المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كلثوم للقصبجي: يا أنا يا أسمهان



قمبيز
04-22-2009, 10:45 AM
رتيبة الحفني تضيء جوانب انسانية وفنية في شخصية الموسيقار الشهير وتنصفه من تهم ألصقها به مسلسل أم كلثوم.

http://www.middle-east-online.com/pictures/biga/_76463_qasabji21-4-09.jpg

ميدل ايست اونلاين

بقلم: محمد الحمامصي

لا وجه للمقارنة بين الشخصية التي قدمها الفنان أحمد راتب للموسيقار العظيم محمد القصبجي (1898– 1966) في المسلسل الشهير "أم كلثوم" والذي أثار ردود فعل كثيرة بسبب ما أخذ عليه في معالجته للشخصيات التي ارتبطت بسيدة الغناء العربي كالقصبجي ومحمد عبد الوهاب ومحمود الشريف وزكريا أحمد، والشخصية التي قدمتها عالمة الموسيقى والمؤرخة والفنانة رتيبة الحفني في كتابها "محمد القصبجي الموسيقي العاشق" الصادر عن دار الشروق.

أنصفت الحفني القصبجي من كثير من التهم التي ألصقها به المسلسل وكشفت عن كثير أيضا مما تجاهله ونجهله عنه أيضا، فليس صحيحا مطلقا -وهذه هي النقطة الأهم- أن ينابيع الإبداع قد جفت لديه حين توقف عن التلحين لأم كلثوم واكتفى بأن يكون مجرد عازف ضمن فرقتها.

لكن أفقه المجدد والمطور للموسيقى كان على صدام مع كلاسيكية كوكب الشرق، فأخذت ترفض ألحانه، على الرغم من أن لقاءهما كان بداية التجديد في الغناء العربي، وهو من أقنعها بالانتقال من الإنشاد إلى الغناء بمصاحبة تخت شرقيز

وأسس لها أول فرقة موسيقية، ولم يفارقها منذ حفلتها الأولى عام 1926 حتى وفاته بعد أربعين عاماً، الأمر الذي يؤكد وجود أسباب أخرى غير الفن منها علاقته بأسمهان فالألحان التي أعطاها لها كانت جديدة في تكوينها وصياغتها وكبرت معها إمكانياتها مما زاد من لمعان صوتها، الأمر الذي ساء أم كلثوم التي أكد الجميع أنها كانت تغير من أسمهان وترى فيها منافسة قوية، بل قيل أنها طالبته بعدم التلحين، ولكنه رفض فرفضت هي الأخرى الغناء من ألحانه.

وتؤكد الحفني هذا في تفسيرها رفض أم كلثوم في ضوء "رواسب قديمة" تتعلق باهتمام القصبجي بصوت المطربة أسمهان التي كانت تعتبر منافسة لأم كلثوم في فترة ما والتي خصها بالكثير من ألحانه.

واعتبرت أم كلثوم ابتعاد القصبجي عنها خلال هذه الفترة إهمالا وعدم اكتراث بمستقبلها، فقد كانت أسمهان سيدة جميلة جذابة محبوبة لدى الجميع تتمتع بصوت دافئ ومتمكن، وكان الملحنون يدركون موقف أم كلثوم من صوت أسمهان لذا أخذوا في الإقلال من التلحين لها عدا القصبجي.

لكن القصبجي لم يتوقف أو يقل من ألحانه للمطربين والمطربات حيث استمر حتى وفاته عام 1966 متألقا، وقبيل رحيله قدم لوردة أغنيتها الدينية "إياك نعبد ما حيينا"، وكان يعد لحنا لفايزة أحمد.


ولم يكن القصبجي أيضا بخيلا لا في حياته الخاصة ولا العامة، ولا مع فنه ولا الوسط الفني المحيط به، فهل يعقل أن يكون بخيلا من كرس وقته وطاقاته لخدمة الفن ولم يبخل به في مساعدة الغير وأخذ بيد العديد من المواهب؟

وتقول الحفني في كتابها ايضا "كان يهدي ألحانه مجانا للمطربين الجدد، ويعيل أربع أخوات له بأبنائهن الستة عشر كان مسؤولا عن كل أسرته، فكان طوال حياته يرعى أفرادها، كبيرا وصغيرا، كما كان كريما مع أقاربه، عطوفا يرعى اليتامى والأرامل، وربما لا يعرف الكثيرون كم من بيت فتحه محمد القصبجي".

وها هو فريد الأطرش يقر بأن القصبجي أخذ بيده ويد أخته أسمهان في بداية طريقهما الفني وأنه يدين له بفضل كبير في حياته الفنية.

وبرأي المؤلفة أن القصبجي مدرسة موسيقية جديدة سابقة لعصرها. إن كثيراً من الملحنين تأثروا بألحانه بداية من محمد عبد الوهاب الذي تعلم العزف وأسرار الموسيقى على يديه، مروراً بالسنباطي وصولاً إلى محمد الموجي.

وأعده الموسيقار سليم سحاب أحد العباقرة الخمسة في التأليف الموسيقي العربي في القرن العشرين "كان القصبجي قادرا على استخدام الفنون التقنية الغربية في الموسيقى، دون أن يفقد روحه العربية الأصيلة، ما دامت جذوره ضاربة في عمق التراث العربي الموسيقي، وما دامت شخصيته العربية الموسيقية مكتملة التكوين".

لقد كان القصبجي يهدف بأغانيه إلى الارتقاء بذوق الجمهور، لذا حاول في كل ألحانه الاستفادة من العلوم الموسيقية بأنواعها، فاهتم بصياغة الجمل الموسيقية، وعرض المقامات العربية في أجمل حللها، ليزيد من ثرائها، هذا إلى جانب استعانته بالعلوم الموسيقية الغربية في معالجة ألحانه بالتوافق الهارموني، كما عالج القوالب الغنائية المختلفة بفنه الراقي، فأدخل الجديد على كل منها، فهو لا يحب الرتابة والتقليد وإنما يميل دائما للابتكار والتجديد.



إن ما لا يعرفه الكثيرون أن والد القصبجي الشيخ علي إبراهيم القصبجي كان منشدا وقارئا للقرآن الكريم وملحنا قديرا مشهورا بفنه غنى من ألحانه كبار المطربين من أمثال عبده الحامولي والشيخ يوسف المنيلاوي وسيد الصفطي وصالح عبد الحي وزكي مراد (والد ليلى مراد) ومحمد السنباطي (والد رياض السنباطي) وغيرهم، وأن القصبجي الابن كان حريصا منذ صغره على حضور جلسات التدريب التي كان يقيمها والده لتحفيظ المطربين الكبار أغانيه، وكان بموهبته الفنية الكبيرة يلتقط هذه الألحان ويحفظها لينشدها بين زملائه في المدرسة.


محمد الحمامصي- القاهرة