جمال
08-23-2004, 11:31 AM
أجرى الحوار: زهير الدجيلي
..والمعارك محتدمة في النجف الاشرف، حيث كانت عشرات الاسئلة تدور في اذهان الجميع حول مستقبل الصراع على السلطة في العراق، وحول مصير حركة مقتدى الصدر وتياره الذي دخل في معارك طاحنة في النجف ومناطق اخرى مع قوات الاحتلال من جهة ومع قوات الحكومة العراقية الموقتة من جهة ثانية، ومع احتدام اسئلة اخرى حول المستقبل الذي ينتظر العملية السياسية في العراق، وفيما اذا كانت تفضي الى السيادة الكاملة ونجاح المشروع الديموقراطي ام تفضي الى بقاء التدهور الامني، جاء لقاء «القبس» مع السيد عمار عبد العزيز الحكيم في وقته، اثناء مروره بالكويت ذاهبا الى لندن لحضور مؤتمر هناك، وقد تكون زيارته الى لندن مناسبة لزيارة آية الله العظمى علي السيستاني الذي يعالج في العاصمة البريطانية، رغم ان السيد عمار الحكيم لم يشر الى ذلك.
والسيد عمار الحكيم هو ابن السيد عبد العزيز الحكيم الشخصية العراقية وعضو مجلس الحكم السابق الذي اخذ مكان اخيه الشهيد اية الله السيد محمد باقر الحكيم في رئاسة المجلس الأعلى للثورة الاسلاميه بعد اغتياله، وفي الشهور الماضية برز السيد عمار الحكيم كواحد من قادة المجلس الأعلى للثورة الاسلامية وامينا عاما لاكبر مؤسسة تبليغية ثقافية تأسست في النجف هي «مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الاسلامي» التي اعتبرها العديد من المراقبين اكبر عملية بناء سياسي وثقافي يعتمد عليها المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق في توسيع قاعدته السياسية والاجتماعية اضافة الى منظمة بدر، خصوصا وانها تركز على تنشئة الاطفال والاحداث والشباب تنشئة تعتمد العقيدة الشيعية منهجا لها وعلى خطط المجلس الأعلى برنامجا لنشاطها.وانها تمتلك قدرات مالية وتعبوية كبيرة.
وللامانة نقول اننا فوجئنا ليس فقط بكياسة السيد عمار الحكيم بل ايضا بثقافته وبعد نظره وقدرته على الاجابة على كل تساؤلات «القبس» بصراحة ووضوح عمادهما دبلوماسية محببة وذكاء واضح، متسما بروح الاعتدال والانفتاح على الآخر، ليذكرنا بذلك الاعتدال الذي كانت عليه زعامة الشهيد السيد محمد باقر الحكيم، متفائلا بمستقبل البلاد رغم المشكلات العصيّة. وقد تقصدنا توجيه اسئلة له تخص سياسة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق لنعرف مواقف المجلس من القضايا الهامة القائمة الآن في العراق، ولا سيما ان المجلس مشاركا الآن في السلطة وفي العملية السياسية. مفترضين ان السيد عمار الحكيم احد الذين لهم مستقبل قيادي في المجلس وما سيقوله قد يعطي صورة عن مواقفه ازاء الاحداث.
كان اول سؤال وجهناه للسيد عمار الحكيم هو عن مصير ملف اغتيال الشهيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم..
> من الذي اغتاله؟ هل توصلتم الى معلومات موثقة واكيدة تقود إلى الجهة التي خططت للاغتيال؟ ومن نفذ ذلك الاغتيال؟ واين وصل التحقيق في القضية؟
ـ منذ الساعات الاولى لاغتيال شهيد المحراب، كان لدينا تحليل سياسي عمن وراء اغتياله. وتحليلنا كان يقوم على ان هناك تحالفا بين قوى متشددة هي امتداد لمنظمة القاعدة في العراق من ناحية وبعض ازلام النظام البائد من ضباط المخابرات من ناحية اخرى. وجاءت عملية الاغتيال مدبرة من هذه الجماعات لتعبر عن مثل هذا التحالف. فطبيعة الاعداد للعملية والآليات المتبعة فيها، كانت تؤكد وجود خبرة عالية وراء العملية. وبمرور الزمن، وبعد المتابعة كانت هناك محاولات للوصول الى نتائج حاسمة في التحقيق. ففي البداية تبنت قوات الاحتلال التحقيق في القضية. سحبت الملف عندها. واعطيناها نحن المعلومات المتوفرة عندنا، ولكن بعد ذلك لمسنا تباطؤا واضحا منهم في متابعة القضية.
بعد ذلك بدأت تتكشف بعض الحقائق. وحسم الموقف حينما تبنى الزرقاوي بصورة واضحة وعبر بيان منه يعلن مسؤوليته عن عملية الاغتيال، معترفا بتنفيذها. وهناك معلومات تفيد بان الزرقاوي شخصيا كان موجودا في النجف ساعة التنفيذ ليشرف على عملية اغتيال السيد الحكيم. كما ان هناك اشخاصا تم اعتقالهم كانت لهم علاقة بشكل او آخر في مجمل هذه العملية. ولكن بعد ذلك الاعتراف والتحليل يمكن ان نطمئن بان الجهة التي نفذت الاغتيال هي جماعة (القاعدة) مع فلول النظام البائد، وقد تكون هناك جهات اخرى وراءهم تساند وتدعم العملية، لكن ليس لدي الآن معلومات وافية عن تلك الجهات. والملف الان مازال مفتوحا، والمفترض ان يستمر التحقيق في القضية لاستكمال الملف من قبل الشرطة العراقية بعد قيام الحكومة الموقتة، لكنني لم اتلمس جدية الآن لديهم في متابعة هذا الملف.
قضية مقتدى الصدر
> دعنا سماحة السيد نتحدث عن الوضع الحالي في النجف الاشرف، وانت قادم منه الآن. ماهو تقييمكم في المجلس الاعلى وانت شخصيا لقضية السيد مقتدى الصدر؟ نريد ان نعرف الجانب الواضح من الحقيقة.؟
ـ بالحقيقة ان ظروف تصدي اية الله العظمى الشهيد محمد محمد صادق الصدر للنظام السابق اعطى فرصة للناس للتعرف عليه والالتفاف حوله كشخصية مرجعية تتحدث من النجف الاشرف، لاسيما ان الخطاب الثقافي الذي كان يتميز به الشهيد محمد محمد صادق الصدر والد مقتدى، ومايحتويه من مضمون اخلاقي كان له ابلغ الاثر في النفوس. تلك الظروف ادت الى حصول نوع من الالتحام والالتفاف بينه وبين اوساط من المتدينين الشيعة، وكانت القاعدة الاوسع له في المحافظات الجنوبية، وفي مدينة الصدر التي تمثل الاساس لهذا الالتفاف والتلاحم.
وبعد سقوط نظام صدام تصدى للمهمة بعده ولده السيد مقتدى الصدر، وحاول ان يجمع هذه المجاميع ويستنهض فيهم تلك الولاءات وصولا الى خلق تيار يمكن ان تكون له سمات معينة، منطلقا من فهمه لحركة والده الشهيد محمد محمد صادق الصدر في التعامل مع الواقع العراقي. وكانت له توفيقات في البعد التعبوي الى حد ما في لملمة الصفوف وتنظيم االحركة. ولكن اعتقد ان الملاحظة التي كانت تلحظ عليهم (تيار الصدر) انهم لم يكونوا متفهمين طبيعة الظرف الجديد او الواقع الجديد للعراق بانه ظرف او واقع يعطي الفرصة لجميع العراقيين وبجميع مكوناتهم السياسية في الحضور والمساهمة فيه على انهم عراقيون من الدرجة الاولى.
فحالة الطبقية على اساس الانتماءات الطائفية التي عمل فيها بالعراق لفترات طويلة جدا قد تغيرت الآن، واصبحت هناك فرصة امام الجميع للمشاركة في العملية السياسية. وهذا يفرض على جميع المكونات السياسية ان تبدأ التفكير بمنطق الحكم وليس بمنطق المعارضة. منطق الحكم له استحقاقات وله تداعيات تتطلب مواقف على الارض تنسجم معه. لذا انا اعتقد ان هذا التيار (تيار الصدر) انطلق بعد سقوط النظام بعقلية المعارضة وليس بعقلية الحكم، ومن هنا كان يجد في نفسه صعوبة للتأقلم مع الوضع القائم في الانفتاح على القوى السياسية والانخراط معها ضمن الحالة السياسية العامة وماتتطلب من حضور ومساهمة واثراء الواقع الجديد، ولهذا السبب بقي هذا التيار بعيدا عن هذا الواقع. كما ان التصريحات والمواقف ووجهات النظر التي تصدر منه ساهمت ايضا في هذا التباعد.
خطأ مجلس الحكم وسلطة الاحتلال
> هناك بالتاكيد من سعى الى تهميشه منذ البداية.. اليس كذلك؟
ـ طبعا، هناك خطا آخر من الجهات ذات العلاقة ببناء مؤسسات الدولة العراقية في التعامل مع هذا التيار، حيث غيب هذا التيار هو ورموزه عن المشاركة بمجلس الحكم وغيره من المؤسسات. وكانت هناك مناشدات منا الى تلك الجهات بضرورة اشراك هذا التيار، بحيث لاتشعر اي جهة من الجهات العراقية بانها مغيبة او تشعر بالظلامة وتنتفض للدفاع عن حقوقها فتتطور الامور بالطريقة التي لاتكون مفيدة للواقع العراقي.
هنا ايضا نشير الى اشكالية وهي ان عدم سماع المناشدات بضرورة تقريب تيار مقتدى الصدر ادى الى غياب هذا التيار على مستوى مجلس الحكم ومن ثم على مستوى الوزراء فيما بعد، مما ادى الى حصول فجوة بينه وبين العملية السياسية، فتازم الموقف اكثر، وهكذا بدات وتيرة الصراع تتصاعد فيما بعد مما دفع بمجموعة هذا التيار ان تكون لها تصورات اخرى.
المجلس الأعلى وتيار الصدر
> وماذا كان موقف المجلس الاعلى من تيار الصدر؟
ـ نحن في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية بذلنا جهودا كبيرة من اجل ازالة الحساسيات والانفتاح على هذا التيار والتواصل معه. وكان لنا دور في المطالبة بحقوقه، وجرت بيننا بعض اللقاءات. ولكن اعتقد ان تلك اللقاءات في تلك الفترة لم تصل الى مستوى الطموح.
> كلامكم يعني ان المجلس كان له موقف ايجابي من حركة مقتدى الصدر عكس مايشاع وما يردده بعض اتباعه.. لكنني اسألك هل هناك جهات في مجلس الحكم السابق وفي سلطة الاحتلال لم تكن راغبة بالموقف الايجابي من تيار الصدر والتفاعل معه؟؟
ـ كما قلت لك، لايمكن ان نحمل اي جهة معينة كامل المسؤولية او تمام المسؤولية. فتيار مقتدى الصدر انطلق منذ البداية ليفكر بعقلية المعارضة، كما ذكرت آنفا. من ناحية اخرى لم تعط الفرصة الكافية لاشراكه بصورة جدية في المشاريع الاولى لبناء العراق الجديد والمتمثلة بمؤسسات مجلس الحكم والوزارة والحكومة، مما ادى الى تأزيم الموقف. من ناحية ثالثة كان هذا التيار يرى في نفسه من الحضور والامتدادات بمستوى قد لايكون اصحاب القرار يرونه كما يراه هو. لذلك لاحظنا حتى في المؤتمر الوطني والهيئة العليا للانتخابات حين عرضت فكرة اشراك تيار الصدر وتم تقديم دعوة للحضور والمشاركة، لم يتجاوب مع الدعوة، وظل يشعر بالغبن ويعتقد بان مستوى التمثيل غير متناسب مع حجمه الذي يراه لنفسه. هذه اشكاليات حينما اجتمعت كلها ادت الى زيادة الصراع، الى ارهاصات.
التباعد عن البيت الشيعي
> ولكن هناك من يقول ان هناك جهات حتى في البيت الشيعي تريد تهميش تيار الصدر هل انت مع هذه الاقوال؟
ـ كما قلت لك ان بعض المعنيين في مؤسسات الدولة العراقية في الفترة السابقة لم يكن لهم وضوح في مدى فاعلية التيار. ايضا طبيعة التصريحات والاداء من قبل تيار الصدر كانت تفوت عليه بعض الفرص في اقناع تلك الجهات بامكان ان يكون لهذا التيار حضور ومشاركة ايجابية. وبالنتيجة ادى ذلك الى الى تغييب هذا التيار في الفترة السابقة، والى المزيد من التحسس والتصعيد في خطابه السياسي وفي الاداء.
> هل تعتقد ان تيار مقتدى الصدر تم استغلاله من قبل جهات داخل العراق وخارجه، حاولت من خلاله تأجيج صراعات داخلية في العراق؟
ـ المتابع لطبيعة الظروف في العراق لايستبعد ان يتحقق شيء من هذا القبيل. ولكن هذا لايعني ان يكون تقبل تيار مقتدى الصدر لمثل هذا الاستثمار من قبل الآخرين بوعي وبمعرفة. احيانا تكون المصالح المشتركة هي التي تدفع جهة معينة للتماشي مع الاخرين للوصول الى مصالح مشتركة بين الطرفين. هناك شواهد على الارض لاتستبعد ان يكون هناك نوع من انواع الانتهاز من جانب الآخرين للتيار الصدري مما ادى الى بعض المظاهر السلبية. كما ادى ايضا الى ان يقوم السيد مقتدى الصدر نفسه باصدار بعض البيانات لإيضاح وجود بعض المشكلات من هذا النوع في الصفوف الداخلية لحركته.
> اذا كنتم تلومون الجهات الاخرى مثل مجلس الحكم وسلطة الاحتلال على انها استبعدت تيار الصدر ولم تقدر على ضمه للعملية السياسية، فلماذا لم يبادر (البيت الشيعي) الى ذلك؟ ولماذا لم يقدم على جذبه الى وحدة البيت الشيعي؟
ـ كما قلت لكم في البداية لم يكن لدى جميع اطراف البيت الشيعي تفهم لضرورة الانفتاح على تيار مقتدى الصدر، واعطاء الفرصة له، ولكن بعد ان حصلت هذه القناعة كانت الامور قد تطورت الى الشكل الذي لم يعد تيار الصدر يجد نفسه بحاجة الى الاتصال بالبيت الشيعي او يندمج معه، انطلاقا من قناعته بانه بات يمتلك القدر الكافي من الرصيد الشعبي والامتداد الجماهيري، مما يجعله قادرا على اتخاذ قرارات بشكل مستقل ويعبر عن هويته المستقلة بالحجم الذي يراه لنفسه.
كما ان الدخول الى البيت الشيعي مع وجود كيانات وشخصيات وقوى ليس في التيار الصدري انداد لها يمتلكون ثقلها.. هذا السبب جعل تيار مقتدى الصدر يتباطأ في الانضمام الى البيت الشيعي.. ولقد قدمت اقتراحات ودعوات وحددت مقاعد لتيار الصدر ليتواجد ويثري هذه الاجتماعات وتكون له مساهمات في هذا الاطار، ولكن لم تحصل الاستجابة منه بالمستوى المطلوب.
> يمكن ان نفهم وجود مبالغات في تقييم تيار مقتدى الصدر وحجمه من جانبه. ولكن هل قام او شارك المجلس الاعلى في تقدير وتقييم حجم تيار الصدر لكي يبني على هذا التقييم قناعاته بحجم مشاركته في العملية السياسية؟
ـ لا أعتقد ان الحديث عن النسب والارقام يمثل اولوية في هذه المرحلة للتحدث في مثل هذه الامور. هناك مسائل لاتحتاج الى تكهنات كبيرة، نحن امام فرص واقعية يمكن ان تفرز حجم المكونات السياسية في العراق والقوى والشخصيات على مدى اشهر قليلة. ويمكن للمتابع ان ينظر ويكتشف بنفسه هذه الامور.
خطر المحاصصة الطائفية
> المحاصصة الطائفية التي قامت عليها العلاقات في الحكم الجديد في العراق قد تؤدي الى الاضرار بالبلد، وبالطوائف نفسها. وكمثال عدم نزع سلاح الميليشيات لانها مدعومة بالمحاصصة الطائفية. هناك من يسأل ايضا كيف تطالبون (مجلسكم داخل الحكم) بنزع سلاح تيار مقتدى الصدر في الوقت نفسه تبقي الحكومة وسلطة الاحتلال على اسلحة ميليشات اخرى مثل الميليشات الكردية؟ كيف يمكن اقناع الناس بهذا المنطق؟ منطق المحاصصة الطائفية اساسا خاطئ وفيه خلل؟
ـ في الحقيقة اشرتم الى قضيتين و كل منهما محور لحديث. فالمحاصصة الطائفية قضية، والميليشيات والتعامل معها قضية اخرى.. وفيما يخص موضوع المحاصصة الطائفية نحن في (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية) نعتقد ان العراق منذ قرون طويلة غيبت فيه مكونات حقيقية بسبب انتمائها المذهبي، وذلك تم لأسباب طائفية ولاسباب قومية، فالانتماء لغير القومية العربية كان يؤدي الى اضطهاد. والانتماء الى مذهب معين كان يؤدي الى اضطهاد، هذا الاضطهاد عمل به لفترات طويلة جدا.. نحن قتلنا بسيف الطائفية، ويسيف العنصرية في العراق.
ثم سقط النظام السابق، واصبحنا امام واقع جديد قلنا فيه:
نحن نعتقد بضرورة تمكين الشعب العراقي في ان يكون هو صاحب القرار في تقرير مصيره، وطالبنا بالاسراع في موضوع الانتخابات، واعطاء الفرصة للشعب في ان يختار من يشاء. وقلنا اننا سنكون مع من يتم اختياره من قبل الشعب بغض النظر عن طبيعة هذا الشخص وعقيدته. ولن نتحدث عن نسبة او محاصصة او اي شيء. ولكن لحين الوصول الى هذه الحالة (حالة الاحتكام الى صناديق الاقتراع) قدمنا رؤية ومشاريع نحو هذا الهدف، ولم نحظ باستجابة لا من الامم المتحدة ولا من سلطات الاحتلال المعنية بهذا الموضوع وادى موقفها من مشروع الانتخابات الى تأجيل هذا الامر. نحن قلنا (المجلس) اذا كانت هناك انتخابات فلن نتحدث عن شيء لآخر، وهذا الشيء لم نقله نحن وحدنا، انما قالته كل المكونات التي غيبت واضطهدت في النظام السابق لهذه الاسباب. وقلنا اذا لم تكن هناك انتخابات فنحن بحاجة الى ضمانات لكي لاتتكرر الحالة السابقة. واعيد القول اننا قتلنا بسيف الطائفية 1200 سنة فما هو الضمان في ان لاتتكرر اليوم هذه المأساة من جديد لتأتي حكومة وايضا باسم العراق نضطهد ونقتل ويفعل مايفعل بنا؟.. نحتاج الى ضمانات.. ليس نحن الشيعة فقط انما الشعب العراقي بكل مكوناته. ومن هنا قلنا في هذه المرحلة لا بد من توفير ضمانات. وهنا جئنا الى تساؤل وهو: ان العراق بلد تعددي فيه العرب والكرد والتركمان والشيعة والسنة وغير المسلمين.. كيف يمكن ان نحقق وحدة وطنية عراقية؟
رأيان في تحقيق الوحدة الوطنية
> وماذا كان جوابكم عن هذا التساؤل؟
ـ كان هناك منحيان او رأيان جوابا عن هذا التساؤل.. رأي يقول تتحقق الوحدة الوطنية بالغاء الخصوصيات الطائفية والعرقية، بأن نقول نحن عراقيون ونصمت. الكردي نقول له لاتقل انا كردي قل انا عراقي. والشيعي نقول له لاتقل انا شيعي بل قل انا عراقي، والسني وغيره كذلك، وهكذا نتجاهل الخصوصيات بان نجتمع على عنصر مشترك هو العراق والعراقيين.
اما المنحى الاخر او الرؤية الاخرى فكانت تقول: اذا اردنا وحدة عراقية حقيقية وليست وحدة شعار بل وحدة مضمون على الارض فعلينا اشباع الخصوصيات وليس الى تغييب الخصوصيات. الشيعي يحقق ذاته ويشعر بأن هذا الوطن يحقق له ذاته ويعترف له بهويته ويعترف له بخصوصيته، والسني ايضا والاخرون ايضا فاذا كان الكردي عنده ازمة في اللغة وفي الهوية يقال له: ان اللغة الكردية معترف بها في العراق ويقال له ارفع رأسك لأنك كردي وانت عراقي ايضا وحافظ على كرديتك. والشيعي يقال له انت عراقي وحافظ على عقيدتك وعلى شيعيتك والسني ايضا.
لذلك فإن اشباع الخصوصيات يؤدي الى ان كل هذه المكونات تشعر بأن هذا العراق يحقق لها ذاتها ويحترم هوياتها فتنشد له اكثر فتتحقق وحدة وطنية حقيقية عبر اشباع الخصوصيات. اما الغاء الخصوصيات فهذا ليس امرا واقعيا. وحتى القرآن الكريم يلحظ هذه الخصوصيات حين يقول تعالى فيه: «انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل» ولم يقل شعبا واحدا او قبيلة واحدة. كل شعب له خصوصيته. لذلك انا لاأسميها محاصصة طائفية، في الحقيقة انا اسميها ضمانا لحقوق الجميع. واذا وصلنا الى حالة صناديق الاقتراع فسوف يلغى كل هذا الحديث عن المكونات.
.
..والمعارك محتدمة في النجف الاشرف، حيث كانت عشرات الاسئلة تدور في اذهان الجميع حول مستقبل الصراع على السلطة في العراق، وحول مصير حركة مقتدى الصدر وتياره الذي دخل في معارك طاحنة في النجف ومناطق اخرى مع قوات الاحتلال من جهة ومع قوات الحكومة العراقية الموقتة من جهة ثانية، ومع احتدام اسئلة اخرى حول المستقبل الذي ينتظر العملية السياسية في العراق، وفيما اذا كانت تفضي الى السيادة الكاملة ونجاح المشروع الديموقراطي ام تفضي الى بقاء التدهور الامني، جاء لقاء «القبس» مع السيد عمار عبد العزيز الحكيم في وقته، اثناء مروره بالكويت ذاهبا الى لندن لحضور مؤتمر هناك، وقد تكون زيارته الى لندن مناسبة لزيارة آية الله العظمى علي السيستاني الذي يعالج في العاصمة البريطانية، رغم ان السيد عمار الحكيم لم يشر الى ذلك.
والسيد عمار الحكيم هو ابن السيد عبد العزيز الحكيم الشخصية العراقية وعضو مجلس الحكم السابق الذي اخذ مكان اخيه الشهيد اية الله السيد محمد باقر الحكيم في رئاسة المجلس الأعلى للثورة الاسلاميه بعد اغتياله، وفي الشهور الماضية برز السيد عمار الحكيم كواحد من قادة المجلس الأعلى للثورة الاسلامية وامينا عاما لاكبر مؤسسة تبليغية ثقافية تأسست في النجف هي «مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الاسلامي» التي اعتبرها العديد من المراقبين اكبر عملية بناء سياسي وثقافي يعتمد عليها المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق في توسيع قاعدته السياسية والاجتماعية اضافة الى منظمة بدر، خصوصا وانها تركز على تنشئة الاطفال والاحداث والشباب تنشئة تعتمد العقيدة الشيعية منهجا لها وعلى خطط المجلس الأعلى برنامجا لنشاطها.وانها تمتلك قدرات مالية وتعبوية كبيرة.
وللامانة نقول اننا فوجئنا ليس فقط بكياسة السيد عمار الحكيم بل ايضا بثقافته وبعد نظره وقدرته على الاجابة على كل تساؤلات «القبس» بصراحة ووضوح عمادهما دبلوماسية محببة وذكاء واضح، متسما بروح الاعتدال والانفتاح على الآخر، ليذكرنا بذلك الاعتدال الذي كانت عليه زعامة الشهيد السيد محمد باقر الحكيم، متفائلا بمستقبل البلاد رغم المشكلات العصيّة. وقد تقصدنا توجيه اسئلة له تخص سياسة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق لنعرف مواقف المجلس من القضايا الهامة القائمة الآن في العراق، ولا سيما ان المجلس مشاركا الآن في السلطة وفي العملية السياسية. مفترضين ان السيد عمار الحكيم احد الذين لهم مستقبل قيادي في المجلس وما سيقوله قد يعطي صورة عن مواقفه ازاء الاحداث.
كان اول سؤال وجهناه للسيد عمار الحكيم هو عن مصير ملف اغتيال الشهيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم..
> من الذي اغتاله؟ هل توصلتم الى معلومات موثقة واكيدة تقود إلى الجهة التي خططت للاغتيال؟ ومن نفذ ذلك الاغتيال؟ واين وصل التحقيق في القضية؟
ـ منذ الساعات الاولى لاغتيال شهيد المحراب، كان لدينا تحليل سياسي عمن وراء اغتياله. وتحليلنا كان يقوم على ان هناك تحالفا بين قوى متشددة هي امتداد لمنظمة القاعدة في العراق من ناحية وبعض ازلام النظام البائد من ضباط المخابرات من ناحية اخرى. وجاءت عملية الاغتيال مدبرة من هذه الجماعات لتعبر عن مثل هذا التحالف. فطبيعة الاعداد للعملية والآليات المتبعة فيها، كانت تؤكد وجود خبرة عالية وراء العملية. وبمرور الزمن، وبعد المتابعة كانت هناك محاولات للوصول الى نتائج حاسمة في التحقيق. ففي البداية تبنت قوات الاحتلال التحقيق في القضية. سحبت الملف عندها. واعطيناها نحن المعلومات المتوفرة عندنا، ولكن بعد ذلك لمسنا تباطؤا واضحا منهم في متابعة القضية.
بعد ذلك بدأت تتكشف بعض الحقائق. وحسم الموقف حينما تبنى الزرقاوي بصورة واضحة وعبر بيان منه يعلن مسؤوليته عن عملية الاغتيال، معترفا بتنفيذها. وهناك معلومات تفيد بان الزرقاوي شخصيا كان موجودا في النجف ساعة التنفيذ ليشرف على عملية اغتيال السيد الحكيم. كما ان هناك اشخاصا تم اعتقالهم كانت لهم علاقة بشكل او آخر في مجمل هذه العملية. ولكن بعد ذلك الاعتراف والتحليل يمكن ان نطمئن بان الجهة التي نفذت الاغتيال هي جماعة (القاعدة) مع فلول النظام البائد، وقد تكون هناك جهات اخرى وراءهم تساند وتدعم العملية، لكن ليس لدي الآن معلومات وافية عن تلك الجهات. والملف الان مازال مفتوحا، والمفترض ان يستمر التحقيق في القضية لاستكمال الملف من قبل الشرطة العراقية بعد قيام الحكومة الموقتة، لكنني لم اتلمس جدية الآن لديهم في متابعة هذا الملف.
قضية مقتدى الصدر
> دعنا سماحة السيد نتحدث عن الوضع الحالي في النجف الاشرف، وانت قادم منه الآن. ماهو تقييمكم في المجلس الاعلى وانت شخصيا لقضية السيد مقتدى الصدر؟ نريد ان نعرف الجانب الواضح من الحقيقة.؟
ـ بالحقيقة ان ظروف تصدي اية الله العظمى الشهيد محمد محمد صادق الصدر للنظام السابق اعطى فرصة للناس للتعرف عليه والالتفاف حوله كشخصية مرجعية تتحدث من النجف الاشرف، لاسيما ان الخطاب الثقافي الذي كان يتميز به الشهيد محمد محمد صادق الصدر والد مقتدى، ومايحتويه من مضمون اخلاقي كان له ابلغ الاثر في النفوس. تلك الظروف ادت الى حصول نوع من الالتحام والالتفاف بينه وبين اوساط من المتدينين الشيعة، وكانت القاعدة الاوسع له في المحافظات الجنوبية، وفي مدينة الصدر التي تمثل الاساس لهذا الالتفاف والتلاحم.
وبعد سقوط نظام صدام تصدى للمهمة بعده ولده السيد مقتدى الصدر، وحاول ان يجمع هذه المجاميع ويستنهض فيهم تلك الولاءات وصولا الى خلق تيار يمكن ان تكون له سمات معينة، منطلقا من فهمه لحركة والده الشهيد محمد محمد صادق الصدر في التعامل مع الواقع العراقي. وكانت له توفيقات في البعد التعبوي الى حد ما في لملمة الصفوف وتنظيم االحركة. ولكن اعتقد ان الملاحظة التي كانت تلحظ عليهم (تيار الصدر) انهم لم يكونوا متفهمين طبيعة الظرف الجديد او الواقع الجديد للعراق بانه ظرف او واقع يعطي الفرصة لجميع العراقيين وبجميع مكوناتهم السياسية في الحضور والمساهمة فيه على انهم عراقيون من الدرجة الاولى.
فحالة الطبقية على اساس الانتماءات الطائفية التي عمل فيها بالعراق لفترات طويلة جدا قد تغيرت الآن، واصبحت هناك فرصة امام الجميع للمشاركة في العملية السياسية. وهذا يفرض على جميع المكونات السياسية ان تبدأ التفكير بمنطق الحكم وليس بمنطق المعارضة. منطق الحكم له استحقاقات وله تداعيات تتطلب مواقف على الارض تنسجم معه. لذا انا اعتقد ان هذا التيار (تيار الصدر) انطلق بعد سقوط النظام بعقلية المعارضة وليس بعقلية الحكم، ومن هنا كان يجد في نفسه صعوبة للتأقلم مع الوضع القائم في الانفتاح على القوى السياسية والانخراط معها ضمن الحالة السياسية العامة وماتتطلب من حضور ومساهمة واثراء الواقع الجديد، ولهذا السبب بقي هذا التيار بعيدا عن هذا الواقع. كما ان التصريحات والمواقف ووجهات النظر التي تصدر منه ساهمت ايضا في هذا التباعد.
خطأ مجلس الحكم وسلطة الاحتلال
> هناك بالتاكيد من سعى الى تهميشه منذ البداية.. اليس كذلك؟
ـ طبعا، هناك خطا آخر من الجهات ذات العلاقة ببناء مؤسسات الدولة العراقية في التعامل مع هذا التيار، حيث غيب هذا التيار هو ورموزه عن المشاركة بمجلس الحكم وغيره من المؤسسات. وكانت هناك مناشدات منا الى تلك الجهات بضرورة اشراك هذا التيار، بحيث لاتشعر اي جهة من الجهات العراقية بانها مغيبة او تشعر بالظلامة وتنتفض للدفاع عن حقوقها فتتطور الامور بالطريقة التي لاتكون مفيدة للواقع العراقي.
هنا ايضا نشير الى اشكالية وهي ان عدم سماع المناشدات بضرورة تقريب تيار مقتدى الصدر ادى الى غياب هذا التيار على مستوى مجلس الحكم ومن ثم على مستوى الوزراء فيما بعد، مما ادى الى حصول فجوة بينه وبين العملية السياسية، فتازم الموقف اكثر، وهكذا بدات وتيرة الصراع تتصاعد فيما بعد مما دفع بمجموعة هذا التيار ان تكون لها تصورات اخرى.
المجلس الأعلى وتيار الصدر
> وماذا كان موقف المجلس الاعلى من تيار الصدر؟
ـ نحن في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية بذلنا جهودا كبيرة من اجل ازالة الحساسيات والانفتاح على هذا التيار والتواصل معه. وكان لنا دور في المطالبة بحقوقه، وجرت بيننا بعض اللقاءات. ولكن اعتقد ان تلك اللقاءات في تلك الفترة لم تصل الى مستوى الطموح.
> كلامكم يعني ان المجلس كان له موقف ايجابي من حركة مقتدى الصدر عكس مايشاع وما يردده بعض اتباعه.. لكنني اسألك هل هناك جهات في مجلس الحكم السابق وفي سلطة الاحتلال لم تكن راغبة بالموقف الايجابي من تيار الصدر والتفاعل معه؟؟
ـ كما قلت لك، لايمكن ان نحمل اي جهة معينة كامل المسؤولية او تمام المسؤولية. فتيار مقتدى الصدر انطلق منذ البداية ليفكر بعقلية المعارضة، كما ذكرت آنفا. من ناحية اخرى لم تعط الفرصة الكافية لاشراكه بصورة جدية في المشاريع الاولى لبناء العراق الجديد والمتمثلة بمؤسسات مجلس الحكم والوزارة والحكومة، مما ادى الى تأزيم الموقف. من ناحية ثالثة كان هذا التيار يرى في نفسه من الحضور والامتدادات بمستوى قد لايكون اصحاب القرار يرونه كما يراه هو. لذلك لاحظنا حتى في المؤتمر الوطني والهيئة العليا للانتخابات حين عرضت فكرة اشراك تيار الصدر وتم تقديم دعوة للحضور والمشاركة، لم يتجاوب مع الدعوة، وظل يشعر بالغبن ويعتقد بان مستوى التمثيل غير متناسب مع حجمه الذي يراه لنفسه. هذه اشكاليات حينما اجتمعت كلها ادت الى زيادة الصراع، الى ارهاصات.
التباعد عن البيت الشيعي
> ولكن هناك من يقول ان هناك جهات حتى في البيت الشيعي تريد تهميش تيار الصدر هل انت مع هذه الاقوال؟
ـ كما قلت لك ان بعض المعنيين في مؤسسات الدولة العراقية في الفترة السابقة لم يكن لهم وضوح في مدى فاعلية التيار. ايضا طبيعة التصريحات والاداء من قبل تيار الصدر كانت تفوت عليه بعض الفرص في اقناع تلك الجهات بامكان ان يكون لهذا التيار حضور ومشاركة ايجابية. وبالنتيجة ادى ذلك الى الى تغييب هذا التيار في الفترة السابقة، والى المزيد من التحسس والتصعيد في خطابه السياسي وفي الاداء.
> هل تعتقد ان تيار مقتدى الصدر تم استغلاله من قبل جهات داخل العراق وخارجه، حاولت من خلاله تأجيج صراعات داخلية في العراق؟
ـ المتابع لطبيعة الظروف في العراق لايستبعد ان يتحقق شيء من هذا القبيل. ولكن هذا لايعني ان يكون تقبل تيار مقتدى الصدر لمثل هذا الاستثمار من قبل الآخرين بوعي وبمعرفة. احيانا تكون المصالح المشتركة هي التي تدفع جهة معينة للتماشي مع الاخرين للوصول الى مصالح مشتركة بين الطرفين. هناك شواهد على الارض لاتستبعد ان يكون هناك نوع من انواع الانتهاز من جانب الآخرين للتيار الصدري مما ادى الى بعض المظاهر السلبية. كما ادى ايضا الى ان يقوم السيد مقتدى الصدر نفسه باصدار بعض البيانات لإيضاح وجود بعض المشكلات من هذا النوع في الصفوف الداخلية لحركته.
> اذا كنتم تلومون الجهات الاخرى مثل مجلس الحكم وسلطة الاحتلال على انها استبعدت تيار الصدر ولم تقدر على ضمه للعملية السياسية، فلماذا لم يبادر (البيت الشيعي) الى ذلك؟ ولماذا لم يقدم على جذبه الى وحدة البيت الشيعي؟
ـ كما قلت لكم في البداية لم يكن لدى جميع اطراف البيت الشيعي تفهم لضرورة الانفتاح على تيار مقتدى الصدر، واعطاء الفرصة له، ولكن بعد ان حصلت هذه القناعة كانت الامور قد تطورت الى الشكل الذي لم يعد تيار الصدر يجد نفسه بحاجة الى الاتصال بالبيت الشيعي او يندمج معه، انطلاقا من قناعته بانه بات يمتلك القدر الكافي من الرصيد الشعبي والامتداد الجماهيري، مما يجعله قادرا على اتخاذ قرارات بشكل مستقل ويعبر عن هويته المستقلة بالحجم الذي يراه لنفسه.
كما ان الدخول الى البيت الشيعي مع وجود كيانات وشخصيات وقوى ليس في التيار الصدري انداد لها يمتلكون ثقلها.. هذا السبب جعل تيار مقتدى الصدر يتباطأ في الانضمام الى البيت الشيعي.. ولقد قدمت اقتراحات ودعوات وحددت مقاعد لتيار الصدر ليتواجد ويثري هذه الاجتماعات وتكون له مساهمات في هذا الاطار، ولكن لم تحصل الاستجابة منه بالمستوى المطلوب.
> يمكن ان نفهم وجود مبالغات في تقييم تيار مقتدى الصدر وحجمه من جانبه. ولكن هل قام او شارك المجلس الاعلى في تقدير وتقييم حجم تيار الصدر لكي يبني على هذا التقييم قناعاته بحجم مشاركته في العملية السياسية؟
ـ لا أعتقد ان الحديث عن النسب والارقام يمثل اولوية في هذه المرحلة للتحدث في مثل هذه الامور. هناك مسائل لاتحتاج الى تكهنات كبيرة، نحن امام فرص واقعية يمكن ان تفرز حجم المكونات السياسية في العراق والقوى والشخصيات على مدى اشهر قليلة. ويمكن للمتابع ان ينظر ويكتشف بنفسه هذه الامور.
خطر المحاصصة الطائفية
> المحاصصة الطائفية التي قامت عليها العلاقات في الحكم الجديد في العراق قد تؤدي الى الاضرار بالبلد، وبالطوائف نفسها. وكمثال عدم نزع سلاح الميليشيات لانها مدعومة بالمحاصصة الطائفية. هناك من يسأل ايضا كيف تطالبون (مجلسكم داخل الحكم) بنزع سلاح تيار مقتدى الصدر في الوقت نفسه تبقي الحكومة وسلطة الاحتلال على اسلحة ميليشات اخرى مثل الميليشات الكردية؟ كيف يمكن اقناع الناس بهذا المنطق؟ منطق المحاصصة الطائفية اساسا خاطئ وفيه خلل؟
ـ في الحقيقة اشرتم الى قضيتين و كل منهما محور لحديث. فالمحاصصة الطائفية قضية، والميليشيات والتعامل معها قضية اخرى.. وفيما يخص موضوع المحاصصة الطائفية نحن في (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية) نعتقد ان العراق منذ قرون طويلة غيبت فيه مكونات حقيقية بسبب انتمائها المذهبي، وذلك تم لأسباب طائفية ولاسباب قومية، فالانتماء لغير القومية العربية كان يؤدي الى اضطهاد. والانتماء الى مذهب معين كان يؤدي الى اضطهاد، هذا الاضطهاد عمل به لفترات طويلة جدا.. نحن قتلنا بسيف الطائفية، ويسيف العنصرية في العراق.
ثم سقط النظام السابق، واصبحنا امام واقع جديد قلنا فيه:
نحن نعتقد بضرورة تمكين الشعب العراقي في ان يكون هو صاحب القرار في تقرير مصيره، وطالبنا بالاسراع في موضوع الانتخابات، واعطاء الفرصة للشعب في ان يختار من يشاء. وقلنا اننا سنكون مع من يتم اختياره من قبل الشعب بغض النظر عن طبيعة هذا الشخص وعقيدته. ولن نتحدث عن نسبة او محاصصة او اي شيء. ولكن لحين الوصول الى هذه الحالة (حالة الاحتكام الى صناديق الاقتراع) قدمنا رؤية ومشاريع نحو هذا الهدف، ولم نحظ باستجابة لا من الامم المتحدة ولا من سلطات الاحتلال المعنية بهذا الموضوع وادى موقفها من مشروع الانتخابات الى تأجيل هذا الامر. نحن قلنا (المجلس) اذا كانت هناك انتخابات فلن نتحدث عن شيء لآخر، وهذا الشيء لم نقله نحن وحدنا، انما قالته كل المكونات التي غيبت واضطهدت في النظام السابق لهذه الاسباب. وقلنا اذا لم تكن هناك انتخابات فنحن بحاجة الى ضمانات لكي لاتتكرر الحالة السابقة. واعيد القول اننا قتلنا بسيف الطائفية 1200 سنة فما هو الضمان في ان لاتتكرر اليوم هذه المأساة من جديد لتأتي حكومة وايضا باسم العراق نضطهد ونقتل ويفعل مايفعل بنا؟.. نحتاج الى ضمانات.. ليس نحن الشيعة فقط انما الشعب العراقي بكل مكوناته. ومن هنا قلنا في هذه المرحلة لا بد من توفير ضمانات. وهنا جئنا الى تساؤل وهو: ان العراق بلد تعددي فيه العرب والكرد والتركمان والشيعة والسنة وغير المسلمين.. كيف يمكن ان نحقق وحدة وطنية عراقية؟
رأيان في تحقيق الوحدة الوطنية
> وماذا كان جوابكم عن هذا التساؤل؟
ـ كان هناك منحيان او رأيان جوابا عن هذا التساؤل.. رأي يقول تتحقق الوحدة الوطنية بالغاء الخصوصيات الطائفية والعرقية، بأن نقول نحن عراقيون ونصمت. الكردي نقول له لاتقل انا كردي قل انا عراقي. والشيعي نقول له لاتقل انا شيعي بل قل انا عراقي، والسني وغيره كذلك، وهكذا نتجاهل الخصوصيات بان نجتمع على عنصر مشترك هو العراق والعراقيين.
اما المنحى الاخر او الرؤية الاخرى فكانت تقول: اذا اردنا وحدة عراقية حقيقية وليست وحدة شعار بل وحدة مضمون على الارض فعلينا اشباع الخصوصيات وليس الى تغييب الخصوصيات. الشيعي يحقق ذاته ويشعر بأن هذا الوطن يحقق له ذاته ويعترف له بهويته ويعترف له بخصوصيته، والسني ايضا والاخرون ايضا فاذا كان الكردي عنده ازمة في اللغة وفي الهوية يقال له: ان اللغة الكردية معترف بها في العراق ويقال له ارفع رأسك لأنك كردي وانت عراقي ايضا وحافظ على كرديتك. والشيعي يقال له انت عراقي وحافظ على عقيدتك وعلى شيعيتك والسني ايضا.
لذلك فإن اشباع الخصوصيات يؤدي الى ان كل هذه المكونات تشعر بأن هذا العراق يحقق لها ذاتها ويحترم هوياتها فتنشد له اكثر فتتحقق وحدة وطنية حقيقية عبر اشباع الخصوصيات. اما الغاء الخصوصيات فهذا ليس امرا واقعيا. وحتى القرآن الكريم يلحظ هذه الخصوصيات حين يقول تعالى فيه: «انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل» ولم يقل شعبا واحدا او قبيلة واحدة. كل شعب له خصوصيته. لذلك انا لاأسميها محاصصة طائفية، في الحقيقة انا اسميها ضمانا لحقوق الجميع. واذا وصلنا الى حالة صناديق الاقتراع فسوف يلغى كل هذا الحديث عن المكونات.
.