مشاهدة النسخة كاملة : زَوَاجُ اَلمُتعَة ..... لشهيد الكلمة الدكتور فرج فودة
مقدمة الناشر
بقلم الأستاذ / أمين المهدى
فِى رَثَاءِ مُفَكِّرٍ مَاتَ وَاقِفًا
... " الكتاب يدل عليه عنوانه" ... يمكن أن تكون تلك العبارة صحيحة.... إلا فى حالة هذا الكتاب، فملابساته ومدلولاته أكبر بكثير من أن يدل عليها عنوانه المرح، ومن الملابسات ـ وأسباب نشره أيضًا ـ أنه يصدر بعد فجيعة اغتيال مؤلفه شهيد حرية الكلمة والمعتقد د. فرج فودة.
عندما كان الرجل حيًا كنا نختلف ونتفق معه شأننا فى ذلك شأن كل المؤمنين بالحوار والتفاعل الفكرى طريقًا وحيدًا للعودة على مجرى التاريخ والانضمام إلى الجماعة البشرية .. ذلك المجرى الذى أخرجنا منه الاستبداد الشرقى والدكتاتوريات المتسربلة بفتاوى محترفى الدين، محرفى الكلم عن موضعه، والرسالات عن أهدافها، المفسرين بالهوى ويذهب المعز والريان والهدى والسعد وهبات البترول، مؤسسى الفاتيكان الإسلامى [ قال عنهم الإمام محمد عبده:
لكنه دين أردت صلاحه أحاذر أن تقضى عليه العمائم.
محمد رشيد رضا ـ تاريخ الأستاذ الإمام ـ المجلد الأول ص 1026 ].
حتى أضحوا وهدفهم الإيحاء لضحاياهم، من ضحايا الاستبداد والجهل والتخلف والميول الإجرامية، إن الدين كله يصبح لهم من دون الله، مدخلين الوطن الذى يحمل أقدم هوية فى التاريخ إلى أزمة هوية وظلام وحرب أهلية غير معلنة.
وبعد أن كنا نشهد تكفير الفكر وقتل الكتب بالمصادرة، نمت نبتة الشيطان وامتد القتل إلى المفكرين والكتاب وهكذا اغتالوا من وافق على الحوار معهم لأنه انتصر عليهم [ من كلمة د. احمد صبحى منصور فى حفل تأبين فرج فودة بنقابة الصحفيين يو 25 نوفمبر 1992 الذى أقامته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ]، وسيحاولون قتل كل من يختلف معهم أو يعتقد من قريب أو من بعيد، إنهم يحملون فكرًا يمكن مقارعته بالفكر، ذلك لأنهم إرهابيون بالأجر، وبالطموح السياسى الشره، وبالكراهية لكل " آخر"، وبالعداء للحياة، تشهد عليهم عصبيتهم الهستيرية وخروجهم على آداب الحوار واكاذيبهم وتشويههم لخصومهم بكل الوسائل غير الشريفة، وعدائهم للديمقراطية وحقوق الإنسان، وشرائطهم الصوتية العنصرية الساذجة وكتبهم الفرحة بالقتل وتبرير الجريمة من نوعية كتاب " من قتل فرج فودة؟" ، التى قال عنها الكاتب " على سالم" فى حفل تأبين فرج فودة : ( إنها المرة الأولى التى يُظهر فيها مصريون الفرح لموت إنسان ويسجلون ذلك فى كتاب).
ناهيكم عن جرّهم المجتمع إلى التدين السطحى والقضايا الوهمية والأصولية الشكلية التى غرقوا فيها حتى لحاهم، والنتيجة المنطقية بالطبع، وفى وجود القهر السياسى والاجتماعى، هى الوعى الزائف، والضمير المرتبك، والتدهور العقلى، وضياع معنى الحياة والانهيار العصبى الجماعى والفتن الوطنية، كل هذا فى مصر التى أنجبت أخناتون وفكرة الأبدية وتعاليم بتاح وديانة إيزيس والإمام الرائد الليث بن سعد والعلامة الصوفى ابن الفارض واحتضنت مريم العذراء السيد المسيح ، ومرقس الرسول .. والاجتهاد الشيعى الذى أقام الأزهر الشريف، بكل ما يدل عليه ذلك من تنوع ورحابة التفكير، وكل ما يمكن أن يكون ثراء وتميزًا ثقافيًا وإنسانيًا لشخصية مصر.
ولأن الألم يجلب الألم فقد شهدت نفس الأرض قتل الكُتّاب بعد أن شهدت قتل الزعماء الوطنيين " أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى ورجل القضاء المستشار الخازندار" بنفس الدوافع وعلى الأغلب بنفس المحرضين، ولن تتوقف تلك السلسلة من حلقات الإرهاب طالما كان بيننا من يحاول أن يشوه ضمير مصر وشخصيتها الفرعونية، القبطية، العربية، الإسلامية، البحر أوسطية، المنتمية بعبقريتها إلى كل التراث الإنسانى، ومن يحاول استبدال كل ذلك بالإسلام المسلح، البدوى، البترولى، محولين القصاص الدينى وبواسطة فقه القتل والخوف إلى أيديولوجية سياسية غامضة ومعادية للوطن، ماسخين البديهيات والحقائق إلى أسئلة معتمة وفاسدة ولن تكون الإجابات إلا مشوشة وفاسدة أيضًا، ومنها حق الإنسان المفكر فى الاجتهاد فى كل شئ بما فيه الدين!.
ذلك الحق الذى قيل عنه إنه " إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد" ، وإن الإسلام ليس فيه ولا يجب أن يكون رجل دين أو مهنة الدين ( وإن كان فى مسيس الاحتياج إلى محققين للتراث وباحثين فى التاريخ الإسلامى ومؤسسين لعلم الاجتماع التاريخى بغرض وحيد وهو البحث عن الحقيقة والتعرف العلمى على التاريخ والمعتقدات والثقافة، ولن يتأتى ذلك إلا بمناخ علمى يفرق بين النص وبين تارخيته وتفسيره وتأويله ).
فما بالنا ومن وحد بين النص وبين مفسريه والقائمين بتأويله ساحبين قداسته على أنفسهم حتى أضحوا كمن يختبئ وراء إصبعه مطالبًا الناس ألا يروه، ومن اختلقوا تهمة العيب فى ذواتهم محصنين بذلك الرداء والتعصب ووهم العلم فى حين أن كلمة العلماء فى القرآن الكريم معناها المتيقن { وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } [ سورة فاطر: 28 ]. كما وردت فى السياق، وأن كلمة الدين ترد بمعنى الطريق والتفقه بمعنى التعرف على الطريق { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [ التوبة 122 ].
وأن كلمة فقه أو فقيه لم ترد فى القرآن ولم تُعرف بمعناها الحالى إلا فى العصر العباسى وأن كلمة علم هى كلمة حديثة وذات مضمون اوروبى ولا تنطبق على التفسير والتأويل والنقل والاجتهاد، وفى كل الأحوال لا يوجد فى النص ولا فى النقل ولا فى الدواعى الموضوعية فى الدين الإسلامى ما يبرر الاحتراف الدينى أو يجيز الارتزاق به ولنعد إلى بديهية ان التاريخ لا ينسخ التاريخ بل يكمله، وأن حق الإنسان فى الشك والحيرة النبيلة الصانعة للحضارات تمامًا كحقه فى أن يفكر .. ذلك الحق الذى قال عنه الإمام أبو حامد الغزالى " ... من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر ام يبصر، ومن لم يبصر بقى فى متاهات العمى والضلال" ...
والنتيجة المباشرة والمحسوسة هى أنه بعد الإرهاب الفكرى يأتى نصفه الآخر وهو الإرهاب المسلح مشكلين معًا شبكة عنكبوتية بشعة غطت المنطقة العربية بادئة بمصر، موفرين أهم تكئة لغياب الحريات والديمقراطية ولشيوع الاستبداد وقوانين الطوارئ .
وفى مقال للدكتور نصر حامد أبو زيد تحت عنوان " خطاب الإسلام السياسى والعنف المستتر"، بجريدة الأهرام 24 يناير 1992 يقول: " إن الفروق بين المعتدلين والمتطرفين فى الإسلام السياسي هى الدرجة وليس النوعية...".
الإرهاب الفكرى وفقه القتل:
نسرد هنا على سبيل المثال عدة مواقف لثلاثة من ممثلى الإسلام السياسى وسفراء الدولة الدينية فى مصر:
أولاً: فى معرض الدفاع عن جرائم الجهاز الخاص بالإخوان المسلمين وفى ندوة معرض الكتاب فى يناير 1992 وتخت عنوان " الدولة الدينية والدولة المدنية" قال مأمون الهضيبى إن محمود فهمى النقراشى كان عميلاً إنجليزيًا مما دعا ثروت أباظة ( الذى لم يُعرف عنه العداء للإسلام السياسى ولا المودة مع العلمانيين ) وتحت عنوان " أقتل وبهتان؟!" ( الأهرام 27/1/1992 ) " فإذا بالمتطرف يجيب بثقة أن النقراشى كان عميلاً للإنجليز، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، أيأمر الإسلام بشهادة الزور ورمى الناس بالباطل والاعتداء على تاريخ الكرام بهذه السهولة وهذا اليسر، النقراشى الذى وضع رأسه على يده هو وزميله أحمد ماهر واتهما بتهم خطيرة من أنهما كانا يقتلان الإنجليز، ففيم إذن عدوانك هذا الآثم؟، اما يكفيكم قتله وتريدون أن تعتدوا على سمعته وكرامته؟ ...".
وكان الهضيبى هو أول صوت مرحب ومبرر ( الأخبار وصوت الكويت 8/6/1992 ) للغدر بفرج فودة مرددًا تهمة العيب فى ذات محترفى الدين، ثم كان أول صوت مرحب ومبرر لاغتيال الرئيس الجزائرى محمد بوضياف وحتى قبل أن تتضح الصورة مؤكدًا فهمه الأممى للإرهاب ومقدمًا لنا صورة زاعقة لفقهاء القتل.
ثانيًا: فى عدد ( الأهالى 4/11/1992 ) وتحت عنوان " لماذا يكذب الشيخ؟!" ، كتب الدكتور رفعت السعيد "... لم اكن أتصور أن شيخًا مسلمًا، يقول عن نفسه ويقولون عنه إنه داعية إسلامى شهير، وعلى علاقة أكثر من حميمة بجماعة الإخوان المسلمين ... لم أكن أتصور أن شيخًا كالشيخ محمد الغزالى يقع فى خطيئة الكذب الصريح ويستخدم ما يسمى بالكذب الأسود لترويج مقولاته ..." وفحوى الموضوع أن الشيخ أورد فى مقال فى جريدة الأنباء الجزائرية فى ( 23/8/1992 ) أن ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث قد تزوج ابنة جولدا مائير وطبعًا لم يكن الهدف إلا تشويه فكرة القومية العربية بتشويه رجالها... ومن هنا يمكن ان نكتشف مصدر فرية وأكذوبة أشد سوادًا وتتشابه إلى حد التطابق مع الأول فى حملة تشويه فرج فودة وهى أنه زوّج ابنته من ابن السفير الإسرائيلى بمصر!! .. وفى يوم ( 27/5/1992 ) وقبل اغتيال فرج فودة بعشرة أيام قال نفس الشيخ فى ندوة بنادى هيئة التدريس بجامعة القاهرة عن الفقيد وعن د. فؤاد زكريا ( بالمناسبة هما أطراف الحوار معهم فى ندوة نقابة المهندسين بالإسكندرية وفى نفس موضوع ندوة معرض الكتاب عن العلمانية والإسلام )، ولذلك مغزى بالطبع . ، الاثنين بيرددوا كلام أعداء الإسلام فى الخارج .. ربنا يهديهم ... وإن ماهداهمش .. ربنا ياخدهم" ...
وإذا تغاضينا عن فجاجة التعبيرات وسطحية الحديث يلح علينا سؤال: هل كان ذلك من برنامج التحضير بالغدر بالرجل؟، وبالتالى هل كان ذلك ترديدًا لفتوى القتل؟، وخاصة أن الغزالى هو من قال عنه خالد محمد خالد :" إنه إنضم إلى الجهاز الخاص فى صراعه مع المرشد العام حسن الهضيبى .. أى أن الرجل عريق وله باع طويل فى فقه القتل، ونتساءل أيضًا هنا عن مستوى أعضاء هيئات التدريس الذين جلسوا أمام هذا الشيخ يستمعون إلى حديث الإرهاب وإلى الحديث ـ فى معرض الدففاع عن الدولة الدينية ـ عن أن ملكة انجلترا تُقسم على حماية الكنيسة دون أن يوضح ـ أو لا عله لا يعرف ـ لأن الكنيسة الإنجليزية منفصلة عن كنيسة بابا الفاتيكان منذ عهد إليزابيث الأولى.
ثالثًا: فى ندوة الإسكندرية قال د. محمد عمارة عن الفقيد (= فرج فودة ) إنه قال:" شهداؤنا ( يقصد العرب والمصريين ) قتلى وقتلاهم ( يقصد الإسرائيليين ) شهداء" ... وسأله فرج فودة متى وأين قال ذلك؟ ، فتهرب من الإجابة حتى استراح باغتياله ولم يعرف أن للفقيد أخًا شهيدًا فى حرب 67 هو محيى الدين على فودة. ...
وللدكتور عمارة دراسة وتقديم فى مجلة الطليع ( نوفمبر 1971 ) لكتاب الإسلام وأصول الحكم للشيخ على عبد الرازق، وكان المنطق العلمى يسيطر على كل سطور الدراسة وكانت عميقة ومفيدة جدًا .. وكان الشيخ قد توفى عام 1966،
ولم نعرف ماذا تغير حتى سنة 1992 سوى أن الدكتور عمارة انتقل من الفكر اليسارى الذى سجن بسببه خمس سنوات إلى الإسلام السياسى الرائج ولم ينتقل معه مموضوعيته ومثابرته العلمية وهذا منطقى، حتى قال فى ندوة الإسكندرية: " إن الشيخ قد تراجع عن الكتاب معتمدًا على سطر فى مجلة ( الرسالة سنة 1951 ) وكان الكتب تُمحى بسطر وكأن المنطق غير مهم وكأن التاريخ والفكر والذاكرة الوطنية قطع من الصلصال يتم تلوينها وتشكيلها طبقًا للأهواء وتغير العصور، ولكنه الانتقاء والتلفيق الذى يلبسونه مسوح العلم بل ويصدرون باسمه صكوك الغفران لقادة العقل والضمير ولم يسلم منه حتى معلم الأمة الدكتور طه حسين.
وعندما نتطرق إلى مضمون هذا الكتاب الذى نحسب انه لولا ما يحمله لأضحى كتابًا طريفًا ينتمى لأدب المحاورات ويحوى من الرياضة الذهنية والتساؤلات أكثر مما يحوى من إجابات.
وإذا كان لكل دراما من لحظة توقف ... برغم الحدة، ولكل حديث من لحظة صمت .. برغم المرارة، فإننا فى النهاية نقول السلام عليك يا فرج فودة يا من مات واقفًا كحراس إسبرطة، والسلام علينا أجمعين ...
مقدمة د. أحمد صبحى منصور
موضوع زواج المتعة من المواضيع الفقهية التى شغلت الفقهاء بالجدال، وتخاصم فيها أهل السنة ومحققو الشيعة، صحيح أن شيخ الأزهر محمود شلتوت، أصدر فتوى فى جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية كسائر مذاهب أهل السنة، وقد صدرت الفتوى بتاريخ 17 ربيع الأول 1378هـ ، ولكن هذه الفتوى لا تستطيع أن تُحسم الخلافات الفقهية بين السنة ةالشيعة لأن جذورها قديمة وباقية ولا يزال ينهل منها دعاة الفريقين حتى الآن، وهى أعمق من ان تؤثر فيها تلك الفتوى التى أصدرها الشيخ محمود شلتوت ونصها:
نص فتوى الشيخ شلتوت:
التى أصدرها صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر. فى شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية.
قيل لفضيلته:
إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لكى تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتكم على هذا المبدأ على إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مثلاً:
فأجاب فضيلته:
1ـ إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معين بل نقول إن لكل مسلم الحق فى أن يقلد بادئ ذى بدء أى مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحًا والمدونة أحكامها فى كتبها الخاصة ولمن قلّد مذهبًا من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ـ أى مذهب كان ـ ولا حرج عليه فى شئ من ذلك.
2ـ أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعًا كسائر مذاهب أهل السنة.
فينبغى للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذه، فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه فى فقههم، ولا فرق فى ذلك بين العبادات والمعاملات.
السيد صاحب السماحة العلامة الجليل الأستاذ محمد تقى القمى:
السكرتير العام لجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية:
سلام عليكم ورحمته، أما بعد فيسرنى أن أبعث إلى سماحتكم بصورة موقع عليها بإمضائى من الفتوى التى أصدرتها فى شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية راجيًا أن تحفظوها فى سجلات دار التقريب بين المذاهب الإسلامبة التى أسهمنا معكم فى تأسيسها ووفقنا الله لتحقيق رسالتها والسلام علسكم ورحمة الله.
شيخ الجامع الأزهر
السابع عشر من شهر ربيع الأول 1378هـ.
والدليل على عمق الصراع الفقهى المذهبى بين أهل السنة والشيعة هو ما أحدثه مقال للدكتور فرج فودة بشأن زواج المتعة، وهو لم يقل بأنه حلال، وإنما اكتفى بالإشارة إلى أن فريقًا من المسلمين يقول به ويستدل على جوازه، ومع أن الدكتور فرج فودة لم يقل شيئًا جديدًا أو شيئًا مجهولاً إلا أن أقلام خصمه من المشايخ أسرعت عليه بالهجوم، وهم يظنونه يتكلم فى موضوع زواج المتعة من موقعه كمثقف وسياسى، ففوجئوا به يتحدث عن الموضوع حديث الفقيه المتخصص، ويرد عليهم يفند الأدلة ويحللها ويفحص الأسانيد ويأتى بالروايات من هنا ومن هناك شأن العالم المجتهد المتبحر فى الشريعة، وفد كان ذلك فعلاً، وهو ما يلحظه القارئ لهذا الكتاب " زواج المتعة".
على أن الدكتور فرج فودة فى كتابه " زواج المتعة" لا يفاجئنا فقط بعلمه الغزير والعميق بالخلافات الفقهية بين أهل السنة والشيعة، وإنما يتميز فوق ذلك بميزة فريدة وهى أنه صاغ تلك الخلافات الفقهية الجامدة والصارمة فى حوار جدلى يقارع به كل خصم خصمه بالحجة حتى إذا أقنع القارئ فوجئ القارئ بحجة اخرى للخصم تبدو أكثر إقناعًا، وهكذا يظل القارئ يتأرجح بين أهل السنة وأهل الشيعة فى مباراة عقلية فقهية حدلية تستحوذ عليه إلى نهاية الكتاب.
وهو بذلك يضع صياغة جديدة ومبتكرة فى الكتابات الفقهية الخلافية، تمكن القارئ المثقف العادى من الوقوف على الأدلة الأصولية واختلافات الفقهاء بعد أن تزيل عنه الرهبة ونقنعه بأنه يشاهد مباراة عقلية، لا تخلو من طرافة وعذوبة، وبتلك الطريقة المبتكرة التى ابتدعها الدكتور فرج فودة تتخلى الموضوعات الأصولية من تعقيداتها وصرامتها، وتصبح فى متناول الجميع، على أن هذه الطريقة تستلزم من المؤلف أن يهضم أولاً تلك الموضوعات الأصولية ثم يصيغها فى أسلوب حديث معاصر جذاب رائع، ولا أعتقد أن احدًا فى عصرنا قد أوتى هذه الملكة غير فرج فودة ..!!.
وهناك ميزة أخرى للمؤلف فى هذا الكتاب، وهو ميزة لن تعجب أحدًا من الفقهاء، وهو أن الدكتور فرج فودة كان عادلاً فى إجراء المحاورة بين فقهاء السنة والشيعة، فاتى بأدلة كل فريق ولم يرجح أحدها على الآخر، وفى قضية كهذه حين تلتزم الحياد العادل وتنقل أدلة كل فريق بدون تميز، فإنك لن ترضى الطرفين، ولن ترضى سوى القارئ المحايد الذى يريد أن يتعرف على الموضوع فى تجرد وموضوعية .. وبذلك قتح الدكتور فرج فودة الموضوع وتركه مفتوحًا وطالب الفقهاء بالدليل الحاسم، وبذلك أثار حفيظتهم أكثر فأكثر.
إن الحديث عن زواج المتعة نوعًا من القصف الحربى بالأدلة الفقهية الاجتهادات المذهبية فى متب الفقهاء وساحات الجدل ... فقط.
دكتور: أحمد صبحى منصور
القاهرة ديسمبر 1992
مقدمة الكاتب
قبل أن أبدأ أعلنها واضحة صريحة ...
لست داعية لزواج المتعة ...
ولست موافقًا عليه ...
ولست قابلاً به لبنات أسرتى وبنات المسلمين...
ولست أدعى الفقه والتبحر فى العلم ، فما أنا إلا مسلم يجتهد فى دينه لدينه، لذا فليس لى رأى شخصى قاطع فى الخلاف حول المتعة، لكنى أدعى الأمانة فى عرض الرأى والرأى الآخر، وأدعى القدرة على بذل الجهد فى القراءة والاطلاع، ومنذ أعلنت عن قرب صدور هذا الكتاب، والسؤال لا ينقطع من الأصدقاء عن سبب كتابته، ومن حق القارئ أن يستمع إلى الإجابة ...
لقد كتبت هذا الكتاب للأسباب التالية..
أولاً: الحقيقة ضالة المؤمن، والطريق الصحيح إلى الحقيقة لابد وأن يمر بالتعرف على الرأى والرأى الآخر، ولا يكون أبدًا بطمس آراء الآخرين أو تسفيهها أو الهروب من مواجهتها إما جهلاً بها أو استعلاء عليها أو رفضًا للنتائج من البدء ...
ثانيًا: إن أسوأ خصائصنا الفكرية ـ فى تقديرى ـ تتمثل فى الاعتقاد بالصواب المطلق، حتى فى فروع الفروع وتفصيلات التفصيلات، واعتقاد هذا شأنه لابد وأن ينعكس فى نتيجة منطقية، وهى الاعتقاد بالخطأ المطلق لمن يختلف معنا، أما أسوأ خصائصنا ( التفكيرية ) فهى أسلوب التفكير أحادى الاتجاه، حيث لا سبيل للحقيقة غير أسلوبنا فى التفكير، ولا احترام لأسلوب الآخرين، ولا اعتقاد بأن لهم منهجًا وعقلاً و أسانيد، فالمنهج لدينا هو ما ننهج، والعقل فى مفهومنا هو ما نعقل، والأسانيد فى تصورنا هى ما يساند أفكارنا ومنهجنا ونتائجنا .. والكتاب فى مجمله محاولة فكرية وتفكيرية مختلفة تمامًا، وهو ما سيكتشفه القارئ، ولعله يكتشف من خلاله خطأ منهجنا فىالفكر والتفكير..
ثالثًا: يعجبنى قول لصديق عزيز ـ كثيرًا ما نعرف كيف نتفق بيد أننا لم نعرف بعد كيف نختلف ـ والحوار الذى يعرضه الكتاب محاولة فى هذا السبيل، واجتهاد فى اكتشاف مالم نعلمه ونتعلمه بعد ...
رابعًا: كثيرًا ما سألت نفسى وانا أجتهد فى القراءة حول الموضوع لعدة سنوات ـ كيف تخلو مكتبتنا الدينية والفكرية من أمثال هذه الموضوعات الدسمة فكريًا وفقهيًا، رغم خطورتها وكثرة وعمق الخلاف حولها، فى الوقت الذى تمتلئ فيه مكتباتنا بكتب عن عذاب القبر ونعيمه، وفتنة المسيخ الدجال، وأوصاف المهدى المنتظر، وأحاديث الخضر عليه السلام، وأحوال الجان ومراتبهم، وحكم زواج الإنسى بالجنية، إلى آخر الكتب التى لا طائل وراءها ولا أصيل فقه ولا سليم اعتقاد ولا انفتاح ذهن، ولعل هذا الكتاب يسد جزءًا من فراغ أحسبه قائمًا، ولعله جهد يستحق، وإن كان الحكم على ذلك للقراء ...
خامسًا: كثيرًا ما يحدث للقارئ كما حدث لى أحيانًا، وهو يستعرض رأى هذا فيراه صادقًا، ورأى ذاك فيراه موثقًا، ثم يعود لرأى جديد للأول فيقتنع به ثم يقرأ رأيًا معاكسًا للثانى فيستمسك به، أن يصل إلى موقف تشتبه عليه فيه الأمور، ويجد نفسه فى منطقة شائكة بين الحل والحرمة وفى مثل هذه المواقف كنت أسأل نفسى، هب أننى اجتهدت فحسبته حلالاً، أكل حلال واجب التباع؟ ...
أحسب أنه سؤال خطير، وأخطر ما فيه أنه يطرح السؤال العكسى فى المقابل، وأحسب أيضًا أن مثل هذا السؤال يجب ألا يظل مكتومًا أو حائرًا، ولسوف يجده القارئ عنوانًا لكتاب قادم، وبغير عرض أصل الخلاف وآراء المختلفين، يصبح مثل هذا السؤال نوعًا من الترف الفكرى لا مبرر له ولا منطق، بيد أنه فى أعقاب هذا الكتاب يأتى مبررًا تمامًا ومنطقيًا بغير شك، وما أحسب إلا أن القارئ سوف ينشغل بالمقدمات والنتائج بقدر ما انشغل ذهنى، بل الأدق أن أقول، بقدر ما اشتعل، وهذ المبرر وحده يكفينى ...
سادسًا: إن خطورة قضية ( زواج المتعة ) تستند إلى أسباب عدة:
1. مأزق الحاجة لاجتهاد معاصر،
2. خطورة الاستناد لاجتهادات عصور سابقة،
3. مأزق الدعوة للعودة إلى الجذور دون مراجعة،
4. وهم اليوتوبيا ( الجنة على الأرض ) فى عصور خلت،
5. مأزق استلهام النص وحده دون إعمال العقل،
6. مأزق الفصام بين الأصولية والمعاصرة، فالأولى نقل، والثانية عقل وتوفيق بينهما وارد وممكن لكن ليس فى ظل مانراه من انغلاق فكرى أو فكر انغلاقى،
7. المأزق الذى يقود إليه تقييم نصوص السن على أساس السند وليس المتن،
8. الأسى لخلاف المسلمين دون طائل يُجنى سوى تمزق الصفوف، ودون محاولة لرتق الخلاف وتلافى أسبابه،
9. ضياع الحقيقة بين الجهل والتجهيل والتجاهل من الفريقين،
10. مأزق التناقض بين قضية فحواها الإباحة ومضمونها الحرية وبين اجتهادات أخرى فى قضايا تتصل بها، فحواها القيد ومضمونها التشدد، وهو مأزق لا بد وأن يشغل ذهن القارئ منذ البدء وحتى الختام، وأن تثير القضية ويطرح الكتاب كل هذه المآزق والمشاكل والقضايا، فإن كتابته تصبح واجبًا ومسئولية، ونشره يصبح ضرورة وأمانة فى عنق الكاتب لابد وأن يفى بها مهما كانت العواقب ...
وأخيرًا لعلى أجبت على المتسائلين، ولعلى مضطر إلى أن أعيد على مسامع القراء مرة أخرى ما بدأت به هذه المقدمة، ولو أُتيح لى أن أُعيده ألف مرة لأعدته ...
قبل أن أبدأ أعلنها واضحة صريحة ...
لست داعية لزواج المتعة ...
ولست موافقًا عليه ...
ولست قابلاً به لبنات أسرتى وبنات المسلمين...
ولست مستعدًا ... فى نفس الوقت أن أطمس حقًا من أجل إسترضاء الآخرين، أو أن أتنكر لمسئوليتى ككاتب من أجل إرضاء الآخرين ...
والله والحق من وراء القصد ...
مصر الجديدة ـ 6 أغسطس 1990
الباب الأول
زواج المتعة فى السنة والقرآن
" لا أعلم شيئًا أَحلّه اللَّه ثُم حرّمه، ثُم أحَلّه ثم حرّمه، سوى المتعة ..."
الإمام الشافعى
الفصل الأول
زواج المتعة ونصوص السنة
مقدمة الفصل
ما عرفت موضوعًا أرقنى وأرهقنى مثل هذا الموضوع، وحسبى أن أذكر للقارئ أننى ظللت أقرأ عنه، وأحاول كتابته ثلاثة أعوام كاملة وفى كل مرة كنت أمزق ما كتبت، رغم أننى عادة لا أكتب إلا بعد أن تختمر الفكرة فى ذهنى، وساعة أن أضع القلم فى يدى ينتهى الأمر، ويصعب علىّ أن أبدّل كلمة واحدة، لكنى هذه المرة كنت أبدّل وأغير، وأمزق وأعيد الكتابة وأبتهج وأنا أقرأ، وأنزعج وأنا أكتب، وأتعجب فى كل الأحوال، وكم عبرت عن عجبى بتساؤلات ما زلت عاجزًا عن إجابتها،
كيف أهمل كل طرف ما أورده الطرف الآخر وهو غير قابل للإهمال،
وكيف ارتضوا لأنفسهم أن يصلوا إلى النتائج دون تمعن فى حجج المخالفين،
وكيف لم يتوقفوا كثيرًا أمام موضوع من أخطر الموضوعات،
وهل كان عذرهم أن دلالات قبولهم بزواج المتعة خطيرة،
لأنها لا تتناسق مع ما ألفناه منهم من احترام لنصوص وردت فى كتب السنة وفى تفاسير القرآن وفى أقوال كبار الفقهاء،
وأن موقفهم فى الحالتين صعب، وليس موقفهم وحدهم، بل موقف كاتب هذه السطور، وهو أيضًا موقف القارئ إن استكمل قراءة الموضوع، لأن أصعب ما يمر به صاحب الفكر أو التفكير أن يكشف أن ما يتعاطف معه وجدانيًا ليس بالضرورة هو الصواب، فقد يكون وقد لايكون، وأن الصواب المطلق أحيانًا عسير المنال، خاصة إذا كان لدى الطرف الآخر من المنطق بقدر ما لدينا من الشك، وعنده من الحجج بقدر ما عندنا من علامات الاستفهام.
حسنًا ... ليس الأمر أمر لوم أو تساؤل بقدر ما هو أمر تمهيد لرياضة ذهنية ما أظن أن لها نظيرًا فى قضية فقهية أخرى، فطرفا الحوار مختلفان أشد الاختلاف،
فالسنة ترى أن المتعة حُرمت إلى الأبد،
والشيعة ترى أن المتعة حلال إلى الأبد،
والسنة تستند إلى مراجعها المعتمدة من صحاح وسنن ومسانيد وتفاسير،
والشيعة تبالغ فى استعراض قوة حججها بالاستناد إلى نفس المصادر، والاعتماد على أحاديث واردة فيها أيضًا .
والطرفان يحتكمان إلى نفس الآيات القرآنية، لكنهما يخرجان منها بتفسيرات ودلالات لا تلتقى أبدًا ولا تتفق مطلقًا، بل يخرج هذا بعكس ما يخرج ذاك ويؤكده، ويخرج ذاك بنقيض تفسيره هذا وبسنده،
وكل طرف يلقى بحجته فتظنها نهاية المطاف فإذا بالطرف الآخر يثبت لك أنها بدايته وأنها مردود عليها بل كأنها لم تكن، وكل رأى لكل طرف مهما بلغت وجاهته له رد يبدو لك وكأنه لا رد عليه، فإذا بالرد عليه جاهز وإذا بدحضه ممكن، وإذا بك بعد عشرات الآراء والردود تعود إلى نقطة البدء من جديد.
ما الذى يطمع فيه القارئ أكثر من ذلك؟
وهل هناك أمتع من مناقشة قضية يرى أحد طرفى النقاش أنها بغاء لا شك فيه، بينما يرى الطرف الآخر أنها زواج لا شبهة فيه، فإذا استمع القارئ إلى حجة هذا اقتنع بها، ثم إذا استمع إلى حجة ذاك وجدها مقنعة، ثم إذا بهذا يرد على ذاك ومعه حق، فإذا بذاك ينتقد هذا ومعه حق، وهكذا لا يصل القارئ إلى قرار إلا وتراجع عنه ولا يقتنع برأى إلا وتخلى عنه، ولا يصل فى النهاية إلا إلى ما بدأ به، هذا يراه بغاء عن اقتناع، وهذا يراه زواجًا ويعرض حجته عن إقناع، وما على القارئ إلا أن يختار، ليس كما يقول أحد الشعراء المعاصرين، ما بين الجنة والنار، بل بين اختيار واختيار، وهو حائر فى اختياره على ما نظن، فهو إن رفض زواج المتعة فحجته أن جمعًا من كبار الصحابة وأئمة التابعين قد رفضوه، ومنهم عمر وعبدالله بن الزبير، والأئمة الخمسة، أبو حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل وزيد، وغيرهم كثير،
وما أظن أن هؤلاء يجتمعون على خطأ أو ينتصرون لباطل، وهو إن قبل بزواج المتعة فحجته أن جمعًا آخر من كبار الصحابة والتابعين قد ناصروه، منهم عبدالله بن عباس ، عبدالله بن مسعود، وأبىّ بن كعب، وابن جريج، وقتادة، وسعيد بن جبير، وسعد بن المسيّب، والإمام جعفر الصادق، وباقى الأئمة الإثنى عشر وغيرهم كثير، وما أظن أن هؤلاء أيضًا يجتمعون على خطأ أو ينتصرون لباطل، وأغلب الظن ان الله قد اراد برحمته أن يظل هذا الموضوع مثارًا، بل مثيرًا للخلاف، لحكمة ربما كشفتها لنا الأيام؟؟؟.
لقد خطر لى وأنا أكتب هذا الموضوع أن أمارس تجربة جديدة فى الكتابة، أشرك فيها القارئ معى ومع طرفى الحوار، بحيث لا يغيب القارئ ولا الكاتب عن إطار المحاورة، وبحيث يتدخل الكاتب حين يشعر بضرورة ذلك ليس من خلال طرفى الحوار، بل من خلال صفته كطرف ثالث مستقل يراقب الحوار الدائر ولا تغفل عينه عن القارئ منذ البداية وحتى الختام ، على أمل أن يتسع صدر القارئ للحوار معى وللمشاركة منذ البدء فى صياغة منهج العرض والتحليل، وهو منهج غريب استرشدت فيه بأسلوب الرسامين حين يخطون ما يسمون ( اسكتش ) بالقلم الرصاص، ثم يضيفون الألوان بعد ذلك وأقصد هنا ( بالاسكتش ) أننى تصورت كيف سيدور الحوار ومن الذى سيبدأ وكيف سيكون الرد، ثم متى تأتى الحجة التالية وكيف يقود الرد عليها إلى حجة جديدة ، وهكذا.
وأكثر من هذا فقد كتبت مختصرًا لهذا التصور حتى لا أنساه، وما إن شرعت فى تلوين اللوحة، وأقصد بالطبع كتابة أسانيد كل طرف عند عرضه لوجهة نظره، حتى واجهت مشكلة صعبة تتمثل فى أن بعض الأسانيد مثل الأحاديث النبوية الواردة فى مصادر متعددة، أو التفسيرات القرآنية أو الآراء الفقهية، يمكن أن تشغل مساحة واسعة خلال عرض الرأى، ولكونها توثيقًا لا أكثر، ونتيجة أيضًا لطول بعضها ولتكراره، فإن وضعها بين سطور الحوار يؤدى إلى فقد القارئ لذة المتابعة للحجة والحجة النقيض، وغياب سلاسة العرض وسرعة إيقاعه.
وقد خطر لى أن أكتب الأسانيد فى المذكرات التفسيرية، فوجدتها سوف تبتلع مساحة الصفحات، وفكرت فى نقلها لنهاية الفصل بعد تمامه فوجدتها ستبتعد عن السياق، وهنا خطر لى أن أفعل شيئًا آخر، وهو ما أسميته بالمداخلة وأقصد بها قطع الحوار فيما يشبه الاستراحة، ثم المداخلة بذكر أسانيد الطرفين مع تمييز كتابتها بخط مختلف يحيث يمكن للقارئ أن يراجعها إذا أراد، أو أن يعبرها مستكملاً الحوار إذا شاء ، لا شك أننا أطلنا فى المقدمة، ولا شك أن القارئ يتعجلنا للبدء فى شوق، ولا شك أننا لسنا أقل شوقًا منه لاستعراض حجج الطرفين:
سؤال و جواب
ما هو زواج المتعة؟.
هو زواج لأجل ( زواج مؤقت ) مقابل أجر ( مهر ) يُتفق عليه بالتراضى ( ولو كان قبضة من تمر أو من دقيق ).
ماذا يحدث إذا انتهى الأجل؟.
ينتهى الزواج بغير طلاق.
وهل هناك حد أدنى أو أقصى للأجل؟.
لا، فقد يكون الأجل ساعة أو ساعات، يومًا أو أيامًا، شهرًا أو شهورًا، سنة أو سنوات.
هل يثبت بهذا الزواج النسب؟.
نعم، يثبت به نسب الأبناء، وميراثهم أيضًا ...
وهل ترث الزوجة؟.
لا، إلا إذا اشترطت ذلك عن الزواج ...
هل تستحق الزوجة نفقة؟.
لا، إلا إذا اشترطت ذلك عند الزواج.
وهل زواج المتعة محدد بعدد؟.
لا، ليس محددًا بعدد بعكس الزواج الدائم المحدد بأربع زوجات ...
ما معنى هذا؟.
معناه: أنه لا حد لعدد زوجات المتعة، وقد روى عن ابن جريج فقيه مكة الشهير أن تزوج شبعين بالمتعة تأكيدًا لحِلّها ...
وهل يجوز تجديد المدة بعد انتهاء الجل؟.
نعم، يجوز تجديد المدة مرة ومرات بعد انتهائها دون حاجة لمحلل ..
وكيف ينعقد الزواج؟.
ينعقد الزواج بلفظ من ثلاثة تذكره الزوجة ( زوجتك أو أنكحتك أو متعتك نفسى ) ...
وهل لزواج المتعة أحكام تفصيلية أخرى؟.
نعم، لزواج المتعة أحكام تفصيلية أخرى يستطيع القارئ الرجوع إليها فى مراجع الفقه الشيعى.
ماهى المراجع الشيعية؟.
المراجع الشيعية متعددة ومنها:
المختصر النافع فى فقه الإمامية للشيخ أبو القاسم ـ دار الأضواء ـ بيروت.
إسلامنا فى التوفيق بين السنة والشيعة: للدكتور مصطفى الرافعى ـ مؤسسة الأعلمى للمطبوعات ـ بيروت.
روح التشيع: للشيخ عبداله نعمة ـ دار الفكر اللبنانى ـ بيروت.
نقض الوشيعة: للإمام السيد محسن العاملى ـ مؤسسة الأعلمى للمطبوعات ـ بيروت.
المراجعات: للإمام عبد الحسين الموسوي ـ دار علاء الدين ـ بيروت.
ونوصى بقراءة الكتب الثلاث الأخيرة لسعة العلم ووضوح العرض وبلاغة الأسلوب واعتدال المنهج وهى من اهم ما استندنا إليه من مراجع.
ما معنى ما سبق؟.
معناه: أن المسلم يستطيع أن يتزوج مسلمة أو كتابية، بعقد زواج محدد المدة ( ساعة مثلاً )، مقابل مبلغ معين ( خمسة جنيهات مثلاً ) يتفقان على، فإذا انتهت المدة، انتهى الأمر بغير طلاق.
ويبدأ الحوار السنى الشيعى
[ 1 ]
هنا يفرك أهل السنة أيديهم فى سعادة وطرب، ويرددون:
الحمد لله، يكفينا هذا المثال، ولسنا فى حاجة إلى حوار وأخذ ورد، فالأمر أوضح من أن يُناقش،
هل يتصور عاقل أن ماسبق يمكن أن يكون زواجًا؟،
وهل يقبل أحد ان يحدث هذا لابنته أو أخته أو قريبته؟
هذا ليس زواجًا إلا إذا ألغينا عقولنا وصادرنا ضمائرنا، هذا بغاء، بغاء، بغاء ...
فيرد الشيعة:
يؤسفنا أن نبدأ الحوار هذه البداية، فالأمر ليس أمر عواطف أو مشاعر أو عبارات ثقيلة، بل هو أمر نصوص وقواعد ووثائق وأحكام دين، ووصفكم للمتعة بأنها بغاء لا يسئ إلينا فقط، بل يسئ إليكم أيضًا لأنه يسئ إلى الإسلام الذى نتبعه جميعًا، وإن اختلفت بنا السبل.
إنكم أول من يعلم أن المتعة قد اُبيحت فى عهد الرسول ومارسها الصحابة، فهل يجوز بعد ذلك أن تصفوها بالبغاء.
عودوا إلى مراجعكم التى تستندون إليها فى احكامكم الفقهية، عودوا إلى صحيح البخارى وصحيح مسلم وسنن ابى داود وابن ماجه والنسائى والترمذى والدارمى وموطأ مالك ومسند ابن حنبل، وسوف تجدون فيها جميعًا توثيقًا بأن الرسول قد احل المتعة فى حياته، وأن بعض الصحابة مارسوها برخصة من الرسول، وأن الأحاديث، حتى التى تستندون إليها فى تحريم المتعة متضافرة على أن الرسول قد أحلها من قبل ...
**************
[ 2 ]
فيرد السنة:
بل متضافرة على التحريم فى أكثر من حديث، وفى أكثر من زمن ...
فيرد الشيعة:
هذا يؤكد الحقيقة الأولى التى نود أن نتفق عليها معًا، وهى ان زواج المتعة قد أحل فى عهد الرسول وهو ما يجب أن ننتهى فيه إلى حسم، إن بعضكم يذكر أن المتعة كانت من أنكحة الجاهلية وأن تحريم الرسول لها يمثل نهيًا عن ممارسة خطأ جاهلى وهو ما يتناقض مع ما تذكرونه الآن، لأن الرسول قد حرمها كما تثبت الأحاديث فى أكثر من مكان وأكثر من زمان ( سبع مواضع وسبعة أزمنة ) ولا يعقل أن يحرّم الرسول أمرًا لم يحله، خاصة عندما يتكرر التحريم، فالتحريم مرتين معناه الحل فيما بينهما، وأقوى أحاديثكم التى تستندون إليها فى تحريم المتعة ( تحريمًا مطلقًا ) كما تدعون هو حديث معبد بن سبرة الجهنى عن أبيه سبرة، وهو الحديث الذى تكرر فى صحيح مسلم بطرق مختلفة إحدى عشر مرة، وتكرر أيضًا فى كتب السنن والمسانيد، يذكر فيه سبرة أن الرسول قال: ( يا أيها الناس إنى كنت قد أذنت لكم فى الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرم ... إلى آخر الحديث ).
وحل المتعة هنا واضح على لسان الرسول وهو أوضح على لسان سبرة فى بداية روايته للقصة التى تبدا بالعبارة التالية: ( أذن لنا رسول الله بالمتعة فانطلقت أنا ورجل .. إلخ )، والبخارى فى صحيحه يذكر أحاديث المتعة تحت عنوان ( باب نهى رسول الله عن نكاح المتعة آخرًا ) وتعليق ابن حجر العسقلانى فى كتابه فتح البارى على لفظ ( آخرًا ) فى نهاية العنوان مضمونه أن ذكر هذا اللفظ يعنى إباحتها أولاً، وإذا كان ذلك مفهومًا ضمنًا من عنوان البخارى،فإن عنوان الباب المناظر فى صحيح مسلم أكثر وضوحًا فى إثبات حله فى عهد الرسول صراحة حيث يذكر أحاديث المتعة تحت العنوان التالى: ( باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة )، والعنوان واضح فى تأكيد إباحة المتعة فى عهد الرسول مرتين ( فى رأى مسلم )، وهناك العديد من الأحاديث التى تثبت حله ليس فى عهد الرسول فقط، بل فى عهد أبى بكر وصدر عهد عمر بن الخطاب الذى كان وراء تحريمه فى اعتقادنا.
مرة أخرى حتى لا تتوه الحجة ... المتعة أحلها الرسول ومارسها الصحابة فى عهده بإذن منه، هل تعترضون على هذا أم تعترفون به فى بداية الحوار؟.
**************
[ 3 ]
فيرد السنة:
ما ذكرتموه لا يستحق فى تقديرنا التوقف، لأن هدفنا ليس العرض التاريخى، وإنما هدفنا هو التوصل إلى رأى فقهى قاطع فى شأن تحريم المتعة إلى يوم القيامة على لسان الرسول، ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لدينا أنه حرمها تحريمًا قاطعًا إلى يوم القيامة، ولسوء حظكم أن الرسول لم يحرمها فى موضع واحد، بل حرمها فى سبعة مواضع أخرها حجة الوداع.
تحريم قاطع سبع مرات وتجدون لديكم الجرأة على المخالفة، يالله، لو كان حرمها مرة واحدة لاستطعتم الهرب منها بالتشكيك فى الحديث أو الواقعة أو الرواة، لكنها مرات متعددة، تذكر كتبكم أنها سبع مرات،
وكأن الله أراد برحمته أن يتكرر نهى الرسول ليس مرة واحدة ولا مرتين بل سبع مرات حتى تحيط بكم دائرة التحريم، وحتى تضيق بكم السبل، ولو استطعتم إنكار واقعة أو اثنتين فأين تهربون من البقية ... هذا هو ما يهمنا ... التحريم القاطع والمتكرر، ولا يغنى عنكم استنادكم إلى الحل فى زمن سابق لأن التحريم اللاحق يكفى لزواله، ويكفينا للرد عليكم ...
فيرد الشيعة:
أسوأ ما يفعله المحاور أن يلقى بالحجة متصورًا أنها لصالحه، ثم يكتشف أنها ضده ولصالح الطرف الآخر، وهذا ما فعلتموه الآن لا أقل ولا اكثر وسوف نثبت لكم هذا.
لكننا قبل ذلك نود أن نرسى أسسًا للحوار، منها رفض المراوغة أو المكابرة فى الحق ...
لقد أثرنا تساؤلاً فى البداية لا نريد تجاوزه قبل أن نوفى إجابته حقها، وهو التساؤل عن حل المتعة فى عهد الرسول، ونحن نعتبر إجابتكم تسليمًا بحجتنا، ولو عارضتم فى ذلك لتوقفنا كثيرًا حتى نثبته لكم، وإثباته هين ويسير، ولو سلمتم به لتجاوزناه إلى مناقشة حجتكم فى التحريم، فما رأيكم: نتوقف ونرد أم نتجاوز ونستمر؟ ...
**************
[ 4 ]
فيرد السنة:
بل استمروا ...
فيرد الشيعة:
حسنًا، ووصفكم للمتعة بأنها بغاء، بغاء، بغاء ...
هل يتفق مع إباحة الرسول لها فى حياته؟ ...
وممارسة بعض الصحابة لها؟...
**************
[ 5 ]
فيرد السنة:
يبدو أنكم تريدون مصادرة الحوار فى بدايته بالتلكؤ عند الجزئيات وتحاولن التوقف عند الحِلّ فى حياة الرسول هربًا من مواجهة التحريم القاطع المؤبد، والمتكرر بما لا يترك منفذًا للمراوغة ...
حسنًا ... سوف نغلق عليكم باب المراوغة بوصفنا لما أحله الرسول بأنه متعة، لكن إتيانه إذا ثبت تحريم الرسول له يدخله فى باب الغاء ...
فيرد الشيعة:
إذًا ثبّت ...
**************
[ 6 ]
فيرد السنة:
نقول لكم تكرر التحريم أكثر من مرة على لسان الرسول وفى أكثر من مكان، وفى أكثر من زمان باعترافكم فى مراجعكم أن التحريم قد تكرر سبع مرات فى سبعة أزمنة وتقولو إذا ثبت التحريم، تقصدون إنكاره؟.
فيرد الشيعة:
أولاً: ما ذكرناه فى مراجعنا عن الأحاديث الواردة بتحريم الرسول للمتعة فى سبعة مواضع وسبعة أزمنة كان حصرًا لما ورد فى مصادركم ليس عن اقتناع به بل لإثبات التضارب وعدم المعقولية فى الروايات التى نعتقد بالأدلة العقلية أنها مدسوسة على الرسول وإن كانت منسوبة إليه، وهذا ما سوف نثبته.
ثانيًا: إن قولكم بأن الرسول قد حرمه فى سبعة أزمنة وسبعة أمكنة امر لا يستقيم، وحجة عليكم وليست لكم، بسبب بسيط ومنطقى وهو أن تحريم الرسول لها سبع مرات لا يحتمل إلا وجهًا من وجهين،
الوجه الأول أنه حرمها ثم أحلها ثم حرمها ثم أحلها وهكذا سبع مرات كاملة، وهذا لا يستقيم منطقيًا ولا سابقة له ولا مثيل،
أما الوجه الثانى فهو أنه حرمها سبع مرات ولا ذكر للحل فيما بين المرات السبع، ومعنى هذا أن المسلمين قد خالفوه ست مرات، وهذا أسوأ، لأن المخالفين هنا هم الصحابة.
وواضح أيضًا أن المخالفة هنا مع سبق التحريم لا تعنى إلا شيئًا واحدًا هو ما سميتموه بلفظ ( البغاء ) لا نسمح لأنفسنا بوصف سلوك الصحابة به، ومرة أخرى هذا منطق لا يستقيم، وهى حجة مردودة عليكم وليست حجة لصالحكم على عكس ما تصورتم، وحتى لو قلتم إن عدد مرات التحريم أقل من سبع، وهذا رأى البعض منكم، فإن هذا لا يغير من واقع الأمر شيئًا.
ثالثًأ: إن التواريخ التى ذكرت لتحريم الرسول للمتعة توحى بالشك فى نسبة هذه الأحاديث إلى الرسول، فالترتيب الزمنى لهذه التواريخ على النحو التالى:
المناسبة الشهر السنة
1ـ خيبر المحرم سنة سبع
2ـ عمرة القضاء ذى الحجة سنة سبع
3ـ يوم الفتح رمضان سنة ثمان
4ـ غزوة حنين شوال سنة ثمان
5ـ أوطاس شوال سنة ثمان
6ـ تبوك رجب سنة تسع
7ـ حجة الوداع ذى الحجة سنة عشر
والملاحظة الأولى على هذا التأريخ، أن أول تحريم للرسول ـ فى زعمكم ـ قد حدث سنة سبع من الهجرة، ومعنى ذلك أن الرسول قد ترك المسلمين عشرين سنة كاملة يمارسون هذا البغاء ( كما تصفونه ) أو هذا النكاح من أنكحة الجاهلية ( كما يراه البعض منكم )، وهذا يبدو لنا غريبًا وإن كان ما يلى أغرب ...
أما الملاحظة الثانية فهى أن المتعة قد أحلت وحرمت ثم أحلت وحرمت ثم أُحلت وحرمت سبع مرات خلال ثلاث سنوات فقط وهو أمر يدعو للدهشة على الأقل، وللشك فى نسبة هذه الأحاديث إلى الرسول على ما نعتقد، وتزداد الدهشة ويزداد الشك إذا لاحظنا أن المتعة قد أبيحت وحرمت ثلاث مرات خلال شهر واحد فبين حنين وفتح مكة نحو من شهرين وبين أوطاس وحنين أيام، وأن تحل المتعة ثم تحرم أكثر من مرة أمر يدعو للدهشة، أما أن تحل وتحرم ثلاث مرات خلال نحو شهر فأمر يدعو للشك، وأن تحل وتحرم سبع مرات خلال ثلاثة أعوام فأمر يدعو لما هو أكثر من الشك.
رابعًا: أنتم تستندون فى تحريم المتعة إلى أحاديث وردت فى كتب السنة، ونحن أيضًا نستند إلى أحاديث من نفس المراجع تؤكد أن المتعة كانت مباحة فى عهد الرسول وفى عهد أبى بكر وفى صدر عهد عمر، وأن الذى حرمها هو عمر وليس الرسول، وهى أحاديث كثيرة ورواتها ثقات وكثر، ومعنى هذا أنكم نازلتمونا بالأحاديث فقبلنا النزال وواجهناكم حديثًا بحديث، وسندً بسند، وبمراجع هى ذات مراجعكم بيد أن الأمر لن يصل بنا وبكم إلى طريق مسدود، بل تجزم بأنه لن يصل إلى مستوى التعادل فيما بيننا فى الحجج لأن لدينا الحجة الدامغة، التى تعلو على مستوى ما سقناه وما سقتموه حتى الآن ...
**************
[ 7 ]
فترد السنة:
هذا هو مأزقكم، ترتكبون الخطأ، بل الخطيئة، ثم تندفعون فى تبريرها بحجج لا سند لها إلا فى مخيلتكم، ولا قوة لها إلا فى أوهامكم، وأمثالنا لا يتأثرون بالكلمات المنمقة والفارغة فى آن واحد من نوع الحجة الدامغة أو البرهان الساطع أو غيرها من الكلمات التى لا تستهدف إلا نتيجة واحدة، هى أن تمسكوا بزمام المحاورة وأن توجهوها وفق منهجكم وهو ما لن نسمح به، لذا ندعوكم إلى تأجيل ( دمغنا بالحجج ) قليلاً وأن نسمع تعليقكم على حديث ( أخرجه عبد الرازق عن على قال: نسخ رمضان كل صوم، ونسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث ) ومعنى الحديث كما لا يخفى عليكم أن الزواج الدائم، بأحكامه التى ترتب عليها ميراث الزوجة وعدتها وضرورة الطلاق للانفصال عنها، قد نسخ هذا الزواج المسخ، الذى لا ميراث فيه للزوجة ولا عدة لها ولا ضرورة لطلاقها إذا انتهى الأجل ...
فيرد الشيعة:
عبتم علينا دعوانا بأنها دامغة، رغم أنها كذلك، ورغم أنكم لم تستمعوا إليها بعد، ووصفتم زواج المتعة ( مسخ ) وهو ليس كذلك، فزواج المتعة زواج شرعى، والحديث الذى نسبتموه للإمام على حديث مكذوب ومدسوس بغير شك، فأى شئ يمكن نسبته إلى الإمام على إلا قلة الفقه فى الدين، فلو لم يكن على فقيهًا فمن يكون ...؟.
إن القول المنسوب إلى على مكذوب لسبب بديهى وهو أنه قول جاهل ببديهيات الفقه لدى صبيان الكتاتيب من الشيعة.
فمن قال بأنه لا زواج بغير إمكانية حدوث طلاق؟:
1. الأمة المزوجة إذا اشتراها زوجها فإنها تبين منه بغير طلاق.
2. الزوجة الملاعنة تبين من الملاعن بغير طلاق.
3. الزوجة المرتدة تبين من زوجها دون طلاق.
4. الزوج المرتد تبين منه زوجته دون طلاق.
5. الزوجة الصغيرة التى أرضعتها أم الزوج تبين من زوجها دون طلاق.
6. الزوجة الصغيرة التى أرضعتها زوجته الكبيرة تبين من زوجها دون طلاق.
7. زوجة المجنون إذا فسخت عقد زواجها من تبين من زوجها دون طلاق.
8. الزوجة التى ملكت زوجها المملوك بأحد أسباب الملك تبين من زوجها دون طلاق.
وبالمثل أيضًا فإن هناك حالات من الزواج الدائم لا توارث فيها كالأمثلة الآتية:
1. الأمة إذا كانت زوجة.
2. الزوجة القاتلة.
3. الزوج القاتل.
4. الزوجة الذمية.
5. الزوجة المعقود عليها فى المرض الذى مات زوجها ولم يدخل بها.
وهذه الأمثلة كلها تثبت أن الزواج بذاته لا يقضى التوارث ولا الطلاق ...).[ الشيخ عبدالله نعمة ـ روح التشيع ـ دار الفكر اللبنانى ـ بيروت 1985م ـ ص 468 ].
أما عن العدة فعذركم بشأنها أنكم لم تقرأوا كتب الفقه الشيعى واعتمدتم على السماع لواردة هنا وشاردة هناك، ولو قرأتم لوجدتم أحكام العدة واضحة وكاملة، فالعدة واجبة انقضاء الأجل والافتراق، وهى حيضتان كعدة الأمة، وخمسة وأربعون يومًا لمن لا ترى الحيض، وأربعة أشهر وعشرة أيام للمتوفى عنها زوجها ...
هذا كله معلوم كما ذكرنا لصبيان الكتاتيب عندنا، فكيف يخفى على الإمام على بن أبى طالب، باب مدينة العلم؟، بل الأهم من ذلك، كيف يخفى عليكم حتى تواجهونا بهذا القول، وتظنوا أنه حجة؟ ...
**************
[ 8 ]
فيرد السنة:
إن سعيكم لاصطياد الحالات الشاذة للقياس يؤكد لنا شذوذ قولكم باستمرار حلّ المتعة. ولكم عذركم فيما ذكرتم من أدلة، فالقول الشاذ لا بد وأن يستند إلى دليل شاذ، ومع ذلك فسوف نطاوعكم ليس إقتناعًا بقدر ماهى الرغبة فى استمرار الحوار، إننا نريد منكم أن تكونوا واضحين معنا، وأن تقولوا لنا صراحة،
هل تقبلون بنصوص السنة حكمًا بيننا أو لا ؟.
وهل تقبلون بقول الإمام على إذا تكرر خبره فى أغلب مراجع السنة، بل فيها جميعًا وهو حديثه بأن رسول الله ـ ص ـ قد نهى يوم خيبر عن متعة النساء وعن أكل لحوم الحمر الأهلية، أو لا ؟ ...
لقد كانت المناسبة هى الرد على ابن عباس فى ترخيص بالمتعة، عندما ينحصر القول بين ابن عباس وبين على يرجح لدينا ولديكم قول على، خاصة وأنكم تعلمون أن حديث على كان بعد وفاة الرسول، الأمر الذى يقطع باسقرار تحريم الرسول للمتعة إلى الأبد، إذ يستحيل منطقيًا أن تكون المتعة حلالاً ويخفى ذلك عن على ، وليس معقولاً أيضًا أن يحرم على ما أحل الله ورسوله ...
إن المصدر هو مراجع السنة التى قبلتم الاحتكام معنا إليها ...
والقائل هو على بن أبى طالب ... باب مدينة العلم ... الذى نقبل بحكمه ويستحيل عليكم أن تجادلوا فيه ... والحمد لله أن الحديث جامع مانع، قصير قاطع، لا يحتمل لبسًا، ولا يقبل تأويلاً، ولا يداخله شك ... ألا يعنى هذا فصل الخطاب؟
ما رأيكم دام فضلكم؟ …
فيرد الشيعة:
الحمد لله فعلاً لأنه أجرى الحق على ألسنتكم دون أن تدروا، فأصبح ما ذكرتموه، مردودًا عليكم إلى الدرجة التى نعتقد معها أنكم سوف تندمون على احتجاجكم به، وإصراركم عليه، والحمد لله أيضًا على أنكم استخدمتم ألفاظًا دقيقة، فذكرتم أن الحديث متكرر ولم تذكروا أنه متواتر لأنكم لو ذكرتم ذلك لرددناه، وإليكم أسانيدنا فى الرد عليكم نذكرها فى ترتيب وهدوء ... أولا: لقد ذكرتم أن الحديث كان بعد وفاة الرسول، وهذا ما تذكره مراجعكم بالفعل، وأنه كان فى الرد على عبدالله بن عباس، وهذا ما تذكره مراجعكم أيضًا، ومعنى هذا أن ابن عباس كان يرخص فى المتعة بعد وفاة الرسول، وهى حجة لنا وليست لكم، وعليكم وليست علينا، فعبد الله بن عباس حبر الأمة وبحر العلم فيها كما ترددون دائمًا، ورغم أن هذه الحجة ( وهى حلّ عبدالله بن عباس للمتعة بعد وفاة الرسول ) ليست أقوى حججنا، إلا أننا نريد أن نثبتها لنا وعليكم فى بداية الرد ... هذه واحدة ...
ثانيًا: وفقًا لما جاء فى مراجعكم كان حديث الإمام على بعد وفاة الرسول، والإمام على يذكر فى الحديث أن الرسول قد نهى عن المتعة يوم خيبر، والمنطقى أن يذكر الإمام على مناسبة التحريم الوحيدة إذا كان التحريم قد حدث مرة واحدة، أو أن يذكر مناسبة التحريم الأخيرة إذا كان التحريم قد لحقه حل ثم تحريم آخر أو أخير ...
ولعلكم تتفقون معنا على أمر منطقى، وهو أن أمرحلّ المتعة أو أمر حرمتها لجماعة المسلمين لا يمكن أن يخفى على الإمام على، ومعنى هذا أننا أمام واحد من احتمالين:
1ـ الاحتمال الأول أن الرسول حرم المتعة فى يوم خيبر، وكان هذا هو التحريم الوحيد، وبالتالى هو التحريم الأخير، وفى هذه الحالة تسقط كل أحاديث سبرة بن عبد الجهنى التى تتوقفون عندها كثيرًا وتتأملون فيها طويلاً، وتكررها مراجعكم عشر مرات، وتذكر أن الرسول قد أحل المتعة يوم فتج مكة، وفى قول آخر ( لسبرة أيضًا ) يوم حجة الوداع، ثم حرمها بعد ذلك ( إلى يوم القيامة )،
2ـ أما الاحتمال الثانى فهو أن أحاديث سبرة وغيرها أحاديث صحيحة، وأن الرسول أحلها بعد خيبر ثم حرمها، سواء كان ذلك يوم الفتح أو فى حجة الوداع، وهنا يصبح قول على ضعيفًا، لأنه يتحدث عن تحريم لحقه حل أو بمعنى أدق نسخه حل لاحق، والأولى به أن يذكر التحريم الأخير سواء كان يوم الفتح أو فى حجة الوداع، حتى يفحم ابن عباس، وحتى لا يترك له منفذًا للرد عليه بانها أحلت بعد ذلك ...
ولمعلوماتكم لسنا نحن القائلين بهذا، بل أحد فقهائكم الكبار وهو ( ابن حجر العسقلانى ) الذى ذكر ذلك فى كتابه فتح البارى نقلاً عن البيهقى الذى رجح النهى يوم خيبر عن لحوم الحمر فقط دون النهى عن زواج المتعة ( لكون رسول الله ـ ص ـ رخص فيها ـ أى فى المتعة ـ بعد ذلك ثم هى عنها فلا يتم احتجاج على بن أبى طالب إلا بالنهى الأخير لتقوم به الحجة على ابن عباس) [ ابن حجر العسقلانى ـ فتح البارى بشرح صحيح الإمام البخارى ـ دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ـ الجزء التاسع ـ ص 138 ].
ثالثًا: لم يكن البيهقى هو الوحيد الذى أدرك ما يكتنف هذا الحديث من الشبهات، وما يثيره من المشكلات، إلى الدرجة التى دعته إلى حذف النهى عن المتعة منه، وإنما ادرك ذلك علماء الحديث والباحثون فيه، حيث روى عبد الوهاب الثقفى عن يحيى بن سعد عن مالك أن عليًا قال ( حنين ) ولم يقل ( خيبر ) [ أخرجه النسائى والداقطنى ] وهناك أيضًا رواية إسحق بن راشد عن الزهرى وهى تذكر أن عليًا قال ( تبوك ) ولم قل ( خيبر ) [ ابن حجر العسقلانى ـ فتح البارى بشرح صحيح الإمام البخارى ـ دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ـ الجزء التاسع ـ ص 138 ].
وقد احتار فقهاء السنة فى تفسير ذلك، فمنهم من قال أن هذا وهم تفرد به هذا، أو خطأ وقع فيه ذاك،
بينما تفسير لدينا واضح وبسيط ومفهوم، وموجزه أن الكذب على الإمام على ليس له قدمان، أو بمعنى أصح له قدمان، قدم فى ( تبوك ) وقدم فى ( حنين ) ...
وهكذا تظهر ثلاث احتمالات جديدة :
أن عليًا لم يذكر فى حديثه نهى الرسول عن المتعة يوم خيبر، وإنما ذكر فقط نهى الرسول عن لحوم الحمر يومها، أو
أن عليًا ذكر أن نهى النبى فى حنين ، أو
أن عليًا ذكر أن نهى النبى كان فى تبوك،
إضافة إلى الاحتمال القديم ان النهى كان فى خيبر ...
حقًا، ما أقوى هذا الحديث، وما أصح متنه، وما أندر شبهاته، وما أيقن حدوثه .... هذه ثالثة.
رابعًا: وبظنكم لستم فى حاجة إلى رابعًا، لكننا نحيلكم إلى تفسير شهير للقرآن لا تختلفون عليه، وهو تفسير الطبرى [ جامع البيان فى تفسير القرآن لأبى جعفر محمد بن جرير الطبرى ـ دار المعرفة بيروت ـ المجلد الرابع ـ ص 9 ].
حيث ذكر حديث الإمام على بن ابى طالب بسنده: ( قال على ـ رض ـ لولا أن عمر ـ رض ـ نهى عن المتعة ما زنى إلا شقى ) ...
ما معنى هذا ؟...
إن معناه واضح، وهو أن الإمام على يذكر صراحة أن الذى نهى عن المتعة هو عمر، وهو يذكر ذلك فى عبارة ناقدة، تشير إلى إغلاق عمر لباب من أبواب الرحمة، وفتحه لباب من ابواب الشقاء، وقد ذكر ذلك كله فى بلاغة مشهورة عنه، وفى إيجاز معروف منه، وفى أدب يليق به ...
عمر إذن هو الذى حرم المتعة وليس الرسول ...
والقائل هو الإمام على بن أبى طالب ...
والناقل هو ابن جرير الطبرى ...
ما رأيكم دام فضلكم؟ ...
[ 9 ]
فيرد السنة:
ما هذا الجهل والتخليط ... نحن نتحدث عن السنة، ونذكر مراجعها التى صحت لدينا، ونأتى منها بالأحاديث الموثقة، وأنتم تأتون لنا بحديث لا سند له، من مرجع لم نسمع يومًا أنه مرجع حديث معتمد ...
إن ابن جرير الطبرى على العين والرأس كمفسر للقرآن، وكمؤرخ لحوادث التاريخ، لكنه ليس مرجعًا معتمدًا لدينا فى الحديث ...
ما أعجب ما تصدرون عنه ...
نقول لكم صحيح البخارى فتقولون تفسي ر الطبرى ...
هل هى المكابرة فى الحق، أم هو الجهل بالحديث، أم أنه مذهب شيعى جديد، يحيلنا فى الحديث إلى الطبرى، وفى التاريخ إلى البخارى وفى التفسير إلى ابن الأثير؟ ...
فيرد الشيعة:
ها أنتم تهربون من أصل المحاورة إلى فروعها، وتمسكون بتلابيب جزئية وتتجاهلون الكليات، وترفعون شأن مراجع تتشدقون باسمها، وأغلبكم لم يقرأها، ولو قرأها أحدكم وتأمل ما ورد فيها لتردد كثيرًا قبل أن يفتح على نفسه بابًا من أبواب الهول، حين يكتفى بذكر أن الحديث قد ورد فى البخارى، ظنًا منه أنه سوف يجندل المتحاورين معه لمجرد ذكر الاسم ...
إن البخارى نفسه ذكر أنه انتقى نحو أربعة آلاف حديث من حوالى ستمائة ألف حديث، أى أن ما صح لديه أقل من واحد فى المائة، ونحن نجزم بأن ما صح لديه لم يكن صحيحًا كله ...
وأن بعضًا منه كان سمًا ناقعًا، لاندرى كيف سمح بتسلله إلى صحيحه؟
وكيف سمح المتشدقون بما لا يعلمون لأنفسهم بوصف صحيح البخارى بأنه أصح كتاب بعد القرآن ...
ألم يرد فى البخارى حديث الرسول يذكر فيه أن الرسول العظيم قد ( أوتى قوة ثلاثين ) رجلاً فى الجماع ... [ البخارى 1/73 ط. دار الشعب ].
ولنتساءل:
1. هل يتصور أحد ان يكون ذلك وصف رسول الله ...
2. والحديث يذكر أنه كان يطوف بنسائه جميعًا فى ساعة واحدة وعددهن إحدى عشر ...
3. هل هذه هى معجزة الرسول؟ ...
4. وهل هذه هى قدراته؟ ...
بل ما شأن المسلمين أصلاً بخصوصيات الرسول ، بل بأخص خصوصياته مع أهل بيته؟ …
كان يأتيها وهى حائض
ألم يذكر البخارى عن عائشة أن رسول الله كان يأتيها وهى حائض بعد أن تتزر [ البخارى 1/97 ط. دار الشعب]، رغم ان ذلك يتناقض كلية مع القرآن الذى ورد فيه { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة 222 ].
ملك الموت
وألم تذكر كتب السنة أن موسى قد لطم ملك الموت ففقأ إحدى عينيه، بالله عليكم هل يستقيم ذلك وهل يقبله عقل؟ ...
وأى عين تُرى تلك التى ذهبت، هل هى اليسرى فينجو من الموت اهل اليمين، أم اليمنى فينجو من الموت أهل اليسار؟ …
ثلاث ليال
وأين يذهبون من الحديث الوارد فى البخارى فى باب ( نهى الرسول عن نكاح المتعة آخرًا ) ونصه ـ على لسان الرسول ـ: ( أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال، فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركا ) [ انظر الفصل الثانى ] ... هكذا ...
تعيروننا بزواج المتعة وهو زواج شرعى صحيح،
وتقبلون بهذا الحديث وتجرؤون على نسبته للرسول لمجرد كونه واردًا فى صحيح البخارى ...
أيما رجل وإمرأة، بمعنى أى رجل وإمرأة، توافقا أى تقاربت مشاعرهم وتحابا، من حقهما ـ على سبيل التجربة ـ أن يقضيا معًا ثلاث ليالٍ ، ليس فى الحديث باطبع أو فى الغناء أو فى التهجد، إنما فى المعاشرة، وهو ما يفهم من لفظ ( فعشرة فيما بينهما ).
وبعد ذلك ـ إذا أحبا ـ أن يتزايدا تزايدا دون تحديد، فقد يتزايدان يومًا أو بعض يوم أو عامًا أو بعض عامٍ أو كما يشاءان، وإذا احبا أن يتتاركا تتاركا ... هكذا دون تحديد لشئ ...
يكفى أن يقولا كما يذكر القول الدارج ... باى باى ... مع السلامة ...
إنتم تقبلون بهذا الرسول لمجرد كونه واردًا فى صحيح البخارى ... وتجرؤون على تسميته بالصحيح، وإذا أراد الواحد منكم أن يبرئ نفسه من الخطأ، قال: لم أخطئ فى صحيح البخارى، وكأنه قرآن آخر ...
باب رضاع الكبير
إن حديثنا هنا طويل لكننا نختصره، نؤكد لكم أن موقف كتب السنة الأخرى المعتمدة لديكم أسوأ بكثير، وإلا أفهمونا ما أفاضت به هذه الكتب فى باب رضاع الكبير، حيث ذكرت ما نخجل منه ولا تخجلون، وموجزه:
أن رسول الله قد سمح لزوجة أبى حذيفة أن ترضع سالمًا مولى أبى حذيفة وهو رجل كبير عدة رضعات مشبعات حتى يصبح ابنها من الرضاع فيدخل عليها ولا يغضب أبو حذيفة أو يشعر بالغيرة على زوجته وإلى هنا والحديث مفزع ولا نقول أكثر. [ الحديث وارد فى جميع كتب السنة فى باب رضاع الكبير].
لكن المخيف حقًا هو ما يكتمل الحديث به، حيث ذكر أن السيدة عائشة كانت تأخذ بهذه الرخصة وإنها كانت إذا أرادت أن يدخل عليها رجل، امرت بنات إخواتها أو بنات أخواتها أن يرضعنه ثم يدخلانه عليها بعد ذلك، ويذكر الحديث أيضًا أنها لم تأبه باعتراض زوجات الرسول واعتقادهن أن تلك كانت رخصة لسالم وحده و لا تنصرف إلى غيره ...
أين أنت ياحمرة الخجل ... ألا تخجلون من نسبة هذا إلى الرسول الكريم وإلى زوجته، وإذا كنتم تقرون ذلك لزوجة الرسول باعتباره واردًا فى قدس الأقداس لديكم وهى كتب السنة المعتمدة منكم ( سنن أبى داود، وسنن النسائى، وسننن ابن ماجه، وسنن الدارمى، وموطأ مالك، ومسند أحمد بن حنبل )، نقول إذا كنتم تعتقدون فى ذلك حقًا، فلماذا لا تمارسونه ...
لقد سفهتم آراءنا بما احتملناه منكم، واتهمونا بممارسة البغاء ورضائنا به لبناتنا، وأتى دورنا الآن لكى نرد عليكم ونسألكم، هل إذا دخل الرجل منكم على زوجته ووجدها ترضع رجلاً، يلتقم ثديها التقام الجائع النهم للطعام، ويسيل لبن ثديها على شاربه ويتخلل لحيته، هل تقبلون حجتها فى انها تتأسى ـ حسب قول كتب السنة المعتمدة لديكم ـ بالسيدة عائشة أم المؤمنين، وأنها رخصة تاخذ بها زوجاتكم لإدخاله عليها بعد ذلك دون حرج ...
نستغفر الله لنا ولكم !!!.
وننصحكم ونحن لكم مخلصون، أن لا تتصوروا أنكم أصحاب حق مطلق لمجرد ورود حديث يؤيدكم هنا أو هناك، فليس كل ما ورد هنا أو هناك صحيحًا، والبخارى ليس أعلى شأنًا من الطبرى فى الاحتجاج، وكلهم يخطئ ويصيب، والحديث الذى ذكرناه نقلاً عن الطبرى وارد بعدة طرق فى تفسير الثعلبى، وتفسير الرازى، وتفسير أبى حيان، وتفسير النيسابورى، والفرق بيننا وبينكم أننا لا نقبل شيئًا دون تمحيص، ودون أن نعرضه على عقولنا وأفهامنا وقبل ذلك على قرآننا الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
نعم، جئتمونا بالبخارى، فجئناكم بالبخارى وبالطبرى، وحديث بحديث، والإمام على هنا والإمام على هناك، فإذا أغلقتم معنا هذه الصفحة، وهى صفحة الاحتجاج علينا بحديث مدسوس على الإمام على تتجاذبه الشبهات أغلقناه وأسقطنا أحد حديثين بهما وهما حديث ( على ) وحديث ( سبرة )
ولم يبق إلا حديث سبرة وهو حديث تكفلت الكتب المعتمدة لديكم بطعنه وتجريحه، فتارة يذكر سبرة أن حلّ الرسول للمتعة وتحريمه لها كانا فى فتح مكة، وتارة أخرى يذكر أنهما كانا فى حجة الوداع، وفتح مكة كان فى رمضان سنة ثمان، وحجة الوداع فى ذى الحجة سنة عشر، وبين المناسبتين عامان كاملان
وتارة سبرة هو الذى استمتع بالمرأة، وتارة أن الذى استمتع بها هو صاحبه، وتارة أن برد سبرة كان خلقًا ( مستهلكًا ) وبرد صاحبه جديد، وتارة أن برد سبرة كان جديدًا وبرد صاحبه خلق، وتارة أن سبرة استمتع بالمرأة ليلة واحدة، وتارة استمتع بها ثلاث ليالٍ كاملة ... [ جميع هذه الملاحظات مثبتة وموثقة فى الفصل الثانى من الكتاب : مداخلة توثيقية ].
هل يستقيم لديكم حديث مثل هذا؟، وهل يكفى لاستقامته أن يرد فى الصحاح أو السنن أو المسانيد ...
إن كان يستقيم لديكم فهو لا يستقيم لدينا ...
أين هذه الأحاديث المتضاربة من احاديث جابر بن عبدالله الأنصارى وعمر بن حصين وتأكيدهما أن المتعة لم تحرم إلا على يد عمر بن الخطاب، وفى واقعة محددة هى واقعة عمر بن حريث ...
ومن حق عمر أن يجتهد كما يشاء، لكن من حقنا أيضًا أن لا نعلى اجتهاده فوق القرآن وفوق سنة الرسول ...
هل تصدقوننا إذا ذكرنا لكم أننا نرد عليكم والأسى يعصف بنا، لأننا مسلمون، ولو لم تبدأوا بعنف القول وبتجريح السلوك ما وصلنا معكم إلى هذا الحد، لكن البادئ أظلم ونحن نعفيكم من التعليق على ما سبق لأننا نعذركم فى موقفكم الصعب بل العصيب، ونقول لكم تعالوا معنا إلى كلمة سواء، ووازنوا الحجة بالحجة، وقارنوا الحديث بالحديث، وانتصفوا ليس لنا، بل للحقيقة ...
**************
[ 10 ]
فيرد السنة:
بل نحن أكرم كثيرًا، فقد سمعنا مثل ما قلتم وأكثر منكم ومن غيركم وقبلها من المستشرقين وعذر القائل بهذا قلة بضاعته فى علم الحديث، وعمى الألوان الذى يصيبه فلا يفرق بين الحديث الضعيف والحديث الحسن والحديث الصحيح، ولا بين المتواتر والمشهور، ولا بين الروايات المختلفة للحديث الواحد، وكيف يتم ترجيح رواية على أخرى، وقبول رواية ورفض ثانية ...
هذه كلها أمور يعلمها صبيان التلاميذ فى المعاهذ الدينية، والفرق بيننا وبينكم هو فرق فى المنهج، فأنتم تقبلون على كتب الأئمة العظام، إقبال الصائد للشذوذ، فإن وجده هلل، وإن لم يجده تخيله...
الباحث عن المثالب فإن وجدها قفز طربًا وإن لم يجدها لوى عنق الحقائق من أجلها، وأنتم تتخيلون أنكم وحدكم أصحاب العقول الراجحة، وإن كل شئ يجب أن يخضع للعقل والحجة والمنطق. وتتناسون أن منهجكم هذا لا يقود إلا إلى الشرك والإلحاد فى نهاية المطاف، فليس ثمة شك فى أن التفكير مطلوب والتدبر مرغوب وتحكيم العقل وارد، لكن ذلك كله يجب أن يكون مسبوقًا بالقلب العامر باليقين، والوجدان الممتلئ بالإيمان، وليس المبتلى بالشك، وبقدر من التواضع تدركون معه أن هناك ما تعلمونه ونعلمه، وأن هناك أيضًا ما لا يصل علمكم ولا علمنا إليه، وأن العقل فى النهاية قاصر وعاجز ومحدود ...
لقد ارتدتم الآن مسلكًا لو جاريناكم فيه لأوجعناكم وأصبنا منكم مقتلاً، حين نتعرض لما ورد فى كتبكم من مفتريات على الأئمة وعلى الخلفاء الراشدين، بل على القرآن ذاته، ولقد تظاهرتم منذ بداية الحديث باحترام السنة ، فإذا أنتم كما إتضح لنا الآن لا تحملون لها إلا خالص الشك، وعميق عدم اليقين، وأخشى ما نخشاه أن يكون هذا هو مسلككم أيضًا مع القرآن الكريم، بيد أننا لن نحاربكم أبدًا فى مسلككم هذا، وسوف نرتفع إلى مستوى من يبحث عن الحقيقة ويلتمس صحيح العقيدة، ويقترب من الآخرين وإن ابتعدوا، ويجمع شملهم وإن شردوا، ويدلهم على الصواب وإن جنحوا، وقد كنا دائمًا دعاة تقريب للمذاهب وانصار توحيد لطوائف المسلمين، ولن نسمح لاستفزازكم أن يجرنا إلى إستفزاز مماثل تكونون فيه من الخاسرين، وسنعود بكم إلى طريق الجادة بعد أن انحرفتم عنه، وإلى منهج الحوار وإن حاولتم التهرب منه، وقد سقنا حديث ( على ) فى البخارى.
فرددتم بحديث لا سند له فى الطبرى، وللقارئ أن يقارن حديثًا بحديث، وسندًا بسند، ومرجعًا بمرجع، وإذا كنتم تتمسحون بالشارد والعارض والشاذ من القول فهذا شأنكم انتم، ودليلنا على أنكم تبحثون عن الشواذ لعلة فى نفس يعقوب، وتأخذون طرفًا من الحقيقة وليس الحقيقة كلها، ويكفى ما تجاهلتموه من تعليق النسائى والدارقطنى على رواية حديث ( على ) عن أن نهى الرسول كان فى تبوك بقولهما أنه وهم تفرد به عبد الوهاب ( الراوية ) وهذا دليل على عدم أمانتكم فى النقل أو التحقق أو التوثيق، وإذا كان اجتماع كل مراجع السنة على حديث ( على ) بشأن خيبر لا يصلح دليلاً لديكم أو عليكم.
فمتى يصح الدليل ويستبين الحق، ونحن لا نتوقف أما اختلاف الرواية فى حديث ( سبرة بن معبد الجهنى ) لأن ما يهمنا هو جزئية واحدة فى القصة كلها، هى الأساس فيما استهدفه الحديث، وهى الفيصل بيننا وبينكم والحكم فى قولنا وقولكم ونقصد بها قول رسول الله ت ص ت بان المتعة قد حُرّمت عليكم ( يقصد انها حرمت على جميع المسلمين إلا إذا كنتم تعتقدون أن المقصود بالمسلمين هم اهل السنة فقط ) إلى يوم القيامة، والمقصود بيوم القيامة لا يحتاج إلى توضيح أو تفسير، إلا إذا كنتم تعتبرون أن المقصود به هو قيام أحدكم برفض الحديث أو لوى عنق الحقيقة أو الإفتاء بحل ما حرمه الرسول الذى لا ينطق عن الهوى ...
أما عبد الله بن عباس فهو فعلاً حبر الأمة وبحرها، وهو فقيه لا تطاوله الأعناق، وإنما تطوله ألسنة العابثين بالادعاء عليه، وتلفيق القصص الوهمية عن أقواله وأفعاله، ليس طعنًا فيه، وإنما توسلاً بالافتراء عليه لطعن الإسلام ذاته، ولو سلك عبدالله بن عباس شعبًا وسلك باقى الصحابة والتابعين شعبًا آخر، وصح لدينا دليلهم أمام دليله المنفرد سلكنا سبيل الإجماع، ولتابعنا الجمهور وأسقطنا قول الفرد لأننا لا نقدس أحدًا من العباد ولا نعطيه العصمة حتى ولو كان ابن عباس، ومع ذلك فقد أجرى الله على لسانه فأوضح فى نهاية حياته ما كان عليه من خطأ، وإن كنتم فى شك من هذا فما قولكم فيما نسب إلى عبد الله بن عباس فى نهاية حياته، من اعترافه بأن المتعة محظورٌ إباحته الضرورة أو الحال الشديد مثل طول العزبة أو طول الغربة أو السفر ...
فيرد الشيعة:
هذا فى تصوركم أقوى ما تردون به، وتكررونه، وتتصورونه أنه المخرج حتى تشعروا بضعف الحجة، وتوقنوا بصعوبة المكابرة فى الحق ...
إن عرضكم لهذا احديث المنسوب زورًا إلى عبدالله ين عباس يعنى ترتيبكم لأفكاركم على النحو التالى:
1. أن المتعة قد أحلت فى عهد الرسول.
2. أن ترخيص الرسول بالمتعة لم يكن مطلقًا بل كان مرتبطًا بظرف خاص مثل طول العزبة أو طول الغربة أو السفر ...
3. أن الرسول قد حرمها بعد ذلك تحريمًا مطلقًا ...
ولعلكم بهذا التسلسل ترحون انفسكم بتبرير مقنع لممارسة الصحابة للمتعة، وحتى تخرجوا من مأزق الاعتراف الصريح بإطلاق إباحته فى عهد الرسول، ونحن يسعدنا أن نرد على منطقكم المتسلسل أيضًا على النحو التالى:
نشكركم على اعترافكم بأن المتعة قد أُحلت فى عهد الرسول ولو أنه لا شكر على واجب.
2. حديثكم عن ارتباط المتعة بظروف استثنائية موجزة فى الغربة والسفر والغزو مردود عليه بإحالتكم إلى حديث سبرة الجهنى الذى تستندون إليه، والذى ذكر فيه سبرة أن الرسول قد رخص للمسلمين بالمتعة فى حجة الوداع، وذلك كما ورد فى سنن أبى داود وسنن ابن ماجه، ولم يكن بالمسلمين فى حجة الوداع خوف أو غربة شديدة أو سفر طويل أو عزبة شديدة، فالثابت فيه أن الصحابة قد سافروا ومعهم زوجاتهم وهذا ينفى ما ذكرتم ...
3. أما الحديث عن تحريم الرسول له إلى يوم القيامة فقد ذكرنا لكم أن لدينا من الأسانيد والأحاديث ما يقطع بأن من حرّمه هو عمر، ولا يزال لدينا من الأسانيد ما يقطع دابر هذه الحجة تمامًا، لأن أسانيدنا من الكتاب والسنة، وكما ألزمناكم الحجة فى حلّه فى حيلة الرسول فسوف نلزمكم الحجة بحله أبدًا، بيد أننا نود أن نسألكم عن سبب طرحكم للتساؤل حول ارتباط المتعة بالضرورة، وهل هى مجرد الرغبة فى المحاورة؟ ...
أم أنه التحرز، حتى إذا أثبتنا لكم حلال المتعة وجدتم مخرجًا بأن ذلك محظور تبيحه الضرورة، تمامًا مثل إباحة أكل الميتة للمضطر، كما يتغنى البعض منكم، أم أنه الاعتقاد بصحة الحديث فنصل سويًا إلى اتفاق عند منتصف الطريق، فنعتقد نحن بحل المتعة فى كل الأوقات والظروف بما لدينا من أدلة شرعية ونقلية وعقلية، وتعتقدون أنتم فى ظروف العزبة أو طول الغربة أو السفر، وتمارسونها بلا جناح عليكم فى هذه الحالات الاضطرارية؟..
أجيبونا على قدر عقولنا لو سمحتم ...هل هى مجرد الرغبة فى النقاش والمكابرة فى الحق؟، أم التحرز عند فشل الحجة؟، أم هو الاقتناع الحديث؟، وصدقونا نحن نشفق عليكم من الإجابة، لأن أى إجابة نتوقعها منكم، سوف تكون دليلاً لصالحنا وحجة عليكم ...
4. إنكم أول من يعلم بأن فتوى ابن عباس بحلّ المتعة حتى نهاية عمره قد تواترت إلى درجة أن من ينكرها ينكر معلومًا من الفقه بالضرورة، ولعلكم تذكرون حديث ابن عباس فى أواخر أيام حياته مع عبدالله بن الزبير، حين أشار إليه الأخير بقوله بلغنى أن الأعمى ( وكان ابن عباس قد عمى بصره قبيل وفاته ) يبيح المتعة، وتذكرون ما نقله الرواة متواترًا عن رد ابن عباس، وتلميحه إلى بردى عوسجة وسطوع المجامر فى بيت الزبير [ تذكر المراجع الشيعية وبعض كتب الأخبار والأدب نص هذه المحاورة، ومنها أن أول مجمر سطع فى المتعة هو مجمر آل الزبير .. سل أمك عن بردى عوسجة، وذلك على لسان عبدالله بن عباس موجهًا إلى عبدالله بن الزبير .. وسيرد ذكر هذه المحاورة ومصادرها ضمن التوثيق ].
وإذا كان ابن عباس هو أول من وثق المتعة بالنص القرآنى بروايته التى تذكرها كل كتب التفاسير، أيكون مقبولاً أو معقولاً أن يستند أحدكم إلى حديث شارد تدحضه عشرات الأحاديث الصحاح يفهم منه أنه اكتشف فى نهاية عمره أنه كان مخدوعًا بالأمر، بينما الآية التى ذكرها فى شأن المتعة ، بروايته لها، لا مجال للبس فيها ولا لشك ولا لظن ...
**************
[ 11 ]
فيرد السنة:
حسبكم حسبكم ... لقد قبلنا منكم أن تحتجوا بالأحاديث، لأن السنة ظنية، ومجال الإثبات والترجيح فيها وارد، بينما القرآن قطعى، ومعاذ الله أن تنسبوا حل المتعة لله فى كتابه الكريم.
فيرد الشيعة:
بل هذه هى حجتنا الدامغة، وبرهاننا الساطع وإن رغمت أنوف، فالسنة ظنية كما ذكرتم، وقد سقتم أدلتكم من السنة، وسقنا أدلتنا، واختلفتم واختلفنا، ووثقتم ووثقنا، والذى يقضى بيننا هو كتاب الله، فأين تذهبون منه ...
**************
[ 12 ]
فيرد السنة:
كلنا آذان صاغية، فقط تذكروا أنه ليس هناك من هو أظلم ممن إدعى على الله كذبًا، تذكروا ذلك جيدًا ثم هاتوا البراهين ...
فيرد الشيعة:
حسنًا ...
**************
[ 13 ]
فيرد السنة:
لو سمحتم، ألا تلاحظون أن الكاتب يشير إلينا بالتوقف، ولعله يريد المداخلة، ألا نتركه قليلاً يحدث قراءه، ولتكن فرصة لكم لكى تراجعوا أنفسكم قبل الوقوع قى الخطأ، والمكابرة فى الإدعاء، والتصديق للوهم.
فيرد الشيعة:
بل أنتم الأحوج منا لمراجعة النفس فيما فات، والاستعداد للرجوع إلى الحق فيما هو آت، وإلى الاستناد إلى الحجة والبرهان، وإلى الابتعاد عن الكلام الرنان الطنان، وعمومًا فليتفضل الكاتب بالمداخلة، وان ترككم إلى حين.
الباب الأول
زواج المتعة فى السنة والقرآن
الفصل الثانى
مداخلة توثيقية
" وقال ابن حزم ثبت على إباحتها بعد رسول الله ـ ص ـ ابن مسعود ومعاوية وأبو سعيد وابن عباس وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف وجابر وعمرو بن حريث ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله ـ ص ـ وأبى بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر قال ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة ".
فتح البارى ـ ابن حجر العسقلانى.
عزيزى القارئ ...
قررت هنا أن أتدخل وأن أقطع الحوار، وظنى أنك مستمتع به، مستغرق فيه، متعجب منه،
أما الاستمتاع فمرجعه إلى رقى مستواه، وأما الاستغراق فمرجعه إلى خطورة محتواه،
وأما التعجب فمرجعه إلى جدته وطرافته وغيابه عنك على كثرة ما سمعت من الفقهاء فى موضوعات أقل خطرًا وأهون شأنًا، وظنى أيضًا أنك قد فزعت لما استند إليه الفريقان،
وكيف توافر فى نصوص السنة ما يستند إليه هذا وما يستند إليه ذاك على اختلاف الرأى بينهما بل على تضاده؟
ولعلك قد سألت نفسك أيضًا عن هذه الأحاديث التى استند إليها هذا والتى استند إليها ذاك وعن مصدرها وعن محتواها وعن إسنادها وعن فحواها، ولعلك فى حاجة إلى توثيق قررت أن أقوم به نيابة عن الطرفين المتحاورين، وكان بإمكانى أن أضع الأحاديث المسندة على لسان كل طرف خلال الحوار، وأن أحصل عليها من كتب الطرفين عند تعرضها لهذا الموضوع الحساس، ولعل هذا كان السبيل الأسهل، ولكنه سبيل تكتنفه مخاطر شتى تتناقض مع منهجية البحث وأسلوبه العلمى، لأن كل طرف يقتصر على حجته، ويزين من أسانيده لها، ويهمل أسانيد الطرف الآخر ويشكك فيها، ولم يكن أمامى من سبيل إلا أن أرجع إلى المصادر الأصلية، وإلا أن أنقل منها نقلاً كاملاً، مع تعليقات محدودة وترتيب مقصود بحيث يتعرف القارئ على أسانيد كل طرف، ولعله سوف يتبين يقينًا أن الطرفين لا ينطلقان من فراغ، ولعله سوف يتوقف أمام حقيقة مذهلة لكنها حقيقة على آية حال وهى أنه لو قصر منهجه فى قبول الحديث أو رفضه على السند أو على وروده فى الصحاح أو على تواتره فى كتب الأحاديث المعتمدة.
لوصل إلى نتيجة يأباها عقله وضميره وهى أن زواج المتعة حلال وحرام فى آن واحد
وأن الرسول هو الذى حرمها إلى الأبد وأن عمر هو الذى حرمها بعد أن كانت مستمرة فى عهد الرسول وعهد أبى بكر وصدر عهد عمر فى آن واحد، وأن عليًا أعلن حرمة المتعة وأن عليًا أيضًا لم يعلن ذلك وإنما أشار إلى تحريم عمر لها بقول فيه غير قليل من الإنكار فى آن واحد، وأن عبد الله بن عباس أصر على حل المتعة فى آخر حياته وانه تراجع عن حل المتعة إلا فى حالة الضرورة فى آخر حياته فى آن واحد، وهكذا، ولعلنا لا نرى فى ذلك بأسًا، ولا نراه يبعث على الشك فى كتب السنة بقدر ما نراه دافعًا إلى إعمال العقل وإلى ترجيح الحجج وموازنتها بالمنطق، وإلى ضرورة أن يتوازى السند والمتن فى الحكم على صحة الحديث، وهو منهج يراه البعض إثمًا ونراه ضرورة، وأذكر فى هذا الصدد عالمًا دينيًا كبيرًا يشغل منصب عميد إحدى الكليات الأزهرية، ذكر فى محاضرة له حديثًا غريبًا عن ظهور المهدى المنتظر فى الشام ومحاربته للسفيانى ولقائه به فى ( المنارة ) فى الشام ... إلى آخر الحديث
وقد اصطدم الحديث بعقلى ووجدانى فى عنف شديد، ولما راجعته سائلاً عن بعض تفاصيل الحديث، وعن مدى معقولية متنه، ومدى صحة إسناده نظر إلى فى تعال شديد، وصعد بصره إلى وجهى، وركز عينيه فى عينى، وأجاب فى بطء شديد وكأنه يتلذذ بهزيمتى: إن الحديث وارد فى صحيح مسلم ثم ابتسم فى خبث أو تخابث ـ لا أدرى ـ وعاد يصوب نظرته إلى مع إبتسامة لم ينجح فى إخفائها متشفيًا مما تصوره هزيمتى بالضربة القاضية ...
ولم أملك إلا الصمت احترامًا لدعوة صاحب المكان ومدير الندوة ...
أمثال هذا الأستاذ الجليل سوف يفقدون توازنهم وهم يراجعون أحاديث المتعة فى صحيح مسلم بالتحديد، وهم أيضًا يتطوعون بتقديم أنفسهم لقمة سائغة للطرف الآخر فى الحوار، ولعلهم سوف يخرجون منه فى جولته الأولى السابقة، إن جاز استعمال تعبير الجولة فى حوار ساخن مثل هذا، أما الذين سيبقون، وهم كثر، فهم من وهبهم الله نعمة التفكير والعقل والتدبر والاجتهاد ...
وما علينا، بل علينا أن نعرض وثائق الطرفين من مصادرها الأصلية ( السنية ) ولا نعتذر فى هذا للطرف الآخر وهم الشيعة لأنهم يستندون إلى هذه المصادر نفسها، ولسنا نشك فى أن هذه المداخلة ( التوثيقية ) ضرورة ليس فقط لطرفى الحوار، وليس فقط للقراء، وإنما أيضًا المتشككين فيما نكتبه، والمتصورين دائمًا وأبدًا سوء النية وفساد القصد، والمتخيلين أننا فيما نكتبه نأخذ بأطراف القول ولا ناخذ أنفسنا بالصعب من البحث والكثير من الجهد، والمرهق من تقصى الحقائق فى مصادرها، وتبقى ملاحظة نراها هامة وهى أن من حق القارئ ـ إن شاء ـ أن يعبر هذه المداخلة حتى يستكمل الحوار، وأن يعود إليها ـ إن شاء ـ بعد أن يستكمله لكى يتأكد من صحة أسانيد الطرفين أو من أمانتنا فى التوثيق، والله، واحترام العقل وهو منهج إلهى ـ من وراء القصد ...
********************
المرجع الأول: صحيح البخارى
ورد فى صحيح البخارى أربعة أحاديث فى باب ( نهى رسول الله عن نكاح المتعة آخرًا )، وأحد هذه الأحاديث وهو حديث على بن أبى طالب تكرر فى ثلاثة مواضع أخرى من الصحيح كل منها فى باب مختلف مع اختلاف طفيف فى الرواية.
الحديث الأول ومكرراته:
يذكر الحديث عن على بن أبى طالب أن الرسول نهى عن زواج المتعة فى غزوة خيبر، وقد تكرر أربع مرات، اثنتين دون ذكر المناسبة، واثنتين تذكران المناسبة وهى الرد على عبد الله بن عباس ( أو على الناقلين عن ابن عباس ) الذى كان لا يرى بمتعة النساء بأسًا، وفيما يلى الأحاديث الأربعة:
1 ـ { 4825- حدثنا مالك بن إسماعيل: حدثنا ابن عيينة: أنه سمع الزهري يقول: أخبرني الحسن بن محمد بن علي، وأخوه عبد الله، عن أبيهما:
أن عليًا رضي الله عنه قال لابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية، زمن خيبر }. [ راجع : 3979].
[ الحمر الأهلية أو الأنسبة يقصد بها: الحيوانات الأليفة التى تألف البيوت ].
[ جزء الثالث. 70 ـ كتاب النكاح. 32 ـ باب: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرًا ].
2 ـ { 3979 ـ حدثني يحيى بن قزعة: حدثنا ملك، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية }. [4825، 5203، 6560]
[ ش أخرجه مسلم في النكاح، باب: نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ. وفي الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم: 1407 (متعة النساء) زواج المرأة لمدة معينة، بلفظ التمتع، على قدر من المال. كان مباحا ثم حرم باتفاق من يعتد به من علماء المسلمين ]. صحيح البخاري: وجدت في: 36 - باب: غزوة خيبر].
3 ـ { 6560 ـ حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن عبيد الله بن عمر: حدثنا الزُهري، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي، عن أبيهما:
أن علياً رضي الله عنه قيل له: إن ابن عباس لا يرى بمتعة النساء بأساً، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية }. [ راجع :3979].
وقال بعض الناس: إن احتال حتى تمتع فالنكاح فاسد. وقال بعضهم: النكاح جائز والشرط باطل. [ صحيح البخاري وجدت في: 4 - باب: الحيلة في النكاح ]
4 ـ { 5203 ـ حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي رضي الله عنهم قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة عام خيبر، وعن لحوم حُمُر الإنسية }. [ راجع : 3979 ] [ صحيح البخاري: الجزء الرابع. 75 - كتاب الذبائح والصيد. 28 - باب: لحوم الحُمُر الإنسية ].
الحديث الثانى:
يشير هذا الحديث إلى ترخيص عبدالله بن عباس فى متعة النساء ثم قصره الترخيص ( بعد مراجعته ) على الضرورة.
4826 - حدثنا محمد بن بشار: حدثنا غندر: حدثنا شعبة، عن أبي جمرة قال:
سمعت ابن عباس: يسأل عن متعة النساء فرخص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة ؟ أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم
[ ش ( متعة النساء ) عقد الزواج على المرأة لمدة معينة، وقد نسخ أخيرا. ( الحال الشديد) أي حال كثرة الرجال وتوقانهم إلى النساء، مع قلة في النساء لا تسد هذه الحاجة، وعلى كل فهذا رأي ابن عباس رضي الله عنهما، والجمهور على خلافه، وأنما رخص بها بشروط وقيود كما ترى من الحديث، وقد نقل أن ابن جبير قال له: لقد سارت بفتياك الركبان وقال فيها الشعراء ؟ فقال: والله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة، لا تحل إلا للمضطر].[ صحيح البخاري : وجدت في: 32 - باب: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرا ].
الحديث الثالث:
فى ترخيص رسول الله ـ ص ـ بالمتعة:
{ 4827 ـ حدثنا علي: حدثنا سفيان: قال عمرو، عن الحسن بن محمد، عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا:
كنا في جيش، فأتانا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا، فاستمتعوا }.
[ صحيح البخاري : الجزء الثالث. 70 - كتاب النكاح. 32 - باب: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخرا].
الحديث الرابع:
ورغم أن المتعة لم يرد صريحًا فى الحديث إلا أنه فى تقديرنا يختص بترخيص المتعة لسببين هامين:
أولهما ورود الحديث فى صحيح البخارى تحت عنوان نكاح المتعة
وثانيهما أن إطلاق الحديث دون قصره على المتعة دلالته خطيرة يأباها الإسلام والمسلمون ويأبون نسبتها لرسول الكريم.
{ وقال ابن أبي ذئب:
حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، عن رسول الله ـ ص ـ: ( أيما رجل وامرأة توافقا، فعشرة ما بينهما ثلاث ليال، فإن أحبا أن يتزايدا، أويتتاركا تتاركا ). فما أدري أشيء كان لنا خاصة، أم للناس عامة. قال أبوعبد الله: وبينه علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه منسوخ }.
[ ش أخرجه مسلم في النكاح، باب: نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ..، رقم: 1405
( توافقا ) في النكاح بينهما مطلق من غير ذكر أجل. ( فعشرة ما بينهما ) أي إن الإطلاق يحمل على معاشرة ثلاثة أيام بلياليها ].
********************
المرجع الثانى: صحيح مسلم
وردت جميع الأحاديث فى كتاب النكاح ( كتاب 16 )،
وفى الباب الثالث منه وعنوانه: ( باب نكاح المتعة، وبيان أنه أبيح ثم نسخ، ثم أبيح ثم نسخ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة ).
النسخة التى اعتمدنا عليها فى النقل هى: صحيح مسلم ـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ـ دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ـ خمسة أجزاء.
واضح من العنوان رأى الإمام مسلم فى أن نكاح المتعة قد أبيح مرتين ونسخ مرتين،
وفى شرح الإمام النووى ( هامش ص 1022 ـ صحيح مسلم ـ المرجع السابق ) قال:
" الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين: فكانت حلالاً قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة، وهو يوم أوطاس، لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤيدًا إلى يوم القيامة، قال القاضى: واتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل ـ لا ميراث فيها، وفراقها يحصل بعد انقضاء الأجل من غير طلاق".
وقد ورد فى الباب المشار إليه تسعة وعشرون حديثًا أغلبها مكرر عن نفس المصادرمع اختلاف الرواية، لذا لزم تصنيفها وترتيبها وفقًا لمصدرها.
1 ـ أحاديث ثلاثة تمثل تكرارًا لحديث واحد عن عبدالله بن مسعود مع اختلاف طفيف فى الرواية، والأحاديث الثلاثة ترخّص بالمتعة دون ذكر للنهى عنها:
الحديث الأول : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمَدَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ، وَابْنُ بِشْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ يَقُولُ:
كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَ ـ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلاَ نَسْتَخْصِي؟
فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87]. [ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1022 ].
---------------------------
اعلم أنَّ القاضي عياضاً بسط شرح هذا الباب بسطاً بليغاً وأتى فيه بأشياء نفيسة وأشياء يخالف فيها، فالوجه أن ننقل ما ذكره مختصراً ثمَّ نذكر ما ينكر عليه ويخالف فيه وننبِّه على المختار.
قال المازريُّ: ثبت أنَّ نكاح المتعة كان جائزاً في أوَّل الإسلام، ثمَّ ثبت بالأحاديث الصَّحيحة المذكورة هنا: أنَّه نسخ وانعقد الإجماع على تحريمه، ولم يخالف فيه إلاَّ طائفة من المستبدعة، وتعلَّقوا بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ذكرنا أنَّها منسوخة فلا دلالة لهم فيها، وتعلَّقوا بقوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] وفي قراءة ابن مسعود: { فما استمتعتم به منهن إلى أجل} وقراءة ابن مسعود هذه شاذَّة لا يحتجّ بها قرآناً ولا خبراً ولا يلزم العمل بها.
قال: وقال زفر: من نكح نكاح متعة تأبَّد نكاحه، وكأنَّه جعل ذكر التَّأجيل من باب الشُّروط الفاسدة في النِّكاح فإنَّها تلغى ويصحُّ النِّكاح.
قال المازريُّ: واختلفت الرِّواية في ( صحيح مسلم ) في النَّهي عن المتعة، ففيه أنَّه ـ صَ ـ نهى عنها يوم خيبر، وفيه أنَّه نهى عنها يوم فتح مكَّة، فإن تعلَّق بهذا من أجاز نكاح المتعة وزعم أنَّ الأحاديث تعارضت، وأنَّ هذا الاختلاف قادح فيها.
قال القاضي عياض: روى حديث إباحة المتعة جماعة من الصَّحابة: فذكره مسلم من رواية ابن مسعود، وابن عبَّاس، وجابر، وسلمة بن الأكوع، وسبرة بن معبد الجهنيّ، وليس في هذه الأحاديث كلّها أنَّها كانت في الحضر وإنَّما كانت في أسفارهم في الغزو عند ضرورتهم وعدم النِّساء مع أنَّ بلادهم حارَّة وصبرهم عنهنَّ قليل. ( ج/ص: 9/180)
وقد ذكر في حديث ابن أبي عمر أنَّها كانت رخصة في أوَّل الإسلام لمن اضطرَّ إليها كالميتة ونحوها.
وعن ابن عبَّاس ـ رَض ـ نحوه.
وذكر مسلم عن سلمة بن الأكوع: إباحتها يوم أوطاس.
ومن رواية سبرة: إباحتها يوم الفَّتح وهما واحد ثمَّ حرِّمت يومئذ.
وفي حديث عليٍّ: تحريمها يوم خيبر وهو قبل الفتح.
وذكر غير مسلم عن عليّ أنَّ النَّبيَّ ـ صَ ـ نهى عنها في غزوة تبوك، من رواية إسحاق بن راشد، عن الزُّهريِّ، عن عبد الله بن محمَّد بن عليٍّ، عن أبيه، عن عليِّ ولم يتابعه أحد على هذا، وهو غلط منه.
وهذا الحديث: رواه مالك في ( الموطَّأ ) وسفيان بن عيينة، والعمريُّ، ويونس وغيرهم عن الزُّهريِّ، وفيه يوم خيبر.
وكذا ذكره مسلم عن جماعة عن الزُّهريِّ وهذا هو الصَّحيح.
وقد روى أبو داود من حديث الرَّبيع بن سبرة عن أبيه: النَّهي عنها في حجَّة الوداع.
قال أبو داود: وهذا أصحُّ ما روي في ذلك.
وقد روي عن سبرة أيضاً إباحتها في حجَّة الوداع ثمَّ نهى النَّبيُّ ـ صَ ـ عنها حينئذ إلى يوم القيامة.
وروي عن الحسن البصريّ: أنَّها ما حلَّت قط إلاَّ في عمرة القضاء.
وروي هذا عن سبرة الجهنيِّ أيضاً.
ولم يذكر مسلم في روايات حديث سبرة تعيين وقت إلاَّ في رواية محمَّد بن سعيد الدَّارميّ، ورواية إسحاق بن إبراهيم، ورواية يحيى بن يحيى، فإنَّه ذكر فيها يوم فتح مكَّة.
قالوا: وذكر الرِّواية بإباحتها يوم حجَّة الوداع خطأ لأنَّه لم يكن يومئذ ضرورة ولا عزوبة وأكثرهم حجُّوا بنسائهم.
والصَّحيح أنَّ الَّذي جرى في حجَّة الوداع مجرد النَّهي كما جاء في غير رواية، ويكون تجديده ـ صَ ـ النَّهي عنها يومئذ لاجتماع النَّاس وليبلِّغ الشَّاهد الغائب، ولتمام الدِّين وتقرّر الشَّريعة كما قرّر غير شيء، وبيَّن الحلال والحرام يومئذ، وبتَّ تحريم المتعة حينئذ لقوله: (إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ).
قال القاضي: ويحتمل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر، وفي عمرة القضاء، ويوم الفتح، ويوم أوطاس، أنَّه جدَّد النَّهي عنها في هذه المواطن، لأنَّ حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مطعن فيه بل هو ثابت من رواية الثِّقات الأثبات، لكن في رواية سفيان أنَّه نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهليَّة يوم خيبر.
فقال بعضهم: هذا الكلام فيه انفصال، ومعناه: أنَّه حرَّم المتعة ولم يبيِّن زمن تحريمها.
ثمَّ قال: ولحوم الحمر الأهليَّة يوم خيبر، فيكون يوم خيبر لتحريم الحمر خاصَّة ولم يبيِّن وقت تحريم المتعة ليجمع بين الرِّوايات.
قال هذا القائل: وهذا هو الأشبه أنَّ تحريم المتعة كان بمكَّة، وأمَّا لحوم الحُمر فبخيبر بلا شكٍّ. ( ج/ ص: 9/181)
قال القاضي: وهذا أحسن لو ساعده سائر الرِّوايات عن غير سفيان.
لكن يبقى بعد هذا ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء ويوم الفتح ويوم أوطاس،
فتحتمل أنَّ النَّبيَّ ـ صَ ـ أباحها لهم للضَّرورة بعد التَّحريم ثمَّ حرَّمها تحريماً مؤبَّداً،
فيكون حرَّمها يوم خيبر، وفي عمرة القضاء، ثمَّ أباحها يوم الفتح للضَّرورة، ثمَّ حرَّمها يوم الفتح أيضاً تحريماً مؤبَّداً.
وتسقط رواية إباحتها يوم حجَّة الوداع لأنَّها مرويَّة عن سبرة الجهنيِّ، وإنَّما روى الثِّقات الأثبات عنه الإباحة يوم فتح مكَّة.
والَّذي في حجَّة الوداع إنَّما هو: التَّحريم فيؤخذ من حديثه ما اتَّفق عليه جمهور الرُّواة ووافقه عليه غيره من الصَّحابة ـ رَض ـ من النَّهي عنها يوم الفتح، ويكون تحريمها يوم حجَّة الوداع تأكيداً وإشاعة له كما سبق.
وأمَّا قول الحسن: إنَّما كانت في عمرة القضاء لا قبلها ولا بعدها فتردّه الأحاديث الثَّابتة في تحريمها يوم خيبر وهي قبل عمرة القضاء، وما جاء من إباحتها يوم فتح مكَّة ويوم أوطاس، مع أنَّ الرِّواية بهذا إنَّما جاءت عن سبرة الجهنيِّ، وهو: راوي الرِّوايات الأخر وهي أصحّ فيترك ما خالف الصَّحيح.
وقد قال بعضهم: هذا ممَّا تداوله التَّحريم والإباحة والنَّسخ مرَّتين، واللَّه أعلم، هذا آخر كلام القاضي.
والصَّواب المختار: أنَّ التَّحريم والإباحة كانا مرَّتين، وكانت حلالاً قبل خيبر، ثمَّ حرِّمت يوم خيبر، ثمَّ أبيحت يوم فتح مكَّة وهو يوم أوطاس لاتِّصالهما، ثمَّ حرِّمت يومئذ بعد ثلاثة أيَّام تحريماً مؤبَّداً إلى يوم القيامة واستمرَّ التَّحريم.
وكان ابن عباس ـ رَض ـ يقول بإباحتها، وروي عنه أنَّه رجع عنه.
قال: وأجمعوا على أنَّه متى وقع نكاح المتعة الآن حكم ببطلانه سواء كان قبل الدُّخول أو بعده إلاَّ ما سبق عن زفر.
واختلف أصحاب مالك هل يُحَدُّ الواطئ فيه؟
ومذهبنا: أنَّه لا يحدُّ لشبهة العقد وشبهة الخلاف، ومأخذ الخلاف اختلاف الأصوليِّين في أنَّ الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف وتصير المسألة مجمعاً عليها. (ج/ ص: 9/182)
الحديث الثانى:
{ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِير، عَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ أَبِي خَالِدٍ، بِهَذَا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وَقَالَ: ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا هَذِهِ الآيَةَ، وَلَمْ يَقُلْ: قَرَأَ عَبْدُ اللهِ }[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1022 ].
الحديث الثالث:
{ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإسْنَادِ.
قَالَ: كُنَّا -وَنَحْنُ شَبَابٌ- فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ أَلا نَسْتَخْصِي؟ وَلَمْ يَقُلْ: نَغْزُو}.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1022 ].
2ـ حديثان عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبدالله يفيدان ترخيص الرسول ـ ص ـ بالمتعة، دون ذكر للنهى عنهما:
الحديث الأول :
{ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُ، عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالاَ:
خَرَجَ عَلَيْنَا مُنَادِي رَسُولِ اللهِ ـ صَ ـ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ ص ـ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا ـ يَعْنِي: مُتْعَةَ النِّسَاءِ ـ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1022 ].
------------------------
قال القاضي: وأجمعوا على أنَّ من نكح نكاحاً مطلقاً ونيَّته أن لا يمكث معها إلاَّ مدَّة نواها، فنكاحه صحيح حلال وليس نكاح متعة، وإنَّما نكاح المتعة ما وقع بالشَّرط المذكور.
ولكن قال مالك: ليس هذا من أخلاق النَّاس.
وشذَّ الأوزاعيُّ فقال: هو نكاح متعة ولا خير فيه، واللَّه أعلم.
قوله: ( فَقُلْنَا: أَلاَ نَسْتَخْصِي؟. فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ) فيه: موافقة لما قدَّمناه في الباب السَّابق من تحريم الخصي لما فيه من تغيير خلق اللَّه، ولما فيه: من قطع النَّسل وتعذيب الحيوان، واللَّه أعلم.
قوله: ( رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ) أي: بالثوب وغيره ممَّا نتراضى به.
قوله: ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ } فيه: إشارة إلى أنَّه كان يعتقد إباحتها، كقول ابن عبَّاس، وأنَّه لم يبلغه نسخها.
الحديث الثانى:
{ وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ ـ يَعْنِي: ابْنَ زُرَيْعٍ ـ حَدَّثَنَا رَوْحٌ ـ يَعْنِي: ابْنَ الْقاسِمِ ـ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَ ـ أَتَانَا، فَأَذِنَ لَنَا فِي الْمُتْعَةِ }. [ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1022 ].
هكذا هو في بعض النُّسخ، وسقط في بعضها ذكر الحسن بن محمد، بل قال: عن عمرو بن دينار، عن سلمة وجابر.
3ـ ثلاثة أحاديث عن جابر بن عبدالله تفيد الاستمتاع على عهد الرسول وأبى بكر وعمر بن الخطاب، وأن الذى حرمها هو عمر:
الحديث الأول :
{ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ:
قَالَ عَطَاءٌ: قَدِمَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مُعْتَمِراً، فَجِئْنَاهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَسَأَلَهُ الْقَوْمُ عَنْ أَشْيَاءَ، ثُمَّ ذَكَرُوا الْمُتْعَةَ.
فَقَالَ: نَعَمِ، اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَ ـ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1022 ].
الحديث الثانى:
{ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ:
كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقُبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ الأَيَّامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَ ـ وَأَبِي بَكْرٍ، حَتَّى نَهَى عَنْهُ عُمَرُ، فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1022 ].
الحديث الثالث:
{ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ -يَعْنِي: ابْنَ زِيَادٍ- عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ اخْتَلَفَا فِي الْمُتْعَتَيْنِ.
فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلْنَاهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَ ـ ثُمَّ نَهَانَا عَنْهُمَا عُمَرُ، فَلَمْ نَعُدْ لَهُمَا }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1023 ].
4ـ حديث يفيد ترخيص الرسول ـ ص ـ بالمتعة عام أوطاس ثم نهيه عنها:
{ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ ـ صَ ـ عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلاَثاً، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا }. [ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1023 ].
5ـ أحاديث سبرة الجهنى وهى اثنا عشر حديثًا:
وهى تحكى قصة سبرة وصاحبه مع جارية من بنى عامر، وكيف تمتعا بعد أن أذن الرسول بالمتعة، ثم كيف حرّم الرسول المتعة بعد ذلك ( إلى يوم القيامة فى بعض الروايات )
واثنان من هذه الأحاديث يقتصران على النهى دون القصة ودون ذكر لحلها سابقًا:
الحديث الأول :
{ وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ سَبْرَةَ أَنَّه قَالَ:
أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَ ـ بِالْمُتْعَةِ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ، فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنَا.
فَقَالَتْ: مَا تُعْطِي؟
فَقُلْتُ: رِدَائِي.
وَقَالَ صَاحِبِي: رِدَائِي، وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِي أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِي، وَكُنْتُ أَشَبَّ مِنْهُ، فَإِذَا نَظَرتْ إِلَى رِدَاءِ صَاحِبِي أَعْجَبَهَا، وَإِذَا نَظَرَتْ إِلَيَّ أَعْجَبْتُهَا.
ثُمَّ قَالَتْ: أَنْت وَرِدَاؤكَ يَكْفِينِي.
فَمَكَثْتُ مَعَهَا ثَلاَثاً.
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَ ـ قَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا" }. [ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1023، 1024 ].
قوله: ( رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ ـ صَ ـ عَامَ أَوْطَاسٍ فِي الْمُتْعَةِ ثَلاَثاً، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا ) هذا: تصريح بأنَّها أبيحت يوم فتح مكَّة، وهو ويوم أوطاس شيء واحد.
وأوطاس: واد بالطَّائف، ويصرف ولا يصرف، فمن صرفه أراد الوادي والمكان، ومن لم يصرفه أراد البقعة كما في نظائره، وأكثر استعمالهم له غير مصروف.
قوله: ( فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إِلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ ) أمَّا البكرة: فهي الفتيَّة من الإبل، أي: الشَّابَّة القويَّة، وأمَّا العيطاء: الطَّويلة العنق في اعتدال وحسن قوام، والعيط ( بفتح العين والياء ) طول العنق. (ج/ ص: 9/185).
الحديث الثانى:
{ حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ -يعْنِي: ابْنَ مُفَضَّلٍ ـ حَدَّثَنَا عُمَارَةَ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ:
أَنَّ أَبَاهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَ ـ فَتْحَ مَكَّةَ، قَالَ:
فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ ـ ثَلاَثِينَ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ ـ فَأَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَ ـ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ.
فَخَرَجْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي، وَلِي عَلَيْهِ فَضْلٌ فِي الْجَمَالِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الدَّمَامَةِ، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدٌ، فَبُرْدِي خَلَقٌ، وَأَمَّا بُرْدُ ابْنِ عَمِّي فَبُرْدٌ جَدِيدٌ غَضٌّ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَسْفَلِ مَكَّةَ ـ أَوْ بِأَعْلاَهَا ـ فَتَلَقَّتْنَا فَتَاةٌ مِثْلُ الْبَكْرَةِ الْعَنَطْنَطَةِ.
فَقُلْنَا: هَلْ لَكِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْكِ أَحَدُنَا؟
قَالَتْ: وَمَاذَا تَبْذُلاَنِ؟
فَنَشَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَهُ، فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، وَيَرَاهَا صَاحِبِي تَنْظُرُ إِلَى عِطْفِهَا.
فَقَالَ: إِنَّ بُرْدَ هَذَا خَلَقٌ وَبُرْدِي جَدِيدٌ غَضٌّ.
فَتَقُولُ: بُرْدُ هَذَا لاَ بَأْسَ بِهِ، ثَلاَثَ مِرَارٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ.
ثُمَّ اسْتَمْتَعْتُ مِنْهَا، فَلَمْ أَخْرُجْ حَتَّى حَرَّمَهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَ ـ }.
----------------------
قوله ـ صَ ـ: ( مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا) هكذا هو في جميع النُّسخ ( الَّتِي يَتَمَتَّعُ، فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا ) أي: يتمتَّع بها فحذف بها لدلالة الكلام عليه، أو أوقع يتمتَّع موقع يباشر، أي: يباشرها وحذف المفعول.
قوله: ( وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الدَّمَامَةِ) هي: بفتح الدَّال المهملة، وهي: القبح في الصُّورة.
قوله: ( فَبُرْدِي خَلَقٌ) هو: بفتح اللاَّم أي: قريب من البالي.
قوله: ( فَتَلَقَّتْنَا فَتَاةٌ مِثْلُ الْبَكْرَةِ الْعَنَطْنَطَةِ ) هي: كالعيطاء، وسبق بيانها. وقيل: هي الطَّويلة فقط، والمشهور الأوَّل.
قوله: ( تَنْظُرُ إِلَى عِطْفِهَا ) هو: بكسر العين، أي: جانبها، وقيل: من رأسها إلى وركها. (ج/ ص: 9/186).
وليلاحظ القارئ هنا وفى بعض أحاديث التالية، ذكر زمن النهى عن المتعة وهو فتح مكة،
وهى المناسبة الثالثة للتحريم
( الثانية إذا تم الجمع بينهما وبين أوطاس لتقاربهما ).
الحديث الثالث:
{ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَ ـ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ، فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ.
وَزَادَ: قَالَتْ: وَهَلْ يَصْلُحُ ذَاكَ؟
وَفِيهِ: قَالَ: إِنَّ بُرْدَ هَذَا خَلَقٌ مَحٌّ }.
الحديث الرابع:
{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ:
أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صَ ـ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاستمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ، وَلاَ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً" }.
الحديث الخامس:
{ وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، بِهَذَا الإسْنَادِ.
قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَ ـ قَائِماً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، وَهُوَ يَقُولُ: بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ }. [ يقصد الحديث السابق ].
--------------------------
وفي هذا الحديث: دليل على أنَّه لم يكن في نكاح المتعة وليٌّ ولا شهود.
وفي هذا الحديث: التَّصريح بالمنسوخ والنَّاسخ في حديث واحد من كلام رسول الله ـ صَ ـ كحديث: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها).
وفيه: التَّصريح بتحريم نكاح المتعة إلى يوم القيامة، وأنَّه يتعيَّن تأويل قوله في الحديث السَّابق أنَّهم كانوا يتمتَّعون إلى عهد أبي بكر وعمر . [ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1025 ].
الحديث السادس:
{ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ـ صَ ـ بِالْمُتْعَةِ، عَامَ الْفَتْحِ، حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ لَمْ نَخْرُجْ مِنْهَا حَتَّى نَهَانَا عَنْهَا [ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1025 ].
الحديث السابع:
{ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي رَبِيعَ بْنَ سَبْرةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبْيِهِ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ:
أَنَّ نَبِيَّ اللهِ ـ صَ ـ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّمَتُّعِ مِنَ النِّسَاءِ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، حَتَّى وَجَدْنَا جَارِيَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، كَأَنَّهَا بَكْرَةٌ عَيْطَاءُ، فَخَطَبْنَاهَا إِلَى نَفْسِهَا، وَعَرَضْنَا عَلَيْهَا بُرْدَيْنَا، فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ فَتَرَانِي أَجْمَلَ مِنْ صَاحِبِي، وَتَرَى بُرْدَ صَاحِبِي أَحْسَنَ مِنْ بُرْدِي، فَآمَرَتْ ( شاورت ) نَفْسَهَا سَاعَةً ثُمَّ اخْتَارَتْنِي عَلَى صَاحِبِي، فَكُنَّ مَعَنَا ثَلاَثَاً، ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ـ ص ـ بِفِرَاقِهِنَّ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1025 ].
ملحوظة هامة: يذكر سبرة هنا أن صاحبه من بنى سليم، وبنو سليم ليسوا من جهينة قوم سبرة، وهو ما يختلف مع رواية الحديث الثانى : ( فخرجت أنا ورجل من قومى )، فسبرة من جهينة، وجهينة أبو بطن من قضاعة بن معد بن عدنان، أما بنو سليم فهم بطن من معشر مضر بن نزاد بن معد بن عدنان.
الحديث الثامن:
{ حَدَّثَنَا عَمْروٌ النَّاقِدُ، وَابْنُ نُمَيْرٍ قالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَ ـ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ }. [ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1026 ].
الحديث التاسع:
{ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَ ـ نَهَى يَوْمَ الْفَتْحِ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1026 ].
الحديث العاشر:
{ وَحَدَّثَنِيهِ حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يَعَقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَ ـ نَهَى عَنِ الْمُتَعَةِ زَمَانَ الْفَتْحِ ـ مُتْعَةِ النِّسَاءِ ـ وَأَنَّ أَبَاهُ كَانَ تَمَتَّعَ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1026 ].
ملحوظة هامة: تذكر الرواية هنا ( ِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ ) وليس بردًا واحدًا خلفًا كما ذكرت الروايات السابقة عن سبرة ( الحديث الأول والثانى والثالث ).
الحديث الحادى عشر:
{ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ:
قَدْ كُنْتُ اسْتَمْتَعْتُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ – صَ ـ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، ثُمَّ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ ـ صَ ـ عَنِ الْمُتْعَةِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْتُ رَبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَنَا جَالِسٌ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1027 ].
الحديث الثانى عشر:
{ وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَسُولُ اللهِ ـ صَ ـ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَقَالَ: "أَلاَ إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئاً فَلاَ يَأْخُذْهُ" }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1027 ].
6ـ خمسة أحاديث عن على بن أبى طالب تفيد نهى الرسول عن زواج المتعة يوم خيبر مع ذكر الناسبة فى ثلاثة منها وهى الرد على عبدالله بن عباس:
إسناد الخمسة أحاديث واحد( عن الحسن وعبدالله بن محمد بن على عن أبيهما عن على ).
الحديث الأول :
{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَ ـ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1027 ].
الحديث الثانى :
{ وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدِ اللهِ بْنُ مُحَمَّدُ بْنِ أَسْمَاءَ الضَّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
وَقَالَ: سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب يَقُولُ لِفُلاَنٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ تَائِهٌ، نهَانَا رَسُولُ اللهِ ـ صَ ـ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1027 ].
الحديث الثالث :
{ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعاً عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَبْدِ اللهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَ ـ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ}.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1027 ].
الحديث الرابع:
{ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَبْدِ اللهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُلَيِّنُ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ.
فَقَالَ: مَهْلاً، يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَ ـ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1027 ].
الحديث الخامس :
{ وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَىَ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَعَبْدِ اللهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ:
نَهَى رَسُولُ اللهِ ـ صَ ـ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ }.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1027 ].
7ـ حديث عن حوار عبدالله بن الزبير مع عبداللع بن عباس، خلال ولاية الأول وفى نهاية عمر الثانى، يدافع فيه عبدالله بن عباس عن زواج المتعة:
{ وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ:
أَنَّ عَبْدِ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَامَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: إِنَّ نَاساً، أَعْمَى اللهُ قُلُوبَهُمْ، كَمَا أَعْمَى أبْصَارَهُمْ، يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ -يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ-.
فَنَادَاهُ فَقَالَ: إِنَّكَ لَجِلْفٌ جَافٍ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتِ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ عَلَى عَهْدِ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ يُرِيدُ رَسُولِ اللهِ ـ صَ ـ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِكَ، فَواللهِ لَئِنْ فَعَلْتَهَا لأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ}. [ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1026 ].
8 ـ حديث يفيد تجويز عبد الله بن عباس لزواج المتعة:
{ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بْنِ سَيْفِ اللهِ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ جَاءهُ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ فِي الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَهُ بِهَا.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيُّ: مَهْلاً.
قَالَ: مَا هِيَ؟
وَاللهِ لَقَدْ فُعِلَتْ فِي عَهْدِ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ}.[ صحيح مسلم ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1026 ].
سَيْفِ اللهِ: هو خالد بن الوليد.
عِنْدَ رَجُلٍ: هذا الحديث ورد فى صحيح مسلم متصلاً بالحديث السابق، ولهذا المقصود بالرجل هو: عبد الله بن عباس.
9ـ حديث يفيد أنها كانت رخصة وتم النهى عنها:
{ قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ: إِنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا، كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ الله الدِّينَ وَنَهَى عَنْهَا}.
هكذا بغير إسناد.
********************
المرجع الثالث: سنن أبى داود
النسخة التى اعتمدنا عليها فى النقل هى ( سنن أبى داود ) ت دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ القاهرة ـ مجلدان ـ أربعة أجزاء، والجزء الخاص بالمتعة هو: باب فى نكاج المتعة ـ الجزء الثانى ـ ص 226، 227.
ذكر أبو داود فى سننه حديثين عن سبرة فى باب عنوانه ( باب فى نكاح المتعة )، والحديثان يفيدان النهى، وإن كان الأول منهما يذكر النهى مقترنًا بحجة الوداع وهى المناسبة الرابعة للتحريم ( سبق ذكر ثلاث مناسبات للتحريم هى: غزوة خيبر، وفتح مكة، ويوم أوطاس )،
مع ملاحظة أن أحاديث سبرة فى صحيح مسلم حددت المناسبة بفتح مكة:
الحديث الأول:
{ 2073 ـ حدثنا مُسَدّدٌ بنُ مُسْرَهْدٍ أخبرنا عَبْدُ الْوَارِثِ عن إِسْمَاعِيلَ بنِ أُمَيّةَ عن الزّهْرِيّ قال:
"كُنّا عِنْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِالْعَزِيزِ فَتذَاكَرْنَا مُتْعَةَ النّسَاءِ، فقال رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ رَبِيعُ بنُ سَبْرَةَ: أَشْهَدُ عَلَى أبي أَنّهُ حَدّثَ أَنّ رَسُولَ الله ـ ص ـ نَهَى عَنْها في حَجّةِ الْوَدَاعِ"}.
الحديث الثانى:
{ 2073 ـ حدثنا مُسَدّدٌ بنُ مُسْرَهْدٍ أخبرنا عَبْدُ الْوَارِثِ عن إِسْمَاعِيلَ بنِ أُمَيّةَ عن الزّهْرِيّ قال:
"كُنّا عِنْدَ عُمَرَ بنِ عَبْدِالْعَزِيزِ فَتذَاكَرْنَا مُتْعَةَ النّسَاءِ، فقال رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ رَبِيعُ بنُ سَبْرَةَ: أَشْهَدُ عَلَى أبي أَنّهُ حَدّثَ أَنّ رَسُولَ الله ـ ص ـ نَهَى عَنْها في حَجّةِ الْوَدَاعِ" }.
********************
المرجع الرابع: سنن ابن ماجة
وردت ثلاثة أحاديث فى كتاب ( النكاح ). باب النهي عن نكاح المتعة
أحدها حديث على بن أبى طالب عن تحريم المتعة يوم خيبر، والثانى حديث سبرة مع تحديد المناسبة بحجة الوداع ( إتفاقًا مع سنن أبى داود، واختلافًا عن مع صحيح مسلم )، والحديث الثالث لم يسبق ذكره فى المراجع الثلاثة السابقة.
النسخة التى اعتمدنا عليها فى النقل هى: سنن ابن ماجة ـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ـ دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ـ 1975 ـ جزآن .
الجزء الأول. [ ص 630 ـ 632 ]
(9) كتاب النكاح.
الحديث الأول:
{ 1961- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يحيى. حَدَّثَنَا بشر بن عمر. حَدَّثَنَا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عبد اللَّه والحسن، ابني مُحَمَّد بن علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب؛
أن رَسُول اللَّهِ ـ صَ ـ نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية }.
[ ش ( متعة النساء ) هي النكاح لأجل معلوم أو مجهول كقدوم زيد. سمي بذلك لأن الغرض منها مجرد الاستمتاع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح. ( الإنسية ) نسبة إلى الإنس، وهم بنو آدم. أو نسبة إلى الأنس خلاف الوحش. أو بفتحتين نسبة إلى الأنسية بمعنى الأنس أيضا. وهي التي تألف البيوت].
الحديث الثانى:
{ 1962- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْنُ أَبِي شَيْبَ. حَدَّثَنَا عبدة بن سليمان، عن عبد العزيز بن عمر، عن الربيع بن سبرة، عن أبيه؛ قَالَ:
خرجنا مع رَسُول اللَّهِ ـ صَ ـ في حجة الوداع. فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّه! إن العزبة قد اشتدت علينا. قَالَ ( فاستمتعوا من هذا النساء). فأتيناهن. فأبين أن ينكحننا إلا أن نجعل بيننا وبينهن أجلا. فذكروا ذلك النَّبِيّ ـ صَ ـ. فقال ( اجعلوا بينكم وبينهن أجلاً ). فخرجت أنا وابن عم لي. معه برد ومعي برد. وبرده أجود من بردي وأنا أشب منه. فأتينا على امرأة، فقالت برد كبرد. فتزوجتها فمكث عندها تلك الليلة. ثم غدوت و رَسُول اللَّهِ ـ صَ ـ قائم بين الركن والباب، وهو يقول ( يا أيها الناس! إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع. ألا وإن اللَّه قد حرمها إلى يوم القيامة. فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها. ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) }.
[ ش (العزية) أي التجرد عن النساء. ( فأبين ) أي امتنعن ].
تختلف هذه الرواية عن رواية سبرة فى صحيح مسلم ( الحديث الأول ) التى تذكر أنه مكث معها ثلاثًأ.
الحديث الثالث:
{ 1963- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن خلف العسقلاني. حَدَّثَنَا الفريابي عن أبان بن أبي حازم، عن أبي بكر بن حفص، عن ابن عمر؛ قَالَ : لما ولي عمر بن الخطاب، خطب الناس فقال:
إن رَسُول اللَّهِ ـ صَ ـ أذن لنا في المتعة ثلاثا، ثم حرمها. و اللَّه! لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة. إلا أن يأتين بأربعة يشهدون أن رسول اللَّه أحلها بعد إذ حرمها}.
فِي الزَوَائِد: في إِسْنَاده أبو بكر بن حفص. اسمه الإبائي. ذكره ابن حبان في الثقات. و قَالَ ابن أبي حلتم عن أبيه: كتب عنه وعن أبيه. وكان أبوه يكذب. قلت: لا بأس به. قَالَ ابن أبي حاتم: وثقه أحمد وابن معين والعجلي وابن نمير وغيرهم. وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في المستدرك.
********************
المرجع الخامس: سنن النسائى:
النسخة التى اعتمدنا عليها فى النقل هى: سنن النسائى بشرح الحافظ جلال الدين السيوطى وحاشية الإمام السندى ـ دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ـ أربعة مجلدات وثمانية أجزاء ـ والجزء الخاص بالمتعة وارد فى الجزء السادس ـ كتاب النكاح ـ تحريم المتعة ص 125 ـ 127 ].
ورد فى سنن النسائى فى باب النكاح، وتحت عنوان ( تحريم المتعة )، أربعة أحاديث:
ثلاثة منها تكرار لحديث على بن أبى طالب عن تحريم المتعة يوم خيبر، والحديث الرابع هو حديث سبرة دون تحديد زمن النهى، والجديد فى هذه الأحاديث هو ماورد فى الرواية الثالثة لحديث على بن أبى طالب من إشارة إلى ذكر البعض على لسان ( على ) أنه قال أن الرسول قد حرمها يوم حنين وليس يوم خيبر، وهذه هى المناسبة الخامسة للتحريم إضافة إلى ما سبق ذكره من تحريم فى: يوم خيبر، وفتح مكة، ويوم أوطاس، وحجة الوداع.
باب تحـريـم المتعـة:
1ـ الأحاديث الثلاثة الأولى عن على بن أبى طالب:
الحديث الأول:
{ 3356 ـ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيَ قَالَ: حَدّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدّثَنِي الزّهْريّ عَنِ الْحَسَنِ وَ عَبْدِ اللّهِ ابْنَيْ مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِمَا:
أَنّ عَلِيّا بَلَغَهُ أَنّ رَجُلاً لاَ يَرَى بِالْمُتْعَةِ بَأْسا فَقَالَ: إنّكَ تَائِهٌ. "أَنّهُ نَهَى رَسُولُ اللّهِ ـ ص ـ عَنْهَا وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيّةِ يَوْمَ خَيْبَرٍ".
قال السندي: قوله: "أن رجلاً" هو ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "إنك تائه" هو الحائر الذاهب عن الطريق المستقيم "عنها" عن المتعة "الأهلية" أي دون الوحشية وكأنه ما التفت إليه ابن عباس لما ثبت عنده من نسخ هذا النهي بالرخصة في المتعة بعد ذلك كأيام الفتح لكن قد ثبت النسخ بعد ذلك نسخا مؤبدا وهذا ظاهر لمن يتتبع الأحاديث والله تعالى أعلم.
الحديث الثانى:
{ 3357 ـ أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَاللّفْظُ لَه قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ وَ الْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيَ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
"أَنّ رَسُولَ اللّهِ ـ ص ـ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرٍ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الاِنْسِيّةِ".
قال السندي: قوله: "الإنسية" بكسر فسكون نسبة إلى الإنس وهم بنو آدم أو بضم فسكون نسبة إلى الأنس خلاف الوحش أو بفتحتين نسبة إلى الأنسة بمعنى الأنس أيضا والمراد هي التي تألف البيوت.
الحديث الثالث:
{ 3358 ـ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيَ وَ مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ وَ مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنّ عَبْدَ اللّهِ وَ الْحَسَنَ ابْنَيْ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيَ أَخْبَرَاهُ أَنّ أَبَاهُمَ مُحَمّدَ بْنَ عَلِيَ أَخْبَرَهُمَا أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ:
" نَهَى رَسُولُ اللّهِ ـ ص ـ يَوْمَ خَيْبَرٍ عَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ".
قَالَ ابْنُ الْمُثَنّى: يَوْمَ حُنَيْنٍ وَقَالَ: هَكَذَا حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهَابِ مِنْ كِتَابِهِ}.
2ـ حديث سبرة:
الحديث الرابع:
{ 3359 ـ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدّثَنَا اللّيْثُ عَنِ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَذِنَ رَسُولُ اللّهِ ـ ص ـ بِالْمُتْعَةِ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَعَرَضْنَا عَلَيْهَا أَنْفُسَنا فَقَالَتْ: مَا تُعْطِينِي؟ فَقُلْتُ: رِدَائِي. وَقَالَ صَاحِبِي: رِدَائِي. وَكَانَ رِدَاءُ صَاحِبِي أَجْوَدَ مِنْ رِدَائِي. وَكُنْتُ أَشَبّ مِنْهُ، فَإِذَا نَظَرْتْ إلَى رِدَاءِ صَاحِبِي أَعْجَبَهَا وَإذَا نَظَرَتْ إلَيّ أَعْجَبْتُهَا ثُمّ قَالَتْ: أَنْتَ وَرِدَاؤكَ يَكْفِينِي فَمَكَثْتُ مَعَهَا ثَلاَثا ثُمّ إنّ رَسُولُ اللّهِ ـ ص ـ قَالَ: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذِهِ النّسَاءِ اللاّتِي يَتَمَتّعُ فَلْيُخَلّ سَبِيلَهَا" }.
قال السندي: قوله: "أنت ورداك" أي مع رداك أو ورداك مبتدأ خبره محذوف مثل كما ترى أو رديء والجملة حال أي أنت تكفيني والحال أن رداك كما ترى والتقدير ورداك يكفيني والجملة معترضة والله تعالى أعلم.
********************
المرجع السادس: سنن الترمذى
النسخة التى اعتمدنا عليها فى النقل هى: عارضة الأحوذى بشرح صحيح التلامذى للإمام الحافظ ابن العربى المالكى ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ سبعة مجلدات / ثلاثة عشر جزءًا ـ والجزء الذى وردت به الأحاديث هو:
( أبواب النكاح ـ باب ما جاء فى تحريم المتعة ـ المجلد الثالث ـ الجزء الخامس ـ ص 48، 49 ، 50 ].
ورد فى الترمذى حديثان فى بَابُ مَا جَاءَ في نكاحِ المُتعةِ :
أولهما: حديث على عن نهى النبى ـ ص ـ عن المتعة زمن خيبر،
وثانيهما: عن عبدالله بن عباس يذكر فيه أن المتعة منسوخة بآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وهى غريبة فى اختلافها عن المتواتر عن ابن عباس فى كتب السنة بشأن المتعة.
الحديث الأول:
{ 1130 - حَدَّثنا ابنُ أبي عمرَ أخبَرَنَا سُفيَانُ عن الزُّهريِّ عن عبدِ اللهِ والحسنِ ابنى مُحَمَّدِ بنِ عليٍّ عن أبيهِما عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ.
"أنَّ النَّبيَّ ـ ص ـ نهى عن مُتعةِ النِّساءِ وعن لحومِ الحمرِ الأهليَّةِ زمنَ خيبر".
وفي البَابِ عن سَبرةَ الجهنيِّ وأبي هُرَيرَةَ. حديثُ عليٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ والعملُ على هذا عِنْدَ أهلِ العِلْمِ من أصحابِ النَّبيِّ ـ ص ـ وغيرهِم وإنمَّا روى عن ابنِ عباسٍ شيءٌ من الرُّخصةِ في المتعةِ ثُمَّ رجعَ عن قولهِ حيثُ أخبرَ عن النَّبيِّ ـ ص ـ وأمرُ أكثرِ أهلِ العلمِ على تحريمِ المتعةِ وهو قولُ الثَّوريِّ وابنِ المباركِ والشَّافِعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ.
الحديث الثانى:
{ 1131 - حَدَّثنا مَحمودُ بنُ غيلانَ أخبَرَنَا سُفيَانُ بن عقبةَ أخو قبيصةَ بنِ عقبةَ أخبَرَنَا سُفيَانُ الثَّوريُّ عن موسى بنِ عبيدةَ عن مُحَمَّدِ بنِ كعبٍ عن ابنِ عباسٍ قال:
إنمَّا كانتْ المتعةُ في أوَّلِ الإسلامِ كانَ الرَّجُلُ يقدمُ البلدةَ ليسَ لهُ بها معرفةٌ فيتزوَّج المرأةَ بقدرِ ما يرى أنَّهُ يقيمُ فتحفظُ لهُ متاعهُ وتصلحُ لهُ شيأهُ حتىَّ إذا نزلتْ الآيةُ { إلاَّ على أزواجِهِم أو ما مَلَكَتْ أيمانُهُم } قال ابنُ عباسٍ: فكلُّ فرجٍ سواهمُا فهو حرامٌ }.
وفى بَابُ مَا جَاءَ في لحومِ الحُمرِ الأهليَّةِ روى
الحديث الثالث:
{ 1854 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عبدُ الوهَّابِ الثقفيُّ عن يحيى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ عن مالكِ بنِ أنسٍ عن الزُّهريِّ حَدَّثَنَا ابنُ أبي عمر حَدَّثَنَا سُفيَانُ بنُ عُيَينَةَ عن الزُّهريِّ عن عبدِ اللهِ والحسنِ ابني مُحَمَّدِ بنِ عليٍّ عن أبيهِما عن عليٍّ قال:
( نهى رَسُولُ اللَّهِ ـ صَ ـ عن مُتعةِ النِّساءِ زمنَ خيبرَ وعن لحُومِ الحمرِ الأهليَّةِ)} .
********************
المرجع السابع: سنن الدارمى
النسخة التى اعتمدنا عليها فى النقل هى:
سنن الدارمى ـ دار الكتب العلمية بيروت ـ جزآن ـ الجزء الثانى ـ كتاب النكاح ـ باب النهى عن متعة النساء ـ ص 140 ].
ورد فى سنن الدارمى ثلاثة أحاديث تفيد النهى عن المتعة، وكلها سبق ذكرها، منها حديثان لسبرة وحديث لعلى عن النهى يوم خيبر، ويُلاحظ أن أحد حديثى سبرة يذكر النهى فى حجة الوداع، والثانى يذكر أنه فى عام الفتح، ومعنى هذا أن الأحاديث الثلاثة الواردة فى الدارمى تذكر ثلاث مناسبات للنهى عن المتعة.
الحديث الأول:
{ 2098 ـ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّ أَبَاه أَنَّهُمْ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَ ـ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ وَالاسْتِمْتَاعُ عِنْدَنَا التَّزْوِيجُ* فَعَرَضْنَا ذَلِكَ عَلَى النِّسَاءِ فَأَبَيْنَ أَنْ لا نَضْرِبَ بَيْنَُنَّ أَجَلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ ص ـ افْعَلُوا فَخَرَجْتُ أَنَا وَابْنُ عَمٍّ لِي مَعَهُ بُرْدٌ وَمَعِي بُرْدٌ وَبُرْدُهُ أَجْوَدُ مِنْ بُرْدِي وَأَنَا أَشَبُّ مِنْهُ فَأَتَيْنَا عَلَى امْرَأَةٍ فَأَعْجَبَهَابَهَا بُرْدُهُ فَقَالَتْ بُرْدٌ كَبُرْدٍ وَكَانَ الأَجَلُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا عَشْرًا فَبِتُّ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ ثُمَّ غَدَوْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ـ ص ـ قَائِمٌ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَقَالَ يَسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الاسْتِمْتَاعِ مِنْ النِّسَاءِ أَلا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا وَلا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْ
* الإضافة هنا تعنى أن المتعة كانت ( زواجًا ).
الحديث الثانى:
{ 2099 ـ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ عَنْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ـ ص ـ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ عَامَ الْفَ
الحديث الثالث:
{ 2100 ـ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ عَنْ
سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ لابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ ص ـ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ
********************
المرجع الثامن: موطأ الإمام مالك
994 ـ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالب
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ الُحُومِ والْحُمُرِ
995 ـ و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ ا
أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ دَخَلَتْ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ إِنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ اسْتَمْتَعَ بِامْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ الْمُتْعَةُ وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِيهَا لَرَجَمْت
********************
المرجع التاسع: مسند ابن حنبل
النسخة التى اعتمدنا عليها فى النقل هى : مسند الإمام ابن حنبل ـ وبهامشه منتخب كنز العمال فى سنن الأقوال والأفعال ـ دار الفكر ـ ستة أجزاء.
1 ـ أحاديث على بن أبى طالب:
وهى أربعة أحاديث مكررة تؤكد النهى عن زواج المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر،
واثنان منها يذكران المناسبة وهى الرد على عبد الله بن عباس، والأحاديث الأربعة تؤيد رأى السنة.
الحديث الأول:
{ 558 ـ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا وَكَانَ حَسَنٌ أَرْ
أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَ ـ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ } [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث على بن
الحديث الثانى:
{ 717 ـ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَةِ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْمُرُ بِهَا فَقَالَ عُثْمَانُ لِعَلِيٍّ إِنَّكَ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللََّ أَنَّا قَدْ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَجَلْ وَلَكِنَّا }[ مسند ابن حنبل ـ أحاديث على بن ابى طالب
الحديث الثالث:
{ 771 ـ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنٍِ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ }[ مسند ابن حنبل ـ أحاديث على بن ابى طالب
الحديث الرابع:
{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّد
سَمِعَ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ وَبَلَغَهُ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ}.[ مسند ابن حنبل ـ أحاديث على بن ابى طالب ـ ص
2 ـ أحاديث عبد الله بن مسعود:
وهما حديثان يؤكد فيهما يؤكد فيهما عبد الله بن مسعود ترخيص الرسول بالمتعة دون أن يذكر شيئًا عن تحريمها فى وقت لاحق ويوثق عبد الله حل المتعة بالنص القرآنى وهو ما يؤيد وجهة نظر الشيعة.
الحديث الأول:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن عبيد حدثنا إسماعيل عن قيس عن عبد الله قال:
-كنا نغزو مع رسول الله ـ ص ـ وليس لنا نساء فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي فنهانا عنه ثم رخص لنا بعد في أن نتزوج المرأة بالثوب الى أجل ثم قرأ عبد الله: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. } [مسند ابن حنب ـ أحاديث عبدالله بن مسعود ـ ص 420 ].
الحديث الثانى:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا وكيع عن ابن أبي خالد عن قيس عن عبد الله قال:
-كنا مع النبي ـ ص ـ ونحن شباب فقلنا: يا رسول الله ألا نستخصي فنهانا ثم رخص لنا في أن ننكح المرأة بالثوب الى الأجل ثم قرأ عبد الله: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم. } [مسند ابن حنبل ـ أحاديث عبد الله بن مسعود ـ ص 432 ].
3 ـ حديث عبد الله بن عمر:
وهو حديث واحد يؤكد حل المتعة ذاكرًا ممارستها فى عهد الرسول ومهاجمًا لمعارضيها تلميحًا، وهو حديث يساند قول الشيعة.
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو الوليد حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط حدثنا إياد عن عبد الرحمن بن نعم أو نعيم الاعرجي شك أبو الوليد قال:
سأل رجل ابن عمر عن المتعة وأنا عنده متعة النساء فقال والله ما كنا على عهد رسول الله ـ ص ـ زانين ولا مسافحين ثم قال والله لقد سمعت رسول الله ـ ص ـ يقول ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر } [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث عبدالله بن عمرـ الجزء الثانى ـ ص 95 ].
4 ـ أحاديث جابر بن عبد الله :
وهى خمسة أحاديث مكررة تؤكد جميعًا قول الشيعة ، حيث تنص على ممارسة المتعة فى عهد الرسول وأبى بكر وعمر ، حتى نهى عمر عنها، وهى ما ينفى تحريم الرسول لها،
ويؤكد قول الشيعة فى ان عمر هو الذى حرمها.
الحديث الأول:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا إسحق حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال:
كنا نتمتع على عهد رسول الله ـ ص ـ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم حتى نهانا عمر رضي الله عنه أخيرا يعني النساء. } [مسند ابن حنبل ـ أحاديث جابر بن عبدالله ـ الجزء الثالث ـ ص 304 ].
الحديث الثانى:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد عن عاصم عن أبي نضرة عن جابر قال:
-متعتان كانتا على عهد النبي ـ ص ـ فنهاها عنهما عمر رضي الله تعالى عنه فانتهينا. } [مسند ابن حنبل ـ أحاديث جابر بن عبدالله ـ الجزء الثالث ـ ص 325 ].
الحديث الثالث:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يونس حدثنا حماد يعني ابن سلمة عن علي بن زيد وعاصم الأحول عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله قال:
-تمتعنا متعتين على عهد النبي ـ ص ـ الحج والنساء فنهانا عمر عنهما فانتهينا. } [مسند ابن حنبل ـ أحاديث جابر بن عبدالله ـ الجزء الثالث ـ ص 356 ].
الحديث الرابع:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا حماد أنبأنا علي بن زيد وعاصم الأحول عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله قال:
-تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متعتين الحج والنساء وقد قال حماد أيضا متعة الحج ومتعة النساء فلما كان عمر نهانا عنهما فانتهينا } [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث جابر بن عبدالله ـ الجزء الثالث ـ ص 363 ].
الحديث الخامس :
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج قال عطاء حين قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا له المتعة فقال:
-نعم استمتعنا على عهد رسول الله ـ ص ـ وأبي بكر وعمر حتى إذا كان في آخر خلافة عمر رضي الله عنه } [مسند ابن حنبل ـ أحاديث جابر بن عبدالله ـ الجزء الثالث ـ ص 380 ].
5 ـ أحاديث سبرة بن معبد :
وهى عشرة أحاديث تفيد نهى الرسول عن زواج المتعة بعد ترخيص بها،
وهى أحاديث تؤيد قول السنة، خاصة ما ورد فى بعضها بالتحرين إلى يوم القيامة،
وقد سبق أن ورد حديث سبرة عن أبيه فى أكثر من مرجع سابق أهمها ( صحيح مسلم )،
لكن الملاحظ هنا أن الأحاديث الواردة هنا فى مسند ابن حنبل تثير أكثر من إشكالية كما سيرد فى التعليق الوارد فى نهاية هذه الأحاديث.
الحديث الأول:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا اسمعيل بن إبراهيم حدثنا معمر عن الزهري عن ربيع بن سبرة عن أبيه أن:
رسول الله ـ ص ـ نهى عن متعة النساء يوم الفتح } . [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سبرة بن معبد ـ الجزء الثالث ـ ص 404 ].
الحديث الثانى:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الصمد حدثنا أبي حدثنا اسمعيل بن أمية عن الزهري قال:
-تذاكرنا عند عمر بن عبد العزيز المتعة متعة النساء فقال ربيع بن سبرة سمعت أبي يقول سمعت رسول الله ـ ص ـ في حجة الوداع ينهى عن نكاح المتعة }. [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سبرة بن معبد ـ الجزء الثالث ـ ص 404 ].
الحديث الثالث:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال:
-قال رسول الله ـ ص ـ سترة الرجل في الصلاة السهم وإذا صلى أحدكم فليستتر بسهم قال حدثني يعقوب حدثنا عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده أنه قال نهى رسول الله ـ ص ـ أن نصلي في أعطان الإبل ورخص أن نصلي في مراح الغنم ونهى رسول الله ـ ص ـ عن المتعة} . [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سبرة بن معبد ـ الجزء الثالث ـ ص 404 ].
الحديث الرابع:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن:
النبي ـ ص ـ حرم متعة النساء} . [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سبرة بن معبد ـ الجزء الثالث ـ ص 404 ].
الحديث الخامس :
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر أخبرني عبد العزيز بن عمر عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال:
-خرجنا مع رسول الله ـ ص ـ من المدينة في حجة الوداع حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله ـ ص ـ إن العمرة قد دخلت في الحج فقال له سراقة بن مالك أو مالك بن سراقة شك عبد العزيز أي رسول الله ـ ص ـ علمنا تعليم قوما كأنما ولدوا اليوم عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد قال لا بل للأبد فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أمرنا بمتعة النساء فرجعنا إليه فقلنا يا رسول الله أنهن قد أبين إلا إلى أجل مسمى قال فافعلوا قال فخرجت أنا وصاحب لي علي برد وعليه برد فدخلنا على امرأة فعرضنا عليها أنفسنا فجعلت تنظر إلى برد صاحبي فتراه أجود من بردي وتنظر إلي فتراني أشب منه فقالت برد مكان برد واختارتني فتزوجتها عشرا ببردي فبت معها تلك الليلة فلما أصبحت غدوت إلى المسجد فسمعت رسول الله ـ ص ـ وهو على المنبر يخطب يقول من كان منكم تزوج امرأة إلى أجل فليعطها ما سمى لها ولا يسترجع مما أعطاها شيئا وليفارقها فإن الله تعالى قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة } [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سبرة بن معبد ـ الجزء الثالث ـ ص 404 ، 405].
الحديث السادس :
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا وهيب قال حدثنا عمارة بن غزية الأنصاري قال حدثنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال:
خرجنا مع رسول الله ـ ص ـ يوم الفتح فأقمنا خمس عشرة من بين ليلة ويوم قال قال فأذن لنا رسول الله ـ ص ـ في المتعة قال وخرجت أنا وابن عم لي في أسفل مكة أو قال في أعلى مكة فلقينا فتاة من بني عامر بن صعصعة كأنها البكرة العنطنطة قال وأنا قريب من الدمامة وعلي برد جديد غض وعلى ابن عمي برد خلق قال فقلنا له هل لك أن يستمتع منك أحدنا قالت وهل يصلح ذلك قال قلنا نعم قال فجعلت تنظر إلى ابن عمي فقلت لها إن بردي هذا جديد غض وبرد ابن عمي هذا خلق مح قالت برد ابن عمك هذا لا بأس به قال فاستمتع منها فلم نخرج من مكة حتى حرمها رسول الله ـ ص. } [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سبرة بن معبد ـ الجزء الثالث ـ ص 405].
الحديث السابع :
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت عبد رب بن سعيد يحدث عن عبيد بن محمد بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه يقال له السبرى عن النبي ـ ص ـ أنه أمرهم بالمتعة قال:
-فخطبت أنا ورجل امرأة قال فلقيت النبي ـ ص ـ بعد ثلاث فإذا هو يحرمها أشد التحريم ويقول فيها أشد القول وينهى عنها أشد النهي }. [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سبرة بن معبد ـ الجزء الثالث ـ ص 405].
الحديث الثامن :
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يونس حدثنا ليث يعني ابن سعد قال حدثني الربيع بن سبرة عن أبيه سبرة الجهني أنه قال:
أذن لنا رسول الله ـ ص ـ في المتعة قال فانطلقت أنا ورجل هو أكبر مني سنا من أصحاب النبي ـ ص ـ فلقينا فتاة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت ما تبذلان قال كل واحد منا ردائي قال وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أشب منه قالت فجعلت تنظر إلى رداء صاحبي ثم قالت أنت ورداؤك تكفيني قال فأقمت معها ثلاثا قال ثم قال رسول الله ـ ص ـ من كان عنده من النساء التي تمتع بهن شيء فليخل سبيلها قال ففارقتها }. [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سبرة بن معبد ـ الجزء الثالث ـ ص 405].
الحديث التاسع :
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال:
-نهى رسول الله ـ ص ـ عن نكاح المتعة }. [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سبرة بن معبد ـ الجزء الثالث ـ ص 405].
الحديث العاشر :
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا وكيع حدثنا عبد العزيز قال أخبرني الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال:
-خرجنا مع رسول الله ـ ص ـ فلما قضينا عمرتنا قال لنا رسول الله ـ ص ـ استمتعوا من هذه النساء قال والاستمتاع عندنا يوم التزويج قال فعرضنا ذلك على النساء فأبين إلا أن يضرب بيننا وبينهن أجلا قال فذكرنا ذلك للنبي ـ ص ـ فقال افعلوا فانطلقت أنا وابن عم لي معه بردة ومعي بردة وبردته أجود من بردتي وأنا أشب منه فأتينا امرأة فعرضنا ذلك عليها فأعجبها شبابي وأعجبها برد ابن عمي فقالت برد كبرد فتزوجتها فكان الأجل بيني وبينها عشرا قال فبت عندها تلك الليلة ثم أصبحت غاديا إلى المسجد فإذا رسول الله ـ ص ـ بين الباب والحجر يخطب الناس يقول ألا أيها الناس قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء ألا وإن الله تبارك وتعالى قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا }. [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سبرة بن معبد ـ الجزء الثالث ـ ص 405، 406].
تعليق:
( أ ) الاختلاف فى الرواية:
الأحاديث جميعًا مصدرها واحد وهو سبرة بن معبد الجهنى،
وموضوعها واحد وهو المتعة،
وقصتها واحدة وهى الاستمتاع ( بفتاة كأنها بكرة عيطاء ) فى مكة،
ورغم ذلك فقد حفلت الروايات السابقة باختلافات ليست هينة نوردها فيما يلى:
1. الحديث ( الأول والسادس ) اللذان يرويان القصة يذكران أن تحريم الرسول للمتعة كان يوم الفتح، بينما فى الحديث ( الثانى ) والحديثين ( الخامس والعاشر ) اللذان يرويان نفس القصة، أن تحريم الرسول كان فى حجة الوداع.
2. الحديثان ( الخامس والعاشر ) يذكران أن سبرة قضى مع زوجته بالمتعة ليلة واحدة، بينما الحديثان ( السابع والثامن ) يرويان أنه قضى معها ثلاث ليال ...
3. الأحاديث ( الخامس والسابع والثامن والعاشر ) تذكر أن برد سبرة كان قديمًا خلق وبرد صديقه كان أجود ، وأن سبرة هو الذى استمتع لشبابه، بينما انفرد الحديث ( السادس ) برواية عكسية تذكر أن البرد الجيد هو الخاص بسبرة، والبرد الخلق خاص بابن عمه، وأن الذى استمتع هو ابن عمه، بينما لم يستمتع سبرة لدمامته.
( ب ) لا أخفى على القارئ أن حوار سبرة وصديقه مع المرأة الشابى الفتية طويلة القوام والعنق يثير الدهشة والتعجب،
فالقصة تروى أن سبرة وصديقه سألا المرأة التى لا يعرفانها أن يستمتع أحدهما بها،
وأن المرأة لم تفزع أو تنزعج أو ترفض أو تتعجب، وغاية ما فعلته أن سالت فى إحدى الروايات: " وهل يصح هذا؟"، فلما أجابا: " نعم"، استجابت المرأة، وفى رواية أخرى أنها بدأت فى الاختيار بينهما بمجرد أن عرضا عليها الأمر، وفى رواية ثالثة أنها سألت عما سيعطونها فى المقابل، فلما عرضا برديهما بدأ الاختيار، وفى رواية رابعة أنها اشترطت أن تكون المتعة لأجل، وليعذرنى القارئ إن صارحته بأن وجدانى لم يقبل السؤال وأسلوبه ولا الجواب وأسلوبه، فالسائلان صحابيان ، والتى سؤلت فتاة تعيش فى مكة بعد ظهور الإسلام بعشرين عامًا أو أكثر، ولست أظن، وبعض الظن إثم، أن مثل هذا الحوار يمكن أن يدور فى زماننا المعاصر دون معرفة وبدون أن يتنهى الأمر إلى أحد مراكز الشرطة ، ومعاذ الله أن يكون فيما أذكره نقد للصحابة أو للمجتمع المكى، وإنما لا يزيد الأمر عن تساؤل خطر لى وأنا أقرأ الرواية وأتأمل ما ورد فيها، وربما الخطأ ناتجًا عن سوء فى الفهم أو خطأ فى الاستيعاب وجل من لا يسهو، ولعل القارئ يشاركنى فيما أدعو إليه من ضرورة تقييم نصوص السنة على أساس المتن وليس على أساس السند وحده ...
6 ـ أحاديث سلمة بن الأكوع :
ثلاثة أحاديث، اثنان منهما يذكران أن منادى رسول الله أذن بالمتعة دون أن يرد فى الحديثين ذكر للنهى، بينما الحديث الثالث ترخيص الرسول بالمتعة عام أوطاس ثلاثة أيام، ثم نهيه عنها:
الحديث الأول:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا ابن جريج قال:
أخبرني عمرو بن دينار عن حسن بن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع رجل من أصحاب رسول الله ـ ص ـ أنهما قالا كنا في غزاة فجاءنا رسول رسول الله ـ ص ـ فقال إن رسول الله ـ ص ـ يقول استمتعوا }. [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سلمة بن الأكوع ـ الجزء الرابع ـ ص 47].
الحديث الثانى:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة بن عمرو بن دينار قال:
سمعت الحسن بن محمد يحدث عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي رسول الله ـ ص ـ فنادى أن رسول الله ـ ص ـ قد أذن لكم فاستمتعوا يعني متعة النساء }. [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سلمة بن الأكوع ـ الجزء الرابع ـ ص 51].
الحديث الثالث:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال:
حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: رخص رسول الله ـ ص ـ في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها }. [ مسند ابن حنبل ـ أحاديث سلمة بن الأكوع ـ الجزء الرابع ـ ص 55].
7 ـ حديث عمران بن حصين :
وهو من أهم أسانيد الشيعة، لحديثه عن آية المتعة وأنها لن تنسخ، وتأكيده أن الرسول لم ينه عن المتعة حتى مات، ونص الحديث:
{ حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى حدثنا عمران القصير حدثنا أبو رجاء عن عمران بن حصين قال:
-نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله ـ ص ـ فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي ـ ص ـ حتى مات }[ مسند ابن حنبل ـ أحاديث عمران بن حصين ـ الجزء الرابع ـ ص 436].
********************
المرجع العاشر: جامع البيان فى تفسير القرآن للإمام أبى جعفر محمد بن جرير الطبرى:
النسخة التى اعتمدنا عليها فى النقل هى طبعة دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان ـ المجلد الرابع ـ الجزء الخامس ـ ص 8، 9، 10.
القول في تأويل قوله تعالى: { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} [النساء: 4]اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {فما استمتعتم به منهن} فقال بعضهم: معناه: فما نكحتم منهن فجامعتموهن، يعني من النساء؛ { فأتوهن أجورهن فريضة} يعني: صدقاتهن فريضة معلومة. ذكر من قال ذلك:
7175 ـ حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} يقول: إذا تزوج الرجل منكم ثم نكحها مرة واحدة فقد وجب صداقها كله. والاستمتاع هو النكاح، وهو قوله: { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}
7176 ـ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن، في قوله: { فما استمتعتم به منهن} قال: هو النكاح.
7177 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { فما استمتعتم به منهن} النكاح. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: { فما استمتعتم به منهن} قال: النكاح أراد.
7178 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة}... الآية، قال: هذا النكاح، وما في القرآن الإ نكاح إذا أخذتها واستمتعت بها، فأعطها أجرها الصداق، فإن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ فرض الله عليها العدة وفرض لها الميراث. قال: والاستمتاع هو النكاح ههنا إذا دخل بها.
وقال آخرون بل معنى ذلك فما تمتعتم به منهن بأجر تمتع اللذة لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذى يكون بولى وشهود ومهر ، وذكر من قال ذلك:
7179 ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة }. فهذه المتعة الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى، ويشهد شاهدين، وينكح بإذن وليها، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل وهي منه برية، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه.
7180 ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { فما استمتعتم به منهن} قال: يعني نكاح المتعة.
7181 ـ حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث، قال: ثني حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، قال: أعطاني ابن عباس مصحفا، فقال: هذا على قراءة أبي. قال أبو كريب، قال يحيى: فرأيت المصحف عند نصير فيه: { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى}.
7182 ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن أبي نضرة، قال: سألت ابن عباس عن متعة النساء، قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قال: قلت بلى. قال: فما تقرأ فيها: { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى }؟ قلت: لا، لو قرأتها هكذا ما سألتك! قال: فإنها كذا.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثني داود، عن أبي نضرة، قال: سألت ابن عباس عن المتعة، فذكر نحوه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، قال: قرأت هذه الآية على ابن عباس: { فما استمتعتم به منهن} قال ابن عباس: { إلى أجل مسمى }، قال قلت: ما أقروها كذلك! قال: والله لأنزلها الله كذلك ثلاث مرات.
7183 ـ حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمير: أن ابن عباس قرأ: { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى }.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة وثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن ابن عباس، بنحوه.
7184 ـ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: في قراءة أبي بن كعب: { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى}.
7185 ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سألته عن هذه الآية: { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } إلى هذا الموضع: { فما استمتعتم به منهن} أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: قال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.
7186 ـ حدثني المثنى، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي، عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ: { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن }.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله: فما نكحتموه منهن فجامعتموه فآتوهن أجورهن؛ لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح أو الملك الصحيح على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
7187 ـ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال: ثني الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: { استمتعوا من هذه النساء } والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج.
وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام في غير هذا الموضع من كتبنا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس من قراءتهما: { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى } فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين، وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه.
********************
المرجع الحادى عشر: بعض ما جاء فى كتاب ( فتح البارى) لابن حجر العسقلانى:
النسخة التى اعتمدنا عليها فى النقل هى طبعة دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ـ من ص 138 ـ 142.
باب نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ آخِرًا.
الشرح: قوله ( باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة أخيرًا [ وردت فى صحيح البخارى " آخرًا" والمعنى واحد ]) يعني تزويج المرأة إلى أجل فإذا انقضى وقعت الفرقة.
وقوله في الترجمة " أخيرا " يفهم منه أنه كان مباحًا وأن النهي عنه وقع في آخر الأمر...
وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة فأغرب ما روي في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك، ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء، والمشهور في تحريمها أن ذلك في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع، قال ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح ا هـ.
فتحصل مما أشار إليه ستة مواطن: خيبر، ثم عمرة القضاء، ثم الفتح، ثم أوطاس، ثم تبوك، ثم حجة الوداع.
وبقي عليه حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل، فأما أن يكون ذهل عنها أو تركها عمدا لخطأ رواتها، أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة.
فأما رواية تبوك فأخرجها إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بثنية الوداع رأى مصابيح وسمع نساء يبكين، فقال: ما هذا؟ فقالوا: يا رسول الله، نساء كانوا تمتعوا منهن.
فقال: هدم المتعة النكاح والطلاق والميراث " وأخرجه الحازمي من حديث جابر قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جاءت نسوة قد كنا تمتعنا بهن يطفن برحالنا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، قال فغضب وقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ فسميت ثنية الوداع".
وأما رواية الحسن وهو البصري فأخرجها عبد الرزاق من طريقه وزاد " ما كانت قبلها ولا بعدها " وهذه الزيادة منكرة من راويها عمرو بن عبيد، وهو ساقط الحديث، وقد أخرجه سعيد بن منصور من طريق صحيحة عن الحسن بدون هذه الزيادة.
وأما غزوة الفتح فثبتت في صحيح مسلم كما قال: وأما أوطاس فثبتت في مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع.
وأما حجة الوداع فوقع عند أبي داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه.
وأما قوله لا مخالفة بين أوطاس والفتح ففيه نظر، لأن الفتح كان في رمضان ثم خرجوا إلى أوطاس في شوال، وفي سياق مسلم أنهم لم يخرجوا من مكة حتى حرمت، ولفظة " إنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح، فأذن لنا في متعة النساء، فخرجت أنا ورجل من قومي - فذكر قصة المرأة، إلى أن قال - ثم استمتعت منها، فلم أخرج حتى حرمها " وفي لفظ له " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول " بمثل حديث ابن نمير وكان تقدم في حديث ابن نمير أنه قال: يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وأن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة " وفي رواية " أمرنا بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها " وفي رواية له " أمر أصحابه بالتمتع من النساء - فذكر القصة قال - فكن معنا ثلاثا، ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن " وفي لفظ " فقال إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة " فأما أوطاس فلفظ مسلم " رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا، ثم نهى عنها " وظاهر الحديثين المغايرة، لكن يحتمل أن يكون أطلق على عام الفتح عام أوطاس لتقاربهما، ولو وقع في سياقه أنهم تمتعوا من النساء في غزوة أوطاس لما حسن هذا الجمع، نعم ويبعد أن يقع الإذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح قبلها في غزوة الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة، وإذا تقرر ذلك فلا يصح من الروايات شيء بغير علة إلا غزوة الفتح.
وأما غزوة خيبر وإن كانت طرق الحديث فيها صحيحة ففيها من كلام أهل العلم ما تقدم.
وأما عمرة القضاء فلا يصح الأثر فيها لكونه من مرسل الحسن ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد، وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة في الفتح وأوطاس سواء.
وأما قصة تبوك فليس في حديث أبي هريرة التصريح بأنهم استمتعوا منهن في تلك الحالة، فيحتمل أن يكون ذلك وقع قديما ثم وقع التوديع منهن حينئذ والنهي، أو كان النهي وقع قديما فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة، فلذلك قرن النهي بالغضب لتقدم النهي في ذلك، على أن في حديث أبي هريرة مقالا، فإنه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار وفي كل منهما مقال.
وأما حديث جابر فلا يصح فإنه من طريق عباد بن كثير وهو متروك.
وأما حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بن سبرة، والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر، فإن كان حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي، فلعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليشيع ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك.
فلم يبق من المواطن كما قلنا صحيحا صريحا سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح، وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدم، وزاد ابن القيم في " الهدي " أن الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات، يعني فيقوى أن النهي لم يقع يوم خيبر أو لم يقع هناك نكاح متعة، لكن يمكن أن يجاب بأن يهود خيبر كانوا يصاهرون الأوس والخزرج قبل الإسلام فيجوز أن يكون هناك من نسائهم من وقع التمتع بهن فلا ينهض الاستدلال بما قال، قال الماوردي في " الحاوي ": في تعيين موضع تحريم المتعة وجهان أحدهما أن التحريم تكرر ليكون أظهر وأنشر حتى يعلمه من لم يكن علمه لأنه قد يحضر في بعض المواطن من لا يحضر في غيرها، والثاني أنها أبيحت مرارا، ولهذا قال في المرة الأخيرة " إلى يوم القيامة " إشارة إلى أن التحريم الماضي كان مؤذنا بأن الإباحة تعقبه، بخلاف هذا فإنه تحريم مؤبد لا تعقبه إباحة أصلا، وهذا الثاني هو المعتمد، ويرد الأول التصريح بالأذن فيها في الموطن المتأخر عن الموطن الذي وقع التصريح فيه بتحريمها كما في غزوة خيبر ثم الفتح.
وقال النووي: الصواب أن تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر ثم حرمت فيها ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس ثم حرمت تحريما مؤبدا، قال: ولا مانع من تكرير الإباحة.
ونقل غيره عن الشافعي أن المتعة نسخت مرتين، وقد تقدم في أوائل النكاح حديث ابن مسعود في سبب الإذن في نكاح المتعة وأنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم العزبة فأذن لهم في الاستمتاع فلعل النهي كان يتكرر في كل مواطن بعد الإذن، فلما وقع في المرة الأخيرة أنها حرمت إلى يوم القيامة لم يقع بعد ذلك إذن والله أعلم.
والحكمة في جمع علي بين النهي عن الحمر والمتعة أن ابن عباس كان يرخص في الأمرين معاً ، وسيأتي النقل عنه في الرخصة في الحمر الأهلية في أوائل كتاب الأطعمة، فرد عليه علي في الأمرين معا وأن ذلك يوم خيبر، فإما أن يكون على ظاهره وأن النهي عنهما وقع في زمن واحد.
وإما أن يكون الإذن الذي وقع عام الفتح لم يبلغ عليا لقصر مدة الإذن وهو ثلاثة أيام كما تقدم.
والحديث في قصة تبوك على نسخ الجواز في السفر لأنه نهى عنها في أوائل إنشاء السفر مع أنه كان سفرا بعيدا والمشقة فيه شديدة كما صرح به في الحديث في توبة كعب، وكان علة الإباحة وهي الحاجة الشديدة انتهت من بعد فتح خيبر وما بعدها والله أعلم.
والجواب عن قول السهيلي أنه لم يكن في خيبر نساء يستمتع بهن ظاهر مما بينته من الجواب عن قول ابن القيم لم تكن الصحابة يتمتعون باليهوديات
وأيضاً فيقال كما تقدم لم يقع في الحديث التصريح بأنهم استمتعوا في خيبر، وإنما فيه مجرد النهي، فيؤخذ منه أن التمتع من النساء كان حلالا وسبب تحليله ما تقدم في حديث ابن مسعود حيث قال " كنا نغزو وليس لنا شيء ـ ثم قال ـ فرخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب " فأشار إلى سبب ذلك وهو الحاجة مع قلة الشيء، وكذا في حديث سهل بن سعد الذي أخرجه ابن عبد البر بلفظ " إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة، ثم نهى عنها " فلما فتحت خيبر وسع عليهم من المال ومن السبي فناسب النهي عن المتعة لارتفاع سبب الإباحة، وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على التوسعة بعد الضيق، أو كانت الإباحة إنما تقع في المغازي التي يكون في المسافة إليها بعد ومشقة، وخيبر بخلاف ذلك لأنها بقرب المدينة فوقع النهي عن المتعة فيها إشارة إلى ذلك من غير تقدم إذن فيها، ثم لما عادوا إلى سفرة بعيدة المدة وهي غزاة الفتح وشقت عليهم العزوبة أذن لهم في المتعة لكن مقيدا بثلاثة أيام فقط دفعا للحاجة ، ثم نهاهم بعد انقضائها عنها كما سيأتي من رواية سلمة، وهكذا يجاب عن كل سفرة ثبت فيها النهي بعد الإذن، وأما حجة الوداع فالذي يظهر أنه وقع فيها النهي مجردا إن ثبت الخبر في ذلك، لأن الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد أن وسع عليهم فلم يكونوا في شدة ولا طول عزبة، وإلا فمخرج حديث سبرة راوية هو من طريق ابنه الربيع عنه، وقد اختلف عليه في تعيينها؛ والحديث واحد في قصة واحدة فتعين الترجيح، والطريق التي أخرجها مسلم مصرحة بأنها في زمن الفتح أرجح فتعين المصير إليها والله أعلم.
قال ابن بطال: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنه أصح، وهو مذهب الشيعة.
وجزم جماعة من الأئمة بتفرد ابن عباس بإباحتها فهي من المسألة المشهورة وهي ندرة المخالف، ولكن قال ابن عبد البر: أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن على إباحتها، ثم اتفق فقهاء الأمصار على تحريمها.
وقال ابن حزم: ثبت على إباحتها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ومعاوية وأبو سعيد وابن عباس وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف وجابر وعمرو ابن حريث ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر، قال: ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة.
********************
المرجع الثانى عشر: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد:
النسخة التى اعتمدنا عليها فى النقل هى: طبعة دار الرشاد الحديثة ـ المجلد الرابع ـ ص 489، 490.
والقصة واردة بأكثر من رواية فى العقد الفريد لابن عبد ربه، ومراجع أخرى.
{ خطب الزبير بمكة على المنبر وابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر، فقال: إن ههنا رجلاً قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله،
ويفتى فى القملة والنملة، وقد احتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضخون النوى، وكيف ألومه فى ذلك وقد قاتل أ المؤمنين وحوارى رسول الله ـ ص ـ وآله [ يقصد الزبير بن العوام ] ، ومن وقاه بيده [ يقصد طلحة بن عبيد الله] ، فقال ابن عباس لقئده سعد بن جبير بن هشام مولى بنى أسد بن خزيمة: " استقبل بى وجه ابن الزبير وارفع صدرى ، وكان ابن عباس قد كف بصره، فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير وأقام قامته، فحسر عن ذراعيه ثم قال يا ابن الزبير:
قد أنصف القارة من رماها *** إنا إذا ما فئـة نلقـاهـا.
نرد أولاها على أخراها *** حتى تصير حرضًا دعواها.
يا ابن الزبير أما العمى فإن الله تعالى يقول فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور ، وأما فتياى فى القملة والنملة فإن فيها حكمين لا تعلمهما أنت ولا أصحابك،
وأما حملى المال فإنه كان مالاً جبيناه فأعطينا كل ذى حق حقه وبقيت بقية هى دون حقنا فى كتاب الله فأخذناه بحقنا.
واما المتعة فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بردى عوسجة ، وأما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك ، فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها وصانا حلائلهما فى بيوتهما فما انصفا الله ولا محمدًا من انفسهما أن أبرز زوجة نبيه وصانا حلائلهما ، أما قتالنا إياكم فإنا لقيناكم زحفًا، فإن كنا كفارًا فقد كفرتم بفراركم منا ، وإن كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا ، أى والله، لولا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبنى أسد بن عبد العزىّ عظمًا إلا كسرته ، فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سألها عن بردى عوسجة ، فقال: ألم أنهك عن ابن عباس وعن بنى هاشم ، فقال: بلى، وعصيتك.
فقالت: يا بنى احذر هذا الأعمى الذى ما أطاقته الأنس والجن، واعلم أن عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها، فإياك وإياه آخر الدهر }.
الباب الأول
زواج المتعة فى السنة والقرآن
الفصل الثالث
زواج المتعة والنص القرآنى
عودة للحوار السنى الشيعى
[1]
يقول السنة: انتهى حوارنا السابق على وعد منكم بالدليل القرآنى على حلّ المتعة، ونصدقكم القول أننا على أحرّ من الجمر فى انتظار هذا الدليل ولو أتيتم به لسلمنا لكم بالحجة، واعترفنا معكم بالبرهان، فهاتوا دليلكم يرحمكم الله ...
فيرد الشيعة:
تعودنا معكم أن نستند إلى مرجعكم ، وما نظن أن تفسير الطبرى ، أو تفسير الرازى، أو تفسير السيوطى محل اتهام منكم ، وقد ورد فيها وفى غيرها أن عبدالله بن مسعود ( وهو من هو ) ، وعبدالله بن عباس وهو حبر الأمة وترجمان القرآن ، وأبىّ بن كعب وهو أشهر كتب الوحى ،
كانوا يرون أن آية : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } [ سورة النساء : 24 ].
نزلت فى المتعة ، وجميعهم كان يقرأها قراءة مختلفة نصها { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } ، بإضافة { إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى } ، ويقسمون أنها هكذا نزلت ، وعلى هذا تابعهم ـ فى ذات المراجع ـ تابعون أجلاء مثل: مجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب وغيرهم كثير ، وبعض الفضلاء منكم ينكرون التواتر فى مثل هذه القراءات ، وهى متعددة لكونها لم تثبت فى مصحف عثمان، وهو الذى بين أيدينا الآن ، لكنهم يأخذون بها كقراءة تفسيرية للنص، لكونها ثابتة على لسان كبار الصحابة ، ومن أمثلة ذلك قراءة السيدة عائشة لآية :
{ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [ البقرة 238]
حيث تذكر ( والصلاة الوسطى صلاة العصر )
وتقسم أنها هكذا نزلت ، فيكتفى العلماء بما ورد مصحف عثمان ( والصلاة الوسطى ) ويعتبرون القول بأنها صلاة العصر قراءة تفسيرية.
والأمثلة كثيرة، ولكننا نقبل هذه الآية بهذا القول ونسلم معكم بأن إضافة أبىّ بن كعب وعبدالله بن عباس وعبدالله بن مسعود تفسير نص الاستماع بأنه { إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى }، أى أنه زواج متعة، ومرة أخرى نوجز قولنا حتى لا تكابروا فى الحق ...
*** آية { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } [ سورة النساء : 24 ]. نزلت فى المتعة بقول أبىّ بن كعب وعبدالله بن عباس وعبدالله بن مسعود وبعض كبار التابعين.
*** يقرؤها أبىّ بن كعب وعبدالله بن عباس وعبدالله بن مسعود بإضافة { إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى } بعد { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ }، ويؤكدون أنها هكذا نزلت. والقبول بعبارة { إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى } نصًا أو تفسيرًا يقطع بنزول الآية فى المتعة ، فالخلاف بيننا أنكم ترون أن الزواج كله دائم ، و نرى نحن أن زواج المتعة { إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى }.
نقبل بما أجمعت عليه الأمة فى مصحف عثمان ، ونأخذ بقراءة أبىّ بن كعب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وبعض كبار التابعين كقراءة تفسيرية للنص ...
*** نخلص من ذلك إلى أن الآية بالإضافة أو بدونها نزلت فى المتعة، وعليه يصبح زواج المتعة ثابتًا بالنص القرآنى ، وقد اختلفنا فى نصوص السنة والسنة ظنية، فأتينا لكم بالنص القرآنى ، والقرآن قطعى
*********
[2]
فيرد السنة :
تسألون إلى أين نذهب؟ …
نقول لكم: سنذهب إلى صحيح العقيدة وسليم الدين وثابت النص، ونلقمكم أحجار المنطق واحدة واحدة …
فيرد الشيعة :
إذن هاتوها يرحمكم الله ...
فقط اسمحوا لنا أن نردها عليكم ونلقمكم ردها واحدة فواحدة ...
*************
[3]
فيرد السنة :
هو ذلك إن استطعتم ... بيد أننا لا نكتمكم مشاعرنا حول حواركم هذا فقد قرأنا ما قرأتم، لكننا قرأناه كاملاً ، بينما قرأتم أنتم سطرًا وأخفيتم سطرًا ، فالطبرى والرازى والسيوطى، ونضيف إليهم الزمخشرى والثعلبى وابن حيان والنيسابورى والقرطبى وغيرهم ، ذكروا ما ذكرتم، لكنهم ذكروه كرأى، ودحضوه بالرأى الآخر ، ولم يسلّم واحد منهم بحجتكم، ولم يأخذ واحد منهم برأيكم ، والمحاور العالم الفقيه الفاضل، يقرأ بقلب خاشع، وضمير مؤمن ، أما الخارج عن الجماعة، الباحث عن سبيل للخروج على الإجماع فإنه يقرأ بعين اللاقط للشذوذ ، الباحث عن المثالب، المقبل على الخلاف وكأنه هدف حياته، ومبرر دعواته ، معذرة لهذا الانطباع الأول ...
فلو كتمناه عنكم نكون قد قصرنا فى الرد الذى سوف يكون مفحمًا إن شاء الله ، وبنصوص كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ...
إن ما ورد فى التفاسير السابقة، ونحسب أنه إسرائيليات تسللت إلى ثنايا الدين القين، هو الذى أعطاكم الفرصة للمكابرة فى الحق، ووضع الذى يرد عليكم فى موقف الحائر فى البداية، فهو إن أهمل ما جئتم به ورماه بما هو أهل له، زدتم تمسكًا به، واتهمتم مجاوركم بالهروب من الساحة والعجز عن الرد، وهو إن سلّم به اتخذتم تسليمه تكأة للدفاع عن فكركم المريض، ولسوف نسلِّم معكم فى البداية برأى من ذكرتم فى تفسير الآية، وهو فى تقديرنا رأى لا أقل ولا أكثر، يرد عليه محكم التنزيل فيجعله كعصف مأكول ...
إن الآية التى ذكرتم، بالإضافة التفسيرية أو بدونها منسوخة بالآيات [ 29، 30، 31 من سورة المعارج ] ونصها: { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {29} إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {30} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {31} }...
المتمتع بها هنا ليست زوجة لأنها لا عدة لها ولا طلاق ولا نفقة ولا غرث وهى ليست مملوكة ...
إذن فهى لا تدخل ضمن { أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } ...
إذن فهى تدخل ضمن قوله تعالى { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } ...
وقد ورد نفس النص { إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [ سورة المؤمنون 6 ].
وهو أيضًا نص ناسخ للنص الذى تعتمدون عليه ولنفس الأسباب ...
هذه هى الحجة الأولى ... أيها العادون ...
فيرد الشيعة:
لن ندخل معكم فى تفاصيل حول المتزوجة بالمتعة وهل هى زوجة أم لا ؟ ...
فالحوار بيننا سيطول، والرد على هذا كله سوف يأتى إن شاء الله فى موقعه من الحوار، لكننا نسألكم وأنتم فقهاء ...
هل ينسخ النص المتقدم زمانًا، النص المتأخر زمانًا ؟ …
هل إذا نزلت آية فى زمن معين، ثم نزلت بعدها بزمان طويل آية أخرى … هل تنسخ الأولى الثانية ؟ ...
بديهى إن العكس هو الصحيح ...
فالمتأخر زمانًا هو الذى ينسخ المتقدم زمانًا ...
إذا سلمتم بهذا ونظن أنه لا مفر، فالرد عليكم يصبح من أيسر ما يكون ...
الآية التى نستند إليها { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ .... } من أواخر ما نزل من سورة النساء فى المدينة ...
والآيات التى تستندون إليها فى سورتى ( المؤمنون ) و ( المعارج ) من الآيات المتقدمة زمانًا فى مكة ...
والمكى المتقدم زمانًا لا ينسخ المدنى المتأخر زمانًا ... وعليه فالآيتان اللتان تستندون إليهما لا تنسخان الآية التى نستند إليها ... هذه واحدة ...
أما الثانية فهى عسيرة عليكم، مردودة إليكم ، لأننا إذا سلمنا معكم بالنسخ فى هذه الآيات، نصل إلى نتيجة عكسية لما أردتم تمامًا، وهى أن الآية التى نستند إليها هى التى تنسخ الآيتين اللتين تستندون إليهما ...
ما رأيكم أيها المدعون بالنسخ ؟ ...
***********
[4]
فيرد السنة:
كعادتكم معنا دائمًا ... تقرأون سطرًا وتنسون سطرًا وتقفزون كالقردة فوق ما ينقض حجتكم وينسف منطقكم ...
كيف تقفزون هكذا خفافًا فرحين فوق ما ذكرناه من أم المتمتعة ليست بزوجة لأنه لا عدة لها ولا طلاق ولا نفقة ولا إرث ....
إذن هاكم الحجة الثانية ...
ألم يأتكم قول الله تعالى فى محكم كتابه { أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ .... } [ سورة الطلاق 1 ] ـ ألا تنسخ آية الطلاق هذه زواجكم المسخ حيث لا طلاق فيه ولا عدة ...
وألم يأتكم قوله تعالى فى كتابه الكريم { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ...... }
ألا تنسخ آية المواريث هذه زواجكم المشبوه، حيث لا ميراث ...
لقد تشدقتم كثيرًا بحديث زواج المتعة، ولم يخجل واحد منكم وهو يتشدق بلفظ الزواج، متجاهلاً ومتناسيًا أن الزواج صنو للطلاق، وصنو للعدة، وصنو للميراث ...
تقولون إنه زواج بغير طلاق ...
قولوا إنه زواج بغير عدة ...
قولوا إنه زواج بغير ميراث ...
قولوا إنه زواج يتحدى ( ونستغفر الله لكم ) آية الطلاق التى ذكرناها ...
قولوا إنه زواج يتحدى ( ونستغفر الله لكم ) أية المواريث التى ذكرناها ...
قولوها ولا تخشوا فى الفجور لومة لائم ...
قولوها ونحن نردد على مسامعكم قولة الحق حتى لا تهربوا منها ...
زواجكم ( بل الأدق فعالكم )، منسوخة بآيتى الطلاق والمواريث ...
فيرد الشيعة:
حسنًا ... فهمنا من حديثكم أن الزواج بذاته يقتضى الطلاق ...
وأن الزواج بذاته يقتضى التوارث ...
وأن الزواج بذاته يقتضى العدة ...
أما أن الزواج بذاته يقتضى الطلاق، فالقصد منه كما نفهم أن زواج المتعة، الذى ينتهى بانتهاء الأجل دون طلاق، ليس زواجًا لافتقاده ركنًا من أركان الزواج وهو الطلاق أو إمكانيته ...
من قال لكم هذا ؟ ...
ألم يقرأ واحد منكم فى كتب الفقه ( السنى ) أن هناك حالات من الزواج لا طلاق فيها،
ألم نذكر فى لكم حوارنا حول السنة أمثلة لهذه الحالات،
ألم يشفع لكم ذلك حتى تكرروا السؤال، وحتى تتبعوه بسؤال مماثل حول آية ( المواريث )، ونسيتم ما ذكرناه من حالات من الزواج ( الدائم ) لا توارث فيه ...
هل تريدون أن نعيد على مسامعكم الأمثلة؟ … ( ارجع إلى الفصل الأول ) التى تؤكد أن عدم وجود طلاق وعدم وجود ميراث لا يعنى عدم وجود زواج ... ومعنى هذا أيها العلماء أن الزواج وحده، ومن حيث هو، غير مستلزم للتوارث، وإنما لحقه هذا الحكم لدليل خاص ...
ومعنى هذا أن هناك حالات من الزواج لا طلاق فيها، ولا ميراث، وتظل زواجًا ... ومنها المتعة ...
ومعنى هذا أيضًا أنه لا تعارض، ولا تدافع، ولا نسخ بين الآية التى ذكرناها وآية المواريث التى ذكرتم ...
أرأيتم كيف تركبون السهل من الأمر، والصعب من القذف، دون دليل شرعى يقف على قدمين ...
أرأيتم كيف التكرار لم يعلمكم بعد أيها الشطار ...
وتبقى العدة ...
وليس ذنبنا أن قراءة النظرية الماركسية أو كتابات المستشرقين أيسر كثيرًا من قراءة كتب الفقه الشيعى، التى هى أوثق ما تكون ارتباطًا بروح الإسلام وجوهره ونصوصه، ولو قرأتم فيها لعلمتم أن العدة إذا انقضى أجل المتعة حيضتان إن كانت ممن تحيض ، وإن لم تحض فخمسة وأربعون يومًا، ولو وات عنها فهى أربعة شهور وعشرة أيام ... [ راجع : المختصر النافع فى فقه الإمامية ـ الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى ـ دار الأضواء ـ بيروت ـ لبنان ـ الطبعة الثالثة 1985 ].
هذا عن حجتكم الثانية، وقد ألحقناها بالأولى ، فماذا لديكم بعد؟ …
***********
[5]
فيرد السنة :
لدينا الحجة القاصمة ...
ذلك أن الحق لا يعوزه الدليل ، ولا تنقصه الحجة ، غير أن فيما ذكرتموه رأيًا لا يحق لنا أن نتجاوزه دون وقفة وتعليق ...
ألم تلاحظوا أنكم تتعلقون بالشاذ من الحالات لإثبات ما هو فى رأيكم غير شاذ، وأنكم ما زلتم على عادتكم فى تلمس الشارد وغير الوارد من الأمور لإثبات منطقكم السقيم وغير المستقيم ...
هى ملاحظة شكلية على أية حال، لكنها تدفع بنا إلى قول ما لابد من قوله، وذكر ما لابد من ذكره، فالتلاعب بالأعراض عبث، وأن يتم هذا التلاعب تحت مظلة الدين الحنيف القيم فهى جريمة بكل المقاييس، وإن سكتنا عنها شاركناكم فى الإثم ...
نتوكل على الله فنقول :
أولاً : إن الرواية ( الشاذة ) تذكر زيادة { إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى }، وهى رواية على سبيل البيان والتفسير، وإن يذكرها أو يراها صحابى أو تابعى فليس ذلك بحجة على أحد، وهى لم تكن حجة على أحد أصلاً، لأن أحدًا منهم أو منا لا يجوز له أن يخرج على إجماع الأمة حول مصحف عثمان، ولو اختلفنا حوله لهدمنا صرح الإسلام المتين، لذا فالفيصل بيننا وبينكم هو النص الثابت القطعى، والقول بالزيادة على مسئولية صاحبه، إن صدق، أو صدق النقل عنه، والجدال حول الزيادة لا مبرر له ولا معنى، لأننا لا نعترف به أصلاً ... هذه واحدة ...
ثانيًا : حتى لو صدقنا رواية أنه كانت هناك أصلاً زيادة، فإن سقوط { إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى } من المصحف يهدم مذهب الشيعة فى متعة النساء، لأن ارتفاع شئ بعد ما ثبت يجتث كل آثاره، والأجل فى تقديرنا هو أجل العقد، وهو إلى أن يشاء الله، بينما الأجل فى القراءة الشاذة هو أجل الاستمتاع، فحتى لو انعقد عقد بهذا الفهم الشاذ فإنه هزل فى موطن الجد، يبقى جده، وينتهى هزله، وينعقد دائمًا ...
ثالثًا : من أقوال الشيعة نأخذ الحجة ، ومن منطقهم نستلهم المنطق فى هذه القضية ، فلو ثبت أن المتعة مورست فى عهد أبى بكر ثم صدر عهد عمر، وأن عمر هو الذى أبطلها وتابعه المسلمون ، فالحجة هنا للسنة وليست للشيعة ، فقد انعقد إجماع المسلمين جميعًا على بطلان المتعة ، هنا نحن نستند إلى الإجماع ، وهو ليس بالهين، ونستند أيضًا إلى حكمة الزواج التى تتسق مع هذا الإجماع، وهى حكمة تساندها الديمومة، ويدفع إليها التراحم وتكوين الأسرة وليس الشهوة العارضة والجنس العارم، ونحن نحسب فى هذا أننا نتسق مع جوهر الدين، وأننا امام إجماع صادف جوهر الدين ومحكم آباته وروح نصوصه ...
رابعًا: كأننا بالشيعة لم يقرأوا ما تلا الآية من آيات وأولها جازم قاصم لظهورهم، مبطل لدعواهم ....
لقد ذكر الله فى محكم آياته بعد التى استدل بها الشيعة حل زواج المتعة ما نصه: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم }
[ سورة النساء 25] ...
وفى هذه الآية نص قطعى يحرم نكاح المتعة ...
فلو كان { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } فى حل المتعة بكف من بر ( أى من الشعير )، فكيف يكون قوله بعد هذه الآية { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ.... }...
وهل يتصور عاقل أن يكون الإنسان عاجزًا عن شراء كف بر ثم يشترى ويملك يمينه جارية؟ ...
ومجرد نزول آية { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } بعد { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } يكفى فى تحريم المتعة، لأنها نقلت من لم يستطع أن ينكح المحصنة إلى ملك اليمين، ولم يذكر ما هو أقدر عليه من ملك اليمين ...
فلو كان التمتع بكف من بر جائزًا لذكره الله سبحانه وتعالى ...
ومعنى عد ذكره أن الشيعة تفترض أن آيات القرآن قد نسيت ( ونستغفر الله ) أو تجاهلت ( ونستغفره ثانيًا ) ذكر ما كان ينبغى أن يتم به سياق الآيات ...
خامسًا: هى دعوة منا لإخواننا الشيعة أن نتفق على كلمة سواء، وأن نجتمع معًا على الحق الواضح الجلى فى سياق الآيات الواردة فى سورة النساء ...
التى أوردت بوضوح، لا لبس فيه، أقسام النكاح المشروع فى الإسلام وهو:
النكاح الدائم بالزواج الدائم،
ونكاح الأَمَة المَمْلُوكَة دُوْنَ زَوَاج ...
أما الزواج الدائم بالحرة أو الأمة فلا خلاف عليه ولا شبهة،
أما نكاح الأمة فجوازه فى حالتين:
الأولى: هى ملك اليمين
الثانية: هى المحصنات من النساء ( أى النساء التى لها أزواج ) وتسبى فى الحرب، ووطء هاتيك النساء حلال بعد استبرائهن ( أى التأكد من خلوهن من الحمل ) وفقًا للنص القرآنى الوارد فى الآية السابقة على الآية التى يحاول الشيعة الاستدلال بها على المتعة، ونص الآية { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ }.
يذكر الطبرى فى تفسيره [ جامع البيان عن تأويل آي القرآن: المجلد الرابع ـ الجزء الخامس ـ ص 3 ـ دار المعرفة ـ بيروت ] . عن أبي سعيد الخدري، قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس لهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت:{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فاستحللنا فروجهن.
وهكذا ينحصر النكاح المشروع فى حالتين الأولى هى الزواج الدائم والثانية هى ملك اليمين ...
وفى غيرهما لا نكاح ولا مشروعية ولا نص فى المصحف العثمانى المتفق عليه ولا إجماع ...
سادسًا: كأننا بالشيعة لم يقرأوا محكم آيات الله ولم يطرق سمعهم قوله سبحانه وتعالى: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ سورة النور: 33] ...
ولو كان زواج المتعة شرعيًا ومباحًا بحفنة من بر ( كما تذكرون ) لما كان للآية موضع للذكر أو الفهم ...
فكيف لا يجد البعض نكاحًا بحجة العوز وأمامه باب زواج المتعة مفتوح على مصراعيه ...
يستحل المسلم به فرج المراة بأقل ما يقدر عليه أفقر الفقراء ...
وأخيراً: معذرة يا إخواننا فى الدين، فوالله ما أردنا لكم سوى الهداية، وما أردنا بكم سوى اجتماع الصف، وما قصدنا بحديثنا إلا بيان الحلال الذى هو بيِن، والحرام الذى هو أبْيَن، لولا غشاوة على العيون، واستكبار فى الحق، وتعالٍ عن صحيح الفهم وسليم العقل ...
فيرد الشيعة:
بل خالص الشكر على مشاعركم النبيلة ونرجو أن تصحبكم هذه المشاعر إلى هاية الحوار ...
ولو كنا نعلم أن إفحانا لكم فى حجججكم، حجة بعد حجة، سوف يدفعكم إلى هذا الغضب، الذى ينتج عنه هذا المنطق المتهافت لأغضبناكم من البداية، وأفحمناكم منذ أول محاورة، وندخل فى الموضوع ونرد فنقول:
أولاً: لنبدأ بما انتهيتم إليه ...
فهو بمعناه وفحواه قد تكرر قبل ذلك أكثر من مرة ...
ومنطقكم فيه ينطلق من المقابلة ( غير المنطقية فى تصوركم ) بين الآيات التى تربط الزواج الدائم بالمقدرة المالية { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ } ، { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } ، وبين إمكانية زواج المتعة بالمهر اليسير ( حفنة من بر ) ...
وترتيبكم لمنطقكم على النحو التالى:
1ـ آيات الزواج المذكورة تربط بينه وبين القدرة المالية.
2ـ الشيعة يعتبرون نكاح المتعة زواجًا ويدعون أن مهره يمكن أن يكون أقل القليل وهو حفنة من بر.
3ـ ما ورد فى (1) يتناقض مع ما ورد فى (2) وهو ما يعنى أن نكاح المتعة ليس زواجًا بأى معنى يرد فى القرين وأن آية { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } التى تلت آية المتعة تعنى أن الآية السابقة عليها تقصد الزواج الدائم الذى يتحقق فيه الطول ( أى الغنى ) ولا تقصد زواج المتعة الذى لا يحتاج إليه...
وما أيسر الرد على هذا من منطلق الفقه السنى ذاته، ففقهاء الوم ( السنيون ) يضعون حدًا أدنى للمهر للزواج الشرعى ( الدائم ) يقدر بحوالى خمسة وعشرون قرشًا وهو فى تقديرنا ما يوازى ثمن حفنة من بر. هذه واحدة ...
أما الثانية فهى ما تواتر فى كتب السنة عن تزويج الرسول لأحد فقراء المسملين بخاتم من حديد، وفى إحدى الروايات بآية من آيات القرآن...
إذن فمعنى الطول هنا ليس مقصودًا به الحد الأدنى المقبول للمهر الشرعى ... إنما يقصد به ما تطلبه بعض الأسر من مهر لابنتها، أو بعض النساء من مهر لهن، يفوق طاقة راغب الزواج، وهو أمر كان قائمًا وما يزال، وهو قائم فى الزواج الدائم بقدر ما هو قائم فى زواج المتعة، وعليه فالمقابلة بين الطول ( الغنى ) وبين الحد الأدنى ليست مقابلة صحيحة، والمفارقة بين الطول ( الغنى ) وبين الحفنة من البر ليست واردة، لأنها لو كانت لأصابت منطق السنة قبل أن تصيب منطق الشيعة ...
ثانيًا : الحديث عن الآراء ( الشاذة ) ووصفها بهذا الوصف لا يليق أولاً بمقام كبارالصحابة، كما أن الشذوذ يحوى ضمن معانيه ندرة القائلين به، وأما وقد عددنا أسماء الكثيرين من كبار الصحابة ممن قطعوا بحل المتعة ورفضوا القول بتحريم الرسول لها والأمر الصادر من عمر بتحريمها، فقد انتفى بيننا شذوذ القلة العددية ...
وبقى ما تتصورون أنه شذوذ الرأى والفهم غير المستقيم، والمرجع فى الحكم على الرأى ونعته بالشذوذ أو بالصواب يكون للنص، والبينة علة من إدعى كما يقولون، ومن منطقكم نرد عليكم، شريطة أن يستقيم منطقكم فى كل حال، ونحن أول من يقبل معكم بالاحتكام إلى مصحف عثمان، لكن ليس قبل أن نذكركم بموقفكم من قضايا أخرى ترون فيها رأيًا يخالف رأيكم الآن، وتحتجون فيها بحجج تناقض ما تسوقونه إلينا فى هذه القضية، وعودوا إلى كتب الفقه السنى فيما يخص عقوبة الزنا ...
ألستم القائلين فيها بقول عمر بانه كانت هناك آية تخص رجم الزناة ...
ونصها كما تذكر عشرات الكتب والمراجع هو { والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة } والقائل بهذا هو عمر بن الخطاب، وهى آية لم يذكرها مصحف عثمان، بيد أنكم لم تذكروا فى مواجهتها ما تتغنون به الآن على مسامعنا، من أن ( ارتفاع شئ بعد ما ثبت يجتث كل آثاره ) وكانت لديكم الشجاعة لادعاء أنها [ نُسِخَتْ نَصًا و بَقِيَتْ حُكْمًا ] ...
أى أنكم تجاوزتم القول بالتفسير للنص القرآنى إلى القول بالتنزيل لحكم شرعى دون أن يشفع لكم مصحف عثمان ...
بل ووجد بعضكم الشجاعة للتغنى بنسخ السنة للقرآن ...
رغم ما نعلمه وتعلمونه من ظنية السنة وقطعية النص القرآنى ...
لكنه الهوى وتهافت المنطق بل وتناقضه ...
عبد الله بن عباس هو حبر الأمة وبحر العلم وترجمان ( القرآن ) فإذا اختلف معكم وتناقض قوله مع هواكم، أصبح شاذ الرأى، وخارجًا على إجماع المسلمين ...
أبىّ بن كعب هو اشهر كُتّاب الوحى، وهو الذى تنحنى الهامات اما قوله فى محكم الآيات، لأنه الأقرب إليها، وأشهر من أخذها عمن أوحى إليه، فإذا نقل إليكم ما سمعه، ووثق لكم ما نقله عن خير الخلق اتهمتموه بالشذوذ فى الفكر، والمخالفة لرأى جماعة المسلمين ...
عبد الله بن مسعود، أستاذ مدرسة الرأى التى أنجبت الإمام ( الأعظم ) أبا حنيفة، فاسد الرأى لديكم، شاذ الفتوى فى تقديركم ...
هكذا الأمر معكم ...
الحجة رائعة ومقبولة طالما أنها تتسق مع ما تعتقدون ...
وهى شاذة ومرفوضة إذا اختلفت معكم واصطدمت مع هواكم ...
الصحابى هو بحر العلم إذا ذكر اسمه، وأعلن قوله، فإذا اختلف صوابه مع خطئكم، ومنطقه مع عجزكم، وصمتموه بالشذوذ ومخالفة الجماعة، وهى تهمة تعلمون ونعلن ثقلها وأثرها ونتائجها ...
هذا عن الإضافة التفسيرية، التى تنتفضون أمامها كمن لدغه العقرب ...
وكأن زواج المتعة أمر إدّ ...
وكأنكم لم تعترفوا معنا بأن الرسول قد أمر به ...
وأن كبار الصحابة قد مارسوه فى عهده، وباوامره و بأقواله التى خلدتها لنا مراجع الحديث النبوى ( السنية ) ... وهو الذى لا ينطق فى أمور العقيدة بالهوى ...
وهو أيضًا الذى تواكب التنزيل القرآنى مع سنته القولية والفعلية ...
إذن فالحديث عن الشذوذ نغمة نشاز غير مقبولة، فلا الفعل شاذ، ولا إتيانه باعترافكم فى عصر الرسول كان خروجًا على الإجماع، ولا تأكيد بعض الصحابة الكبار على حلّه قول يأخذ الشذوذ بأطرافه والخروج على الإجماع بتلابيبه، ولا ممارسة المتعة تدخل فى باب الزنا أو المسافحة كما تدعون ...
ويكفينا للرد عليكم قول عبدالله بن عمر ( والله لقد مارسناها على عهد الرسول وما كنا زانين ولا مسافحين ) ...
والأصح والأوثق والأكثر أدبًا وتهذيبًا مع سنة الرسول هو القول بالخلاف أو الاختلاف، بين كبار الصحابة هنا وكبار الصحابة هناك، والخلاف منحصر حول تفسير لآية من الآيات، وهى آية تؤكد رأينا، وتحسم الأمر لصالح منطقنا، سواء بقيت الإضافة التفسيرية أم لم تبق، فالنص الوارد فى مصحف عثمان، كما سنبين لكم، يوضح حجتنا ويناصر رأينا، بأوضح ما تكون المناصرة، وبأظهر ما يكون الوضوح، ولعلنا لا ننتقل من هذه النقطة، التى نتنازل فيها عن الأخذ ( بالإضافة التفسيرية ) برضا كامل منا، وبتنازل نملك أن نعارضكم فيه، بمنطقكم وبأسانيدكم، دون أن نوجه إليكم تساؤلاً ما نظن أنه سوف يمر مرور الكرام على عقولكم وأفئدتكم ..
لقد نقلت كتبكم ( السنية )، بدءًا بمراجع الحديث ومرورًا بكتب التفاسير وقد ذكرناها جميعًا، وانتهاء بكتب الفقه ومنها فتح البارى لاين حجر العسقلانى ومنها المحلى لابن حزم وغيرها ...
نقول أن هذه الكتب نقلت فى شأن المتعة آراء ابن عباس وأبىّ بن كعب وعبدالله بن مسعود فى تفسير الآية ...
وهو رأى يتسق مع رأينا ويؤيده ...
ثم اعترضتم عليه ليس على لسان أحد من كبار الصحابة ممن يطاول من ذكرناهم علمًا أو فقهًا أو تفسيرًأ لمحكم الآيات، بل على لسان كتاب التفسير أو الفقه، وحتى عندما نقل الطبرى فى تفسيره عن على بن أبى طالب، نقل عنه حديثًا يؤيد المتعة وينتقد تحريم عمر لها، ثم انتقل كما انتقل غيره إلى الرد بنفسه على رأى هؤلاء جميعًا، على وابن عباس وابن كعب وابن مسعود، وتناسوا يا أهل السنة خلاف الشيعة معكم واحتكموا لضمائركم، واسألوا يا أنفسكم، إلى من نحتكم فى تفسير القرآن الكريم ...
إلى على بن أبى طالب أم إلى الطبرى ...
إلى عبد الله بن عباس أم إلى الطبرى ...
إلى أبىّ بن كعب أم إلى الطبرى ...
لا تردوا علينا، نحن لا نطلب منكم ردًا، فلعل الخجل يمنعكم، بل ردوا على أنفسكم، وعلى من ذكرنا من الأسماء الجليلة فى سماء العقيدة ...
ثالثًا: تعالوا معنا إلى سياق الآيات، وتعلموا منا درسًا من دروس الفقه ...
إن النكاح الشرعى الوارد فى القرآن الكريم، يشتمل على أربعة أنكحة وردت جميعًا فى سورة النساء
وهى:
زواج الحرة الدائم ...
ملك اليمين ...
زواج المتعة ...
زواج الأمة الدائم ...
وإليكم الآيات البينات:
قال الله تعالى فى الآية الثالثة من سورة النساء: { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فبين فى هذه الآية القسمين الأولين من النكاح وهم زواج الحرة الدائم { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } ، وملك اليمين { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ يُقصد بملك اليمين الجوارى المملوكات بالشراء أو السبى، ولا يشترط فى نكاحهن الزواج كما أنه نكاح لا يحدد بعدد ...].
ثم لا ذلك آيات كثيرة مثل آيات المواريث ومحرمات النكاح من النساء والرضاع والمصاهرة...
ثم تلت ذلك الآية الرابعة والعشرون من سورة النساء: { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم } أى بثمن أو صداق { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } ، فبين أنه يحل لهم أن يبتغوا باموالهم عدا ما ذكره سبحانه من المحرمات بشرط أن يكون نكاحًا شرعيًا لا سفاحًا...
وهو ما يشمل أقسام النكاح السالفة الذكر...
ولما كان الأول والثانى قد سبق ذكرهما فيما تقدم من الآيات، ولم يعد هناك حاجة إلى إعادة ذكرهما ...
انتقلت الآيات إلى بيان زواج المتعة، وهو القسم الثالث بقوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } ...
وسمى المهر هنا أجرًا كما سمى المهر فى الزواج الدائم صداقًاً ...
وبين حكم هذا المهر بأنه يجوز الحط منه بالتراضى ...
ثم ذكر بعد ذلك حكم النكاح الشرعى الرابع فى الآية الخامسة والعشرون من سورة النساء بقوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ } إلى قوله سبحانه وتعالى : { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } إلى قوله سبحانه زتعالى { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } ...
وبذلك تم الكلام على جميع أقسام النكاح بأحسن بيان وأسلسه وأوضحه ترتيبًا وقصدًا...
[ راجع " نقض الوشيعة": ص 277 / وراجع أيضًا" إسلامن فى التوفيق بين السنة والشيعة"للدكتور مصطفى الرافعى ـ مؤسسة الأعلمى للمطبوعات ـ بيروت ص 148 ].
هذا فقه النكاح الشرعى فى القرآن، وهذا نص محكم الآيات التى هى الفيصل كما ذكرنا فى القبول أو الرفض فى الحكم على شذوذ الرأى أو عدم شذوذه، وهذه هى حجتنا المقنعة، الجامعة المانعة، يساندها ظاهر الآيات وتفسيرها ...
أما ظاهرها فقد عرضناه عليكم فى تسلسل البيان القرآنى ، وأما تفسيرها فسندنا فيه ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وأشهر كتاب الوحى أبىّ بن كعب، وإمام أئمة الرأى عبد الله بن مسعود ...
فإن رددتم فنرجوكم أن تردوا عليهم وليس علينا...
وأن تتهموهم ولا تتهمونا...
وأن ترموهم إذا رميتم بما ترموننا به ...
رابعًا: هناك ما يحسُم الأمر بيننا وبينكم، إن كان لم يُحسم بعد ...
زواج المتعة الآن ...
هل هو فى رأيكم زواج أم زنا؟ …
************
[6]
فيرد السنة :
لم نسمع جيدًا صيغة السؤال، هل قلتم ( الآن )، بمعنى هل تسألون عن زواج المتعة لة أتاه مسلم ومسلمة الآن، وهل هو زواج فى تقديرنا أم زنا ؟ …
فيرد الشيعة:
بالضبط هذا قصدنا ...
************
[7]
فيرد السنة:
وهل هذا فى حاجة إلى سؤال ؟...
هو زنا بالطبع ..
فيرد الشيعة :
حسنًا ... لماذا إذن تجمع كتب الفقه السنى فى باب ( الزنا )، على عدم عقوبة من يأتى زواج المتعة بالعقاب الشرعى على الزنا بل ولا يُعاقب من يأتيه بآية عقوبة؟ …
************
[8]
فيرد السنة:
ليس اعترافًا به أو تسليمًا بمشروعيته...
إنما تطبيقًا للقاعدة الشرعية ( الحدود تدرأ بالشبهات )...
أم تريدون إغلاق باب الرحمة فى الشريعة الإسلامية؟ …
فيرد الشيعة:
إطلاقًا ... نحن لا نسعى لأكثر مما ذكرتموه الآن...
فوجود شبهة فى زواج المتعة يعنى أن حلّه مشتبه عليكم ، وحرمته مشتبهة عليكم، ولو كنتم واثقين من حرمته لعاقبتم عليه يعقوبة الزنا؟ ...
أليس كذلك؟ ...
أليس فى هذا حجة لنا وحجة عليكم؟ ...
لماذا لا تعترفون الآن بأن منطقكم من البداية كان ضعيفًا، وأن هناك شبهة فى الأمر منذ بداية النقاش لديكم ...
وأننا بحوارنا هذا قد اجلينا أمامكم الحقيقة ...
وأسفرنا لكم عن الحق وأزلنا ما يؤرقكم من شبهات ...
**********
[9]
فيرد السنة :
ما أسوأ الطبيعة الإنسانية؟ …
هل انعدم لديكم الذوق الإنسانى الرفيع، والحس الإيمانى الصادق، والقلب المتدين الورع، حتى لا ترفضوا مثل هذا الزواج من البدء وحتى لا تشغلونا طوال هذا الوقت بهذا الحوار العقيم ...
هل منكم من يرضى بهذا الزواج لابنته أو أخته حتى يرضاه لنساء المسلمين؟ …
ما هو موقف الواحد منكم ـ يرحمكم الله ـ إذا إستأذنته ابنته لتقضى ساعة فى أحضان صديقها، ينكحها فيها كما يشاء ، فإذا استنكرتم أجابتكم الابنة فى هدوء لقد أعطانى عشرة جنيهات، فإذا غضبت مشاعركم، ونظنها تغضب ، قالت لكم { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } ...
هل تستسلمون لهذا المنطق ...
وهل ترضونه لدينكم ...
إن كنتم ترضونه فنحن لا نرضاه ...
هذا بغاء ... بغاء ... بغاء ...
الخلاصة
عزيزى القارئ ...
اعذرنى هنا لهذه المداخلة ...
فها هو الحوار كما وعدتك يصل إلى نقطة البدء من جديد ... كما وعدتك ...
وها هو يؤكد على مدى الصفحات السابقة ما ذكرته لك من البداية، وهو أن لكل رأى ردًا، ولكل رد رفضًا، ولكل رفض دحضًا، وأنك ما أن تستقر على رأى فترضاه، حتى يأتيك رد آخر ترضاه أكثر، فإذا اقتنعت به وارتكنت عليه، أتاك تفنيده بأسرع مما تتصور، وبأيسر مما تتخيل، ولعلك تصدقنى الآن فيما ذكرته لك من البداية من أن حوار المتعة رياضة ذهنية رائعة، فلعلك استمتعت بها، ولعلك سعيد بأنها انتهت هذه النهاية المفتوحة حيث لا رأى للكاتب ولا اجتهاد، وإنما هى مائدة فقهية دسمة، نهديها إلى فقهائنا الأجلاء حتى يوضحوا لنا ما استشكل علينا، ويحسمون الأمر لمن اشتبه عليه الأمر منا، وأنا واثق من قدرتهم على ذلك، فعلمهم فى النهاية هو الملاذ، وفقههم هى السند، واجتهادهم هو الأمل ، وقدرتهم التى لا نشك فيها هى التى سوف تحسم الأمر بالقول الفصل،
هدانا الله وإياهم وبهم إلى سواء السبيل ...
الباب الثانى
حِوَارٌ حَوْلَ اَلْمُتْعَةِ
[ الذين يفكرون ثم يكتبون أحترمهم ...
والذين يكتبون ثم يفكرون أعذرهم ...
والذين يكتبون ولا يفكرون أبدًا ...
أرد عليهم ].
مقدمة
هذا الباب ينقل حوارًا أقام الدنيا وأقعدها، وكان سببًا مباشرًا فى التفكير جديًا فى كتابة هذا الكتاب، ولا أريد أن أسبق القارئ أو أستخلص له النتائج، وحسبى أن أؤكد له ما آمنت به من خلال الحوار العنيف، وموجزه ما يلى:
أولاً: أن الحوار هو الحل ...
فالانتصار دائمًا لصاحب الحجة ولصاحب اللسان السليط ...
ثانيًا: إن الأسماء الرنانة الطنانة، والشهادة الدينية المتخصصة العليا ليست بالضرورة مدخلاً على صحيح الفهم وعميق العلم وسليم المنطق وصحيح الاستنتاج ...
ثالثًا: أن من يضحك أخيرًا ... يضحك كثيرًا ...
رابعًا: أن هناك وهم يسيطر على أذهان البعض، يغزله ضعف الحجة وقلة البضاعة من العلم والاطلاع، وينسجه الاحساس الداخلى بالعجز ...
وتكون نتيجته دائمًا الفكر المتآمر...
وصاحب المنطق بالعمالة، والحوار ذاته بأنه مؤامرة عالمية ...
والمؤكد أن هذا كله هو الزبد الذى يذهب جفاء ...
وأما الذى ينفع الناس، وهو المنطق الرصين والحجة المستقيمة والرأى المهذب الهادئ ...
فهو الذى يبقى فى الأذهان، ويعيش على أبد الآبدين ...
وأخيرًا: فحتى يستكمل القارئ الصورة، أود أن يعلم أن الحلقات الست الأولى من حوار الفصل الأول قد نشرت تباعًا فى جريدة الأحرار ...
ثم ثارت ثائرة من لم يتحملوا الحوار ...
فأخذوا قرارًا بمنع نشر باقى الحلقات ...
خاصة بعد أن رد بعضهم فأتاه الرد على الرد بما لم يحسب له حسابًا ...
وقد وعدت من اخذوا قرارًا بالمنع بأن أنشر الحلقات كاملة فى كتاب هو بالقطع أبقى وأكثر تأثيرًا ... وها أنذا أفى بالوعد ...
ويبقى واجب الاعتذار:
وهو اعتذار للقارئ عن خطأ، لم يسبق لى الوقوع فيه، ولم استطع تلافيه، وهو خطأ التكرار، الذى كاد يدفعنى إلى حجب هذا الباب عن النشر، لولا أن رجحت لدى مبررات نشره، فقد حدث الحوار حول المتعة قبل نشر هذا الكتاب، وخلال كتابتى للباب الأول، وكان طبيعيًا أن ترد فى إحد ردودى على المتحاورين، بعض الحجج والأدلة الواردة فى الحوار السابق، ولم أستطع استبعادها لأن أمانة النقل تقتضى نشر الحوار كاملاً، وفى ظنى أن الحوار يعطى صورة متكاملة عن خلفية بعض فقهائنا وكتابنا عن الموضوع، وأن متعة متابعته، حيًا ومتواليًا وساخنًا، سوف تتجاوز بالقارئ مشاعر الضيق أو التبرم من معلومة أو حجة تتكرر هنا أو هناك...
الفصل الأول
تنويعات هادئة فى حوار شائك
مأزق صعب
أخيرًا أخرجنى الأستاذ وحيد غازى [ رئيس تحرير جريدة الأحرار ] من قوقعتى ...
أما القوقعة فهى الإحساس بالتناقض بين الشعور بالقدرة على العطاء، وبين عدم القدرة على النشر المستمر، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك أن اكتسبت كتاباتى طابعًا من الحدة يتناقض مع طبيعتى ...
مبعثه الرغبة فى اقتناص فرصة النشر، وانتهازها للرد على سيل من الهجوم والطعن والتجريح ...
ولذا، ما أن صارحنى برغبته فى أن أكتب أسبوعيًا للأحرار، حتى رجوته أن يوقف نشر مقال كنت أرسلته إليه ...
وكان فيه من الحدة ما فيه، ومن التوثيق ما يساند الحجة والحدة ...
بيد أن الحدة فى النهاية ليست أكثر من ضرورة يبيحها محظور صعوبة النشر ...
وما أحوج الجميع إلى الحوار الهادئ، والاحتكام إلى العقل وصالح الجماعة ...
وما أظن هذا يتناقض مع الاحتكام إلى الدين أبدًا ...
غاية ما فى الأمر أن هناك معبرًا بين السبيلين هو الاجتهاد المستنير، وأحسب أننا افتقدنا ذلك منذ زمن طويل ...
وأننا قدسنا اجتهادات السلف، ونسينا أنهم قد اجتهدوا لعصرهم ...
وتناسينا مقولة أبى حنيفة ( هم رجال ونحن رجال )...
وأحسب أن عقم الاجتهاد أحيانًا، واجتهاد العقم أحيانًا أخرى هو السبب الرئيسى فى المأزق الذى وصلنا إليه ...
حسنًا، ليكن حديثى موجهًا إلى الطرف الآخر فى الحوار الساخن والشائك الذى يدور فى مصر، وينتقل صداه إلى كل الأقطار المجاورة، أن تعالوا إلى كلمة سواء، وقارعونا الحجة بالحجة، وبادلونا الرأى بالرأى، ونحن نعدكم برفع الراية البيضاء استسلامًا إذا كانت حجتكم أقوى، ورأيكم أرجح، ومنطقكم أحكم، فليس لنا ساعتها إلا أن نحمد الله على ما هدانا إليه ...
لقد اخترت أن أنقل إلى القارئ نص حوار حقيقى دار بينى وبين جمهرة من المستمعين فى ندوة معرض الكتاب لهذا العام وكان تاريخ الندوة هو 4/2/1989 وكان مزضزعها آخر ما أصدرت من مكتبتى وهو كتاب ( الإرهاب )، وقد فوجئت بعد أن عرضت موضوع الكتاب بتلال من الأوراق المحملة بالتساؤلات، وكانت النسبة الغالبة منها معارضة لما أبديت من آراء ...
وتصادف أن كان من بينها سؤال طريف نصه: ( هل تعرضت لتهديدات بالقتل نتيجة لآرائك ) ...؟. والفراغ الذى يسبق علامة الاستفهام يحمل بعض عبارات المديح ...
وامتدت يدى بسرعة إلى وريقة أمامى قرأت منها الإجابة، وكان نصها ( أمير جماعتنا أفتى بحل دمك ... دع وزير الداخلية ينقذك )، وكانت الوريقة خالية من التوقيع لكنها أثارت جوًا من المرح فى القاعة، ولم أجد مشكلة فى الاختيار بين الأوراق، فقد كان أكثر من نصفها بغير مبالغة حول سؤال واحد، مضمونه بعد إعادة الصياغة على النحو التالى:
" انتشرت فى السنوات الأخيرة ظاهرة اغتصاب الفتيات فى مصر...
ألست ترى أن السبب الحقيقى وراء ذلك هو عدم تطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر؟ ...
وفى المقابل ألست ترى أن الحل كامن فى تطبيق حد الزنا؟...
إن البعض يعتقد أن الرجم عقوبة قاسية وغير عصرية، فما رأيك؟ ...
أليس الاغتصاب أيضًا جريمة قاسية ووحشية بل وغير إنسانية ؟ ...
إننا نؤكد لك أن تطبيق عقوبة الرجم على المغتصبين فى الميادين العامة سوف يؤدى إلى اختفاء هذه الظاهرة المأساوية من حياتنا ... فما هو تعليقك على هذا الرأى؟ ..."
منطق مغلق كما يرى القارئ، ومحاولة للأفحام كما يبدو من التساؤلات، وحجة متوازنة بغير شك، فقسوة الجريمة وبشاعتها توازنها قسوة العقاب وشدتها، وانتفاء لا يخلو من ذكاء أريب، لأن الجريمة شديدة البشاعة، وهى ساخنة فى ذهن ووجدان المستمع نتيجة للإعلام الكثف حولها، والسائل يعتقد أنه قد وضعنى فى موقف صهعب بل عصيب ...
لذا كانت المفاجأة أن اخترت البدء بهذا السؤال، وكانت المفاجاة الأشد أن بدأت بقولى :" يؤسفنى أن اختلف مع السائلين فيما ساقوه من منطق، وما عرضوه من حجج، وما توصلوا إليه من نتائج، ويسعدنى فى إجابتى أن أؤكد لهم أننى أنطلق فى غجابتى من نفس منطلقهم، وهو منطلق الإسلام، فقهًا وتاريخًا وأحكامًا ، ومقاصد وحجتى فى ذلك ما يلى ...
وهنا توجهت إلىّ العيون فى تشوق واندهاش ...
ولعل هذا أيضًا هو شعور القارئ ...
وموعدى معه لكى أعرض عليه ما ذكرت من اقوال وما سقت من حجج فى الأسبوع القادم ..
*******************
(2) كان الزمان معطاء
ذكرت فى الأسبوع الماضى كيف واجهنى المعترضون بسؤالى عن رأيى فى مواجهة جرائم الاغتصاب بتطبيق عقوبة الرجم على الزناة فى ميدان عام ...
وكيف بدأت حديثى بتأكيد اختلافى معهم والتأكيد على أن رأيى لا يخرج عن إطار الإسلام فقهًا وتاريخًا وأحكامًا ومقاصد وقلت ...
بادئ ذى بدء هناك حقيقتان تسبقان العرض لوجهة نظرى:
أولاً: أن انتشار جريمة الاغتصاب فى مصر ظاهرة إعلامية أساسًا، سندى فى ذلك الأرقام التى لا تكذب، فقد ذكر تقرير وزارة الداخلية فى العام الماضى ( 1988 ) أن عدد جرائم الاغتصاب وفقًا لتقارير الأمن ( 25 ) جريمة فى مصر كلها طوال العام، والمعتاد أن نسبة 60% تقريبًا مما تقدمه أجهزة الأمن من جرائم تثبت فيه الإدانة فى مرحلة التقاضى، أى أن عدد جرائم الاغتصاب فى دولة سكانها خمسون مليون نسمة ، أى بنسبة ثلاث جرائم لكل عشرة ملايين نسمة، واجزم أن هذه إحدى أقل النسب فى العالم كله إن لم تكن أقلها فعلاً ...
ولو طبقناها على دولة مثل السعودية لكان عدد الجرائم فى العام ثلاثة، وفى دولة مثل هولندا خمسة، وفى دولة مثل إسرائيل جريمة واحدة فى العام ...
لكن ماذا نفعل لشهوة محررى أبواب الحوادث فى الصحف اليومية وسادية البعض ممن يهوون تعذيب الشعب المصرى ، تارة بأنباء الاغتصاب، وتارة بأنباء الفئران التى ما يزال الكثيرون منكم يذكرون الضجة التى أثيرت حولها ...
ولعلهم يسألون أنفسهم اليوم كيف اختفت فجأة بعد أن كانت مسلسلاً يوميًا ...
وهل يا ترى هاجرت أو انتحرت انتحارًا جماعيًا؟ …
ثانيًا: أما ثانية الحقائق فهى أنه لو طبق حد الزنا فى مصر على جرائم الآداب فى ربع القرن الأخير، لما عوقبت جريمة واحدة بأية عقوبة ...
وقل نفس الشئ عن جرائم الاغتصاب ...
بل ربما انتهى الأمر خاصة فى جرائم الآداب بجلد رجال الشرطة بتهمة القذف لعدم توافر أركان الجريمة الشرعية وشروط الحد ...
وملفات القضايا موجودة فى المحاكم ...
وشروط تطبيق الحد موجودة فى كتب الفقه ...
وفتوى فضيلة المفتى فى جريمة الاغتصاب الشهيرة ( جريمة المعادى ) لم تكن على أساس حد الزنا، وإنما كانت على أساس حد الحرابة وهو خطأ فقهى فى تقديرى لأن جريمة الحرابة تقع فى الأموال وليس فى الفروج ...
بيد أن هذا مجال نقاش فقهى آخر ...
والشاهد هنا ان فضيلة المفتى لم يجد ضالته بالنسبة لهذه الجريمة فى حد الزنا وهو ما قصدت توضيحه ...
هاتان حقيقتان، ولا أقول رأيان، تسبقان عرضى لوجهة نظرى التى أوجزها فى أربعة قضايا تتكامل لكى تُقدّم مجتمعة إجابة شافية على السؤال المعروض أمامى،
أما القضية الأولى فهى ما أجمع عليه الفقهاء من أن إباحة الحلال تسبق العقاب على الضلال، وأن الرخص تسبق العزائم، بمعنى أن الله برحمته وبإدراكه للطبيعة البشرية يوفر للمسلمين من الرخص والتيسيرات ما يجلهم فى سعة من الأمر، وفى منعة من المخالفة، بحيث إذا خالفوا بعد ذلك كانت العقوبة الشديدة، التى لا مجال لوصفها بالقسوة إذا قورنت بما أتاحه الله من تيسير لعباده، وفى مجال العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة كانت هناك ثلاث رخص أبيحت فى حياة الرسول ـ ص ـ:
الرخصة الأولى الزواج بأربع، وهى رخصة أباحتها سعة الرزق وسهولة الحياة حتى عهد قريب هو عهد أجدادنا ، ويصعب علينا أن نجد صحابيًا جليلاً لم يستمتع بهذه الرخصة، ويحكى لنا المخضرمون أن حياة أجدادنا وممارساتهم لما أحل الله لهم، كانت حياة هنية بل إن شئنا الدقة بلهنية، وأن هذه الرخصة التى أبيحت وأتيحت لهم كانت تسد أمامهم أبواب الفتنة، وأن الكثيرين منهم كانوا ينذرون السبت لزوجة والأحد للثانية والاثنين للثالثة والثلاثاء للرابعة والأربعاء للراحة ، والخميس للأخيرة أو المثيرة أو الأثيرة أو الصغيرة، والجمعة للعبادة والاستعداد للأسبوع الجديد ...
ولنا أن نسأل أنفسنا سؤالاً محددًا ...
ترى ماذا يستحق الرجل الذى يتاح له هذا كله إذا امتد بصره، رغم هذا كله إلى زوجات الآخرين، وطمع إلى ممارسة الزنا معهن، ومارسه بالفعل ... ألا يستحق الرجم، بديهى يستحق ...
أما الرخصة الثانية التى أتيحت وأبيحت للمسلمين فقد كانت التسرى بالجوارى أى ممارسة الجنس معهن، وهو أمر ربما يأباه الذوق فى عالمنا المعاصر، بيد أننا نخطئ خطأ جسيمًا إذا قيمنا عصر السلف الصالح بمقاييس عصرنا ...
وليس من حقنا إطلاقًا أن نحدد الخطأ والصواب باجتهادنا ...
أو الحلال والحرام بعقولنا...
فالمرجع فى ذلك للنص وحده ...
وأغلب الصحابة، وإن لم يكن جميعهم، مارسوا التسرى...
وقبلهم جميعًا تسرى الرسول ـ ص ـ بمارية القبطية فى يوم حفصة وعلى سريرها ...
وأزهد الزهاد وهو على بن أبى طالب ـ رض ـ توفى ولديه كما يذكر السيوطى فى كتابه تاريخ الخلفاء ثلاث عشرة سرية ...
ووصل الأمر لإلى الآلاف لدى بعض الخلفاء فى العصر العباسى ...
رخصة أباحها الله لعباده كما ترى ...
ومصدر للمتعة الحلال توفره الفتوحات وتوفره أيضًا إمكانيات الشراء من الأسواق أو التجار المتخصصين ...
وتساؤل يطرق أذهاننا فى هدوء ...
لكنه تساؤل منطقى على أية حال ...
عمن تتوافر له رخصة الزواج بأربع زوجات ، ورخصة التمتع بالجوارى بلا عدد، ثم يمتد بصره إلى نساء الغير ... ويقوده شيطانه إلى الزنا بهن ...
ماذا يستحق؟ …
أجزم بأنه يستحق الرجم بأحجار المقطم …
تبقى رخصة ثالثة نستكمل بها القضية الأولى ، وموعدنا معًا فى الأسبوع القادم إن شاء الله ...
*******************
(3) إشكالية زواج المتعة
موعدنا اليوم مع الرخصة الثالثة التى أبيحت على عهد الرسول، وهى زواج المتعة، وهى رخصة تثير إشكالاً فقهيًا ما يزال قائمًا بين السنة والشيعة إلى يومنا هذا ...
حيث يرى أهل السنة أن الرسول قد حرمها قبل وفاته ...
ويستندون فى هذا لأحاديث وردت فى كتب السنة أشهرها عن على بن أبى طالب ، وعن سبرة بن معبد الجهنى ...
بينما يرى الشيعة الإمامية أن الرسول لم يحرمها وأنها مورست فى عهده ثم عهد أبى بكر وصدر عهد عمر الذى حرمها ...
ويستندون فى هذه الأحاديث فى كتب السنة أشهرها عن جابر بن عبدالله الأنصارى وعمران بن حصين ...
ثم يختلف الفريقان حول تفسير آية { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } الواردة فى سورة النساء ...
حيث يرى السنة أنها واردة فى الزواج الشرعى ...
ويرى الشيعة أنها واردة فى حلّ المتعة إستنادًا إلى قراءة عبدالله ابن عباس وأبىّ بن كعب وعبد الله بن مسعود ...
وقد ناصر حلّ المتعة من ذكرناهم ومعهم كثيرون منهم سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وابن جريج وغيرهم ...
وناصر حرمة المتعة فقهاء المذاهب الأربعة والإمام زيد ( مذهب الزيدية ) وغيرهم كثيرون ... وتجتمع المذاهب السنية الأربعة والمذهب الزيدى على الحرمة ... وينفرد مذهب الإمامية الإثنى عشرية بإباحتها حتى الآن ... والراغب فى الاستزادة عليه الرجوع إلى الفصل الثانى من هذا الكتاب ، وما يعنينا من هذا كله ما يلى:
أولاً: أن المتعة قد اُحلت فى عهد الرسول ـ ص ـ برخصة منه دون خلاف على ذلك بين السنة والشيعة، ومنطقى أنها أحلت للصحابة ، وبديهى وقطعى، أنها مورست قبل تحريمها بقول الرسول فى رأى السنة ورأى عمر فى قول الشيعة...
ثانيًا: أن الأزهر الشريف يعترف بالمذاهب السنية الأربعة، ومذهب الزيدية، ومذهب الإمامية الإثنى عشرية، والمذهب الأخير يحل المتعة...
ثالثًا: أن فقه السنة لا يعاقب على المتعة باعتبارها زنا، وهو لا يواجهها فى حالة إتيانها بأية عقوبة ( لوجود شبهة نتيجة فتوى ابن عباس حبر الأمة )، كما ورد فى كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق...
ومضمون ما سبق أن زواج المتعة كان رخصة بلا شك فى حياة الرسول، وأن فريقًا من المسلمين يرون حله إلى اليوم إستنادًا إلى بعض الأحاديث، وإلى فتاوى بعض كبار الصحابة وقراءة بعضهم لآية من آيات القرآن ...
وقد يتساءل القارئ عن كنه زواج المتعة ؟ ...
فنقول أنه زواج لأجل مقابل أجر، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج دون طلاق ودون ميراث للزوجة إلا إذا اتفق عليه عند تحديد الأجل الذى قد يكون ساعة أو ساعات أو يومًا أو أيامًا كما أنه زواج غير محدد بعدد، ومدته يجوز تجديدها مرات بغير حصر ...
ونعود إلى موضوعنا الأساسى، ونتوقف عند عصر الرسول الذى أبيحت فيه المتعة دون خلاف اللهم عدا ما يراه البعض من أن ذلك كان فى ظروف الغربة أو العزبة أو السفر، وهو ما يرد عليه الشيعة بما ورد فى كتب السنة من إباحتها فى حجة الوداع حيث انتفت هذه الظروف الصعبة...
ونسأل أنفسنا ...
ألا تبدو رحمة الله واسعة، وألا يبدو عقابه منطقيًا، بل إنسانيًا، فمن الذى يتاح له هذا الفيض من الرحمة ثم يزنى :
زوجات أربع ، وجوارٍ بلا عدد يتسرى بهن ، وزواج للمتعة يطفئ غليل الشهوة ونار التطلع إلى الحرام ...
ألا يستحق من يزنى بعد ذلك أن يرجم بأحجار جبال الألب والبرانس والهمالايا، دون رحمة منا لأن الله كان أرحم به حين أتاح له سبيل الحلال واسعًا ورحبًا ...
الحقيقة أن ذلك منطق يصعب الرد عليه ممن ينكرون العقوبة لقسوتها أو عنفها...
بيد أن ذلك يقود إلى سؤال آخر ما دمنا قد طرقنا باب المنطق ...
مضمونه وضع الشباب المسلم فى عالمنا المعاصر، حيث سدت أمامه أبواب المتعة بفتوى فقهاْ السنة، وأبواب التسرى بالجوترى بتحريم الرق وقوانين حقوق الإنسان، وأبواب الزواج بأربع بسبب الأزمة الاقتصادية، الأمر الذى أثقل كفة العقوبة فى الميزان، حين انتقصت كفة الحلال المباح بما سيق من قيود ...
ومن هنا بدا الأمر ثقيل الوطأة على النفوس، عنيف الشدة على الضمائر، وربما تساءل البعض فى خبث، هل معنى حديثك أنك تبيح الزنا نتيجة ما ذكرت من سد أبواب الحلال ...
وإجابتنا ، حاشا لله، أن يكون ذلك هو القصد أو يكون هذا هو الهدف ...
بيد أننا نتساءل فى صدق مع النفس ... هل نحن أكثر إيمانًا وزهددًا وعفة من كبار الصحابة وأوائل التابعين؟ ...
والإجابة مرة أخرى ، حاشا لله، أن ندعى ذلك ...
وما أردنا ، والله ، إلا أن نقترب منهم ونتأسى بهديهم ونتابع سيرتهم ومسيرتهم ...
إن مطلبنا بسيط وهو يقترب من مطلب معارضينا، أو من يظنون ذلك ...
ومضمون هذا المطلب أننا نطالب بالعودة إلى ظروف السلف الصالح وإطار حياتهم، ولا أكثر ولا أقل ...
وليس هذا مستحيلاً ... بل هم ممكن إذا صدقت النوايا وصلحت النفوس ...
وإذا كانت الشبهات أو الحساسيات أو الفتاوى تحيط بزواج المتعة وتؤكد امتناعه، فإن من حقنا المطالبة بإتاحة باب الزواج بأربع وتشجيعه وإباحة التسرى بالجوارى وعودة أسواقهن ...
وهذا كله ممكن، ولنا اقتراحات عملية ممكنة ...
وموعدنا معها فى الأسبوع القادم إن شاء الله ...
*******************
(4)عودة إلى الجذور
توقفت فى الأسبوع الماضى عند الدعوة إلى ضرورة أخذ دعاة تطبيق الشريعة أنفسهم وأنفس الناس بالعدل فى الحكم، فماداموا يطالبون بالعقوبة القاسية الرادعة، فلا بد لهم أيضًا ان يوفروا قبل ذلك ما اتسعت رحمة الله له من حلال، وما أوسعه على المسلمين من تيسيرحين أباح لهم من الرخص ما أوقفته دعاوى التحضر وظروف الضائقة الاقتصادية ...
وذكرت أن زواج المتعة رخصة لا نتوقف عندها ولا نطالب بها ...
متجاوزين ما يذكر من أن اختلاف الفقهاء رحمة، وما نعرفه من تجاوز فقه السنة عنها فى العقوبة لوجود شبهة نتيجة لفتوى اين عباس، ملزمين أنفسنا بإجماع فقهاء السنة على أنها كانت رخصة تمتع بها الصحابة فى عهد الرسول، ثم حرمها الرسول قبيل نهاية حياته ...
بيد أن أبوابًا من المتعة الشرعية المباحة لم ينزل بتحريمها أمر، ولم يصلنا فى النهى عنها خبر، ولا يستطيع عالم أو فقيه أن يدعى حرمتها أو عدم جوازها ...
وهى الزواج بأربع والتسرى بالجوارى أى التمتع بهن جنسيًا دون التقيد بعدد ...
وذكرت فى ردى على من وجهوا لى السؤال فى الندوة أننى ساعٍ معهم إلى ما يستهدفون، وهو استعادة عصر السلف الصالح بكل ما فيه، واستعذت بالله أن يتصور أحد أننا يمكن أن نكون أكثر زهدًا وورعًا وتقوى وفضيلة من السابقين المكرمين منك كبار الصحابة وأئمة الزهد، والثابت لدينا أنهم استمتعوا جميعًا بما احل الله لهم، ومارسوا الحلال كما أمرهم الله ورسوله ...
وأنه ليس من حق كائن من كان أن يمنع حلالاً أو يحرم مباحًا ...
بل وقلت ما نصه بالحرف الواحد ( قولوا على لسانى أننى أول المؤيدين لتطبيق حد رجم الزناة وفى الميادين العامة كما يطالبون بشرط واحد هو أن يتاح لنا ما أتيح لسلفنا الطاهر النقى الورع العفيف من رخص وتيسيرات هى حلال حلال ) ...
وذكرت أيضًا أن الأمر بهذه الصورة يبدو متوازنًا ...
فالشاب المسلم يستمتع بزوجاته الأربع، ويشترى من الجوارى ما يسد عليه أبواب الفتنة، فإن أرادها سمراء كان، وإن أرادها صقلبية كان، وإن أرادها حبشية كان، وإن أرادها رومية كأنها بكرة عيطاء ( أى هيفاء طويلة العنق ) كان ... وبعد هذا يصبح عدلاً إذا زنى أن يرجم فى الميدان، وذكرت لهم أننى ورفاقى سوف نكون أول من يرمى بحجر، فمثل هذا بعد استمتاعه بهذا لن يشفق عليه أخد ولن يدعو إلى رحمته أحد، ولا بد أن يقام عليه الحد ...
ثم استطردت قائلاً: بيد أن الظروف الاقتصادية لا تمكن الشاب من الزواج إلا بواحدة، وأحيانًا لا تمكنه من الزواج بواحدة، والقوانين الوضعية تحرم ما أحل الله وهو التسرى بالجوارى ومصدرهن كما يذكر الفقهاء هو الحرب أو الشراء، بحجة أن حقوق الإنسان تمنع الرق، وهى أمور يجب أن نجتهد جميعًا فى مواجهتها، وبمعنى أدق فهى عوائق يجب أن نشغل أنفسنا بإزالتها ثم نطالب يعد ذلك بتطبيق الحد الشرعى، فتعتدل كفتا الميزان ...
نعم ... لا بد أن نطالب الدولة بدعم الزواج الثانى ( وهنا ارتسمت الإبتسامات على الوجه )، وبدعم أكثر للزواج الثالث ( واتسعت الابتسامات )، وبدعم بلا حدود للزواج الرابع ( وارتفعت الضحكات ) ...
وهنا رفعت صوتى قائلاً: إنن أرفض الضحك والهزل فى موطن الجد والمطالبة بالسعة فيما أحل الله، فأنا جاد فيما أقول ...
فقد طالبونا بالعودة إلى عصور السلف الأول فاستجبنا لهم، وحاولنا معهم ...
ومن حقنا أيضًا أن نستعيد رخصة التسرى بالجوارى وأن رغمت أنوف ...
وأنا أعلم أنه رغم تحريم الرق فى بلاد مشرقية مجاورة، فإن الكثيرين من أبنائها يذهبون إلى الهند وسيلان وتايلاند ويشترون فتيات من هناك، ويستمتعون بهن كما يشاؤون، ويقفزون فوق القوانين بحجة أنهن خادمات، وهو أمر من أمور التقية المشروعة، فما دامت القوانين الوضعية تحد من ممارسة ما هو مشروع وحلال ، فلا بأس من القفز فوقها والتحايل عليها ...
بل أكثر من ذلك نحن أسياد قوانيننا ...
وقد دعى الأستاذ فهمى هويدى فى جريدة الأهرام إلى الانعتاق من قوانين الغرب، وهى دعوة رائعة، وأحسب أننا يجب أن نستجيب، وقد ازدهرت أسواق الجوارى فى عصور الأمويين والعباسيين، وانتشر التسرى بهن قبل ذلك فى عصور الراشدين، وما أحرانا بالعودة إلى هذا كله كمدخل لتطبيق حد الزنا على الخطاة المنحرفين، وتعالوا نتكاتف سويًا للمطالبة بمشروعية ذلك، وسوف يكون انتصارًا عظيمًا يوم تنتشر هذه الأسواق فى الهرم والتحرير والعتبة والعباسية و ...
ولنقبل بالأمر كله بجانبيه رخصه وعقابه، تيسيره وحدوده ...
وهنا ساد القاعة صمت عميق قطعته بقولى: لكنى أؤكد لكم ما تندهشون له، وهو أنه حتى لو استعدنا ذلك كله، ومارسنا هذا كله، فلن يرجم أحد فى ميدان عام بتهمة الزنا، ليس لأن أحدًا لن يمارسه، فالخطأ الإنسانى موجود دائمًا وفى كل عصر، بل لأسباب أخرى هى ما قصدته فى البداية بالموضوع الثانى فى الرد ...
*******************
(5) مأزق الشهود
توقفت فى الأسبوع الماضى فى محاورتى مع المطالبين برجم الزناة فى ميدان عام لمحاربة جريمة الاغتصاب عند تأييدى لهم بشرط إباحة وتشجيع الرخص والتيسيرات التى أباحها وأتاحها الإسلام، فحكم الله عدل، وتيسير الله رحمة، ورحمة الله تسيق عدله، وتيسيره يسبق حكمه، ورخصه تسبق عقابه ...
ثم ذكرت لهم انه على الرغم من منطقية هذه المطالبة، فإنها لن تكفى لتحقيق ما يطمحون إليه... وأننى أشك كثيرًا فى أن احدًا سوف يُرجم فى ميدان عام ...
رغم تأكدى من أن الزنا لم ولن يتوقف لأنه مرتبط بطبيعة ابن آدم الخطاء ...
وقد ذكرت فى البداية أن ردى سوف سوف يشتمل على موضوعات أربعة:
أولها: توازن إباحة الحلال مع التشدد فى العقوبة،
وثانيها: أنها عقوبة أقرب إلى الاستحالة إذا تمسكنا بتراثنا الفقهى العريق، دون اجتهاد معاصر ممن يقدرون على الاجتهاد ولا يقدمون عليه،
فجريمة الزنا محددة المعالم، ثابتة الأركان، مفصلة تفصيلاً لا سابقة له فى جريمة أخرى، وحكمة الله الرائعة فى ذلك، أنها جريمة تزلزل بنيان الأسرة، وتهدم ثبوت النسب، وتشين مرتكبيها وأهليهم، ومن هنا فإنها لا تنطبق على ما يسميه الأوربيون بالجنس الشفوى ويقصدون به الممارسة الخارجية، كما أن البكارة شبهة تزيل تهمة الزنا، لعل هذا ما دفع المفتى السابق إلى استبعاد حد الزنا فى جريمة اغتصاب المعادى، وأيضًا فإن القبلات الساخنة والعناق الحار، ورشف الرضاب، والهمس واللمس، عفيفه وعيفه، أمور لا تدخل فى جريمة الزنا من قريب أو بعيد...
وتحدثنا كتب التاريخ حديثًا تفصيليًا عن وقائع تحقيق فى جريمة زنا حدثت فى عهد الخليفة العظيم عمر بن الخطاب [ راجع تاريخ الطبرى ـ الجزء الثالث ـ ص 168 ـ طبعة مؤسسة الأعلمى ـ بيروت ].
وكان المتهم فيها المغيرة بن شعبة والى عمر على البصرة، وهو منصب رفيع يعادل منصب نائب رئيس الوزراء فى عصرنا الحالى، وقادت المصادفة وأسلوب البناء إلى اكتشاف الواقعة ، حيث كان جاره أبو بكرة جالسًا فى مشربيته، فأزاحت الريح باب كوة مشربيته وباب كوة مشربية المغيرة المقابلة، فقام ليصفقه فشاهد المغيرة بين رجلى امرأة، وشاء حظ المغيرة العاثر أن يكون لدى أبى بكرة ضيوف فأشهدهم على الواقعة وسألهم عن المرأة فتعرفوا عليها وقالوا إنها أم جميل إبنة الأفقم، ويذكر الطبرى ما نصه ( وكانت أم جميل إحدى لنى عامر ـ يقصد أحدى نساء بنى عامرـ بن صعصعة، وكانت غاشية للمغيرة وتغشى الأمراء والأشراف، وكان بعض النساء يفعلن ذلك فى زمانها )، والشاهد انهم منعوا المغيرة من غمامة الصلاة وأرسلوا إلى عمر بالنبأ فأرسل إليهم أبا موسى الأشعرى ومعه رسالة إلى المغيرة نصها: ( أما بعد فإنه بلغنى نبا عظيم فبعثت أبا موسى أميرًا، فسلم ما فى يدك، والعجل )، وارتحل المغيرة ومعه الشهود الأربعة وهم: أبو بكرة و نافع بن كلده، وزياد وشبل بن معبد، وسالهم عمر فوصفوا واقعة الزنا وصفًا دقيقًا، نشفق على اعصاب القارئ من ذكره، وتلجلج زياد فذكر أنه لم يشهد مثلهم المرود فى المكحلة، وإن كان شاهدهما عاريين ...
وكان قرار عمر بجلد الشهود الثلاثة بتهمة القذف، حيث لا تثبت واقعة الزنا بثلاثة شهود فقط..
ولا باتفاق الأربعة على رؤيتهما وهم عريانين، والشاهد هنا ان أسلوب البناء كان احد أسباب الضبط القضائى كما نذكر فى كتاباتنا المعاصرة، حيث لم يعرف ذلك العهد ما نعرفه من النوافذ الخشبية المغلقة والستائر المحكمة والبواب المقفلة بالرتاج والأقفال، والشاهد أيضًا أن عمر قد طبق حرفية أسلوب التثبيت من وقوع الجريمة، سواء بأسئلته الصريحة أو برفضه الإدانة رغم كل الملابسات لعدم توافر الشهادة الكاملة من شهود أربعة، وجريمة الزنا كم يعلم الكثيرون تثبت بأساليب ثلاثة:
1ـ الشهادة ...
2ـ البينة ...
3ـ الاعتراف ...
وأول هذه الأساليب هو الشهادة، حيث يُشترط أربعة شهود رجال، يرون الواقعة بصورة تفصيلية يعرفها الجميع، وهو امر لا يتيسر إلا بأحد سبيلين فى حياتنا المعاصرة:
أولهما: أن ينظر الشهود من ثقب الباب... والشاهد فى هذه الحالة متجسس ... ولا شهادة لمتجسس ...
ثانيهما: أن يكون جالسًا معهما فى الفراش ... وهو فى هذه الحالة ديوث ... والديوث لا شهادة له [ راجع كتاب حقيقة الحكم بما أنزل الله ـ زعلف وزيدان وكامل ].
وأكثر من ذلك فلو تصورنا أن أربعة من الشهود قد سمعوا من اصوات العشق ما لا شبهة معه لإنكار حدوث الزنا، وتكاتفوا يدفعهم صحيح الإيمان والخشية على الأخلاق العامة ... فكسروا الباب وشاهدوا الرجل والمرأة عاريين تمامًا على الفراش ... فإن جريمة الزنا لا تثيب ما داما فى غير اتصال لا شبهة فيه ... ولو ثبت أن رجلاُ وامرأة قضيا معًا أسبوعًا فى غرفة فى أحد الفنادق أو شقة يملكها أحدهما .. لما كان فى هذا إثبات لحدوث الزنا وإتيانه ... وأساتذتنا من الفقهاء يعلمون حديث سعد بن عبادة مع الرسول .. كما جاء فى صحيح البخارى ... ثلاثة أحاديث صحيحة السند ...
1 ـ { وقال وراد، عن المغيرة: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فقال النبي ـ ص ـ: ( أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني). [106 - باب: الغيرة. ر: 6373]
[ ش ( غير مصفح ) غير ضارب بعرضه بل بحده. ( والله أغير) والمراد بغيرته تعالى كرهه للفواحش وبغضه لها، لذلك حرمها، وعاقب على فعلها].
2 ـ باب: من رأى مع امرأته رجلاً فقتله. [ صحيح البخارى ].
{ 6454 - حدثنا موسى: حدثنا أبو عوانة: حدثنا عبد الملك، عن ورَّاد كاتب المغيرة، عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة:
لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغيَر منه، والله أغيَر مني) }. [ راجع :6980]
[ ش (غير مصفح) ضربته بحد السيف لا بصفحه، وهو عرضه.
( أتعجبون) أترون أن غيرته شديدة تثير العجب. والغيرة: ما يحمل على المنع من النظر ونحوه لأجنبي، وغيرة الله تعالى ورسوله ـ ص ـ منعهما عن المعاصي].
3ـ باب: قول النبي ـ ص ـ: ( لا شخص أغير من الله). [ صحيح البخارى ]
{6980 - حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا أبو عوانة: حدثنا عبد الملك، عن ورَّاد كاتب المغيرة، عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة:
لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله ـ ص ـ فقال: ( تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة). [ راجع : 6454]
[ ش أخرجه مسلم في اللعان، رقم: 1499.
( الفواحش) جمع فاحشة، وهي كل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال.
( ما ظهر منها وما بطن) سرها وعلانيتها. ( العذر) التوبة والإنابة.
( المبشرين والمنذرين) الرسل يبشرون بالثواب لمن تاب وأطاع، وينذرون بالعقاب لمن عصى وأصر على المخالفة. ( المدحة) الثناء الحسن بذكر أوصاف الكمال وتنزيهه عما لا يليق به].
وباب الملاعنة باب من أبواب الفقه نذكر حديث واحد فقط من صحيح البخارى ... لكن لا مجال للخوض فيه:
صحيح البخاري ـ باب: قول النبي ـ ص ـ : ( لو كنت راجما بغير بينة).
{ 5003 - حدثنا يحيى: أخبره عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب، عن الملاعنة، وعن السنة فيها، عن حديث سهل بن سعد، أخي بني ساعدة: أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله ـ ص ـ فقال: فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا، أيقتله أم كيف يفعل؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين، فقال النبي ـ ص ـ: ( قد قضى الله فيك وفي امرأتك). قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، فلما فرغا قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا، قبل أن يأمره رسول الله ـ ص ـ حين فرغا من التلاعن، ففارقها عند النبي ـ ص ـ، فكان ذلك تفريقا بين كل متلاعنين.
قال ابن جريج: قال ابن شهاب: فكانت السنة بعدها أن يفرق بين المتلاعنين. وكانت حاملا، وكان ابنها يدعى لأمه. قال: ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له.
قال ابن جريج، قال ابن شهاب، عن سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث: أن النبي ـ ص ـ قال: ( إن جاءت به أحمر قصيرا، كأنه وحرة، فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها، وإن جاءت به أسود العين، ذا أليتين ، فلا أراه إلا قد صدق عليها ). فحاءت به على المكروه من ذلك. [ راجع: 413]
[ ش ( المكروه من ذلك) على الوصف الذي يستلزم تصديق زوجها وتحقيق أنها زانية، ولذلك كان مكروها] } ...
الخلاصة هنا أن شهادة الشهود تبدو لنا ولغيرنا أيضًا مستحيلة ...
وليس لدينا فى كتب الفقه أو التاريخ واقعة واحدة تثبت فيها جريمة الزنا بالشهود ...
ومن هنا كان قولنا بأن جميع جرائم الآداب فى ربع القرن الأخير لا يمكن أن تعاقب بحد الزنا ... بل الأقرب إلى أصول الفقه وروح الشريعة ونصوصها ... أن يجلد فيها رجال الشرطة بتهمة القذف ...
ولعل هذا كان دافع الشيخ سيد سابق ـ أكرمه الله ـ إلى أن يذكر فى كتابه فقه السنة ـ ص 106 ـ ما نصه:
{ فهذه العقوبة ـ يقصد حد الزنا ـ هى إلى الإرهاب والتخويف أقرب منها إلى التحقيق والتنفيذ }!!.
وإذا كانت شهادة الشهود أقرب إلى الاستحالة ...
فهل البينة والاعتراف أيسر منالاً ... وأسهل تحقيقًا ...
يؤسفنا القول بالنفى ...
وموعدنا مع ذلك فى الأسبوع القادم إن شاء الله ...
*******************
(6) السنة وأهل الخطوة:
انتهينا فى الأسبوع الماضى إلى إستحالة إثبات الزنا بشهادة الشهود ...
وتوقفنا عند تساؤل عن البينة والاعتراف كأساليب للإثبات ...
وهل ينتهى الأمر بهما إلى ما انتهى إليه بالنسبة لشهادة الشهود أم لا ؟ ...
ولعل القارئ يلاحظ أننا نحاول جاهدين أن نستجيب لأمنية الطالبين بتطبيق حد الرجم على المغتصبين فى الميادين العامة ...
بل ونتجاوز ذلك إلى المزايدة عليهم بالمطالبة بعودة المجتمع إلى واقع مجتمع السلف الأول الصالح ...
وهى مزايدة مستحبة لأنها مزايدة فى الحق ...
ولعل القارئ يحزن كما نحزن حين نصطدم بعوائق بل بموانع يصعب علينا بل يستحيل تجاوزها ...
ولعله أدرك أيضًا فائدة الحوار، ومغبة ترك المقولات للعواطف أو التناول السطحى غير الموثق بالعلم أو الفقه ...
ولعله يحزن كما نحزن ، لأن حوارًا كهذا لم يتسع نطاقه إلى مجال المناظرة وقرع الحجة بالحجة ، والرد على الرأى بالرأى ، خاصة وأننا جميعًا لا نختلف على إسلامنا الذى هو أعز ما نعتز به هو والوطن ...
وأننا جميعًا نحاول الارتفاع بقضاياه عن انتهازية الساسة ومزايدات من لا يعلمون أو يعلمون ويستغلون أن غيرهم لا يعلم ...
ما علينا ، بل علينا أن نستعين بالله ، ونحمده ونستغفره ...
ونسأله العون فى توضيح البينة كأسلوب من أساليب إثبات جريمة الزنا ...
والبينة هنا هى الحمل ...
ولكى نقترب بالأمر من الأذهان ...
نفترض أن زوجة مصرية مقيمة فى القاهرة، مثلاً، وغاب زوجها فى بغداد بالعراق منذ عامين، ثم ارتفع بطنها نذيرًا بحمل متوقع، أكدته تقارير الأطباء ...
الأمر هنا بالنسبة لى وبالنسبة للقارئ لا يحتمل لبسًا ...
فما دام الزوج غائب منذ عامين فلا شك فى وقوع جريمة الزنا ...
غير أن للفقه الإسلامى رأيًا آخر ...
يستند فى باب من أبوابه إلى رحمة لا شك فيها، و درءًا للحدود بالشبهات ولو ندرت ...
وهو باب نقبله ونحترمه ونقدره حق قدره ...
لكنا لا نفعل ذلك بالنسبة لأبواب أخرى تبدو لنا ساذجة أحيانًا ومضحة أحيانًا اخرى ...
والانتقاد هنا ليس للإسلام ـ حاشا لله ـ وإنما لأسلوب تفكير بعض المسلمين ...
وتسليم من يتبعهم بهذا التفكير الشاذ والاستنتاج غير المعقول وغير المقبول ...
أما باب الرحمة، فهو احتمال أن يحدث الحمل نتيجة لانتقال الحيوان المنوى بغير الاتصال الجنسى ...
كأن الانتقال من ملابس مستعملة من الغير أو من تلامس مع جماد يحمل حيوانًا منويًا ...
وأما الأبواب المضحكة أو الساذجة فمنها ما ينادى به الحنابلة من نظرية الحمل المستكين أو الحمل الكامن ...
وموجز هذه النظرية أن الحمل يمكن أن يكمن فى رحم المرأة لمدة عامين كاملين دون أن يظهر ...
وهنا تستطيع المرأة التى ذكرناها فى المثال أن تطلق زغرودة مجلجلة مهلللة، تعلن براءتها استنادًا إلى فتوى حنبلية ليس لها أصل علمى أو سند فسيولوجى ...
وشبيه بهذا رأى بعض المالكية من أن الحمل المستكن يستمر فى بطن المرأة ثلاثة أعوام !!! ...
تؤكد بعض مراجع الفقه أن الإمام مالك نفسه قد طالت مدة حمله فى بطن أمه إلى ثلاث سنوات [ راجع المعارف لابن قتيبة ووفيات الأعيان لابن خلكان ].
ورأى بعض الأحناف من أن مثل هذه المرأة بريئة من الزنا لاحتمال أن يكون زوجها من أهل الخطوة ... والغريب فى الأمر أن أحكامًا قضائية صدرت فى مصر، وأخذت برأى الحنابلة واجتهادهم ...
الشاهد هنا أن البينة كما أوردناها فى المثال السابق لا تصلح دليلاً على جريمة الزنا ...
وأن مصيرها مثل مصير الشهادة كأسلوب من أساليب الإثبات ...
ولا يتبقى إلا الأسلوب الأخير وهو الاعتراف ...
وهو أمر موكول إلى ضمير المعترف ...
وهو امر صعب التصور فى عالمنا المعاصر ...
خاصة إذا علمنا ما يشترطه الفقهاء لصحته ...
من ضرورة الإقرار بارتكاب الزنا باللفظ الواضح دون كتابة أو إشارة ...
وما يراه الحنابلة من ضرورة اعتراف الزانى بجريمته أربع مرات أمام القاضى ...
وما يراه الأحناف من اشتراط أن يتم الاعتراف فى أربعة مجالس متفرقة ...
وما يراه بعض الفقهاء من ضرورة أن يظهر القاضى الكراهية للإقرار كما فعل رسول الله مع ماعز ...
وهذا ورد فى حديث عن إقرار ماعز بالزنا بصحيح البخاري ...
باب: هل يقول الإمام للمقرِّ: لعلك لمست أو غمزت.
{ 6438 ـ حدثني عبد الله بن محمد الجعفي: حدثنا وهب بن جرير: حدثنا أبي قال: سمعت يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
لما أتى ماعز بن مالك النبي ـ ص ـ قال له: ( لعلك قبَّلت، أو غمزت، أو نظرت). قال: لا يا رسول الله، قال: ( أنكتها ). لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه}.
[ ش ( لما أتى ماعز) أي واعترف بالزنا، وانظر: 4969 وأطرافه.
( غمزت) أي فظننت أن هذا زنا، والغمز هو: الجس برؤوس الأصابع، أو وضع اليد على العضو، أو هو: إشارة العين. ( لا يكني ) أي صرح بهذا اللفظ ولم يكن عنه بما يدل عليه وفي معناه].
وفوق ذلك كله يسقط تطبيق الحد إذا تراجع المعترف عن اعترافه حتى أثناء تنفيذ العقوبة ، ليس بالقول فقط، بل بالفعل المؤيد للتراجع مثل محاولته الهروب من التنفيذ ...
وقد ذكر الأستاذ الحمزة دعبس ما يؤيد ذلك فيما يأخذون به فى إيران من اسقاط العقوبة عن المعترف عند محاولته الهرب من التنفيذ، حيث تتاح له إمكانية الهروب ...
هل رأى المتشدقون بالقسوة كيف أتاحت رحمة الله كل هذه السبل للعفو والرحمة ...
وهل رأى القراء كيف وصلت الرحمة بالعقوبة إلى ما يشبه إستحالة التنفيذ ...
وبوسائل الإثبات إلى ما يشبه إستحالة الإثبات ...
ولعل القارئ يلاحظ هنا أننا نتحدث عن الرجم ـ رغم إستحالته ـ وكانه عقوبة لا خلاف حولها ولا جدال فقهيًا بشأنها ...
وهذا ليس صحيحًا ...
فما أكثر الخلاف ...
وما أكثر الجدل ...
وذلك كله هو الموضوع الثالث فى موضوعاتنا الأربعة ...
وهو محور حديثنا فى الأسبوع القادم إن شاء الله ...
*******************
(7) والخلاف الفقهى قائم:
هذا هو موضوعنا الثالث ...
نعرض فيه خلافًا فقهيًا ليس بالهين حول حدا الزنا ...
فقد ذكرنا الرجم فيما سبق وهو أقسى العقوبات ...
والمعلوم أن الرجم عقوبة الزانى المحصن ( أى المتزوج ) والزانية المحصنة ( أى المتزوجة ) ...
وأن الجلد عقوبة الزناة غير المحصنين ...
ويضيف البعض إلى الجلد ... عقوية التغريب ( النفى ) عامًا ... إستنادًا إلى حديث نبوى يراه الأحناف ضعيف السند ...
والمعلوم أيضًا أن عقوبة الرجم لم ترد فى القرىن الكريم إطلاقًا وإنما وردت فى السنة ...
وأن الذى ورد فى عقوبة الزنا فى القرآن هو الجلد مائة جلدة ...
وقد أثار هذا جدلاً فقهيًا ما يزال قائمًا حول قضيتين:
الأولى: تتعلف بتساؤل عن جواز نسخ القرآن بالسنة ... وهو ما يراه بعض الفقهاء ممكنًا ... ويتحرج غيرهم من قبوله حيث يرون أن العكس هو الصحيح لكون القرآن قطعيًا والسنة ظنية ...
الثانية: عن تاريخ تطبيق عقوبة الرجم الواردة فى السنة ... وهل كانت سابقة لنزول الآية ... فتنسخ الآية الرج ... أو أنها لاحقة لتاريخ نزول الآية فتكملها ...
البعض يرى الرأى الأول .. والأغلبية ترى الرأى الثانى ...
بيد أن أحدًا من الفريقين لا يملك دليلاً قطعيًا على التوثيق الزمنى ...
والقائلون بنسخ السنة للقرىن يؤكدون حجتهم فةى وجوب الرجم بوجود آية قرآنية نصت على رجم الزناة ...
ذكرها عمر بن الخطاب ولم يوافقه عليها أحد ونصها :
[ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم].
والشيخ والشيخة الثيب والثيبة...
واستدل بقوله هذا على أنه يشهد أنها لم تنسخ، ولكن لم يلحقها بالمصحف بشهادته وحده.
ويذكرون أن هذه الآية نُسِخَتْ نَصًا وبَقِيَتْ حُكْمًا
بمعنى أنها لم ترد فى مصحف عثمان ... لكن حكمها بقى ملزمًا ...
والمعترضون على ذلك يؤكدون اعتراضهم بالقول بأن نسخ النص وبقاء الحكم غير منطقى ابتداء ...
ثم يؤكدون رأيهم هذا بانه من غير المعقول أن يبقى نص آيات مع نسخ حكمها ... وفى نفس الوقت يختفى نص آيات مع بقاء حكمها ثابتًا ...
لأن العكس مقبول بداهة ...
ويضيفون إلى ذلك ان الآية المذكورة لا يتفق متنها مع المتن القرآنى ...
حيث يبدو لفظ ( البتة ) غريبًا على النص القرآنى المتداول والمعروف ...
وقد اخذ الخوارج بهذا الرأى ... والخوارج فئة يختلف الكثيرون معهم فى آرائهم السياسية لكن احدًا لا يختلف على ورعهم وتدينهم وتطرفهم فى الدين إلى غير حد ...
ومن اطرف حجج الخوارج فى هذا الصدد ...
أن مراجع الفقه تنص على أن عقوبة الأمة فى الزنا نصف عقوبة الحرة ...
والجلد ممكن التنصيف ... فالمائة جدلة يمكن ان تصبح خمسين ...
أما الرجم فلا تنصيف فيه ...
فليس بين الحياة والموت نصف موت أو نصف حياة ...
ما سبق كان خلافًا فقهيًا قديمًا أضاف إليه المحدثون كثيرًا من فروع الخلاف ...
حين هالهم أن كثيرًا من الجرائم الخلقية لا يطبق عليها حد الزنا شرعًا فى كتب الفقه ... وقد ذكرنا أمثلة لذلك ...
وغير هذه الأمثلة ...
فالقبلات العلنية ليست زنا ..
وتواجد الرجل والمرأة عاريين فى غرف النوم المغلقة لا يكفى وحده لإثبات الزنا رغم اليقين بأن الشيطان ثالثهما ... وممارسة الجنس الكامل مع بقاء البكارة ليست زنا لوجود شبهة البكارة ...
والإيتاء من مكان غير ما أحل الله ليس زنًا .. لأن المرود أخطا المكحلة ...
وضبط الرجل لعشيق زوجته فى فراشها أو مرتكبًا للفاحشة معها لا ينطبق عليه حد الزنا لعدم إكتمال الشهود الأربعة ... وهكذا ...
وأمثال هذه الجرائم قد افزعت أنصار التطبيق ...
ولم يهون الأمر عليهم انفتاح باب التعزيز واسعًا أمام الحاكم ... تخوفًا من أن تُنسب العقوبات لما يسمونه بالقوانين الوضعية ...
فحاولا استنباط قوانين شرعية تختص بجرائم لا أصل لها فى مراجع الفقه ...
مثالها عقوبة جريمة شبهة الزنا ... التى عاقبت عليها المحاكم الشرعية ( الناجزة ) فى السودان بالجلد ( من 25 إلى 85 جلدة ) وغرامات مالية ( 150 جنيهًا ) لعدد من السودانيين ( رجال وسيدات ) ...
ولا يوجد فى أحكام الفقه الإسلامى جريمة مستقلة تسمى ( الشروع فى الزنا ) ...
ودون الزنا لا يوجد سوى الخلوة المحرمة بين المحارم ... وهذه وما يلحق بها من إخلال بالآداب يمكن أن تعاقب تعزيزًا دون إشارة من بعيد أو قريب للزنا ...
أغرب ما فى الأمر أن الصيحات ترتفع بين وقت وآخر ... بأن القوانين الوضعية تبيح الزنا إلى الدرجة التى يحدث معها أن ياكل الطناش الجلاش كما ذكر أحد كبار العلماء فى مقال نشرته جريدة الأهرام ... ويضربون على ذلك مثالين:
أولهما: أن الزنا بإرادة الطرفين البالغين لا عقوبة عليه !!! ...
وفاتهم أن يسألوا أنفسهم... أى زنا ... هل هو الموجب للحد ...
وهل هو ممكن الإثبات شرعًا بين طرفين أخذا أهبتهما له ... واحتاطا لحدوثه ... ومارساه بعيدًا عن عيون المشاهدين بالتأكيد ... ودون تواجد أربعة شهود عدول ... ربما يطلبون إعادة المشهد من جديد للتيقن من الإثبات ...
ثانيهما: هو سماح القانون للزوج بالتنازل عن بلاغه أو حقه فى اتهام الزوجة بالزنا ...
وقد سبق أن ضبط الزوج للزوجة والعشيق فى وضع التلبس بالزنا لا يكفى لإثبات الواقعة شرعًا ...
ليس هدفنا هنا هو المقارنه ... وإنما هدفنا يسير وموجز فى قضية أساسية وهى أن للشريعة وسائل ومقاصد ... وأن من قننوا جريمة الزنا فى قوانيننا المعاصرة ... كان مقصدهم هو ذات مقصد الشريعة ... وهو الحفاظ على العرض ... وأنهم حاولوا التوصل إلى ذلك بأسلوب يأخذ واقع العصر فى حسابه ويخضع للعقوبة ما لا تصل إليه اجتهادات الفقهاء فى عصر غير العصر ... لعصر غير العصر ...
وموعدنا مع مناقشة ذلك فى الأسبوع القدم إن شاء الله ...
*******************
(8) والله أعلم أين الحق
وأخيرًا نصل إلى ما ليس منه بد ...
وهو طرح السؤال الذى لا مفر منه ... ولا مهرب من طرحه ومناقشته ..
وكان بودنا أن لايحدث ذلك لولا أنهم ظلوا يتنادون فى كل مكان بأنهم أصحاب حق مطلق ... وأننا اصحاب باطل مطلق ... وأنهم انصار شرع الله وأننا أعداؤه ... وانهم يملكون الحل السحرى لكل مشاكل المجتمع ... وأننا سبب المشاكل بمت نطبقه من قوانين وضعية وضعها البشر ... فساءت الأحوال لقصور علمهم وضيق أفهامهم ...
وفى تقديرنا أن الإسلام مقحم فى النقاش بلا مقتضى ... فهو اعز من يُختلف عليه ...
غاية ما فى الأمر انهم يدارون قصورهم فى الاجتهاد برمينا بالحجارة ...
وعجزهم عن الاستنباط ... باتهامنا بالعجز ...
وتقاعسهم عن فهم القاعدة الفقهية التى مضمونها أنه حيث تكون المصلحة ... فثم شرع الله ... باتهامنا بالعداء للشريعة ...
وقد قلبنا الأمر على وجهه ... فلم نجد منهم صدًا، ولم نلق منهم غلا عداءًا ...
وكم فزعوا ونحن نطالبهم بالرجوع إلى عصور السلف بما لها وما عليها ...
وكان المفترض ألا يفزعوا ...
وكم غضبوا ونحن نعرض عليهم من الأمثلة ما يشيب لها الولدان ... ولا ينالها العقاب لقصور اجتهاد بنى الإنسان ...
ولعلهم يجيبونا على سؤالنا الحائر ... الذى يوجز ما سبق أن طرحناه وناقشناه واجهدنا أنفسنا فى بحثه وتوثيقه ...
أيهما أقدر على تحقيق صالح المجتمع ... ومقاصد الشرع؟ ...
القوانين التى قدموها باجتهادهم القاصر، والتى نقلوها عن اجتهاد علماء القرن الرابع الهجرى لمقتضيات وأحوال القرن الرابع الهجرى .. والتى تعاقب بالزنا على ما ذكرناه من امثلة وهو كثير وثقيل ومزلزل ...
أم القوانين التى ينعتونها بانها وضعية غقررً من شانها وتسفيهًا من قدرها والتى تصل بعقوبة هتك العرض إلى الإعدام ...
والتى تثبت الزنا بوجود الرجل فى المكان المخصص للحريم أو المكاتيب أو أى وسيلة من وسائل الإثبات ؟ ...
أيهما أحفظ لحق المجتمع ... وأيهما أكثر اتساقًا مع مقاصد الشرع ؟ ...
اجتهاداتهم المسماة بالقوانين الإسلامية ... التى لا تعاقب المغتصب بحد الزنا ولا المصبوطات فى جرائم الآداب ... وتعاقب بدلاً منهم رجال الشرطة بالجلد ...
أم القوانين التى يسمونها وضعية والتى أعدم بواسطتها غلاة المغتصبين ... وسُجن نتيجة لتطبيقها مئات البغايا والقوادين؟ ...
أيهما أحفظ لحق المجتمع ومقاصد الشرع ...
قانون لا يثبت الزنا على عشيق فى فراش الزوجية يضبطه الزوج متلبسًا بالجرم المشهود له ..
ومنه وحده لأنه ليس مفترضًا أن يذهب لمنزله فى موكب من الشهود ...
أم قانون يمسك بتلابيب العشيق ويعاقبه ... حقًا إنه يُعاقب بالسجن ...
لكن أليس السجن أهون من البراءة ومن جلد الزوج أو لجوئه إلى الملاعنة؟ ...
من يتاجرون بالإسلام ...
وكان من المنتظر منهم أن يسعدوا بالقوانين السائدة .. ويباركونها لأنها تحقق مقاصد الشرع ... وأن يخجلوا من أنفسهم وهم يطالبون بالعقاب المستحيل ...
وما استحال إلا لسبب بسيط ...وهو أنه استحال عليهم أن يجتهدوا وأن يتسقوا مع مقاصد الشريعة ...
وأن يدركوا جوانب السماحة فيها قبل العقاب ...
وأن يفهموا أن المباحات قبل العقوبات ... والرخص قبل العزائم ... والتيسيرات الحلال قبل الردع والقتل ...
لعلهم بعد أن ما ذكرنا يهدئون من غلوائهم ويقللون من صاحهم ويتحفظون فى اتهاماتهم ...
ولعل القارئ يتعجب معنا بعد ما ذكرناه ... ومبعث تعجبه أمران:
أولهما : ما تكشف له من ضعف حجتهم ـ بل إن شئنا الدقة ـ من هول حجتهم بعد أن غطوها زمنًا طويلاً بالبكاء على الشرع المحجوب ... والعرض المسلوب ... ودم البكارة المسكوب ... والله وحده يعلم والعالمون أنها جعجعة بغير طحن ...
ثانيهما: تعجبه من ان مثل هذه الحوارات لم تتح لها الفرصة للعرض على الرأى العام ... لأنها لو عُرضت منذ زمن لاستكانوا وهداوا وفضلوا الصمت على الصياح ...
واتهموا أنفسهم بالتقصير ولم يتفرغوا لتكفير كل مخالف ...
والله يعلم أن أمثالنا هم المدافعون عن دينه ... وليس الذين يلتحفون بردائه ويرفعون شعاراته ويقصرون فى الاجتهاد ..
إلى هنا انتهى ردى على السائلين فى ندوة معرض الكتاب ...
ولعل السائل قد استراح إلى أن ردى لم يخرج عن إطار الدين تاريخًا وجوهرًا وشريعة ومقاصد ...
ولعله أدرك دعاوى البعض ينطبق عليها قول الإمام على بن ابى طالب { قولة حق يراد بها باطل }.
والله أعلم أين الحق وهو خير ناصرًا إم كان الحق معنا ...
وخير غافر إن كنا قد اجتهدنا فأخطانا الاجتهاد ...
الفصل الثاني
حوارات صحفية حول المتعة
(1)حقيقة الحكم الشرعى فى زواج المتعة:
الدكتور القيعى أستاذ التفسير بكلية أصول الدين
يرد على الدكتور فرج فودة:
جريدة الأحرار العدد 623 ـ ص 4 ـ بتاريخ 13/11/1989م.
ملحوظة:
الذى لم ينشره الأستاذ وحيد غازى رئيس التحرير واخبرنى به أن الرد كان ممهورًا بتوقيعات أساتذة قسم التفسير بالجامعة الأزهرية بالقاهرة تضامنًا مع الدكتور محمد القيغى فى مضمون رده.
نشرت جريدة الأحرار بتاريخ 30 ربيع الأول سنة 1410هـ ، الموافق 30 أكتوبر سنة 1989م ـ مقالاً تحت عنوان " إشكالية زواج المتعة " للدكتور فرج فودة ...
وقد لاحظنا على المقال ما يأتى:
1ـ اشتغل بأمر منسوخ بالنص لقوله ـ ص ـ : ( أنهاكم عن الحمر الوحشية وزواج المتعة )، وذلك فى عام خيبر...
*****
2ـ من المعلوم أن الشيعة يعتمدون على روايات ( على ) مع ان الراوى للتحريم هو على بن أبى طالب ...
*****
3ـ كلام الشيعة دعاوى لا دليل عليها أن زواج المتعة عمل به زمن أبى بكر وعمر ومعلوم رأيهم فى الصحابيين الجليلين، فهما فى رأى الشيعة مخالفان، فكيف يستدلون بما وقع فى زمانهما وهم ينكرون على أبى بكر وعمر كل ما قالاه ...
*****
4ـ ليس من أصول الشيعة جابر بن عبد الله وعمران بن حصين اللذان يستدل بروايتهما على دعاوى الشيعة ...
*****
5ـ قوله { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } قاطع فى الزواج الشرعى بدليل قوله بعد ذلك { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } وحلّ المتعة لا يعجز عنه أحد، فما معنى قوله ومن لم يستطع؟ ...
*****
6ـ قال أن المتعة أحلت فى عهد النبى ، ونسى أن النسخ ألغى ما كان أُحِل، فنهى الرسول عن زيارة القبور ثم اذن بالزيارة ، فهل يجوز أن نحتج بالنهى الأول، وكم توجه المسلمون إلى بيت المقدس، ثم عدل القرآن الكريم ذلك وامر بالتوجه إلى الكعبة ...
فهل يباح التوجه إلى بيت المقدس الآن؟...
عجبًا لمن يتمسك بأمر منسوخ ومن الأوليات فى علوم القرآن عدم التمسك بما هو منسوخ ويتعين على المفسر أن يعلم المنسوخات ومواضع الإجماع كى لا يتورط فيما تورط فيه كاتبنا ...
*****
7ـ يعترف الأزهر بمذهب الإمامية، وهم يحلون المتعة ...
ونسى أن هناك فرقًا بين الاعتراف بالمذهب والموافقة على كل تفاصيله ...
فأبو يوسف ومحمد وزفر أحناف ومع ذلك خالفوا الإمام ...
وابن القاسم وأشهب مالكيان وقد خالفا إمامهما وتلك من بداهة العلم بفقه المذاهب ...
*****
8ـ ادعى أن فقه السنة لم يعاقب بالحد على المتعة لوجود الشبهة، وهذا ادعاء باطل ...
وإنما الشبهة المعترف بها وبتأثيرها لمن يدعى عدم العلم بالتحريم أما وان أهل السنة قالوا بالتحريم فنكاح المتعة عندهم لس بشبهة تدرأ للحد إلا لمن يدعى حلها على أن يتأكد من صحة دعواه وإلا بطل حد الزنا من أساسه إذ يمكن لمن يزنى بغير المتزوجة أن يدعى أن نكاحه من نكاح المتعة، وعلى هذا لا يكون هناك محل لقوله تعالى : { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ سورة النور 2].
*****
9ـ والسؤال الذى نوجهه لادعائه أن نكاح المتعة كان رخصة:
هل الرخصة من المباح؟ أو هناك فارق بينهما ؟
ادرس الفقه قبل ان تتجرأ عليه ...
واتق الله فلا تضلل الناس ...
وهل يا ترى زواج المتعة من المخير فيه، أو مما لا حرج فى فعله؟ ...
وما الفرق بينهما ؟ ...
*****
10ـ فرق الفقهاء بين زواج الكتعة والزواج المؤقت ...
فاعرف الفرق بينهما قبل أن تتكلم فى زواج المتعة وكلاهما باطل ...
*****
11ـ ادعى أنه زواج بلا طلاق ولا ميراث ...
ونحن نسأله وما الحكم إن حملت؟ ...
وهل هناك زواج بلا طلاق ولا ميراث؟ ...
كيف يكون ذلك ، وقد قال سبحانه: { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ } [ سورة النساء 4 ].
وقال سبحانه بعد أن شرع الطلاق: { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ } [ البقرة 231 ].
*****
12ـ وأى زواج بعد الدخول يخلو من العدة وهى منتفية فى حالة واحدة قبل المسيس ؟ ...
*****
13ـ ثم ادعى أن العمل بالمتعة كان إلى حجة الوداع ...
وتلك دعوى تكذبها كل الأحاديث الصحيحة على أن النهى كان فى فتح خيبر وقبل حجة الوداع بثلاث سنين ...
*****
14 ـ وأخبرًا، ختم كلامه بأن رحمة الله واسعة ونسى أنها للذين يتقون ، ومع رحمته سبحانه نهانا عن الرأفة بالزناة وقال : { وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }[ سورة النور 2].
وبعـــد ...
فإنا نهيب بصحيفة تدعى أنها إسلامية وتنشر على الناس هذا الهراء أن تتورع، وهكذا تتعلم الأحزاب كيف يتجرون بالدين ثم يبيحون للأدعياء الطعن فى الدين ...
واله يهدينا سواء السبيل ...
------------------------
يا فرحة كل شيعى برَدّ الدكتور القيعى
رد من الدكتور فرج فودة على مقال الدكتورالقيعى
نشر بجريدة الأحرار ـ العدد 642 ـ بتاريخ 20/11/1989.
يا فرحة كل شيعى برد الدكتور القيعى ، ويا حزنى الشديد وانا الذى كنت أدخره وأمثاله للحوار المجهد الجهيد، حين يستشكل على فألجأ إليه، ويضيع المنطق من بين يدى فأستنجد به، وأحتار بين رأى هذا وذاك فأجد الملجأ لديه، وما ضرنى ابدًا أن يحتد ...
فعذره علمه وهو كثير، وعلمى وهو قليل، وما آذانى أبدًا أن يشتد، فعذره موقعه وهو رجل فقه ودين، وموقعى وأنا رجل فكر وسياسة، ونن فى النهاية فى سلة واحدة ننتصر لمذهب واحد وهو المذهب السنى، فإذا انتصر أحدنا كان ذلك نصرًا لكلينا، وإذا انهزم دارت الدائرة عليه وعلينا، ومن اجل هذا غفرنا له سوء ظنه بنا، فقصارى ما ذكرناه ونذكره أننا اكتشفنا بستانًا فقهيًا مليئًا بالجواهر واللآلئ، هذا ينتصر فيه لحل المتعة وذاك ينتصر لحرمتها، وهذا يلقى بالحجة فيدحضها ذاك وذاك يأتى بالدليل فيفنده هذا، ولعلنا انشغلنا بهذه الرياضة الذهنية الممتعة، وهيئ لنا وندعو الله أن نكون مخطئين أن الخلاف ليس إلى حسم، وأن النزاع ليس إلى نتيجة، وأن الحوار يعود دائمًا إلى نقطة البدء من جديد.
خشينا أن يجد بعض المسلمين فى هذا منفذًا لحلّ المتعة، وهو ما نرفضه ونأباه، وإن كنا لا نملك دليلاً حاسمًا عليه، ودعونا الله مخلصين أن يهيئ لحرمة المتعة فارسًا يرد كيد المحللين، وكم كانت سعادتنا بالغة ونحن نقرأ عنوان رد الدكتور القيعى ( حقيقة الحكم الشرعى فى زواج المتعة )، وكم أضمرنا أن نشد على يديه وأن نعتذر إليه، وأن نؤكد له أن رده قد أخطأ العنوان وانه موجه إلى الشيعة وليس إلينا، وحجة عليهم وليس علينا، وزادت سعادتنا حين علمنا أنه أتى بأربع عشرة حجة وتصورنا أنه سوف يجعلهم أضحوكة، وأن منطقهم بعد حججه سوف يصبح عصفًا مأكولاً وأثرًا بعد عين.
وما أن بدأنا قراءة حججه حتى اهتزت أمامنا السطور، وتراقصت أمام أعيننا الكلمات، وتمنينا لو كان عرض الرد على ناصح امين، إذن لناشده أن ياتى بحجة واحدة دامغة وهو لم يأت به، وكم أشفقنا عليه وهو يصوب السهم إلى صدور الشيعة فيرتد السهم إلى صدره وإلى صدورنا معه فهو سنى ونحن سنيون، وما يؤذيه يؤذينا وإن اشتد علينا، وما يصيه يصيبنا وإن احتد معنا، وليس لنا أن نسبق الأحداث فنصدر حكمنا على رده، وما علينا إلا أن نتتبع خطاه ونستعين بالله ونعوذ به من كل شر ، ونفند حجج الدكتور القيعى واحدة فواحدة حتى نأتى عليها جميعًا ، وعددها أربع عشرة، مع خالص الاحترام لمكانته ومنصبه الأغر ...
الرد على الحجة الأولى:
يقول استاذنا الجليل فى بند (1) ما نصه: (اشتغل ـ يقصدنا ـ بأمر منسوخ بالنص لقوله ـ ص ـ : ( أنهاكم عن الحمر الوحشية وزواج المتعة )، وذلك فى عام خيبر )...
ونرد فنقول:
1ـ الحديث مختلف عليه ومطعون فى صحة متنه من فقهاء السنة، ودليلنا على ذلك ما ذكره الشيخ سيد سابق فى متابه فقه السنة [ الجزء الثانى ـ ص 42 ـ دار الكتاب العربى ـ بيروت ]، تعليقًا على الحديث حيث قال:
[ الصحيح أن المتعة حرمت فى عام الفتح لأنه قد ثبت فى صحيح مسلم أنهم استمتعوا عام الفتح، مع النبى ـ ص ـ بإذنه ولو كان التحريم زمن خيبر للزم النسخ مرتين، وهذا لا عهد بمثله فى الشريعة البتة، ولهذا اختلف أهل العلم فى هذا الحديث، فقال قوم فيه تقديم وتأخير وتقديره: أن النبى ـ ص ـ نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر وعن متعة النساء ولم يذكر الوقت الذى نهى عنها فيه وقد بَيّنه حديث مسلم أنه عام الفتح ].
2ـ معنى ما سبق أن ما ساقه إلينا الدكتور القيعى كدليل على نسخ المتعة يوم خيبر منسوخ بحل الريول المتعة عام الفتح ، وهكذا أتانا الدكتور بناسخ وهو لا يعلم أنه منسوخ.
3ـ يشير كتاب فتح البارى للفقيه السنى ابن حجر العسقلانى [ الجزء السابع ـ ص 137، 138 ـ دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ]. فى تعليقه على الحديث إلى رواية أخرى رواها عبد الوهاب الثقفى عن يحيى بن سعيد عن مالك أنه ( أى الإمام على ) قال حنين ( ولم يقل خيبر ) أخرجها النسائى والدارقطنى، ويذكر ابن حجر ما نصه: [ وأغرب من ذلك رواية إسحق بن راشد عن الزهرى عنه ـ أى عن الإمام على ـ بلفظ نهى فى غزوة تبوك عن نكاح المتعة ].
4ـ أشار ابن حجر العسقلانى فى المرجع السابق [ ص 138 ] إلى تشكيك البيهقى فى صحة الحديث لسبب موضوعى وهو أن الحديث كان موجهًا من الإمام على إلى بن عباس ردًا على ترخيصه بالمتعة وأن زمانه كان بعد وفاة الرسول، والمنطقى إذا احتج ( عَلِىّ ) بتحريم الرسول المتعة أن يحتج بالتحريم الأخير وهو تحريم عام الفتح، لأنه لو احتج بتحريم خيبر لألزمه ابن عباس الحجة بالاحتجاج عليه بالحل اللاحق فى عام الفتح.
5ـ تعمدنا إرجاء ملاحظاتنا على رواية الدكتور القيعى للحديث إلى نهاية التعقيب، فالحديث للإمام على وليس للرسول، وفرق كبير بين قول للرسول وقول عن الرسول، فلأول لفظ ومعنى والثانى نعنى فقط ، هذه واحدة ...
أما الثانية فهى أن الحمر الوحشية لم نسمع عنها إلا من الدكتور القيعى والصحيح هو الحمر الأهلية فى كل كتب الحديث وفى بعض الروايات الحمر الإنسية والحمر الأهلية أو الإنسية معناها واحد، أما الحمر الوحشية فمعناها يختلف، ولسنا نشك فى حسن نية الدكتور وأنه لا يجرؤ أن يُقَوّل الرسول ما لم يقله، ولعله ضعف الذاكرة، وإن كنا نتوقع من أمثاله الدقة حتى لو استهان بنا.
6ـ هذا هو ما بدأ به أستاذنا الجليل والقاه حجة دامغة فى وجهنا ... حديث مختلف فيه وعليه ... وتحريم ـ إن صح ـ منسوخ بحلّ لاحق ... وخطأ فى نص الحديث ... وتجاهل ـ ومعاذ الله أن نقول جهلاً ـ لاختلاف الفقهاء حوله ... فمن قائل بأن التحريم كان قاصرًا على لحوم الحمر الأهلية ... ومن قائل بأن عليًا قال يوم خيبر ... ومن قائل بأن عليًا قال يوم حنين ... ومن قائل بأن عليًا قال زمن تيوك ... ومن قائل بأن عليًا لم يحدد زمن نهى المتعة ...
ومن مؤكد بأن النهى كان فى عام الفتح، ثم يتجاهل أستاذنا الدكتور القيعى وزملاءه هذا كله ويعلن بشجاعة يُحسد عليها أن تحريم خيبر ناسخ للمتعة ولا يدرى أنه منسوخ ... ويدفعنا أن نعيد على مسامعه ما ذكره فى حقنا ووجهه إلينا فى البند السادس من رده ونصه: (عجبًا لمن يتمسك بأمر منسوخ ومن الأوليات فى علوم القرآن عدم التمسك بما هو منسوخ ويتعين على المفسر ـ وليلاحظ القارئ أن الدكتور أستاذ للتفسير ـ أن يعلم المنسوخات ومواضع الإجماع كى لا يتورط فيما تورط فيه كاتبنا ).
ألم نذكر فى بداية الحديث أن سهام الأستاذ الدكتور والتى وجهها لغيره سوف ترتد إليه ...
الرد على الحجة الثانية:
يقول أستاذنا الجليل فى بند (2) : من المعلوم ان الشيعة يعتمدون على روايات ( على ) مع ان الراوى للتحريم هو على بن أبى طالب ...
ونرد ونقول:
1ـ إن الدكتور القيعى يقصد برواية ( على ) حديثه السابق عن التحريم فى خيبر ، ويحاول إفحام الشيعة بأن المتحدث عن التحريم هو إمام الشيعة نفسهو ونعتقد أن الحديث يصعب الاستناد إليه كحجة بعدما ذكرناه فى الرد على الحجة الولى وعلى لسان فقهاء السنة وربما كان هذا هو سبب إنكار الشيعة له.
2ـ يذكر فقهاء الشيعة فى المقابل ردًا على ذلك ما ورد فى تفسير ابن جرير الطبرى عالم السنة الشهير [ راجع جامع البيان فى تفسير القرآن دار المعرفة ـ بيروت ـ المجلد الرابع ص 9 ]. حيث ذكر على لسان الإمام ( على ) أنه قال [ لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقى ]، والحديث واضح فى الإشارة إلى أن عمر بن الخطاب هو الذى حرم المتعة، وليس الرسول وهو ما يقبل به الشيعة وترفضه السنة.
الرد على الحجة الثالثة:
يقول أستاذنا الجليل : ( كلام الشيعة دعاوى لا دليل عليها أن زواج المتعة عمل به زمن أبى بكر وعمر ومعلوم رأيهم فى الصحابيين الجليلين، فهما فى رأى الشيعة مخالفان، فكيف يستدلون بما وقع فى زمانهما وهم ينكرون على أبى بكر وعمر كل ما قالاه ).
ونرد فنقول:
1ـ القول بأن كلام الشيعة دعاوى لا دليل عليها عن العمل بزواج المتعة فى زمان أبى بكر وعمر ينفيه ما يستند إليه الشيعة من احاديث وردت فى كتب السنة الصحاح، وأشهرها الأحاديث التى رواها جابر ين عبدالل الأنصارى [ راجع صحيح مسلم ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 1023 ـ دار إحياء التراث العربى ، وراجع أيضًا مسند ابن حنبل ـ الجزء الثالث ص 304، 325، 326، 380، دار الفكر ] ، وقد ورد الحديث فى مسلم بثلاثة طرق وفى مسند ابن حنبل بخمسة طرق وأشهرها [ استمتعنا على عهد رسول الله ـ ص ـ وأبى بكر وعمر ـ حتى نهى عنه عمر فى شأن عمرو بن حريث ]، وأيضًا يقصد الدكتور كما يتضح من تعقيبه فى البند التالى حديث عمران بن حصين والذى ورد فى مسند ابن حنبل [ المرجع السابق ص 436 ]، ونصه [ نزلت آية المتعة فى كتاب الله تبارك وتعالى ، وعملنا بها مع رسول الله ـ ص ـ فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبى ـ ص ت حتى مات ]. وإذا لم تكن هذه أدلة فماذا تكون؟ ...
2ـ مرة أخرى يصوب أستاذنا الجليل سهمًا فيرتد إلى صدره وصدورنا معه فهو يقول للشيعة ـ ولسنا منهم ـ إذا كنتم لا تقبلون أقوال وأفعال أبى بكر وعمر، فكيف تتمسكون بالمتعة التى حدثت فى عهدهم، والدكتور ينسى للأسف الشديد أن أفعال أبى بكر وعمر، إذا لم تكن حجة، على الشيعة فهى بالتأكيد حجة على السنة، وأن ثبوت المتعة فى عهد أبى بكر وعمر يلزم أهل السنة بما فيهم الدكتور باتباعها ويتجاهل أن الأمر ليس امر شيعة أو سنة وإنما هو امر دين وعقيدة، ولا ينسى وهو يهاجم الشيعة أن يحكم التصويب فيسقط السهم فى ملعب أهل السنة ...
3ـ كان أولى بأستاذنا الجليل ولا يزال أولى به أن يناقش الأحاديث السابقة فى ضوء احتمالات ثلاثة لا رابع لها ، أولها: أن كبار الصحابة خالفوا نهى الرسول عن المتعة وهو ما نأباه ونرفضه ابتداء ...
وثانيها: أن أحاديث تحريم الرسول للمتعة أحاديث غير صحيحة وعليه أن يفند هذا الإدعاء ...
وثالثها: أن احاديث حل المتعة وممارستها بعد وفاة الرسول أحاديث غير صحيحة وعليه أن يثبت هذا ويستدل عليه، وهذا ما لم يفعله وإن كنا ما نزال نطالبه به...
الرد على الحجة الرابعة:
يقول الدكتور فى البند يرقم (4): ( ليس من أصول الشيعة جابر بن عبد الله وعمران بن حصين اللذان يستدل بروايتهما على دعاوى الشيعة ) ...
ونرد عليه فنقول:
سنوافقك على انهما ليسا من أصول الشيعة يا أستاذنا الجليل، إذن هما من أصول السنة يا أستاذنا الجليل ...
إذن روايتهما تلزمنا قبل أن تلزم الشيعة يا أستاذنا الجليل ...
أرأيت كيف ورطت نفسك وورطتنا معك يا أستاذنا الجليل ...
أرأيت كيف هزمتنا أما الشيعة وكنا نود أن نهزمهم بك ...
وكيف أقحمتنا بمنطقك دون أن تقصد وكنا نود أن نفحمهم بك ...
وكيف صوبت سهمك الرائع إليهم فأصابنا فى مقتل ...
يا أستاذنا الجليل ...
الرد على الحجة الخامسة:
يذكر الدكتور القيعى فى البند رقم (5) : ( قوله ـ يقصد قول الله تعالى ـ { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } قاطع فى الزواج الشرعى بدليل قوله بعد ذلك { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } وحلّ المتعة لا يعجز عنه أحد، فما معنى قوله ومن لم يستطع؟ )...
ونرد عليه فنقول:
1ـ أما أن قوله سبحانه وتعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٌ} قاطع فى الزواج الشرعى فأنصار المتعة لا يختلفون على ذلك لأنهم يرون فى المتعة زواجًا شرعيًا، ولعل الدكتور يقصد أن النص قاطع فى الزواج الدائم، وهو قول يؤلمنا أن يصدر عن أستاذنا الجليل فهو أستاذ للتفسير وجميع مراجع التفسير ومنها الطبرى والقرطبى متضافرة على أن هذه الآية كانت محل خلاف عظيم بين أئمة المسلمين، وأن بعضًا من كبار الصحابة أسماؤهم لوامع يرون أنها نزلت فى المتعة، وأن عبد الله بن عباس بحر العلم وترجمان القرآن الكريم، وابىّ بن كعب أشهركتب الوحى، وعبد الله بن مسعود أستاذ مدرسة فقه الرأى، وسعيد بن جبير الفقيه الجهبذ كانوا يقرأون الآية هكذا : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } ...
ويقسمون أنها هكذا نزلت، وهو باليقين يعلم أن هذه الإضافة وإن كانت ليست بقرآن كريم عند مشترطى التواتر فإنها تؤخذ كقراءة تفسيرية للنص ولا تفسير لهذه الإضافة، إلا بأن القصد منها هو المتعة، ويستطيع الدكتور القيعى أن يعترض على قول عبدالله بن عباس فهذا حقه، وأن يتجاهل قول ابىّ بن كعب فهذا رأيه، وأن يصم أذنيه عن قول ابن مسعود وابن جبير وله منطقه، لكنه لا يملك الجزم بالقطع أو الإنكار للخلاف ...
2ـ أما استشهاده بالآية التى تليها: { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ ... } لتأكيد أن الآية تخص الزواج الدائم وليس المتعة، لأن حلّ المتعة لا يعجز عنه أحد فلعل الدكتور القيعى يلمح بذلك إلى ما يعرفه من فقه الشيعة، وفيه قولهم إستنادًا إلى بعض الأحاديث بأن الحد الأدنى لأجر المتعة أو مهرها حفنة من دبر أو من شعير، وهو أمر لا يعجز أحدًا ، ولعل أستاذنا الجليل قد نسى أو تناسى أن المهر الشرعى للزواج الدائم فى فقه السنة خمسة وعشرون قرشًا أو ما يعادلها، وهو أيضًا لا يعجز احدًا، ولعلنا نحيله إلى نصيحة الرسول ـ ص ـ لفقير من المسلمين لا يملك شيئًا بأن يصدق عروسه آية يخطفها من القرآن الكريم أو خاتمًا من حديد، أحدهما أو كلاهما لا يعجز أحدًا، ولعل هذا يدفعه إلى مراجعة نفسه فيما يتصور أنه دليل أو حجة أو انتقاد ...
لقد كان بودنا أن نعرض على الدكتور القيعى تفسير الشيعة لهذه الآية وما سبقها وما تلاها من آيات، وكيف تعرضوا لترتيب أنواع العلاقات الشرعية بين الرجل والمرأة، بيد أننا نرجئ ذلك إلى كتابنا القادم ( زواج المتعة ) حتى لا نخرج عن سياق الرد والتعقيب... [ انظر الفصل الثانى من الباب الأول ].
الرد على الحجة السادسة:
يذكر الدكتور القيعى فى البند (6) أن نهى الرسول عن المتعة ينسخ حلّه لها ...
ثم يوجه إلينا بعض النصائح الغالية وقوله بأن نهى الرسول عن المتعة ينسخ حلّه لها قول مقبول ومنطقى، لولا احتجاج الشيعة بأحاديث تنفى هذا الحل عن الرسول وتنسبه إلى عمر ، واستنادهم إلى تفسيرات للقرآن الكريم تأتى من كبار الصحابة تؤكد على الحلّ ولا تذكر شيئًا عن النهى ...
وتوجيههم بانتقادات إلى أحاديث التحريم ذكرنا طرفًا منها فى حديث النهى فى خيبر ولم تذكر كثيرًا مما يوجه إلى الحديث الأشهر الذى لم يذكره الدكتور وهو حديث ( سبرة الجهنى ) والأهم من هذا كله استنادهم فى رواياتهم وانتقاداتهم إلى مراجع سنية أصولية، وأخيرًا ما ذكروه نقلاً عن مصادر سنية عن كبار الصحابة وخيار الفقهاء الذين ثبتوا على مصادر سنية عن كبار الصحابة وخيار الفقهاء الذين ثبتوا على حل المتعة بعد وفاة الرسول ...
وللدكتور القيعى أن يرجع إلى كتاب المحلى لابن حزم وإلى كتاب فتح البارى لابن حجر [ ص 142 ـ مرجع سابق ] ، وفيه ثبت بأسمائهم وهو ( عبد الله بن مسعود ومعاوية بن أبى سفيان وأبو سعيد الخذرى وعبدالله بن عباس وسلمه ومعبد ابنا أمية بن خلف وجابر بن عبدالله الأنصارى وعمرو بن حريث ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله ـ ص ـ وأبى بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر قال ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة ) ...
ونضيف إليهم أبىّ بن كعب، وسعيد بن المسيب وعمران بن حصين ، وابن جريج ، وجعفر الصادق، ونضيف إليهم أيضًا من رويت عنهم أحاديث تفيد الحرمة وأحاديث تفيد الحل وفيهم على بن أبى طالب وعبد الله بن عمر ...
تـُرى هل لايزال عند أستاذنا الجليل وعند القارئ شك فى أن الأمر على الأقل أمر خلاف وأن من يرون أن هناك خلافًا ويسمونه إشكالية كما فعلنا لا يستحقون من الدكتور القيعى أن يعاملهم هذا التعامل المهين، وأن يلوم الجريدة التى نشرت الإشارة إلى هذا الخلاف وأن يصف ما نشرته بأنه هراء ...
الرد على الحجة السابعة:
يقول الدكتور القيعى فى البند رقم (7) إن اعتراف الأزهر بمذهب الإمامية لا يعنى الموافقة على تفصيلات المذهب ...
وهو قول حكيم وصحيح بيد أن أستاذنا نسى فى غمرة حماسه حقيقتين:
الأولى: أن مذهب الإمامية يحلّ المتعة ...
والثانية: أن رأى الدكتور القيعى أن المتعة زنا ... فهل يا ترى يرى أستاذنا الجليل أن الأزهر يعترف بمذهب يبيح الزنا ؟...
الحقيقة أننا لا نرى هذا الرأى ولا نرتضيه لا للدكتور القيعى ولا للأزهر ...
ونجتهد فنقول أن الأزهر يرى ما نراه وهو أن نكاح المتعة قضية خلافية ...
وأن من يرون حلها قد اجتهدوا فأخطأوا ولعلهم فى هذا أصابوا أجرًا أثابهم الأزهر عليه بالاعتراف بمذهبهم ، والله أعلم ...
الرد على الحجة الثامنة:
يقول الدكتور القيعى فى البند (8) : ادعى ـ يقصدنا ـ أن فقه السنة لم يعاقب بالحد على المتعة لوجود الشبهة، وهذا ادعاء باطل
ونرد فنقول:
أقرأ يرحمك الله فى كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق [ الجزء الثانى ص 439 ـ تحت عنوان: الوطء فى نكاح مختلف فيه ]، ما نصه:
[ ولا يجب الحد فى نكاح مختلف فى صحته مثل زواج المتعة، لأن الاختلاف بين الفقهاء على صحة هذا الزواج يعتبر شبهه فى الوطء ، والحدود تُدْرَأ بالشبهات ] ...
أما نصيحته لنا بعد ذلك بقوله ( ادرس الفقه قبل أن تتجرأ عليه ) فلن نرد عليها أدبًا واحترامًا وترفعًا ...
الرد على الحجة التاسعة:
يعترض الدكتور القيعى فى البند (9) على وصفنا للمتعة بأنها رخصة:
هل الرخصة من المباح؟ أو هناك فارق بينهما ؟
ادرس الفقه قبل ان تتجرأ عليه ...
واتق الله فلا تضلل الناس ...
وهل يا ترى زواج المتعة من المخير فيه، أو مما لاحرج فى فعله؟ ...
وما الفرق بينهما؟ ...
ونرد فنقول :
بأننا تعودنا حين تضعف حجة من يحاورنا أن يلجأ إلى مثل هذا الأسلوب فيطرح أمثال هذه الأسئلة التى تليق بتلامذة الدكتور القيعى فى فصول الدرس ونحن لسنا منهم لحس الحظ ...
حسنًا يا استاذنا الجليل نحن لم ندع العلم ولا الفقه ولا الفتوى، وأنت رجل العلم وهذا واضح، وفارس الفقه وهذا بين والقادر على الفتوى كما هو ظاهر من عنوان ردك ...
فأجبنا على أسئلتك يرحمك الله وعلمنا ما لم نكن نعلم، ولا تشتت جهدنا فى تفصيلات أولى بها مذكراتك الدراسية ...
الرد على الحجة العاشرة:
يقول أستاذنا العظيم فى البند (10) ما نصه: فرق الفقهاء بين زواج المتعة والزواج المؤقت ...
فاعرف الفرق بينهما قبل أن تتكلم فى زواج المتعة وكلاهما باطل ...
ونرد فنقول:
أن هذه الحجة " الدامغة" ليست موجهة إلينا بل هى موجهة إلى الشيخ سيد سابق الذى ذكر فى كتابه ( فقه السنة ) ـ ص 41 ـ تحت عنوان " زواج المتعة " ما نصه فى أولى الفقرات ( ويسمى الزواج المؤقت ) ونحن نناشد من يعرف رقم هاتف الشيخ سيد سابق أن يعطيه لأستاذنا الدكتور القيعى حتى يتصل به ويوجه إليه ما وجهه إاينا من انتقاد فى قول لم نذكره ...
الرد على الحجة الحادية عشرة:
يقول أستاذنا الفاضل الجليل ما نصه: ( ادعى أنه زواج بلا طلاق ولا ميراث ... ونحن نسأله وما الحكم إن حملت؟ ... وهل هناك زواج بلا طلاق ولا ميراث؟ ) ...
وهنا نتوقف يا شيخنا الفاضل ونتردد كثيرًا قبا أن نجيب ، فأمثالك علماء، وأمثالنا قراء وما سبق كله يهون لأنه خلاف رأى ...
أما ما تذكره الآن فقد كنا نظن أن من يدرسون على يديك يعلمونه ... ناهيك عن مقامك الجليل ...
هل مثلك يسأل: هل هناك زواج بلا طلاق ولا ميراث؟ …
هل مثلك يجهل أن هناك حالات كثيرة من حالات الزواج الدائم لا طلاق فيها ( أى أن الزوجة تبين فيها بغير طلاق ) ؟ ...
هل مثلك يجهل أن هناك حالات كثيرة من حالات الزواج الدائم لا ميراث فيها ( أى أن الزوجة أو الزوج فيها لا ترث أو لا يرث )؟ ...
إن كنت لا تعرف حقًا ... فدعنا ندلك على ما خفى عليك ...
إن الحالات التالية يا أستاذنا الجليل ـ من الزواج الدائم لا طلاق فيها:
1. الأمة المزدوجة إذا اشتراها زوجها فإنها تبين من بغير طلاق ... يا أستاذنا الجليل
2. الزوجة الملاعنة تبين من الملاعن بغير طلاق ... يا أستاذنا الجليل
3. الزوجة الصغيرة التى أرضعتها أم الزوج تبين من زوجها بغير طلاق ... يا أستاذنا الجليل ...
4. الزوجة الصغيرة التى أرضعتها زوجته الكبيرة تبين من زوجها بغير طلاق ... يا أستاذنا الجليل ...
5. زوجة المجنون إذا فسخت عقد زواجها منه تبين من زوجها بغير طلاق ... يا أستاذنا الجليل ...
6. الزوجة التى تملكت زوجها المملوك بأحد أسباب الملك تبين من زوجها بغير طلاق ... يا أستاذنا الجليل ...
هل ندلك على مزيد أم أن هذا يكفينا ويكفيك ... يا أستاذنا الجليل ؟…
وإن كنت لا تعلم يا سيدى فها هى حالات من الزواج الدائم لا تورث فيها …
1. الأمة إذا كانت زوجة ... يا أستاذنا الجليل ...
2. الزوجة القاتلة ... يا أستاذنا الجليل ...
3. الزوجة الذميمة ... يا أستاذنا الجليل ...
4. الزوجة المعقود عليها فى المرض الذى مات فيه زوجها ولم يدخل بها ... يا أستاذنا الجليل ...
هل ندلك على مزيد أم أن هذا يكفينا ويكفيك ... يا أستاذنا الجليل ؟...
أما سؤالك عن الحكم إذا حملت فلعلك تقصد به المداعبة ...
أما إذا كنت تقصد العلم ... فمثلك لا يجهل أن النسب يثبت حتى لولد الزنا ...
مثلك لا تخفى عليه القاعدة الفقهية : الولد للفراش وللعاهر الحجر ...
هذا عن الزنا ... فماذا عن زواج فيه شبهة ؟ ...
أظن أن الإجابة واضحة ... وأن الولد ينسب لأبيه ...
الرد على الحجة الثانية عشرة:
يذكر أستاذنا الجليل ما نصه: ( وأى زواج بعد الدخول يخلو من العدة وهى منتفية فى حالة واحدة قبل المسيس؟ ) …
ونحيله فى هذا إلى مراجع الفقه الشيعى التى تذكر أن العدة واجبة بعد انقضاء الأجل والافتراق … وهى حيضتان كعدة الأمة … وخمسة وأربعون يومًا لمن لا تحيض ...
وأربعة شهور وعشرة أيام للمتوفى عنها زوجها ...
الرد على الحجة الثالثة عشرة:
يقول أستاذنا الجليل ما نصه: ( ثم ادعى ـ يقصدنا ـ أن العمل بالمتعة كان إلى حجة الوداع ... وتلك دعوى تكذبها كل الأحاديث الصحيحة على أن النهى كان فى فتح خيبر وقبل حجة الوداع بثلاث سنين ... ) ...
ونرد فنقول:
1ـ أما أننا ادعينا فنحن لا نجرؤ .. فمن نكون حتى ندعى على الرسول كذبًا ...
2ـ وأما أن ما ذكرناه ولم ندعيه ... تكذبه كل الأحاديث الصحيحة ... فليس ذنبنا أن الدكتور لم يقرأ ... وليست جريمتنا أنن قرأنا ما لم يقرأ ... وعلمنا ما لم يعلمه ...
3ـ وأما دليلنا فنحيل فيه الدكتور إلى حديث سبرة الذى ورد فى سنن أبى داود [ دار الفكر ـ القاهرة ـ الجزء الثانى ـ باب نكاح المتعة ـ ص 226 ]. وفيه يقول الربيع بن سبرة { أشهد على أبى أنه حدث أن رسول الله ـ ص ـ نهى هنها فى حجة الوداع } .
ونحيله أيضًا إلى سنن ابن ماجة [ دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ـ الجزء الأول ـ كتاب النكاح ـ باب نكاح المتعة ـ ص 630، 631 ]. ونصه:
{ عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال خرجنا مع رسول الله ـ ص ـ فى حجة الوداع فقالوا يا رسول الله إن الغربة قد اشتدت علينا ، قال استمتعوا من هذه النساء ... إلى آخر الحديث } ...
ونحيله أيضًا إلى سنن الدارمى [ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ باب النهى عن متعة النساء ـ ص 140 ]. ونص:
{ عن الربيع بن سبرة أن أباه قال حدثه أنهم ساروا مع رسول الله ـ ص ـ فى حجة الوداع فقال الستمتعوا من هذه النساء عندنا التزويج ... إلى آخر الحديث } ...
ونحيله إلى مسند بن حنبل [ أحاديث سبرة بن معبد ـ المجلد الثالث ـ ص 404 ] ونصه:
{ قال الربيع بن سبرة سمعت أبى يقول سمعنا رسول الله ـ ص ـ فى حجة الوداع ينهى عن نكاح المتعة } ...
وحديث آخر فى نفس المسند وفى نفس الصفحة: { عن الربيع بن سبرة عن ابيه قال: خرجنا مع رسول الله من المدينة فى حجة الوداع حتى إذا كنا بعسفان ... ثم أمرنا بمتعة النساء ... إلى آخر الحديث } ...
4ـ نذكّر الدكتور القيعى بنصيحته لنا بأن نقرأ قبل أن نكتب ... ونعده باتباعها ونشكره ...
الرد على الحجة الرابعة عشرة:
ليست حجة ولكنها تذكرة ... فهو يذكّرنا بأن الله نهانا عن الرأفة بالزناة...
وأخيرًا للدكتور القيعى منى كل الشكر وكل التقدير ... وعذرى إن كنت قد أخطأت مدى الفارق بين علمه وعلمى ... وحلمى وحلمه ... بيد أننا فى النهاية فى سلة واحدة ... وهى سلة المذهب السنى ... وقد علمنا الإسلام أن نتحاور بالحسنى وأن نتجادل بالبينة ... وشرف كبير لى أن أتحاور مع أمثال الدكتور القيعى ... فهم علماء الدين ورجال الفتوى .. وملح الأرض ... فليتسع لى علمه وحلمه ... بيد أن الحقيقة أغلى بكثير ...
(3) هذه هى حقيقة زواج المتعة:
تعقيب من الدكتور القيعى
نشرته جريدة الأحرار بتاريخ 27/11/1989م.
نشرت جريدة الأحرار الصادرة فى 20/11/1989م ردًا للدكتور فرج فودة علَىّ فيما كتبته ردًا عليه عن زواج المتعة ... وقد طالبنى بأن أرجع إلى كتب تحدثت عن زواج المتعة ... وناقشنى فيما ذهبت إليه ... وسرنى ما أعلنه أنه يامل فى دليل يبطل جواز نكاح المتعة ...
والسؤال : أهو ممن يقولون بزواج المتعة الآن أم ممن يقولون بأنه قد نسخ وانتهى العمل به قبل أن يلحق الرسول ـ ص ـ بربه؟ ...
فإن كان من المنكرين له ... فأنا متفق معه ...
وإن كان من القائلين بجوازه ... فإنى اختلف معه ...
ولا داعى للتلاعب بالألفاظ ... ففى مقاله السابق قال:
" نظرًا لأزمة المساكن ... وتعثر الشباب عن الزواج ... فإن رحمة الله ... وسعت كل شئ ... وقلت له هى للذين يتقون ... وجواز مثل هذا يتنافى مع التقوى" ...
والانشغال بمتى نُسخ ... فهذا لا يمس جوهر القضية ... ولا نسخ بعد الرسول ... ومعلوم أن للسابقين أقوالاً تختلف عن اصطلاحاتنا نحن ... فهم يطلقون النسخ على تقييد المطلق وتخصيص العام ... ولو تتبعنا كل ما نسب لرأينا التعارض واضحًا ... والحديث الضعيف لا يقال به إن عارض الأحاديث الصحيحة ... وفقه الحديث لازم لمن يتكلم فيها ... وليس كل ما سطر فى الكتب يُقال ... فمنها ما هو للجمع ... وعلى من يأتى بعد أن يحققها ... فيفصل الصحيح من السقيم ...
وإذا كان الرواة قدروا نهيه ـ ص ـ عن زواج المتعة ... فإنهم لا يقولون ذلك عن رأيهم ... ولا حرج أن يرد النهى فى خيبر ، وفى فتح مكة ، وفى غزوة حنين وتبوك وحجة الوداع ... وكل راوٍ يروى فى وقت سماعه ... أو فى وقت وصول النهى إليه ... وانظر إلى التكرار فى الآيات وفى الأحاديث ...
وكيف يستسيغ نسخ نكاح المتعة فى أيام الرسول ... ثم يُروى " لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى شقى " ... وما معنى هذا ... وما الصلة بين نكاح المتعة والزنا ... وهل تتصور زانيًا غير شقى؟ ... وكيف يتفق ما إدعى أن عمر هو الذى حرمها مع ما روته الأحاديث عن نسخه ـ ص ـ لنكاح المتعة ...
أما دعوى الشيعة أن أحاديث النهى غير صحيحة ... فنحن نجزم كما جزم أسلافنا ومعاصرونا بأن نكاح المتعة باطل ... وسل عن صحته من تشاء ممن استدللت بما ذكروه فى كتبهم ... والدليل على بطلانه قول الله تعاى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } ... وهل ترى أن من تجيز لنفسها نكاح المتعة أنها محصنة؟ ... ثم هم يدّعون أن نكاح المتعة ليس بزواج كما ذكرت أنت وذكروا هم أنه لا يسمى زواجًا ولا عدة له ولا ميراث ولا طلاق .. وما هو المبرر فى أن تذكر لى فى مقالك صورًا من الزواج الذى ليس فيه طلاق لولا أنك إدعيت على لسانهم أنه زواج بلا طلاق ... ثم لتعلم أن ما كرته من الصور قام السب فيها مقام الطلاق كصورة اللعان ... إلخ ...
وكيف تطالبنى بإثبات أن أحاديث حلّ المتعة بعد الرسول ـ ص ـ غير صحيحة ... وسلمت أنت بأن المحدثين قالوا بنسخها ... وإن تعددت رواياتهم ... متى كان النسخ؟ ...
والشيعة هم الذين إدعوا عدم صحتها ... وكل من إدعى صحة شئ بعد ثبوت نسخه فدعواه ساقطة ...
وقد طالب الدكتور فرج فودة بأن تكون تلك المسألة من المسائل الخلافية ... قلت: أنكر الملحدون وجود الله ، فهل ترى ذلك من المسائل الخلافية ؟ ... وهل نعتبر قول القائل : حذف الصحابة من القرآن الكريم أكثره من المسائل الخلافية؟ ... وهل يوجد فرق بين زواج المتعة وتحريم الزنا؟ ... وما هو ذلك الفرق؟ ... وهل يقبل من يجيزه شابًا يتمتع بابنته ساعة أو ساعتين؟ ... إن هذا لبهتان عظيم ...
أما اعتراف الأزهر بمذهب يبيح الزنا ... فلا ... وإنما اعترف الأزهر بفكر يدعى لنفسه أنه متمسك بالكتاب والسنة ... ولو ذكرت الفرق بينهما وكان الفرق معتبرًا إسلاميًا ... لفرقنا بينهما ...
وبعد ،،،
فقد قال سيادته قرأت ما لم يقرأ وعلمت ما لم يعلم ... وأورد إن كان يرى جواز نكاح المتعة الآن فإنى على استعداد لمناظرته ... وإن كان يرى عدم جوازه ، فلمصلحة من يثير هذا الموضوع ... ونحن لم نقل به ... وقد قال المنصفون كل كلام يبرز عليه كسوة القلب الذى خرج منه ... وتحقيق المسائل العلمية هو ما أصبو إليه والجمود الفكرى أنكر ه ... كما أنكر كل انحلال ... وخذ من زاعم الحرية فى فلسفة المنفعة والتسفل فى شعاع الغريزة والخطأ فى علة الرأى والإلحاد فى حجة العلم ... عصمنا الله من الزلل ...
ولست أدرى لماذا أثرت فى جريدة الأحرار قصة نسبة الزنا إلى المغيرة بن شعبة ... وهو فى منزلة نائب رئيس مجلس الوزراء ... كما قلت ... وهل علمك الوافر وعقلك الرشيد يستسيغ مثل هذه القصة ؟ ...
وهل يقنعك ما رواه ابن جرير الجامع ... وقد روى كلامًا يتعفف اللسان عن ذكره ليقدمه إلى من يجئ بعده فيحققه ... وكيف يسمح عاقل لنفسه وهو فى منصب جليل أن يزنى بإمرأة وبينه وبين عدوه ستار لو حركته الريح لانكشف؟ ... وهل أبو بكرة كان يجهل نصاب الشهود حتى يستشهد بعدد أقل ويعرض نفسه للجلد؟ ... رحماك يا الله ... إن علينا أن نتحرى الصدق قبل أن نقدمه للناس ...
وفى الحديث:" من كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" وهل نكاح المتعة كان معمولاً به فى الجاهلية أو استحدثه الإسلام؟ ... وفى القرآن { إنما يفتر الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } ... ولكى تتحقق من صدق الرواية ... فارجع إلى ضوابط محققى التاريخ ... وإذا كنت تدعى أنك تعلم ما لم أعلم ... فلتسمح لى ولك جريدة الأحرار بمحاورة تنظمها هى على أن تكون دعواك جواز نكاح المتعة ودعواى أنا بطلان ذلك ... والله يهدينا سواء السبيل ...
-----------------------
(3) حوار المتعة ما زال مستمرًا :
دكتور فرج فودة يعقب على الدكتور القيعى
{ وأنه اضحكى وأبكى }
جريدة الأحرار ـ العدد 626 ـ بتاريخ 4/12/1989م
رد علينا الدكتور القيعى ... وأهمل فى رده عن عمد ... تفنيد الأدلة المنطقية ... بينما ركز ـ عن قصد ـ على المشاعر الشخصية ... فقد سألنى عن موقعى الشخصى وهل أنا مع حل المتعة أم حرمتها؟ ... ثم استدار ليسأل القارئ إن كان يقبل أن يستمتع بابنته شاب لمدة ساعة أو ساعتين؟ ... ثم أرسل قولاً ( لعله قصد به القرامطة ) قال فيه: " وخذ من زاعم الحرية فى فلسفة المنفعة والتسفل فى شعاع الغريزة والخطأ فى علة الرأى والإلحاد فى حجة العلم ... عصمنا الله من الزلل" ...
ولم ينس أن يغمز فى نوايانا حين قال" وقد قال المنصفون كل كلام يبرز عليه كسوة القلب الذى خرج منه" ...
ولما لم يجد فى المنطق سندًا .. ولا فى الحجة شفيعًا ... هتف: " رحماك يا الله ... إن علينا أن نتحرى الصدق قبل أن نقدمه للناس" ...
والثابت لدينا أننا ـ نحن والدكتور ـ قد تحدثنا فى موضوعين مختلفين ... فنحن نتحدث عن زواج المتعة ... وهو يتحدث عن فلسفة الأخلاق ...
ونحن نستعين بأدلة وردت فى كتب الفقه السنى ... وهو يستعين بمشاعر القارئ ...
ومثل هذا الحوار لا غناء فيه ولا فائدة ...
وكان بودنا أن نضرب عنه صفحًا ... لولا عبارة وردت فى تعليق له بجريدة الوفد بتاريخ 24/11/1989م ... قال فيها: " ومن المضحك المبكى أن تنشر جريدة محترمة ـ يقصد الأحرار ـ لكاتب ـ يقصدنا ..." ،
ثم أتبعها فى فقرة أخرى بقوله:" ونحن نهيب بصحفنا أن تترفع عن نشر تلك المهاترات " ...
ما نكتبه ... إذن مهاترات .. وما نسوقه منحجج يضحك ويبكى الدكتور القيعى ... ونحن نفهم أنه يبكيه ... أما أنه يضحكه ... فهذا قول له خبئ ... وفيه من الغرابة ما فيه ...
إذن فليضحك الدكتور القيعى أكثر وأكثر ... وهو يقرأ ردنا عليه:
أولاً: أنكر الدكتور القيعى قولنا بأن زواج المتعة لا يعاقب عليه فقه السنة ... ورددنا عليه ردًا موثقًا ... ولم يعلق ... ولعله كان يضحك ...
ثانيًا: أنكر علينا احاديث وردت فى حل المتعة والنهى عنها فى حجة الوداع ... وذكرنا الأحاديث بسندها ومرجعها ... فكان تعقيبه : ( ولا حرج أن يرد النهى فى خيبر وفى فاح مكة وفى غزوة حنين وتبوك وحجة الوداع ) ... ولا حرج بالنسبة لنا لأننا ذكرنا ذلك، لكنه حرج ، وأى حرج للدكتور القيعى وهو المنكر فى مقاله الأول لأى تحريم عدا تحريم خيبر ...
ثالثًأ: قال الدكتور القيعى أننى قلت فى مقالى السابق: ( نظرًا لأزمة المساكن وتعثر الشباب عن الزواج فإن رحمة الله وسعت كل شئ ) ... والطريف أننى رجعت إلى مقالاتى السابقة ... فلم أجد لهذه العبارة أثرًا ... ولعل هذا هو ما أضحك الدكتور القيعى ... حين تخيلنى وأنا أقرأ على لسانى ما لم أذكره ... فأتعجب ... وأرجع إلى مقالاتى وأبحث وأنقب بينما هو يضحك ويضحك ...
رابعًا: يذكر الدكتور القيعى حديث الإمام على ... الذى ورد فى تفسير الطبرى ... وذكرناه فى ردنا موثقًا ... ونصه: لولا أن عمر نهى عن زواج المتعة ما زنا إلا شقى ... ثم يتساءل ( ما معنى هذا وما الصلة بين نكاج المتعة والزنا وهل تتصور زانيًا غير شقى )؟ ...
والطريف هنا أنه يتوجه بسؤاله إلىّ ... وكأنى قائل الحديث ... أو كأنى ادعيت زورًا أنه موجود فى تفسير الطبرى ...
إن كان الدكتور القيعى ينكر على الإمام على بن أبى طالب قوله ... ليقل هذا صراحة ...
وإن كان ينكر على الإمام الطبرى ما ذكره عن أهل العلم ... فليتوجه بالنقد إلى الطبرى ...
أما نحن فمن نكون يا أستاذنا الجليل ... نحن القراء ... وأنتم العلماء ... وق ذكرنا قولاً فردوه إلى أصحابه ...
خامسًا: ذكر فى تعقيبه على الحديث السابق ما نصه ( كيف يتفق ما إدعى ـ لا ندرى هل يقصد الإمام على أم الإمام الطبرى أم شخصنا الضعيف ـ أن عمر هو الذى حرمها مع ما روته الأحاديث عن نسخه ـ ص ـ ) ...
ونرد فنقول:
أن هذا هو سر الخلاف الفقهى الذى أشرنا إليه ... ولجأنا فيه لفضيلته ... والذى يتمثل فى أحاديث تروى عن الرسول فى حلّ المتعة وتحريمها فى أكثر من مناسبة ...
وأحاديث أخرى منها هذا الحديث وأحاديث عمران بن حصين ... وجابر بن عبدالله الأنصارى ... وعبد الله بن عباس ... وعبد الله بن مسعود ... قد تجاهلها سيادته ... وجميعها تروى حل المتعة بعد وفاة الرسول ... ومن هنا يرى الشيعة وأنصار حلّ المتعة أن أحاديث تحريم الرسول من الأحاديث الموضوعة ... ولهم فى هذا أسانيد ...
وإذا كان نهى الرسول عن المتعة لم يثبت لدى الشيعة ...
فإن الجزم بنهى الرسول عن زواج المتعة لم يثبت ـ أى الجزم ـ لدى السنة ...
بدليل أنهم لا يعاقبون من يأتى زواج المتعة بعقوبة الزنا ...
ويرون فى زواج المتعة شبهة تدرأ الحد ...
ألا يجوز لنا أمام هذا أن نذكر أن قضية زواج المتعة قضية خلافية ؟ ...
وهل يمكن قياس مثل هذا الخلاف كما فعل الدكتور القيعى ... على الخلاف بين الملاحدة والمؤمنين حول وجود الله ؟ ...
هل يجوز قياس الخلاف بين ملحد ومؤمن ... على الخلاف بين ابن عباس وعمر ... أو بين جعفر الصادق وأبى حنيفة ... أو بين رأى ابن مسعود ورأى ابن حنبل ؟ ...
ثم ما بال الدكتور القيعى يتوجه إلينا بالنقد ... وينحى علينا باللائمة ... ولا يذكر حرفًا عن أئمة الهدى وكبار رجال الفقه الذين أفتوا بحل المتعة ... من أمثال ابن عباس ... وابن مسعود ... وابن كعب ... وعمران بن حصين ... وعبدالله بن جابر الأنصارى ... ومعاوية بن سفيان ... وسعيد بن جبير ... وقتادة ... وعطاء ... سعيد بن المسيب ... وابن جريج ... وغيرهم .....
إن كان له رد فليرد عليهم ... وإن كان لديه نقد فليوجه به إليهم ... وإن كان يرى أنه يطاولهم علمًا وفقهًا وتدينًا فليتصدى لهم ... وإن كان برى أن ابن حزم ، وابن حجر ، والبخارى ، ومسلم ، والطبرى ، والقرطبى ، وغيرهم يكذبون فليعلن ذلك ...
أما نحن يا أستاذنا الجليل ... فلسنا أكثر من قراء ... وأمثالكم هم العلماء ... ونحن سنيون وأنت سنى ... وما زلنا نستنجد بك فتهاجمنا ... ونلوذ بك فتضحك علينا ...
سادسًا: ذكرت فى ردك يا أستاذنا الجليل ... قصة نسبة الزنا إلى المغيرة بن شعبة ... وهى قصة لا علاقة لها بموضوع المتعة ... وقد وردت فى مقال آخر لنا ... وإذا كنت لم تستسغها فانقد الطبرى ... ولا تنسى أن تنقد معه ابن كثير وابن الأثير ... أما تعجبك من الستر الذى يزيحه الهواء ... فالرد عليه بأن هذه كانت طبيعة البناء ... وأما سؤالك ( هل أبو بكرة كان يجهل نصاب الشهود حتى يستشهد بعدد أقل ويعرضه للجلد )؟ ... فنرد عليك فيه بنصحك بإعادة قراءة الواقعة ... لأن أبا بكرة قد استشضهد بأربعة ... وكان سبب الجلد تلجلج زياد بن أبيه ( رابع الشهود ) فى شهادته...
سابعًا: كأنى بك تشير صراحة وتلمح أيضًا فى أكثر من موضع إلى أن نكاح المتعة كان نكاحًا جاهليًا أبطله الرسول ...
ارجع ـ يرحمك الله ـ إلى صحيح مسلم [ دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ـ الجزء الثانى ـ كتاب رقم 16 ص 1022 ] .
حيث تجد عنوانًا نصه ( باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ، ثم أبيح ثم نسخ .. ) ...
وارجع ـ يرحمك الله ـ إلى قول الإمام الشافعى: ( لا أعلم شيئًا أحله الله ثم حرمه ثم أحله، إلا المتعة ) [ فقه السنة للشيخ سيد سابق ـ جزء ثان ـ ص 42 ].
واعلم ـ يرحمك الله ـ أنه لو كان نكاحًا جاهليًا لحرمه الرسول مرة واحدة وانتهى الأمر ... أما أن يحله الرسول بعد تحريمه له ... فإنه بالحل الثانى قد أصبح نكاحًا إسلاميًا بغير شك ولا خلاف ...
ثامنًا: اتق الله يا دكتور ...
ولا تصف نكاح المتعة بأنه زنا ... فمن نكون نحن حتى يتهم واحد منا رسول الله ـ ص ـ بإباحة أمر نطلق عليه هذه الصفة ... وحتى نتهم كبار الصحابة بإتيانه ... وحتى نتهم من ثبت عليه بعد وفاة الرسول بالسقوط فى وهدته ... وخفف الوطء يا سيدى واضحك علىّ كما شئت ... لكن حاذر ـ بالله عليك ـ أن يصل رذاذ اتهاماتك لى وضحكك علىّ إلى رموز العقيدة وأساس الدين ...
تاسعًا: لعلك لاتخدع نفسك بسؤال تظنه مأزقًا ... وهو سؤالى وسؤال القارئ ... هل ترضى بذلك لأختك أو ابنتك؟ ...
ولعلك لو فكرت قليلاً ما سألت ...
ولعلك تتصور أن الإجابة بالنفى ستكون حجة؟ ...
ولعلك تنسى انها حجة عليك؟ ...
فهب يا أستاذنا أن قارئك أجابك ، لا ، لانرضاه لبناتنا أو أخواتنا ... ثم أردف رده بسؤالك ...
فكيف إذن رضيه الرسول ـ ص ـ لبنات المؤمنين؟ ...
بمنطقك وأسلوبك هذا سوف تبتلع المأزق كاملاً ... وسوف تبكى وربما بكى القراء معك ...
عاشرًا: تود لو تناظرنى؟ ... إذن فأهلاً بك ومرحبًا ... بيد أنك تردف شرطًا غريبًا وهو أن أدافع أنا عن حلّ المتعة وتدافع أنت عن حرمتها ... من قال لك أننى أدافع عن حل المتع ؟ ...
هل نسيت ما ذكرته لك من أننى سنى وأنك سنى وأننا فى سلة واحدة هى رفض المتعة ...
وأننى قد احترت فلجأت إليك ... وقرأت وفزعت فاستنجدت بك ...
وأملت أن أجد لديك حلاً فإذا بى أجد عندك مأزقًا ...
وحاورتك بأدلة الفقه وأسانيد الفقهاء ... فحاورتنى بفلسفة الأخلاق ...
وما ينبغى أن يكون عليه الفضلاء ...
زادك الله ، ياسيدى فضلاً وعلمًا وفقهًا ... واعذرنا يا أستاذنا الجليل إن تحاورنا مع مقامك الرفيع ... فعذرنا ما ذكرته من أنك تضحك لقولنا ... وتبتسم لمنطقنا ... ولعلنا أضحكناك كثيرًا ... وهكذا الدنيا يا أستاذنا الفاضل ... أنت تضحك ونحن نبكى ... أما لماذا نبكى؟ فإقرأ ردنا عليك من جديد ...
---------------------
(5) القرآن والعقل فى زواج المتعة
تعقيب من الدكتورالقيعى
نشر فى جريدة الوفد بتاريخ 15/12/1989م.
لا اعتراض منا على من ينشد الحقيقة ... ففى الحديث { اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه } ... وإذا تدبرنا القرآن كما أمرنا الله فى أى موضوع نريد أن نتعرف عليه ... هدانا الله إليه بفضله ورحمته متى صدقت النوايا ... ولا يزال الإسلام يلقنا حسن الظن بالمسلم والله يتولى السرائر ... واخترت العقل بجانب القرآن ـ مع كفايته ـ كى لا يدعى أنى اتحدث عن فلسفة الأخلاق ووصاياها ... فالعقل هو مناط التكليف مطلوب إعماله فى أى نص ليسبر غوره ويعرف أسراره ...
وإذا قرأنا من سورة النساء ، قوله تعالى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } تبين لنا الآيات 24 وما بعدها ما يلى:
1ـ قوله: { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } ومعنى هذا أن الإسلام يطلب العفة فى الزواج الشرعى ... ويؤكد ذلك بالنهى عن السفاح الذى هو الزنا ولا عفة فيه ...
2ـ { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ } إذ الاستمتاع قضاء حاجه من كل من الزوجين حسبما تمليه طبيعة تكوينهما ... وللجنس خصيصتان: الرغبة والحشمة ... وقد ذكر الله المتعة فى غير موضع ... فقال: { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ } [ البقرة 236 ] ... وقال { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } [ الأحزاب 28 ] ... وإذن فليس الاستمتاع يعنى زواج المتعة كما يدعى ...
3ـ { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ } [ النساء 25 ] ... ويعنى هذا أن المطلوب أولاً امرأة عفيفة تؤمن بالله وبالقيم العليا .. فإن لم يتيسر ذلك بالمال أو الحرية أو العقد كما هى الاحتمالات فى معنى الطول ففى الفتيات المؤمنات سعة ... ولما كان لا يوجد إماء فى هذا العصر انحسرت رغبة الزواج فى حرة مؤمنة ...
4ـ { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } [ النساء 25 ] ... وهذا يعنى أنه لا بد من مشاركة الأهل حتى لا تنساق المرأة بعواطفها الجامحة ... واشتراك الأهل له دلالته ولا يقبل واحد أن يكون ديوثًا لا غيرة له على اهله ...
5ـ { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } [ النساء 25 ] ... أى أطلبوا العفيفات لا الزانيات ولا متخذات أخدان ... وسواء كان السفاح واتخاذ الخدن هما الزنا الرى والعلنى ... أم هو الفردى والجماعى ... فالأمر لا يختلف ... والمرأة متى فقدت ما تحتفظ به اصبحت كسائر الحيوانات ... وتجردت من أعز ما تملك ... وبرغب الجنس الآخر فيها ... أما العقل الذى أريد الاحتكام إليه فهو العقل الرشيد ... فالإقناع المنطقى لا يكفى وحده لتعليل ظواهر الاجتماع وظواهر التاريخ ... فيما له اتصال بأطوال ( بأحوال ) السرائر على الخصوص ...
وليس من المنطق الصحيح أن نتخيل الناس جميعًا منطقيين حين يؤمنون أو حين يكفرون ... ومنطقيين فى تمييز الحق والباطل فى الدواعى والأسباب ...
وإذا أريد للقارئ أن يُخدع بكثرة التقول ... فآمل الرجوع إلى صحيح مسلم فى نكاح المتعة ... وإلى تفسير القرطبى فى الآيات 24 وما بعدها من سورة النساء ليحكم بنفسه وعقله على المنقولات والبينة الحية علاماتها أن تستجيب للمؤثرات وأن تعالجها بما يصلح ويجدى ...
والعبرة من هذه الدعوات المنحرفة كلها ان ضجتها أعظم جدًا من جدواها ...
وانها تجشم الأمم كثيرًا ولا تنفعها بعض ما تتجشم من اهوالها ودعوة التعليم والتقويم اجدى من هذه الدعوات وأقلها ضجة واطولها أمدصا وأبقاها ثمرة ... ومقاييس التقدم هى الحرية والحضارة والحالة النفسية ...
----------------------
(6) يا نفس لا تُـرَاعِى:
تعقيب أخير من الدكتور فرج فودة
نشر فى جريدة الأحرار ـ العدد 628 ـ بتاريخ 18/12/1989م.
يا نفس لا تراعى ... إن حاربوا يراعى ... فقد تعودت منهم أن يتركوا الفكر لأصحابه ... فما لهم وماله ... حسبهم أن يتهموا فى الأخلاق إن أعوزتهم الحجة ... وأن ينهالوا على الشخص إن فاجأهم منطقه ... وأن يصابوا بالسكتة الفكرية عند اول حوار حقيقى ... عذرهم أنهم لا يعلمون دواخلنا ... ولا يدركون أن أشخاصنا تهون من أجل أفكارنا ... وينسون أننا جميعًا زائلون ... بأشخاصنا وصراخنا وشتائمنا ... بينما الفكر باقٍ لا يموت أبدًا ... والمنطق قائم لا يُهزم أبدًا ... ويتناسون فى غمرة حماسهم ... أن مصر تهون ... حين يهون عقلها ... وحين يُهان عقلها ... وأنه لا يصح فى النهاية إلا الصحيح ...
ها هو عقل مصر يمتحن فى اول حوار حقيقى حول تطبيق الشريعة ... وها نحن قد حاورنا الدكتور القيعى فرأى القارئ كيف يكون الحوار ... ومن هو صاحب الحجة الأقوى ... والعلم الأوفر ... والمنطق الصحيح ... وهو ما نهديه إلى الذين طالبوا بمنع النشر ... تحت حجة ظاهرها الرحمة وباطنها الخوف ... وهى أن لا يكتب فى أمور الدين غير المتخصصين ... وكأن الدين حكر على بعض المسلمين دون بعضهم ... وكأن العلم والحكمة لا يتوافران إلا لمن يشاء الأزهر .. وليتصور القارئ حجج الدكتور القيعى لو نشرت دون رد منا ... وليتصور آراءه لو عُرضت على الرأى العام دون تصحيح من جانبنا ...
ولنستأذن القارئ فى عدم استكمال حلقات حد الزنا بسبب قرار المجلس الدائم للحزب ... مع وعد بأن تنتقل الحلقات بأكملها ... مع الحوار حولها ... إلى كتاب هو بالقطع أبقى وأعمق أثرًا ... ولنتوجه بالشكر إلى القراء الذين انهالت برقياتهم ومكالماتهم تأييدًا ومساندة ... والتى لو قدر لها أن تنشر لعرف كل فريق حجمه ... وتأثيره ومكانته ...
ولنتوجه بخالص الشكر إلى رئيس الحزب ... ورئيس التحرير .. اللذين انتصرا دائمًا لمنطق الحوار ومنهج العصر وسبيل الحضارة ...
ولتبقى الحقيقة المؤكدة ماثلة أمام القراء ... مضمونها أننا حاورناهم فأوقفوا الحوار ... فندنا آراءهم فمنعوا النشر ... ورددنا عليهم فهاجموا أشخاصنا ... واضطرونا إلى أن نستودعكم الله ... ولم يدركوا أن القصة لم تكتمل بعد فصولاً ... وأنه على مدى التاريخ الإنسانى كله ... كان السائرون خلفُا يحرزون انتصارًا مؤقتًا لا يلبث أن يخلى الساحة لهزيمة دائمة ونهائية ...
إن الحرف يقتل ... وإن الكلمة كانت هى البدء ... ويقينًا هى الختام ... والفكر يحييه الاضطهاد ... والمنطق ينشره منع النشر ... وصاحب هذا القلم يعرف قدر نفسه وحجم تأثيره ... والهامة المرتفعة بالحق لا تنحنى أبدًا ... والقلم المعبر بصدق لا ينكسر أبدًا ... والنفس المؤمنة بالله لا تراعى أبدًا ...
يَا نَفْسِ لا تُرَاعِى ... وَإِنْ حَارَبُوا يَرَاعِى ...
الكاتب فرج فودة تم إغتياله من قبل الجماعات المتطرفة فى وقت مقارب لغزو الكويت سنة 1990 بسبب هذا الكتاب .
رحم الله من قرأ الفاتحة على روح المفكر الحر فرج فودة
موالى
11-28-2004, 01:55 PM
الأخ خباز
لقد سرق أحدهم من منتدى هجر المأفون مقالك هذا ونقله إلى منتداهم ونسبه إلى نفسه وإسم هذا الشخص ( المعتمد فى التاريخ ) حتى بدون أن يشير إلى المصدر.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir