المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السيستاني .. هل يكون غاندي العراق ؟؟؟



مجاهدون
08-27-2004, 10:05 AM
كتابات - علي القطبي

لم يمر مرجع بفتنة بل لم تمر المرجعية بفتنة مثل هذه الفتنة ... نعم كانت هناك محن رهيبة أسوأها وأشدها قسوة فترة الحكم الصدامي التكريتي .....نعم لقد كانت كل الفترات التي عاشت بها مرجعيات الشيعة مراحل محنة لا يأمن المرجع من أن يقول كلمة واحدة للكبت والقمع الذين مرا بهما ... كانت فترات عصيبة بل وكانت كل الفترات فترات قمع تتفاوت بحسب درجاتها , وخسرت الطائفة العديد من مراجعها على مر التأريخ

فمنهم من صفي جسدياً ومنهم من قمع فكرياً ومنهم من غيبته السجون والأمثال كثيرة وليس هذا محل الشاهد

لكن الفتنة غير المحنة فقد فتح المجال وصارت مساحة الحرية أوسع وانفتح الفضاء الخارجي لكل من يريد أن يصرح , ولكل من يريد أن يعمل كان الأمر في زمن صدام عبارة عن التلبس بتقية لشدة الظلم أو أن ينهض المرجع فيستشهد سريعاً كما حصل للشهيدين العظيمين الصدرين في العراق رحمة الله ورضوانهما عليهما

ولكن الفتنة غير المحنة نعم فقد دارت الأيام ولم يبق من الفقهاء إلا قلة شاء الله أن تبقى لتكون مرجعاً وموئلاً للناس , بل وحتى للحكومة , بل وحتى للقوى العالمية كافة التي حارت وتورطت في التشكيل العراقي الذي ليس له ما يجمعه ولو بالحد الأدنى .

إنه تشكيل مجتمع وخليط حار فيه حتى الأئمة المعصومين وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام

ودارت الأيام وتركزت المرجعية في شخص واحد اسمه علي السيستاني صار قبلة القاصدين ومحط الأنظار على الرغم من وجود ثلاثة أو أربعة من الفقهاء في العراق من الذي لا يقلون علمية وشأنا عنه بل ربما يمتازون بكثرة مؤلفاتهم , ويمتازون أن بعضهم ولد في العراق ولكن الأضواء تجمعت عند السيد السيستاني وهذا مما زاد من العبء الثقيل والبلاء العظيم على عاتق هذا المرجع الديني..


ولكن من الطبيعي أن يتساءل المرء لماذا السيسستاني دون غيره ؟؟؟

أعتقد أنه إضافة لعلم السيد السيستاني ومرجعيته واجتهاده هناك أسباب عديدة لا داعي لذكرها وليست هي محل حديثي في هذا المقام..

انما حديثي هو التوقف قليلا عند هذه الشخصية لتي وقف العالم مدهوشاً عند سحرها ونفوذها الروحي .

ذلك النفوذ الذي لم يأت من قوى ظاهرية ملموسة كأن يكون للرجل جيش أو أرث من أحد أو أموال يوزعها على الناس .. نعم ليس لهذا السيد المرجع إلا ارث العلم الذي ناله باجتهاد منه وزعامة روحية استلمها من الراحل الكبير السيد أبو القاسم الخوئي عن جدارة .

إن الفتنة غير المحنة وهي تتشابه معنى المحنة في أنها بلاء ولكنها تفترق عن المحنة بإمكان النجاة منها بأن يعتزل الإنسان العمل والواقع فينعزل بنفسه فينجوا وينتهي كل شئ أما المحنة فقل ما ينجو الإنسان بنفسه بنفسه منها كمحنة العيش في ظل دولة المتفرعن صدام وآل تكريت , وحزب البعث .

وكما يقول أهل المنطق ويسمونها قضية عموم وخصوص من وجه .

المهم أن السيد السيستاني قدم صورأ في التعامل السياسي كانت رائعة وتاريخية في ظروف أقل ما يقال عنها أنها صعبة وعسيرة .

فلا غرابة أن أشبه هذا السيد بغاندي الهند فلقد تمكن غاندي من أن يحرر الهند وكان عدد الهند في ذلك الوقت ما يقارب ال 600 مليون إنسان قد حررهم بعقله الراجح وهو الذي ما كان يملك جسدأ يزن أكثر من ستين كيلو غرام إن لم يكن أقل , وما يلبس غير خرقتين من القماش الأبيض تستر ما يجب ستره من بدن الإنسان , ولكن عقله كان يحمل من الوزن العلمي والخزين الفكري وروح الحكمة ما لا تحمله الجبال الشامخات ولا البحار الراسيات .

ويروى أنه بعدما قاد التحرير السلمي للهند زار بريطانيا بعد استقلال الهند , فاستقبلته بريطانيا استقبال الفاتحين وبعظمة قيل أنها لم تحصل إلا لرئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل لما عاد منتصرأ من الحرب العالمية ...

فانظر أيها المؤمن وأيها العاقل إلى السياسة كيف تفعل فعلها بمن كان عدوا قبل أن تفعل فعلها في من كان صديقاً

المفارقة إن السيد بين نارين لا ثالث لهما أما أن يكون مع الحكومة وأنصارها , أو أن يكون مع ما يسمى بالمقاومة وأنصارها ..

وكل فريق من هؤلاء يملك من التأثير في الساحة ما لا يمكن تجاوزه فهي حالة من التجاذب التي لا ينجوا صاحبها في الحالتين .... فالبحر من ورائكم , والعدو أمامكم

فإن مال هذا السيد السبعيني إلى كفة الحل السلمي وحافظ على حياة الشعب هذا الشعب الذي عاش بين ظهرانيه أكثر من خمسين عاما حتى ما عاد يملك من البلد الأم السابق غير اسم يدل على انتسابه بالولادة إليه ليس إلا .....


على كل حال إن مال للحل السلمي اتهمه الثوريون الراديكاليون بأنه خان الأمانة وانه صار عميلاً للأمريكان والأجانب والكفر والنصارى واليهود , وأنه باع العراق والنجف وأنه وأنه وأنه ........ وإلى آخره من قائمة التهم التي تطلق بالمفرد وبالجملة وعلى جميع الإتجاهات وبسرعة البرق ومجاناً وبلا مقابل أو بمقابل بلا تقوى وبلا نظر إلى الواقع بموضوعية .

وإن مال قليلاً إلى الحل العنيف وسفك الدماء قامت عليه الضجة من الناس الأبرياء التي ترى في الجيش الأمريكي الجيش المنقذ الذي أنقذهم من ظلم العفالقة والتكارتة , وأرجعهم إلى وطنهم بعد أن يأس العراقيون من وطنهم الذي صار ملكاً بأرضه وخيراته وأمواله ونفطه للعربان والعجمان .

هذا الجيش الذي شاف صدورهم بإذلاله لصدام وقومه واتباعه , وفي هذا الحال تعمل هذا الناس على اتهامه بأنه ما كان يتكلم في زمن الطاغوت والآن في زمن الفسحة من الحرية التي سببها الجيش الأمريكي لم يحسن التعامل سياسيا مع هذه المكاسب التي ما كان يحلم بها العراقيون وتحققت بعد عشرات أو قل مئات السنين من الاضطهاد التي اكتوى بنارها الأباء والأجداد

فماذا يعمل هذا الرجل المثقل بالهموم ومتاعب القلب , ومتاعب العراق التي حطمت حتى قلب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام .

ولكن يبدوا أن الله عز وجل اسمه الذي لا ينسى عباده العاملين بإخلاص قد رزق هذا السيد من الحكمة مما يمكن أن ينجوا به من هذا الامتحان الرهيب وينجوا معه أهل العراق .

أهل العراق الذين ركبوا في سفينة في سفينة ما عاد لها من ملاح غير هذا الرجل العائد من جراحة في القلب

نعم إننا نركب في سفينة تموج في عواصف ورعد وبرق ليس لها أول ولا آخر ,, ولن تكون عاصفة مقتدى آخرها على ما يبدوا , وإن كانت أصعبها وأخطرها

وإلى الآن السيد السيستاني لم يستسلم للضغوط الخارجية والضغوط الداخلية وإن كانت هذه الضغوط لا يقف بوجها إلا من رحم الله ومن كان له قلب أشد من زبر الحديد .....

فبين التهديد والترغيب لا يثبت إلا المخلصون

وإني أشهد كإنسان عراقي يحب كل الطوائف والقوميات العراقية , وبتجرد عن أي خلفية سياسية وطائفية : أن السيد علي السيستاني ما زال إلى الآن مخلصاً لدينه ومذهبة وأهله وأحبابه العراقيين

وإني أوجه نداءاً أخويا للعلمانيين والمسيحيين وكل اخوتنا في الإنسانية والوطن اقول فيه أن السيد السيستاني باب من أبواب الرحمة ليس للمسلمين وللشيعة بل للعرق بل للعالم بأسره ... العالم الذي يأن من وحشية من يسمون أنفسهم بأهل الجهاد من الثوريين الذين اذاقوا العالم الرعب والخوف والإشمئزاز من جرائمهم باسم الدين ....

وأظن أن قوله مشهور ومعلوم حيث قال : أنا أقبل أن يحكم أن يحكم العراق رجل مسيحي إن انتخبه الشعب العراق . فكيف تكون الديمقراطية واحترام حرية اختيار الإنسان ؟؟؟؟

إن فكر السيستاني هو الفكر الديني المعتدل الذي تحتاجه البشرية في كل مكان وزمان , خاصة في هذا الزمن الذي سرق فيه الإرهابيون الإسلام

هو الوجه الرحماني للدين الإسلامي الذي صوره أمثال ابن لا دن والزرقاوي والظواهري وغيرهم على أنه دين جريمة وإرهاب ووحشية

وحاشا الإسلام أن يكون كما تريده القاعدة والطالبان ومقتدى وغيره من المتشددين من الشيعة والسنة....

كاتب عراقي - السويد

ali.ramazan@telia.com