Osama
06-05-2009, 02:24 PM
لاحم الناصر - الشرق الاوسط
عندما كنت أقلب في أرشيف المجلات لدي، وقعت يدي على مجلة «نيوزويك» النسخة العربية إصدار شهر أغسطس 2001 م، وقد شد انتباهي العنوان الرئيس على صفحة الغلاف، وقد كتب بالبنط العريض (هل طفح الكيل؟ المستهلكون الأمريكيون يغرقون بالديون). بدأت في تقليب صفحات المجلة للوصول إلى الموضوع، حيث أحسست أن له ارتباطا بما حصل من أزمة مالية عالمية، لكنني بعد الانتهاء من قراءة التقرير، فوجئت بما يحويه من معلومات تنبئ بوقوع الكارثة، وإليكم بعض المقتطفات منه ـ ويجب عليك أخي القارئ الكريم أن تلحظ أن هذا التقرير كتب في عام 2001م ـ: «يعكف مالكو البيوت على الاستدانة مقابل رهن منازلهم، التي تشهد قيمتها ارتفاعا من أجل رفد الإنفاق الاستهلاكي، وتعمل المصارف على الترويج لقروض تنطوي على مخاطر في صفوف أناس لهم تاريخ ائتمان رديء، وفي حين يتباطأ الاقتصاد، فإن حالات التأخر في تسديد الرهون
العقارية، وعدم تسديد بطاقات الائتمان تشهد تزايدا. ويقول المتنبئون بأن عددا قياسيا من الناس يبلغ 1.4 مليون، قد يتقدمون بطلبات إفلاس هذا العام. لقد كانت عبارة «أزمة الديون» تشير إلى تخلف المكسيك والأرجنتين عن تسديد سنداتهما، ولكن يحذر بعض الاقتصاديين بأن عددا متزايدا من العائلات سوف يقاسي في الشهور المقبلة أزمة مشابهة، وبالطبع فإن سيناريوهات الكارثة قد تكون سابقة لأوانها». وهكذا نرى أن الرهون العقارية أصبحت بالنسبة للمستهلك الأمريكي أشبه بحصالة نقود، كما يصفها التقرير، ويسوق التقرير أمثلة على ذلك، فهذا روك غيبنز، وليندا غوسيت، من مدينة دالاس تحملا عبء رحلة غوص بكلفة 7000 دولار، إلى جزر الهند الغربية، نتيجة إعادة تمويل الرهن العقاري لبيتهما، الذي تم شراؤه بـ42 ألف دولار قبل ست سنوات، والذي يبلغ قيمته اليوم (تاريخ كتابة التقرير) 123 ألف دولار، مضيفين 77 ألف دولار دينا على رهنهما العقاري، من أجل تسديد ديون بطاقات ائتمان، وقروض سيارة والقيام بأعمال تحسين منزلي.
ويستطرد التقرير في ضرب الأمثلة، المثال تلو المثال، على توسع الفرد الأمريكي في الإنفاق الاستهلاكي على حساب مراكمة الديون على الرهن العقاري، دون أيما حصافة أو حنكة، مما ينذر بوقوع الكارثة، التي وقعت بالفعل في عام 2008م، فتسببت في الأزمة المالية العالمية التي يعاني منها العالم اليوم. وهكذا نرى كيف أن سلوك الفرد الائتماني من الممكن أن يتسبب في إيذاء الاقتصاد المحلي والعالمي. ومن هنا وجب التنبيه على وجوب أخذ العظة والعبرة مما حدث في أمريكا، حتى لا تتكرر المأساة لدينا في العالم العربي، الذي يتلمس طريقه هذه الأيام في مجال الرهن العقاري، خصوصا في أكبر سوق ائتماني في المنطقة، وهي المملكة العربية السعودية، التي يترقب فيها القطاع العقاري والمصرفي صدور نظام الرهن العقاري، الذي من المتوقع أن
يساهم في حل مشكلة الإسكان في المملكة العربية السعودية. حيث يعاني المواطن من عدم القدرة على تملك السكن المناسب له ولعائلته، نتيجة لارتفاع الكلفة وعزوف المصارف عن التمويل لعدم وجود نظام للرهن العقاري، وبالتالي فمع صدور النظام يتوقع أن تحصل طفرة عقارية في المملكة العربية السعودية، نتيجة لإقبال المواطنين على التملك، مما قد يؤدي لارتفاع أسعار المنازل والوحدات السكنية. ولكي تتم الاستفادة من هذا النظام مع تجنب سلبياته، فإنني اقترح على الجهات التشريعية ممثلة في مجلس الشورى، والجهات الرقابية على القطاع المالي ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية، ما يلي:
أولا: منع إعادة تمويل الرهن العقاري حتى لا يتم تحويل المنزل إلى حصالة نقود لتمويل الإنفاق الاستهلاكي، الذي يضر بالاقتصاد الوطني، حيث يزيد من فاتورة الاستيراد، وذلك بالنظر إلى أننا دولة مستوردة ولسنا دولة منتجة، كما أنه سيزيد من معدلات التضخم.
ثانيا: التشديد الرقابي في مجال منح الائتمان من قبل النظام المصرفي مقابل الرهن العقاري، بحيث يتم التأكد من الجدارة الائتمانية للممول من حيث التاريخ الائتماني والقدرة على السداد، للتقليل من حالات الإخفاق في السداد.
ثالثا: وجود نظام للتصكيك يكون متوافقا مع إحكام الشريعة الإسلامية، لتشجيع المصارف على منح التمويل العقاري طويل الأجل، حيث إن وجود مثل هذا النظام سيساعد المصارف على الموازنة بين مصادر الأموال واستخداماتها. كما أنه سيساعدها في جانب الإيفاء بمتطلبات كفاية رأس المال، وسيزيد من كفاءتها في عملية إدارة المخاطر، على أن لا يسمح هذا النظام إلا بتصكيك الالتزامات الائتمانية الجيدة، حيث إن في ذلك نقلا للمخاطر إلى المستثمرين حملة الصكوك. وفي حال سمح النظام بتصكيك الالتزامات الائتمانية ضعيفة الملاءة أو الخطرة، فإن المصارف ستتساهل في عمليات المنح الائتماني، مما قد يتسبب في أزمة مالية تطيح بالنظام المصرفي في البلد، كما حدث في أمريكا.
رابعا: وجود سوق ثانوية لتداول الصكوك.
خامسا: عدم السماح بإنشاء أو تداول المشتقات المتعلقة بالرهن العقاري، سواء كانت متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ـ إن وجدت ـ أو تقليدية. والله من وراء القصد.
* مستشار في المصرفية الإسلامية lahem88@hotmail.com
عندما كنت أقلب في أرشيف المجلات لدي، وقعت يدي على مجلة «نيوزويك» النسخة العربية إصدار شهر أغسطس 2001 م، وقد شد انتباهي العنوان الرئيس على صفحة الغلاف، وقد كتب بالبنط العريض (هل طفح الكيل؟ المستهلكون الأمريكيون يغرقون بالديون). بدأت في تقليب صفحات المجلة للوصول إلى الموضوع، حيث أحسست أن له ارتباطا بما حصل من أزمة مالية عالمية، لكنني بعد الانتهاء من قراءة التقرير، فوجئت بما يحويه من معلومات تنبئ بوقوع الكارثة، وإليكم بعض المقتطفات منه ـ ويجب عليك أخي القارئ الكريم أن تلحظ أن هذا التقرير كتب في عام 2001م ـ: «يعكف مالكو البيوت على الاستدانة مقابل رهن منازلهم، التي تشهد قيمتها ارتفاعا من أجل رفد الإنفاق الاستهلاكي، وتعمل المصارف على الترويج لقروض تنطوي على مخاطر في صفوف أناس لهم تاريخ ائتمان رديء، وفي حين يتباطأ الاقتصاد، فإن حالات التأخر في تسديد الرهون
العقارية، وعدم تسديد بطاقات الائتمان تشهد تزايدا. ويقول المتنبئون بأن عددا قياسيا من الناس يبلغ 1.4 مليون، قد يتقدمون بطلبات إفلاس هذا العام. لقد كانت عبارة «أزمة الديون» تشير إلى تخلف المكسيك والأرجنتين عن تسديد سنداتهما، ولكن يحذر بعض الاقتصاديين بأن عددا متزايدا من العائلات سوف يقاسي في الشهور المقبلة أزمة مشابهة، وبالطبع فإن سيناريوهات الكارثة قد تكون سابقة لأوانها». وهكذا نرى أن الرهون العقارية أصبحت بالنسبة للمستهلك الأمريكي أشبه بحصالة نقود، كما يصفها التقرير، ويسوق التقرير أمثلة على ذلك، فهذا روك غيبنز، وليندا غوسيت، من مدينة دالاس تحملا عبء رحلة غوص بكلفة 7000 دولار، إلى جزر الهند الغربية، نتيجة إعادة تمويل الرهن العقاري لبيتهما، الذي تم شراؤه بـ42 ألف دولار قبل ست سنوات، والذي يبلغ قيمته اليوم (تاريخ كتابة التقرير) 123 ألف دولار، مضيفين 77 ألف دولار دينا على رهنهما العقاري، من أجل تسديد ديون بطاقات ائتمان، وقروض سيارة والقيام بأعمال تحسين منزلي.
ويستطرد التقرير في ضرب الأمثلة، المثال تلو المثال، على توسع الفرد الأمريكي في الإنفاق الاستهلاكي على حساب مراكمة الديون على الرهن العقاري، دون أيما حصافة أو حنكة، مما ينذر بوقوع الكارثة، التي وقعت بالفعل في عام 2008م، فتسببت في الأزمة المالية العالمية التي يعاني منها العالم اليوم. وهكذا نرى كيف أن سلوك الفرد الائتماني من الممكن أن يتسبب في إيذاء الاقتصاد المحلي والعالمي. ومن هنا وجب التنبيه على وجوب أخذ العظة والعبرة مما حدث في أمريكا، حتى لا تتكرر المأساة لدينا في العالم العربي، الذي يتلمس طريقه هذه الأيام في مجال الرهن العقاري، خصوصا في أكبر سوق ائتماني في المنطقة، وهي المملكة العربية السعودية، التي يترقب فيها القطاع العقاري والمصرفي صدور نظام الرهن العقاري، الذي من المتوقع أن
يساهم في حل مشكلة الإسكان في المملكة العربية السعودية. حيث يعاني المواطن من عدم القدرة على تملك السكن المناسب له ولعائلته، نتيجة لارتفاع الكلفة وعزوف المصارف عن التمويل لعدم وجود نظام للرهن العقاري، وبالتالي فمع صدور النظام يتوقع أن تحصل طفرة عقارية في المملكة العربية السعودية، نتيجة لإقبال المواطنين على التملك، مما قد يؤدي لارتفاع أسعار المنازل والوحدات السكنية. ولكي تتم الاستفادة من هذا النظام مع تجنب سلبياته، فإنني اقترح على الجهات التشريعية ممثلة في مجلس الشورى، والجهات الرقابية على القطاع المالي ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية، ما يلي:
أولا: منع إعادة تمويل الرهن العقاري حتى لا يتم تحويل المنزل إلى حصالة نقود لتمويل الإنفاق الاستهلاكي، الذي يضر بالاقتصاد الوطني، حيث يزيد من فاتورة الاستيراد، وذلك بالنظر إلى أننا دولة مستوردة ولسنا دولة منتجة، كما أنه سيزيد من معدلات التضخم.
ثانيا: التشديد الرقابي في مجال منح الائتمان من قبل النظام المصرفي مقابل الرهن العقاري، بحيث يتم التأكد من الجدارة الائتمانية للممول من حيث التاريخ الائتماني والقدرة على السداد، للتقليل من حالات الإخفاق في السداد.
ثالثا: وجود نظام للتصكيك يكون متوافقا مع إحكام الشريعة الإسلامية، لتشجيع المصارف على منح التمويل العقاري طويل الأجل، حيث إن وجود مثل هذا النظام سيساعد المصارف على الموازنة بين مصادر الأموال واستخداماتها. كما أنه سيساعدها في جانب الإيفاء بمتطلبات كفاية رأس المال، وسيزيد من كفاءتها في عملية إدارة المخاطر، على أن لا يسمح هذا النظام إلا بتصكيك الالتزامات الائتمانية الجيدة، حيث إن في ذلك نقلا للمخاطر إلى المستثمرين حملة الصكوك. وفي حال سمح النظام بتصكيك الالتزامات الائتمانية ضعيفة الملاءة أو الخطرة، فإن المصارف ستتساهل في عمليات المنح الائتماني، مما قد يتسبب في أزمة مالية تطيح بالنظام المصرفي في البلد، كما حدث في أمريكا.
رابعا: وجود سوق ثانوية لتداول الصكوك.
خامسا: عدم السماح بإنشاء أو تداول المشتقات المتعلقة بالرهن العقاري، سواء كانت متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ـ إن وجدت ـ أو تقليدية. والله من وراء القصد.
* مستشار في المصرفية الإسلامية lahem88@hotmail.com