سلسبيل
04-22-2009, 06:11 AM
أجواء لا تشبه أجواء المدن
http://www.aawsat.com/2009/04/15/images/travel1.515148.jpg
قرية حقيقية في قلب المدينة («الشرق الأوسط»)
http://www.aawsat.com/2009/04/15/images/travel2.515148.jpg
روح البيت الريفي بكل تفاصيله («الشرق الأوسط»)
http://www.aawsat.com/2009/04/15/images/travel3.515148.jpg
ساحات واشجار نادرة («الشرق الأوسط»)
بيروت: إبراهيم الرز
تخيل أنك تستطيع الانتقال، خلال دقائق، من أجواء المدينة والسيارات إلى أجواء ريفية بامتياز. قرية الساحة التراثية في ضاحية بيروت الجنوبية اثبتت أن كل شيء معقول. فالمكان الذي يمتد على مساحة 7000 متر ينقل النكهة اللبنانية التراثية إلى المدينة، ويدعو رواده إلى الاستمتاع بها في قاعات متعددة يتسع بعضها لـ3000 شخص، وأخرى خارجية تفتتح مع حلول موسم الصيف المقبل وتتسع لـ8000 شخص. كما يمنحهم متعة شراء المنتجات اللبنانية من محلات تقدم سلعا بـ «خيرها». ولا بد بعد تناول الطعام والتسوّق في نزهة في المحمية الصغيرة الملحقة بالقرية والتي تحضن تربتها عدداً كبيراً من الأشجار، منها ما هو مهدد بالانقراض ومنها ما هو معمر كشجرة الزيتون التي تعود إلى ما يقارب 500 سنة.
القرية التراثية الحائزة جوائز عديدة، كجائزة منظمة المدن العربية لفن العمارة التدويرية وشهادة أيزو 2200، تجاوزت مشروع مطعم الساحة الذي انطلقت به قبل ستة أعوام، وباشرت بناء فندق مؤلف من 58 غرفة تم إنجاز 34 منها.
والمميز في الأمر أن الفندق، الذي يقع في الطبقة الثالثة من مبنى القرية التراثية، هو نموذج للبيت العربي الذي يتميز بوجود الحوش الداخلي، وذلك بهدف إعادة إحياء التراث وصهره في بوتقة الحاضر، بما يتلاءم وتطلعات العصر. إلا أن البحث عن التمايز لا ينتهي عند هذا الحدّ. فكل غرفة في الفندق صممت وفق حضارة معينة. وقد يجد الزائر نفسه في منطقة توسكانا الإيطالية مثلا، أو ينتقل إلى الأندلس، أو يغرق في الحضارة الأفريقية. وإذا أراد ألفة لديه العمارة الدمشقية. أما إذا أراد عراقة مبهرة فلديه الحضارة اليابانية، وإذا رغب في العودة إلى
الكلاسيكية فلا بأس بما تمنحه التصاميم الإنجليزية. المدير الإداري لمشروع القرية التراثية الحاج موسى عقيل، يوضح أن الرغبة في التمايز هي هدف هذا التنوع، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعمل على التمايز. ونسعى إلى استعادة حضارتنا التي كادت تذوب في شعارات لا مكان لها في تاريخنا كعرب». ويضيف: «في الساحة حاولنا جاهدين جمع كل حضارات العالم معماريا، فأعدنا إلى العالم الحديث الحضارة الفينيقية والبيزنطية في العمارة. ومن ثم أطلقنا إعادة الحيوية إلى القرية بعدما اندثرت معالمها ضمن الأسمنت المسلح وغزت المدينة الريف».
في قرية الساحة يجد الزائر كل أدوات الضيعة وكل العدة ليعود إلى ريفه لبرهة من الزمن. هنا أجران الكبّة، وهناك المعصرة وخوابي الزيت، وهنالك التنور والصاج والجرار الفخارية، وأبعد قليلاً المحدلة والجاروشة والطاحونة وصولاً إلى زخارف حجرية قديمة. حتى البيوت الصغيرة لها مكانها ومكانتها في الذاكرة القروية. بيوت تتميز بالقناطر القروية المتقاربة. وحتى يكتمل المشهد لا بد من ناعورة المياه والعرزال.
وللثقافة حضورها مع المتحف الذي يضم معارض رسامين وفنانين والبيدر. ويخصص قاعته لتعليم الرسم. ولراحة الأهل تفرد القرية واحة للأطفال، هي قيد الإنجاز لتجمع بين الحضانة والملعب ومدينة الملاهي. ولا يفوت الزائر قاعة «السلملك» التي تزنر جدرانها الأسلحة القديمة، بما في ذلك بندقية عربية تعود إلى القرن السابع عشر. ويتم في هذه القاعة إحياء أمسيات زجلية وأعراس. ولا يكتفي المسؤولون عن «الساحة» بالطابع الريفي. فقد أطلقوا نشاطاً أسبوعياً من خلال استضافة مطابخ العالم. فكل يوم أحد يخصص لمطبخ عالمي، وذلك ضمن مشروع يحمل عنوان «دولة الإنسان».
وهكذا يمكن لرواد «الساحة» أن يتمتعوا تارة بالطعام الصيني وطورا بالايطالي ومن ثم بالمذاق الخاص للطعام الإيراني ومن بعده المكسيكي. ما على الراغبين إلا الاطلاع على برنامج «دولة الإنسان»، ليتذوقوا ما يحضره «فريق المطبخ» المسؤول عن هذا المشروع. وهذا الفريق يتمتع بخبرة عالمية عالية في هذا المجال بالإضافة إلى جهاز استشاري يضم عدداً من الخبراء المعروفين في عالم الطبخ، منهم الشيف علي عاشور الحائز عدة جوائز في لبنان والعالم، وهو المسؤول الأساسي عن مشروع البوفيه في المطعم.
يقول عاشور لـ«الشرق الأوسط»: «الطبخ إحساس. والإحساس له قواعده. عندما ينطلق منها يمكنه أن يقوم بالمستحيل». ويضيف: «المطبخ الإيراني الذي يقدم حاليا، يعتبر من المطابخ القديمة جدا في المنطقة. وكل الدول المحيطة بإيران متقاربة بنسبة عالية بما له علاقة بالطعام. عادة يستعمل المطبخ الإيراني المنتجات الطبيعية الخالية من المواد الكيمائية. ولا ننسى أن إيران تنتج الزعفران الجيد والكافيار والرمان وأنواع حلويات كثيرة. ومن المأكولات الشعبية في إيران طبق «الجلوكباب سلطاني»، ويتألف من الأرز الملون والكفتة الخالية من البقدونس مع الزعفران واللحم المنقوع بماء الورد. والكفتة تشوى على السيخ وتقدم مع الأرز.
وإيران كمختلف بلدان العالم التي تتمتع بطقس بارد تشتهر بالحلويات، و«زرده» هي من أنواع الحلويات الأكثر شهرة. وهي عبارة عن أرز وماء ورد ومكسرات ونشاء. أما من السلطات المشهورة فهناك «ماست فاخيار»، وهي مؤلفة من الخيار واللبن مع الجوز والجبنة. ويمكن أن نجد أطباقاً متشابهة مع بعض الأطباق اللبنانية كالبامية ولكن طريقة طبخها تختلف».
وهكذا يخصص المطعم لأيام الآحاد بوفيها مفتوحاً لمطابخ من العالم. ويحدد رسم الدخول بـ25000 ليرة لبنانية (حوالي 17 دولاراً) يعود ريعها إلى الأيتام، كما كل أرباح القرية التراثية. وهذا المشروع هو الوحيد الذي يعتمد هذه الصيغة في لبنان. وهو يحمل بعدا ثقافيا يتجاوز حدود لبنان ليمتد إلى ثلاثة فروع في السودان وقطر ولندن، وينقل التراث اللبناني بكل غناه وخصوصيته.
كما يعكس البعد الثقافي من خلال العمارة التقليدية العربية والإسلامية من المندلون إلى الشبابيك إلى القناطر، إلى الخشب القطراني، فالقمريات التي تدخل النور والهواء إلى الشرقات التي تطل على الساحة الداخلية. أما البعد الإنساني فيبقى من خلال توفير فرص العمل للشباب. في حين تبرز الإيجابيات الاجتماعية مع تحوّل المكان إلى نقطة التقاء للعائلات والمستويات المتنوعة الأعمار والانتماءات.
http://www.aawsat.com/2009/04/15/images/travel1.515148.jpg
قرية حقيقية في قلب المدينة («الشرق الأوسط»)
http://www.aawsat.com/2009/04/15/images/travel2.515148.jpg
روح البيت الريفي بكل تفاصيله («الشرق الأوسط»)
http://www.aawsat.com/2009/04/15/images/travel3.515148.jpg
ساحات واشجار نادرة («الشرق الأوسط»)
بيروت: إبراهيم الرز
تخيل أنك تستطيع الانتقال، خلال دقائق، من أجواء المدينة والسيارات إلى أجواء ريفية بامتياز. قرية الساحة التراثية في ضاحية بيروت الجنوبية اثبتت أن كل شيء معقول. فالمكان الذي يمتد على مساحة 7000 متر ينقل النكهة اللبنانية التراثية إلى المدينة، ويدعو رواده إلى الاستمتاع بها في قاعات متعددة يتسع بعضها لـ3000 شخص، وأخرى خارجية تفتتح مع حلول موسم الصيف المقبل وتتسع لـ8000 شخص. كما يمنحهم متعة شراء المنتجات اللبنانية من محلات تقدم سلعا بـ «خيرها». ولا بد بعد تناول الطعام والتسوّق في نزهة في المحمية الصغيرة الملحقة بالقرية والتي تحضن تربتها عدداً كبيراً من الأشجار، منها ما هو مهدد بالانقراض ومنها ما هو معمر كشجرة الزيتون التي تعود إلى ما يقارب 500 سنة.
القرية التراثية الحائزة جوائز عديدة، كجائزة منظمة المدن العربية لفن العمارة التدويرية وشهادة أيزو 2200، تجاوزت مشروع مطعم الساحة الذي انطلقت به قبل ستة أعوام، وباشرت بناء فندق مؤلف من 58 غرفة تم إنجاز 34 منها.
والمميز في الأمر أن الفندق، الذي يقع في الطبقة الثالثة من مبنى القرية التراثية، هو نموذج للبيت العربي الذي يتميز بوجود الحوش الداخلي، وذلك بهدف إعادة إحياء التراث وصهره في بوتقة الحاضر، بما يتلاءم وتطلعات العصر. إلا أن البحث عن التمايز لا ينتهي عند هذا الحدّ. فكل غرفة في الفندق صممت وفق حضارة معينة. وقد يجد الزائر نفسه في منطقة توسكانا الإيطالية مثلا، أو ينتقل إلى الأندلس، أو يغرق في الحضارة الأفريقية. وإذا أراد ألفة لديه العمارة الدمشقية. أما إذا أراد عراقة مبهرة فلديه الحضارة اليابانية، وإذا رغب في العودة إلى
الكلاسيكية فلا بأس بما تمنحه التصاميم الإنجليزية. المدير الإداري لمشروع القرية التراثية الحاج موسى عقيل، يوضح أن الرغبة في التمايز هي هدف هذا التنوع، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعمل على التمايز. ونسعى إلى استعادة حضارتنا التي كادت تذوب في شعارات لا مكان لها في تاريخنا كعرب». ويضيف: «في الساحة حاولنا جاهدين جمع كل حضارات العالم معماريا، فأعدنا إلى العالم الحديث الحضارة الفينيقية والبيزنطية في العمارة. ومن ثم أطلقنا إعادة الحيوية إلى القرية بعدما اندثرت معالمها ضمن الأسمنت المسلح وغزت المدينة الريف».
في قرية الساحة يجد الزائر كل أدوات الضيعة وكل العدة ليعود إلى ريفه لبرهة من الزمن. هنا أجران الكبّة، وهناك المعصرة وخوابي الزيت، وهنالك التنور والصاج والجرار الفخارية، وأبعد قليلاً المحدلة والجاروشة والطاحونة وصولاً إلى زخارف حجرية قديمة. حتى البيوت الصغيرة لها مكانها ومكانتها في الذاكرة القروية. بيوت تتميز بالقناطر القروية المتقاربة. وحتى يكتمل المشهد لا بد من ناعورة المياه والعرزال.
وللثقافة حضورها مع المتحف الذي يضم معارض رسامين وفنانين والبيدر. ويخصص قاعته لتعليم الرسم. ولراحة الأهل تفرد القرية واحة للأطفال، هي قيد الإنجاز لتجمع بين الحضانة والملعب ومدينة الملاهي. ولا يفوت الزائر قاعة «السلملك» التي تزنر جدرانها الأسلحة القديمة، بما في ذلك بندقية عربية تعود إلى القرن السابع عشر. ويتم في هذه القاعة إحياء أمسيات زجلية وأعراس. ولا يكتفي المسؤولون عن «الساحة» بالطابع الريفي. فقد أطلقوا نشاطاً أسبوعياً من خلال استضافة مطابخ العالم. فكل يوم أحد يخصص لمطبخ عالمي، وذلك ضمن مشروع يحمل عنوان «دولة الإنسان».
وهكذا يمكن لرواد «الساحة» أن يتمتعوا تارة بالطعام الصيني وطورا بالايطالي ومن ثم بالمذاق الخاص للطعام الإيراني ومن بعده المكسيكي. ما على الراغبين إلا الاطلاع على برنامج «دولة الإنسان»، ليتذوقوا ما يحضره «فريق المطبخ» المسؤول عن هذا المشروع. وهذا الفريق يتمتع بخبرة عالمية عالية في هذا المجال بالإضافة إلى جهاز استشاري يضم عدداً من الخبراء المعروفين في عالم الطبخ، منهم الشيف علي عاشور الحائز عدة جوائز في لبنان والعالم، وهو المسؤول الأساسي عن مشروع البوفيه في المطعم.
يقول عاشور لـ«الشرق الأوسط»: «الطبخ إحساس. والإحساس له قواعده. عندما ينطلق منها يمكنه أن يقوم بالمستحيل». ويضيف: «المطبخ الإيراني الذي يقدم حاليا، يعتبر من المطابخ القديمة جدا في المنطقة. وكل الدول المحيطة بإيران متقاربة بنسبة عالية بما له علاقة بالطعام. عادة يستعمل المطبخ الإيراني المنتجات الطبيعية الخالية من المواد الكيمائية. ولا ننسى أن إيران تنتج الزعفران الجيد والكافيار والرمان وأنواع حلويات كثيرة. ومن المأكولات الشعبية في إيران طبق «الجلوكباب سلطاني»، ويتألف من الأرز الملون والكفتة الخالية من البقدونس مع الزعفران واللحم المنقوع بماء الورد. والكفتة تشوى على السيخ وتقدم مع الأرز.
وإيران كمختلف بلدان العالم التي تتمتع بطقس بارد تشتهر بالحلويات، و«زرده» هي من أنواع الحلويات الأكثر شهرة. وهي عبارة عن أرز وماء ورد ومكسرات ونشاء. أما من السلطات المشهورة فهناك «ماست فاخيار»، وهي مؤلفة من الخيار واللبن مع الجوز والجبنة. ويمكن أن نجد أطباقاً متشابهة مع بعض الأطباق اللبنانية كالبامية ولكن طريقة طبخها تختلف».
وهكذا يخصص المطعم لأيام الآحاد بوفيها مفتوحاً لمطابخ من العالم. ويحدد رسم الدخول بـ25000 ليرة لبنانية (حوالي 17 دولاراً) يعود ريعها إلى الأيتام، كما كل أرباح القرية التراثية. وهذا المشروع هو الوحيد الذي يعتمد هذه الصيغة في لبنان. وهو يحمل بعدا ثقافيا يتجاوز حدود لبنان ليمتد إلى ثلاثة فروع في السودان وقطر ولندن، وينقل التراث اللبناني بكل غناه وخصوصيته.
كما يعكس البعد الثقافي من خلال العمارة التقليدية العربية والإسلامية من المندلون إلى الشبابيك إلى القناطر، إلى الخشب القطراني، فالقمريات التي تدخل النور والهواء إلى الشرقات التي تطل على الساحة الداخلية. أما البعد الإنساني فيبقى من خلال توفير فرص العمل للشباب. في حين تبرز الإيجابيات الاجتماعية مع تحوّل المكان إلى نقطة التقاء للعائلات والمستويات المتنوعة الأعمار والانتماءات.