yasmeen
07-23-2009, 11:28 AM
http://www.aleqt.com/a/254927_47236.jpg
جون كاي
بقلم جون كاي - فايننشال تايمز
بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر، تم تعيين شاب اسمه تكس ثورنتون لإدارة مجموعة إحصائية تابعة لسلاح الجو الأمريكي. وعيّن ثورنتون مجموعة من الأفراد على شاكلته من الأذكياء الواثقين بأنفسهم، إضافة إلى ولعهم بالأرقام حتى أطلق عليهم وصف Whiz Kids. واستطاعوا إيجاد تنظيم في الخدمات اللوجستية العسكرية الفوضوية.
مضى هؤلاء المولعون بالأرقام إلى توظيف هذه الأساليب عبر حياة الشركات الأمريكية. واستطاعت أفكارهم تغيير فكرة الناس عن الأعمال والسياسة العامة، على الرغم من أن ذلك لم يتم على الدوام بالطريقة التي قصدوها. وكان أشهر أولئك الرقميين هو روبرت ماكنمارا الذي توفي في الأسبوع الماضي.
باع ثورنتون خدمات هؤلاء الرقميين كمجموعة إلى هنري فورد الثاني الذي كان قد تولى إدارة شركة عاثت الفوضى فيها خراباً. لكنه في سبيل التحوط لرهاناته، عين كذلك مجموعة من الرؤساء التنفيذيين من شركة جنرال موتورز. وسرعان ما اصطدم ثورنتون بالثقافة الموجهة إلى الداخل التي يعتنقها رجال صناعة السيارات في ديترويت، وتفرغ بالتالي لتطوير شركته الخاصة، ليتون إندستريز Litton Industries.
تأسست ليتون على مبدأ إذا استطعت السيطرة على الأرقام، فلا يعود يهم ما هو المنتج. وتضمنت نشاطات الشركة صناعة السفن، والأدوات الإلكترونية، والأطعمة الجاهزة. وكانت شركة ليتون هذه رائدة أنموذج إنشاء الشركات العملاقة من خلال الاستحواذ. وأصبحت في الستينيات في مرتبة متقدمة على قوائم أكثر الشركات إثارة للإعجاب. وكانت أسطورة دولية، كتب فيها صحافي الإدارة البريطاني روبرت هيلر: «كثيراً ما تستحوذ شركة أمريكية معينة على سمعة أسطورية في عيون البريطانيين، من حيث إنها ذات وضع قوي كمشروع إداري تشير فضائله بصورة دراماتيكية إلى الأخطاء البريطانية».
استقر ماكنمارا في شركة فورد. وظل نفوذه في تزايد إلى أن عينه هنري فورد في 1960 رئيساً للشركة. لكن ذلك لم يدم طويلاً. فالرئيس الأمريكي الذي كان قد تم انتخابه للتو، جون كينيدي، الذي كان يسعى للحصول على خدمات أفضل وأذكى رجال الأعمال، عرض على ماكنمارا منصب وزير الدفاع. وبالتالي توجه ماكنمارا إلى واشنطن وبدأ في تنظيم أمور البيروقراطية العسكرية الأمريكية. ووقف إلى جانب كينيدي حين واجه الرئيس روسيا أثناء أزمة الصواريخ الكوبية.
كانت الستينيات فترة التخطيط. ووقفت شركة ليتون إندستريز الخاصة بثورنتون ووزارة الدفاع التي يتولاها ماكنمارا، إلى جانب الاعتقاد بأن أساليب الكمبيوتر التي حطمت الشيفرات، وصنعت المقاتلات النفاثة، وحملت القوات إلى برلين، يمكن أن تطبق في جميع جوانب عمل الشركات والسياسة.
يمكن للكمبيوترات إحداث تحول في إدارة الأعمال. واستراتيجيات التنمية المخططة يمكن أن تجعل المستعمرات السابقة قادرة على التحرك سريعاً باتجاه تحقيق مستويات المعيشة التي كان يتمتع بها أسيادها الاستعماريون السابقون، بل حتى الاقتصادات المتقدمة يمكنها الإفادة من تنفيذ الخطط الوطنية. وكان أعظم مصادر القلق والخوف أن يمكّن ذلك التخطيط السوفيات من توظيف تكنولوجيا متقدمة والتفوق على الغرب اقتصادياً وعسكرياً.
غير أن حلم الأطفال الرقميين كان يتشظى بالفعل، إذ فقدت أسطورة ليتون بريقها. ومثلها مثل الشركات الصناعية العملاقة الأخرى، كانت الفكرة هي استخدام أوراق مالية مبالغ في قيمتها لتحقيق صفقات استحواذ أكبر. وما إن فقد نمو العوائد قوته الدافعة، حتى تراجعت أسعار الأسهم، وبدأت الشركة التفكك. وكانت ليتون تصارع من أجل البقاء خلال السبعينيات.
وحين تورطت أمريكا في فيتنام، أدار ماكنمارا الحملة بالأرقام، غير أن المراسلين والجنود العائدين بينوا مدى ضعف علاقة هذه الأرقام بما يجري على أرض المعركة. وتوجه ماكنمارا في 1968 إلى البنك الدولي، ليصبح رئيساً له. وتولى الإشراف على نمو كبير لبرنامج الإقراض، غير أن الروح التفاؤلية لهذه السنوات من التوسع الإقراضي تلاشت لتصبح أزمة الديون الخاصة بالعالم الثالث.
كان أحد أذكى الرجال في التاريخ يفكر ملياً أيام تقاعده ويتساءل لماذا قدِّر لمشروع واعد للغاية أن يتعثر بتلك الطريقة السيئة للغاية. واستطاعت الأسواق غير المركزية التفوق في أدائها بصورة منتظمة على الخطط المركزية، وفشلت استراتيجيات التنمية المخططة. وسقط هوس ديترويت بالأرقام ضحية لشغف اليابانيين بالجودة. وتجرعت الآلة العسكرية الأمريكية الهزيمة على يد قوات فيتنام الشمالية.
في مذكرته التي تناولت الأحداث بأثر رجعي، أدرك ماكنمارا أن العالم كان مكاناً أشد تعقيداً من أدوات صنع قراراته، وأن كثيراً من التعقيدات هزم الأسلوب الكمي الرقمي. وجاء فيها «إن سوء حكمنا على الأصدقاء والأعداء عكس جهلنا العميق بالتاريخ، والثقافة، والسياسة». وإن قدرة أطفال الأرقام على التحليل فاقت بكثير معرفتهم بالعالم الذي طبق ذلك التحليل عليه. وبفتح الأرشيفات الروسية، أدرك ماكنمارا أن الأزمة الكوبية جعلت العالم أقرب بكثير إلى الفناء مما كان كينيدي يستوعبه. وأخفقت أمريكا تماماً في فهم ثقافة ودوافع فيتنام.
لكن أخطاء تلك الحقبة من الزمن يتم تكرارها. وصف ماكنمارا 11 خطأ في فيتنام تكررت جميعها في العراق وأفغانستان. وحين انهارت شركة ليتون في 1969 كتبت مجلة «فوربس» أن الزمن عاد كي يتحدث المستثمرون عن المنتجات، وليس عن المنحنيات البيانية للعوائد. وتحدثت فوربس عن أشياء قبل 40 عاماً من حدوثها. واستهل ماكنمارا مذكراته باقتباس من الشاعر تي. إس. إيليوت «نهاية كل ما نحاول استكشافه هي أن نصل إلى حيث بدأنا، وأن نعرف المكان للمرة الأولى». وربما يكون الاستحواذ على مثل هذه المعرفة هو الشيء الذي يمكن أن يذكره الناس به.
جون كاي
بقلم جون كاي - فايننشال تايمز
بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر، تم تعيين شاب اسمه تكس ثورنتون لإدارة مجموعة إحصائية تابعة لسلاح الجو الأمريكي. وعيّن ثورنتون مجموعة من الأفراد على شاكلته من الأذكياء الواثقين بأنفسهم، إضافة إلى ولعهم بالأرقام حتى أطلق عليهم وصف Whiz Kids. واستطاعوا إيجاد تنظيم في الخدمات اللوجستية العسكرية الفوضوية.
مضى هؤلاء المولعون بالأرقام إلى توظيف هذه الأساليب عبر حياة الشركات الأمريكية. واستطاعت أفكارهم تغيير فكرة الناس عن الأعمال والسياسة العامة، على الرغم من أن ذلك لم يتم على الدوام بالطريقة التي قصدوها. وكان أشهر أولئك الرقميين هو روبرت ماكنمارا الذي توفي في الأسبوع الماضي.
باع ثورنتون خدمات هؤلاء الرقميين كمجموعة إلى هنري فورد الثاني الذي كان قد تولى إدارة شركة عاثت الفوضى فيها خراباً. لكنه في سبيل التحوط لرهاناته، عين كذلك مجموعة من الرؤساء التنفيذيين من شركة جنرال موتورز. وسرعان ما اصطدم ثورنتون بالثقافة الموجهة إلى الداخل التي يعتنقها رجال صناعة السيارات في ديترويت، وتفرغ بالتالي لتطوير شركته الخاصة، ليتون إندستريز Litton Industries.
تأسست ليتون على مبدأ إذا استطعت السيطرة على الأرقام، فلا يعود يهم ما هو المنتج. وتضمنت نشاطات الشركة صناعة السفن، والأدوات الإلكترونية، والأطعمة الجاهزة. وكانت شركة ليتون هذه رائدة أنموذج إنشاء الشركات العملاقة من خلال الاستحواذ. وأصبحت في الستينيات في مرتبة متقدمة على قوائم أكثر الشركات إثارة للإعجاب. وكانت أسطورة دولية، كتب فيها صحافي الإدارة البريطاني روبرت هيلر: «كثيراً ما تستحوذ شركة أمريكية معينة على سمعة أسطورية في عيون البريطانيين، من حيث إنها ذات وضع قوي كمشروع إداري تشير فضائله بصورة دراماتيكية إلى الأخطاء البريطانية».
استقر ماكنمارا في شركة فورد. وظل نفوذه في تزايد إلى أن عينه هنري فورد في 1960 رئيساً للشركة. لكن ذلك لم يدم طويلاً. فالرئيس الأمريكي الذي كان قد تم انتخابه للتو، جون كينيدي، الذي كان يسعى للحصول على خدمات أفضل وأذكى رجال الأعمال، عرض على ماكنمارا منصب وزير الدفاع. وبالتالي توجه ماكنمارا إلى واشنطن وبدأ في تنظيم أمور البيروقراطية العسكرية الأمريكية. ووقف إلى جانب كينيدي حين واجه الرئيس روسيا أثناء أزمة الصواريخ الكوبية.
كانت الستينيات فترة التخطيط. ووقفت شركة ليتون إندستريز الخاصة بثورنتون ووزارة الدفاع التي يتولاها ماكنمارا، إلى جانب الاعتقاد بأن أساليب الكمبيوتر التي حطمت الشيفرات، وصنعت المقاتلات النفاثة، وحملت القوات إلى برلين، يمكن أن تطبق في جميع جوانب عمل الشركات والسياسة.
يمكن للكمبيوترات إحداث تحول في إدارة الأعمال. واستراتيجيات التنمية المخططة يمكن أن تجعل المستعمرات السابقة قادرة على التحرك سريعاً باتجاه تحقيق مستويات المعيشة التي كان يتمتع بها أسيادها الاستعماريون السابقون، بل حتى الاقتصادات المتقدمة يمكنها الإفادة من تنفيذ الخطط الوطنية. وكان أعظم مصادر القلق والخوف أن يمكّن ذلك التخطيط السوفيات من توظيف تكنولوجيا متقدمة والتفوق على الغرب اقتصادياً وعسكرياً.
غير أن حلم الأطفال الرقميين كان يتشظى بالفعل، إذ فقدت أسطورة ليتون بريقها. ومثلها مثل الشركات الصناعية العملاقة الأخرى، كانت الفكرة هي استخدام أوراق مالية مبالغ في قيمتها لتحقيق صفقات استحواذ أكبر. وما إن فقد نمو العوائد قوته الدافعة، حتى تراجعت أسعار الأسهم، وبدأت الشركة التفكك. وكانت ليتون تصارع من أجل البقاء خلال السبعينيات.
وحين تورطت أمريكا في فيتنام، أدار ماكنمارا الحملة بالأرقام، غير أن المراسلين والجنود العائدين بينوا مدى ضعف علاقة هذه الأرقام بما يجري على أرض المعركة. وتوجه ماكنمارا في 1968 إلى البنك الدولي، ليصبح رئيساً له. وتولى الإشراف على نمو كبير لبرنامج الإقراض، غير أن الروح التفاؤلية لهذه السنوات من التوسع الإقراضي تلاشت لتصبح أزمة الديون الخاصة بالعالم الثالث.
كان أحد أذكى الرجال في التاريخ يفكر ملياً أيام تقاعده ويتساءل لماذا قدِّر لمشروع واعد للغاية أن يتعثر بتلك الطريقة السيئة للغاية. واستطاعت الأسواق غير المركزية التفوق في أدائها بصورة منتظمة على الخطط المركزية، وفشلت استراتيجيات التنمية المخططة. وسقط هوس ديترويت بالأرقام ضحية لشغف اليابانيين بالجودة. وتجرعت الآلة العسكرية الأمريكية الهزيمة على يد قوات فيتنام الشمالية.
في مذكرته التي تناولت الأحداث بأثر رجعي، أدرك ماكنمارا أن العالم كان مكاناً أشد تعقيداً من أدوات صنع قراراته، وأن كثيراً من التعقيدات هزم الأسلوب الكمي الرقمي. وجاء فيها «إن سوء حكمنا على الأصدقاء والأعداء عكس جهلنا العميق بالتاريخ، والثقافة، والسياسة». وإن قدرة أطفال الأرقام على التحليل فاقت بكثير معرفتهم بالعالم الذي طبق ذلك التحليل عليه. وبفتح الأرشيفات الروسية، أدرك ماكنمارا أن الأزمة الكوبية جعلت العالم أقرب بكثير إلى الفناء مما كان كينيدي يستوعبه. وأخفقت أمريكا تماماً في فهم ثقافة ودوافع فيتنام.
لكن أخطاء تلك الحقبة من الزمن يتم تكرارها. وصف ماكنمارا 11 خطأ في فيتنام تكررت جميعها في العراق وأفغانستان. وحين انهارت شركة ليتون في 1969 كتبت مجلة «فوربس» أن الزمن عاد كي يتحدث المستثمرون عن المنتجات، وليس عن المنحنيات البيانية للعوائد. وتحدثت فوربس عن أشياء قبل 40 عاماً من حدوثها. واستهل ماكنمارا مذكراته باقتباس من الشاعر تي. إس. إيليوت «نهاية كل ما نحاول استكشافه هي أن نصل إلى حيث بدأنا، وأن نعرف المكان للمرة الأولى». وربما يكون الاستحواذ على مثل هذه المعرفة هو الشيء الذي يمكن أن يذكره الناس به.