المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيكولوجية الشعب العراقي ......خالص جلبي



مجاهدون
08-27-2004, 09:22 AM
خالص جلبي

جاء في كتاب «سيكولوجية الشعوب» لآندريه سيجفريد أن السير أوستن تشمبرلن ألقى في 24 مارس من عام 1925 خطابا في مجلس العموم البريطاني قال فيه: «إنني لا أثق أبداً بالمنطق حين يطبق على السياسة. وتاريخ إنجلترا جميعه يبرر قولي هذا، فلماذا تم تطورنا في سلام بلا عنف على نقيض شعوب كثيرة غيرنا؟ ولماذا لم نعان في بلادنا من الثورات أو ردود الفعل المفاجئة، مثل ما عانته بلاد أكثر تمتعا بروح المنطق، رغم عظم التغييرات التي تمت في بلادنا؟ سبب ذلك هو أن الغريزة والتجربة علمتنا أن الطبيعة الإنسانية ليست منطقية، وأنه ليس من الحكمة أن نعالج المنظمات السياسية كما نعالج القضايا المنطقية، وأنه بالعكس عندما نمسك عن دفع الآراء إلى نتائجها المتطرفة، فإننا نجد طريق التطور السلمي والإصلاحات الحقة».

وعالم الاجتماع العراقي (علي الوردي) يقول: إن العقل الإنساني لا يعمل وفق قوانين المنطق والحكمة والمثاليات، بل هو عضو للبقاء مثل ناب الأفعى وساق النعامة ودرع السلحفاة.
واندريه سيجفريد يرى سيكولوجية مختلفة لكل شعب، مثل النظام عند الألمان. والبراعة عند الفرنسيين، والديناميكية عند الشعب الأمريكي، مقابل التصوف والصبر عند الروس، ليصل إلى الإنجليز بأنهم ليسوا من أنصار المنطق. وأنهم «يشعرون بسرور غريب في الادعاء بأنهم أغبياء؟». وهذا يذكر بقاعدة روبرت غرين في كتابه «شطرنج القوة» عند القاعدة 21 (العب دور المغفل لتمسك بمغفل؟)».

وترجع طبيعة «السيكولوجية البريطانية» هذه إلى أنهم أهل جزيرة مطوقة بالبحار من كل جانب، فكان على الربان التكيف مع تقلب الجو. فهو يتطور في جو عدم الاستقرار بقبوله هذه القلقلة على أنها حقيقة لا يمكن تبديلها ومن العبث الاحتجاج عليها.

ويرى عالم الاجتماع العراقي (علي الوردي) أن أكبر تناقض يحكم العراق هو «صراع البداوة والحضارة» الذي يقود بالتالي إلى «ازدواج الشخصية». والأخيرة تختلف عن النفاق; فالمنافق يعرف نفسه أن له باطن وظاهر، أما المصاب بازدواج في الشخصية فلا يعرف ذلك عن نفسه. بل يتصرف وهو في حالة انشقاق بعقلين.

ويقول الوردي في كتابه «وعاظ السلاطين» إن العراق:«كان طريق الفاتحين ولا يزال كما كان قديماً» وبين الاجتياح المغولي والأمريكي (فبراير 1258 وأبريل 2003) 745 سنة؟.
ونحن نعرف في التاريخ أن الحجاج أطلق على أهل العراق أنهم «أهل الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق». وشهادة مثل شهادة الحجاج لا يعول عليها، ولكنها مقولة انتشرت ويتبادلها الناس.

وقد حاول الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين ج2 ص 94» أن يحلل هذه المقولة فاعتبر أن:«العلة في عصيان أهل العراق وطاعة أهل الشام، أن أهل العراق ذوو نظر ثاقب، ومع الفطنة والنظر يكون التنقيب والبحث، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح، والترجيح بين الرجال والتمييز بين الرؤساء، وإظهار عيوب الأمراء، وأهل الشام ذوو بلادة وتقليد، وما زال العراق موصوفاً أهله بقلة الطاعة وبالشقاق على أولي الرئاسة؟».

ولكن هذا التعليل من الجاحظ يزيد المشكلة تعقيدا. ونحن نعرف اليوم أنه ليست هناك جبلة شامية بليدة وجبلة عراقية ذكية؟ بل الموضوع يرجع إلى الثقافة المهيمنة.
ويرى عالم الاجتماع العراقي الوردي في تفكيكه للمسألة: «أن طبيعة البشر واحدة والاختلاف يرجع في الغالب إلى اختلاف في تكوين المجتمع، والذي جعل أهل العراق أهل فطنة ونظر وأهل شقاق ونفاق هو واحد لا يتجزأ».

والوردي يتتبع ظروف تشكيل المجتمع الشامي والعراقي، فيرى أن قبائل البداوة هي التي انتشرت في الشام مع الأمويين بعد الفتح، ودأبهم الخضوع لرؤوس قبائلهم، وأن من جاء إلى العراق كانوا ممن أسلم وقاتل قبل الفتح. وهؤلاء مشحونون بالعاطفة الدينية.

والبدو ذو طبيعة حربية، فطالما خاضوا الحروب كانوا مسلمين، فإذا هدأت الفتوحات التفتوا إلى النزاعات الداخلية. وهذه النظرة هي التي ألهمت عبد الله بن عامر أن ينصح عثمان بن عفان قبل انفجار الفتنة أن يشغل العسكر في الفتوحات فقال:«رأيي أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك حتى يذلوا لك فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه» وهذا معناه أن الفتوحات لو هدأت في زمن عمر لانفجرت الفتنة في زمن عمر؟ ومع هذا فكل حدث يقوم على تعددية العناصر(Multifactorial) .

وهذه النصيحة أخذ بها المجرم الحجاج فهدد أهل العراق أن من يتأخر عن الحملة العسكرية مع ابن المهلب قتله واستلب ماله. والذي حدث أنه بقدر هدوء الأوضاع في العراق، بقدر حجم الصاعقة التي استقبلها أهل السند من الفاتحين الجدد.

ومشكلة الفاتح العسكري غير المثقف، أو ما كانوا يسمون «القراء». فهؤلاء امتلأت قلوبهم بتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم من التقوى والتواضع والرحمة، وأما الفتوحات العسكرية، فقامت على الغلبة والقهر والاستعلاء. وهو مرض لا ينجو منه فاتح. أو بكلمة ثانية: الصراع بين روح الحضارة التي بشر بها محمد صلى الله عليه وسلم، وبين روح البداوة التي حملتها القبائل البدوية في الفتح العسكري. وهو أمر لا يبقى بدون آثار. ومنه انشقت النفس الإسلامية.
والروح البدوية تميل للحرب والقتل كما جاء في شعر القطامي:

وأحيانا على بكر أخينا
إذا ما لم نجد إلا أخانا

وسرها الاجتماعي أن القتل يحد من النمو في بيئة لا تسمح بالتكاثر، وهي غير البيئة الزراعية حيث الطعام الوفير.
فهذا الصراع بين البداوة والحضارة هو الذي ابتلى به المجتمع العراقي خلال قرون، فأصبح مثل الخطأ الكرموسومي، فجعل المواطن في عقله الباطن بدوي، وفي ظاهره حضري كما يقول الوردي. وهو عام عند العرب وأشد عند العراقيين. وهذا يجعل الإنسان إنسانيين. ليصل إلى تقرير أن من يقرأ مكيافيلي عن جدلية المهاب والمحبوب، يحسب أنه يقرأ وصفا لأهل العراق. «فنحن في أعماقنا بدو نحتقر الضعيف ونحترم القوي» و«لم يبق في البلد على مرور الأجيال إلا من كان مزدوجا أو منافقا يحترم من لا يحب ويحب من لا يحترم». بكلمة ثانية هي مأساة الحسين اليومية «قلوبنا معك وسيوفنا عليك».

وما يحدث في العراق هذه الأيام من أحداث يجب أن توضع للتحليل التاريخي السيكولوجي. وصدام المصدوم مرض في قلوب كثير من العراقيين، ولو خلي سبيله الآن، فلا يستبعد أن تهتف له الجماهير بالروح بالدم نفديك يا صدام؟

والمسلمون في التاريخ وصلوا إلى هذا الحل في الزمن العباسي، فظهرت الشخصية المزدوجة التي ارتاحت من عناء الصراع هذا. وإن كان الوردي يقول عن أهل الشام أنهم لم يدخلوا الصراع أصلا وضربوا بسيف معاوية، وحينما ارتج عسكره بأن الصحابي «عمار» قتل، وهناك حديث يفيد بأن «عمار تقتله الفئة الباغية»، قطع معاوية الجدل بجملة واحدة:«أن من قتله لسنا نحن، بل من أخرجه إلى الحرب؟».
وعندما وصل الضمير المسلم إلى هذا الحل في ازدواج الشخصية خرجت أشكال كاريكاتورية في التاريخ.

يحكى أن هارون الرشيد ذهب يوماً يطلب الموعظة من رجل اسمه الفضيل بن عياض فقال عظني: فانهال عليه بالموعظة، فشهق الرشيد وأغمي عليه، فرشوه بالماء حتى استفاق، فلما فتح عينيه قال: عظني؟ فزاده الفضيل موعظة، فأغمي على الرشيد ثانية، فلما أفاق قال: زدني موعظة. فلم يقصر الفضيل وزاد في الموعظة درجة، فأغمي على الرشيد للمرة الثالثة، فارتعبت الحاشية؟ ولكن الرشيد مسح دموعه وقال: عظني وهذه المرة «الرابعة» لم يغم على هارون الرشيد، بل استمع وبكى، ثم أمر بصرف ألف دينار له وقال: خذها لعيالك وتقو بها على عبادة ربك؟

وبالمقابل فقد أعجب هارون الرشيد بجارية حسناء فاشتراها بمائة ألف دينار، وبعدها فتن بجارية أخرى فاشتراها بستة وثلاثين ألف دينار، ولكن لم تبق في فراشه اكثر من ليلة، ولا نعرف السبب، فأهداها إلى أحد أصحابه؟ وفي ليلة طرب بلغ به المزاج الأوج، فأمر برش ستة ملايين درهم على رأس الحضور؟ وفي يوم أعجب بمغن فقال: قد عينتك واليا على مصر؟ وكان هذا من حظ المصريين بدل أن يحكمهم قراقوش؟



kjalabi@hotmail.com

مجاهدون
09-02-2004, 03:45 PM
هنيئا للمدافعين عن الحجاج بن يوسف حجّاجهم


* من محمد علي الكاظمي ـ لندن ـ بريطانيا: ma_kad@yahoo.com

بعد اطلاعي على مقال خالص جلبي «سيكولوجية الشعب العراقي»، المنشور بتاريخ 27 أغسطس (آب) الماضي، أقول إن البعض من العرب لم يزل أسير نظرة ضيقه بسبب الكم الهائل من المعلومات الخاطئة التي تناولوها، والتي كان مصدرها كتاب الدجل والنفاق السلطاني، والذين أعمتهم روح الطائفية والعنصرية عن قول الحقيقة.

لا ينكر أحد أن العصر العباسي كان عصر تحول ثقافي كبير في التاريخ الإسلامي، ومهدا للاطلاع على كل الثقافات العالمية في ذلك الوقت. وان تلك الثقافة واصلت نموها وتطورها لمدة ثلاثة قرون، الى أن بدأت بالأفول شيئا فشيئا، وحتى القضاء عليها من قبل المغول، وانصراف خلفاء ذلك الحين، الى إمتاع نزواتهم. لكن هذا لا يمنعنا من أن نكتب عن تلك الحقبة التاريخية بإنصاف، وعن النقاط المظلمة فيها من تعذيب وقتل لبعض الفقهاء، وصلب، وقطع لرؤوس المئات بدم بارد، كما حدث لأهل اليمن (في عصر الرشيد بالذات)، وفي كل أرجاء الدولة العباسية بلا استثناء.

أما دفاع بعض قراء «الشرق الأوسط» عبر الصحيفة الإلكترونية، عن الحجاج بن يوسف الثقفي، فأني أحيله إلى الحديث الشريف الذي يقول: « من أحب قوما حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم »، فهنيئا لهم هذا المقام.