المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التلوث الأشعاعي بذخيرة اليورانيوم المنضب ينشر السرطان في العراق والدول المجاورة



موالى
08-30-2004, 12:08 AM
د. كاظم المقدادي*

أدى استخدام الذخائر المشعة لليورانيوم المنضب من قبل القوات الأميركية وحلفائها، في حربين طاحنتين في العراق وأراضي بعض الدول العربية المجاورة له، الى كارثة بيئية وصحية نجمت عما خلفته تلك الذخائر المصنعة من نفايات نووية، وهي مشعة وذات سمية عالية، ومن نتائجها انتشار أمراض سرطانية وأورام غريبة وعلل وتلف جهاز المناعة وأعضاء وأنسجة أخرى وتشوهات ولادية وولادات ميتة وعقم وغيرها، ستتوارثها أجيال المنطقة لاَلاف السنين.

والمريب أن يظل البعض من المسؤولين في الحكومات العربية مصراً ومنذ 13 عاما على موقفه المتوافق وسعي البنتاغون الأميركي للتنصل من مسؤولية استخدام تلك الذخيرة (وهي مسؤولية يعتبرها خبراء في القانون الدولي جريمة حرب دولية) حتى بعد أن أكدت مراكز أبحاث علمية مستقلة خطورتها. وآخر تلك الدراسات الدراسة الميدانية العلمية الكبيرة، التي أجراها المركز الطبي الدولي لأبحاث اليورانيوم UMRC في سبتمبر(أيلول) ـ أكتوبر (تشرين الأول) 2003، التي وجدت ان التلوث الاشعاعي منتشر في كافة مدن وسط وجنوب العراق، وبدرجة خطيرة، بلغت في بعض المواقع التي تعرضت للقصف بذخائر اليورانيوم المنضب، أكثر من 30 ألف مرة الحد المسموح به(1).

وقد تعرض أثنان من الفريق العلمي الذي قام بقياسات الإشعاع في المناطق المضروبة، هما البروفسور تيد ويمان من كندا، والبروفسور محمد الشيخلي من العراق، للإصابة بأعراض تسمم إشعاعي حادAcute Radiation Syndrome مع أنهما لم يمكثا هناك أكثر من أسبوعين، وكانا يتخذان مع باقي أعضاء الفريق العلمي إجراءات وقائية.. فما بالك لو مكثا فترة أطول، أو كانا أثناء القصف؟

وكانت فحوصات متقدمة أجريت لمرضى ولعينات أخذت من بول ودم وعظام، ورئات جنود أميركيين وكنديين وبريطانيين وبوسنيين وأفغان وعراقيين، أموات وأحياء، تعرضوا لتأثير إشعاعات الذخيرة المذكورة، وأثبتت وجود اليورانيوم المنضب فيها. وأحدث هذه الفحوصات أجراها في مطلع العام الجاري البروفسور الدكتور أساف دوراكوفيتش، الخبير بالذرة والطب النووي وأضرار ذخيرة اليورانيوم، لتسعة جنود أميركيين من فرقة الشرطة العسكرية رقم 442، الذين أصيبوا بأعراض مرضية عقب خدمتهم في العراق عام 2003 مع أنهم كانوا يتولون مهمات غير قتالية هناك، وبينت إصابة 4 منهم بأعراض التسمم الإشعاعي، عبر تنشقهم غبار أوكسيد اليورانيوم المشع المتولد من انفجار الذخيرة المذكورة.

وتوقع دوراكوفيتش، وفقا لصحيفة «نيويورك دايلي نيوز» الأميركية، التي مولت الفحوصات، وأعلنت نتائجها في ابريل (نيسان) الماضي، ظهور حالات أكثر خطورة بين الجنود الذين شاركوا في المعارك وتعرضوا لجرعات أكبر من الإشعاع. وأكد خبير الفيزياء النووية العالم الأميركي ليونارد ديتز إمكانية ظهور إصابات إشعاعية كثيرة لدى الجنود الأميركيين في المستقبل لأن مفعول أوكسيد اليورانيوم طويل الأمد. حيال هذا علق الباحث البيئي نجيب صعب بحق «إذا كانت هذه حال الجنود الأميركيين، الذين يفترض أنهم احتاطوا لمخاطر اليورانيوم المنضب في ساحة المعركة، وكان جيشهم هو الذي يستخدمه، فما هي حال الناس الذين تم استخدامه ضدهم؟».

وفعلاً أكدت تقارير علمية حديثة ما توصلت إليه دراسات علمية عديدة خلال العقد المنصرم، ألا وهو انتشار أمراض السرطان والولادات المشوهة أو الميتة وغيرها. وقد حذر علماء وباحثون وأطباء من المناوئين للذخائر المشعة، من مغبة تجاهل مخاطر تلك الذخائر على البيئة والصحة العامة، منذ أول استخدام لها في ميادين القتال «الحية» عام 1991، ونبهوا الى أن الحدود لا تعيق انتقال إشعاعات اليورانيوم من بلد الى آخر عبر الرياح والمياه الجوفية.

* تأكيدات عراقية

* ولعل ما أكدته وزارات البيئة والصحة والصناعة والعلوم والتقنية العراقية، في ندوة مشتركة لها، في يوليو (تموز) الماضي، عن وجود التلوث الإشعاعي في العديد من المناطق العراقية، ومن أعراضه: تشوهات ولادية، بلغت أكثر من 5 في المائة من مجموع الولادات، وحالات سرطانية، طالت 12 في المائة من سكان محافظة البصرة، وعلى نطاق العراق يتراوح العدد المسجل لدى وزارة الصحة العراقية ما بين 120 و140 الف مصاب بالسرطان، تضاف اليهم اصابات جديدة بحوالي 7500 اصابة سنوياً ...الخ، خير تكذيب لمسؤولين عراقيين، رددوا في العام الماضي، مزاعم البنتاغون بأن «لا أخطار لليورانيوم المنضب»، و«لا توجد أدلة علمية على أضراره».

وكان علماء وخبراء في طب المواد المشعة قد نبهوا الى أن استخدام ركام الحرب، من معدات عسكرية مضروبة بتلك الذخيرة، والاقتراب منه، يشكلان تهديداً لصحة الإنسان وحياته، راهناً ومستقبلاً، حيث أثبتوا أنه مشع وسام، ويظل على هذه الحال لسنين طويلة. وقد أكدت ذلك القياسات الإشعاعية التي أجريت في يونيو (حزيران) الماضي للخردة المستوردة من العراق، وبضمنها هياكل دبابات قديمة من مخلفات الحرب. وهو السبب الرئيسي لمنع الكويت والإمارات والأردن دخولها إليها، وإرجاع شاحناتها من حيث أتت. وقد اعترف أخيرا المهندس سمير العصفور، مدير إدارة الوقاية من الإشعاع بوزارة الصحة الكويتية، بأنهم وجدوا هناك «قذائف وآليات عسكرية مضروبة ملوثة باليورانيوم المنضب، ونحن نتعامل معها»، وأقر بـ« وجود 150 دبابة معطلة وملوثة بالإشعاع يجري التفاوض مع روسيا لدفنها في أراضيها»، («الزمن» الكويتية).

وجاء هذا الاعتراف مناقضا للطروحات السابقة لبعض المسؤولين عن حماية البيئة في الكويت الذين ظلوا يتحدثون لسنوات عديدة عن «سلامة» و«نظافة» البيئة الكويتية من الإشعاع، بينما كانت القذائف المشعة مطمورة في العديد من الأماكن الكويتية، ومنها المأهولة بالسكان. وقد كشفت الأمطار الغزيرة العشرات منها، وما تزال المئات منها مطمورة تحت الرمال في الأراضي الكويتية. وفيما أشارت تقارير كويتية الى تزايد حالات السرطان والتشوهات الولادية والإجهاض المتكرر والعقم وغيرها، بشكل ملحوظ، وسط الكويتيين، كشف د. عادل العصفور، مدير «مركز حسين مكي جمعة للجراحات التخصصية»، في مؤتمر صحافي في 31/3/2004، مثلاً، أن المركز سجّل 1100 حالة إصابة بالسرطان في العام الماضي، معظمهم كويتيون(«الزمن»، العدد276، في 15/4/2004)، واصل المسؤولون المذكورون نفيهم لأية علاقة لها بقذائف حرب تحرير الكويت.

* اشعاعات اسرائيلية

* إن كان السكوت عن استخدام الذخيرة المشعة، وتجاهل أضرارها، في الخليج والعراق الجديد، قد أملته مصالح وسياسة تارة، وضغوط وتهديدات، تارة أخرى، وما الى ذلك، فما الداعي إذاً لموقف مماثل من إشعاعات أخرى وفي مناطق عربية أخرى، وبالخصوص الأردن وفلسطين ومصر؟

هذا السؤال مرده أن الخبير النووي الإسرائيلي موردخاي فعنونو دعا الأردن، في يوليو الماضي، الى إجراء فحوص طبية لسكانه المقيمين في المناطق القريبة من الحدود مع اسرائيل لمعرفة مدى تأثرهم بالاشعاعات وتوزيع الأدوية الضرورية عليهم، كما فعلت اسرائيل مع سكانها المقيمين قرب مفاعل ديمونة. وأبدى د. محمد البرادعي، المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إستعداده لإرسال فريق علمي متخصص لرصد اشعاعات مفاعل ديمونة الاسرائيلي. وأعلن في تصريحات صحافية في القاهرة أن الوكالة على استعداد لإرسال خبرائها لرصد نسبة الإشعاع داخل الحدود المصرية والأردنية بالقرب من مفاعل ديمونة الإسرائيلي في صحراء النقب، بعد الأنباء التي ترددت عن حدوث تسرب إشعاعي من المفاعل، وتوزيع السلطات الإسرائيلية أقراصا وقائية من الإشعاع النووي على مواطنيها الذين يقطنون في المناطق المحيطة بالمفاعل.

وكان الرد الرسمي الأردني على التحذيرات من خطورة إشعاعات ديمونة على الأردنيين من سكان المناطق الحدودية مع إسرائيل، دون مستوى الحدث. إذ صرحت الناطقة الرسمية باسمه أسمى خضر، فوراً ومن دون ترو، بأن «الهيئات العلمية المتخصصة لم تسجل قراءة غير طبيعية لمستوى الإشعاعات في المياه والتربة»، جازمة بأن « محطات الرصد الإشعاعي لم تسجل أية مؤشرات أو معدلات غير مقبولة للإشعاع الضار في المناطق الحدودية مع إسرائيل». وبينما أكد المدير العام لهيئة الطاقة النووية الأردنية زياد القضاة، الذي إصطحبته الى مؤتمرها الصحافي، بأن «محطات الرصد الإشعاعي الأردنية تقوم بأخذ عينات من الهواء بمعدل مرة كل 24 ساعة، ولم تسجل نسباً غير عادية»، أقر بأن «خطر حدوث هزة أرضية تؤدي إلى تصدع مفاعل ديمونة سيهدد الملايين من سكان الوطن العربي».

الى هذا نبه أستاذ الفيزياء النووية في الجامعة الأردنية عيسى خميس، إلى أن الخطورة على الأردن لا تنحصر في المفاعلات فحسب، بل ان مناطق تصنيع مادة البلوتونيوم والقنابل الذرية في إسرائيل تجعل وسط الأردن وشماله عرضة لانبعاث غازات فتاكة، علماً بأن دراسة جامعية نشرت في إسرائيل في يوليو الماضي أكدت وجود نشاط اشعاعي مثير للقلق سجل في طبقات المياه الجوفية في جنوب فلسطين المحتلة. وقد سجل مستوى النشاط الاشعاعي هذا بدرجات متفاوتة في صحراء النقب، ووادي عربة على طول الحدود مع الاردن.

وبرر المشرف على البحث افنر فينغوش، وهو باحث في جامعة بن غوريون في بئر السبع جنوب اسرائيل، بأن النشاط الإشعاعي هذا «ناجم عن وجود مواد مشعة طبيعية مثل اليورانيوم وغاز الرادون (عنصر مشع)، ولا علاقة له بنشاطات مفاعل ديمونة في جنوب اسرائيل». وأكد «انها ظاهرة تشمل كل المنطقة وخصوصا الاردن، وشبه جزيرة سيناء المصرية». واضاف: «وجدنا كثافة من الراديوم اكبر بـ10 مرات من المعدلات الطبيعية في هذه الطبقات».

وتقضي المعايير المطبقة في اسرائيل لمياه الشرب بوجود 0.6 بيكريل في الليتر الواحد للراديوم 226 و0.5 بيكريل للراديوم 228. على إثر هذه الدراسة حذر 15 نائباً بمجلس الشعب المصري، في 21/7/2004، من احتمال تلوث المياه الجوفية في المناطق المتاخمة لإسرائيل بالإشعاعات الخطيرة الناتجة عن الأنشطة النووية الاسرائيلية، وطالبوا بالتعجيل بالاتصال بإسرائيل لبحث هذه القضية. ووجه النواب أول نداء عاجل للوزراء المختصين بالحكومة المصرية، مطالبين «بقرار جماعي حكومي بوقف استخدام المياه الجوفية في صحراء النقب المتاخمة للحدود الاسرائيلية والفلسطينية في أغراض الزراعة أو الشرب، وأي من الاستخدامات البشرية الأخرى».

وأكد النواب، وهم أعضاء في لجنتي الصحة والزراعة، في ندائهم إلى وزراء الزراعة والري والموارد المائية وشؤون البيئة، ضرورة توخي الحذر في استخدام هذه المياه. وطالبوا بإرسال فريق علمي على مستوى رفيع يضم كافة التخصصات العلمية والزراعية والصحية إلى سيناء للقيام بعمليات بحثية وتحليلية عاجلة لعينات من المياه والتربة والزروع، وكذلك لقطعان المواشي في هذه المناطق المحتمل تضررها، لبحث نسبة الاصابة بالاشعاع النووي، وتحديد الفروق ما بين هذه النسب والنسب المسموح بها عالمياً، والشروع في اتخاذ اجراءات عاجلة لحماية سيناء من جميع أخطار التلوث الاشعاعي.

وأعلنت لجنة الصحة والبيئة في البرلمان الأردني بأنها ستطلب من الحكومة دعوة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة الأردن للتأكد من عدم وجود خطر إشعاع نووي ناجم عن نشاط مفاعل ديمونة الاسرائيلي. ويطالب الخبراء المستقلون بضرورة إجراء المسوحات الإشعاعية بسرعة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تمتلك الامكانات والخبرات. وهذا من شأنه ان لا يحسم الجدل والشكوك، ويطمئن المواطنين فحسب، بل وسيعزز نتائج مصداقية النتائج المعلنة رسمياً، إن تطابقت معه.

* طبيب وباحث عراقي مقيم في السويد
(1) راجع المصدر التالي:

Abu Khasib to Al Ah"qaf: Iraq Gulf War II Field Investigations Report c. Uranium Medical Research Centre. Tedd Weyman, November 2003. www.umrc.net/downloads/Iraq_report_1.doc - 158k