جمال
08-26-2004, 10:10 AM
من الصعب جداً حل المسألة عسكرياً نظراً لخصوصية المدينة في القداسة لدى السنّة والشيعة
بيروت ـ من مصطفى ياسين:
رأى المرجع الشيعي العلامة السيد محمد حسين فضل الله ان «ما يجري في النجف وما قبلها في مدينة الصدر في بغداد ينطلق من استفزازات اميركية للقوى التي لم تكن تفكر بالمقاومة العسكرية»، مشيراً الى «ان القوات المواجهة والمناهضة للاحتلال استطاعت نقل المعركة الى اكثر من مدينة في العراق، وان توحّد المواقع الاسلامية من سنة وشيعة أشعر العالم ان هناك مقاومة عسكرية للاحتلال».
وشدد على ان «من الصعب جداً حل مسألة النجف عسكرياً، نظراً لخصوصيتها في القداسة لدى السنّة والشيعة»، معتبراً «ان مجرد ادخال القوات الاميركية الى النجف يمثل هتكاً لحرمة المقدسات بقطع النظر عما تفعله هذه القوات وانه لا يجوز لأي حكومة ان تسلط جيشاً غير مسلم ليقتل المسلمين حتى ولو كانوا مخطئين وتالياً فإن المسألة تتجاوز جيش المهدي».
واذ رأى انه كان في الإمكان ان تحل مسألة النجف بالطرق السلمية والديبلوماسية، شدد على «ان الحكومة العراقية الموقتة دخلت في اطار الخيانة والجريمة الكبرى في هتك حرمة النجف، وانها تتبع سياسة اميركية مئة في المئة».
واستبعد ان يكون المرجع الشيعي في العراق السيد علي السيستاني اعطى الضوء الاخضر للاميركيين بالدخول الى النجف، وقال: «لا اتصور ان سماحة السيد السيستاني يمكن ان يفكر بهذه الطريقة (,,,) ولا يمكن لأي مرجعية مهما كانت قوتها ان تعطي الضوء الاخضر للقوات الاميركية لتدخل النجف وتقتل المسلمين».
وكشف فضل الله بعض ما قاله لرئيس الحكومة العراقية اياد علاوي خلال استقباله له في دمشق، حيث دعاه «لأن يكون عراقياً ولا يكون اميركياً»، ولفته الى «ان خطابه فيه ملامح من خطاب صدام حسين»، وحذّره من التعرض لمقتدى الصدر، واكد له «ان الحل لمشكلة العراق هي الامم المتحدة»، مشدداً على «ان الشيعة في العراق ليس لهم مشروع دولة شيعية ولا يفكرون بالتقسيم».
واذ اكد اهمية اللقاءات الشيعية التي حصلت في الايام الاخيرة في لبنان و«انها كغيرها من اللقاءات دليل عافية»، اعتبر ان «الكلام عن ان لقاءاته الاخيرة تأتي على حساب حزب الله لا قيمة له»، مجدداً رفضه بصفته المرجعية ان يحبس نفسه في زنزانة لبنانية شيعية او غير شيعية.
وفي موضوع الاستحقاق الرئاسي، دعا الى التفتيش عنه خارج لبنان «لان اللبنانيين لا يملكون من امرهم شيئاً»، معتبراً «ان مشكلة لبنان هي النظام الطائفي، فهو السرطان الذي يوزع كل مفاعيله على كل الواقع السياسي اللبناني».
مواقف فضل الله جاءت في حديث خاص لـ «الرأي العام» هذا نصه:
تعيش «النجف الاشرف» تطورات دراماتيكية، في ضوء الهجوم الاميركي على «جيش المهدي»,,.
ـ في متابعتي للاحداث التي تجري في العراق، ألاحظ منذ الاحتلال حتى الآن ان اميركا تحاول ان تخضع كل قوة تتمظهر بمظهر سياسي او ديني لتملك مواقع القوة كلها في العراق، ولا سيما بعد ان منيت بالكثير من النكسات الامنية التي اظهرت احتلالها للعراق بالصورة التي تمثل فشلها في هذه الحركة العسكرية ـ السياسية من جهتين:
الاولى هي انها اعطت العراقيين وعداً بالأمن بجميع عناصره، سواء كانت العناصر الامنية او الاقتصادية او السياسية او غيرها لتقديم عراق جديد كنموذج للمنطقة كلها، ولاحظنا انها فشلت في ذلك وأصبحت تدافع عن امن جنودها الذي تحوّل مشكلة للمواطنين العراقيين في بيوتهم، كالقصف العشوائي الذي تمارسه القوات الاميركية للدفاع عن نفسها ما جعل عدد القتلى من المدنيين يتعاظم في شكل كبير جداً، وربما يتساوى بالقتلى الذين سقطوا من جراء جرائم صدام حسين، حتى ان الاعداد التي تتحدث عن مئات القتلى تفسح المجال لمقابر جماعية جديدة.
الثانية هي ان اميركا برزت امام العالم انها تخوض حرباً في مستوى احتلال العراق من خلال كذبة كبيرة قدمتها للعالم ولمجلس الامن، وهي مسألة اسلحة الدمار الشامل، فقد اكتشفت هي وحليفتها بريطانيا انه ليس هناك اي سلاح للدمار الشامل، ما جعل اتهامها لأكثر من دولة عربية او اسلامية بصنع اسلحة الدمار الشامل وضغطها عليها، بأن تتخفف من ذلك، لان العالم لم يعد يثق بهذه المسألة ويعتبرها مجرد ضغط سياسي لا يرتكز الى اساس, وربما انعكس هذا وذاك على الرأي العام الاميركي والذي ربما يجد تأثيره السلبي على الانتخابات الرئاسية للرئيس الحالي.
الآن برزت الى الواجهة مسألة الهجوم على النجف الاشرف والقصف الذي طاول العتبات المقدسة ولا سيما الصحن الحيدري، ما هو موقفكم من ذلك؟
ـ نحن خلال ذلك كله نلاحظ ان اميركا تريد ان تقوم بضربات عسكرية قاسية حتى في الموقع الذي يعتبر من مواقع المقدسات لدى الشعب العراقي ومقدسات المسلمين في شكل عام، بحيث تهيئ الظروف للقيام بذلك من خلال استفزاز الجهات التي ربما تنفتح على مقاومة عسكرية جديدة في الموقع الشيعي، الذي كانت اميركا تتحدث عن انه هو الموقع الذي يستقبل جنودها، وهو الموقع الذي لا يؤمن بالمقاومة العسكرية بل بالمقاومة السلمية.
لذلك كانت الحركات الاخيرة في النجف الاشرف وما قبلها ايضاً في مدينة الصدر في بغداد تنطلق من استفزازات اميركية لهذه القوى التي كانت لا تفكر في مقاومة عسكرية من اجل ان تضرب الضربة القوية التي تمثل ما تريده من عنفوان عسكري تستعيد فيه خسائرها التي حدثت في العراق، ونضع مسألة النجف التي امتدت في حركة القوات المواجهة والمناهضة للاحتلال الى اكثر من مدينة في العراق ولا سيما في الجنوب، وهذه القوات المواجهة استطاعت ايضاً ان توحّد المواقع الاسلامية من سنّة وشيعة، من الشمال الى الجنوب، ليشعر العالم ان هناك مقاومة عسكرية للاحتلال الذي يتغطى الآن بالحكومة العراقية الموقتة، ليتحدث المسؤولون العراقيون بأن المسألة عراقية ـ عراقية وان القوات المتعددة الجنسيات مساعدة للحكومة العراقية الموقتة.
ونتصور الآن بأن ادارة الحكومة العراقية الموقتة لمسألة النجف غبية جداً، اذا اردنا ان ندرس الامور دراسة موضوعية، سياسية، لأن من الصعب جداً حل مسألة النجف عسكرياً، ولان قضية النجف امتدت الى العالم ولم تعد تمثل هذه المسألة، منطقة محدودة من الناحية الجغرافية، ولأن للنجف خصوصيتها في القداسة التي يجتمع عليها المسلمون في العالم من سنة وشيعة، لذا فإن هناك مأزقاً تعيشه الحكومة الموقتة كما تعيشه القوات الاميركية في مسألة الهجوم على النجف مواجهة القوات المدافعة عن النجف، الامر الذي جعل منطق القوة الذي برزت به الحكومة الموقتة او الذي برز به وزير الدفاع الاميركي يفقد معناه، لان الحكومة منذ المؤتمر الصحافي لرئيسها قالت ان المسألة مسألة ساعات وها هي تراوح مكانها في هذا المجال.
لذلك فإنني اتصور ان الاميركيين في قصفهم المتواصل للمدينة القديمة المحيطة بمرقد الإمام علي عليه السلام، والذي قد ينتهي الى السيطرة على النجف لن يحل المشكلة لأن القضية سوف تمتد الى كل مكان في العراق لا سيما اذا اصيب مرقد الإمام علي بالذات، او اذا دخلت القوات العراقية، كما تعلن الحكومة، الى الصحن الشريف، فإن ذلك سيترك تأثيراً كبيراً على المرقد ويؤدي الى مذبحه داخله، مما لا يمكن ان يكون في مصلحة الحكومة العراقية او في مصلحة احد.
اننا مع الكثيرين من المسلمين لا نتوقف عند مسألة العنف الذي يواجه المدافعين عن النجف او المواجهين لقوات الاحتلال, لكننا نجد ان مجرد إدخال القوات الاميركية الى النجف يمثل هتكاً لحرمة المقدسات، بقطع النظر عما تفعله القوات الاميركية في النجف، ثم اننا في منطق الفقه الاسلامي لا يجوز لأي حكومة ان تسلط جيشاً غير مسلم ليقتل المسلمين حتى لو كانوا مخطئين, وفي ضوء هذا فإن المسألة تتجاوز جيش المهدي لتكون في دائرة الجريمة الكبرى في إدخال الاميركيين الى النجف تحت اي طائل، ولو أرادت الحكومة العراقية ان تحل المشكلة القانونية وان تمنع الفوضى او ما الى ذلك، لكان في إمكانها ان تقتصر على الجيش العراقي او قوات الامن العراقية التي اذا حشدتها فربما تحل المشكلة.
كما اننا كنا ولا نزال نعتقد ان هناك اكثر من وسيلة لحل المسألة بالطرق الديبلوماسية، لاننا نتصور كما قلنا ان المسألة لا يمكن ان تحل عسكرياً، ونحن في الوقت الذي نؤكد على حرمة المقدسات كمرقد الإمام علي وكمقبرة وادي السلام، نؤكد ايضاً ودائماً ان حرمة الانسان العراقي هي اكثر قداسة من حرمة المراقد، وان حرمة المرقد المقدس انما هي من جهة التسامي في حرمة الانسان، لان الانسان يحتضن في ايمانه هذه المقدسات والاعتداء على المقدسات هو اعتداء على الانسان نفسه، كما اننا نعتبر ان الاعتداء على الانسان اعتداء على المقدسات.
لاحظ المراقبون ان الهجوم على النجف جاء بعد اقل من 24 ساعة من مغادرة المرجع الشيعي السيد علي السيستاني للنجف من اجل العلاج في لندن، والبعض يقول هو من اعطى الضوء الاخضر بالهجوم؟
ـ لا اتصور ان سماحة السيد السيستاني يمكن ان يفكر بهذه الطريقة، لان المحيطين به صرحوا انه خرج من النجف للعلاج الصحي ونقل عن اجهزة الاعلام انه خضع لبعض العمليات في القلب، وربما كان يفكر بعض الناس المحيطين به، بأن حياته قد تكون في خطر لأن الاحداث كانت مقبلة، لا سيما ان بيته قريب من المرقد المقدس.
يقال انه ضاق ذرعاً بتصرفات السيد مقتدى الصدر واستيلائه على مقدرات المقدسات؟
ـ لا يمكن لأي مرجعية مهما كانت قواتها ان تعطي الضوء الاخضر للقوات الاميركية لتدخل النجف ولتقتل المسلمين لان المرجعية، اياً كانت تحمل امانة الحفاظ على المسلمين وحماية الاماكن المقدسة من الفوضى ومن عدوان الكافرين في المصطلح الفقهي في المجال، لذلك فإن هذه الملاحظة التي كان يتحدث بها الاعلام لا تتناسب مع تفكير انسان مؤمن عادي فكيف يمكن ان تتناسب مع تفكير مرجعية كبرى.
ولكن الا ترى ان وضع المرجعية في النجف ضعيف بعدما اصبحت المقدرات في يد السيد الصدر, وهناك معلومات عن دعوات عدة وجهت اليكم لتولي المرجعية هناك؟
ـ اعتقد ان الظروف الحاضرة لا تسمح لي بالذهاب الى العراق، ولكنني اتابع القضية العراقية على مستوى الساعة.
اثار استقبالكم رئيس الحكومة العراقية اياد علاوي في دمشق تساؤلات كثيرة، خصوصاً انكم تؤكدون ان هذه الحكومة غير شرعية، ورشح عن اللقاء انكم نصحتم علاوي ان لا يكون اميركياً اكثر من الاميركيين؟
ـ انا لم تكن لي علاقة به، ولكنني كنت اعرف تزعمه لحزب الوفاق الوطني وقربه من الاردن الذي يمثل سياسة معينة نعرفها جميعاً في العلاقات مع اميركا، وصرحت منذ ان تسلم الحكومة العراقية الموقتة برفض هذه الحكومة واعتبارها غير شرعية لانها ليست منتخبة من الشعب العراقي، وربما اثار بعض حديثي آنذاك شخصه، عندما تحدث عن تاريخه وعلاقته بـ «سي, اي, اي» ولكن عندما كنت في دمشق اتصلت بي المراسم وقالت ان الدكتور علاوي يريد زيارتك، ولم يكن لديّ اي مشكلة في استقباله لأنني في موقعي المرجعي المسؤول اجد ان عليّ ان استقبل كل الناس, وعندما جاء الى بيتي في الشام قلت كن عراقياً ولا تكن اميركياً.
كن رئيس حكومة العراق ولا تقف للدفاع عن اميركا وعن موقعك من اميركا, وقلت له ايضاً اننا نلمح في بعض خطابك، في التهديد بالقوة للخارجين على القانون حسب رأيك، نجد فيه ملامح خطاب صدام حسين، حاول ان يكون خطابك، خطاب لا يبتعد عن الحزم كرئيس وزراء, ولكن لا يتحدث بهذه الطريقة, ومن كلامي له ان العراق لن يستقر ما دامت القوات الاميركية موجودة فيه، في الموقع السياسي، وان الحل لمشكلة العراق هي الامم المتحدة، لا ان تأتي لإدارة الانتخابات، ولكن لتكون هي القيادة حتى للقوات المتعددة الجنسيات، بما فيها القوات الاميركية.
وايضاً تحدثت اليه ان يخفف مع كل القوى السياسية، في ابعاد العراق عن الجدل الطائفي، وان الشيعة في العراق ليس لهم مشروع دولة شيعية ولا يفكرون بالتقسيم بل يريدون ان يكونوا مواطنين كبقية المواطنين يأخذون حقوقهم كاملة غير منقوصة، لانهم لا يفكرون في اضطهاد احد كما لا يريدون لأحد ان يضطهدهم، وقلت له ايضاً اياك ان تتعرض لمقتدى الصدر، لأنه لا يشكل خطراً على العراق ويمكن التعامل معه بالحوار والوسائل السلمية، وان تكون علاقاته بالجوار جيدة ولا سيما وايران.
الا ترى انه يجب اعطاء فرصة للحكومة العراقية؟
ـ حسب متابعاتي العميقة جداً اتصور ان السياسة التي تسير بها الحكومة العراقية سياسة اميركية مئة بالمئة وخصوصاً ما سمعناه اثناء المفاوضات حول النجف، بدت القضية تتجه نحو نتائج ايجابية كاملة، ولكن فوجئ الذين ينفتحون على المفاوضات بالاتصال من رئيس الحكومة في بغداد بإيقاف المفاوضات والاعلان عن فشلها، مما يعني ان الخطة هي ان توضع الكرة في ملعب جيش المهدي ليبرز ليقال للعالم اننا فاوضنا ولكننا فشلنا لا من جهتنا بل من جهة الاخرين، ليكون ذلك حجة لضرب هذا الجيش.
ولكن هذا الجيش صادر القرار الشيعي ووضع الجميع في النجف امام الامر الواقع؟
ـ لست الآن في مقام تقويم هذا الجيش، لانني حسب الواقع لست مطلعاً على تفاصيله ومفاصله، ولكن الموقف الآن يتصل بسلب كلي من جماعة وايجاب كلي من جماعة اخرى في النظرة اليه، وايضاً الخط الوسطي يشير الى بعض التجاوزات التي يرتكبها هنا او هناك، ولكن من المؤكد ان السلب الكلي والاتهامات المطلقة ليست واقعية, نحن لا ننكر ان هناك تجاوزات، ولكن المسألة يمكن ان تحل بالطرق السلمية وبأكثر من وسيلة حسب معرفتنا واتصالاتنا الدائمة بفعاليات العراق من بعض الاطياف السياسية المؤثرة، وانا كنت اقول حقيقة، ان المسألة ليست مسألة مقتدى الصدر، بل المسألة هي انه مجرد ادخال القوات الاميركية الى النجف هو انتهاك لحرمة النجف, وان ارسال الاميركيين لقتل المسلمين حتى المخطئين، هذا امر محرم شرعاً ولا يجوز لأحد القيام به.
المسألة تجاوزت جيش المهدي ومقتدى الصدر، المسألة ان الحكومة العراقية دخلت في اطار الخيانة الكبرى والجريمة الكبرى في هتك حرمة النجف بهذه الطريقة.
لذلك نحن لا نريد التعليق على طبيعة هذا الجيش او على طبيعة قيادته والدخول في جدل حول ما اذا كانوا مخالفين للقانون وناشرين للفوضى وما الى ذلك, نحن نعتبر ان الحكومة العراقية التي كانت غطاء للجيش الاميركي في النجف اساءت الى حرمة المقدسات الاسلامية، بقطع النظر عن النتائج.
منذ بدء الاحتلال الاميركي للعراق كان الجو الشيعي يميل الى عدم اللجوء الى المقاومة العسكرية، ولكن ظاهرة مقتدى الصدر خالفت هذا الجو؟
ـ الشيعة ثوار منذ كربلاء، منذ الإمام علي، لأنهم مسلمون، والاسلام ضد كل ظلم واحتلال ولكن التعقيدات التي كانت تجمعت من خلال حكم الطاغية صدام حسين، جعلت الوضع العراقي يعيش في صدمة وجعلت الخدعة الاميركية تنطلي على الكثيرين، من انهم جاءوا محررين وليس محتلين، ولكن بعد ذلك اضطروا، بفعل قرار مجلس الامن، لتبرير الجانب القانوني، لأن يقولوا انهم محتلون.
هل تعتقد ان حركة السيد الصدر عراقية بالكامل ام ان لها امتدادات خارجية وخصوصاً ايرانية؟
ـ الحديث عن ذلك مبالغ فيه، لأن ايران حسب طبيعة ما نتابعه من احداث، لم تتبن هذه الحركة، ولكن لا يمنع من ان نتعاطف معها، لأن هناك حقيقة لا بد ان يعرفها الجميع، وهي ان اميركا اصبحت على حدود ايران كما اصبحت على حدود سورية وتركيا والخليج، ولهذا فإن ايران التي تعيش الكثير من التعقيدات في علاقتها السياسية مع اميركا لا بد ان تستفيد من اي وضع او حدث يمكن ان يربك الوجود الاميركي في العراق، كما ان سورية ايضاً، في تعقيدات علاقاتها مع اميركا والضغط الاميركي من خلال قانون محاسبة سورية مثلاً لا بد ان تستفيد من ذلك، كما ان اميركا تستفيد من اي حدث في اي دولة اخرى تعيش تعقيدات سياسية او امنية معها.
الشيعة في لبنان كيف يتعاطون مع هذا الهجوم الاميركي على النجف؟ ,,, فباستثناء «تظاهرة الاكفان» التي نظمها «حزب الله» منذ اشهر لم تشهد اي تحرك عملي إزاء ما يحدث؟
ـ نحن كمسلمين شيعة ـ انا لا احب كلمة شيعة وحدها ـ في لبنان طليعة المقاومة في العالم الاسلامي واستطعنا ان نحرر ارضنا بدمائنا وبجهدنا، في كل فصائل المقاومة، ربما تكون بعض الظروف لا تسمح بأي حركة مقاومة بالمعنى الميداني، بحيث يذهب اللبنانيون المقاومون الى العراق ليقاوموا لأن الظروف لا تسمح بذلك، لكن ربما كانت القضية فليسعد النطق ان لم تسعد الحال, وهذه اللقاءات والاجتماعات والمسيرات التي دللت على ان لبنان يقف في وحدة ليست شيعية فحسب، ولكنها وحدة اسلامية مسيحية ضد الاحتلال الاميركي للعراق، ولا اظن ان هناك بلداً عربياً او اسلامياً يقف هذا الموقف الموحد الرافض للاحتلال الاميركي مثل لبنان, لبنان هو الرئة التي يتنفسها العالم الاسلامي في كل قضاياه بما يستطيع في هذا المجال, وها نحن نجد ان لبنان هو البلد الذي يقيم خيمة الحرية ليلتقي بها كل اللبنانيين, لتكون رسالة الى المسيحيين والمسلمين بمذاهبهم في العالم، بأن هناك وحدة اسلامية ـ مسيحية علمانية في مواجهة كل ظلم إن كان اسرائيلياً او اميركياً.
واضح ان الساحة الاسلامية الشيعية في لبنان تشهد حراكاً هذه الايام, منذ ايام كنت في صور حيث عقد لقاء موسع ضمكم ورئيس البرلمان نبيه بري، وأعقبه بعد ايام لقاء آخر في حبوش البعض «النخب» ,,.
ـ في لبنان تكبر القضايا الصغيرة وتصغر القضايا الكبيرة، بحكم التعقيدات اللبنانية التي يعيشها الوسط السياسي الذي يحاول ان يجعل من الحبة قبة, من الطبيعي ان يجتمع الشيعة في لبنان وان يلتقوا ويبحثوا سواء في شكل رسمي او غير رسمي، ومن الطبيعي ان يكون بين المسلمين الشيعة، كالمسلمين السنة وكالمسيحيين خلافات سياسية او ما اشبه ذلك، ولكن اللقاءات على كل حال حتى مع اختلافها في النظر تمثل عافية وصحة، لان المشكلة في بعض اوضاع العلاقات التي تختلف فيها الاحزاب والناس، هي الثقافة, نحن نعتقد ان ليس مشكلة بأن تختلف مع الآخر وان تلتقي به وتتحدث معه في ما تختلف معه او في ما تلتقي معه فيه، لذلك لا اعتقد انه كل ما حدث من لقاءات ربما لم تكن سابقاً دليل عافية وصحة في هذا المجال ولا اعتقد ان اجتماعاً ما هنا واجتماعاً ما هناك يمكن ان يمثل موقفاً مضاداً لفريق هناك او فريق هناك.
لكن لقاءاتك المتكررة مع بري في المدة الاخيرة فسرت بأنها موجهة ضد «حزب الله» او على حسابه؟
ـ هذا كلام لا قيمة له، باعتبار ان علاقات «امل» مع «حزب الله» تكاد تكون استراتيجية, اما علاقاتي انا بصفتي المرجعية فهي مع كل الناس، لا مع «امل» و«حزب الله» بل مع كل الشيعة ومع كل المسلمين السنة ومع المسيحيين, انا لا احبس نفسي في زنزانة لبنانية، شيعية كانت او غير شيعية، لانني اتحرك في خط المرجعية مع العالم.
يعيش لبنان في هذه الايام في أجواء الاستحقاق الرئاسي، في ظل تجاذبات بين دعاة تعديل الدستور من جهة والمطالبين بحماية تداول السلطة من جهة ثانية,,.
ـ فتش عن الاستحقاق خارج لبنان، لان اللبنانيين لا يملكون من امرهم شيئاً؟
هل ترى ذلك طبيعياً؟
ـ الوضع في لبنان غير طبيعي والوضع في المنطقة ليس طبيعياً.
بالامس القريب اجتمع المفتي الشيخ محمد رشيد قباني ونائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان وأصدرا بياناً حول العراق وفلسطين، ولكن الفقرة المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي وتعديل الدستور سحبت من وسائل الاعلام,,.
ـ هذه مسألة لبنانية خاصة.
هناك سجال حول التجديد والتمديد وتعديل الدستور، اين انتم من ذلك؟
ـ اعتبر ان هذه الامور اللبنانية لن تغير شيئاً في الواقع، واذا كانت لا تغير شيئاً في الواقع فعلينا ألا نعطيها اهتماماً كبيراً, ان مسألة لبنان هي مسألة النظام الطائفي، هو السرطان الذي يوزع كل مفاعيله على كل الواقع السياسي اللبناني، ولا احب ان اتحدث في تفاصيل هذا الموضوع.
http://www.alraialaam.com/26-08-2004/ie5/international.htm#07
بيروت ـ من مصطفى ياسين:
رأى المرجع الشيعي العلامة السيد محمد حسين فضل الله ان «ما يجري في النجف وما قبلها في مدينة الصدر في بغداد ينطلق من استفزازات اميركية للقوى التي لم تكن تفكر بالمقاومة العسكرية»، مشيراً الى «ان القوات المواجهة والمناهضة للاحتلال استطاعت نقل المعركة الى اكثر من مدينة في العراق، وان توحّد المواقع الاسلامية من سنة وشيعة أشعر العالم ان هناك مقاومة عسكرية للاحتلال».
وشدد على ان «من الصعب جداً حل مسألة النجف عسكرياً، نظراً لخصوصيتها في القداسة لدى السنّة والشيعة»، معتبراً «ان مجرد ادخال القوات الاميركية الى النجف يمثل هتكاً لحرمة المقدسات بقطع النظر عما تفعله هذه القوات وانه لا يجوز لأي حكومة ان تسلط جيشاً غير مسلم ليقتل المسلمين حتى ولو كانوا مخطئين وتالياً فإن المسألة تتجاوز جيش المهدي».
واذ رأى انه كان في الإمكان ان تحل مسألة النجف بالطرق السلمية والديبلوماسية، شدد على «ان الحكومة العراقية الموقتة دخلت في اطار الخيانة والجريمة الكبرى في هتك حرمة النجف، وانها تتبع سياسة اميركية مئة في المئة».
واستبعد ان يكون المرجع الشيعي في العراق السيد علي السيستاني اعطى الضوء الاخضر للاميركيين بالدخول الى النجف، وقال: «لا اتصور ان سماحة السيد السيستاني يمكن ان يفكر بهذه الطريقة (,,,) ولا يمكن لأي مرجعية مهما كانت قوتها ان تعطي الضوء الاخضر للقوات الاميركية لتدخل النجف وتقتل المسلمين».
وكشف فضل الله بعض ما قاله لرئيس الحكومة العراقية اياد علاوي خلال استقباله له في دمشق، حيث دعاه «لأن يكون عراقياً ولا يكون اميركياً»، ولفته الى «ان خطابه فيه ملامح من خطاب صدام حسين»، وحذّره من التعرض لمقتدى الصدر، واكد له «ان الحل لمشكلة العراق هي الامم المتحدة»، مشدداً على «ان الشيعة في العراق ليس لهم مشروع دولة شيعية ولا يفكرون بالتقسيم».
واذ اكد اهمية اللقاءات الشيعية التي حصلت في الايام الاخيرة في لبنان و«انها كغيرها من اللقاءات دليل عافية»، اعتبر ان «الكلام عن ان لقاءاته الاخيرة تأتي على حساب حزب الله لا قيمة له»، مجدداً رفضه بصفته المرجعية ان يحبس نفسه في زنزانة لبنانية شيعية او غير شيعية.
وفي موضوع الاستحقاق الرئاسي، دعا الى التفتيش عنه خارج لبنان «لان اللبنانيين لا يملكون من امرهم شيئاً»، معتبراً «ان مشكلة لبنان هي النظام الطائفي، فهو السرطان الذي يوزع كل مفاعيله على كل الواقع السياسي اللبناني».
مواقف فضل الله جاءت في حديث خاص لـ «الرأي العام» هذا نصه:
تعيش «النجف الاشرف» تطورات دراماتيكية، في ضوء الهجوم الاميركي على «جيش المهدي»,,.
ـ في متابعتي للاحداث التي تجري في العراق، ألاحظ منذ الاحتلال حتى الآن ان اميركا تحاول ان تخضع كل قوة تتمظهر بمظهر سياسي او ديني لتملك مواقع القوة كلها في العراق، ولا سيما بعد ان منيت بالكثير من النكسات الامنية التي اظهرت احتلالها للعراق بالصورة التي تمثل فشلها في هذه الحركة العسكرية ـ السياسية من جهتين:
الاولى هي انها اعطت العراقيين وعداً بالأمن بجميع عناصره، سواء كانت العناصر الامنية او الاقتصادية او السياسية او غيرها لتقديم عراق جديد كنموذج للمنطقة كلها، ولاحظنا انها فشلت في ذلك وأصبحت تدافع عن امن جنودها الذي تحوّل مشكلة للمواطنين العراقيين في بيوتهم، كالقصف العشوائي الذي تمارسه القوات الاميركية للدفاع عن نفسها ما جعل عدد القتلى من المدنيين يتعاظم في شكل كبير جداً، وربما يتساوى بالقتلى الذين سقطوا من جراء جرائم صدام حسين، حتى ان الاعداد التي تتحدث عن مئات القتلى تفسح المجال لمقابر جماعية جديدة.
الثانية هي ان اميركا برزت امام العالم انها تخوض حرباً في مستوى احتلال العراق من خلال كذبة كبيرة قدمتها للعالم ولمجلس الامن، وهي مسألة اسلحة الدمار الشامل، فقد اكتشفت هي وحليفتها بريطانيا انه ليس هناك اي سلاح للدمار الشامل، ما جعل اتهامها لأكثر من دولة عربية او اسلامية بصنع اسلحة الدمار الشامل وضغطها عليها، بأن تتخفف من ذلك، لان العالم لم يعد يثق بهذه المسألة ويعتبرها مجرد ضغط سياسي لا يرتكز الى اساس, وربما انعكس هذا وذاك على الرأي العام الاميركي والذي ربما يجد تأثيره السلبي على الانتخابات الرئاسية للرئيس الحالي.
الآن برزت الى الواجهة مسألة الهجوم على النجف الاشرف والقصف الذي طاول العتبات المقدسة ولا سيما الصحن الحيدري، ما هو موقفكم من ذلك؟
ـ نحن خلال ذلك كله نلاحظ ان اميركا تريد ان تقوم بضربات عسكرية قاسية حتى في الموقع الذي يعتبر من مواقع المقدسات لدى الشعب العراقي ومقدسات المسلمين في شكل عام، بحيث تهيئ الظروف للقيام بذلك من خلال استفزاز الجهات التي ربما تنفتح على مقاومة عسكرية جديدة في الموقع الشيعي، الذي كانت اميركا تتحدث عن انه هو الموقع الذي يستقبل جنودها، وهو الموقع الذي لا يؤمن بالمقاومة العسكرية بل بالمقاومة السلمية.
لذلك كانت الحركات الاخيرة في النجف الاشرف وما قبلها ايضاً في مدينة الصدر في بغداد تنطلق من استفزازات اميركية لهذه القوى التي كانت لا تفكر في مقاومة عسكرية من اجل ان تضرب الضربة القوية التي تمثل ما تريده من عنفوان عسكري تستعيد فيه خسائرها التي حدثت في العراق، ونضع مسألة النجف التي امتدت في حركة القوات المواجهة والمناهضة للاحتلال الى اكثر من مدينة في العراق ولا سيما في الجنوب، وهذه القوات المواجهة استطاعت ايضاً ان توحّد المواقع الاسلامية من سنّة وشيعة، من الشمال الى الجنوب، ليشعر العالم ان هناك مقاومة عسكرية للاحتلال الذي يتغطى الآن بالحكومة العراقية الموقتة، ليتحدث المسؤولون العراقيون بأن المسألة عراقية ـ عراقية وان القوات المتعددة الجنسيات مساعدة للحكومة العراقية الموقتة.
ونتصور الآن بأن ادارة الحكومة العراقية الموقتة لمسألة النجف غبية جداً، اذا اردنا ان ندرس الامور دراسة موضوعية، سياسية، لأن من الصعب جداً حل مسألة النجف عسكرياً، ولان قضية النجف امتدت الى العالم ولم تعد تمثل هذه المسألة، منطقة محدودة من الناحية الجغرافية، ولأن للنجف خصوصيتها في القداسة التي يجتمع عليها المسلمون في العالم من سنة وشيعة، لذا فإن هناك مأزقاً تعيشه الحكومة الموقتة كما تعيشه القوات الاميركية في مسألة الهجوم على النجف مواجهة القوات المدافعة عن النجف، الامر الذي جعل منطق القوة الذي برزت به الحكومة الموقتة او الذي برز به وزير الدفاع الاميركي يفقد معناه، لان الحكومة منذ المؤتمر الصحافي لرئيسها قالت ان المسألة مسألة ساعات وها هي تراوح مكانها في هذا المجال.
لذلك فإنني اتصور ان الاميركيين في قصفهم المتواصل للمدينة القديمة المحيطة بمرقد الإمام علي عليه السلام، والذي قد ينتهي الى السيطرة على النجف لن يحل المشكلة لأن القضية سوف تمتد الى كل مكان في العراق لا سيما اذا اصيب مرقد الإمام علي بالذات، او اذا دخلت القوات العراقية، كما تعلن الحكومة، الى الصحن الشريف، فإن ذلك سيترك تأثيراً كبيراً على المرقد ويؤدي الى مذبحه داخله، مما لا يمكن ان يكون في مصلحة الحكومة العراقية او في مصلحة احد.
اننا مع الكثيرين من المسلمين لا نتوقف عند مسألة العنف الذي يواجه المدافعين عن النجف او المواجهين لقوات الاحتلال, لكننا نجد ان مجرد إدخال القوات الاميركية الى النجف يمثل هتكاً لحرمة المقدسات، بقطع النظر عما تفعله القوات الاميركية في النجف، ثم اننا في منطق الفقه الاسلامي لا يجوز لأي حكومة ان تسلط جيشاً غير مسلم ليقتل المسلمين حتى لو كانوا مخطئين, وفي ضوء هذا فإن المسألة تتجاوز جيش المهدي لتكون في دائرة الجريمة الكبرى في إدخال الاميركيين الى النجف تحت اي طائل، ولو أرادت الحكومة العراقية ان تحل المشكلة القانونية وان تمنع الفوضى او ما الى ذلك، لكان في إمكانها ان تقتصر على الجيش العراقي او قوات الامن العراقية التي اذا حشدتها فربما تحل المشكلة.
كما اننا كنا ولا نزال نعتقد ان هناك اكثر من وسيلة لحل المسألة بالطرق الديبلوماسية، لاننا نتصور كما قلنا ان المسألة لا يمكن ان تحل عسكرياً، ونحن في الوقت الذي نؤكد على حرمة المقدسات كمرقد الإمام علي وكمقبرة وادي السلام، نؤكد ايضاً ودائماً ان حرمة الانسان العراقي هي اكثر قداسة من حرمة المراقد، وان حرمة المرقد المقدس انما هي من جهة التسامي في حرمة الانسان، لان الانسان يحتضن في ايمانه هذه المقدسات والاعتداء على المقدسات هو اعتداء على الانسان نفسه، كما اننا نعتبر ان الاعتداء على الانسان اعتداء على المقدسات.
لاحظ المراقبون ان الهجوم على النجف جاء بعد اقل من 24 ساعة من مغادرة المرجع الشيعي السيد علي السيستاني للنجف من اجل العلاج في لندن، والبعض يقول هو من اعطى الضوء الاخضر بالهجوم؟
ـ لا اتصور ان سماحة السيد السيستاني يمكن ان يفكر بهذه الطريقة، لان المحيطين به صرحوا انه خرج من النجف للعلاج الصحي ونقل عن اجهزة الاعلام انه خضع لبعض العمليات في القلب، وربما كان يفكر بعض الناس المحيطين به، بأن حياته قد تكون في خطر لأن الاحداث كانت مقبلة، لا سيما ان بيته قريب من المرقد المقدس.
يقال انه ضاق ذرعاً بتصرفات السيد مقتدى الصدر واستيلائه على مقدرات المقدسات؟
ـ لا يمكن لأي مرجعية مهما كانت قواتها ان تعطي الضوء الاخضر للقوات الاميركية لتدخل النجف ولتقتل المسلمين لان المرجعية، اياً كانت تحمل امانة الحفاظ على المسلمين وحماية الاماكن المقدسة من الفوضى ومن عدوان الكافرين في المصطلح الفقهي في المجال، لذلك فإن هذه الملاحظة التي كان يتحدث بها الاعلام لا تتناسب مع تفكير انسان مؤمن عادي فكيف يمكن ان تتناسب مع تفكير مرجعية كبرى.
ولكن الا ترى ان وضع المرجعية في النجف ضعيف بعدما اصبحت المقدرات في يد السيد الصدر, وهناك معلومات عن دعوات عدة وجهت اليكم لتولي المرجعية هناك؟
ـ اعتقد ان الظروف الحاضرة لا تسمح لي بالذهاب الى العراق، ولكنني اتابع القضية العراقية على مستوى الساعة.
اثار استقبالكم رئيس الحكومة العراقية اياد علاوي في دمشق تساؤلات كثيرة، خصوصاً انكم تؤكدون ان هذه الحكومة غير شرعية، ورشح عن اللقاء انكم نصحتم علاوي ان لا يكون اميركياً اكثر من الاميركيين؟
ـ انا لم تكن لي علاقة به، ولكنني كنت اعرف تزعمه لحزب الوفاق الوطني وقربه من الاردن الذي يمثل سياسة معينة نعرفها جميعاً في العلاقات مع اميركا، وصرحت منذ ان تسلم الحكومة العراقية الموقتة برفض هذه الحكومة واعتبارها غير شرعية لانها ليست منتخبة من الشعب العراقي، وربما اثار بعض حديثي آنذاك شخصه، عندما تحدث عن تاريخه وعلاقته بـ «سي, اي, اي» ولكن عندما كنت في دمشق اتصلت بي المراسم وقالت ان الدكتور علاوي يريد زيارتك، ولم يكن لديّ اي مشكلة في استقباله لأنني في موقعي المرجعي المسؤول اجد ان عليّ ان استقبل كل الناس, وعندما جاء الى بيتي في الشام قلت كن عراقياً ولا تكن اميركياً.
كن رئيس حكومة العراق ولا تقف للدفاع عن اميركا وعن موقعك من اميركا, وقلت له ايضاً اننا نلمح في بعض خطابك، في التهديد بالقوة للخارجين على القانون حسب رأيك، نجد فيه ملامح خطاب صدام حسين، حاول ان يكون خطابك، خطاب لا يبتعد عن الحزم كرئيس وزراء, ولكن لا يتحدث بهذه الطريقة, ومن كلامي له ان العراق لن يستقر ما دامت القوات الاميركية موجودة فيه، في الموقع السياسي، وان الحل لمشكلة العراق هي الامم المتحدة، لا ان تأتي لإدارة الانتخابات، ولكن لتكون هي القيادة حتى للقوات المتعددة الجنسيات، بما فيها القوات الاميركية.
وايضاً تحدثت اليه ان يخفف مع كل القوى السياسية، في ابعاد العراق عن الجدل الطائفي، وان الشيعة في العراق ليس لهم مشروع دولة شيعية ولا يفكرون بالتقسيم بل يريدون ان يكونوا مواطنين كبقية المواطنين يأخذون حقوقهم كاملة غير منقوصة، لانهم لا يفكرون في اضطهاد احد كما لا يريدون لأحد ان يضطهدهم، وقلت له ايضاً اياك ان تتعرض لمقتدى الصدر، لأنه لا يشكل خطراً على العراق ويمكن التعامل معه بالحوار والوسائل السلمية، وان تكون علاقاته بالجوار جيدة ولا سيما وايران.
الا ترى انه يجب اعطاء فرصة للحكومة العراقية؟
ـ حسب متابعاتي العميقة جداً اتصور ان السياسة التي تسير بها الحكومة العراقية سياسة اميركية مئة بالمئة وخصوصاً ما سمعناه اثناء المفاوضات حول النجف، بدت القضية تتجه نحو نتائج ايجابية كاملة، ولكن فوجئ الذين ينفتحون على المفاوضات بالاتصال من رئيس الحكومة في بغداد بإيقاف المفاوضات والاعلان عن فشلها، مما يعني ان الخطة هي ان توضع الكرة في ملعب جيش المهدي ليبرز ليقال للعالم اننا فاوضنا ولكننا فشلنا لا من جهتنا بل من جهة الاخرين، ليكون ذلك حجة لضرب هذا الجيش.
ولكن هذا الجيش صادر القرار الشيعي ووضع الجميع في النجف امام الامر الواقع؟
ـ لست الآن في مقام تقويم هذا الجيش، لانني حسب الواقع لست مطلعاً على تفاصيله ومفاصله، ولكن الموقف الآن يتصل بسلب كلي من جماعة وايجاب كلي من جماعة اخرى في النظرة اليه، وايضاً الخط الوسطي يشير الى بعض التجاوزات التي يرتكبها هنا او هناك، ولكن من المؤكد ان السلب الكلي والاتهامات المطلقة ليست واقعية, نحن لا ننكر ان هناك تجاوزات، ولكن المسألة يمكن ان تحل بالطرق السلمية وبأكثر من وسيلة حسب معرفتنا واتصالاتنا الدائمة بفعاليات العراق من بعض الاطياف السياسية المؤثرة، وانا كنت اقول حقيقة، ان المسألة ليست مسألة مقتدى الصدر، بل المسألة هي انه مجرد ادخال القوات الاميركية الى النجف هو انتهاك لحرمة النجف, وان ارسال الاميركيين لقتل المسلمين حتى المخطئين، هذا امر محرم شرعاً ولا يجوز لأحد القيام به.
المسألة تجاوزت جيش المهدي ومقتدى الصدر، المسألة ان الحكومة العراقية دخلت في اطار الخيانة الكبرى والجريمة الكبرى في هتك حرمة النجف بهذه الطريقة.
لذلك نحن لا نريد التعليق على طبيعة هذا الجيش او على طبيعة قيادته والدخول في جدل حول ما اذا كانوا مخالفين للقانون وناشرين للفوضى وما الى ذلك, نحن نعتبر ان الحكومة العراقية التي كانت غطاء للجيش الاميركي في النجف اساءت الى حرمة المقدسات الاسلامية، بقطع النظر عن النتائج.
منذ بدء الاحتلال الاميركي للعراق كان الجو الشيعي يميل الى عدم اللجوء الى المقاومة العسكرية، ولكن ظاهرة مقتدى الصدر خالفت هذا الجو؟
ـ الشيعة ثوار منذ كربلاء، منذ الإمام علي، لأنهم مسلمون، والاسلام ضد كل ظلم واحتلال ولكن التعقيدات التي كانت تجمعت من خلال حكم الطاغية صدام حسين، جعلت الوضع العراقي يعيش في صدمة وجعلت الخدعة الاميركية تنطلي على الكثيرين، من انهم جاءوا محررين وليس محتلين، ولكن بعد ذلك اضطروا، بفعل قرار مجلس الامن، لتبرير الجانب القانوني، لأن يقولوا انهم محتلون.
هل تعتقد ان حركة السيد الصدر عراقية بالكامل ام ان لها امتدادات خارجية وخصوصاً ايرانية؟
ـ الحديث عن ذلك مبالغ فيه، لأن ايران حسب طبيعة ما نتابعه من احداث، لم تتبن هذه الحركة، ولكن لا يمنع من ان نتعاطف معها، لأن هناك حقيقة لا بد ان يعرفها الجميع، وهي ان اميركا اصبحت على حدود ايران كما اصبحت على حدود سورية وتركيا والخليج، ولهذا فإن ايران التي تعيش الكثير من التعقيدات في علاقتها السياسية مع اميركا لا بد ان تستفيد من اي وضع او حدث يمكن ان يربك الوجود الاميركي في العراق، كما ان سورية ايضاً، في تعقيدات علاقاتها مع اميركا والضغط الاميركي من خلال قانون محاسبة سورية مثلاً لا بد ان تستفيد من ذلك، كما ان اميركا تستفيد من اي حدث في اي دولة اخرى تعيش تعقيدات سياسية او امنية معها.
الشيعة في لبنان كيف يتعاطون مع هذا الهجوم الاميركي على النجف؟ ,,, فباستثناء «تظاهرة الاكفان» التي نظمها «حزب الله» منذ اشهر لم تشهد اي تحرك عملي إزاء ما يحدث؟
ـ نحن كمسلمين شيعة ـ انا لا احب كلمة شيعة وحدها ـ في لبنان طليعة المقاومة في العالم الاسلامي واستطعنا ان نحرر ارضنا بدمائنا وبجهدنا، في كل فصائل المقاومة، ربما تكون بعض الظروف لا تسمح بأي حركة مقاومة بالمعنى الميداني، بحيث يذهب اللبنانيون المقاومون الى العراق ليقاوموا لأن الظروف لا تسمح بذلك، لكن ربما كانت القضية فليسعد النطق ان لم تسعد الحال, وهذه اللقاءات والاجتماعات والمسيرات التي دللت على ان لبنان يقف في وحدة ليست شيعية فحسب، ولكنها وحدة اسلامية مسيحية ضد الاحتلال الاميركي للعراق، ولا اظن ان هناك بلداً عربياً او اسلامياً يقف هذا الموقف الموحد الرافض للاحتلال الاميركي مثل لبنان, لبنان هو الرئة التي يتنفسها العالم الاسلامي في كل قضاياه بما يستطيع في هذا المجال, وها نحن نجد ان لبنان هو البلد الذي يقيم خيمة الحرية ليلتقي بها كل اللبنانيين, لتكون رسالة الى المسيحيين والمسلمين بمذاهبهم في العالم، بأن هناك وحدة اسلامية ـ مسيحية علمانية في مواجهة كل ظلم إن كان اسرائيلياً او اميركياً.
واضح ان الساحة الاسلامية الشيعية في لبنان تشهد حراكاً هذه الايام, منذ ايام كنت في صور حيث عقد لقاء موسع ضمكم ورئيس البرلمان نبيه بري، وأعقبه بعد ايام لقاء آخر في حبوش البعض «النخب» ,,.
ـ في لبنان تكبر القضايا الصغيرة وتصغر القضايا الكبيرة، بحكم التعقيدات اللبنانية التي يعيشها الوسط السياسي الذي يحاول ان يجعل من الحبة قبة, من الطبيعي ان يجتمع الشيعة في لبنان وان يلتقوا ويبحثوا سواء في شكل رسمي او غير رسمي، ومن الطبيعي ان يكون بين المسلمين الشيعة، كالمسلمين السنة وكالمسيحيين خلافات سياسية او ما اشبه ذلك، ولكن اللقاءات على كل حال حتى مع اختلافها في النظر تمثل عافية وصحة، لان المشكلة في بعض اوضاع العلاقات التي تختلف فيها الاحزاب والناس، هي الثقافة, نحن نعتقد ان ليس مشكلة بأن تختلف مع الآخر وان تلتقي به وتتحدث معه في ما تختلف معه او في ما تلتقي معه فيه، لذلك لا اعتقد انه كل ما حدث من لقاءات ربما لم تكن سابقاً دليل عافية وصحة في هذا المجال ولا اعتقد ان اجتماعاً ما هنا واجتماعاً ما هناك يمكن ان يمثل موقفاً مضاداً لفريق هناك او فريق هناك.
لكن لقاءاتك المتكررة مع بري في المدة الاخيرة فسرت بأنها موجهة ضد «حزب الله» او على حسابه؟
ـ هذا كلام لا قيمة له، باعتبار ان علاقات «امل» مع «حزب الله» تكاد تكون استراتيجية, اما علاقاتي انا بصفتي المرجعية فهي مع كل الناس، لا مع «امل» و«حزب الله» بل مع كل الشيعة ومع كل المسلمين السنة ومع المسيحيين, انا لا احبس نفسي في زنزانة لبنانية، شيعية كانت او غير شيعية، لانني اتحرك في خط المرجعية مع العالم.
يعيش لبنان في هذه الايام في أجواء الاستحقاق الرئاسي، في ظل تجاذبات بين دعاة تعديل الدستور من جهة والمطالبين بحماية تداول السلطة من جهة ثانية,,.
ـ فتش عن الاستحقاق خارج لبنان، لان اللبنانيين لا يملكون من امرهم شيئاً؟
هل ترى ذلك طبيعياً؟
ـ الوضع في لبنان غير طبيعي والوضع في المنطقة ليس طبيعياً.
بالامس القريب اجتمع المفتي الشيخ محمد رشيد قباني ونائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان وأصدرا بياناً حول العراق وفلسطين، ولكن الفقرة المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي وتعديل الدستور سحبت من وسائل الاعلام,,.
ـ هذه مسألة لبنانية خاصة.
هناك سجال حول التجديد والتمديد وتعديل الدستور، اين انتم من ذلك؟
ـ اعتبر ان هذه الامور اللبنانية لن تغير شيئاً في الواقع، واذا كانت لا تغير شيئاً في الواقع فعلينا ألا نعطيها اهتماماً كبيراً, ان مسألة لبنان هي مسألة النظام الطائفي، هو السرطان الذي يوزع كل مفاعيله على كل الواقع السياسي اللبناني، ولا احب ان اتحدث في تفاصيل هذا الموضوع.
http://www.alraialaam.com/26-08-2004/ie5/international.htm#07