الدكتور عادل رضا
08-22-2004, 02:45 PM
لم يتوقف السيد عند حد اعتبار حق التواجد الاميركي في العراق يساوي نفس حق المقاومين من ابناء الشعب العراقي لتواجدهم في العراق ، بل تمادى ولمرات عديدة ليغلب حق القوات الاميركية في التواجد علىحق المقاومين العراقيين ، عندما دعى الى خروج ما اسماهم بالمسلحين من النجف لابطال حجة الاميركان في مواجهة هؤلاء السكان بسبب تواجدهم في مساكنهم ومدنهم . لكي تدخل جزمات تحالف الصهيونية العالمية مع اليمين المتطرف بسلام للارض المقدسة بسلام ودون ان تخدش مسامعها اصوات الاستنكار التي يمكن ان يطلقها اهل المدينة . ما الذي يمنع السستاني من ان يتعلق بالنجف ويحبها بنفس مستوى حب ابنائها لها ، ذاك الحب العظيم الذي يدفعهم للتضحية بدمائهم من اجل ان يحافظوا على طهارة المدينة وقدسيتها . هذا لايعني صحة الرأى القائل بان اصول السستاني ، وهو كما يقال من الاكراد الايرانيين هي السبب وراء موقفه .فموقف السيد محمد تقي الشيرازي بطل ثورة العشرين ، يعكس حالة من الالتصاق بالارض العراقية وحرية الشعب العراقي ما لانجده الان عند البعض من ابناء البلد الاصليين . كان محمد رضا ابن السيد محمد تقي الدين الشيرازي من اوائل من انتبه لاهمية المحيط العربي للعراق ، ومن اوائل الرواد الذين دعوا للوحدة العربية . فالولاء لايتوقف على الرس في النظرية القومية العربية بقدر ما انه يعكس فهما موضوعيا واعيا للانسان لادراك معنى التفاعل بين الانسان والارض والثقافة ، كما عبر عن ذلك الرائد العربي الاول النبي محمد (ص ).، عنما قال : ليس العربية منكم باب او ام ، العربي من تكلم اللغة العربية . ان عدم ادراك وفهم الانسان لمعنى العلاقة بين الانسان والارض ، وما يفترضه من ولاء والتزامات يعكس حالة خلل في الادراك الشخصي اكثر من اي شئ اخر .
يفسر البعض الاخر من الاخوة هذه السلوكيات ، بانها محصلة حتمية لممارسات الحاشية المحيطة بالمرجع ( سبق الحديث عن هذا الموضوع في القسم الاول من هذه الدراسة ) ، الا ان مثل هذا الاعتقاد لايستند للمنطق ، فالحاشية بامكانها ان تخفي على المرجع بعض المعلومات البسيطة عن شخص او قضية ، لكن ما يجري من مظالم في العراق تجري بشكل مكشوف امام عدسات وسائل الاعلام وهدير الدبابات والمدفعية والطاتئرات التي تسمع الاصم .
كذلك الحال ما يخص سقوط الحجج الواهنة التي أستخدمتها الادارة الاميركية لتبرير حربها العدوانية المستمرة على العراق والعراقيين ، وظهور حقيقة دوافعها . وبما لايستطيع احدا اخفاءه .. واذا افترضنا ان حاشيته تمتلك كل هذه القدرات لحجب الحقيقة عنه وعزله كليا عن الواقع .. ترى من المسؤول على تجميع هكذا حواشي فاسدة ..!؟
والسؤال الذي يفرض نفسه عند الحديث بصراحة عن مثل هذه الامور التي تمس كيان ووجود شعب مسلم ودولة مسلمة ، اذا كان الفقيه لايستطيع ان يكسر حاجز حاشيته ليصل للحقيقة في موضوع مكشوف كهذا ، كيف يرتضي تحمل مسؤولية زعامة طائفة ..!؟ وتحمل مسؤولية الزام المسلمين بمواقف تعكس مصالح الحاشية ولاتتماشى مع الشريعة وسلوكيات النبي والائمة المعصومين ..
ان مثل هذا الحديث يعني بقية المراجع ، كما يعني السيد السستاني ، فمن الغريب ان يكتشف الانسان انهم غادروا العراق جميعا بصمت وهدوء ، مستحسنين السلامة في البعد ، والغريب ان الوعكات الصحية التي اصابت السستاني في نفس توقيت بدء الهجوم الاميركي على النجف وتكثيف الحملات العسكرية على المدن الاخرى ، امتدت عدواها لتصيب السيد ابراهيم الجعفري الذي سافر الى لندن للعلاج . بما يعكس انها من نوع الاوبئة الجماعية .
ما فائدة زعيم او زعماء جماعة او طائفة يفضلون السلامة بالهروب من تحمل مسؤولياتهم في ازمات هي من اشد ما تعرض لها الشعب العراقي خلال المئة سنة الماضية ، ليعودوا في اوقات الهدوء والاستقرارليعلمونا : " المسألة 1169 : الحيوان وحشيا كان ام اهليا ... اذا ذكي بالذبح على الترتيب الاتي في هذا الكتاب وخرجت روحه يحل اكله ، هذا في غير الابل والسمك والجراد ، اما هذه الثلاثة فتذكى بغير الذبح على ما سيتضح في المسائل الاتية ." او " المسالة 1173 : الحيوان المحرم اكله اذالم تكن له نفس سائلة – كالحية – لا اثر لذبحه او صيده لان ميتته طاهرة " ، وغيرها من تلك المسائل التي وصفها السيد محسن الامين العاملي في انها ليست الا من " قفبيل تضييع العمر بلا فائدة " ، لم يدرك السيد محسن الامين التطورات التي خطتها المرجعية كي تتوافق مع عصر العولمة ليدرك ان هذه المسائل ليست بلا فائدة ، فهي بقدر ما تشاغل الناس بما لانفع فيه تدر بالوقت نفسه مئات الملايين التي تضمن للمرجع مستقبل ابناءه من بعده ليموت قرير العين مطمئناً . وليذهب ابناء جميع الشيعة والمسلمين للجحيم . فالدين اصبح على مايبدو شطارة كما هي التجارة . ومن لايرضى فتهمة الزندقة والخروج على الطائفة اوالاتهام بالتامر مع الطوائف الاخرى جاهزة ، فاللمرجعية اسليبها القمعية الكفيلة بحماية دكتاتوريتها ، وتفردها برضى الله .
ما حاجة الانسان المسلم في العراق لان يتعرف الاحكام الشرعية في كيفية اكل الجرادة او الحية ، وهو يتعرض للذبح اليومي مهددا بماله وعرضه وروحه ودينه . وما فائدة ان يكون الفقيه رحيما كريما عطوفا على الحيوانات ويفتي بحرمة ذبحها امام حيوان من جنسها - المسالة ، ولا يحرم الذبح اليومي للانسان العراقي ، امام انظار البشر ، واغتصاب النساء امام عيون الرجال وكاميرات المصوريين ، ولايقول شيئا ، بل يساوي بين الضحية والقاتل ، بحجة التقيه ، ولا يحسب حساب لتقوى الله ..!؟
لذلك لانستغرب ان نجد كتاب المسائل المنتخبة للسيد السستاني المؤلف من 600 صفحة ، و1452 مسالة ،ليس من بينها واحدة تتناول موضوعة الجهاد ، وكأن السيد لايحسبه فريضة من الفرائض الخمسة ، مع انها وباتفاق علماء المسلمين – والشيعة من ضمنهم – يمثل الركن الخامس من اركان الدين ، اي العبادات الخمسة ، الصلاة والصوم ، الزكاة ، الحج ، الجهاد ، الا ان السستاني يلغي الجهاد ويتجاهل ذكره ويضيف الخمس كركن خامس بدلا منه ، وكان المطلوب من الشيعي على راي السيد ان يلغي هذه الفريضة التي امر بها الله . فهل يحق للفقيه ان يلغي غدا الصوم او الصلاة والحج مثلا ، لماذا الجهاد بالذات وبأي حق ..!؟ ليس هناك من تفسير غير ان الغاء الجهاد يضمن السلامة ويحقق للانسان المتعة بالامتيازات التي يحققها الدين ، دين عصر العولمة ..!
مع ان الكتاب يخصص 19 مسالة في الذباحة ، و23 مسالة في الصيد ، و32 مسألة في الخمس ، مع ان قضية الخمس ، ضلت تثير الكثير من الجدل حتى عند بعض علماء الشيعة .
المعروف عن السستاني ، انه واحدا من المجتهدين المقلدين ، ولم يكن مجددا ، على شاكلة الشهيدين الصدريين ، والسيد فضل الله ، ويتضح ذلك بوضوح حتى من خلال رسالة الاجتهاد التي عادة ما يكتبها الفقيه للدلالة على قدرة استباط الاحكام الشرعية ، لذلك لجأ لتبني رسالة الاجتهاد للسيد محسن الحكيم والتي سبق ان تبناها السيد الخوئي من قبله ، مع " تغيير مواضع الخلاف منها مما يؤدي اليه نظري ، مع بعض الحذف والتبديل والاضافة والتوضيح لكي تكون اقرب الى الاستفادة والانتفاع " كما عبر هو عن ذلك ، ويستمد عادة السستاني فتاويه من احكامها ، فهو مقلد اكثر منه مجتهد ، لذلك يعيب عليه اتباع الشهيد السيد محمد صادق الصدر هروبه من المناظرة مع السيد الصدر ، ويعتقدون انه غير مؤهل للمرجعية ، وان مكانته استمدها من القدرة الاعلامية والاقتصادية لابناء المراجع السابقين الذين لهم مصالح اقتصادية اوسياسية لظهور مرجع بمثل شخصية السستاني ، كما سياتي ذكره .
الا ان السيد الخوئي لم يغفل او يغيب فريضة الجهاد ، الذي قسمه الى جهاد ابتدائي : اي غزو المسلمين لبلاد غيرهم بهدف نشر الاسلام ، وتلك من وظائف الامام المعصوم ، والجهاد الدفاعي ويعني مواجهة غزو خارجي يقع على بلاد المسلمين من قبل دولة غير مسلمة ، ويلزم الخوئي المجتهد للمبادرة بالافتاء ضد مثل هذا الغزو . ويبدو السستاني هنا حتى كمقلد فاشل خارج على فتاوى وتشريعات المجتهد الذي اختار هو بنفسه رسالته كمرجع لفتاويه .
افتى السستاني بالجهاد لمواجهة الغزو الاميركي قبل بدأ الحرب بشهر او اكثر وظهر على شاشة تلفزيون بغداد جالسا ومجموعة من العلماء خلف السيد عدنان البكاء الذي كان يقرأ الفتوى . وعندما اشاع بعض مؤيديه في الخارج بان الفتوى غير صحيحة او انها أُخذت بالقوة ، عاد مكتب السستاني في النجف ليرد عليهم بتاكيد صحة الفتوى وانها كانت طوعية دون اكراه من احد . والسؤال من يتحمل ازر من قتل من ابناء الطائفة ممن قاوم الغزو خلال الحرب وقتل استجابة للفتوى .
ثم ما هو الموقف الشرعي السليم مقاومة الاحتلال وهو عدوان مستمر ، كما افتى السستاني من قبل بذلك ، ام التعايش معه وقبوله كامر واقع . ثم ما معنى الصمت والسكوت الذي مارسه السيد في الاشهر الثماني الاولى ، ثم فجأة يتحرك لقدم لسلطة الاحتلال المبررات الشرعية على كامل تصرفاتها كما ذكرنا في اعلاه .
المرجعية في عصر العولمة
رغم كل هذه الالقاب التي استخدمت لرفع مكانة المجتهد لمستوى من القدسية ، الا ان حقيقة الامر ليس هناك من نص او تشريع الهي او حديث نبوي ما يسند هذه القدسية ( سبق ان ناقشنا هذه المسالة في الجزء الاول من هذه الدراسة ) الا تطلع المستفيدين للتمتع بالحياة من خلال رفع منزلة المجتهد لمستوى الائمة المعصومين والانبياء ، واضفاء ما لا يقبله الائمة لانفسهم من الصفات والسمات – كما ذكرنا في الجزء الاول من هذه الدراسة ، فقد اضحت المرجعية سوق رائجة ، لها مؤسساتها المالية والاعلامية ومراكزها الخاصة ، والاعداد الهائلة من الموظفين والمستفدين دون ان يكون لهم من فائدة تذكر سوى جمع الاموال و تنفير الناس من الاسلام والمرجعية بما يمارسونه من سلوكيات غير مقبولة ( نستنكف عن ذكرها لما فيها من قصص يشيب لها الطفل ) ، يستخدم المستفيدين منها اسم المجتهد لجني الارباح الطائلة يتساوى في ذلك ابناء المجتهدين وعائلته او حاشيته وبعض وكلاءه ،مستثمرين الحالة النفسية القلقة للانسان المسلم وحالة اختلال التوازن التي تعاني منها الامة ليقدموا انفسهم من خلال المجتهد وكانهم يمتلكون الخلاص الذي سينقذ الانسان مما يعاني منه من خوف وضياع وشعور حاد بفقدان الامن ، فحاولوا تصوير المجتهد كوسيط بين العبد وربه وهم وسطائه بالتبعية ، يبيعون الوعود والخرافات . وظيفتهم جني الارباح وبيع الاوهام .
لذلك بدأت المرجعية تميل لان تصبح قريبة من الملكيات الوراثية ،لايكتفي فيها الابناء وراثة اموال المسلمين التي بعهدة المرجع وكانها حق خاص ، بل تضخيم مكانة المرجع وادواره ليحتفظوا بعد مماته بنفس الامتيازات التي يتطلع الابناء وبعض الاتباع لاستمرار في وراثتها بل وتوريثها لابناءهم من بعدهم . من هنا وجدنا ان بعض ابناء المراجع ومن اجل الاحتفاظ بامتيازات المرجعية يتدخل لتحديد المرجعية الجديدة من خلال ما يملكه من امكانات مادية واعلامية ، ليفرض عليها عدم المطالبة باستعادة اموال المرجعية السابقة وامتيازاتها التي يريد حيازتها لنفسه مع انها اموال عامة ، تعود ملكيتها لفقراء المسلمين ويفترض ان تنتقل للمرجع الجديد ، كما حصل مع مرجعية السستاني التي ما كان لها ان تتحقق لولا تدخل ابناء المراجع السابقين ، ابناء السيد الخوئي لرغبتهم بالاحتفلظ بامتيازات واموال المرجعية ، واولاد السيد المرجع محسن الحكيم بسبب تطلعاتهم السياسية التي هددها بروز السيد محمد صادق الصدر كمرجع وكزعيم سياسي ، فادلوا بدلوهم في التشكيك بعلميته ، بل حتى بعقله ونزاهنه ، واتهموه بالعمالة للنظام . فكان لهذه الحملة اثرها في اضعاف مرجعية السيد الشهيد محمد صادق الصدر ، وترجيح كفة السيد السستاني . فكانت مرجعية الاخير اقرب لولادة قيصرية خدمها بشكل كبير استشهاد السيد محمد صادق الصدر بوقت مبكر . ، مما اخلى الساحة من منافس شديد ، لذلك يمكن ان يقال ان بعض مرجعيات عصر العولمة محكومة بزينتي الحياة – الاموال والبنون – اكثر مما هي محكومة بالورع والتقوى .
يسجل للسيد الخميني مبادرته لمنع اولاده او احفادة للعب مثل هذه الادوار فابعدهم عن المركز التي تمكنهم من استغلال اسمه بل اعتقل حفيده عندما حاول ان يستغل قرابته للسيد كي يتدخل بشؤون المرجعية والدولة في ايران .
كما لايمكن النظر لبروز السيد القائد مقتدى الصدر بنفس المنظار، فلم يعرف عنه انه تلاعب او ورث شيئا من املاك المرجعية ، كما ان بروزه لم يكن بفعل هذه الظاهرة الشاذة للمرجعية الوراثية بقدر ما ان الرجل برز كقائد معبر عن ارادة الملايين للخلاص من الاحتلال وتحقيق السيادة الوطنية ، قد تكون اصوله خدمته كثيرا في بروزه بسرعة وتجميع الانصار والمؤيدين من خلفه لكنه يمتلك ايضا القدرات الخاصة ليتجاوز دور ابن المرجع الى دور الزعيم السياسي صاحب الموقف الخاص ، وهو لم ينافس احدا على مرجعيته او امواله بقدر ما انه اتخذ دوره كمواطن قادر على فهم واستيعاب هموم ابناء وطنه . واذا كان لدور ابن المرجع من اثر عليه فهو قدرة المرجع السيد محمد صادق الصدر على نقل قيم الفضيلة والشجاعة والزهد والتمسك بالقيم الدينية والروحية الى حد الاستعداد المطلق للاستشهاد ، وليس كامتياز للتمتع بالحياة الدنيا . ويمثل ابناء الخالصي نموذجا اخر لهذه النزعة في وراثة قيم الفضيلة من المرجعية لااموالها او مكانتها الاجتماعية لاستخدامها كاساس لبناء زعامة سياسية او التحول لمركز تجاري لدعم النزعات الفردية الشاذة في تاكيد الذات ولو على حساب اموال المسلمين ودمائهم .
ان هذه القدسية التي يحاول ان يعطيها البعض للمجتهد تتناقض كليا مع اساسيات المذهب ، حيث عرف الشيعة بالمخطئة ، اي ان مؤسسي المذهب واباءه الاوائل يرون ان المجتهد بشر يمكن ان يخطأ ويصيب . فهو ليس معصوم من الخطأ ، الا ان جميع المجتهدين وعلماء المذهب يتفقون على ان من اهم صفات المرجع ان يكون على درجة من التقوى والورع اللتان تمكنانه من مغالبة هواه ، وكما عبر عن ذلك السيد الشهيد محمد باقر الصدر : " وبقدر عظمة المسؤولية التي اناطتها الشريعة بالعلماء شددت عليهم وتوقعت منهم سلوكا عامرا بالتقوى والايمان والنزاهة نقيا من كل الوان الاستغلال للعلم لكي يكونوا ورثة الانبياء .
فقد جاء عن الامام العسكري عليه السلام في هذا السياق قوله فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فاللوام ان يقلدوه ."
اما ان يقف السيد السستاني مع قوات الاحتلال ، ويدعمها بمناورات ظاهرها محاولة ضبط سلوك سلطة الاحتلال ، الا انها تخدم بالمحصلة النهائية وجود واستمرار الاحتلال ، وتضبط سلوك قطاعات كبيرة من الشعب وفقا لمعايير الخنوع والاستسلام بالطريقة التي تريدها هذه السلطة، كل هذا من اجل اشباع رغبة الاانتقام من الشهيد الصدر من خلال ابنه السيد مقتدى الصدر ، وجماعات الصدريين الذين على ما يبدو انه اخرجهم من قائمة المسلمين ، يحلل قتلهم ، فهو وان لم يفتي بذلك الا ان السكوت دلالة على الرضا. مع ان الآيات والاحاديث التي تحرم دم المسلم ليست بعيدة ، فأية شريعة هذه التي يستند لها السستاني في سكوته .
قد يقول جاهل ومنافق ، ان هذه الاستنتاجات لاتمثل موقف السيد السستاني ، وانه لابد اتخذ موقفه هذا على اساس سند شرعي . والسؤال اي شرع هذا يمكن ان يرتضي سكوت من يكون في موقع المرجع الاول للطائفة ويرى ابنائها يقتلون ظلما وهو ساكت فرح بالطائرة الخاصة التي هيئتها له قوات الاحتلال للسفر بها من اجل اجراء فحوصات في الخارج . ويخطأ السستاني اذا اعتقد ان القتل سيطال جماعات الصدريين فقط فليس هناك من مناطق سكنية تعزل الشيعة من مقلدي الصدر عن غيرهم ، اي ان القتل سيطال ايضا مقلدي السستاني ومقلدي المراجع الاخرين ، وحتى انصار الاحزاب المتاسلمة الاخرى السائرة في فلك الاحتلال فرحة بمنصب وزاري او اكثر ، تعتقد انه حقق لها انتصارها في تحقيق اهدافها في ان تتموضع في موقع مخلب القط ضد شعبه ومواطنيه . فمن المسؤول غدا عن هذه الدماء ، وهل سيبقى للورع والتقوى ومغالبة الهوى من وجود ، يمكن ان يلزم المسلم لتقليد مثل هذه المراجع والاحزاب التي تتامر على الطائفة . ومع من .. مع الشيطان الاكبر ، الذي كان جميع مراجع الطائفة العظام ، وحتى من يدعون تمثيلها سياسيا ان التعاون معه سيحول المتعاون الى مخلب قط لايذاء اخوانه ، وتابع وعميل للاستكبار .
يطمح السستاني على مايبدو ان تحقق له قوى الاحتلال ، ما لم تحققه له الشريعة او الاعلمية التي يدعيها ، التخلص بالقتل والقمع من انصار وكوادر التيار الصدري اولئك الذين خذلوه ورفضوا ادعاءاته بالاعلمية ، ويضمن بذلك وحدانية وجوده على الساحة ويضمن ايضا عودة اموال الخمس والحقوق له ، وله وحده . مما سيحقق له ميتة قرير العين المطمئن على مستقبل اولاده من نكبات الدهر ، فما سيخلفه يكفي لان يهرب ابناءه او احدهم الى اي من عواصم العالم ليبني مركزا اسلاميا يضمن له تلقي المزيد من التبرعات والتهرب من الضرائب تحت غطاء ما يعرف بالمؤسسات الخيرية او الدينية والثقافية ، ويعيش عيشا هنيأً تحت غطاء خدمة آل البيت ونشر مبادئهم ومذهبهم ، مع ان احدا من آل البيت لم يترك من ارث لاولاده واحفاده ، ولم يترك احدا دار الاسلام ليهاجر بعيدا متمتعا بمبادئ حقوق الانسان والديمقراطية. وهذا الامام علي الذي يدعون الاقتداء به ،يغضب ويبكي ابنته زينب في ليلة العيد عندما يكتشف انها استعارت عقدا من بيت المال تتزين به ، ويؤنب صاحب بيت المال لسماحه لها بذلك .. وعندما جاءه ابنه الحسن في الليلة الثانية من جرحه الذي مات بسببه بطبق فيه رغيف من الخبر واناء من اللبن ، يساله بني حسن أأطعمت اسيرك ، ويجيب الحسن بالنفي ويبرر ذلك بان ليس هناك من طعام في البيت غير هذا الذي الطبق ، ويصر عليه السلام ان يتقاسم الرغيف واناء اللبن مع عبد الرحمن ابن ملجم . فاين هو تراث اهل البيت الذي يدعون نشر ثقافته ، مقابل هذه الامبراطوريات المالية التي يهربون بها للخارج ، وملايين الشيعة من العراقيين يتضورون جوعا ، ويعانون من شظف العيش ، محرومين من الكثير من الاساسيات الضرورية للعيش بكرامة .
وهل يحق لاي مرجع ان يتجاوز هذه القيم بحجة القدرة على استنباط الحكم الشرعي ، ويتغافل عن ما اوجبه الخالق من فرائض باسم آل البيت ..!؟
حدود صلاحية المجتهد
ان الاجتهاد مسؤولية وليس امتياز ، فتفرغ رجل ما لاكتساب المعارف الدينية ، لايعطيه اي حق في للتحكم في مصائر البشر ، او القدرة على تزكيتهم او ادانتهم ، تكفيرهم او الشهادة في حسن اسلامهم . فذلك حق لم يمنحه الله حتى للانبياء ( ما انت عليهم بوكيل ) ، والاجتهاد كمبدأ الغاية منه متابعة تطورات الحياة وتغيراتها ، ونبذ الجمود واستعمال العقل في التمييز بين ما له علاقة بمصالح الامة الاسلامية ، وما هو ضار من الامور الدنيوية ، مما لم يرد به حكم صريح في القرآن والسنة ، ولا يحق للمجتهد ان يخرس من اجل ان يضمن سلامته عن الافتاء بالاحكام الصريحة ، لان ذلك يضعه في خانت الشيطان الاخرس ويسقط عنه سمات المرجعية والاجتهاد التي تؤكد على العدالة ومغالبة الهوى وطاعة المولى ( نذكر دائما ان المقصود به هو الله عز وجل وليس السيد بريمر او اتباعه من الاجراء المحليين ) .
والتقية ، وان ادعى البعض بانها واجبة ، الا ان وجوبها محدود بما هو مظهري وانيفي اداء العبادات ، الا انها لاتلغي باية صورة من الصور هذه العبادات ، او بعض من احكام الخالق وحدوده ، لانها تتحول عند ذلك الى حالة من حالات النفاق ، الذي ينقل المؤمن الى حالة اخرى نهى عنها الخالق ووصفها بالاعمال الشيطانية . .والمجتهد يمتلك الحق في استنباط الحكم الشرعي في فروع الدين ، ولايحق له ذلك بما يتعلق في الاصول ، كما يعتقد المرحوم الشهيد السيد محمد باقر الصدر حيث يرى " وفي الوقت الذي اوجبت به الشريعة التقليد بالمعنى الذي ذكرناه في فروع الدين من الحلال والحرام حرمته في اصول الدين ، فلم تسمح للمكلف بان يقلد في العقائد الدينية الاساسية ، وذلك لان المطلوب شرعا في اصول الدين ان يحصل العلم واليقين للمكلف بربه ونبيه ومعاده ودينه وامامه ودعت الشريعةكل انسان الى ان يتحمل بنفسه مسؤولية عقائده الدينية الاساسية بدلا عن ان يقلد فيها ويحمل غيره مسؤوليتها "
ويرى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ان العبادات الخمسة هي من اصول الدين وليس فروعه ، والجهاد هو الفريضة الخامسة من هذه العبادات ، وهي اهم على ما نعتقد من صيد الجراد او الحيات وغيرها من الامور التي لايمكن ان تفهم الا انها مضيعة للوقت ، في وقت تتكالب فيه قوى الشر والعدوان لذبح العراقيين كالخراف ، قبل ان يتوفر لهم الوقت الكافي لمعرفة ما اذا كان الواجب اكل الجرادة بالذبح او بدونه . فقد سمم اليورانيوم المخضب حتى الجراد والحيات .
والمجتهد مسؤول لتنبيه الامة عما لم تنتبه اليه من المخاطر التي تهدد مصيرها ووجودها ، او ما هو على علاقة مباشرة بمستقبلها . انتهى عصر صيد الجراد والحيات ، ونحن الان احوج ما نكون لدين يعلمنا كيف نتعامل مع الصواريخ التي تتساقط على رؤوسنا دون ذنب ، او جريرة .
وعلى مفكرينا وعلمائنا ان يخرجوا من صمتهم لاعادة صياغة مفهوم الاجتهاد وشروطة ، ليعود كمبدأ لخدمة الانسان وتعريفه بما يجهل من امور دينه ودنياه ، لا مجرد منصب مقدس لجمع الضرائب والاموال التي يهدر الكثير منها في غير مرضاة الله . ولايسعني هنا الا ان انصح بقراءة كتب المفكر المجدد الاستاذ عادل رؤوف الذي اطلعت على كتابه القيم "عراق بلا قيادة " بعد الانتهاء من كتابة مقالتي هذه ، رغم ان سماحة الشيخ الجليل محمد مهدي الخالصي كان قد اهداني نسخة منه في العام الماضي وضعته بين مجموعات الكتب الجديدة بانتظار قرائته ، فاستعاره احد الاصدقاء الذي اراد على ما يبدو ان يثبت انه الاذكى فلم يعيده لي لحد الان ، الا ان صديقا اخر احضر لي نسخة جديدة بعد ان اطلع على مسودة مقالتي هذه . وبقراءة بعض الفصول اكتشفت انه يناقش الكثير من الموضوعات الواردة في هذا الجزء وما سيليه من الاجزاء ، بتوسع اكثر ، وحجم كبير من الوثائق والمصادر ، اضافة الى ان الرجل يمتلك اطلاع على الامور الفقهية اكثر بكثير من كاتب هذه المقالة . وبالقراءة السريعة لبعض فصوله انصح كل مسلم على مذهب اهل البيت قرائته ليكتشف كيف ان الدين اصبح لعب وتجارة بيد بعض ممن يدعون التصدي لحمايته .
كما انبه وانصح بقراءة المفكر الاسلامي المجدد الدكتور علي شريعتي شريعتي ، خاصة كتابه " التشيع العلوي والتشيع الصفوي " . والدكتور شريعتي من المتبحرين بالفقه وعلومه ما يعطي كتاباته نكهة خاصة .
سيناقش الجزء الاخير من هذه الدراسة موقف الحركات السياسية الاسلامية من المحنة العراقية والانتفاضة الصدرية ، والذي تعمدنا تاجيل نشره الى حين الانتهاء من القراءة المركزة لكتاب الاستاذ عادل رؤوف .
.
الدكتور موسى الحسيني
يفسر البعض الاخر من الاخوة هذه السلوكيات ، بانها محصلة حتمية لممارسات الحاشية المحيطة بالمرجع ( سبق الحديث عن هذا الموضوع في القسم الاول من هذه الدراسة ) ، الا ان مثل هذا الاعتقاد لايستند للمنطق ، فالحاشية بامكانها ان تخفي على المرجع بعض المعلومات البسيطة عن شخص او قضية ، لكن ما يجري من مظالم في العراق تجري بشكل مكشوف امام عدسات وسائل الاعلام وهدير الدبابات والمدفعية والطاتئرات التي تسمع الاصم .
كذلك الحال ما يخص سقوط الحجج الواهنة التي أستخدمتها الادارة الاميركية لتبرير حربها العدوانية المستمرة على العراق والعراقيين ، وظهور حقيقة دوافعها . وبما لايستطيع احدا اخفاءه .. واذا افترضنا ان حاشيته تمتلك كل هذه القدرات لحجب الحقيقة عنه وعزله كليا عن الواقع .. ترى من المسؤول على تجميع هكذا حواشي فاسدة ..!؟
والسؤال الذي يفرض نفسه عند الحديث بصراحة عن مثل هذه الامور التي تمس كيان ووجود شعب مسلم ودولة مسلمة ، اذا كان الفقيه لايستطيع ان يكسر حاجز حاشيته ليصل للحقيقة في موضوع مكشوف كهذا ، كيف يرتضي تحمل مسؤولية زعامة طائفة ..!؟ وتحمل مسؤولية الزام المسلمين بمواقف تعكس مصالح الحاشية ولاتتماشى مع الشريعة وسلوكيات النبي والائمة المعصومين ..
ان مثل هذا الحديث يعني بقية المراجع ، كما يعني السيد السستاني ، فمن الغريب ان يكتشف الانسان انهم غادروا العراق جميعا بصمت وهدوء ، مستحسنين السلامة في البعد ، والغريب ان الوعكات الصحية التي اصابت السستاني في نفس توقيت بدء الهجوم الاميركي على النجف وتكثيف الحملات العسكرية على المدن الاخرى ، امتدت عدواها لتصيب السيد ابراهيم الجعفري الذي سافر الى لندن للعلاج . بما يعكس انها من نوع الاوبئة الجماعية .
ما فائدة زعيم او زعماء جماعة او طائفة يفضلون السلامة بالهروب من تحمل مسؤولياتهم في ازمات هي من اشد ما تعرض لها الشعب العراقي خلال المئة سنة الماضية ، ليعودوا في اوقات الهدوء والاستقرارليعلمونا : " المسألة 1169 : الحيوان وحشيا كان ام اهليا ... اذا ذكي بالذبح على الترتيب الاتي في هذا الكتاب وخرجت روحه يحل اكله ، هذا في غير الابل والسمك والجراد ، اما هذه الثلاثة فتذكى بغير الذبح على ما سيتضح في المسائل الاتية ." او " المسالة 1173 : الحيوان المحرم اكله اذالم تكن له نفس سائلة – كالحية – لا اثر لذبحه او صيده لان ميتته طاهرة " ، وغيرها من تلك المسائل التي وصفها السيد محسن الامين العاملي في انها ليست الا من " قفبيل تضييع العمر بلا فائدة " ، لم يدرك السيد محسن الامين التطورات التي خطتها المرجعية كي تتوافق مع عصر العولمة ليدرك ان هذه المسائل ليست بلا فائدة ، فهي بقدر ما تشاغل الناس بما لانفع فيه تدر بالوقت نفسه مئات الملايين التي تضمن للمرجع مستقبل ابناءه من بعده ليموت قرير العين مطمئناً . وليذهب ابناء جميع الشيعة والمسلمين للجحيم . فالدين اصبح على مايبدو شطارة كما هي التجارة . ومن لايرضى فتهمة الزندقة والخروج على الطائفة اوالاتهام بالتامر مع الطوائف الاخرى جاهزة ، فاللمرجعية اسليبها القمعية الكفيلة بحماية دكتاتوريتها ، وتفردها برضى الله .
ما حاجة الانسان المسلم في العراق لان يتعرف الاحكام الشرعية في كيفية اكل الجرادة او الحية ، وهو يتعرض للذبح اليومي مهددا بماله وعرضه وروحه ودينه . وما فائدة ان يكون الفقيه رحيما كريما عطوفا على الحيوانات ويفتي بحرمة ذبحها امام حيوان من جنسها - المسالة ، ولا يحرم الذبح اليومي للانسان العراقي ، امام انظار البشر ، واغتصاب النساء امام عيون الرجال وكاميرات المصوريين ، ولايقول شيئا ، بل يساوي بين الضحية والقاتل ، بحجة التقيه ، ولا يحسب حساب لتقوى الله ..!؟
لذلك لانستغرب ان نجد كتاب المسائل المنتخبة للسيد السستاني المؤلف من 600 صفحة ، و1452 مسالة ،ليس من بينها واحدة تتناول موضوعة الجهاد ، وكأن السيد لايحسبه فريضة من الفرائض الخمسة ، مع انها وباتفاق علماء المسلمين – والشيعة من ضمنهم – يمثل الركن الخامس من اركان الدين ، اي العبادات الخمسة ، الصلاة والصوم ، الزكاة ، الحج ، الجهاد ، الا ان السستاني يلغي الجهاد ويتجاهل ذكره ويضيف الخمس كركن خامس بدلا منه ، وكان المطلوب من الشيعي على راي السيد ان يلغي هذه الفريضة التي امر بها الله . فهل يحق للفقيه ان يلغي غدا الصوم او الصلاة والحج مثلا ، لماذا الجهاد بالذات وبأي حق ..!؟ ليس هناك من تفسير غير ان الغاء الجهاد يضمن السلامة ويحقق للانسان المتعة بالامتيازات التي يحققها الدين ، دين عصر العولمة ..!
مع ان الكتاب يخصص 19 مسالة في الذباحة ، و23 مسالة في الصيد ، و32 مسألة في الخمس ، مع ان قضية الخمس ، ضلت تثير الكثير من الجدل حتى عند بعض علماء الشيعة .
المعروف عن السستاني ، انه واحدا من المجتهدين المقلدين ، ولم يكن مجددا ، على شاكلة الشهيدين الصدريين ، والسيد فضل الله ، ويتضح ذلك بوضوح حتى من خلال رسالة الاجتهاد التي عادة ما يكتبها الفقيه للدلالة على قدرة استباط الاحكام الشرعية ، لذلك لجأ لتبني رسالة الاجتهاد للسيد محسن الحكيم والتي سبق ان تبناها السيد الخوئي من قبله ، مع " تغيير مواضع الخلاف منها مما يؤدي اليه نظري ، مع بعض الحذف والتبديل والاضافة والتوضيح لكي تكون اقرب الى الاستفادة والانتفاع " كما عبر هو عن ذلك ، ويستمد عادة السستاني فتاويه من احكامها ، فهو مقلد اكثر منه مجتهد ، لذلك يعيب عليه اتباع الشهيد السيد محمد صادق الصدر هروبه من المناظرة مع السيد الصدر ، ويعتقدون انه غير مؤهل للمرجعية ، وان مكانته استمدها من القدرة الاعلامية والاقتصادية لابناء المراجع السابقين الذين لهم مصالح اقتصادية اوسياسية لظهور مرجع بمثل شخصية السستاني ، كما سياتي ذكره .
الا ان السيد الخوئي لم يغفل او يغيب فريضة الجهاد ، الذي قسمه الى جهاد ابتدائي : اي غزو المسلمين لبلاد غيرهم بهدف نشر الاسلام ، وتلك من وظائف الامام المعصوم ، والجهاد الدفاعي ويعني مواجهة غزو خارجي يقع على بلاد المسلمين من قبل دولة غير مسلمة ، ويلزم الخوئي المجتهد للمبادرة بالافتاء ضد مثل هذا الغزو . ويبدو السستاني هنا حتى كمقلد فاشل خارج على فتاوى وتشريعات المجتهد الذي اختار هو بنفسه رسالته كمرجع لفتاويه .
افتى السستاني بالجهاد لمواجهة الغزو الاميركي قبل بدأ الحرب بشهر او اكثر وظهر على شاشة تلفزيون بغداد جالسا ومجموعة من العلماء خلف السيد عدنان البكاء الذي كان يقرأ الفتوى . وعندما اشاع بعض مؤيديه في الخارج بان الفتوى غير صحيحة او انها أُخذت بالقوة ، عاد مكتب السستاني في النجف ليرد عليهم بتاكيد صحة الفتوى وانها كانت طوعية دون اكراه من احد . والسؤال من يتحمل ازر من قتل من ابناء الطائفة ممن قاوم الغزو خلال الحرب وقتل استجابة للفتوى .
ثم ما هو الموقف الشرعي السليم مقاومة الاحتلال وهو عدوان مستمر ، كما افتى السستاني من قبل بذلك ، ام التعايش معه وقبوله كامر واقع . ثم ما معنى الصمت والسكوت الذي مارسه السيد في الاشهر الثماني الاولى ، ثم فجأة يتحرك لقدم لسلطة الاحتلال المبررات الشرعية على كامل تصرفاتها كما ذكرنا في اعلاه .
المرجعية في عصر العولمة
رغم كل هذه الالقاب التي استخدمت لرفع مكانة المجتهد لمستوى من القدسية ، الا ان حقيقة الامر ليس هناك من نص او تشريع الهي او حديث نبوي ما يسند هذه القدسية ( سبق ان ناقشنا هذه المسالة في الجزء الاول من هذه الدراسة ) الا تطلع المستفيدين للتمتع بالحياة من خلال رفع منزلة المجتهد لمستوى الائمة المعصومين والانبياء ، واضفاء ما لا يقبله الائمة لانفسهم من الصفات والسمات – كما ذكرنا في الجزء الاول من هذه الدراسة ، فقد اضحت المرجعية سوق رائجة ، لها مؤسساتها المالية والاعلامية ومراكزها الخاصة ، والاعداد الهائلة من الموظفين والمستفدين دون ان يكون لهم من فائدة تذكر سوى جمع الاموال و تنفير الناس من الاسلام والمرجعية بما يمارسونه من سلوكيات غير مقبولة ( نستنكف عن ذكرها لما فيها من قصص يشيب لها الطفل ) ، يستخدم المستفيدين منها اسم المجتهد لجني الارباح الطائلة يتساوى في ذلك ابناء المجتهدين وعائلته او حاشيته وبعض وكلاءه ،مستثمرين الحالة النفسية القلقة للانسان المسلم وحالة اختلال التوازن التي تعاني منها الامة ليقدموا انفسهم من خلال المجتهد وكانهم يمتلكون الخلاص الذي سينقذ الانسان مما يعاني منه من خوف وضياع وشعور حاد بفقدان الامن ، فحاولوا تصوير المجتهد كوسيط بين العبد وربه وهم وسطائه بالتبعية ، يبيعون الوعود والخرافات . وظيفتهم جني الارباح وبيع الاوهام .
لذلك بدأت المرجعية تميل لان تصبح قريبة من الملكيات الوراثية ،لايكتفي فيها الابناء وراثة اموال المسلمين التي بعهدة المرجع وكانها حق خاص ، بل تضخيم مكانة المرجع وادواره ليحتفظوا بعد مماته بنفس الامتيازات التي يتطلع الابناء وبعض الاتباع لاستمرار في وراثتها بل وتوريثها لابناءهم من بعدهم . من هنا وجدنا ان بعض ابناء المراجع ومن اجل الاحتفاظ بامتيازات المرجعية يتدخل لتحديد المرجعية الجديدة من خلال ما يملكه من امكانات مادية واعلامية ، ليفرض عليها عدم المطالبة باستعادة اموال المرجعية السابقة وامتيازاتها التي يريد حيازتها لنفسه مع انها اموال عامة ، تعود ملكيتها لفقراء المسلمين ويفترض ان تنتقل للمرجع الجديد ، كما حصل مع مرجعية السستاني التي ما كان لها ان تتحقق لولا تدخل ابناء المراجع السابقين ، ابناء السيد الخوئي لرغبتهم بالاحتفلظ بامتيازات واموال المرجعية ، واولاد السيد المرجع محسن الحكيم بسبب تطلعاتهم السياسية التي هددها بروز السيد محمد صادق الصدر كمرجع وكزعيم سياسي ، فادلوا بدلوهم في التشكيك بعلميته ، بل حتى بعقله ونزاهنه ، واتهموه بالعمالة للنظام . فكان لهذه الحملة اثرها في اضعاف مرجعية السيد الشهيد محمد صادق الصدر ، وترجيح كفة السيد السستاني . فكانت مرجعية الاخير اقرب لولادة قيصرية خدمها بشكل كبير استشهاد السيد محمد صادق الصدر بوقت مبكر . ، مما اخلى الساحة من منافس شديد ، لذلك يمكن ان يقال ان بعض مرجعيات عصر العولمة محكومة بزينتي الحياة – الاموال والبنون – اكثر مما هي محكومة بالورع والتقوى .
يسجل للسيد الخميني مبادرته لمنع اولاده او احفادة للعب مثل هذه الادوار فابعدهم عن المركز التي تمكنهم من استغلال اسمه بل اعتقل حفيده عندما حاول ان يستغل قرابته للسيد كي يتدخل بشؤون المرجعية والدولة في ايران .
كما لايمكن النظر لبروز السيد القائد مقتدى الصدر بنفس المنظار، فلم يعرف عنه انه تلاعب او ورث شيئا من املاك المرجعية ، كما ان بروزه لم يكن بفعل هذه الظاهرة الشاذة للمرجعية الوراثية بقدر ما ان الرجل برز كقائد معبر عن ارادة الملايين للخلاص من الاحتلال وتحقيق السيادة الوطنية ، قد تكون اصوله خدمته كثيرا في بروزه بسرعة وتجميع الانصار والمؤيدين من خلفه لكنه يمتلك ايضا القدرات الخاصة ليتجاوز دور ابن المرجع الى دور الزعيم السياسي صاحب الموقف الخاص ، وهو لم ينافس احدا على مرجعيته او امواله بقدر ما انه اتخذ دوره كمواطن قادر على فهم واستيعاب هموم ابناء وطنه . واذا كان لدور ابن المرجع من اثر عليه فهو قدرة المرجع السيد محمد صادق الصدر على نقل قيم الفضيلة والشجاعة والزهد والتمسك بالقيم الدينية والروحية الى حد الاستعداد المطلق للاستشهاد ، وليس كامتياز للتمتع بالحياة الدنيا . ويمثل ابناء الخالصي نموذجا اخر لهذه النزعة في وراثة قيم الفضيلة من المرجعية لااموالها او مكانتها الاجتماعية لاستخدامها كاساس لبناء زعامة سياسية او التحول لمركز تجاري لدعم النزعات الفردية الشاذة في تاكيد الذات ولو على حساب اموال المسلمين ودمائهم .
ان هذه القدسية التي يحاول ان يعطيها البعض للمجتهد تتناقض كليا مع اساسيات المذهب ، حيث عرف الشيعة بالمخطئة ، اي ان مؤسسي المذهب واباءه الاوائل يرون ان المجتهد بشر يمكن ان يخطأ ويصيب . فهو ليس معصوم من الخطأ ، الا ان جميع المجتهدين وعلماء المذهب يتفقون على ان من اهم صفات المرجع ان يكون على درجة من التقوى والورع اللتان تمكنانه من مغالبة هواه ، وكما عبر عن ذلك السيد الشهيد محمد باقر الصدر : " وبقدر عظمة المسؤولية التي اناطتها الشريعة بالعلماء شددت عليهم وتوقعت منهم سلوكا عامرا بالتقوى والايمان والنزاهة نقيا من كل الوان الاستغلال للعلم لكي يكونوا ورثة الانبياء .
فقد جاء عن الامام العسكري عليه السلام في هذا السياق قوله فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فاللوام ان يقلدوه ."
اما ان يقف السيد السستاني مع قوات الاحتلال ، ويدعمها بمناورات ظاهرها محاولة ضبط سلوك سلطة الاحتلال ، الا انها تخدم بالمحصلة النهائية وجود واستمرار الاحتلال ، وتضبط سلوك قطاعات كبيرة من الشعب وفقا لمعايير الخنوع والاستسلام بالطريقة التي تريدها هذه السلطة، كل هذا من اجل اشباع رغبة الاانتقام من الشهيد الصدر من خلال ابنه السيد مقتدى الصدر ، وجماعات الصدريين الذين على ما يبدو انه اخرجهم من قائمة المسلمين ، يحلل قتلهم ، فهو وان لم يفتي بذلك الا ان السكوت دلالة على الرضا. مع ان الآيات والاحاديث التي تحرم دم المسلم ليست بعيدة ، فأية شريعة هذه التي يستند لها السستاني في سكوته .
قد يقول جاهل ومنافق ، ان هذه الاستنتاجات لاتمثل موقف السيد السستاني ، وانه لابد اتخذ موقفه هذا على اساس سند شرعي . والسؤال اي شرع هذا يمكن ان يرتضي سكوت من يكون في موقع المرجع الاول للطائفة ويرى ابنائها يقتلون ظلما وهو ساكت فرح بالطائرة الخاصة التي هيئتها له قوات الاحتلال للسفر بها من اجل اجراء فحوصات في الخارج . ويخطأ السستاني اذا اعتقد ان القتل سيطال جماعات الصدريين فقط فليس هناك من مناطق سكنية تعزل الشيعة من مقلدي الصدر عن غيرهم ، اي ان القتل سيطال ايضا مقلدي السستاني ومقلدي المراجع الاخرين ، وحتى انصار الاحزاب المتاسلمة الاخرى السائرة في فلك الاحتلال فرحة بمنصب وزاري او اكثر ، تعتقد انه حقق لها انتصارها في تحقيق اهدافها في ان تتموضع في موقع مخلب القط ضد شعبه ومواطنيه . فمن المسؤول غدا عن هذه الدماء ، وهل سيبقى للورع والتقوى ومغالبة الهوى من وجود ، يمكن ان يلزم المسلم لتقليد مثل هذه المراجع والاحزاب التي تتامر على الطائفة . ومع من .. مع الشيطان الاكبر ، الذي كان جميع مراجع الطائفة العظام ، وحتى من يدعون تمثيلها سياسيا ان التعاون معه سيحول المتعاون الى مخلب قط لايذاء اخوانه ، وتابع وعميل للاستكبار .
يطمح السستاني على مايبدو ان تحقق له قوى الاحتلال ، ما لم تحققه له الشريعة او الاعلمية التي يدعيها ، التخلص بالقتل والقمع من انصار وكوادر التيار الصدري اولئك الذين خذلوه ورفضوا ادعاءاته بالاعلمية ، ويضمن بذلك وحدانية وجوده على الساحة ويضمن ايضا عودة اموال الخمس والحقوق له ، وله وحده . مما سيحقق له ميتة قرير العين المطمئن على مستقبل اولاده من نكبات الدهر ، فما سيخلفه يكفي لان يهرب ابناءه او احدهم الى اي من عواصم العالم ليبني مركزا اسلاميا يضمن له تلقي المزيد من التبرعات والتهرب من الضرائب تحت غطاء ما يعرف بالمؤسسات الخيرية او الدينية والثقافية ، ويعيش عيشا هنيأً تحت غطاء خدمة آل البيت ونشر مبادئهم ومذهبهم ، مع ان احدا من آل البيت لم يترك من ارث لاولاده واحفاده ، ولم يترك احدا دار الاسلام ليهاجر بعيدا متمتعا بمبادئ حقوق الانسان والديمقراطية. وهذا الامام علي الذي يدعون الاقتداء به ،يغضب ويبكي ابنته زينب في ليلة العيد عندما يكتشف انها استعارت عقدا من بيت المال تتزين به ، ويؤنب صاحب بيت المال لسماحه لها بذلك .. وعندما جاءه ابنه الحسن في الليلة الثانية من جرحه الذي مات بسببه بطبق فيه رغيف من الخبر واناء من اللبن ، يساله بني حسن أأطعمت اسيرك ، ويجيب الحسن بالنفي ويبرر ذلك بان ليس هناك من طعام في البيت غير هذا الذي الطبق ، ويصر عليه السلام ان يتقاسم الرغيف واناء اللبن مع عبد الرحمن ابن ملجم . فاين هو تراث اهل البيت الذي يدعون نشر ثقافته ، مقابل هذه الامبراطوريات المالية التي يهربون بها للخارج ، وملايين الشيعة من العراقيين يتضورون جوعا ، ويعانون من شظف العيش ، محرومين من الكثير من الاساسيات الضرورية للعيش بكرامة .
وهل يحق لاي مرجع ان يتجاوز هذه القيم بحجة القدرة على استنباط الحكم الشرعي ، ويتغافل عن ما اوجبه الخالق من فرائض باسم آل البيت ..!؟
حدود صلاحية المجتهد
ان الاجتهاد مسؤولية وليس امتياز ، فتفرغ رجل ما لاكتساب المعارف الدينية ، لايعطيه اي حق في للتحكم في مصائر البشر ، او القدرة على تزكيتهم او ادانتهم ، تكفيرهم او الشهادة في حسن اسلامهم . فذلك حق لم يمنحه الله حتى للانبياء ( ما انت عليهم بوكيل ) ، والاجتهاد كمبدأ الغاية منه متابعة تطورات الحياة وتغيراتها ، ونبذ الجمود واستعمال العقل في التمييز بين ما له علاقة بمصالح الامة الاسلامية ، وما هو ضار من الامور الدنيوية ، مما لم يرد به حكم صريح في القرآن والسنة ، ولا يحق للمجتهد ان يخرس من اجل ان يضمن سلامته عن الافتاء بالاحكام الصريحة ، لان ذلك يضعه في خانت الشيطان الاخرس ويسقط عنه سمات المرجعية والاجتهاد التي تؤكد على العدالة ومغالبة الهوى وطاعة المولى ( نذكر دائما ان المقصود به هو الله عز وجل وليس السيد بريمر او اتباعه من الاجراء المحليين ) .
والتقية ، وان ادعى البعض بانها واجبة ، الا ان وجوبها محدود بما هو مظهري وانيفي اداء العبادات ، الا انها لاتلغي باية صورة من الصور هذه العبادات ، او بعض من احكام الخالق وحدوده ، لانها تتحول عند ذلك الى حالة من حالات النفاق ، الذي ينقل المؤمن الى حالة اخرى نهى عنها الخالق ووصفها بالاعمال الشيطانية . .والمجتهد يمتلك الحق في استنباط الحكم الشرعي في فروع الدين ، ولايحق له ذلك بما يتعلق في الاصول ، كما يعتقد المرحوم الشهيد السيد محمد باقر الصدر حيث يرى " وفي الوقت الذي اوجبت به الشريعة التقليد بالمعنى الذي ذكرناه في فروع الدين من الحلال والحرام حرمته في اصول الدين ، فلم تسمح للمكلف بان يقلد في العقائد الدينية الاساسية ، وذلك لان المطلوب شرعا في اصول الدين ان يحصل العلم واليقين للمكلف بربه ونبيه ومعاده ودينه وامامه ودعت الشريعةكل انسان الى ان يتحمل بنفسه مسؤولية عقائده الدينية الاساسية بدلا عن ان يقلد فيها ويحمل غيره مسؤوليتها "
ويرى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ان العبادات الخمسة هي من اصول الدين وليس فروعه ، والجهاد هو الفريضة الخامسة من هذه العبادات ، وهي اهم على ما نعتقد من صيد الجراد او الحيات وغيرها من الامور التي لايمكن ان تفهم الا انها مضيعة للوقت ، في وقت تتكالب فيه قوى الشر والعدوان لذبح العراقيين كالخراف ، قبل ان يتوفر لهم الوقت الكافي لمعرفة ما اذا كان الواجب اكل الجرادة بالذبح او بدونه . فقد سمم اليورانيوم المخضب حتى الجراد والحيات .
والمجتهد مسؤول لتنبيه الامة عما لم تنتبه اليه من المخاطر التي تهدد مصيرها ووجودها ، او ما هو على علاقة مباشرة بمستقبلها . انتهى عصر صيد الجراد والحيات ، ونحن الان احوج ما نكون لدين يعلمنا كيف نتعامل مع الصواريخ التي تتساقط على رؤوسنا دون ذنب ، او جريرة .
وعلى مفكرينا وعلمائنا ان يخرجوا من صمتهم لاعادة صياغة مفهوم الاجتهاد وشروطة ، ليعود كمبدأ لخدمة الانسان وتعريفه بما يجهل من امور دينه ودنياه ، لا مجرد منصب مقدس لجمع الضرائب والاموال التي يهدر الكثير منها في غير مرضاة الله . ولايسعني هنا الا ان انصح بقراءة كتب المفكر المجدد الاستاذ عادل رؤوف الذي اطلعت على كتابه القيم "عراق بلا قيادة " بعد الانتهاء من كتابة مقالتي هذه ، رغم ان سماحة الشيخ الجليل محمد مهدي الخالصي كان قد اهداني نسخة منه في العام الماضي وضعته بين مجموعات الكتب الجديدة بانتظار قرائته ، فاستعاره احد الاصدقاء الذي اراد على ما يبدو ان يثبت انه الاذكى فلم يعيده لي لحد الان ، الا ان صديقا اخر احضر لي نسخة جديدة بعد ان اطلع على مسودة مقالتي هذه . وبقراءة بعض الفصول اكتشفت انه يناقش الكثير من الموضوعات الواردة في هذا الجزء وما سيليه من الاجزاء ، بتوسع اكثر ، وحجم كبير من الوثائق والمصادر ، اضافة الى ان الرجل يمتلك اطلاع على الامور الفقهية اكثر بكثير من كاتب هذه المقالة . وبالقراءة السريعة لبعض فصوله انصح كل مسلم على مذهب اهل البيت قرائته ليكتشف كيف ان الدين اصبح لعب وتجارة بيد بعض ممن يدعون التصدي لحمايته .
كما انبه وانصح بقراءة المفكر الاسلامي المجدد الدكتور علي شريعتي شريعتي ، خاصة كتابه " التشيع العلوي والتشيع الصفوي " . والدكتور شريعتي من المتبحرين بالفقه وعلومه ما يعطي كتاباته نكهة خاصة .
سيناقش الجزء الاخير من هذه الدراسة موقف الحركات السياسية الاسلامية من المحنة العراقية والانتفاضة الصدرية ، والذي تعمدنا تاجيل نشره الى حين الانتهاء من القراءة المركزة لكتاب الاستاذ عادل رؤوف .
.
الدكتور موسى الحسيني