الفراتي
01-16-2003, 01:47 AM
الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء
1294 ـ 1373هـ
في النكسات ينتكس الكثيرون عن مواقفهم في القيادة ، وتنحسر جموع الناس من الميدان، وينساق آخرون مع التيار الغالب، ولم يبق غير الاوحدي من المراجع القادة، وغير الثلة من المؤمنين اولي العزم .
وعندما يكون القائد الصامد وحيداً، عليه ان يجاهد على جبهات عدة :
جبهة العدو الغازي ومعه عملاؤه المحليون وبأيديهم زمام القدرة.
وجبهة الغافلين والمغفلين وعلى اعينهم غشاوة وفي آذانهم وقر.
وجبهة اليائسين الاموات وعندهم الحركة تهلكة والقعود حياة .
وجبهة المرجفين وديدنهم الطعن عند الحركة والشماته عند الابتلاء.
وجبهة الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون الذين يميلون مع القدرة اين ما كانت.
ولأن القائد الثائر وحده ، لا يملك غير نفسه والثلة ممن آمن معه، عليه الحضور بنفسه في كل الجبهات، والجهاد بما لديه من عدة ، وسلاح السيف مسلوب منه، وسلاح الكلمة وسائله عند الاعداء والمبادأة بأيديهم، والسياسة ورعاية الامة هي الاخرى حرّفها العدو واحتكرها لنفسه وأذنابه وحرّمها على الدين واهله ، وتسالم على ذلك قوم من الاصدقاء وتسالم آخرون، الا القائد الرائد وكذلك كان كاشف الغطاء، وكذلك كانت ايامه، وكذلك كان كما وصف في شعره:
واني بعدة مجهدة وقومي كضاربة وقد برد الحديد
وحيد بينهم ولعل يوماً عصيباً فيه يفتقد الوحيد
لنا في الشرق اوطان ولكن تضيق بنا كما ضاقت لحود
نقيم بها على ذل وفقر ونظمأ لا يسوغ لنا الورود
اكاذيب السياسة بينات تكيد بها الحكومة ما تكيد
وعود كلها كذب وزور فكم وإلى مَ تخدعنا الوهود
اذا ما الملك شيد على خداع فلا يبقى الخداع ولا المشيد
ومن لم يتخذ ملكاً صحيحاً فلا تغني الجيوش ولا ابنود
وله ايضاً في ذلك:
ولي كل يوم موقف ومقالــة انادي ليوث العرب ويحكم هبوا
فأما حياة تبعث الشرق ناهضاً واما ممات وهو ما يرقب الغرب
وقفت على احياء قومي يراعني وقلبي وهل الا اليراعة والقلب
خاض الجهاد المسلح رائداً تحت راية استاذه اليزدي ضد الانكليز في الحرب الكونية الاولى، وخاضه قائداً ضدهم وضد من والاهم في ثورة العشرين، ولما كانت النكسة لم ينتكس ولم يخل الميدان وظل يجاهد وحيداً على كل الجبهات فأصبح المصلح الاكبر قبل ان يكون المرجع الاعلى ، والمرجع في القيادة قبل المرجع في الفتيا، وشيخ الاسلام قبل ان يشيخ في العمر.
حضر ميادين العمل حيثما لزمه الحضور ، لم يمنعه بعد الشقة او خطر العدو او كبر السن او قيود اعراف دخيلة ، فسافر الى مصر عام 1329 هـ ومكث فيها وفي سوريا ثلاث سنوات ، وكان يقتحم نوادي التبشير التي كانت تعقد ليلاً في كنائس الامريكان ومدارسهم ويرد على خطيبهم المبشر ويدحض اقواله ، وفي 1350هـ سافر الى فلسطين وحضر المؤتمر الاسلامي في قدسها الشريف وارتجل فيه خطاباً مدوياً واصبح سنداً تأريخياً في الجهاد ، وأمَّ الحضور في صلاة جماعة وكانوا يناهزون العشرين الفاً ، ومنهم 150 عضواً في المؤتمر من علماء واعيان العالم الاسلامي، وفي عام 1371 هـ وفي اواخر العقد الثامن من عمره سافر الى كراجي باكستان لحضور مؤتمر اسلامي فيها، وعن سفره هذا يقول في بيان له قبل الحركة :
(( …. ومن المعلوم ان السياسة العالمية اليوم تنذر بخطر هائل على البشرية عموماً وعلى العرب والاسلام خصوصاً ، والامل بالنجاة ضعيف والعمل منا معاشر المسلمين أضعف، ولكن حيث أن اليأس موت عاجل والحركة حياة وان كانت ضعيفة والحديث "" من لم يهم بامور المسلمين فليس من الاسلام في شئ """ مع عزة من به الكفاية وندرة من به المؤهلات الكافية للقيام بهذا العبء واداء ذلك الغرض لذلك لم اجد بداً من المجازفة بحياتي في سبيل الله ونصرة الاسلام واجابة دعوة اخواني المسلمين في اقصى الارض على كبر سني وضعف بدني وتراكم العلل والاسقام وتزاحم الاشغال والاعمال لمهمات المسلمين ولكني أبتذلت هذا الرمق من الحياة التي هي على شفا ولم يبق منها الا صبابة )).
وفيما عدا ذلك كانت له خطب في الايقاظ والتحريك في مناسبات واماكن شتى كانت صيحات وعي لمن جاء بعده، ومواقف من قضايا المجتمع والسياسة ومع الحكام شكلت جذور حركة الوعي الذي تبلورت عقبه، وتأليفات بلغت الخمسين في شتى الموضوعات تجمعها الاصالة والتجديد في بيان ومنهج بحث يواكب حاجة العصر وموضوعات الابتلاء .
ولما افاق القوم ودبت فيهم الحياة واتجهت الانظار اليه واجتمع الجمهور حوله واصبح مرجع الامة وقائدها والمصلح المجدد لمجدها والثائر على فساد يراد بها، وبان ذلك في استقبال الامة وعلمائها له في عودته من سفره الى باكستان ، ففي البصرة حمل المستقبلون سيارته على الاكتاف ، وفي النجف وكربلاء بسيارات المستقبلين.
لما بان ذلك اشتد خوف الاستعمار وعملائه من خطره عليهم ، فراحوا يكيدون ويمكرون للتخلص منه ، فلما مرض وعجز اطباء النجف من علاجه ونقل الى بغداد ، احس خواصه يداً أثيمة أجيرة للسلطة تريد به سوءً ، وشعر هو كذلك ان الاطباء في بغداد لا يباشرونه كما يجب ولا يعطوه الدواء اللازم ، فقرر ترك المستشفى والسفر الى ايران وفي قرية ( كرند ) الواقعة بين خانقين وكرمنشاه وافاه الاجل بعد إدائه فريضة الصبح يوم الاثنين 18 ذي القعدة 1373هـ ، وقد اشار الى الشك في موته غدراً الشاعر طالب الحيدري المعاصر له في قصيدته التي ابنّه فيها في قوله:
مات الجرئ الفـــذ يدفعه اخلاصه ليقول مندفعــا
ما مات حتف الانف أحسبهم قد جرعوه من الردى جرعا
قتلوه ثأراً منه او حـــذراً والله اعلم بالـــذي وقعا
1294 ـ 1373هـ
في النكسات ينتكس الكثيرون عن مواقفهم في القيادة ، وتنحسر جموع الناس من الميدان، وينساق آخرون مع التيار الغالب، ولم يبق غير الاوحدي من المراجع القادة، وغير الثلة من المؤمنين اولي العزم .
وعندما يكون القائد الصامد وحيداً، عليه ان يجاهد على جبهات عدة :
جبهة العدو الغازي ومعه عملاؤه المحليون وبأيديهم زمام القدرة.
وجبهة الغافلين والمغفلين وعلى اعينهم غشاوة وفي آذانهم وقر.
وجبهة اليائسين الاموات وعندهم الحركة تهلكة والقعود حياة .
وجبهة المرجفين وديدنهم الطعن عند الحركة والشماته عند الابتلاء.
وجبهة الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون الذين يميلون مع القدرة اين ما كانت.
ولأن القائد الثائر وحده ، لا يملك غير نفسه والثلة ممن آمن معه، عليه الحضور بنفسه في كل الجبهات، والجهاد بما لديه من عدة ، وسلاح السيف مسلوب منه، وسلاح الكلمة وسائله عند الاعداء والمبادأة بأيديهم، والسياسة ورعاية الامة هي الاخرى حرّفها العدو واحتكرها لنفسه وأذنابه وحرّمها على الدين واهله ، وتسالم على ذلك قوم من الاصدقاء وتسالم آخرون، الا القائد الرائد وكذلك كان كاشف الغطاء، وكذلك كانت ايامه، وكذلك كان كما وصف في شعره:
واني بعدة مجهدة وقومي كضاربة وقد برد الحديد
وحيد بينهم ولعل يوماً عصيباً فيه يفتقد الوحيد
لنا في الشرق اوطان ولكن تضيق بنا كما ضاقت لحود
نقيم بها على ذل وفقر ونظمأ لا يسوغ لنا الورود
اكاذيب السياسة بينات تكيد بها الحكومة ما تكيد
وعود كلها كذب وزور فكم وإلى مَ تخدعنا الوهود
اذا ما الملك شيد على خداع فلا يبقى الخداع ولا المشيد
ومن لم يتخذ ملكاً صحيحاً فلا تغني الجيوش ولا ابنود
وله ايضاً في ذلك:
ولي كل يوم موقف ومقالــة انادي ليوث العرب ويحكم هبوا
فأما حياة تبعث الشرق ناهضاً واما ممات وهو ما يرقب الغرب
وقفت على احياء قومي يراعني وقلبي وهل الا اليراعة والقلب
خاض الجهاد المسلح رائداً تحت راية استاذه اليزدي ضد الانكليز في الحرب الكونية الاولى، وخاضه قائداً ضدهم وضد من والاهم في ثورة العشرين، ولما كانت النكسة لم ينتكس ولم يخل الميدان وظل يجاهد وحيداً على كل الجبهات فأصبح المصلح الاكبر قبل ان يكون المرجع الاعلى ، والمرجع في القيادة قبل المرجع في الفتيا، وشيخ الاسلام قبل ان يشيخ في العمر.
حضر ميادين العمل حيثما لزمه الحضور ، لم يمنعه بعد الشقة او خطر العدو او كبر السن او قيود اعراف دخيلة ، فسافر الى مصر عام 1329 هـ ومكث فيها وفي سوريا ثلاث سنوات ، وكان يقتحم نوادي التبشير التي كانت تعقد ليلاً في كنائس الامريكان ومدارسهم ويرد على خطيبهم المبشر ويدحض اقواله ، وفي 1350هـ سافر الى فلسطين وحضر المؤتمر الاسلامي في قدسها الشريف وارتجل فيه خطاباً مدوياً واصبح سنداً تأريخياً في الجهاد ، وأمَّ الحضور في صلاة جماعة وكانوا يناهزون العشرين الفاً ، ومنهم 150 عضواً في المؤتمر من علماء واعيان العالم الاسلامي، وفي عام 1371 هـ وفي اواخر العقد الثامن من عمره سافر الى كراجي باكستان لحضور مؤتمر اسلامي فيها، وعن سفره هذا يقول في بيان له قبل الحركة :
(( …. ومن المعلوم ان السياسة العالمية اليوم تنذر بخطر هائل على البشرية عموماً وعلى العرب والاسلام خصوصاً ، والامل بالنجاة ضعيف والعمل منا معاشر المسلمين أضعف، ولكن حيث أن اليأس موت عاجل والحركة حياة وان كانت ضعيفة والحديث "" من لم يهم بامور المسلمين فليس من الاسلام في شئ """ مع عزة من به الكفاية وندرة من به المؤهلات الكافية للقيام بهذا العبء واداء ذلك الغرض لذلك لم اجد بداً من المجازفة بحياتي في سبيل الله ونصرة الاسلام واجابة دعوة اخواني المسلمين في اقصى الارض على كبر سني وضعف بدني وتراكم العلل والاسقام وتزاحم الاشغال والاعمال لمهمات المسلمين ولكني أبتذلت هذا الرمق من الحياة التي هي على شفا ولم يبق منها الا صبابة )).
وفيما عدا ذلك كانت له خطب في الايقاظ والتحريك في مناسبات واماكن شتى كانت صيحات وعي لمن جاء بعده، ومواقف من قضايا المجتمع والسياسة ومع الحكام شكلت جذور حركة الوعي الذي تبلورت عقبه، وتأليفات بلغت الخمسين في شتى الموضوعات تجمعها الاصالة والتجديد في بيان ومنهج بحث يواكب حاجة العصر وموضوعات الابتلاء .
ولما افاق القوم ودبت فيهم الحياة واتجهت الانظار اليه واجتمع الجمهور حوله واصبح مرجع الامة وقائدها والمصلح المجدد لمجدها والثائر على فساد يراد بها، وبان ذلك في استقبال الامة وعلمائها له في عودته من سفره الى باكستان ، ففي البصرة حمل المستقبلون سيارته على الاكتاف ، وفي النجف وكربلاء بسيارات المستقبلين.
لما بان ذلك اشتد خوف الاستعمار وعملائه من خطره عليهم ، فراحوا يكيدون ويمكرون للتخلص منه ، فلما مرض وعجز اطباء النجف من علاجه ونقل الى بغداد ، احس خواصه يداً أثيمة أجيرة للسلطة تريد به سوءً ، وشعر هو كذلك ان الاطباء في بغداد لا يباشرونه كما يجب ولا يعطوه الدواء اللازم ، فقرر ترك المستشفى والسفر الى ايران وفي قرية ( كرند ) الواقعة بين خانقين وكرمنشاه وافاه الاجل بعد إدائه فريضة الصبح يوم الاثنين 18 ذي القعدة 1373هـ ، وقد اشار الى الشك في موته غدراً الشاعر طالب الحيدري المعاصر له في قصيدته التي ابنّه فيها في قوله:
مات الجرئ الفـــذ يدفعه اخلاصه ليقول مندفعــا
ما مات حتف الانف أحسبهم قد جرعوه من الردى جرعا
قتلوه ثأراً منه او حـــذراً والله اعلم بالـــذي وقعا