المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تصاعد القوة الناعمة الايرانية في العراق..



كاشف الغمة
06-17-2009, 02:43 PM
طهران تخفض «الدعم المميت» للجماعات المسلحة بالعراق.. وتصعد «قوتها الناعمة»

شركات إيرانية تغزو كربلاء.. وإحداها حصلت على عقد بـ 100 مليون دولار وسط اعتراضات السكان



كربلاء: سام داغر *
قتل ما يناهز الثمانين زائرا إيرانيا في أبريل (نيسان) الماضي، في عمليات انتحارية في العراق خلال يومين فقط.
ولكن على الرغم من أن الزوار يبدون هدفا دائما للمتطرفين السنة في العراق، وعلى الرغم من استمرار ذلك الخطر، فإنه لا يبدو قادرا على منع الإيرانيين من المجيء إلي هنا.

في مساء قريب، توجه حشد من الزوار من مدينة أصفهان الإيرانية، بعضهم يبكي ويبدو في حالة أقرب للنشوة، إلى الضريح ذي السقف المقبب، وهم ينشدون «الحسين حبيبنا» باللغة الفارسية.

وفي الداخل، كان الإيرانيون يتدافعون مع الزوار للوصول إلى الهيكل، الذي يشبه قفصا مصنوعا من الذهب والفضة، يكسوه قماش أخضر اللون مزين بالأحجار الكريمة، وبداخله قبر الإمام الحسين، حفيد النبي محمد. والدافع الرئيسي وراء مجيء هؤلاء الزوار إلى العراق هو الإيمان.

ولكن الحكومة الإيرانية جزء من المعادلة كذلك، حيث إنها تشجع الوجود الإيراني المكثف في العراق، عن طريق مساعدة الشركات التي تستحوذ على قطاع كبير ومربح من الأعمال المتعلقة بالزيارات، وتجديد وترميم الأضرحة الشيعية في العراق.

وفي الوقت نفسه، الذي تتخوف فيه الولايات المتحدة والدول العربية المجاورة من زيادة التأثير الإيراني المباشر، ودعم الجماعات المسلحة في العراق، فإن الزوار يشكلون مثالا صغيرا ولكنه مهم على قوة إيران الناعمة المتنامية في العراق، وهو ما يزيد من امتعاض العراقيين. منعت وزارة الداخلية مؤخرا تعليق أي لافتات مكتوبة باللغة الفارسية في كربلاء، بالرغم من حقيقة أن معظم الزوار الإيرانيين لا يتكلمون العربية.

وفي أبريل (نيسان)، تظاهر سكان كربلاء ضد فوز الشركة الإيرانية «الكوثر» بعقد تجديد مركز المدينة التاريخي، الذي يشتمل على المنطقة المحيطة بأضرحة الإمام الحسين، وأخيه أبو فضل العباس، كجزء من مشروع تبلغ تكلفته 100 مليون دولار أميركي. ويقول المسؤولون إنهم أغرقوا بالعروض المضادة للعرض الإيراني.

ويقول علي الحياوي، مالك أحد الفنادق، التي تقدم الطعام للزوار، وأحد المعارضين لمشاركة إيران في ذلك المشروع: «نحن عرب، ولا نقبل أن يستعمرنا أحد، ونحن لا نتلقى أوامر من الإيرانيين».

ويشير الحراك في العراق إلى أن إيران ربما تواجه أوقاتا عصيبة في استمالة العراقيين استمالة حقيقية حتى بين أتباعها من الشيعة، نظرا للشكوك المتعلقة بعدة جبهات. ولكن على المستوى القومي فإن العلاقة أقرب لصراع الإدارات، فالحكومة العراقية ربما ترغب في الحفاظ على مسافة مع إيران، ولكنها في الوقت نفسه تحتاج إيران اقتصاديا وكحليف استراتيجي.

والعلاقة بين إيران والعراق كانت دائما علاقة خصومة، وأصبح الأمر أكثر تعقيدا في ظل الوجود الأميركي في العراق. ويربط بين الدولتين الشيعيتين الكبيرتين خط حدود بطول 800 ميل، وعلاقات تاريخية وثقافية وروابط تجارية، ولكن تلك العلاقات تصبغها خصومات قديمة وحرب امتدت لثماني سنوات في الثمانينات، خلفت مئات الألوف من القتلى أو المعاقين. وكان الرئيس العراقي صدام حسين، قد سمح للزوار الإيرانيين بالعودة إلى العراق في منتصف التسعينيات، ولكن كان العدد ضئيلا للغاية، إذا ما قورن بعدد الحجاج الحالي، وكانوا يخضعون لرقابة مكثفة من الشرطة السرية.

وقعت إيران اتفاقية مع العراق في عام 2005 تسمح العراق بمقتضاها بدخول ما يقارب الخمسة آلاف زائر إيراني يوميا، الذين يأتي معظمهم برا ويبقون لمدة أسبوع. بالإضافة إلى رحلتين جويتين تنقلان الزوار من إيران إلى العراق. وترغب إيران في إرسال المزيد من الحجاج، والعمل على تحسين البنية التحتية في المدن التي بها الأضرحة، للسماح بتوافد المزيد من الأعداد.

فكربلاء على سبيل المثال تستقبل الملايين من الزوار كل عام، ولكن طاقة الفنادق الاستيعابية لا تزيد عن 23 ألفا وفقا لمسؤولين محليين.

وعلى خلاف القوميين والسنة المتشددين، فإن الكثير من العراقيين يرحبون بالزوار الإيرانيين، حيث تمثل الأعمال التي يقيمونها دورا حيويا بالنسبة للاقتصاد في مدينة الضريح، على مقربة من النجف وفي المنطقة المحيطة بالضريح الشيعي في الكاظمية ببغداد، وتنشر الحكومة قوات الأمن في كل مكان لحمايتهم.

وفي الوقت نفسه فإن الكثير من العراقيين حانقون على النفوذ الإيراني السلبي، والتدخل في الشؤون السياسية الداخلية، خاصة عبر الأحزاب الشيعية العراقية الحاكمة، التي رعتها إيران لسنين طويلة. يقول حيدر عبد الحسن، صاحب متجر في كربلاء، في إشارة إلى الإيرانيين وحلفائهم من العراقيين: «ثلاثة أرباع السلطة في أيديهم».

وأصبح المسؤولون العراقيون الذين لا يرغبون في أن ينظر إليهم كأتباع لإيران أكثر حذرا وانفعالا عند سؤالهم حول النفوذ الإيراني في كربلاء، مؤكدين أنه في حدوده الدنيا. ولكن النظرة المتفحصة تظهر لنا صورة مختلفة، فخلف ضريح الإمام الحسين، وعبر ردهة الفندق خافتة الإضاءة وبعد صعود الدرج يقع مكتب شركة «شمسا» وهي شركة إيرانية خاصة، تمارس احتكارا فعليا للأنشطة المتعلقة بالزوار الإيرانيين في العراق.

وتختار «شمسا» الشركات العراقية التي سوف تتعامل معها، لتوفير النقل والأمن والإقامة للزوار. ويقول أصحاب بعض تلك الأعمال، إن معظم الشركات التي تتعامل مع شركة «شمسا» تابعة للأحزاب السياسية العراقية القريبة من إيران. فعلى سبيل المثال شركة الأمن الخاصة «إحسان» لها علاقات وطيدة بالمجلس الأعلى الإسلامي العراقي. وبداخل مجموعة من الأزقة في سوق كربلاء، تقع المكاتب العادية لشركة «سيتاد بازازي عتبات اليات»، وهي شركة تملكها الحكومة الإيرانية، ومشاركة في تجديد الأضرحة حول العالم، ولديها الكثير من الأعمال هنا. وفي المدخل، لوحة بيضاء مكتوب عليها: «احضر خمس مبردات هواء لضريح الإمام الحسين». وتتدلى على الجدران رسومات براقة لعملية تجديد ضريح كربلاء الخلافية. ويقتضي المشروع هدم المنازل القديمة، وتوسيع الساحة بين الأضرحة، وبناء دورين تحت الأرض ومراكز للتسوق. وشركة «الكوثر» الإيرانية التي فازت بعقد التصميم هي إحدى الشركات التابعة لها.

ويعمل كلاهما في كل مدن الأضرحة، حيث تتضمن المشروعات في كربلاء وحدها مستشفى وعدة فنادق كبيرة ومجمعات سكنية ومعهدا دينيا تديره إيران.

وفي مايو (أيار) 2008، أخبر رئيس شركة «سيتاد بازازي عتبات اليات»، وسائل الإعلام أن إيران تبرعت بما يقارب المليار دولار أميركي لتجديد وتجهيز الأضرحة العراقية. وقال المسؤولون عن الأضرحة في كربلاء وقتها، إن المبلغ مبالغ فيه للغاية. ويقول الميجور جنرال ميشيل أوتس، القائد العسكري الأميركي للمحافظات الجنوبية التسع الرئيسية جنوبي بغداد، بما فيها كربلاء، في تصريح حديث، إنه في الوقت نفسه الذي خفضت فيه إيران ـ ولكنها لم تلغ تماما ـ «الدعم المميت» وتسليح المسلحين في العراق، فكرت في زيادة قوتها الناعمة عبر الأعمال الخيرية والمؤسسات السياسية والاقتصادية.

ويضيف القائد، «بعضها جيد، ولكن تخوفي هو المدى الذي يرغبون في أن يصل إليه تأثيرهم على السياسة العراقية