زوربا
06-25-2009, 12:45 AM
http://www.aldaronline.com/AlDar/UploadAlDar/Article%20Pictures/2009/6/24/M1/201452810-P10-20_med_thumb.jpg
د.عصام احميدان - الدار
كان تعرفي على الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية من خلال كتابات الأستاذ سيد قطب منذ أن كنت تلميذا في الثانوية، ولا أنكر أن هذه الكتابات كانت في نظري تملك أجوبة عن كثير من أسئلة تلك المرحلة، وحجم أحلامي الشبابية.. لكن ما إن وقعت في يدي كتب المفكر الإسلامي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله حتى أحسست أني أمام أفق فسيح من المعرفة الدينية لا تنظر إلى المجتمع بوصفه جاهليا، بل تنظر إليه بوصفه المجتمع الإنساني الذي ينبغي الانفتاح عليه بروحية المحبة وعلى قاعدة إنسانية الإنسان قبل أي شيء آخر..وبدلا من فكرة «الهجرة الشعورية» لدى سيد قطب، وجدت السيد داعيا للانفتاح والاندماج من موقع الفعل والتأثير والتواصل لا الانكماش والانعزال..
كانت رحلتي الفكرية في آفاق فكر العلامة مميزة،لم أحس يوما أنني القارئ السني وأن الكاتب هو مفكر شيعي، لأنه كان يتحدث عن الإسلام بلا زيادة ولا نقصان، ويخاطب في الإنسان إنسانيته المطلقة والمجردة..ومع أنني اطلعت على الاختلافات المذهبية غير أنني وجدت في السيد فكرا يتسامى على كل الحدود الطائفية، وداعيا إلى نقد كل الموروث سواء كان شيعيا أم سنيا، ومتطلعا لبناء مشروع حضاري إسلامي..
كبر السيد في وعيي وكبرت معه أحلامي بأن ألتقيه شخصيا، ولم أكن أدري أن الحلم سيتحقق يوما ما..لكنه تحقق..فالتقيته في رحلتي للمشرق، ووجدته الإنسان المتواضع الجالس على الأرض، لكن عقله وفكره كان بحجم الأرض أيضا، لا بحجم طائفته ولا بحجم بلده..
كان لقائي الأول به فرصة للتعرف على فكره عن قرب، فسألته عن نظرته للمغرب، غير أنه وبتواضع العلماء أقر أنه ليس لديه اطلاع كبير سوى ما تتناقله وسائل الإعلام، فأحسست أن لديه صورة غير واقعية عن المغرب، وحديثا ينتمي لمرحلة غابرة أي «المرحلة البصرية»، فقلت له : إن المغرب منذ 1992 عرف تطورا كبيرا في مجال حقوق الإنسان والانفتاح السياسي توج بالعهد الجديد مع الملك الشاب محمد السادس..فاعترف لي أن معلوماته عن المغرب قديمة وأنه سيقوم بمتابعة الفضائيات والإعلام من جديد..فازداد إعجابي به، إذ أقر بعدم علمه، في الوقت الذي نعرف كثيرا ممن يسمون أنفسهم علماء يتحدثون عن كل شيء ولا يعرفون أي شيء..
وأنا في المشرق أبحر في فضاء كتب التراث الإسلامي، وجدت نفسي لا أستسيغ العديد من النصوص الدينية وكثيرا من الاجتهادات الفقهية والآراء الكلامية، غير أنني وجدت السيد قد أشار بأصابعه لكل ذلك ناقدا وباحثا ومجتهدا، ووجدته في مواجهة حملة ظالمة أرادت إسقاطه، لا لذنب إلا لأنه قال : نعم للاجتهاد ولا للجمود على الموروثات..كبر السيد مرة أخرى في وعيي وأيقنت أنه أكثر تحررا مما كنت أظن..ولما سألته عن موقفه من الحوار السني الشيعي أجابني في همس «نحن بحاجة إلى حوار شيعي شيعي وحوار سني سني قبل أن نتحاور كسنة وشيعة، ففي الشيعة اتجاهات تقليدية محافظة وفي السنة اتجاهات مشابهة، وعندما يأخذ العقلاء من الشيعة زمام الأمر، ويأخذ العقلاء من السنة أيضا زمام أمرهم، آنذاك فقط يمكن أن نتحاور ونتوحد».
وفي إبحاري في عالم التراث الإسلامي وسجالاته، وصلتني أخبار سيئة من المغرب سنة 2003 تتحدث عن وقوع حادث إرهابي في الدار البيضاء، لم يكن القاتل فيه شيعيا ولم يكن المقتول فيه شيعيا، ولكن كان الضحية مواطنا وأشترك معه في الانتماء للوطن، فطلبت من السيد أن ينشر موقفه من الحادث، فأدان الجريمة وبين موقف الإسلام المتسامح النابذ للعنف..
وفي سنة 2005 اختطف إرهابيون في العراق مواطنين مغربيين يعملان في السفارة المغربية، فأصدر السيد بيانا يدين فيه الاختطاف ويجرم العنف ويتضامن مع الأخوين المغربيين، ويدعو العلماء إلى تحمل مسؤوليتهم في بيان صورة الإسلام الخالية من كل عنف وإرهاب.
وقبل أن أعود إلى بلادي، وبعد أن سقط نظام صدام حسين، وبدأ الحديث عن «المشروع الشيعي»، سألته : كيف تنظر للمشروع الشيعي؟ فأجابني: إنه لا يوجد للشيعة مشروع خاص، إنهم مواطنون في بلدانهم ويخضعون لثوابت أوطانهم، ولا يطمحون إلا أن يتعامل معهم على أساس ما تتيحه حقوق المواطنة..وعندما سألته عن موقفه من «ولاية الفقيه» أجابني ألا دليل على ثبوت هذه الولاية للفقيه، وألا سلطان لولي خارج حدوده القطرية..
ودعت سماحة السيد، ورجوت من الله أن يوفقني لزيارته مرة أخرى في المستقبل، وأنا أحمل في عقلي وقلبي روح الانفتاح على الآخر على قاعدة المحبة وإنسانية الإنسان، دون أن أنسى آخر كلمة له لي : لا أحب كلمة شيعة وسنة، بل هو الإسلام الواحد بمدارسه المختلفة، ومنها مدرسة آل بيت النبي محمد «ص»، بصورتها المشرقة، الموحدة لعموم المسلمين والمجددة للإسلام، لا الطائفية والعنفية، ولا الراكنة لإنتاجات السلف والخلف.
رجعت للمغرب، وسمعت أن سماحة السيد أصدر فتوى تحرم «سب الصحابة» بعد أن حرم سابقا «التطبير» أي ضرب الرؤوس والأجساد في عاشوراء.. وبعدها سمعت أنه أصدر بيانا يدعو من خلاله إلى حوار سلفي - شيعي، لتجنيب الأمة مخاطر التوتر الطائفي، حفظا لوحدة الإسلام والمسلمين..لم أستغرب كل مواقفه، ولن أستغرب أي موقف يسير في هذا المنحى، فهو السيد كما عرفته، وهكذا تكلم السيد.
issamhassani66@hotmail.com
د.عصام احميدان - الدار
كان تعرفي على الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية من خلال كتابات الأستاذ سيد قطب منذ أن كنت تلميذا في الثانوية، ولا أنكر أن هذه الكتابات كانت في نظري تملك أجوبة عن كثير من أسئلة تلك المرحلة، وحجم أحلامي الشبابية.. لكن ما إن وقعت في يدي كتب المفكر الإسلامي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله حتى أحسست أني أمام أفق فسيح من المعرفة الدينية لا تنظر إلى المجتمع بوصفه جاهليا، بل تنظر إليه بوصفه المجتمع الإنساني الذي ينبغي الانفتاح عليه بروحية المحبة وعلى قاعدة إنسانية الإنسان قبل أي شيء آخر..وبدلا من فكرة «الهجرة الشعورية» لدى سيد قطب، وجدت السيد داعيا للانفتاح والاندماج من موقع الفعل والتأثير والتواصل لا الانكماش والانعزال..
كانت رحلتي الفكرية في آفاق فكر العلامة مميزة،لم أحس يوما أنني القارئ السني وأن الكاتب هو مفكر شيعي، لأنه كان يتحدث عن الإسلام بلا زيادة ولا نقصان، ويخاطب في الإنسان إنسانيته المطلقة والمجردة..ومع أنني اطلعت على الاختلافات المذهبية غير أنني وجدت في السيد فكرا يتسامى على كل الحدود الطائفية، وداعيا إلى نقد كل الموروث سواء كان شيعيا أم سنيا، ومتطلعا لبناء مشروع حضاري إسلامي..
كبر السيد في وعيي وكبرت معه أحلامي بأن ألتقيه شخصيا، ولم أكن أدري أن الحلم سيتحقق يوما ما..لكنه تحقق..فالتقيته في رحلتي للمشرق، ووجدته الإنسان المتواضع الجالس على الأرض، لكن عقله وفكره كان بحجم الأرض أيضا، لا بحجم طائفته ولا بحجم بلده..
كان لقائي الأول به فرصة للتعرف على فكره عن قرب، فسألته عن نظرته للمغرب، غير أنه وبتواضع العلماء أقر أنه ليس لديه اطلاع كبير سوى ما تتناقله وسائل الإعلام، فأحسست أن لديه صورة غير واقعية عن المغرب، وحديثا ينتمي لمرحلة غابرة أي «المرحلة البصرية»، فقلت له : إن المغرب منذ 1992 عرف تطورا كبيرا في مجال حقوق الإنسان والانفتاح السياسي توج بالعهد الجديد مع الملك الشاب محمد السادس..فاعترف لي أن معلوماته عن المغرب قديمة وأنه سيقوم بمتابعة الفضائيات والإعلام من جديد..فازداد إعجابي به، إذ أقر بعدم علمه، في الوقت الذي نعرف كثيرا ممن يسمون أنفسهم علماء يتحدثون عن كل شيء ولا يعرفون أي شيء..
وأنا في المشرق أبحر في فضاء كتب التراث الإسلامي، وجدت نفسي لا أستسيغ العديد من النصوص الدينية وكثيرا من الاجتهادات الفقهية والآراء الكلامية، غير أنني وجدت السيد قد أشار بأصابعه لكل ذلك ناقدا وباحثا ومجتهدا، ووجدته في مواجهة حملة ظالمة أرادت إسقاطه، لا لذنب إلا لأنه قال : نعم للاجتهاد ولا للجمود على الموروثات..كبر السيد مرة أخرى في وعيي وأيقنت أنه أكثر تحررا مما كنت أظن..ولما سألته عن موقفه من الحوار السني الشيعي أجابني في همس «نحن بحاجة إلى حوار شيعي شيعي وحوار سني سني قبل أن نتحاور كسنة وشيعة، ففي الشيعة اتجاهات تقليدية محافظة وفي السنة اتجاهات مشابهة، وعندما يأخذ العقلاء من الشيعة زمام الأمر، ويأخذ العقلاء من السنة أيضا زمام أمرهم، آنذاك فقط يمكن أن نتحاور ونتوحد».
وفي إبحاري في عالم التراث الإسلامي وسجالاته، وصلتني أخبار سيئة من المغرب سنة 2003 تتحدث عن وقوع حادث إرهابي في الدار البيضاء، لم يكن القاتل فيه شيعيا ولم يكن المقتول فيه شيعيا، ولكن كان الضحية مواطنا وأشترك معه في الانتماء للوطن، فطلبت من السيد أن ينشر موقفه من الحادث، فأدان الجريمة وبين موقف الإسلام المتسامح النابذ للعنف..
وفي سنة 2005 اختطف إرهابيون في العراق مواطنين مغربيين يعملان في السفارة المغربية، فأصدر السيد بيانا يدين فيه الاختطاف ويجرم العنف ويتضامن مع الأخوين المغربيين، ويدعو العلماء إلى تحمل مسؤوليتهم في بيان صورة الإسلام الخالية من كل عنف وإرهاب.
وقبل أن أعود إلى بلادي، وبعد أن سقط نظام صدام حسين، وبدأ الحديث عن «المشروع الشيعي»، سألته : كيف تنظر للمشروع الشيعي؟ فأجابني: إنه لا يوجد للشيعة مشروع خاص، إنهم مواطنون في بلدانهم ويخضعون لثوابت أوطانهم، ولا يطمحون إلا أن يتعامل معهم على أساس ما تتيحه حقوق المواطنة..وعندما سألته عن موقفه من «ولاية الفقيه» أجابني ألا دليل على ثبوت هذه الولاية للفقيه، وألا سلطان لولي خارج حدوده القطرية..
ودعت سماحة السيد، ورجوت من الله أن يوفقني لزيارته مرة أخرى في المستقبل، وأنا أحمل في عقلي وقلبي روح الانفتاح على الآخر على قاعدة المحبة وإنسانية الإنسان، دون أن أنسى آخر كلمة له لي : لا أحب كلمة شيعة وسنة، بل هو الإسلام الواحد بمدارسه المختلفة، ومنها مدرسة آل بيت النبي محمد «ص»، بصورتها المشرقة، الموحدة لعموم المسلمين والمجددة للإسلام، لا الطائفية والعنفية، ولا الراكنة لإنتاجات السلف والخلف.
رجعت للمغرب، وسمعت أن سماحة السيد أصدر فتوى تحرم «سب الصحابة» بعد أن حرم سابقا «التطبير» أي ضرب الرؤوس والأجساد في عاشوراء.. وبعدها سمعت أنه أصدر بيانا يدعو من خلاله إلى حوار سلفي - شيعي، لتجنيب الأمة مخاطر التوتر الطائفي، حفظا لوحدة الإسلام والمسلمين..لم أستغرب كل مواقفه، ولن أستغرب أي موقف يسير في هذا المنحى، فهو السيد كما عرفته، وهكذا تكلم السيد.
issamhassani66@hotmail.com