة ! اذ كيف يمكن تفسير أن يقاتل الجندي أو الشرطي العراقي أبناء شعبه بمعية قوات الاحتلال !! ربما هذه المرة الأولى من نوعها في التاريخ في ظرف مثل الظرف العراقي ! .

الحقيقة ان الحكومة العراقية عاشت التخبط بأجلى صوره وعاشت اللامركزية في الوقت ذاته وهذا ما كشفه قرار السيد رئيس الوزراء العراقي المؤقت بمنع أي تصريح بشأن الاحداث الا من خلال مكتبه ومع ذلك رأينا وزراء حكومته يصرحون كل من موقعه وكل وتصوره وموقفه التي كانت تتسق والتحرك الميداني الامريكي وتحديدا تصريحات وزراء الدفاع والداخلية ووزير الدولة قاسم داود - الذي كانت أزمة النجف فرصة لظهوره ومعرفته من قبل الناس وبل وسماع اسمه ! - .

كانت أزمة النجف الاخيرة امتحانا عسيرا للحكومة العراقية المؤقتة , وفشلت الحكومة في هذا الامتحان بامتياز ! والفشل ليس الهزيمة العسكرية كما هو معلوم فليس من المنطقي أن يحقق أتباع الصدر نصرا عسكريا على الحكومة والقوات المحتلة معا ولا حتى لواحد منها على انفراد , قد يصمدون - وهو ما حصل - وقد يضحون - وهو ما حصل - وقد لا يتنازلون ويضعوا الحكومة في أحرج المواقف - وهو ما حصل - الا أن النصر العسكري محسوم سلفاً .. ولهذا كان على الحكومة أن لا تفكر مطلقا في الحسم العسكري خاصة وهي في الشهر الثاني من ولادتها المؤقتة أولاً والموسومة بحكومة التصريف ثانياً ! . كان على الحكومة العراقية المؤقتة أن لا تعيد لأذهان العراقيين تلك الايام الخوالي المليئة بالسحق والمقابر الجماعية والقذف خارج الحدود وساعات الحسم , اذ أن هذه الاعادة للأذهان بحد ذاتها هي ناقوس خطر ومؤشر طغيان , والطغيان استبد بالعراق والعراقيين أكثر من ثلاثة عقود وانتهى في حفرة عفنة نتنة وفي هذه درس وعبرة لمن يريد أن يعتبر ! . كان على الحكومة استنفاد واستنفار كل الوسائل السلمية لحل الازمة , والسؤال الذي يجب أن تسأل الحكومة نفسها : هل فعلاً تم استنفار كل الوسائل السلمية لذلك ؟

ولعل بعض المواقف مهمة للمساعدة على الجواب , منها الاتصال بالدكتور الربيعي الانسحاب من المفاوضات والعودة الى بغداد في بداية الازمة ! ومنها عدم مبيت وفد المؤتمر الوطني في النجف لليلة واحدة , ومنها عدم وقف اطلاق النار خلال فترة ذهاب وفد المؤتمر الى النجف , ومنها التصريحات الاستفزازية الحكومية للطرف الآخر مثل ( السحق والقذف خارج الحدود وان يسلموا أنفسهم وووو ) ومن تلك المواقف ايضا استخدام السلاح بحد ذاته لم يكن باسلوب مقنن لمحاصرة الازمة بمعنى حل وقائي بل كان انتقاميا بكل ما تحمل الكلمة من معنى وهذا مؤشر خطير وسواء كان الطرف الآخر هو مقتدى الصدر أو أتباعه أو أي اسم ومسمى آخر لأننا أمام حالة مفهومية أكثر منها مصداقية - وإن كان المصداق ليس في صالح الحكومة على الاطلاق - ولكن المشكلة في النظرة الى المخالف والمعارض من أبناء الشعب , فصدام كان ينظر من وجهة نظره ان أبناء حلبجة متمردين وأن ابناء المقابر الجماعية متمردين وخارجين على قانونه وان ثوار انتفاضة شعبان متمردين وبالتالي برر لنفسه قمعهم , ومن هنا مكمن الخطر من خلال النظرة للآخر وتبرير سحقه ! وخاصة اذا ما ركزنا على أن الحكومة هي حكومة مؤقتة لاشهر معدودات .

قد يقول قائل ان الحكومة كانت أمام تحدي أمني وعليها أن تثبت وجودها ! فأقول اثبات الوجود لا يمكن أن يكون على حساب دماء العراقيين اذ راح ضحية الأزمة أكثر من ألف ضحية وآلاف الجرحى وبالتالي آلاف من الأرامل والايتام وذوي الشهداء الذين خسرتهم الحكومة وللأبد بعد حصول كسر العظم بينهما فضلاً عن التيار برمته وهنا أكبر خسران الحكومة في تحديها الأمني . ثم التحدي الامني الذي يواجه يجب أن توليه الحكومة اهتماما بالغا هو السيارات المفخخة , الحدود السائبة , المخدرات , السلب والنهب والقتل والاغتيالات بالجملة وقد راح ضحية الاغتيالات أكثر من 250 كفاءة علمية عراقية وعشرات السياسيين العراقيين وآلاف المدنيين العراقيين . ليس التحدي الأمني وفرضه أن تستأسد على أصحاب الهوية الواضحة المعروفة وصاحب المطالب المعروفة واليأس وتراجع التحدي أمام عصابات العبث والبعث والقتل والتخريب المتوارية عن الانظار .

مسألة أخرى تحتاج الة وقفة في تعاطي الحكومة مع الأزمة الاخيرة تلك هي التصريحات عن الاخبار عن الصحيحة أو إخبار عن شيء سوف يحصل وينتج خلافة من مثل تصريحات وزير الدفاع عن ساعات الحسم الأخيرة أو الليلة الأخيرة !! ومن مثل اطلاق خبر من محافظ النجف وبعض مفاصل الحكومة عن هروب مقتدى الصدر وقيادي تيار الصدر الى السليمانية ومن مثل سرقة التحفة الثمينة التي ظهرت في التلفاز ومن مثل مشاركة مقاتلين من دول أجنبية ومذاهب أخرى في النجف والى غير ذلك مما ثبت عدم صحته الأمر الذي يضع علامات استفهام كثيرة حول هذه الاخبار الحكومية ! .. لم أجد تفسيرا لهذه الظاهرة الا اعبتار الحكومة أنها أمام عدو خارجي يداهم البلاد والعباد وبالتالي على الحكومة أن تحافظ على معنويات الجيش والشعب في المعركة !! وحتى هذا التفسير طّويت صفحته ولا زال مستهجنا مع رموزه بدءً من حرب حزيران 67 وانتهاءً بالصحاف 2003 . والأهم من ذلك كله ان الأزمة داخلية وعلى الحكومة أن تتعاطى اعلاميا وهذه الخاصية فتكون لغة الاستيعاب هي الطاغية والخطاب السياسي هو السيد . معلوم ان الساحة العراقية منقسمة تلقائيا الى نصفين نصفها عسكري حربي ميداني متمثل بقوات الاحتلال ونصفها الآخر سياسي متمثل بالقوى العراقية التي آثرت طريق الاستمرار بالعملية السياسية , والغريب أن الحكومة تمثل جزء النصف الثاني فكيف مارست كل ما يتعلق من أفعال النصف الأول ! انه أمرٌ غريب حقاً ! .. ولعل هذه الغرابة تتلاشى اذا عرفنا ان أزمة النجف الاخيرة والتي قبلها لم يكن للحكومة فيها يد بل القرار والتنفيذ أمريكي لكن اُريد له أن يُمرر تحت مظلة الحكومة المؤقتة فوقعت الاخيرة في الفخ الأمريكي . ومن هنا يجب الاستفادة من هذا الدرس وأخذ العبرة منه وإلا فالمستقبل كارثي على العراق كل العراق سواء منه الشعب أو القريبين من القرار .

على الحكومة وبشكل خاص على المجلس المنبثق من المؤتمر الأخير أن يخصص جلسة لمناقشة تداعيات أزمة النجف الأخيرة وكيفية تعاطي الحكومة معها وفيما لو تكررت مستقبلاً اضافة الى مسائلة واستجواب ثلاثي الوزراء ( الدفاع - الداخلية - ووزير الدولة قاسم داود ) عن التصريحات والقرارات التي دفعوا بها الأزمة نحو العسكرة والقتال والتدمير , وهل كان بالامكان حل الازمة سلميا دون اللجوء الى ما أرادوا وبالتالي المسؤولية عن دماء الآلاف وما يترتب عليه من مسؤولية ما يُسمى بالمجلس الوطني ليثبت للعراقيين هل هو مجلس وطني حقاً ام لا ؟! .

وأخيرا مسألة استوقفتني كثيراً , تلك هي تصدي وزارة الدفاع ووزيرها لأزمة النجف ! . أليست هي مسألة وأزمة داخلية ؟ أليس الأولى وكما هو معمول به في كل دول العالم أن تكون من اختصاصات وزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية التابعة لها ؟ . واذا كان الأمر متفاقما تستعين الداخلية بقوات من الجيش لكن تبقى تحت إمرتها .. لماذا اذاً هذا التصدي الصارخ من قبل وزارة الدفاع لأزمة النجف ؟! .

بصراحة تامة لم أجد جواباً الا في لقاء مع وزير الدفاع حازم الشعلان أجرته فضائية العراقية معه قبل الازمة باسبوعبن تقريبا , ومن خلال اللقاء تبين أن السيد وزير الدفاع كان مع المجموعة التي دخلت العراق مع عبدالمجيد الخوئي اثناء الحرب .. وفي سؤال حول ما اذا كان سيتابع ملف مقتل الخوئي ومعاقبة المنفذين باعتباره رفيق دربه وصديقه أم لا , أجاب بأنه متحمس جداً لهذا الأمر . الى الآن الأمر طبيعي أن يتحمس هو أو غيره لذلك وأن تأخذ القضية مجراها القانوني عراقيا ليأخذ المذنب حقه .. ولكن تفاعل السيد وزير الدفاع وحماسه غير المُبرر في التعاطي العسكري الحسمي مع أزمة النجف أعاد الى الاذهان تلك المقابلة التلفزيونية ! .



يتبع

أزمة النجف والقوى السياسية العراقية

سيد مرحوم
09-08-2004, 09:17 AM
أحداث النجف الاخيرة .. دروس وعبر

3


أرض السواد - طاهر الخزاعي

أزمة النجف والقوى السياسية العراقية :

بعد أن أصبح واضحا فيما مضى عن تعاطي الاحتلال مع التيار الصدري وقرار استئصاله وتصفيته ومن ثَمَّ كان التصعيد تلو التصعيد وجر هذا التيار الى الزاوية التي يريدها الاحتلال . وقوادم الأيام كفيلة بمواصلة المحتل لتنفيذ قرار التصفية هذا . وقد أتضح أيضا بأن الحكومة المؤقتة والتي أعدتها أمريكا وفقاً لأجندتها الخاصة في هذه المرحلة أنها تعاطت مع أزمة النجف تبعا وليس أصالة , هذا فضلاً عن أن الحكومة المؤقتة تتقاطع مع الاسلام بل وإسم الصدر فضلاً عن تياره . واذا كان موقف الاحتلال من البديهيات وموقف الحكومة غير المستقلة كذلك يبقى السؤال المهم ماهو دور القوى السياسية العراقية في التعاطي مع ازمة النجف ؟ .
بأيجاز شديد كل القوى السياسية التي حملت المشروع الامريكي للعراق تجد نفسها ملتصقة بهذا المشروع - إن لم نقل هو مشروعها ! - فالجانب الكردي لا نتعب أنفسنا في تحليله ونقاشه ! وجانب الحركات الامريكية كحركة رئيس الوزراء المؤقت والاسماء التي تدور في الفلك الامريكي الذي أنشأها ورعاها ولم يزل لا يحتاج أيضا الى نقاش لأنه ببساطة التيار الصدري يحمل شعار يتقاطع وهذه الحركات فضلاً عن أن تيار الصدر رافض للمشروع الامريكي الذي أتى بالوفاق وغير الوفاق ! بما في ذلك كل العلمانيين الذين يرون المشروع الامريكي هو مشروعهم في العراق باعتبار الديمقراطية القادمة على ظهر الدبابة ! .. والحق أقول أن أمريكي ستحمي هذه الديمقراطية وسيكون العراق علمانيا على هذه الطريقة وهذا الطراز الخاص ومن يريد غير ذلك فهو كمن يخرط القتاد والقتاد العنقودي ..
الفصيل العلماني الذي غرد خارج السرب الامريكي والحكومة وبقية القوى هو المؤتمر الوطني - الدكتور أحمد الجلبي - ولا يحتاج الأمر الى أي عناء لمعرفة ان الدكتور الجلبي ساقته الظروف الى ذلك , فهو محاصر أمريكيا ووفاقيا وأمريكا حتى قبيل تأسيس ما يُسمى بالحكومة المؤقتة كانت في صدد الجواب النهائي لأيهما تختار خط الدكتور علاوي أم خط الدكتور الجلبي فاختارت الأول ولابد للآخر أن يدفع الثمن ويُزاح من الخريطة السياسية وهذا ديدن السياسة , اذ كما يُقال (الثورات تأكل رجالها) فإن ما حصل وسيحصل أن المشروع الأمريكي بدأ يأكل رجاله - الدكتور الجلبي نموذجا - ولهذا وقف تعاطى الجلبي مع أزمة النجف السابقة والاخيرة أفضل من غيره اضافة الى حسابات سياسية تتعلق بكسب الناخب العراقي - إن بقي الجلبي حياً جسداً أو خطاً سياسيا لذلك اليوم - أو كانت هناك انتخابات حقيقية لأنني أشك شكاً متاخم لليقين أن لا انتخابات في العراق بالشكل الذي نتأمله ! . أما عن بعض القوى الآخرى فهي كالآتي :
القوى القومية :
بشكل عام كان الخطاب القومي العربي في العراق الى جانب التيار الصدر وهو أمر معروف أيضا لانهما يلتقيان في نقطة رفض الاحتلال والمطالبة برحيله وانهائه والاشتراك أيضا بعدم دخول العملية السياسية التي ترعاها قوات الاحتلال .
الحزب الشيوعي العراقي - جناح السلطة - :
ليس غريبا أن ترى صمت الشيوعيين ازاء أزمة النجف والاجتاح الامريكي للمدن العراقية سواء في النجف والكوت ومدينة الصدر أو غيرها , بالرغم أن العنوان يحمل اسم النجف لاعتبارات خاصة , وكل الاعتبارات لا تمت للشيوعيين في العراق بصلة بل التيار الصدري اسما وخطا يُحسب على النقيض من الشيوعية . الأمر الذي قد يتوهم فيه البعض وهو معاداة الشيوعيين للامبريالية كشعار عُرف به الشيوعيين ! فهذا زمن قد انتهى والحزب الشيوعي العراقي اليوم ليس سوى خط سياسي يريد أن يحصد بعض المناصب في العراق كغيره ! . حتى ( لا للدكتاتورية - لا للاحتلال ) التي رفعوها شعارا لهم قبيل واثناء غزو العراق تخلوا عنها اليوم , فتعاطي الحكومة وقوات الاحتلال مع أزمة النجف كان في قمة الدكتاتورية , أما الاحتلال فلم نعد حتى كلمة لا للاحتلال , ولعل الاخوة الشيوعيين أعرف من غيرهم بالمبدأ الميكافلي من حيث التطبيق فهم يعرفون أن - لا للاحتلال - تضعهم في المواجهة وهم يريدون الواجهة وفرق كبير بين الواجهة والمواجهة ! .
المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق :
ولا أدري حقاً لماذا لا يلغي هذا الفصيل عبارة ( للثورة الاسلامية ) من اسمهم ؟ وبشكل عام المجلس الاعلى من الاركان الخمسة لمؤتمر لندن وبعده صلاح الدين وكل ما يجري في العراق سياسيا يقع في اطاره العام ضمن هذه الخريطة . نعم أدرك جيدا مدى النكسة وخيبة الأمل الذي اُصيب بها هذا الفصيل بعد سقوط صدام وتبين أن المشروع الامريكي - وقد بُحت الاصوات - بمثابة اخطبوط يلف العراق ويريد التوسع الى أبعد من ذلك وليس السياسة الامريكية بهذه السذاجة حتى يشارك المجلس الاعلى في مشروعها ليحصد النتائج الانتخابية لاحقا لاسم السيد الحكيم رحمه الله المرتبط باسم أبيه وبتاريخ معروف في معارضة صدام وللأكثرية الشيعية والدعم الايراني والمرجعي ! .. ولكن حتى مع هذه الانتكاسة وخيبة الأمل وبعض المؤشرات التي تدل على أن المجلس الاعلى فقد الثقة السابقة بأمريكا , مع ذلك الا أن التعاطي مع التيار الصدري أمر آخر . ولا نبالغ اذا قلنا أن الخلاف والصراع الخفي - والمعلن في بعض الاحيان - صراع قديم يمتد الى عمق الجذور العائلية المرجعية الدينية والسياسية وهذا الخلاف بلغ أشده يوم تصدى الشهيد الصدر الثاني للمرجعية الدينية والسياسية في العراق وتاريخ هذه المرحلة معروف ! .. بل أكثر من ذلك حتى الايام الاخيرة قبيل نشوب أزمة النجف كانت الخلاف ظاهر بواسطة صدر الدين القبنجي عضو الشورى المركزية للمجلس الاعلى , وإمام جماعة الصحن الحيدري خلفا للسيد محمد باقر الحكيم رحمه الله . الموقف المجلسي معروف مسبقا . ومن جانب آخر المجلس مشارك في الحكومة المؤقتة والتي سبقتها ويأمل في التي تليها , ولهذا وجدنا خجلاَ واضحا في تصريحات قياديي المجلس الاعلى اثناء ازمة النجف .
الأمر المهم هنا هو تقييم هذا الموقف , وأرى أنه بادرة لبداية مظلمة في الواقع الاسلامي العراقي بشكل عام والشيعي بشكل خاص وحتى العراقي الأعم من الاسلامي وغيره .. فهذه المواقف الخجولة التي تصب لصالح المحتل لا تلحق ضررا بتيار دون آخر أو فصيل دون غيره كما يتصور البعض ! فاذا تمكنت أمريكا من القضاء على هذا الطرف بتصفيق من الآخرين أو سكوتهم ستقضي غدا على نفس هذا الآخر وتحت أي ذريعة .. هذه المواقف التي تؤخذ على أساس مصلحة الحزب أو الحركة أو التيار وليس على أساس مصلحة الشعب العراقي مواقف تجعل من الاحتلال غارسا أوتاده في أعماق الارض العراقية وتجعله في موقف قدوة والقوى العراقية في موقف ضعف ! .
يجب أن لا تلتفت القوى العراقية السياسية الى ما مضى من الايام والخلافات والاختلافات السابقة ! والمفروض أن صدام انتهى وعليه أن تنتهي كل الاختلافات التي حصلت في وقته لانتفاء ظرفها . وكما كانت المعارضة العراقية تشترك في نقطة العداء لصدام والعمل على اسقاطه عليهم اليوم أن يتفقوا على ضرورة انهاء الاحتلال على اختلاف الوسائل والأهم من ذلك أن لا ينفرد المحتل بالاطراف العراقية واحداً تلو الآخر أمام مرأى ومسمع الآخرين بين مبارك وساكت ومتحايل على المواقف المبدئية ! .

حزب الدعوة الاسلامية :
وهنا شقان :
الأول موقف الاخوة في حزب الدعوة الاسلامية تنظيم العراق
الثاني موقف الاخوة في حزب الدعوة الاسلامية الأم
والأول وحسب متابعتي كان أفضل المواقف العراقية حيث التنديد باسلوب قوات الاحتلال والحكومة في استخدام السلاح لحل أزمة النجف .. ربما - وهو الأرجح - كانت هذه القوة في الموقف تعود لأن تنظيم العراق غير مشارك في العملية السياسية اللبنة الأولى ( مجلس الحكم ) وهم مشاركون في المؤتمر الذي انبثق منه المجلس الوطني , وبالتالي يكون أكثر تحررا في اعلان الموقف وأقل ضغوطا واحراجاً فعين معارضة وعين تشبح نحو المشاركة في الحكومة أيضا سيما وأنهم اعلنوا استعدادهم للمشاركة في مجلس الحكم لكن الملابسات السياسية حالت دون ذلك . اضافة الى حسابات أخرى يعرفها من يعرف تفاصيل الاخوة في تنظيم العراق وارهاصات الانشقاق والظروف المحيطة به .. واحدة من هذه الارهاصات والحسابات يكون هذا الموقف لتأجيج الادانة أكثر والقاء الضوء عليها لموقف ومنصب الدكتور الجعفري ! وهي فرصة لاعطاء الرأي العام فكرة أن تنظيم العراق هو حزب الدعوة الاسلامية كما يقول الاخوة عن انفسهم .

حزب الدعوة الاسلامية الأم
وهنا مربط الفرس , فإذا كان للمجلس الاعلى ما يُبرر موقفه تلك الخلافات القديمة المستعصية المتنوعة ! واذا كان للآخرين مواقفهم المسبقة من التيار الصدري , فماذا عن حزب الدعوة الاسلامية ؟ حزب الشهيد الصدر الأول محمد باقر الصدر والحزب الذي وقف مع الصدر الثاني ودعم حركته في حياته , لماذا كان الموقف خجولاً ايضا ؟ ولماذا لم يكن الموقف المطلوب الذي ؟ فهل كان لوجود السيد الجعفري في منصب نائب رئيس الحكومة المؤقتة تأثيراً كبيرا على هذا الموقف أم هي المشاركة في العملية السياسية أيضا ؟ وهل يكفي هذان السببان للخروج بهذا الموقف غير المقنع ؟
وعن السببان وموقف حزب الدعوة الاسلامية غير المقنع أعود بشيء من التفصيل لاحقاً ..

kza_tahir@yahoo.com

سيد مرحوم
09-09-2004, 01:14 AM
أحداث النجف الأخيرة .. دروس وعبر

4

أرض السواد - طاهر الخزاعي


أزمة النجف والقوى السياسية العراقية (حزب الدعوة الاسلامية)

توقفنا في الحلقة الثالثة عند موقف حزب الدعوة الاسلامية في أزمة النجف الأخيرة حيث لم يكن الموقف في ظاهره يتناسب وحجم هذا الحزب أمل الأمة .. قد يقول قائل كان تعاطي حزب الدعوة الاسلامية مع الأزمة أفضل الجميع , وهذا وإن كان صحيحا لكن المشكلة أن كل المواقف كانت ضعيفة فينتج عنه أن موقف الحزب كان أفضل الضعفاء وهذا بحد ذاته يحتاج الى وقفة ودراسة , إذ متى كان موقف حزب الدعوة يُقرن بمواقف الضعفاء ؟
قد تكون هناك تحركات على الميدان غير معلن عنها ولكننا نتعامل مع الظاهر ولهذا لابد من اشارتين
أولاً : لابد من توثيق أن بيانا صدر من المكتب السياسي لحزب الدعوة الاسلامية اثناء الأزمة نُشر في صحيفة البيان وصف ما جرى بالنجف اعتداءً مبيتا ! .. وهذا التعبير الذي جاء به البيان كان موقفا صريحا واضحا وضع النقاط على الحروف ولا يحتاج الى تفسير وتأويل . لكن الأهم من ذلك هو التحرك العملي أثر هذا التشخيص الصحيح للأزمة ولم نجد تحركا مختلفا عن الآخرين في السعي للمبادرات السلمية
ثانيا : ماهو المطلوب من حزب الدعوة الاسلامية بعد أن شخص المسألة ؟ .. هل المطلوب الدعوة لحمل السلاح والدفاع عن النجف ؟ وأقل ما يُقال عن هذا الحل خيالي وجنوني في نفس الوقت..فماهو اذاَ الحل الموقف المطلوب ؟
كان ينبغي رفع مذكرة لقوات الاحتلال وللحكومة العراقية ولمنظمة الامم المتحدة تشجب هذا العدوان - المبيت - على النجف والقتل الجماعي للمدنيين والوقوف موقف المدافع عن أبناء الشعب العراقي وبغض النظر عن أن ما حصل للتيار الصدري أمس وغدا ضد غيره وهكذا .. فالمسألة متعلقة بالمفهوم لا المصداق .. والحركة الاسلامية التي نشأت من رحم هذا الشعب يجب أن يكون همها الأول والاخير هو الدفاع عن الشعب العراقي في أحلك الظروف وأقساها وليس ثمة فرق بين قمع الشعب على يد صدام أو على يد غيره فالشعب هو الشعب والقمع هو القمع ! .. والمهم في الأمر ليس حمل هذا الهم فقط بل ترجمته الى واقع
هل من المعقول أن لا يعرف قادة الحزب هذه المسألة ؟ وقد كان بيان المكتب السياسي واضحا في هذا المجال .. ماهي الموانع اذن من أن يكون موقف حزب الدعوة الاسلامية أكثر جرأة وأوضح مواجهة ؟ أعتقد ان هذا السؤال هو مفتاح معرفة خلفيات تلكأ الموقف الدعوي
ما أراه أن المعضلة الكبرى في العراق وهي المعادلة الحاسمة التي تتعامل بها قوات الاحتلال وفقا للقاعدة التي تقول : إن لم تكن معي فأنت ضدي .. والضدية تعني لأمريكا أن تجعلك تحت قائمة الارهاب وتحت قائمة اعداء أمريكا وبالتالي فالحرب على الارهاب - حسب تصنيف أمريكا - قائمة .. والضدية في العراق تعني لأمريكا أن تصرح ضدها وأن تدعو لجلاء الاحتلال ورحيله وإن كان بالسلم وإن كان بالتظاهر وإن كان بالعصيان المدني لأننا بصراحة تامة لم نجد من طالب بوضع نهاية للاحتلال أو من طالب برحيله من المشاركين في العملية السياسية التي رسم خطوطها الحاكم المدني السابق بريمر .. بالتالي فالشعب العراقي الذي تضربه أمريكا بطائراتها ودباباتها تحسبه هي في عداد أعدائها ومنطقيا - أمريكيا - من يقف مع هؤلاء فهو يقف ضد أمريكا ويشمله قرار الاجتثاث !! .. ومن هنا أستطيع أن أفهم هذا الضعف والتلكؤ في الموقف الدعوي على أساس العمل من أجل المحافظة على التيار الصدري وتيار الدعوة معاً في هذه المرحلة التي تتسم بالخطورة القصوى .. هذا اضافة طبعا الى اشتراك حزب الدعوة الاسلامية في الحكومة المؤقتة والحكومة طرف في أزمة النجف وهنا وقع الحزب بين فخين .. وهذا ما يدعو الى اثارة مسألة أصل مشاركة حزب الدعوة الاسلامية في هكذا حكومة تتورط بمشاركة الاحتلال لضرب الشعب العراقي ؟
من المؤكد ان موقف حزب الدعوة سيكون أقوى وأوضح وأصرح من كل القضايا في العراق اليوم لو لم يكن مشاركا في الحكومة ولكن هل كانت أمريكا تسمح لحزب الدعوة ألا يشارك في الحكومة ليقود بالتالي معارضة للمشروع السياسي الامريكي في العراق ؟
تساؤلات واثارات عديدة في هذا المجال تدعو القائمين على حزب الدعوة لدراستها ومواجهة الاحداث الكثيرة التي يفرزها الواقع العراقي في مستقبله القريب وتاريخ حزب الدعوة ناصع من حيث اتخاذ المواقف المناسبة والمرجح أن تكون تراكمات الخبرة السياسية والميدانية الطويلة عامل صقل للمواقف الآتية .. كما ينبغي أن يكون ما مضى من أحداث محطات لاستلهام الدروس والعبر

يتبع

سيد مرحوم
09-13-2004, 11:13 AM
أحداث النجف الأخيرة .. دروس وعبر

( الحلقة الاخيرة)

أرض السواد - طاهر الخزاعي

أزمة النجف وتعاطي المرجعية


لعل أهم مفاصل أزمة النجف الاخيرة هي السؤال عن دور المرجعية وأين هو موقع المرجعية في أزمة النجف سلباً أو ايجاباً , ولأن ميدان الازمة كان النجف وهي حاضرة الشيعة فضلاً عن المسلمين ولأنها أهم مدينة علمية اسلامية وبشكل خاص عند الشيعة حيث الحوزة العلمية - مصنع المراجع - ومنذ ألف سنة ونيف من الزمان وهي تحتضن المرجعية الشيعية .. ولأن النجف فوق كل ذلك مشرفة , فترابها يضم رفات أفضل شخص بعد رسول الله - ص - وهي الامام علي عليه السلام أبو الأئمة الذين ينتسب اليهم الشيعة فكريا . من هنا كان لابد أن ترتفع الأصوات المتسائلة عن دور المرجعية في هذه الأزمة .
من المستبعد جداً أن تلعب الصدفة دورها في هذه الأزمة فيشتعل فتيلها بعد ساعات فقط من سفر المرجع السيد السيستاني الى لندن من اجل العلاج .. ولو سلمنا بهذه المصادفة من الجانب المرجعي فكيف يمكن فهم البقاء في لندن لمدة ثلاثة أسابيع مع العلم أن عملية القسطرة لا تأخذ أكثر من يوم وليلة !! .. ثم اذا كان السيد السيستاني بعيد عن الساحة فأين بقية المراجع في النجف وثلاثة منهم متصدين للمرجعية وهم كل من السيد محمد سعيد الحكيم والشيخ بشير النجفي الباكستاني والشيخ اسحاق الفياض .. علامات استفهام كثيرة تقف حائرة أمام موقف المرجعية النجفية برمتها ازاء أزمة النجف وقد شهدت الاسابيع الثلاثة قتالاً ضاريا استخدمت فيه قوات الاحتلال شتى صنوف الاسلحة وأطبقت حصاراً قاسيا على المدينة ! .. علامات استفهام لم تجد جوابا يُبريء ذمة المرجعية من حيث الموقف المتوقع والذي يمكن عده في خانة أضعف الايمان كمثل تحريم الاقتتال بين الاطراف العراقية ! .. وهذا ما لم يحصل .
قد يقول قائل أن هؤلاء مراجع ولا يحق لنا مناقشتهم أو الرد عليهم وهذا خطأ فاحش غالبا ما نقع فيه , اذ إننا لا ننناقش فتوى لهؤلاء المراجع توصلوا اليها حسب أدلتهم بل القضية قضية دماء الشيعة التي فاقت الألف راحت ضحية أسباب كثيرة ومن هذه الاسباب الموقف المرجعي وقد علمنا المراجع أنفسهم قاعدتهم الذهبية التي تقول : لا تقية في الدماء ! فأين هم من هذه الدماء المسلمة التي سفكها غير المسلم .. إنه أمر غريب حقاً , بل دماء سالت على أعتاب ضريح الامام علي عليه السلام الذي قال ما ترك لي الحق من صديق .
لا يتوهم أحد أننا نتوقع من هذه المرجعيات فتوى بجهاد المحتل أو مطالبة سلمية للاحتلال بالرحيل من العراق أو فتاوى ضاغطة على المحتل ولمصلحة العراقيين لأنها مرجعيات عنوانها عدم التدخل بالسياسة او التدخل المقنن والحدود جدا ولكن ما حصل في النجف لا يحتاج الى موقف سياسي من المراجع ولا دعوة للنفير العام ولكن ليس من المعقول أن لا تصدر ادانة من كل هذه المرجعيات للمجازر والانتهاكات التي حصلت , بل لن نسمع ولا كلمة واحدة قيلت باستثناء أن السيد السيستاني تألم لما يحصل في النجف من مقر اقامته المؤقتة في لندن !! .. في اسوء الاحتمالات بغض النظر عن السياسة واحتلال بلد مسلم وانتهاك عتبات مقدسة , إنما لو نظرنا بنظارات المسؤولية الدينية المجردة باعتبار أن المراجع هو في أعلى الهرم الديني لطائفة الشيعة وبالتالي فهذا المنصب الديني يفرض مسؤولية عليهم وأضعف تجليات هذه المسؤولية أن يصدر بيان ادانة وشجب لعمليات قتل أبناء هذه الطائفة في عقر دارهم ورمز طائفتهم !
وبما أن كل هذا لم يحصل يبقى السؤال والدرس في آن واحد : هل يتحقق فيهم أهم شرط من شروط التقليد ذلك هو العدالة في المرجع ؟!
أين هي العدالة : اذا كان الأمريكي يقتل أبناء الشيعة على مرأى ومسمع من المراجع بل وفي داخل مدينتهم وبين أزقة مكاتبهم وليس الا اللاموقف سيد الموقف!!
ليس المشكلة سوء التصرف باموال الخمس فقد يعطي المرجع أوامره وتكون المخالفات من الوكلاء دون علم المرجع مع أن فيه ما فيه , وليس المشكلة في عدم تدخل المراجع في السياسة فهو أمر مألوف في الرأي الفقهي الشيعي وليس المشكلة وجود بعض الحواشي الفاسدة , فكل هذه الاشياء يمكن تبريرها ولا تقدح بعدالة المرجع لكن أن يسقط أبناء الشيعة وسط مدنهم وفي داخل بيوتهم الشاب والشيخ والمرأة والطفل هكذا بدم بارد وزعماء الطائفة الدينيين لا ينبسون ببنت شفة شجبا وادانة ولا تدخلاً لحقن هذه الدماء !! .. انه درس جدير بالمباحثة حقاً !!
إنه من المؤلم حقاً أن نسمع بابا الفاتيكان يتدخل ويطالب ويناشد لوقف نزيف الدم في النجف في الوقت الذي توارى جميع - نعم جميع - مراجع النجف عن الانظار .. بل الاكثر ايلاما أن نسمع هذا البابا نفسه يتدخل ويسمع صوته مطالبا بالافراج عن فتاتين ايطاليتين وقعتا رهن قراصنة الاختطاف في العراق الجديد .
وفي آخر المطاف وبعد أن تصل أزمة النجف الى نفق مسدود حيث ثلاثة أسابيع بأيامها ولياليها أكل فيها الرصاص لحم مَن لا بواكي لهم , وبعد أن فاقت ادارة الازمة توقعات الامريكان ومن معهم من بعض أطراف الحكومة المؤقتة فلم تنته في السقف الزمني المقرر لوقت العملية واجراء بعض الفحوصات في لندن , وبعد ان أخذت الأزمة مداها خارج العراق حتى تظاهر مسلمو جاكارتا تضامنا مع دماء العراقيين وحتى تظاهرت البحرين ومدن في دول أخرى وحتى تكلم الازهر ومطالبات بعقد مؤتمر للدول الاسلامية ولم يبق أمام قوات أمريكا خيار آخر غير هدم مرقد الامام علي عليه السلام بمن فيه وقد يتحول مسار الازمة الى ما لا يُحمد عقباه على المخطط الامريكي أو تجد مخرجا يُعيد للمرجعية بعض ماء وجهها .. فكانت مبادرة المرجعية التي عادت للعراق فجأة كما خرجت منه فجأة وبين الخروج والعودة حلقة متسلسة - من المرجح قويا أن يكون شخص المرجع نفسه لا علاقة له بما يجري - ولكن هذا بالنهاية لا يخرجه عن دائرة المسؤولية .
قد يتصور البعض أنني في معرض التعريض بشخصية مرجع معين , فالمسألة ليست مسألة أشخاص بذاتهم بقدر ماهي حالة حصلت تهمنا جميعا نحن العراقيين عامة والشيعة منهم خاصة .. والقضية بتفاصيلها وتداعياتها غاية في الاهمية , فالمراجع سيموتون غدا والساسة سيموتون ونحن قبلهم أو بعدهم والواجب أن نضع الحقائق بما هي بعيداً عن الشخصنة تاريخا لأجيالنا ليأخذوا منه الدروس والعبر علَّ وعسى ألا يبتلوا بما ابتلينا فيه في هذا الزمن الرديء , وأن يؤسسوا لقضاياهم على نحو يُتجنب فيه أخطاء تجاربنا نحن الذين سبقناهم .

kza_tahir@yahoo.com