المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صراع النخب العراقية ( مقالة لمحمد صادق الحسيني)



الدكتور عادل رضا
08-22-2004, 02:18 PM
صراع النخب العراقية


بقلم :محمد صادق الحسيني

لو قتل الصدر الثالث أو أسر، وحصلت الكارثة بالنجف الأشرف لا سمح الله، فإن التاريخ سيكتب عن واقعة «وساطة» «عميد» الاسرة الصدرية حسين الصدر مع الزعيم الشيعي الشاب المتمرد و«الرافض» لمعادلة السلطة في بغداد، بتلك العبارات البسيطة والمعبرة.وعندها فقط، قد يدرك البعض ما جرى حقاً في الواحد والستين من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم في واقعة الطف العظيمة كان «فقه» الناس يختلف دائماً عن «فقه» السلطة ما لم تعتبر السلطة ما تحمله من مكانة انما هو تكليف وليس تشريفاً.


حتى لو «استسلم» الصدر الثالث، وكل اتباعه والمقربين لشروط حكومة اياد علاوي المعلنة ـ والاجماع على هذا وسط التيار الصدري الواسع الانتشار والمتعدد المشارب والنشأة مستحيل ـ فإن ما حصل على ابواب النجف الاشرف وفي محيط الحيدرية والصحن العلوي الشريف لن ينساه العراقيون لقرون من الآن.


فالجرح أصبح غائراً ولن يندمل بسهولة. والقصة نفسها ستكرر مع «الاسطورة» الجديدة التي سطر فصولها شاب جسور ورث مدرسة «الرفض» لكل ما هو متعارف ومألوف لدى «التقليديين» من اتباع المذهب والدين ـ سواء صنف ذلك تحت سقف المرجعية الدينية او السياسية ـ من عمه وابيه الصدرين الأول والثاني.


لقد كان بالامكان التعامل مع هذا الملف البالغ الحساسية بحكمة وحنكة و«تعال» عن الجاه والسلطة الزمنية خاصة وانها مؤقتة وراحلة.


كما كان بالامكان ان يقف البعض، لا سيما اولئك الذين قرروا حمل «رسائل الامان» بالنيابة، موقفاً اشبه بموقف الحر بن يزيد الرياحي فيكتب لهم التاريخ ما كتب لاصحاب الحسين بن علي من مأثرة خالدة لكن التاريخ يأبى لدى البعض ان يرى نفسه مكرراً على ايديهم فيعيدوا رسم واقعة الطف التراجيدية ولكن بصورة كوميدية!


وهكذا تتحول النجف الى كربلاء! ثمة من يرى في «النخب» العراقية «عجزاً تكوينياً» في ممارسة الاعتدال في السياسة كما في الخطاب والا ما معنى ان يقتتل «اصحاب» الامس وحلفاء مؤتمر لندن وصلاح الدين حتى قبل «تسلم» السيادة على كرسي الرئاسة والزعامة، فيبدأ الصراع مبكراً على من يسبق الثاني في انزاله من قطار المحاصصة السلطوية.


يقول حمزة الحسن، الكاتب العراقي الحصيف: «في الصراعات الوطنية الكبرى، في ازمنة الاقتلاع، في العواصف المزلزلة، في المنعطفات التاريخية، لا أحد يسأل المدافعين عن المدن والكرامة عن شهادة حسن سلوك ولا عن عقائدهم.. فالدم الذي يسيل هو خير شهادة حسن سلوك.. لأن الدم يطهر.. وليس الصراخ والمفاخرة والصخب!».


ويضيف: «هذه التصنيفات لا وجود لها عند اي طبقة مثقفة في العالم ما عدا نخب عراقية أدمنت على الوصف والخانات والفرز حتى في مراحل المنعطف وساعات الحرج التاريخية».


لقد كان بامكان النخب العراقية التي تشكلت احزاباً وظهرت على المسرح السلطوي في بغداد بوجوه عدة ان تصبح مصدر قوة للشعب العراقي الخارج لتوه من عقود الكبت والاستبداد والاقصاء والتصفية لكل من هو «آخر» وان تتحول الى ملجأ وأمان لكل من كان محروماً أو مضطهداً ابان العهد البائد، لكنها سرعان ما تحولت ـ لاسيما تلك المستقوية بالقادم من وراء البحار ـ إلى عصا غليظة يتم بها تصفية كل من هو «آخر» فيما الوطن يحترق بفعل قساوة الآخر وصلفه وعنجهيته وتعطشه للاقصاء والضرب بقوة النار والحديد.


ان مدرسة الصدريين والتيار الصدري ربما كانت المدرسة العراقية الوطنية الأكثر اخلاصاً للعراق في وقت تلخص الوطن فيه برجل والأكثر فعلاً وتعففاً عن مظاهر السلطة والجاه والمحاصصة في زمن تقسيم الغنائم والأكثر اعتدالاً من غيرها على امتداد تاريخ مسيرتها، ولم تمارس العنف والإرهاب حتى مع جلادها وقاتل رجالاتها ورموزها في الزمن الذي كان «سَّوغ» للجميع حتى الاستعانة بأدوات عنف خارجية.


هذه المدرسة التي تحملت الضيم حتى من أقرب المقربين لها وقدمت نموذجاً في غاية الحكمة والاعتدال والتسامح حتى مع المحتلين واعداء الوطن، تراها اليوم تظلم وتعاقب لا على شيء سوى أنها لم ترضخ لإرادة الاحتواء بالقوة وتجبر على الدخول في استقطاب الموت أو «الاستسلام» لتدفع ثمن استقلالها باهظاً وبجحيم الوطن الشاهد والشهيد.


في الزمن الذي يحاصر فيه «الفرنجة» ضريح إمام الفقراء والجياع والمساكين.


في الزمن الذي يحاول فيه «الفرنجة» سحق الذاكرة الدينية والوطنية وتدمير الطفولة في العراق وفي بلاد المسلمين في زمن الضياع والحيرة والتردد والبؤس للنخب الدينية والسياسية العاملة بالاحتياط وانتظار «الفرج» والتواكل والتوكل على جيوش التتار والمغول الجدد.


لن يستطيع أحد قتل مقتدى الصدر أو محوه من ذاكرة العراقيين أو المسلمين عموماً بكل اطيافهم وعقائدهم وانتماءاتهم حتى أولئك المساهمين بقتله عن قصد أو دون قصد، وتحت أي راية فعلوا أو عذر التمسوا.سيكون الصدر الثالث رمزاً جديداً لطف جديد، سيبكي العراقيون وغير العراقيين، محبيه ومبغضيه ومن بعد ذلك سيدخل العراق في مسلسل عنف طويل ومسرح حسيني جديد.


ـ أمين عام منتدى الحوار العربي الإيراني