المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدين الزائف .......طاغور



خباز
08-23-2004, 01:45 AM
حكيم الهند العظيم .... طاغور



أولئك الذين يعانقون الوهم باسم الدين

فيقـتـُلون ويـُقـتـَلون

حتى الملحد يحصل على بركة الله فلا تفخر بدينك

إنه يوقد في خشوع مصباح العقل ويقدم تمجيده

لا إلى الكتب ولكن لكل شئ طيب في الإنسان

إن الطائفي يلعن دينه

حين يقتل إنساناً من غير دينه

وهو لا يقوم السلوك على ضوء العقل

ويرفع في المعبد العلم الملطخ بالدماء

ويعبد الشيطان في صورة الإله

كل هذا الذي تم عبر الأحقاب والعصور

مخجل ووحشي قد وجد ملاذه في معابدكم

التي تحولت إلى سجون

لقد سمعت أصوات أبواق التدمير تبلغ الزمن بمكنستها الجارفة لتكنس كل المهملات

كل ما يحرر الإنسان يحولونه إلى قيود

وكل ما يوحده يحولونه إلى سيوف

وكل ما يحمل الحب من النبع الخالد يحولونه إلى سجون

يحاولون اجتياز النهر في سفينة مثقوبة

يا إلهي دمر الدين الزائف

وانقذ الأعمى

ولتهشم

ولتهشم المعبد الملطخ بالدماء

ودع هزيم الرعد ينفذ إلى سجن الدين الزائف

واحمل إلى هذه الأرض التعسة نور المعرفة

خديجة
08-23-2004, 11:50 PM
حكم عميقة المعانى ومنذ زمن غير بعيد بعيد نقرأ للشاعر الهندى طاغور كثيرا من الأدعية ذات المضامين العالية .

صدق من قال الحكمة ضالة المؤمن ، أينما وجدها أخذها !

الدكتور عادل رضا
08-24-2004, 12:50 AM
أحسنت أختي

و لو تعلمنا أن نستفيد من الاخر مما عنده و ننطلق بتفكيرنا الي عقله , لا ستفدنا كثيرا و لزادت الروابط المشتركة بين الشعوب و الاديان مما يحقق نقلة حضارية مهمة تفيد الانسانية

سياسى
09-18-2004, 07:11 PM
شكرا على هذه الحكم العظيمة التى تدعو إلى عدم التعصب .

خباز
10-14-2004, 02:51 PM
فى عالم طاغور

بيان الكتب: بيننا وبين الهند أواصر قربى لا تنفصم، صنعتها روحانية الشرق وأديانه وفلسفاته، وزرعتها رؤيته للكون والحياة والإنسان تلك الرؤية التي ترفض أن تكون القيمة الأساسية للإنسان قائمة على التملك والاقتناء


وترفض اختصار سعادة الإنسان في منبع وحيد هو الاستهلاك، فروح الإنسان لا يسعدها بشكل حقيقي إلا ما هو روحي. والهند ذات حضارة أصيلة العنصر الجوهري فيها هو العنصر الروحي. وموضوع هذا الكتاب يتناول واحدا من مفكري الهند وفلاسفتها وشعرائها الكبار، مارس كل فنون الكتابة تقريبا وساهم بفكره وعمله في بعث الحضارة الهندية من رقدة التخلف والاستكانة، وأضاف لبنات جديدة في بنيان نهضتها المعاصرة، وزاوج بهدوء ولين بين الأصالة والتحديث،وتحول إلى رمز يشار إليه بالبنان ليس في الثقافة الهندية فقط ولكن أيضا في الثقافة العالمية كواحد من رموز التفاعل الصحي والسلام بين البشر.


نحن في رحاب طاغور شاعر الهند وفيلسوفها، أما الكتاب الذي تناول عالمه الثري فقد كتبه الناقد الدكتور شكري عياد قبل رحيله، ليصدر مؤخرا عن المشروع القومي للترجمة، متضمنا نماذج من أعمال طاغور الشعرية والقصصية والمسرحية والروائية بالإضافة إلى السيرة الذاتية والعلمية والعملية.


ولد فتى البنجال (ربندرانات طاغور) في كلكتا في 6 من مايو سنة 1861 م وتوفي في السابع من أغسطس سنة 1941. وبين هذين التاريخين استمرت رحلة الحياة 80 عاما تفيض بخيرها العميم: «كان طاغور أصغر أبناء أبيه السبعة وكان أبوه دائم الترحال، أما أمه فكانت مريضة بداء الرئة فلم ينعم في نضارة سنه بما ينعم به الصغار من التدليل، ولعل هذا ما سيطبع شعره فيما بعد بظمأ لا يرتوي وحنين لا يهدأ ولكنه مغلف في معظم الأحيان برقة بالغة».


وقبل الولوج إلى عالم طاغور يعود بنا الدكتور شكري عياد إلى الهند في أواسط القرن التاسع عشر لنتعرف إلى المناخ الاجتماعي والثقافي الذي نشأ طاغور في سياقة واثر فيه بفكرة التجديدي ليساهم في دفعه إلى الأمام. كانت الهند (تعيش أفظع كابوس استعماري رآه الشرق) فقد صحت على سيطرة إنجليزية تتمثل في مغامري شركة الهند الشرقية التي قامت بأكبر عملية نهب منظمة مدعومة بقوات عسكرية ترتكب فظائع لا حصر لها، وكانت الهند تعيش في استسلام أقرب إلى النعاس وتفتقد الإيمان بالعقل، حيث تخلف الفكر الديني فيها وطغى عليه سيل من الخرافات والخزعبلات جرف في طريقة الجوهر الأصيل للدين، وتحولت الديانة الهندوسية التي هي من أقدم الديانات في العالم حيث ترجع كتبها المقدسة إلى ألف وخمسمائة سنة قبل الميلاد، تحولت من خلال الركام الزائف الذي طمس جوهرها إلى أداة لاستمرار الهند في تخلفها وسلبيتها واستسلامها. لم تكن الديانة الهندوسية تقتصر على عبادة الأصنام، بل كانت تحتوي على عادات فظيعة مثل حرق الأرامل مع أزواجهن المتوفين كما احتوت هذه الديانة على مبادئ ضارة منها أن الحياة المثلى هي الوصول إلى حالة من الاستغراق تنكر كل حركة في الحياة حتى يتحد المرء بالمطلق الذي لا يتغير، وهذا ما كان يسعى إليه فقراء الهند بعباداتهم المضنية، فهدفهم هو (النرفانا) أي فناء الذات الإنسانية في (براهما) وانقطاعها عن العالم وتجردها من كل العواطف الإنسانية) وقد دخلت على هذه الديانة خزعبلات من شأنها تقسيم الناس إلى اطهار وانجاس وفقا لنظام المنبوذين الذي كان سائدا في الهند.


وأمام هذا الوضع العقلي والفكري المتبلد الذي أدخل الشعب في مرحلة الإنحطاط، إتجه المفكرون والمصلحون إلى ضرورة تجديد الفكر الديني والعودة بالديانة الهندوسية إلى ينابيعها الأولى الصافية، وتخليصها مما علق بها من تخلف وكان رافندرانات طاغور والد شاعرنا على رأس هؤلاء المصلحين، فقد كون مع صديقة راموهان راى (1772-1833) أول جمعية إصلاحية هدفها بعث الهند وشحذ قواها للخلاص من ذلك الكابوس الاستعماري الرهيب وراموهان راي هو الأب الأول للإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي في البنجال. ويشبهه شكري عياد بمزيج من علي مبارك ومحمد عبده المصريين، فقد اتقن هذا الرجل علوم الشرق والغرب كما اتقن العديد من لغاته. ورأى أن طريق الخلاص هو في اقتباس أفضل ما جاءت به المدينة الغربية مع المحافظة على التراث الصحيح لحضارة الشرق، ولكن الجهد الأكبر الذي نذر له نفسه كان في تنقية العقيدة الهندوسية من بدع العصور المتأخرة والعودة إلى منابعها الأولى. فالدين في الشرق ولاسيما الهند هو قوام الحياة كلها. وقد كانت الصدمة الشديدة التي لقيها شعب الهند على يد الاستعمار البريطاني داعية إلى أن يتجه المفكرون إلى الإصلاح الديني أول ما يتجهون. لأن إصلاح الدين معناه عندهم إصلاح نظرة الشعب إلى الحياة ومسلكه فيها. ولم يكن ثمة سبيل إلى مناهضة الاستعمار إذا بقيت نظرة الشعب إلى الحياة فاسدة ومسلكة فيها خاطئا. وعندما رحل راموهان خلفه صديقه رافندرانات طاغور ليستمر العمل من أجل تحرير الهند كان رافند من أسرة ذات مكانة وثراء تولى رجالها مناصب هامة،وقد حمل رافندرانات لواء الوحدانية والتنزيه بل ومضى في ذلك إلى أبعد مما ذهب إليه راموهان. في هذا المناخ العاصف القلق المنذر بالتجدد والتغيير ولد وتربى رابندرانات طاغور. وفي سن الثانية عشرة أتيحت له تجربة كانت عظيمة الأثر في حياته فقد صحبه أبوه في رحلة طويلة بدأها بزيارة دار السلام التي أقامها الأب في مكان منعزل قرب مدينة (بوليور) على مسافة 150 كيلو مترا إلى الغرب من كلكتا.


ودار السلام مكان يتكون من حديقة وسطها منزل ومعبد يذكر فيه رافندرانات الخالق الفرد الصمد. وكان يأوي إليه من حين إلى حين يقرأ كتب الفلاسفة المحببين إليه ويستغرق في التأمل. في هذا المكان أعد طاغور الأب ابنه لحياة مستقلة خصبة يطلع فيها بأمان. وعندما بلغ السابعة عشرة أرسله أبوه إلى إنجلترا لدراسة القانون. وكانت رأسه مليئة بالشعر والموسيقى ولم يكن لديه ميل خاص لدراسة القانون فأمضى عامه الأول في دراسة عمالقة الأدب الإنجليزي:

شكسبير وملتون وبيرون وشلي وغيرهم، وكان طاغور ملحنا شاعرا يلحن أغانيه بنفسه ولم تمض فترة طويلة على إقامته في إنجلترا حتى عاد إلى الهند وكتب سلسلة من المقالات في مجلة (بهارتي) التي كان يصدرها أخوه يعرف فيها الهنود بأعلام الأدب والثقافة الأوروبية كان أول ديوان شعر لطاغور الشاب بعنوان (أغاني المساء) وهو الديوان الذي كان حدثا جديدا في الشعر البنغالي رفعه في نظر النقاد إلى قمة الرومانسية..

وبعد (أغاني المساء) جاءت (أغاني الصباح) والفكرة الجوهرية في هذا الديوان أن الحب الإنساني هو الطريق لعبادة المطلق، وبعد ذلك تأتي مسرحيته الأولى (إنتقام الطبيعة) الإنسان وفي عام 1887 يظهر ديوان جديد لطاغور بعنوان (خطوط ومسطحات) ليعبر عن إحساس الشاعر المباشر وفرحه الجديد بالحياة. ومن نافلة القول ان طاغور تلميذ لشعراء مدرسة (الفياشنافا) الهندية وهي مدرسة مزجت الحب البشري بالحب الإلهي أما مسرحيته (التضحية) فكانت تعبيرا عن الصراع السياسي الذي بدأ يشتد في الهند حيث ساهمت أسرته بنصيب وافر في حركة الاستقلال الاقتصادي وتأسيس صناعات وشركات وطنية هندية، وتوالت بعد ذلك أعمال طاغور الشعرية والقصصية والمسرحية لتؤكد إيمانه العميق بروح الإنسان وبأن البعث الجديد سيأتي من الشرق.


ويكشف الكتاب جانبا مهما من فكر طاغور جسده في حياته العملية عندما أنشأ عام 1901 مدرسة لتعليم أبناء الهند بطريقة تزاوج بين الأصالة والمعاصرة، وتجمع بين التربية الوطنية التي تحافظ على مضمون الهوية، وبين العلوم الحديثة الوافدة من الغرب، فالطلاب يقيمون في المدرسة ويتعلمون فيها ويتربون، ولنسمع وصف ابتداء اليوم الدراسي في مدرسة رابندرانات: (في البكور، حوالي الساعة الرابعة والنصف تطوف جوقة من التلاميذ في أرجاء المدرسة يغنون الأغاني وينبهون النائمين لجمال الفجر الطالع وهدوئه، ولا يكاد الأولاد يستيقظون حتى يأخذوا في تنظيف حجراتهم بأنفسهم، فقد تعلموا منذ البدء ألا يحتقروا عملا يدويا مهما يكن.

بل أن يستقلوا بأمورهم دون مساعدة من الخدم بقدر ما يستطيعون، وعليهم جميعا بعد ذلك أن يمارسوا بعض التمرينات الرياضية في الهواء الطلق، يعقبها حمام الصباح، ثم ينفرد كل منهم بنفسه في تأمل هادئ مدة ربع ساعة. ولنسمع بقية الوصف من أحد زائري المدرسة كما يقدمه الدكتور شكري عياد: «في الساعة السادسة صباحا سمعنا صوت ناقوس شجن النغمات أغرانا بالتطلع. كان بيت الضيوف الذي نزلنا فيه يتوسط حديقة ريفية، إنتشرت بين أشجارها بضعة منازل مستقلة من أبسط طراز، وكان الأطفال يخرجون منها كل بحصيرته، ليتخذ مجلسا تحت شجرة منعزلة، حيث يقضي الخمس عشرة دقيقة من التأمل، كان ثمة ما يمس النفس مسا عجيبا من منظر هذه الشخوص الصغيرة بلباسهم الأبيض، يرصعون المنظر كله، وكل منهم تحت شجرته المستقلة ثم يدق الناقوس ثانية فيتحركون بخشوع صفوفا إلى معبد المدرسة».


وبعد الفطور تقام صلاة قصيرة فيجتمع الأولاد وينشدون هذا الدعاء.


«يارب.. كفر عنا خطايانا/ نسجد لمن فيه السعادة/ نسجد لمن فيه الخير/ نسجد لمن يؤتي السعادة/ نسجد لمن يؤتي الخير/ نسجد لمن هو الخير». وتستمر دروس الصباح من الساعة الثامنة حتى الحادية عشرة وعند اعتدال الطقس تقام الدروس في الهواء الطلق. وبعد الظهيرة يتناول التلاميذ غداءهم ولا يبقى عليهم غير استذكار دروسهم وفي المساء يشتركون في الألعاب ويمارسون أعمال الفلاحة، ويذهب كبار التلاميذ إلى القرى المجاورة لتعليم أبناء الفلاحين، وبعد الألعاب يأتي حمام المساء ثم التأمل وإنشاد الدعاء قبل وجبة الطعام الأخيرة، ويعقب تناول الطعام ساعة من القصص والتمثيل والغناء،وبعد انتهاء عمل اليوم يأوون إلى الفراش في الساعة التاسعة والنصف حيث تطوف جولة من الأولاد بالمدرسة مرة ثانية يغنون أغاني المساء.

وهكذا يبدأون أيامهم بالأغاني ويختمونها بالأغاني. وفي إدارة المدرسة اقتبس طاغور نظام (القادة) الذي رآه مطبقا في بعض المدارس الأمريكية، فالتلاميذ ينتخبون قائدا للمدرسة كل أسبوع يتولى الإشراف على النظام، ويليه مساعدون منتخبون أيضا، يشرف كل منهم على ستة أو سبعة أولاد، وفي كل ليلة تعقد شبه محكمة تنظر في المخالفات التي تقع من أي عضو، ولا ينظر المدرسون إلا في القضايا الخطيرة نادرة الحدوث، هكذا كانت مدرسة طاغور، وهكذا كان فكره الذي زاوج زواجا صحيا بين الأصالة والتحديث وساهم في استقلال الهند.


القاهرة ـ فتحي عامر

خباز
10-14-2004, 02:57 PM
طاغور .. أكمل فنان عرفه العالم

بقلم ياسر محمد غريب-مصر

الأديب الكبير رائد من رواد البشرية، يسبق خطاها ، ولكنه ينير لها الطريق، فلا تنقطع بينه وبينها الطريق ، وهو رسول من رسل الحياة إلى الآخرين الذين لم يمنحوا " حق الاتصال " كما منحه ذلك الرسول ، فهو يطلع من خفايا الحياة على ما لا يطلع عليه الآخرين ، وهو يحسها في صميمها مجردة عن الملابسات الوقتية والحدود الزمنية ، يحسها كما انبثقت أول مرة من منبعها الأصيل ، وكما تدفقت غير متقطعة في مجراها الواسع الطويل . والأديب
الكبير ليس هو الذي يصف لنا الأشياء الموجودة في الحياة ، بل الذي يكشف لنا أسرار الحياة الكامنة في الأشياء .

وسيد قطب يمثل لنا الأديب الكبير بشاعر مثل طاغور الذي يصف مكانته بأنه في القمة العالية ، لأنه على اتصال دائم بالنبع الكبير ، وكل جزئية من جزيئات حياته متصلة بما وراء الستار ، وهو قادر على أن ينقلنا دائما عن طريق الخاطرة الجزئية الوقتية إلى الإحساس الكلي بصلتنا الكبرى بالحياة ، وهذه ميزة لا تتوفر إلا لعدد قليل جدا من الشعراء .

وإذا كانت ستون عاما قد مرت على رحيل شاعر الهند العظيم رابندرانات طاغور فإنه ما يزال واقفا في مقدمة شعراء الإنسانية العظام الذين وقفوا فنهم على الدعوة إلى الحب والسلام والإخاء بين البشر .

ولد رابندرانات طاغور في " كلكتا " بالبنغال في 6 مايو 1861 م أي في السبعينات من القرن التاسع عشر ، أي في العقد الذي سجل ميلاد مواهب أخرى في أقطار مختلفة من العالم . أضافت بدورها إلى حصيلة التراث الإنساني شيئا جديدا نافعا مثل : غاندي في الهند ، ورومان رولان وأندرية جيد من فرنسا ، وأنطوان تشيكوف من روسيا ، وجون جالزورثى من إنجلترا .

وفي أسرة طيبة تحترم العلم وتقدسه ، وفي دار كان يمثل قبلة للمثقفين
ومنتدى للثقافة والفن نشأ طاغور ، وكان والده قد استدعى له مؤدبين ومعلمين على مستوى راق لتعليمه في بيته – بعد فشله في الانتظام بالمدرسة – حيث أبدى اهتماما لا مزيد عليه بالدراسة والعلوم والأدب .وإذ بدأت موهبة طاغور الإبداعية تنمو مبكرا ، حيث بدأ في نظم الشعر وهو في الثانية عشرة من عمره ؛ فقد لقي اهتماما كبيرا لذلك من أسرته ، ويذكر أن والده اطلع على شعره ذلك فأعجب به ومنحه عند ذلك مكافأة قدرها 500 روبية .وأرسله أبوه وهو في السادسة عشرة إلى إنجلترا ليكمل تعليمه ، فاتجه إلى لندن بقصد دراسة القانون ، إلا أنه ما لبث أن اتجه إلى الأدب وترك القانون فتفرغ لدراسة الشعر الذي خلفه شكسبير وملتون وشيلي ووليم بليك ؛ ثم عاد إلى وطنه بعد عام واحد فقط ، قضاه في لندن غارقا في خيال الشعراء الإنجليز .

وكان لهذه الرحلة أثرها الكبير في أدب طاغور من جوانب عديدة ، فبجانب إطلاعه على الثقافة الغربية التي كان لها تأثير كبير في أدبه وفنه ، كان هناك جانب آخر لا يقل أهمية وهو أن إجادته للغة الإنجليزية جعلته يترجم أعماله بنفسه أو يشرف هو شخصيا على ترجمتها مما جعلها تعبيرا صادقا عن نفس الأديب دون أي تأثير للمترجم الغريب ، كذلك كانت اللغة الإنجليزية وسيلة طاغور الوحيدة للتفاهم مع أدباء العالم المختلفين الذين التقى بهم في رحلاته المتكررة إلى بلاد العالم المختلفة .

وقد أصدر طاغور ديوانه الأول باللغة البنغالية عام 1909م وأطلق عليه اسم " جيتانجالي " أي " قربان الأغاني " وترجم هذا الديوان إلى الإنجليزية عام 1912م ، وكتب مقدمته الشاعر الأيرلندي الكبير وليم بتلرييتس الذي احتفى به احتفاء كبيرا وسعى إلى ناظم الديوان إلى أن التقيا في لندن ، حيث جمعتهما صداقة وطيدة دامت سنوات طويلة ، وانتهت بوفاة وليم بتلر في عام 1936م .

يقول بيتس في مقدمته : " لقد حملت معي مخطوط هذه الترجمة أياما ، وكنت أطالع فيه في القطارات وفي عربات الأتوبيس وفي المطاعم ، وكثيرا ما كنت أكف عن المطالعة ، فأغلق المخطوط خشية أن يلحظ على أحد جنوني به ، فهذه القصائد الغنائية قد استعرضت بأفكارها عالما كم تمنيت – في أحلامي –
أن أعيش فيه " .

واستقبل العالم الديوان استقبالا حافلا سواء في ترجمته الإنجليزية أو
ترجمته الفرنسية التي قام بها الأديب الفرنسي " أندريه جيد " حيث نال طاغور
عليه جائزة نوبل عام 1913م ، وتنازل طاغور يومئذ عن قيمة الجائزة لمدرسته
التي أنشأها في بلده .

وإذا كان طاغور لقي هذا التكريم من الغرب ، فقد تعرض طاغور على مكانته الشعرية الكبيرة ، لما يتعرض له المبدعين والنابغين من جحود ونكران في أوطانهم ، ووجد إغفالا في تقدير قيمته الأدبية ، وعندما نال طاغور جائزة نوبل تنادى قومه للاحتفال به ، فقال في شيء من الاستهانة والازدراء : ( إنهم يكرمون التكريم ) . فهم لم يفطنوا لقيمته إلا بعد أن نال جائزة نوبل .وقد استقبل بشيء من الجفاء ، وفد كبير جاء لتهنئته بهذه المناسبة ، ولم يخف المرارة التي كان يحسها لإغفال القوم لشأنه .وفي قصيدة رائعة تحمل معنى العتاب أكثر مما تحمل طابع الحقد أو النقمة ، وتصور واقع الحال في علاقته مع البيئة التي عاش فيها ...

في الصباح
ألقيت شباكي في البحر
واستخرجت من اللجة المظلمة
أشياء غريبة المنظر ، رائعة الجمال
بعضها يتألق كأنه ابتسامة
وبعضها يلمع كدمعة
وبعضها وردي كأنه خدود عروس
وحين عدت إلى بيتي في نهاية المساء
حاملا غنيمتي
كانت حبيبتي تجلس في الحديقة
تنزع في كسل بتلات زهرة
وفي تهيب واحتشام
وضعت تحت قدميها كل صيدي
فنظرت إليها في استخفاف ، وقالت :
ما هذه الأشياء الغريبة ؟
لست أدري ما نفعها ؟
فأحنيت رأسي في خجل وفكرت
" لم أصارع في الحصول عليها
أنها ليست جديرة بك "
ولبثت طوال الليل
ألقيها واحدة واحدة في الطريق
وفي الصباح جاء المسافرون
وجمعوها ، وحملوها إلى بلدان بعيدة "

ويقول خليفة محمد التليسي في مقدمته لترجمة أعمال طاغور إلى اللغة العربية
: لا يعرف الشعر العالمي الحديث شاعرا استطاع أن يجمع في باقة شعرية واحدة
الشعر والدين والفلسفة ، دون أن يجور واحد منها على الآخر كما فعل طاغور ،
ومن هنا نسبت إليه صفة الشاعر الفيلسوف . ولكن طاغور لم يكن فيلسوفا
بالمعنى الأكاديمي ، ونسبت إليه صفة الشاعر المتدين ، ولم يكن طاغور متدينا
بالمعنى التقليدي المتزمت ، ولكن أعظم صفاته حقا أنه كان شاعرا عظيما اتسع
قلبه لكل القيم الإنسانية الرفيعة ، فكان منه هذا الرمز الذي يعانقه المسيحي
فيشعر بقرابة المسيحية ، ويقرأه المسلم فيشعر له بقرابة الإسلام ، ويعانقه
أي مؤمن بأي دين وعقيدة تعلى من شأن الإنسان .
وإن كان إبداع طاغور وليد ثقافات مختلفة ؛ كالثقافة الهندية التي حاول
طاغور الإعلاء من شأنها بكل الوسائل الممكنة لديه ، والثقافة الغربية حيث
أحسن قراءة الآداب الأوربية والإنجليزية خاصة ، وأفاد من هذه القراءات في
تطوير أسلوبه والظهور كشاعر مجدد في الأدب البنغالي ، فقد كان للثقافة
الإسلامية الأثر الأكبر في تكوينه الثقافي ، فقد كان الإسلام من الأديان التي
يحترمها طاغور ويعلم تلاميذه احترامها ؛ فقد ولد طاغور في إقليم البنغال ،
في بيئة يهيمن عليها العنصر الإسلامي ، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن الإسلام
هو أحد ثلاثة ركائز قامت عليها الروحية الهندية والثقافية الهندية
التقليدية والمعاصرة بصفة خاصة ؛ وهي الهندوسية والإسلام والثقافة الغربية
الوافدة مع الاستعمار البريطاني . وقد تفاعلت هذه العناصر في التكوين الفكري
والوجداني لطاغور بما يظهر أثره واضحا في إبداعه .
وديوان " جنتجالي " يغلب عليه النزعة الصوفية بشكل يتفق كثيرا مع الأثر
الذي تركته الثقافة الإسلامية في نفسه فالتصوف عنده ليس ابتعادا عن الناس
والحياة الاجتماعية ، ولكنه إدماج في مشاغلها وهمومها ، والنهوض بأعبائها
ومسئولياتها ، ورفض التعلل بالانعتاق من الروابط المادية واليومية ودعوة إلى
الاقتداء بالخالق الذي أخذ على نفسه أن تكون مع خلقه في تسيير أمورهم ،
وفي ذلك يقول طاغور :

لتكف عن إنشاد أناشيدك
وتلاوة تراتيلك
من الذي تعبده في هذه الزاوية المغلقة المنفردة ؟
في معبد أبوابه كلها مغلقة
لتفتح عينيك وتنظر
إن إلهك ليس هنا … إنه هناك
حيث الحراث يحرث الأرض الصلدة
وحيث يجهد عامل الطريق ، في كسر الحجارة
إنه معهم في الشمس الساطعة
إنه معهم في الأمطار الهاطلة

فالتصوف عند طاغور ليس عزلا ونسكا أو زهدا وانصرافا عن الحياة العلمية،
ولكنه إدماج في هذه الحياة ، حتى يعاني الشاعر ويحاول أن يحقق أمالها ؛

لا يا أيها الأصدقاء
لن أكون ناسكا أبدا
مهما قلتم
فلن أكون ناسكا أبدا
إذا هي لم تقدر نفسها للنسك معي
إنه من عزمي الثابت … أن لا أكون ناسكا
إذا لم أجد مأوى ظليلا … ورفيقة لتوبتي
لا أيها الأصدقاء
لن أترك دفء الحياة العائلية وبيتي
إذا لم ترن ضحكات بهيجة
في ظلاله المرددة للصدى
وإذا لم ترفرف للريح
حافة لحاف زعفراني اللون
إذا لم تجعل همسات ناعمة
صمت الغاب أكثر عمقا
فلن أكون ناسكا أبدا

وهنا يلتقي طاغور بشاعرنا العربي إيليا أبو ماضي في تصوره للنسك والارتباط
بالصوامع ، وضرورة أن يحيا الإنسان في مجتمعه ، يعايش معاناته ليقدم له ما
يستطيع أن يقدمه ليكون نافعا في مجتمعه حين يقول :

إن تلك العزلة نسكا وتقى فالذئب راهب
وعرين الليث دير حبه رض وواجب
ليت شعري أيميت النسك أم يحي المواهب ؟!
كيف يمحو النسك إثما وهو إثم ؟!
لست أدري ..

إن شعر طاغور عميق يفيض بالنضارة والإشراق ، وينشر السرور في النفس ،
ويضيف الأستاذ خليفة التليسي : قد تلتقى في شعر طاغور باللوعة ، وتلتقى بالحزن
، وتلتقى بالفاجعة ، ولكنك لن تلتقي بالتشاؤم والنظرة السوداء ، فهناك
تقبل لكل ما تقضى به النواميس الإلهية ، وعدم تمرد على إرادتها ، وشعور بأنها
تخفى في خيرها وشرها أهدافا لا يبلغها فهمنا المأخوذ بالعابر السطحي
والزائل الفاني .
وقد حلت ذكرى ميلاد طاغور الثمانين ، فاجتمع الناس للاحتفال به وتكريمه،
لكنه لم يكن في حال تسمح لهم بمشاركتهم إذ كان المرض قد سرى إلى جسده
الرقيق فأقعده عن الحركة ، وفي أثناء مرضه ذلك هرع الشاعر ذات ليلة إلى القلم.
وعلى التحديد في الليلة قبل الأخيرة من شهر يوليو 1940م وراح يسطر أحاسيسه
شعرا حتى انتظمت له قصيدة رائعة قال فيها :

ها قد أزفت ساعة الرحيل
إني أمضى صفر اليدين
لكنما الأمل يغمر قلبي
إن الطير في فضائه يحلق
لا ليجوب الفضاء
وإنما ليعود – من حيث أتي – إلى عالمه الأعظم

ولم تكن تمضي ثماني أيام على هذه الحادثة ؛ حتى فاضت روح الحارث العظيم –
فهكذا وصفه غاندي – في السابع من أغسطس 1941م .. لم تحلق في الفضاء ،
وإنما عادت – من حيث أتت – إلى عالمها الأعظم . ويصف طاغور هذا الرحيل بقوله :

كنت أظن أن رحلتي
قد أوشكت على الختام
وأن قواي قد بلغت غاية الإنهاك
وأن الطريق أمامي مسدودة
وأن زادي قد انتهى
وإنه ربما حانت ساعة الانسحاب
إلى الصمت والظلام
ولكنني اكتشفت أن إرادتك لا تعرف نهاية لى
وعندما تموت الكلمات القديمة
تتدفق أنغام جديدة من القلب
وحين تضيع الطرق القديمة
يبدو في الأفق
وطن رائع جديد

وإذا كان النقاد والمؤرخين قد أجمعوا على أن رابندارانات طاغور كان فنانا
بمعنى الكلمة فقد وصفه أحدهم بأنه " أكمل فنان عرفه العالم " وهو الدكتور
سوكومارس مؤلف تاريخ الأدب البنغالي . وأضاف : " إن المرء يحس - إذا ما
لقيه أو قرأ له - بأنه يقترب من جبل شامخ من جبال التجربة والحكمة
الإنسانيتين.
ورحل طاغور بعد أن شغل العالم بموهبته أكثر من نصف قرن . غير أن العالم لم
ينس هذه الموهبة التي شغلته وإنما استضاء بنورها وقبس من إشعاعها ، كما لم
ينس هذه الموهبة التي شغلته وإنما استضاء بنورها وقبس من إشعاعها ، كما
تنبأ أبوه من قبل ، وقال إنه كالشمس سيجوب العالم ويهتدي الناس بنوره .


المراجع

1. هكذا غنى طاغور ترجمة خليفة التليسي
2. طاغور شاعر الحب والحكمة على شلش
3. النقد الأدبي سيد قطب
4. منهج الفن الإسلامي محمد قطب
5. ديوان الخمائل إيليا أبو ماضي
6. قصة الحضارة ويل ديورانت

مقاتل
04-15-2010, 05:13 PM
شكرا على هذا الموضوع

أمان أمان
11-23-2010, 11:57 PM
حديث طاغور عن الدين المزيف ذكرني بالسلفيين ودينهم المفبرك

القمر الاول
05-27-2012, 03:44 PM
نعيش هذه الايام الدين المزيف وتوابعه

سمير
07-08-2014, 02:46 PM
الدين المزيف يعيش في قلوب المسلمين دوما