بهلول
07-24-2009, 01:15 AM
http://newsweek.alwatan.com.kw/Data/site5/News/Issues200907/bf2-072809.pc.jpg
أكثــر رجــل أســيء فهمــه فـــي أمريكـــا
كتب:مايكل هيرش
كانت آنيا ستيغلتز تشارك في صف تمارين بيلاتيس الرياضية في سنترال بارك صباح أحد أيام شهر أبريل حينما رن هاتفها الخلوي. عندما نظرت إلى الشاشة، رأت الرمز 202 ــ من دون أن تظهر بقية الرقم ــ وعرفت أن المكالمة من البيت الأبيض. كان المتكلم أحد مساعدي لاري سامرز الذي يبحث عن زوجها، عالم الاقتصاد جوزف ستيغلتز الحائز جائزة نوبل. قالت آنيا إنها ستبلغ جو بالرسالة، ثم عادت لتمرين عضلات بطنها. ظنت أن الأمر غير مهم. فغالبا ما يتصل الناس بها عندما يريدون التحدث إلى جو، لأنه على الرغم من إمضائه أربعة عقود في دراسة طريقة عمل الاقتصاد العالمي، لم يكن قد اعتاد بعد استعمال مجيبه الصوتي. تقول آنيا على مجيب هاتفه الخليوي: "إنه لا يستمع إلى رسائله، لذا إن أردتم التحدث إليه، حاولوا الاتصال مجددا".
افترضت آنيا أن سامرز، كبير مستشاري أوباما الاقتصاديين، يتصل على الأرجح للتذمر من آخر مقال لجو في صحيفة نيويورك تايمز. فجو ستيغلتز ولاري سامرز، صاحبا الذكاء الكبير والكبرياء الأكبر، لا يستلطفان أحدهما الآخر. يقول بروس غرينوولد، وهو صديق ستيغلتز ومساهم أكاديمي في جامعة كولومبيا: "كل منهما يحترم الآخر، لكن كلا منهما يكره الآخر كرها شديدا". (لقد قال سامرز لنيوزويك: "أنا أكن إعجابا كبيرا لجو كمفكر اقتصادي"). كان ستيغلتز يتهجم على فريق أوباما الاقتصادي بسبب طريقة تعامله مع الأزمة الاقتصادية. وقد كتب أن البرنامج التحفيزي أصغر من أن يكون فعالا، وهو انتقاد ازدادت الأصوات المؤيدة له أخيرا، لكن أوباما يقول إنه لن يزيد المبلغ المخصص له. وقد وصف ستيغلتز أيضا خطة الإنقاذ التي أعدتها الإدارة بالهبة المقدمة إلى وول ستريت، وبأنها "رأسمالية بديلة" ستنقذ المستثمرين ومقترضي البنوك وتضر بدافعي الضرائب. تتذكر آنيا: "ظننت أن لاري يتصل لمعاتبة جو ليس إلا".
لكن سرعان ما عاود مساعد سامرز الاتصال، وقال لها هذه المرة إن الأمر طارئ: هل يمكن للبروفسور ستيغلتز أن يأتي إلى واشنطن لحضور حفل عشاء يقيمه الرئيس، في تلك الليلة نفسها؟ أحالته آنيا إلى مكتب جو في جامعة كولومبيا» وافق ستيغلتز واستقل أول قطار. كان ممتعضا بعض الشيء، فعلماء الاقتصاد البارزون الآخرون الذين حضروا العشاء، مثل آلان بلايندر من جامعة برينستون وكينيث روغوف من جامعة هارفارد، كانوا قد تلقوا الدعوة قبل أسبوع. ستيغلتز، وهو الرئيس السابق لمجلس مستشاري بيل كلنتون الاقتصاديين، كان قد أيد باراك أوباما كمرشح منذ عام 2007. لكن حتى ذلك اليوم، أي بعد أربعة أشهر من تولي الإدارة الجديدة الحكم، لم يكن قد تلقى أي اتصال من البيت الأبيض. وحتى الآن، فيما كان الرئيس يبذل مجهودا لسماع آراء اقتصادية مختلفة، بدا أن ستيغلتز أضيف إلى اللائحة في اللحظة الأخيرة. (لم يقل ناطق باسم البيت الأبيض سوى إن الرئيس أراد حضور ستيغلتز).
هذا هو قدر جو ستيغلتز. حتى في عالم علم الاقتصاد المليء بالنزاعات، يعتبر مشاكسا بعض الشيء. وفي حين أنه حائز جائزة نوبل، لا ينظر إليه في واشنطن إلا على أنه مجرد ناقد اقتصادي آخر، وهو غير مرحب به دائما. قلة من الأمريكيين تعرف اسمه، وقلة أقل ستتعرف على هذا الرجل القصير القامة والممتلئ الجسم الذي يشبه الممثل ميل بروكس بعض الشيء. مع ذلك، فإن علماء الاقتصاد يستشهدون بأعمال ستيغلتز أكثر من أي شخص آخر في العالم، بحسب بيانات جمعتها جامعة كونيتكت. وعندما يسافر إلى الخارج ــ إلى أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية ــ يلقى ترحيب النجوم، باعتباره متنبئا عصريا. يقول روبرت جونسون، كبير علماء الاقتصاد السابقين في اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ، الذي سافر معه: "في آسيا، يعاملونه كإله. يتعرف الناس إليه في الشوارع ويقتربون منه".
لقد ازداد عدد مؤيدي ستيغلتز في الصين وغيرها من البلدان النامية في مجموعة الـ20 بفضل جداله بأن النظام الاقتصادي العالمي منحاز ضد البلدان الفقيرة، ومن خلال معارضته لسياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. إنه أيضا عالم الاقتصاد الأمريكي الأكثر شهرة الذي اقترح حلا طويل الأمد لعدم التوازن في تدفق الأموال الذي أدى إلى فوضى كبيرة بدءا من العدوى الآسيوية في أواخر تسعينات القرن الماضي، وصولا إلى التهافت على الاستثمارات في القروض العالية المخاطر. لقد أيدت بكين نوعا ما فكرة ستيغلتز التي تقضي باعتماد نظام احتياطي عالمي جديد تحل فيه عملة أخرى مكان الدولار الأمريكي كعملة عالمية. وقد تأثر رئيس الوزراء الصيني وين جياباو بعمل ستيغلتز، لا سيما "عندما يتكلم عن اقتصادات الفقراء"، كما يقول فينغ شينغهاي، رئيس مكتب الخدمات المالية في مدينة شنغهاي. لكن مكانته كبيرة جدا في أوروبا أيضا، فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي دعاه أخيرا ليكون ضيف الشرف في مؤتمر حول إعادة النظر في العولمة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، فيما كان يتنقل في أوروبا وجنوب أفريقيا، تلقى ستيغلتز اتصالا من مكتب رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، وسئل إن كان بإمكانه العودة عبر لندن ومساعدة رئيس الوزراء على الاستعداد لاجتماع الدول الـ20 في بيتسبرغ.
لعل ستيغلتز معروف بتهجمه المستمر على فكرة طغت على الساحة العالمية منذ عهد رونالد ريغان، ومفادها أن الأسواق تعمل جيدا من تلقاء نفسها، وأنه يجدر بالحكومات أن تبتعد عن طريقها. منذ أيام آدم سميث، أفادت النظريات الاقتصادية التقليدية أن الأسواق الحرة فعالة دائما والاستثناءات على ذلك نادرة. ستيغلتز يترأس مدرسة اقتصادية، طورت طوال السنوات الـ30 الماضية نماذج حسابية معقدة لدحض هذه الفكرة. كارثة القروض العالية المخاطر كانت دليلا دامغا على أن الأسواق المالية غالبا ما تنهار من دون إشراف حكومي صارم، حسبما يقول ستيغلتز وحلفاؤه. العمل الذي فاز ستيغلتز بفضله بجائزة نوبل عام 2001 أظهر كيف يمكن لمعلومات "غير كاملة" يستعين بها بشكل متساو المشاركون في معاملة مالية أن تؤدي إلى اضطرابات في السوق، نظرا إلى الأفضلية غير العادلة التي يتمتع بها أحد الأفرقاء. فضيحة القروض العالية المخاطر كانت تتمحور حول أشخاص كانوا يعرفون الكثير ــ مثل مانحي القروض السكنية والمتاجرين بالمشتقات المالية في وول ستريت ــ ويستغلون أشخاصا يملكون معلومات أقل، مثل المستثمرين العالميين الذين اشتروا الأسهم المدعومة بقروض عالية المخاطر. يقول ستيغلتز: "وفرت العولمة إمكانية إيجاد أشخاص جدد لاستغلال جهلهم. وقد وجدناهم".
تعاطف ستيغلتز مع الشخص العادي ــ ومع البلدان المتخلفة اقتصاديا ــ أمر طبيعي بالنسبة إليه. إنه ابن معلمة مدرسة وبائع بوالص تأمين، وقد نشأ في إحدى المدن الصناعية الأكثر قساوة في أمريكا ــ غاري بولاية إنديانا ــ وتأثر بالتفاوت الاجتماعي والاضطرابات العمالية التي شهدها هناك. يتذكر ستيغلتز أنه أدرك في صغره أن نظامنا مشوب. عائلة ستيغلتز، مثل الكثير من عائلات الطبقة الوسطى، كان لديها خادمة من أصل أفريقي. كانت من الولايات الجنوبية وذات مستوى تعليمي متدن. يقول: "أتذكر أنني كنت أفكر، لماذا لا يزال هناك أناس في أمريكا لم يحظوا بمستوى علمي يتعدى الصف السادس الابتدائي؟".
هذه التجارب الأولى في مدينة غاري أحيت ضمير ستيغلتز الاجتماعي ــ عندما كان طالبا جامعيا، حضر خطاب مارتن لوثر كينغ "لدي حلم" ــ ودفعته للبحث عن أسباب فشل الأسواق. وعندما كان يدرس في معهد مساشوسيتس للتكنولوجيا، يقول إنه أدرك أنه لو كانت "اليد الخفية" التي تكلم عنها سميث توجه السلوك دائما بشكل صحيح، لما كان للبطالة والفقر اللذين رآهما في غاري وجود. وقد قال ستيغلتز في المحاضرة التي ألقاها عند فوزه بجائزة نوبل عام 2001: "صدمني التناقض بين النظريات التي تعلمتها والعالم الذي رأيته خلال نشأتي". في الخطاب نفسه، أعلن أن اليد الخفية "قد لا تكون موجودة أبدا". يقول ستيغلتز إن الحل يكمن في الابتعاد عن الإيديولوجيات وإقامة توازن بين الاقتصادات التي تحركها السوق ــ وهو أمر يؤيده ــ والإشراف الحكومي.
لقد حذر ستيغلتز طوال سنوات من أن الاندفاع المفرط في تأييد الأسواق قد يؤدي إلى انهيار مالي عالمي شبيه بالذي أصاب العالم في العام الماضي. في أوائل تسعينات القرن الماضي، عندما كان عضوا في مجلس مستشاري بيل كلنتون الاقتصاديين، عارض ستيغلتز (بلا جدوى) السماح بتدفق رؤوس الأموال بشكل سريع جدا إلى البلدان النامية، قائلا إن هذه الأسواق غير مهيأة لاستيعاب "الأموال الساخنة" من وول ستريت. وفي وقت لاحق من العقد، عارض (بلا جدوى) إبطال قانون غلاس ستيغل، الذي ينظم المؤسسات المالية ويفصل بين البنوك التجارية والاستثمارية. ومنذ عام 1990 على الأقل، تكلم ستيغلتز عن مخاطر المتاجرة بالقروض السكنية على شكل سندات، متسائلا إن كانت الأسواق والسلطات ستصبح مستهترة ولن تشدد على "أهمية التدقيق في الوضع المالي لطالبي القروض". يقول عالم الاقتصاد الماليزي آندرو شينغ: "أظن أن ستيغلتز أشبه بكينز في هذه الأزمة".
وهو يعني بذلك جون ماينارد كينز، عالم الاقتصاد العظيم من القرن الـ20 الذي اكتسب شهرة عالمية في أواخر عام 1919 عندما نشر The Economic Consequences of the Peace (العواقب الاقتصادية للسلام). في كتابه هذا، حذر كينز من أن العقوبات القاسية التي فرضت على ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى ستؤدي إلى كارثة سياسية. لم يصغ إليه أحد. والكارثة التي توقعها كانت الحرب العالمية الثانية. على غرار ستيغلتز، لم يكن كينز من الأشخاص المفضلين لدى البيت الأبيض. كان كينز يعتقد أيضا أن الأسواق مشوبة: واخترع علم الاقتصاد الكلي العصري ــ الذي يدعو الحكومات الكبيرة إلى التدخل لمساعدة الاقتصادات المضطربة ــ كردة فعل على الكساد الكبير. لكن بعدما التقى الرئيس فرانكلين روزفلت كينز للمرة الأولى عام 1934، اعتبره مفكرا لديه أفكار تجريدية بشكل مفرط، بحسب روبرت سكيدلسكي، مؤرخ سيرة كينز. كينز نفسه تذمر من أن روزفلت لا ينفق ما يكفي من الأموال.
بالنسبة إلى منتقديه ــ وهم كثر ــ فإن ستيغلتز منتقد يحب تعظيم أهميته. حتى بعض حلفائه المفكرين يشيرون إلى أنه في حين أن ستيغلتز غالبا ما يكون محقا في جوهر المسائل، فهو يميل إلى الاستنتاج أنه يمكن للحكومة تحسين الأمور. لقد وصفه روغوف عالم الاقتصاد من جامعة هارفرد بأنه متعجرف بشكل لا يحتمل، مع أنه أضاف أن ستيغلتز "عبقري لامع". في رسالة إلى ستيغلتز نشرت عام 2002، تذكر روغوف لحظة كان فيها كلاهما مدرسا في جامعة برينستون وتم اقتراح اسم رئيس بنك الاحتياطي السابق بول فولكر ليكون أستاذا هناك. "التفت إلي وقلت: «كيـن، كنـت تعمـل لـدى فولكـر في بنـك الاحتياطي الفيدرالي. قل لي، هل هو حقا ذكي؟» أجبتك ما فحواه: «إنه على الأرجح أعظم رئيس لبنك الاحتياطي الفيدرالي في القرن الـ20». فقلت لي: «لكـن هـل هـو ذكـي مثلنـا؟»" (يقـول ستيغلتـز إنـه لا يتذكر هذا التعليق، لكنـه يضيـف أنـه ربمـا كـان يسأل عمـا إذا كـان فولكـر مفكـرا تجريديـا).
يقول المدافعون عن ستيغلتز إن أحد التفسيرات المحتملة لكونه غير مرغوب به في واشنطن هو خصومته المستمرة مع سامرز. في حين أن كليهما من أشد مؤيدي نظريات كينز، غالبا ما أيد سامرز نزع القيود عن الأسواق المالية ــ أو على الأقل كان هذا موقفه قبل العام الماضي ــ في حين أن مسيرة ستيغلتز المهنية قائمة على عدم ثقته بالأسواق. منذ بداية تسعينات القرن الماضي، عندما كان سامرز أحد كبار المسؤولين في وزارة الخزانة الأمريكية، وكان ستيغلتز في مجلس المستشارين الاقتصاديين، دارت بين الاثنين جدالات سياسية حامية. كان الجدال الأول يتعلق بجهود إدارة كلنتون لفتح الأسواق المالية النامية، مثل سوق كوريا الجنوبية. جادل ستيغلتز بأنه ما من أدلة مقنعة تشير إلى أن تحرير الأسواق السيئة الرقابة في العالم الثالث سيزيد من ثراء أحد» وأراد سامرز أن تنفتح هذه الأسواق في وجه المؤسسات الأمريكية.
ازدادت حدة الفروقات بينهما في أواخر تسعينات القرن الماضي، عندما كان ستيغلتز كبير علماء الاقتصاد في البنك الدولي ولم تعجبه، طريقة تعامل وزير الخزانة روبرت روبن وسامرز الذي كان آنذاك نائب الوزير، مع الانهيار المالي "المعدي" في آسيا. بعدما امتنع رئيس البنك الدولي جيمس وولفنسون عن إعادة تعيينه عام 1999، أصبح ستيغلتز مقتنعا بأن سامرز مسؤول عن هذا التجاهل. ينكر سامرز ذلك، ويقول إنه ما من منافسة بينهما. جيسون فورمان، نائب سامرز، يقول إن سامرز "يتكلم مع [ستيغلتز] كثيرا الآن". ويجيب ستيغلتز بأن كلمة "كثيرا" مبالغ بها. "لقد تكلمنا مرة أو مرتين".
على الرغم من محاولات فريق أوباما للتقرب منه من حين لآخر، فإن ستيغلتز لا يزال غير راض إلى حد كبير عن مقاربة الإدارة لمعالجة الأزمة المالية. بدلا من تفكيك أو إعادة هيكلة البنوك الكبرى التي انهارت، "أثبتت إدارة أوباما بالفعل فكرة أن هناك شركات «أكبر من أن تنهار»"، كما يقول. يضيف ستيغلتز ملمحا إلى مكانته المشكوك بها في واشنطن: "في بريطانيا، النقاش أكثر انفتاحا في هذه المسائل". ويقول أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض مجيبا على هذه الانتقادات إنه يتم انتقاد إدارة أوباما حاليا بسبب تدخلها الزائد في الاقتصاد وليس العكـس.
من نواح أخرى، يطبق أوباما بعض آراء ستيغلتز، حسبما يقول بيتر أورساغ، مدير مكتب الإدارة والميزانية، وأحد تلامذة ستيغلتز السابقين (عمل لدى ستيغلتز خلال إدارة كلنتون). أحد الأمثلة: فكرة أوباما الجديدة لإصلاح نظام الرعاية الصحية من خلال إنشاء برنامج تديره الحكومة ينافس شركات التأمين الخاصة. يقول أورساغ: "ثمة فلسفة في قطاع العناية الصحية تقضي بضرورة الانتقال إلى أسواق خاصة بالكامل. مقاربة جو تنطوي على صعوبات كثيرة [من هذه الناحية]. وهذا أدى إلى القبول بفكرة الحاجة إلى مزيج من الاثنين: للحكومة دور مهم تلعبه".
اليوم، بصفته أستاذا في جامعة كولومبيا، يجد ستيغلتز نفسه أحيانا مرحبا به في عاصمة البلد، لكن في الطرف الآخر من جادة بنسلفانيا، من أجل الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس. مع أنه لم يكن يرغب كثيرا في العودة إلى الحكومة، يقول أصدقاؤه إن أمله خاب كثيرا عندما لم يتلق عرضا من أوباما في الخريف الماضي. لا عجب في أن ستيغلتز يعتقد أن خصمه القديم مسؤول عن ذلك، لكن سامرز ينكر الأمر. وفيما يتعلق بالدعوة إلى العشاء في البيت الأبيض، هناك بعض النظريات المتداولة في منزل ستيغلتز الرحب الواقع في شمال مانهاتن بشأن سبب تلقيه إياها في اللحظة الأخيرة: إحداها مفادها أن أوباما، في مقابلة نشرت على شبكة الإنترنت في ذلك الأسبوع على موقع نيويورك تايمز، كان قد ذكر ستيغلتز على أنه أحد النقاد الذين يصغي إليهم، لذا كان الأمر سيبدو غريبا لو لم يدع إلى العشاء. في حين أن ستيغلتز شعر بالإطراء لمشاركته في النقاش خلال عشاء من اللحم المشوي والخس الذي تزرعه ميشيل أوباما بنفسها، لا يسعه سوى التذمر من أن وجبة طعام من حين لآخر مع المعارضين ليست الطريقة الفضلى لكي يصوغ الرئيس سياساته. يقول: "لا يمكن التوصل إلى حل لأصعب الجدالات والقرارات في فترة ساعة ونصف تتضمن الكلام عن مواضيع كثيرة". قد يكون ستيغلتز متنبئا لا يحظى بالكثير من التقدير في واشنطن، لكنه مصمم على عدم التوقف عن التنبؤ.
علماء اقتصاد من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين
ميلتون فريدمان
(1912ـ2006)
قائد نزعة التساهل في مدرسة شيكاغو يقول إن مهمة الحكومة الوحيدة تقضي بالإشراف على الدفق المالي. إنه نقيض كينز
آلان غرينسبان
(1926ـ)
إنه الرأس المدبر وراء ازدهار تسعينات القرن الماضي لكنه من دعاة تحرير الأسواق أيضا، ويعتبر الآن المذنب الأكبر لأنه لطالما عارض فرض القوانين
آدم سميث
(1723ـ1790)
كان مؤسس الاقتصاد القائم على التجارة الحرة يجادل بأن المصلحة الذاتية تؤدي إلى ازدهار يفيد الجميع وكأن "يدا خفية" تعمل في الكواليس
بين برنانكي
(1953ـ)
قبل الأزمة، كان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي يعتبر محافظا يتبع نظريات فريدمان» بعد قروض بقيمة تريليوني دولار، أصبح يعتبر من مؤيدي كينز الجدد
لاري سامرز
(1954ـ)
كــان يدعــم إزالــة القيود (مع بعض التحفظات)، والآن يريد فرض أنظمة جديدة. يقول النقاد إن هذا غير كاف
بول فولكر
(1927ـ)
رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق الذي تغلب على "تنين التضخم" في سبعينات القرن الماضي يريد الآن منع البنوك المدعومة حكوميا من القيام باستثمارات خطرة
كريستينا رومر
(1958ـ)
رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة أوباما اضطرت إلى إعادة النظر في نظرياتها المعارضة لكينز المتعلقة بالإنفاق من خلال الاقتراض
بيتر أورساغ
(1968ـ)
خبير الميزانية في إدارة أوباما وتلميذ ستيغلتز السابق يريد أن تلعب الحكومة دورا أساسيا في القطاعات الخاصة مثل العناية الصحية
بول كروغمان
(1953ـ)
يعتقد أن خطة التحفيز ليست كبيرة بما يكفي، وأن القوانين تأتي لمصلحة وول ستريت. ويظن أنه يجب تأميم البنوك الأسوأ حالا
جوزف ستيغلتز
(1943ـ)
يعتقد أن الأسواق غالبا ما تحتاج إلى دعم حكومي. وهو ينتقد أوباما لأنه لم يبذل جهودا كافية لإصلاح وول ستريت
جون ماينارد كينز
(1883ـ1946)
جادل بضرورة فرض قيود على النظام المالي وبضرورة الإنفاق الحكومي لإخراج الاقتصــادات من الركــــود
كارل ماركس
(1818ـ1883)
كـــان يـؤمـــن بالسيطـــرة الحكوميــــة الـتامـــة علـــى الاقتصــاد
بــــدلا مــن
نظـــام الســـوق
الحــــرة
تاريخ النشر: الثلاثاء 28/7/2009
أكثــر رجــل أســيء فهمــه فـــي أمريكـــا
كتب:مايكل هيرش
كانت آنيا ستيغلتز تشارك في صف تمارين بيلاتيس الرياضية في سنترال بارك صباح أحد أيام شهر أبريل حينما رن هاتفها الخلوي. عندما نظرت إلى الشاشة، رأت الرمز 202 ــ من دون أن تظهر بقية الرقم ــ وعرفت أن المكالمة من البيت الأبيض. كان المتكلم أحد مساعدي لاري سامرز الذي يبحث عن زوجها، عالم الاقتصاد جوزف ستيغلتز الحائز جائزة نوبل. قالت آنيا إنها ستبلغ جو بالرسالة، ثم عادت لتمرين عضلات بطنها. ظنت أن الأمر غير مهم. فغالبا ما يتصل الناس بها عندما يريدون التحدث إلى جو، لأنه على الرغم من إمضائه أربعة عقود في دراسة طريقة عمل الاقتصاد العالمي، لم يكن قد اعتاد بعد استعمال مجيبه الصوتي. تقول آنيا على مجيب هاتفه الخليوي: "إنه لا يستمع إلى رسائله، لذا إن أردتم التحدث إليه، حاولوا الاتصال مجددا".
افترضت آنيا أن سامرز، كبير مستشاري أوباما الاقتصاديين، يتصل على الأرجح للتذمر من آخر مقال لجو في صحيفة نيويورك تايمز. فجو ستيغلتز ولاري سامرز، صاحبا الذكاء الكبير والكبرياء الأكبر، لا يستلطفان أحدهما الآخر. يقول بروس غرينوولد، وهو صديق ستيغلتز ومساهم أكاديمي في جامعة كولومبيا: "كل منهما يحترم الآخر، لكن كلا منهما يكره الآخر كرها شديدا". (لقد قال سامرز لنيوزويك: "أنا أكن إعجابا كبيرا لجو كمفكر اقتصادي"). كان ستيغلتز يتهجم على فريق أوباما الاقتصادي بسبب طريقة تعامله مع الأزمة الاقتصادية. وقد كتب أن البرنامج التحفيزي أصغر من أن يكون فعالا، وهو انتقاد ازدادت الأصوات المؤيدة له أخيرا، لكن أوباما يقول إنه لن يزيد المبلغ المخصص له. وقد وصف ستيغلتز أيضا خطة الإنقاذ التي أعدتها الإدارة بالهبة المقدمة إلى وول ستريت، وبأنها "رأسمالية بديلة" ستنقذ المستثمرين ومقترضي البنوك وتضر بدافعي الضرائب. تتذكر آنيا: "ظننت أن لاري يتصل لمعاتبة جو ليس إلا".
لكن سرعان ما عاود مساعد سامرز الاتصال، وقال لها هذه المرة إن الأمر طارئ: هل يمكن للبروفسور ستيغلتز أن يأتي إلى واشنطن لحضور حفل عشاء يقيمه الرئيس، في تلك الليلة نفسها؟ أحالته آنيا إلى مكتب جو في جامعة كولومبيا» وافق ستيغلتز واستقل أول قطار. كان ممتعضا بعض الشيء، فعلماء الاقتصاد البارزون الآخرون الذين حضروا العشاء، مثل آلان بلايندر من جامعة برينستون وكينيث روغوف من جامعة هارفارد، كانوا قد تلقوا الدعوة قبل أسبوع. ستيغلتز، وهو الرئيس السابق لمجلس مستشاري بيل كلنتون الاقتصاديين، كان قد أيد باراك أوباما كمرشح منذ عام 2007. لكن حتى ذلك اليوم، أي بعد أربعة أشهر من تولي الإدارة الجديدة الحكم، لم يكن قد تلقى أي اتصال من البيت الأبيض. وحتى الآن، فيما كان الرئيس يبذل مجهودا لسماع آراء اقتصادية مختلفة، بدا أن ستيغلتز أضيف إلى اللائحة في اللحظة الأخيرة. (لم يقل ناطق باسم البيت الأبيض سوى إن الرئيس أراد حضور ستيغلتز).
هذا هو قدر جو ستيغلتز. حتى في عالم علم الاقتصاد المليء بالنزاعات، يعتبر مشاكسا بعض الشيء. وفي حين أنه حائز جائزة نوبل، لا ينظر إليه في واشنطن إلا على أنه مجرد ناقد اقتصادي آخر، وهو غير مرحب به دائما. قلة من الأمريكيين تعرف اسمه، وقلة أقل ستتعرف على هذا الرجل القصير القامة والممتلئ الجسم الذي يشبه الممثل ميل بروكس بعض الشيء. مع ذلك، فإن علماء الاقتصاد يستشهدون بأعمال ستيغلتز أكثر من أي شخص آخر في العالم، بحسب بيانات جمعتها جامعة كونيتكت. وعندما يسافر إلى الخارج ــ إلى أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية ــ يلقى ترحيب النجوم، باعتباره متنبئا عصريا. يقول روبرت جونسون، كبير علماء الاقتصاد السابقين في اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ، الذي سافر معه: "في آسيا، يعاملونه كإله. يتعرف الناس إليه في الشوارع ويقتربون منه".
لقد ازداد عدد مؤيدي ستيغلتز في الصين وغيرها من البلدان النامية في مجموعة الـ20 بفضل جداله بأن النظام الاقتصادي العالمي منحاز ضد البلدان الفقيرة، ومن خلال معارضته لسياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. إنه أيضا عالم الاقتصاد الأمريكي الأكثر شهرة الذي اقترح حلا طويل الأمد لعدم التوازن في تدفق الأموال الذي أدى إلى فوضى كبيرة بدءا من العدوى الآسيوية في أواخر تسعينات القرن الماضي، وصولا إلى التهافت على الاستثمارات في القروض العالية المخاطر. لقد أيدت بكين نوعا ما فكرة ستيغلتز التي تقضي باعتماد نظام احتياطي عالمي جديد تحل فيه عملة أخرى مكان الدولار الأمريكي كعملة عالمية. وقد تأثر رئيس الوزراء الصيني وين جياباو بعمل ستيغلتز، لا سيما "عندما يتكلم عن اقتصادات الفقراء"، كما يقول فينغ شينغهاي، رئيس مكتب الخدمات المالية في مدينة شنغهاي. لكن مكانته كبيرة جدا في أوروبا أيضا، فالرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي دعاه أخيرا ليكون ضيف الشرف في مؤتمر حول إعادة النظر في العولمة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، فيما كان يتنقل في أوروبا وجنوب أفريقيا، تلقى ستيغلتز اتصالا من مكتب رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، وسئل إن كان بإمكانه العودة عبر لندن ومساعدة رئيس الوزراء على الاستعداد لاجتماع الدول الـ20 في بيتسبرغ.
لعل ستيغلتز معروف بتهجمه المستمر على فكرة طغت على الساحة العالمية منذ عهد رونالد ريغان، ومفادها أن الأسواق تعمل جيدا من تلقاء نفسها، وأنه يجدر بالحكومات أن تبتعد عن طريقها. منذ أيام آدم سميث، أفادت النظريات الاقتصادية التقليدية أن الأسواق الحرة فعالة دائما والاستثناءات على ذلك نادرة. ستيغلتز يترأس مدرسة اقتصادية، طورت طوال السنوات الـ30 الماضية نماذج حسابية معقدة لدحض هذه الفكرة. كارثة القروض العالية المخاطر كانت دليلا دامغا على أن الأسواق المالية غالبا ما تنهار من دون إشراف حكومي صارم، حسبما يقول ستيغلتز وحلفاؤه. العمل الذي فاز ستيغلتز بفضله بجائزة نوبل عام 2001 أظهر كيف يمكن لمعلومات "غير كاملة" يستعين بها بشكل متساو المشاركون في معاملة مالية أن تؤدي إلى اضطرابات في السوق، نظرا إلى الأفضلية غير العادلة التي يتمتع بها أحد الأفرقاء. فضيحة القروض العالية المخاطر كانت تتمحور حول أشخاص كانوا يعرفون الكثير ــ مثل مانحي القروض السكنية والمتاجرين بالمشتقات المالية في وول ستريت ــ ويستغلون أشخاصا يملكون معلومات أقل، مثل المستثمرين العالميين الذين اشتروا الأسهم المدعومة بقروض عالية المخاطر. يقول ستيغلتز: "وفرت العولمة إمكانية إيجاد أشخاص جدد لاستغلال جهلهم. وقد وجدناهم".
تعاطف ستيغلتز مع الشخص العادي ــ ومع البلدان المتخلفة اقتصاديا ــ أمر طبيعي بالنسبة إليه. إنه ابن معلمة مدرسة وبائع بوالص تأمين، وقد نشأ في إحدى المدن الصناعية الأكثر قساوة في أمريكا ــ غاري بولاية إنديانا ــ وتأثر بالتفاوت الاجتماعي والاضطرابات العمالية التي شهدها هناك. يتذكر ستيغلتز أنه أدرك في صغره أن نظامنا مشوب. عائلة ستيغلتز، مثل الكثير من عائلات الطبقة الوسطى، كان لديها خادمة من أصل أفريقي. كانت من الولايات الجنوبية وذات مستوى تعليمي متدن. يقول: "أتذكر أنني كنت أفكر، لماذا لا يزال هناك أناس في أمريكا لم يحظوا بمستوى علمي يتعدى الصف السادس الابتدائي؟".
هذه التجارب الأولى في مدينة غاري أحيت ضمير ستيغلتز الاجتماعي ــ عندما كان طالبا جامعيا، حضر خطاب مارتن لوثر كينغ "لدي حلم" ــ ودفعته للبحث عن أسباب فشل الأسواق. وعندما كان يدرس في معهد مساشوسيتس للتكنولوجيا، يقول إنه أدرك أنه لو كانت "اليد الخفية" التي تكلم عنها سميث توجه السلوك دائما بشكل صحيح، لما كان للبطالة والفقر اللذين رآهما في غاري وجود. وقد قال ستيغلتز في المحاضرة التي ألقاها عند فوزه بجائزة نوبل عام 2001: "صدمني التناقض بين النظريات التي تعلمتها والعالم الذي رأيته خلال نشأتي". في الخطاب نفسه، أعلن أن اليد الخفية "قد لا تكون موجودة أبدا". يقول ستيغلتز إن الحل يكمن في الابتعاد عن الإيديولوجيات وإقامة توازن بين الاقتصادات التي تحركها السوق ــ وهو أمر يؤيده ــ والإشراف الحكومي.
لقد حذر ستيغلتز طوال سنوات من أن الاندفاع المفرط في تأييد الأسواق قد يؤدي إلى انهيار مالي عالمي شبيه بالذي أصاب العالم في العام الماضي. في أوائل تسعينات القرن الماضي، عندما كان عضوا في مجلس مستشاري بيل كلنتون الاقتصاديين، عارض ستيغلتز (بلا جدوى) السماح بتدفق رؤوس الأموال بشكل سريع جدا إلى البلدان النامية، قائلا إن هذه الأسواق غير مهيأة لاستيعاب "الأموال الساخنة" من وول ستريت. وفي وقت لاحق من العقد، عارض (بلا جدوى) إبطال قانون غلاس ستيغل، الذي ينظم المؤسسات المالية ويفصل بين البنوك التجارية والاستثمارية. ومنذ عام 1990 على الأقل، تكلم ستيغلتز عن مخاطر المتاجرة بالقروض السكنية على شكل سندات، متسائلا إن كانت الأسواق والسلطات ستصبح مستهترة ولن تشدد على "أهمية التدقيق في الوضع المالي لطالبي القروض". يقول عالم الاقتصاد الماليزي آندرو شينغ: "أظن أن ستيغلتز أشبه بكينز في هذه الأزمة".
وهو يعني بذلك جون ماينارد كينز، عالم الاقتصاد العظيم من القرن الـ20 الذي اكتسب شهرة عالمية في أواخر عام 1919 عندما نشر The Economic Consequences of the Peace (العواقب الاقتصادية للسلام). في كتابه هذا، حذر كينز من أن العقوبات القاسية التي فرضت على ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى ستؤدي إلى كارثة سياسية. لم يصغ إليه أحد. والكارثة التي توقعها كانت الحرب العالمية الثانية. على غرار ستيغلتز، لم يكن كينز من الأشخاص المفضلين لدى البيت الأبيض. كان كينز يعتقد أيضا أن الأسواق مشوبة: واخترع علم الاقتصاد الكلي العصري ــ الذي يدعو الحكومات الكبيرة إلى التدخل لمساعدة الاقتصادات المضطربة ــ كردة فعل على الكساد الكبير. لكن بعدما التقى الرئيس فرانكلين روزفلت كينز للمرة الأولى عام 1934، اعتبره مفكرا لديه أفكار تجريدية بشكل مفرط، بحسب روبرت سكيدلسكي، مؤرخ سيرة كينز. كينز نفسه تذمر من أن روزفلت لا ينفق ما يكفي من الأموال.
بالنسبة إلى منتقديه ــ وهم كثر ــ فإن ستيغلتز منتقد يحب تعظيم أهميته. حتى بعض حلفائه المفكرين يشيرون إلى أنه في حين أن ستيغلتز غالبا ما يكون محقا في جوهر المسائل، فهو يميل إلى الاستنتاج أنه يمكن للحكومة تحسين الأمور. لقد وصفه روغوف عالم الاقتصاد من جامعة هارفرد بأنه متعجرف بشكل لا يحتمل، مع أنه أضاف أن ستيغلتز "عبقري لامع". في رسالة إلى ستيغلتز نشرت عام 2002، تذكر روغوف لحظة كان فيها كلاهما مدرسا في جامعة برينستون وتم اقتراح اسم رئيس بنك الاحتياطي السابق بول فولكر ليكون أستاذا هناك. "التفت إلي وقلت: «كيـن، كنـت تعمـل لـدى فولكـر في بنـك الاحتياطي الفيدرالي. قل لي، هل هو حقا ذكي؟» أجبتك ما فحواه: «إنه على الأرجح أعظم رئيس لبنك الاحتياطي الفيدرالي في القرن الـ20». فقلت لي: «لكـن هـل هـو ذكـي مثلنـا؟»" (يقـول ستيغلتـز إنـه لا يتذكر هذا التعليق، لكنـه يضيـف أنـه ربمـا كـان يسأل عمـا إذا كـان فولكـر مفكـرا تجريديـا).
يقول المدافعون عن ستيغلتز إن أحد التفسيرات المحتملة لكونه غير مرغوب به في واشنطن هو خصومته المستمرة مع سامرز. في حين أن كليهما من أشد مؤيدي نظريات كينز، غالبا ما أيد سامرز نزع القيود عن الأسواق المالية ــ أو على الأقل كان هذا موقفه قبل العام الماضي ــ في حين أن مسيرة ستيغلتز المهنية قائمة على عدم ثقته بالأسواق. منذ بداية تسعينات القرن الماضي، عندما كان سامرز أحد كبار المسؤولين في وزارة الخزانة الأمريكية، وكان ستيغلتز في مجلس المستشارين الاقتصاديين، دارت بين الاثنين جدالات سياسية حامية. كان الجدال الأول يتعلق بجهود إدارة كلنتون لفتح الأسواق المالية النامية، مثل سوق كوريا الجنوبية. جادل ستيغلتز بأنه ما من أدلة مقنعة تشير إلى أن تحرير الأسواق السيئة الرقابة في العالم الثالث سيزيد من ثراء أحد» وأراد سامرز أن تنفتح هذه الأسواق في وجه المؤسسات الأمريكية.
ازدادت حدة الفروقات بينهما في أواخر تسعينات القرن الماضي، عندما كان ستيغلتز كبير علماء الاقتصاد في البنك الدولي ولم تعجبه، طريقة تعامل وزير الخزانة روبرت روبن وسامرز الذي كان آنذاك نائب الوزير، مع الانهيار المالي "المعدي" في آسيا. بعدما امتنع رئيس البنك الدولي جيمس وولفنسون عن إعادة تعيينه عام 1999، أصبح ستيغلتز مقتنعا بأن سامرز مسؤول عن هذا التجاهل. ينكر سامرز ذلك، ويقول إنه ما من منافسة بينهما. جيسون فورمان، نائب سامرز، يقول إن سامرز "يتكلم مع [ستيغلتز] كثيرا الآن". ويجيب ستيغلتز بأن كلمة "كثيرا" مبالغ بها. "لقد تكلمنا مرة أو مرتين".
على الرغم من محاولات فريق أوباما للتقرب منه من حين لآخر، فإن ستيغلتز لا يزال غير راض إلى حد كبير عن مقاربة الإدارة لمعالجة الأزمة المالية. بدلا من تفكيك أو إعادة هيكلة البنوك الكبرى التي انهارت، "أثبتت إدارة أوباما بالفعل فكرة أن هناك شركات «أكبر من أن تنهار»"، كما يقول. يضيف ستيغلتز ملمحا إلى مكانته المشكوك بها في واشنطن: "في بريطانيا، النقاش أكثر انفتاحا في هذه المسائل". ويقول أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض مجيبا على هذه الانتقادات إنه يتم انتقاد إدارة أوباما حاليا بسبب تدخلها الزائد في الاقتصاد وليس العكـس.
من نواح أخرى، يطبق أوباما بعض آراء ستيغلتز، حسبما يقول بيتر أورساغ، مدير مكتب الإدارة والميزانية، وأحد تلامذة ستيغلتز السابقين (عمل لدى ستيغلتز خلال إدارة كلنتون). أحد الأمثلة: فكرة أوباما الجديدة لإصلاح نظام الرعاية الصحية من خلال إنشاء برنامج تديره الحكومة ينافس شركات التأمين الخاصة. يقول أورساغ: "ثمة فلسفة في قطاع العناية الصحية تقضي بضرورة الانتقال إلى أسواق خاصة بالكامل. مقاربة جو تنطوي على صعوبات كثيرة [من هذه الناحية]. وهذا أدى إلى القبول بفكرة الحاجة إلى مزيج من الاثنين: للحكومة دور مهم تلعبه".
اليوم، بصفته أستاذا في جامعة كولومبيا، يجد ستيغلتز نفسه أحيانا مرحبا به في عاصمة البلد، لكن في الطرف الآخر من جادة بنسلفانيا، من أجل الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس. مع أنه لم يكن يرغب كثيرا في العودة إلى الحكومة، يقول أصدقاؤه إن أمله خاب كثيرا عندما لم يتلق عرضا من أوباما في الخريف الماضي. لا عجب في أن ستيغلتز يعتقد أن خصمه القديم مسؤول عن ذلك، لكن سامرز ينكر الأمر. وفيما يتعلق بالدعوة إلى العشاء في البيت الأبيض، هناك بعض النظريات المتداولة في منزل ستيغلتز الرحب الواقع في شمال مانهاتن بشأن سبب تلقيه إياها في اللحظة الأخيرة: إحداها مفادها أن أوباما، في مقابلة نشرت على شبكة الإنترنت في ذلك الأسبوع على موقع نيويورك تايمز، كان قد ذكر ستيغلتز على أنه أحد النقاد الذين يصغي إليهم، لذا كان الأمر سيبدو غريبا لو لم يدع إلى العشاء. في حين أن ستيغلتز شعر بالإطراء لمشاركته في النقاش خلال عشاء من اللحم المشوي والخس الذي تزرعه ميشيل أوباما بنفسها، لا يسعه سوى التذمر من أن وجبة طعام من حين لآخر مع المعارضين ليست الطريقة الفضلى لكي يصوغ الرئيس سياساته. يقول: "لا يمكن التوصل إلى حل لأصعب الجدالات والقرارات في فترة ساعة ونصف تتضمن الكلام عن مواضيع كثيرة". قد يكون ستيغلتز متنبئا لا يحظى بالكثير من التقدير في واشنطن، لكنه مصمم على عدم التوقف عن التنبؤ.
علماء اقتصاد من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين
ميلتون فريدمان
(1912ـ2006)
قائد نزعة التساهل في مدرسة شيكاغو يقول إن مهمة الحكومة الوحيدة تقضي بالإشراف على الدفق المالي. إنه نقيض كينز
آلان غرينسبان
(1926ـ)
إنه الرأس المدبر وراء ازدهار تسعينات القرن الماضي لكنه من دعاة تحرير الأسواق أيضا، ويعتبر الآن المذنب الأكبر لأنه لطالما عارض فرض القوانين
آدم سميث
(1723ـ1790)
كان مؤسس الاقتصاد القائم على التجارة الحرة يجادل بأن المصلحة الذاتية تؤدي إلى ازدهار يفيد الجميع وكأن "يدا خفية" تعمل في الكواليس
بين برنانكي
(1953ـ)
قبل الأزمة، كان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي يعتبر محافظا يتبع نظريات فريدمان» بعد قروض بقيمة تريليوني دولار، أصبح يعتبر من مؤيدي كينز الجدد
لاري سامرز
(1954ـ)
كــان يدعــم إزالــة القيود (مع بعض التحفظات)، والآن يريد فرض أنظمة جديدة. يقول النقاد إن هذا غير كاف
بول فولكر
(1927ـ)
رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق الذي تغلب على "تنين التضخم" في سبعينات القرن الماضي يريد الآن منع البنوك المدعومة حكوميا من القيام باستثمارات خطرة
كريستينا رومر
(1958ـ)
رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة أوباما اضطرت إلى إعادة النظر في نظرياتها المعارضة لكينز المتعلقة بالإنفاق من خلال الاقتراض
بيتر أورساغ
(1968ـ)
خبير الميزانية في إدارة أوباما وتلميذ ستيغلتز السابق يريد أن تلعب الحكومة دورا أساسيا في القطاعات الخاصة مثل العناية الصحية
بول كروغمان
(1953ـ)
يعتقد أن خطة التحفيز ليست كبيرة بما يكفي، وأن القوانين تأتي لمصلحة وول ستريت. ويظن أنه يجب تأميم البنوك الأسوأ حالا
جوزف ستيغلتز
(1943ـ)
يعتقد أن الأسواق غالبا ما تحتاج إلى دعم حكومي. وهو ينتقد أوباما لأنه لم يبذل جهودا كافية لإصلاح وول ستريت
جون ماينارد كينز
(1883ـ1946)
جادل بضرورة فرض قيود على النظام المالي وبضرورة الإنفاق الحكومي لإخراج الاقتصــادات من الركــــود
كارل ماركس
(1818ـ1883)
كـــان يـؤمـــن بالسيطـــرة الحكوميــــة الـتامـــة علـــى الاقتصــاد
بــــدلا مــن
نظـــام الســـوق
الحــــرة
تاريخ النشر: الثلاثاء 28/7/2009