المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نص محاضرة احياء الفكر الديني في الاسلام للشهيد مرتضي مطهري



الدكتور عادل رضا
08-25-2004, 12:47 AM
ماذا نعني بإحياء الفكر في الإسلام؟

ماذا تحتاج البشرية في نظر إقبال الذي تحدث عن فكرة الإحياء؟

هل الإسلام موجود اليوم؟ وما هو المفهوم القرآني للإحياء؟

ما هي مظاهر المجتمع الحي؟


--------------------------------------------------------------------------------



«يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله إذا دعاكم لما يحييكم »(1).

إن أحكام الإسلام حيَّة وليست ميِّتة، وقد تعهَّد الله بحفظها.

«إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»(2).

وخصوصية الخلود هذه هي التي تميِّز الدين الإسلامي الخالد عن باقي النظريات العلميَّة، إذن الدين حي ليس بحاجة إلى إحياء، والذي هو بحاجة إلى إحياء هو التفكير بشأن الدين، وغسل الأدمغة من الشبهات والانحرافات(3) المتراكمة، فالإحياء بمعنى إزالة ما علق بالدين من تشويهات وتحريفات اتخذت عبر الزمن صفة دينية، وتقديم الدين بشكل يواكب متطلبات العصر.



فكرة الإحياء في الروايات‏

لقد ورد عن آل بيت النبوة في موارد متعددة:

«أحيوا أمرنا».

وورد في عبارات أمير المؤمنين "عليه السلام ":

«أحيوا السنة وأماتوا البدعة»(4).

«فيريكم كيف عدل السيرة ويحيي ميت الكتاب والسنة»(5).

«إنه ليس على الإمام إلا ما حمل من أمر ربه، الإبلاغ في الموعظة والاجتهاد في النصيحة والإحياء للسنة»(6).



اعتراض على الفكرة

وقد يعترض البعض فيقول إنّ الدين هو عامل إحياء الإنسان.

«يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ».

فكيف تقولون إنّ الإنسان هو الذي يحيي الدين؟!

والجواب: أنّه لا تنافي بين الفكرتين، فالإنسان إذا تمسك بالدين يقوم الدين بدور إحياء هذا الإنسان، وفي الوقت نفسه يقوم الإنسان بإحياء الدين وذلك عندما يعمل بالسنة ويميت البدعة، تماما كالغذاء فإنه يحافظ على الإنسان والإنسان يقوم بدوره بالحفاظ على الغذاء.



إقبال(7) اللاهوري وفكرة الإحياء

يقول إقبال في كتابه إحياء الفكر الديني في الإسلام: «أبرز ظاهرة في التاريخ الحديث السرعة العظيمة التي يتحرك فيها العالم الإسلامي روحياً صوب الغرب». لكن لا ضرر من الحركة تجاه الجانب العقلي لذلك يستدرك «هذه الحركة ليست باطلة أو خاطئة، لأن الحضارة الأوروبية في جانبها العقلي تعتبر مرحلة متطورة لأهم مراحل الثقافة الإسلامية». إلا أن الخوف من الانبهار والانجرار الأعمى «خوفنا من أن الظاهر الباهر للحضارة الغربية يصدنا عن الحركة، ويشلنا عن الوصول إلى الماهية الواقعية لهذه الحضارة». ويسخر من مثالية أوروبا وأنها لم تدخل واقع الحياة، حتى ولو تبجحت بلائحة حقوق الإنسان، وابتكرت المذهب الإنساني humanisme «مثالية أوروبا لم تدخل الحياة الاجتماعية بشكلِ عاملٍ حيوي، صدقوني إن أوروبا تشكل اليوم أكبر عقبة على طريق تقدم أخلاق البشرية».



الإسلام أطروحة مضمونة النفوذ في الأعماق‏

يعترض إقبال على كل الرؤى الوضعية بأن ليس فيها أي ضمان للنفوذ إلى أعماق البشرية، بخلاف ما هو موجود في الإسلام، الرؤية الإلهية، وما فيه من ضمانات تنفيذية، وهو يرى أن البشرية بحاجة إلى أمور ثلاثة:

أولاً: تفسير روحي للعالم، لأن العالم بالمنظور المادي أعمى، يتحرك حركة عابثة غير هادفة، بينما هو في التصور القرآني.

«أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون»(8).

ولا يضيع فيه مثقال ذرة من خير أو شر، بل كل شي‏ء بعين اللطيف الخبير الذي.

«لا تأخذه سنة ولا نوم»(9).

ثانياً: الحرية الروحية للفرد، القادرة على إطلاق الطاقات الإنسانية الكامنة، وتخلصه من كل الرؤى المقيدة والمكبلة له ولشخصيته.

ثالثاً: المبادى‏ء الأساسية العالمية، يقصد بذلك المبادى‏ء الإسلامية التي مفعولها عالمي، وتدفع البشرية باتجاه الرقي والتكامل.



هل الإسلام موجود اليوم؟

يجيب إقبال: إن الإسلام الذي فيه كل هذه الأمور موجود بين المسلمين وغير موجود، فهو موجود بالمظاهر التي تسود حياة المسلمين، فهم يتسمون بأسماء إسلامية ويدفنون موتاهم حسب الأحكام الإسلامية، يرفعون الأذان ويصلون، لكنهم يفتقدون روح الإسلام وهي ميتة بينهم، بمعنى أن الإسلام لم يمت وهو حيّ أبدا بالكتاب والسنة اللذان يطفحان بالحيوية والنشاط والاستجابة لكل متطلبات الحياة، لكن المسلمون هم الميّتون، لأنهم تمسكوا بالإسلام الممسوخ، ويصور أمير المؤمنين‏"عليه السلام " هذه الحالة بقوله:

«ولُبِسَ الإسلام لبسَ الفرو مقلوباً»(10).



المفهوم القرآني للإحياء

يتحدث القرآن في عدة مواضع عن الحياة ومراتبها النباتية والحيوانية والإنسانية، إلا أننا سنقتصر في الحديث عن وجهة نظر القرآن في الحياة الإنسانية.

والقرآن الكريم عندما يتحدث عن الحياة الإنسانية التي يحيى بها الإنسان، يتجاوز دقات القلب ودورة الدم إلى حياة بها يكون الإنسان حياً، فيقسّم الناس إلى موتى وأحياء، أما الموتى فهم الظالمون وكل من لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وأما الأحياء فهم المؤمنون الذين هدى الله قلوبهم للإيمان.

«أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي في الأرض كمن مثله في الظلمات»(11).

«يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر مثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون علي شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الظالمين »(12).

«ومثل الذين ينفقون أمواله م ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطلّ والله بما تعملون بصير»(13).

فالحياة التي يتحدث عنها القرآن حياة يخرج بها الإنسان من ظلمات البهيمية إلى نور الهداية الإلهية، ومن الموت الذي تكون فيه الأرض صلدة لا تتقبل الحق، إلى حياة نورانية تكون الأرض خصبة مستعدة لتحمل الرسالة الإلهية.

«يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله إذا دعاكم لما يحييكم»(14).

وأما من كان ميتا فلا يستجيب لهذا النداء.

«إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين»(15).



مظاهر المجتمع الحي‏

قد لا يمكننا فهم كنه الحياة الإنسانية لشدة تعقيدها، لكننا نحاول فهمها من خلال تلمّس بعض الآثار، فمن آثار هذه الحياة:

1 الوعي والتحرك: كلما ازداد وعي المجتمع وروح الاندفاع والحركة فيه كان أقرب للحياة، وكلما قل إدراكه ووعيه وخمدت فيه روح الحركة كان أقرب إلى الموت، وهذا معيار هام لتمييز ما هو من الإسلام ممّا هو دخيل عليه، لأن الإسلام دين الحياة والتقدم والوعي، ولا ينسجم أبدا مع الموت والفتور والجهل، لكن إذا نظرنا إلى واقعنا اليوم وجدنا أننا نحترم الساكن الراكد بدل أن نحترم ونقدر المتحرك، وهذا مظهر من مظاهر الانحطاط في مجتمعنا.

2 الترابط والتضامن: بين أفراد المجتمع، وهو يزداد كلما كانت روح الحياة نابضة أكثر في المجتمع، وإذا ضعف هذا الترابط اتجه المجتمع نحو الموت، وهذا معيار آخر يمنحنا فهم مجتمعنا الإسلامي هل هو حي أو هو ميت.

فالمجتمع الإسلامي الواقعي مجتمع حيّ بسبب الترابط والتعاضد بين أفراده.

«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى».

هذه الحمى ليست عملية مواساة فحسب، وإنما هي حالة نفير عام لكل الأعضاء لمواجهة العدو الداهم على العضو المصاب.

بينما المجتمع الإسلامي المعاصر تمزقه الخلافات والصراعات الداخلية التي يراهن عليها أعداء الإسلام، فأين المسلمون من الترابط؟ لقد بدأ الموت يدب في جسد الأمة منذ أن استشرى بين أفرادها الانحراف والتفكك، فقد اقتطع الأعداء الأندلس وذلك الجزء العزيز من جسد الإسلام، ثم اقتطعوا فلسطين أُولَى القبلتين ولم يظهر من المسلمين أي ردّ فعل حقيقي ينبئ عن وجود حياة في سائر الأعضاء، والسبب هو الانغماس في صراعات داخلية وطائفية، فأين المسلمون من قول الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله ":

«من سمع مسلما ينادي يا لَلمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم»(16).

3 تكريم الشخصيات الفكرية: الأحياء منهم بالدرجة الأولى، لأن تكريم الأموات قد لا ينمّ عن ظاهرة حياة، وخير مثال على الشخصيات الحية العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي(17)، فهو مثال التقوى والورع، وهو عالم مفكر قدّم للمسلمين علما واسعا لا سيما كتابه الميزان في تفسير القرآن، الذي يعتبر أفضل تفسير كتب حتى الآن، مع الاعتراف بأهمية التفاسير الأخرى، وهو العالم الذي يعيش آلام الأمة وهمومها، ولا أدل على ذلك من موقفه تجاه القضية الفلسطينية، حيث تصدى لجمع تبرعات مالية للأخوة الفلسطينيين، وهو الرجل الذي ذاع صيته خارج إيران، بل تجاوز العالم الإسلامي، والعلماء المسلمون يتوافدون عليه من كل حدب وصوب وقد زاره أخيرا الأستاذ علال الفاسي من المغرب معربا عن إعجابه بهذه الشخصية العظيمة، كما أن المستشرقين على علم بمكانة وقدر هذا المفكر الإسلامي.

4 الارتباط بالتاريخ الثوري: وبالأفراد الذين صنعوا التاريخ بدمهم يؤكد أن المجتمع حيّ أبيّ الضيم لا ينثني أمام التحديات والصعاب، ومن هنا كانت تعاليم الأئمة عليهم السلام، تؤكد على مخاطبة الشهداء.

«يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً».

والبكاء على الشهيد وإحياء ذكراه.

«كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء»(18).




--------------------------------------------------------------------------------

الخلاصة

ليست أحكام الدين ميتة، وإنما هي العقول انحرفت في تفكيرها عن الجادة المستقيمة، فكان لا بد من إحياء لهذا التفكير، وقد تعرض إقبال لمسألة إحياء الفكر في الإسلام، وقارن بين النظريات الغربية وما يقدمه الإسلام للبشرية، وقال إن المجتمع البشري بحاجة إلى أمور لكي يبقى حيا، وهذه الأمور موجودة في الإسلام.

ثم يتعرض الشهيد مطهري لسؤال وهو هل الإسلام موجود اليوم؟ لينطلق من خلال ذلك لتحديد معنى الإحياء في القرآن الكريم، ثم يعرض أربعة معايير للمجتمع الحي: الوعي والتحرك في المجتمع، التضامن والترابط بين الأفراد، تكريم الشخصيات الفكرية لا سيما الحية منها، وارتباط المجتمع بتاريخه الثوري والجهادي.

والحمد لله ربّ العالمين‏