المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في ديوان (الخدعة) المدنية



بهلول
07-05-2009, 11:14 AM
بشائر محمد - الوطن السعودية



يا إلهي .. كم هي متعبة هذه الحياة

كان الطريق يهدهد أحلامنا حتى تغفو قليلا متأرجحا بنا ذات اليمين وذات اليسار.
تسلمنا الصحاري إلى التلال في رحلة أشبه ما تكون بالحلم. كنت أمد بصري بعيدا وأبكي أعاتب كل من حولي أعاتب فارس أحلامي الذي لم يأت بعد، أعاتب أمي ِلم ولدتني وأنا لا أمتلك جمالا باهرا كأختي، وأبي ليتك كنت غنيا يا أبي مثل فلان، ما كنت لأجازف بنفسي . توقفت قليلا لأسأل نفسي

هل حقا لو كان لي زوج وكان أبي غنيا لن أغترب بحثا عن وظيفة؟

لست متأكدة تماما ..

فتحت دفتر مذكراتي وقبل أن أكتب شيئا بدأت بالقراءة ......

بعد التخرج من الجامعة استجمعت كل أوراق تخرجي ووثائقي وشجاعتي وبدأت أطرق باب الوظيفة التي طالما رأيت فيها الخلاص من حالة اليأس والإحباط والحاجة والوحدة حيث لم يسعفني ما لدي من جمال قليل في أن أحظى بزوج، حتى لو كان بلا شهادة، وبدأت نظرات الشفقة تلاحقني بعد التخرج حتى من والديّ .. حيث تكون السعادة من نصيب من تحظى بإحدى الحسنيين ( الزوج أو الوظيفة ) وما عداهما فهو البؤس في صورة فتاة.

انقضت أربع سنوات أصابتني فيها الدوالي من كثرة الوقوف على قدمي عند بوابة ديوان الخدمة المدنية أو كما أسموها ( بالخدعة المدنية )علّي أحظى بوظيفة تعليمية في منطقتي حيث لا تسمح تقاليد العائلة التي بدأت أشعر أنها تلتف حول رقبتي كالحبل بالعمل في بنك أو مستشفى خوفا من مظنة الاختلاط ،قدّمت ذات مرة بدون علم أحد و بعد أن تم قبولي في وظيفة متواضعة في أحد البنوك قوبلت برفض الجميع بحجة التقاليد حتى قلت لأبي في ثورة غاضبة لا يتمسك بالتقاليد البالية إلا الفقراء أو الجهال وهذا سبب تردي أوضاعهم فأسرها أبي في نفسه إلا أنه استاء مني كثيرا. أما وظائف الديوان فكانت دائما من نصيب بعض المحظوظات واللائي تتشابه أسماؤهن كثيرا حتى أني عقدت العزم على تغيير اسمي أو جزء منه.

أمر ما أثار فضولي في ديوان الخدمة التعيس في كل المناطق هو وبعض موظفاته اللواتي أكل عليهن الدهر وشرب وأصبحن يعرفن مقاعدهن أكثر من معرفتهن أولادهن، لاشيء يقمن به في وقت الركود إلا أكل الفصفص والشاي والغيبة وفي وقت التوظيف تسمع صراخهن وتذمرهن قبل أن تدخل المبنى يميزهن في كل الفروع أسلوب فج وشراسة منقطعة النظير .

على كل حال لفتت نظري إعلانات عن وظائف شاغرة على لوحات جدارية لا تتجمهر عندها المتقدمات على غير عادتهن، بل يقتربن منها متحمسات ثم ينظرن إليها شزرا ويبتعدن اقتربت منها لأقرأ .. فإذا بهذه الوظائف في مناطق غريبة نائية لم أسمع بها حتى في نشرات الأحوال الجوية، فقد كان أقصى ما نصل إليه طقسا (العبيلة وشوالة وشرورة والنماص والمويه)
إلا أنني ورغم هذا فكرت في الهجرة إلى هناك معللة لنفسي ( مفاز باللذات إلا الجسور) لتبدأ رحلة الألم والغرابة الحقيقية في حياتي.

وفي خضم استماتتي للحصول على وظيفة سمعت من البعض عن أسماء كثيرة تحقق لك حلم الوظيفة أو النقل مقابل مبلغ من المال يبدأ من العشرة آلاف حتى الثلاثين حتى أخبرتني إحدى الصديقات أنها مستعدة لأن تعمل خيرا لوجه الله تعالى وتدلني على أحد هؤلاء رغم السرية التي أحاط نفسه بها، لم نكن نملك المال إلا أنني طلبت من أبي أن يستدين من أحد ما وأعيده من راتبي لاحقا إلا أن أبي رفض بشدة وقال إن كنت مغفلة فلسنا كذلك ...أخبرت صديقتي بموقف أبي فأعطتني رقما وقالت حادثي هذا الرجل واعرفي منه ما إذا كان يستطيع تأخير المبلغ إلى ما بعد الوظيفة أم لا. استحسنت الفكرة وهاتفته .. كان خلوقا وطيبا، أخبرني أنه متبن لقضيتنا ويسعى إلى توظيف أكبر عدد من ( البنيات ) وهذا المبلغ الكبير ليس له بل للمسؤول الكبير الذي يقوم بالتوظيف، سألته عن إمكانية تأجيل المبلغ إلى ما بعد الوظيفة. اعتذر عن هذا في البداية ثم قال حسنا سوف أرى ولكن لابد من مقابلتك حتى تشرحين لي ظروفك جيدا وتوقعين لي ورقة أثبت بها حقي، قلت حسنا أين مكانك سوف نأتي أنا وأبي ... تدارك بقوله : لالا تعالي لوحدك أو مع السائق لأن شركائي إن رأوا والدك معك في المكتب سيلزمونك بدفع كامل المبلغ، احتقرته إلا أنني وعدته أن أنظر في الأمر.

أغلقت السماعة وذهبت إلى أمي أبكي، ارتميت على صدرها وقصصت لها القصة كاملة .. هدأت من روعي وأخبرتني أن هذا الحقير كان يعتقد أنه يحادث فتاة حمقاء لم يعلم أن ( عقلك يوزن عشرة من أمثاله ) أفهمتني أنها غلطتي ونصحتني أن أطلب حاجتي من الخالق وليس من المخلوقين.