المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إساءة قراءة الفوضى في إيران



سلسبيل
07-15-2009, 05:57 AM
Alastair Crooke - Los Angeles Times



على الغرب أن يفهم أن هناك رجال دين في قم وطهران، يكره بعضهم أحمدي نجاد، لكنه رغم ذلك يشاركون وجهة نظره التي تفيد بأن بعض كبار رجال الدين عجزوا عن تجسيد روح الثورة في نمط حياتهم, كما أن الحرس الثوري يؤيد خطوات نجاد.

بشكل عام، لقد أساءت وسائل الإعلام والمشرعون في الغرب قراءة الاضطرابات التي تلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وبذلك فإن ما نشهده ليس «ثورة ملونة» محبطة على طراز أوروبا الشرقية، كذلك ليست حركة المرشح الرئاسي مير حسين موسوي عبارة عن ثورة يقوم بها الليبراليون المتعاطفون مع الغرب ضد مبادئ الثورة الإيرانية- على الرغم من أن هناك بالتأكيد البعض منهم ممَن يعارضون بشدة الثورة في صفوف مؤيديه. على خلاف ذلك، فإن ما كنا نشهده هو صراع قوى- بين شرائح رجال الدين في «الحرس القديم» الذين تولوا جميعهم الحكم أولاً عام 1979- ظهر إلى العلن في الحملة الانتخابية الرئاسية التي جرت أخيراً. وفي ما سوى هذا الصراع على مدى الأشهر المقبلة، يمكننا أن نتوقع تغييرات كبيرة في الصفوف البارزة في النخبة السياسية. لكن الثورة ليست على وشك الانفجار.

يتمحور النزاع الأساسي حول كبار رجال الدين- خصوصاً الرئيسين السابقين محمد خاتمي وآية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني- الذين سعوا إلى إضعاف قدرة الرئيس محمود أحمدي نجاد على متابعة هجومه الشعبوي على منصبهم المفضل. وقد سعى رجال الدين هؤلاء أيضاً إلى تقليل الوزن السياسي للحرس الثوري، الذي يعتبرون أنه يتعارض أكثر فأكثر مع مصالحهم.

وهذه الشريحة من النخبة مهددة بعمق بفعل هجوم أحمدي نجاد على ثروتها الشخصية، وزعمه بأن سعي رجال الدين البارزين هؤلاء وراء مصالحهم الخاصة الضيقة، على حساب الناس العاديين، هو العلّة المتجذرة للمشاكل الاقتصادية التي تعانيها إيران.

ويُشار إلى أن هذه المجموعة من رجال الدين النافذين هي التي وقفت وراء تحدي موسوي لأحمدي نجاد. هذا إلى أن خاتمي هو الذي عينته هذه الشريحة ليعرض على موسوي الترشح للانتخابات، كذلك فإن خاتمي هو الذي قدَّم أساساً إلى زعيم المعارضة مظلة موقعه السياسي البارز وسط النخبة في إيران.

وبفضل دعمه، تمكن موسوي وزوجته، زهرة راهنافارد من خوض المعركة الانتخابية بثقة استناداً إلى برنامجهما الانتخابي الثوري: لقد كانا «ابني الثورة»، شارك كلاهما فيها وانطبعا بها، وبقيا من أتباع الخميني. وكما أوضحا فإن صراعهما كان مع أحمدي نجاد وطريقة إدارته للحكومة.

وبذلك لم يكن تحديد موسوي لمهمته باعتبارها تقضي بإعادة ردّ الثورة إلى مثلها الأساسية رسالة داخلية فحسب، لقد كُررت مجدداً على نطاق واسع في وسائل الإعلام العربية. لكن بدا أن الغرب يسمع ويأمل بأمر آخر: أنه كان يتحدى القائد الأعلى، آية الله علي خامنئي، ويسعى إلى الازدراء بمؤسسات الثورة. بكلمات أخرى، أنه كان يسعى إلى إشعال فتيل «ثورة ملونة»- كالثورة البرتقالية في أوكرانيا- لتغيير النظام.

مازال من غير الواضح إلى أي مدى كان موسوي ينوي إرسال هذه الإشارة والاستفادة من خلال حشد الدعم الغربي. لكن وجهة النظر هذه عرّضت موسوي ومؤيديه البارزين إلى مخاطر مواجهة انعكاسات شديدة على الصعيد الداخلي عقب الفوضى التي تلت الانتخابات.

في الواقع، استناداً إلى مزاعم كهذه دعا حسين شريعتمداري، المحرر البارز للصحيفة المحافظة «كايهان» Kayhan، كلاً من موسوي وخاتمي إلى مواجهة المحاكمة بتهمة «ارتكاب جرائم فظيعة وأعمال خيانة فاضحة». على الطرف النقيض، لا يمكن لاعتقاد الغرب أن أحمدي نجاد ليس إلا أداة في يد القيادة الدينية التي تقف إلى جانب الحرس الثوري القامع و»باسيج» (الميليشيا الشعبية) ضد الإصلاح أن يكون أكثر خطأً من ذلك. فأحمدي نجاد هو الذي خاض حملة ضد الثروة والمصالح الشخصية للبعض في النخبة الدينية. أما موسوي فكان أكثر ارتباطاً بهذه المصالح.

كذلك على الغرب أن يفهم أن هناك رجال دين في قم وطهران، يكره بعضهم أحمدي نجاد، لكنهم رغم ذلك يشاركونه وجهة نظره التي تفيد بأن بعض كبار رجال الدين عجزوا عن تجسيد روح الثورة في نمط حياتهم. والحرس الثوري أيضاً أكثر راديكالية على الأرجح في طلب إصلاح حقيقي مما هو متعارف عليه عموماً.

وبذلك، فإن ما نتعامل معه عبارة عن نضال معقد بشأن المسار المستقبلي للثورة. إنه نضال بشأن النظرة المستقبلية إلى إيران التي تمتاز بفوارق عميقة في الشخصية مما ينشئ في المقابل مشاعر عميقة.في الوقت الراهن، من الواضح أن عزماً شديداً ظهر إثر الانتخابات لطرد دائرتي رفسنجاني وخاتمي من المؤسسة، غذّاه غضب شعبي متزايد بفعل التدقيق بحذر في الأدلة التي تشير إلى علاقاتهما الخارجية مع الغرب. ورفسنجاني، الذي يدرك جيداً مخاطر أن يصبح معزولاً ومستثنى من دوائر السلطة، هو الآن في مأزق كبير.

في 4 يوليو، نُقل عنه قوله، إن الأزمة الانتخابية عكست صراع قوى «في أعلى مستويات النظام». وفي تصريح انتقيت كلماته بدقة، حذّر من أن أي «وعي متيقظ» لا يمكن تجاهله، لكنه تحدث أيضاً عن الحاجة إلى حماية المؤسسات الثورية. وعلى الرغم من أنه أُبعِد نوعاً ما، فإن حزبه كارغوزاران قد ذهب إلى أبعد من ذلك واصفاً نتائج الانتخابات بـ»غير المقبولة»، وهي حصيلة «تزوير انتخابي هائل».

من المرجح أن يكون تأثير الأحداث التي جرت أخيراً على السياسة الخارجية الإيرانية نقيض ما توقعه المعلقون الغربيون. فمن غير المرجح أن الحرس الثوري، الذي هو تحت إمرة خامنئي، سيتعرض للشلل، بل العكس تماماً.

من نواحٍ متعددة، يعمل الوضع الإقليمي لمصلحة إيران: فالعراق مازال عند مفترق طرق خطير، ويبدو أن الوضع في أفغانستان وباكستان يتدهور، أما تركيا فقد أبعدت نفسها عن الموقف الأوروبي في ما يتعلق بالانتخابات، ومن ناحيتها لم تعبر الصين أبداً من قبل عن تضامن مذهل كهذا مع النظام الإيراني. هذا إلى أن سورية و»حزب الله» و»حماس» غير مستعدة للانفصال عن النظام الإيراني. وفي هذا السياق يُذكَر أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم شكك في شرعية المظاهرات التي جرت في الشارع في طهران وحذّر: «إن أي شخص يراهن على انهيار النظام الإيراني سيكون خاسراً. الثورة الإسلامية حقيقة، متجذرة بعمق في إيران، وعلى المجتمع الدولي أن يتعايش مع ذلك».

أما في ما يتعلق بعلاقة إيران بالغرب، لم يترك أحمدي نجاد أي مجال للتأويل عندما علّق في نهاية شهر يونيو: «من دون شك، ستعتمد حكومة إيران الجديدة مقاربة أكثر حزماً وقوة تجاه الغرب. هذه المرة، سيكون رد الأمة الإيرانية قاسياً وأكثر حزماً».

على نحو مشابه، أوضح خامنئي أن إيران لن تنسى بسهولة الازدراء والاحتقار اللذين لقيتهما الجمهورية الإسلامية في الأسابيع الأخيرة. من ناحية الكثيرين في إيران، لقد تم تخطي «خط أحمر» بينما بدا أن القادة الغربيين يحاولون تحريض مؤيدي موسوي المنشق ليصبحوا أداة لإبطال شرعية الثورة وتحقيق «تغيير هادئ في النظام».

على الرغم من آمال كهذه في الغرب، فإن نهاية للثورة ليست منظورة وغير قريبة. والأكثر ترجيحاً هو رد فعل معاكس سيُفضي إلى عزل موسوي ومساعديه في حين تسعى القوى الشعبية المتحالفة مع أحمدي نجاد إلى ضخ محفز جديد في الثورة من خلال تنقيتها من العناصر الفاسدة لحرسها القديم.

* عميل سابق في الاستخبارات البريطانية، كان مستشار المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا في ما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط ما بين عامي 1997 و2003. أوصى بتشكيل «لجنة ميتشيل»، ويرأس «منتدى الصراعات» في بيروت.


عن جريدة الجريدة