المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المرجعية الشيعية في العراق و السياسة ( دراسة للدكتور محمد موسي الحسيني)



الدكتور عادل رضا
08-22-2004, 02:40 PM
االمرجعية الشيعية والسياسة في العراق

القسم الثاني : عندما يلبس مخلب القط العمامة

النص التالي ماخوذ من البيان التاسيسي للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق ، الصادر في 1983 ، والذي وقع عليه في حينها جميع الاحزاب والحركات الاسلامية ، مثل المجلس بتركيبته الحالية – انصار الحكيم - ، حزب الدعوة باطرافه المختلفة ، منظمة العمل الاسلامي ، جند الاسلام وغيرهم من الاطراف والشخصيات التي تشارك جميعها او تنتظر دورها للمشاركة في الادارات المحلية التي شكلتها سلطة الاحتلال ، سواء ما عرف منها بمجلس الحكم ، او الحكومة المؤقته . وتحت عنوان فرعي في البيان التأسيسي " الخطوط العملية العامة للتحرك " وبعد مناقشت الفرق بين العمل السياسي والعمل الجهادي وتأكيد البيان لرفض العمل السياسي ، يقول البيان معرفا العمل السياسي اولاً : " ولايعني العمل السياسي الا التفاهم المطلق مع الاستكبار العالمي ، والمستكبرون ليسوا أناس مغفلين او ضعفاء العقول يمكننا تحقيق أهدافنا عن طريقهم ونحتفظ بوجودنا وأستقلالنا ، فالأستكبار العالمي يرى نفسه ( الرب الأعلى ) الذي بيده زمام الأمور ، والتفاهم معه يعني الأستسلام المطلق له .
ونقول للبعض ممن يفكر بهذا الشكل ، أن الأستكبار اذا أراد التفاهم فأنه لايتفاهم مع الطيبين من أبناء الاسلام ، لأنه لايحبهم ولا يراهم مؤهلين لهذا التفاهم ، وهناك أناس أقرب الى ذوقه وفهمه وتفكيره وأخلاقياته يراهم وؤهلينلذلك ، ويمكنهم ان يتحولوا الى أتباع ، ونحن لايمكن ان نتحول الى اتباع ، وأقول لهؤلاء المسلمين الذين لديهم رغبة في ذلك حيث نلاحظ مع الأسف هذه الظاهرة عند بعض الاشخاص ممن كان يطرح الشعارات الاسلامية ويتحدث بالاسلام ينحدر تدريجيا بهذا المنحدر ويتحول بالتدريج الى تابع وعميل للاستكبار لحل مشاكله ، ونحن نقول لهم ان الأ ستكبار مع ذلك لايقبل بكم ويختار غيركم ويستخدمكم مخلب قط لايذاء اخوانكم."
والسؤال ونحن نرى المساهمات النشطة لهذه الاحزاب في اعانة الاستكبار ( ولايحتاج المصطلح للتعريف ، فالمقصود به الاستعمار ) ، ليس فقط في احتلال البلد بل ومؤازرته للاستمرار في تثبيت الاحتلال وديمومته وبقاءه لاطول فترة ممكنة ، والى حد المساهمة في ايجاد التبريرات لضرب قوى المقاومة ليس تلك التي اتهمت زورا بانها اجنبية ، وارهابية ، بل حتى التيار الشيعي منها ، والى حد الوقوف موقف المتفرج ، والداعم احيانا لقوى الاحتلال وهي تدنس المدن المقدسة الشيعية . وتذبح الشيعة بدون حساب وتجرح قباب الائمة ، مع ذلك فهي لاتحرك ساكن ، تحرك بعضها بعد تصاعد حدة الاستنكار الشعبي والعالمي ليستنكر ، ويدعو للعقلانية . ومن الواضح ان استنكارها هذا يندرج تحت باب رد العتب والمناورة لانهم يمثلون جزءً من هذه السلطة التي تمارس كل هذه الممارسات الشريرة ضد المسلمين في العراق ، والشيعة ومدنهم المقدسة خاصة .
عندما نقول جزء من السلطة لانعني به ذلك الجزء الذي يمكن ان يشبه راس القط او بدنه بقدر ما هم ليسوا الا بموقع المخالب التي يستخدمها الاستكبار لايذاء شعبهم وطائفتهم .ما الذي تغير هل لبس القط لبوس الاسلام فامنوا به الاه جديد أم انهم هم الذين تبرعوا للعب دور القط مقابل عظمة رماها لهم الأستكبار ، فأنستهم دينهم وطائفتهم ومثلهم ، بل وأطروحاتهم عن الادوار العميلة لمخالب القط . ( سنناقش مواقف هذه الحركات في الجزء الثاني من هذا الباب ) .
اذا كانت هذه الاحزاب ، وكما شخصت هي في برامجها ، تحولت للعبة الشيطان – السياسة – " لاهداف مشبوهة او بسبب الأنحراف في التفكير والترف السياسي والتعامل مع قضايا الأمة بروح اللامبالاة " . لكن السؤال المحير ما بال المرجعية الدينية التي يفترض ان تكون بموقع البوصلة التي تحدد الاتجاهات السليمة ليس للاحزاب التي كانت تدعي الحرص على حقوق الطائفة ، بل لعموم الطائفة والمسلمين جميعا ، فمهما يتقول الموظفيين لترويج الطائفية ، تكشف الحقائق التأريخية تمسك سنة العراق بالمرجعيات الشيعية اوقات الشدات والمحن ، ويتناسى الجميع انهم شيعة او سنة ، او حتى مسلمين وغير مسلمين ، تجلى ذلك بوضوح في موقف الشيخ ضاري يوم رفض التعاون مع الحاكم العسكري البريطاني متمسكا بموقف المراجع في النجف . كما هو الحال في موقف اهالي تكريت وسامراء والموصل الذين عرضوا استعدادهم للوقوف المطلق بالمال والسلاح مع الشيخ الخالصي وعلماء النجف للتصدي للعبات سلطات الاحتلال البريطاني التي دفعت عصابات الاخوان لمهاجمة المدن الشيعية وقتل ابنائها ونهب مواشيهم واموالهم . فالموقف الوطني السني لم ينعزل يوما او يتحرج في السير تحت قيادة المراجع الشيعة عندما تكون رمزا للالتزامات الوطنية الطامحة لتحقيق الاستقلال ، وتاكيد السيادة الوطنية .
ولا نستغرب اليوم ان يقدم الوطنيون من السنة تايدهم للسيد القائد مقتدى الصدر ، كرمز وطني معبر عن اماني وطموحات غالبية الشعب العراقي الا من ارتضى لنفسه ان يتخذ دور مخلب القط .
نعود للقول اذا كانت هذه الاحزاب قد ارتضت للاسباب التي شخصتها هي ان تكون في موقع دور المخلب لقوى الاحتلال ، وتتامر وتحث قوى الاستكبار العالمي على القضاء على ظاهرة السيد مقتدى الصدر بعد ان تعودة على رفاهية العيش بدور المعارضة في الخارج متمتعة بكل الامتيازات التي قدمتها لها قوى الاستكبار العالمي ، فما بال المرجعية التي يفترض انها محكومة بشروط الاجتهاد ، كالتقوى ومغالبة الهوى والورع والزهد .
يسلط هذا الجزء الضوء على دور المرجعية الذي وضعها في موقع مخلب القط ، هي الاخرى .

سيبتعد الكاتب جهد الامكان عن تكرار ما تم الحديث عنه من شؤون المرجعية كمعناها ، ومراحل تطورها وواجباتها مما سبق مناقشته في القسم الاول من هذه الدراسة ، والذي لازال تحت يد من يرغب الاطلاع علية في ارشيف جريدة القدس والكثير من شبكات الانترنت (1) . سنقتصر في هذا الجزء على بعض الاستنتاجات التي يمكن الوصول لها من القسم الاول ، لنعتمدها في محاكمة سلوك المرجعية الدينية المتمثلة بمرجعية السيد السستاني حيال ما يجري الان في العراق والتي تكللت بهروبه الاخير من الساحة في لحظة يعيشها الشيعة والمسلمون ، هم فيها احوج ما يكونوا للمساهمة الفاعلة للمرجعية .

دور المرجعية في خدمة الاحتلال

ان مصطلح المرجعية يشير لاكتساب خبرات معرفية في العلوم الفقهية ، بمستوى يستطيع معه المرجع ان يستنبط الحكم الشرعي الاقرب للصحة من وجهة نظر دينية . فهو كاي خبير في شتى حقول المعرفة ، يكتسب احترامه ومنزلته من اجادته لصنعته كما يعني الاجتهاد المعرفة الدقيقة بالقيم الاخلاقية التي هي بالاساس معايير سلوكية حددتها الاديان المختلفة ، والاسلام خاصة ، باعتبارها المعايير التي تمثل ارادة الخالق التي يريد من خلقه اعتمادها لضبط جميع سلوكياتهم مع وجود الرقيب او بغيابه ، ما دامت الغاية مرضاة الله الموجود مع العبد في خلوته واجتماعه . لذلك يتوقع الناس من المرجع ان يكون مثالا للخلق الكريمة ، وهذا ما يفسر معنى استخدام المراجع الاوائل لألقاب الدالة على التواضع بعكس مرجعيات عصر مابعد الحداثة والعولمة . كان لقب الحقير ، او الفقير لله هو الشائع في الدلالة على مستوى الاعلمية التي وصلها المرجع ، وظل هذا سائدا حتى اواخر الخمسينات وبداية الستينات . ولم تعرف هذه الالقاب الغريبة التي يستعملها مجتهدي عصر العولمة كآية الله العظمى ، وحجة الله على ارضه ، وغيرها من الالقاب التي توحي بالقدسية ، وكان المجتهد ارتقى او سما فوق مستوى البشر . لكنها باعدت بالحقيقة بين المرجعية والسماء لتغدو وكانها وظيفة دنيوية الغاية منها احراز افضل المراكز الاجتماعية وضمان العيش الرغيد للمرجع وابناءه واحفاده من بعده . لقد اصبحت اقرب لحالة الاقطاعية في العصور الوسطى ، فما على العبد الا السمع والطاعة ، ويقف السيد المرجع – الاقطاعي موقف المتفرج على عبيده وهم يقتلون ظلما ، مادامت حياته واملاكه واطيانه بعيدة عن الخطر ، ويعطي الحق لنفسه للتلاعب بالشريعة بحجة انه وحده الذي يمتلك الخبرة التي تمكنه من التعبير عن ارادة الله ، ويلغي باسم الله كل الشروط المطلوب توافرها بالفقيه ليكون في موقع يؤهله للافتاء .
ويتستر بعض المراجع وراء الكثير من الاحاديث المختلقة ، ليعيث وابنائه من بعده استهانة بحقوق المسلمين والطائفة ، ما دام محتميا بتلك الاحاديث التي تجعل من مرضاته بمستوى مرضاة الله ورسوله وائمته ، والقول بعكس ما يقوله يقع في حد الشرك حتى لو كان سلوكه يمثل خروجا على تعاليم الائمة ، والرسول الاعظم ، والخالق . فهو ابن الله – المرجع – اية الله العظمى ‘ وما اليه ، ان السستاني باعتباره من مقلدي الخوئي _ كما سياتي ذكر ذلك - يخرج بما يضفيه من حق لنفسه على تعاليم مرجعه ، حيث يؤكد السيد الخوئي ان جميع الاحاديث التي تقال عن تعظيم دور المجتهد هي اما مختلقة او انها قليلة السند – اي مشكوك فيها - .
تمادي فقهاء الولاية الخاصة التشبث بمفاهيم لاعلاقة لها لاباساسيات المذهب ولا الدين ، مثل التقية التي هي ليست الا تكتيكا بمفاهيم عصرنا ، جوز بعض الفقهاء العمل به لحماية الذات - ونركز هنا على مصطلح الذات - عندما يكون الانسان في موقف من لايستطيع حماية نفسه من خطر يمكن ان يتعرض له بسبب الاعلان عن عقيدته ، الا ان هذا السلوك او التكتيك لايُجوز الاخلال بالعقائد الاساسية ، بل يرتبط بالمظهرية والانية من العبادات ، اما ما يجري من تضخيم للمفهوم لاعطاءه صفة الوجوب والالزام فليس الا تعبير عن التطلع للهروب من تحمل المسؤولية عند بعض الفقهاء مع اعطاء هذا التهرب صبغة القدسية وكانه يمثل ايضا ارادة الله .
وبقدر ما يمثل مبدا الولاية الخاصة موقفا اكثر عقلانية للتعايش مع الواقع ، وفهم دور الفقيه على انه يظل بشرا غير معصوم لايجوز له تحمل المسؤوليات الاساسية للامام ، الا ما يحقق خدمة الناس منها ،مثل تعريف الناس بالاحكام الشرعية ، واعتماد ه كوسيط مؤتمن على استلام الحقوق الشرعية لوضعها في مكانها السليم من خلال توزيعها على فقراء المسلمين . وهو غير معني بالتالي بمسالة الحكم والسياسة ، باعتبارها من مسؤوليات الامام .
الا ان هناك فارقا كبيرا بين السياسة ، كلعبة من لعب الشيطان – كما كان يوصفها بعض المتاسلمين - ، وبين التحرك للدفاع عن الدين امام خطرحقيقي يهدف للقضاء عليه، او الدفاع عن ارواح المسلمين عندما تزهق بدون حق من قبل اعداء الاسلام والمسلمين . والعدوان الحاصل والمستمر على العراق ليس سياسة من تلك التي عناها فقهاء المذهب الاوائل واباءه ، ولا تندرج تحت مفهوم التقيه التي يراد بها حفظ الذات . وسواء اكان ما صرح به بوش علانية بعد 11 ايلول – سبتمبر – من انه سيعلنها حربا صليبية ، هفوة لسان او سوء استخدام غير مقصود للمصطلح ، او حتى لو كان مجرد استخدام للمصطلح بمعنى مرادف اخر لاعلاقة له بالمعنى العدائي ، فان ما يجري على الارض هو حرب صليبية واقعية وحقيقية ، وان لم تكن لصالح المسيحية هذه المرة بل لصالح الصهيونية العالمية وتنفيذا لمخطط اسرائيل الاستراتيجي في الثمانينات من القرن الماضي الذي تأخر العمل به الى ان تهيأت في اميركا الادارة المستعدة لتنفيذه ، وارتقاء صاحب المخطط شارون لسدة الرئاسة في الكيان الصهيوني . أي أنه اصبح بموقع صاحب القرار الذي يمكنه من المباشرة في التنفيذ .