فيثاغورس
04-20-2009, 07:19 AM
2009 الأحد 19 أبريل
هس بريس - ايلاف
نورالدين لشهب
بعد قطع العلاقة الدبلوماسية بين المغرب وإيران حول ما سمي بمخطط إيراني لنشر المذهب الشيعي الاثنا عشري بالمغرب، صدرت مقالات كثيرة في الإعلام داخل المغرب وخارجة، وبلغات متنوعة، وتم تسطيح النقاش الإعلامي والسياسي إلى درجة أن المتلقي/القارئ البسيط لهذي المقالات لا يكاد يفرق بين العلاقات الدبلوماسية التي تتحكم فيها مصالح الأقوياء، وبين حدود الاختلاف والائتلاف بين المذاهب داخل دائرة الإسلام، وعلى وجه التحديد بين مذهب أهل السنة والجماعة الذين يمثلون الغالبية، وبين مذهب الشيعة الاثني عشرية الذين يمثلون فقط أقل من 10% . مما يجعل المتابع يستفهم عن سر خوف الأغلبية على دينها من عقيدة الأقلية التي باتت تهدد "الأمن الروحي" كما يشاع عبر تصريحات بعض المسؤولين في وسائل الإعلام المختلفة !!
في سعيها لتوسيع النقاش حول موضوع التشيع بالمغرب حاورت هسبريس أحد المهتمين بالموضوع ، وهو الدكتور أحمد الزقاقي الخبير في الحوار السني-الشيعي ، حاولنا من خلال هذا الحوار أن نطرح عليه أسئلة محورية حول حقيقة "الصراع" بين السنة والشيعة، وعن كيفية تدبير هذا الملف بالمغرب، وحول أهمية الحوار وفضيلته لتجاوز الكوارث التي تهدد الاجتماع الإسلامي برمته، وعن دور الاجتهاد لتجديد ما اندرس من فتاوى ومقولات لم تعد صالحة في عصرنا الحالي عند كلا الطائفتين.
ولد الدكتور أحمد الزقاقي بتاهلة عام 1966. حاصل على درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله. صدر له عن داري النشر عالم الكتب الحديث بالأردن وجدارا للكتاب العالمي كتاب:"التقريب بين الشيعة وأهل السنة وتحديات الاختلاف والتصحيح"وكتاب:" الأساس التشريعي للوحدة بين الشيعة" وأهل السنة ومقالات عدة في مجلات متخصصة حول الحوار السني الشيعي.
توازن الانبهار
نبدأ الحوار أولا باستطلاع للرأي في هسبريس حول سؤال لماذا يتشيع المغاربة: نسبة 78% من المصوتين تقول بأن سبب التشيع هو التعاطف مع مقاومة حزب الله و12.4% ترجع الأمر إلى تسهيل دخول المطبوعات الشيعية للمغرب وأقل من 10% تقول بسبب التأثر برموز شيعية بالمغرب... كيف تعلق دكتور على هذا الاستطلاع؟
بسم الله الرحمن الرحيم،أوجه الشكر أولا للقيمين على موقع"هسبرس"المتميز متمنيا لهم مسيرة إعلامية موفقة، أولا اسمح لي أن أبدي بعض التحفظ على نجاعة أسلوب استطلاع الرأي في الدراسة العلمية لظاهرة ما،فالسؤال أولا يوهم بأن هناك حركة انتقال جماعية للمغاربة نحو التشيع،ثانيا:وُضع الذين استطلعت آراؤهم أمام خيارات وأجوبة محدودة،فلو عددنا الأجوبة سنجد من يقول:السبب هو الحصار والتعتيم الإعلامي المضروب على العلماء المستقلين،فهاهي جميع الدول الإسلامية تمتلك رموزا علمية وازنة تتحدث إلى الناس عبر الفضائيات بلغة حديثة ومستوعبة للعصر إلا المغرب،والأكيد أن هناك تفاعلا بين الأسباب الثلاثة الواردة في الاستطلاع،فالذي يتعاطف مع فرد أو طائفة أو جماعة يطمح إلى معرفة المزيد عنها وعن أفكارها ومبادئها ،والكتب ووسائل الإعلام والاتصال تشكل مدخلا لتلك المعرفة،وبعد التمثل تتجسد المعرفة في أشخاص يسعون إلى إقناع الآخرين بمقولاتها،وأنت تعرف أن المعرفة الأولية بموضوع ما يتمخض عنها انبهار يخفت معه صوت العقل والتحليل الدقيق ليعلو صوت الاحتجاج والتبشير،ذلك الانبهار لن تجده عند المتمرس بميكانزمات التحليل الشيعي للواقع والفقه والتاريخ والتراث،إذ تنحو أحكامه نحو الموضوعية والواقعية،وستبدو له الكثير من المواقف التراثية الشيعية- كما السنية- مغرقة في الابتعاد عن موازين الشرع والعقل.
والحقيقة أن انتصار المقاومة بقيادة "حماس" في غزة أنجزت توازنين اثنين:توازن الرعب بصمودها الأسطوري في وجه الكيان الصهيوني،وتوازن الانبهار مع"حزب الله" بعد أن نالت إعجاب العالم أجمع، وهي المقاومة ذات الخلفية السنية التي لا جدال فيها،ولا مجال لمقارنة عظمة إنجازها بإنجاز حزب الله في حرب"تموز"2006، فحماس كانت مكشوفة ومحاصرة ومجوعة ومتواطأ عليها من دول كبيرة في النظام الرسمي العربي،وتسلحها وإعلامها متواضعان،وحزب الله توفر له العمق الداخلي والخارجي والتسلح،والمقاومتان تسلحتا برباطة جأش وإيمان قوي،وانتصارهما يحسب لمرجعيتهما الإسلامية لا المذهبية،وإلا فلنعتنق ديانة الفيتناميين لأنهم صمدوا في وجه أمريكا وانتصروا عليها في الحرب.
http://www.hespress.com/_img/za9a9i.jpg
وإذا كان الانتصار في المقاومة ضد العدو التاريخي للأمة قد أرسى توازن الانبهار بين المنتصِرَيْن فيها وهما مجرد حركتين واحدة شيعية والأخرى سنية ، فإنه لم يحدث بعد توازن بين دولتين، وما زال ميزان الانبهار يميل لحساب إيران لأنها تخففت من"آفة السلطان" ودولنا السنية لم تتخفف منها بعد،والمغرب مؤهل لإرساء هكذا توازن لماضيه التاريخي الغني، وإذا هو أنجز تغييرا كبيرا على مستوى الإصلاحات السياسية والدستورية لصالح قيم الشورى والعدل في الحكم وتوزيع الثروة.
الظلال الإيرانية
هل توجد سياسة إيرانية حقيقية لتشييع البلدان العربية ذات الأغلبية السنية ومنها المغرب؟
إن الجواب على هذا السؤال لا يقتضي التعليق على السياسة المذهبية للجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط،بل التعليق على مجمل سياساتها في المنطقة،لنتفق بداية على أن من حق كل دولة أن تخدم مصالحها بما تراه مناسبا،إلا أن طبيعة الدولة ،وانتماءها التاريخي يفرضان عليها مراعاة جملة أمور:فإيران دولة إسلامية،تنتمي إلى المجال الحضاري الإسلامي الذي أغنته بعلمها وأدبها وفنها،فالبخاري ومسلم والبيهقي وأبو حنيفة والزمخشري وغيرهم كانوا ينتمون إلى المجال التاريخي الفارسي،وقد جمعوا الدواوين الحديثية التي عليها معتمد أهل السنة،قبل أن تتشيع إيران في عهد إسماعيل الصفوي في بداية القرن السادس عشر الميلادي، والعهد الصفوي كما تعلم مُتهم حتى من لدن بعض الزعامات والمرجعيات الشيعية بإغراق التشيع في طوفان من البدع، وإذكاء نيران الصراع المذهبي مع أهل السنة،وخاض الصفويون صراعا مريرا مع الدولة العثمانية السنية،وورث العراق مخلفات ذلك الصراع، وكان أحد أسباب عدوانه على إيران بعد اندلاع الثورة الإسلامية ،
حينها اصطفت جل دول النظام الرسمي العربي مع العراق؛ مما عمق الشرخ المذهبي، مع العلم أن النظام البائد لم يكن يفرق في قمعه بين شيعي وسني عندما يتعلق الأمر بتهديد كرسي الحكم،وأضاع العرب فرصة إقامة حوار عربي- إيراني،دون إغفال الأثر السلبي لخطابات"تصدير الثورة"التي رأى الكثير أن شعاراتها كانت ملفوفة في ثياب"طائفية"،وعَهدُنا بالثورات في بداياتها أن تكون شديدة الحماس والعقائدية،فيخيل إليها أنها ستُغير الأرض غير الأرض قبل أن تصدمها حقائق الواقع الباردة،ولهذا أظن أن إيران لن تجازف بمصير أفراد الأقليات الشيعية في البلدان ذات الأغلبية السنية بنهج سياسة ترمي إلى تشييع البلدان العربية،من دون أن نستبعد وجود مرجعيات شيعية عندها هذا الطموح.
ولكن الإمام الخميني سبق له وأن صرح لما كان عائدا عبر طائرة خاصة من باريس عام 1979 أن العرب قادوا الأمة الإسلامية قرونا وكذلك الأتراك والآن حان الحين ليقود الفرس الأمة الإسلامية ؟
لا يمكن أن نلوم دولة أو قومية أوديانة على طموحها للقيادة فهذا شأنها،ولكن يلام من لا يسعى للقيادة على انحطاط همته،كما أن الإشكال هو ما طبيعة هذه القيادة؟ فيجب أولا أن تكون نابعة من الشعب،أي تحترم اختياراته التاريخية والمذهبية والسياسية،فلا تمارس عليه الوصاية،وثانيا تحسن تدبير الاختلاف مع المخالفين،فلا تثير فتنة،ولا تقلب المواجع باستحضار مآسي التاريخ والماضي،بل عليها أن تتطلع للمستقبل.ومن المفارقات العجيبة أن الإيرانيين قادوا الأمة الإسلامية في شتى العلوم يوم كانوا سنة قبل أن يتشيع المجتمع والدولة.
غياب المشروع المجتمعي الخطر الحقيقي الذي يهدد المغاربة
هل يمكن الحديث في ظل ما يسمى بالغزو الشيعي عن خطر يهدد الأمن الروحي للمغاربة؟
عندما يغيب المشروع المجتمعي الذي ننشده،نصبح إزاء بنية دينية وثقافية وسياسية واجتماعية هشة معرضة للاختراقات من كل صنف ولون،وعندما نقع في الأزمة نلقي بالتبعة والمسؤولية على الآخرين،ولهذا يجب أن تعطى الأولوية للتحصين الداخلي وإشراك كل الفاعلين في صياغة المشروع المجتمعي الذي نريده،كما أن ثمة من يسعى إلى تكريس مفهوم مغلوط لمعنى الأمن ،فعندما أطلت ظاهرة"عبدة الشيطان"برأسها،حضرت المقاربة الأمنية وأحيل المتهمون على المحاكمة،كما حضرت ذات المقاربة في ملف"السلفية الجهادية" والآن في ملفي"الغزو الشيعي"و"المثلية الجنسية"،ولا مرة سمعنا حديثا عن مقاربة تربوية تعتمد الحوار مع العلماء والمثقفين الراسخين مدخلا لتناول الملفات المذكورة،وتحضرني هنا قصة ذلك المسؤول الذي راسل عمربن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس يشكو إليه استعصاء مواطني نفوذه الترابي على الانقياد لأوامره قائلا له:إنهم لا يُقيمهم إلا السيف،فكتب إليه عمر:إن العدل يقيمهم،وإلى هذا المعنى أشار القرآن الكريم بقول الباري جل وعلا:"الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن"،فالخروج عن اختيارات المجتمع نوع احتجاج على سوء توزيع الثروة،وعلى عدم المساواة في الفرص،وعلى عدم الإشراك في اتخاذ القرار،وعلى الاستبداد والقهر والظلم.
هل يمكن القول أن التشيع بالمغرب حالة سيكولوجية أكثر منها حقيقة سوسيولوجية؟
إن الغفلة عن طبيعة التكوين النفسي والعقلي للإنسان من حيث الميول والاستعدادات،والغفلة عن حتمية الاختلاف بين البشر، وتعميم الأحكام على وقائع استثنائية،والانتقائية في قراءة التطورات والمستجدات ،ستخل كلها لا محالة بالحكم الصائب على مجموعة من الظواهر والأحداث، ،فالذي سيقرأ ظاهرة التشيع بدون هذه الاعتبارات سيضخم من الظاهرة،وسيتوهم بأن المغرب بصدد تحول مذهبي عام،وسيكون الأمر أشبه بذلك الأعمى الذي لم يسبق له أن رأى الفيل،ومرة قيل له هذا الفيل أمامك،فلما أخذ يتحسس أذنيه خيل إليه أنها أوراق شجرة كبيرة،ولما تحسس إحدى قدميه خيل إليه أنها جذع تلك الشجرة،فالذي يلاحظ ارتباط المغاربة العاطفي الكبير مع أهل البيت سيعتقد بأنه أمام عاطفة شيعية فوارة،بينما سيعتقد آخر أن المغاربة كلهم نواصب يكرهون آل البيت عندما يرى ابتهاج أطفالهم واحتفالهم في عاشوراء،في وقت ينهمك آخرون في شق الجيوب ولطم الصدور حزنا على استشهاد الحسين عليه السلام في نفس الذكرى ،والحقيقة أن الأمر أسهل من أن تُتكلف له التأويلات والتفسيرات ولَي أعناق النصوص ،فلا إسلام ولا إيمان بدون حب أهل البيت،من غير أن يرد إلى ذهن المغاربة أن ذلك الحب يستحقونه لأنهم أحق بالخلافة أو ما شابه بموجب نص أو وصية،ألا ترى أنك قد تحب أحد إخوتك أكثر من الآخرين،والصحابة كإخوة منهم من أحب عليا أكثر من أبي بكر،ومنهم من أحب أبا بكر أكثر من علي،ومنهم من أحب سعد بن عبادة أكثر من الجميع،إذن فالعواطف لا حصار عليها،ولكن عندما تتدخل الأهواء والسياسات عندها يتم توجيه العاطفة،وذلك التمايز الطبيعي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليمه لأهل بيته وصحابته عندما قال لهم في الحديث المعروف:"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر،وأشدهم في الله عمر،وأقضاهم علي،وأشدهم حياء عثمان" .فلم يرد منهم تنميط أحكامهم على الأفراد والمجموعات والمجتمعات.
هل يمكن دمج التشيع في الوحدة المذهبية المغربية؟
إذا قصدنا دمج التشيع كعاطفة قائمة على معاني حب أهل البيت وتبجيلهم فهو مدمج بطريقة تلقائية وعفوية يَشِب عليها الصغير ويَهرَم عليها الكبير في المغرب،وإذا قصدنا الدمج المذهبي الفقهي،عندها لا نتحدث عن دمج،وإنما نتحدث عن الاعتراف بمذهب خامس هو المذهب الجعفري يضاف إلى المذاهب الأربعة السنية المعروفة:المالكي والحنبلي والحنفي والشافعي،وسيلاحظ أن الاختلاف مع الشيعة في معظم الأحكام الفقهية كالاختلاف بين المذاهب السنية نفسها،ودعاة التقريب بين المذاهب لم يكونوا يقصدون تغليب مذهب على مذهب،أو دمج مذهب في مذهب،أو إلغاء مذهب على حساب مذهب،ويبدو أن مما يخفف التوتر هو الاعتراف بالمذهب الفقهي الجعفري كمذهب خامس في البلدان التي يشكل فيها مقلدوه أغلبية،بحيث تصير المذاهب المالكية والشافعية والحنفية والحنبلية والجعفرية من مشمولات لفظ " الجماعة" المضاف إلى "أهل السنة".
يبقى إذن المجال الحساس هو مجال العقائد،ما دام أن الشيعة نقلوا مبحث الإمامة إلى فضاء العقيدة،وهذا المبحث أصبح في ذمة التاريخ ،فلا أئمة الشيعة حاضرون حتى نختلف على أحقيتهم أو عدم أحقيتهم بالخلافة،ولا خلفاء أهل السنة الراشدون حاضرون حتى نختلف بشأنهم أيضا بعد وقوع الانقلاب على الخلافة الراشدة لصالح الملك الوراثي العضوض.
هس بريس - ايلاف
نورالدين لشهب
بعد قطع العلاقة الدبلوماسية بين المغرب وإيران حول ما سمي بمخطط إيراني لنشر المذهب الشيعي الاثنا عشري بالمغرب، صدرت مقالات كثيرة في الإعلام داخل المغرب وخارجة، وبلغات متنوعة، وتم تسطيح النقاش الإعلامي والسياسي إلى درجة أن المتلقي/القارئ البسيط لهذي المقالات لا يكاد يفرق بين العلاقات الدبلوماسية التي تتحكم فيها مصالح الأقوياء، وبين حدود الاختلاف والائتلاف بين المذاهب داخل دائرة الإسلام، وعلى وجه التحديد بين مذهب أهل السنة والجماعة الذين يمثلون الغالبية، وبين مذهب الشيعة الاثني عشرية الذين يمثلون فقط أقل من 10% . مما يجعل المتابع يستفهم عن سر خوف الأغلبية على دينها من عقيدة الأقلية التي باتت تهدد "الأمن الروحي" كما يشاع عبر تصريحات بعض المسؤولين في وسائل الإعلام المختلفة !!
في سعيها لتوسيع النقاش حول موضوع التشيع بالمغرب حاورت هسبريس أحد المهتمين بالموضوع ، وهو الدكتور أحمد الزقاقي الخبير في الحوار السني-الشيعي ، حاولنا من خلال هذا الحوار أن نطرح عليه أسئلة محورية حول حقيقة "الصراع" بين السنة والشيعة، وعن كيفية تدبير هذا الملف بالمغرب، وحول أهمية الحوار وفضيلته لتجاوز الكوارث التي تهدد الاجتماع الإسلامي برمته، وعن دور الاجتهاد لتجديد ما اندرس من فتاوى ومقولات لم تعد صالحة في عصرنا الحالي عند كلا الطائفتين.
ولد الدكتور أحمد الزقاقي بتاهلة عام 1966. حاصل على درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله. صدر له عن داري النشر عالم الكتب الحديث بالأردن وجدارا للكتاب العالمي كتاب:"التقريب بين الشيعة وأهل السنة وتحديات الاختلاف والتصحيح"وكتاب:" الأساس التشريعي للوحدة بين الشيعة" وأهل السنة ومقالات عدة في مجلات متخصصة حول الحوار السني الشيعي.
توازن الانبهار
نبدأ الحوار أولا باستطلاع للرأي في هسبريس حول سؤال لماذا يتشيع المغاربة: نسبة 78% من المصوتين تقول بأن سبب التشيع هو التعاطف مع مقاومة حزب الله و12.4% ترجع الأمر إلى تسهيل دخول المطبوعات الشيعية للمغرب وأقل من 10% تقول بسبب التأثر برموز شيعية بالمغرب... كيف تعلق دكتور على هذا الاستطلاع؟
بسم الله الرحمن الرحيم،أوجه الشكر أولا للقيمين على موقع"هسبرس"المتميز متمنيا لهم مسيرة إعلامية موفقة، أولا اسمح لي أن أبدي بعض التحفظ على نجاعة أسلوب استطلاع الرأي في الدراسة العلمية لظاهرة ما،فالسؤال أولا يوهم بأن هناك حركة انتقال جماعية للمغاربة نحو التشيع،ثانيا:وُضع الذين استطلعت آراؤهم أمام خيارات وأجوبة محدودة،فلو عددنا الأجوبة سنجد من يقول:السبب هو الحصار والتعتيم الإعلامي المضروب على العلماء المستقلين،فهاهي جميع الدول الإسلامية تمتلك رموزا علمية وازنة تتحدث إلى الناس عبر الفضائيات بلغة حديثة ومستوعبة للعصر إلا المغرب،والأكيد أن هناك تفاعلا بين الأسباب الثلاثة الواردة في الاستطلاع،فالذي يتعاطف مع فرد أو طائفة أو جماعة يطمح إلى معرفة المزيد عنها وعن أفكارها ومبادئها ،والكتب ووسائل الإعلام والاتصال تشكل مدخلا لتلك المعرفة،وبعد التمثل تتجسد المعرفة في أشخاص يسعون إلى إقناع الآخرين بمقولاتها،وأنت تعرف أن المعرفة الأولية بموضوع ما يتمخض عنها انبهار يخفت معه صوت العقل والتحليل الدقيق ليعلو صوت الاحتجاج والتبشير،ذلك الانبهار لن تجده عند المتمرس بميكانزمات التحليل الشيعي للواقع والفقه والتاريخ والتراث،إذ تنحو أحكامه نحو الموضوعية والواقعية،وستبدو له الكثير من المواقف التراثية الشيعية- كما السنية- مغرقة في الابتعاد عن موازين الشرع والعقل.
والحقيقة أن انتصار المقاومة بقيادة "حماس" في غزة أنجزت توازنين اثنين:توازن الرعب بصمودها الأسطوري في وجه الكيان الصهيوني،وتوازن الانبهار مع"حزب الله" بعد أن نالت إعجاب العالم أجمع، وهي المقاومة ذات الخلفية السنية التي لا جدال فيها،ولا مجال لمقارنة عظمة إنجازها بإنجاز حزب الله في حرب"تموز"2006، فحماس كانت مكشوفة ومحاصرة ومجوعة ومتواطأ عليها من دول كبيرة في النظام الرسمي العربي،وتسلحها وإعلامها متواضعان،وحزب الله توفر له العمق الداخلي والخارجي والتسلح،والمقاومتان تسلحتا برباطة جأش وإيمان قوي،وانتصارهما يحسب لمرجعيتهما الإسلامية لا المذهبية،وإلا فلنعتنق ديانة الفيتناميين لأنهم صمدوا في وجه أمريكا وانتصروا عليها في الحرب.
http://www.hespress.com/_img/za9a9i.jpg
وإذا كان الانتصار في المقاومة ضد العدو التاريخي للأمة قد أرسى توازن الانبهار بين المنتصِرَيْن فيها وهما مجرد حركتين واحدة شيعية والأخرى سنية ، فإنه لم يحدث بعد توازن بين دولتين، وما زال ميزان الانبهار يميل لحساب إيران لأنها تخففت من"آفة السلطان" ودولنا السنية لم تتخفف منها بعد،والمغرب مؤهل لإرساء هكذا توازن لماضيه التاريخي الغني، وإذا هو أنجز تغييرا كبيرا على مستوى الإصلاحات السياسية والدستورية لصالح قيم الشورى والعدل في الحكم وتوزيع الثروة.
الظلال الإيرانية
هل توجد سياسة إيرانية حقيقية لتشييع البلدان العربية ذات الأغلبية السنية ومنها المغرب؟
إن الجواب على هذا السؤال لا يقتضي التعليق على السياسة المذهبية للجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط،بل التعليق على مجمل سياساتها في المنطقة،لنتفق بداية على أن من حق كل دولة أن تخدم مصالحها بما تراه مناسبا،إلا أن طبيعة الدولة ،وانتماءها التاريخي يفرضان عليها مراعاة جملة أمور:فإيران دولة إسلامية،تنتمي إلى المجال الحضاري الإسلامي الذي أغنته بعلمها وأدبها وفنها،فالبخاري ومسلم والبيهقي وأبو حنيفة والزمخشري وغيرهم كانوا ينتمون إلى المجال التاريخي الفارسي،وقد جمعوا الدواوين الحديثية التي عليها معتمد أهل السنة،قبل أن تتشيع إيران في عهد إسماعيل الصفوي في بداية القرن السادس عشر الميلادي، والعهد الصفوي كما تعلم مُتهم حتى من لدن بعض الزعامات والمرجعيات الشيعية بإغراق التشيع في طوفان من البدع، وإذكاء نيران الصراع المذهبي مع أهل السنة،وخاض الصفويون صراعا مريرا مع الدولة العثمانية السنية،وورث العراق مخلفات ذلك الصراع، وكان أحد أسباب عدوانه على إيران بعد اندلاع الثورة الإسلامية ،
حينها اصطفت جل دول النظام الرسمي العربي مع العراق؛ مما عمق الشرخ المذهبي، مع العلم أن النظام البائد لم يكن يفرق في قمعه بين شيعي وسني عندما يتعلق الأمر بتهديد كرسي الحكم،وأضاع العرب فرصة إقامة حوار عربي- إيراني،دون إغفال الأثر السلبي لخطابات"تصدير الثورة"التي رأى الكثير أن شعاراتها كانت ملفوفة في ثياب"طائفية"،وعَهدُنا بالثورات في بداياتها أن تكون شديدة الحماس والعقائدية،فيخيل إليها أنها ستُغير الأرض غير الأرض قبل أن تصدمها حقائق الواقع الباردة،ولهذا أظن أن إيران لن تجازف بمصير أفراد الأقليات الشيعية في البلدان ذات الأغلبية السنية بنهج سياسة ترمي إلى تشييع البلدان العربية،من دون أن نستبعد وجود مرجعيات شيعية عندها هذا الطموح.
ولكن الإمام الخميني سبق له وأن صرح لما كان عائدا عبر طائرة خاصة من باريس عام 1979 أن العرب قادوا الأمة الإسلامية قرونا وكذلك الأتراك والآن حان الحين ليقود الفرس الأمة الإسلامية ؟
لا يمكن أن نلوم دولة أو قومية أوديانة على طموحها للقيادة فهذا شأنها،ولكن يلام من لا يسعى للقيادة على انحطاط همته،كما أن الإشكال هو ما طبيعة هذه القيادة؟ فيجب أولا أن تكون نابعة من الشعب،أي تحترم اختياراته التاريخية والمذهبية والسياسية،فلا تمارس عليه الوصاية،وثانيا تحسن تدبير الاختلاف مع المخالفين،فلا تثير فتنة،ولا تقلب المواجع باستحضار مآسي التاريخ والماضي،بل عليها أن تتطلع للمستقبل.ومن المفارقات العجيبة أن الإيرانيين قادوا الأمة الإسلامية في شتى العلوم يوم كانوا سنة قبل أن يتشيع المجتمع والدولة.
غياب المشروع المجتمعي الخطر الحقيقي الذي يهدد المغاربة
هل يمكن الحديث في ظل ما يسمى بالغزو الشيعي عن خطر يهدد الأمن الروحي للمغاربة؟
عندما يغيب المشروع المجتمعي الذي ننشده،نصبح إزاء بنية دينية وثقافية وسياسية واجتماعية هشة معرضة للاختراقات من كل صنف ولون،وعندما نقع في الأزمة نلقي بالتبعة والمسؤولية على الآخرين،ولهذا يجب أن تعطى الأولوية للتحصين الداخلي وإشراك كل الفاعلين في صياغة المشروع المجتمعي الذي نريده،كما أن ثمة من يسعى إلى تكريس مفهوم مغلوط لمعنى الأمن ،فعندما أطلت ظاهرة"عبدة الشيطان"برأسها،حضرت المقاربة الأمنية وأحيل المتهمون على المحاكمة،كما حضرت ذات المقاربة في ملف"السلفية الجهادية" والآن في ملفي"الغزو الشيعي"و"المثلية الجنسية"،ولا مرة سمعنا حديثا عن مقاربة تربوية تعتمد الحوار مع العلماء والمثقفين الراسخين مدخلا لتناول الملفات المذكورة،وتحضرني هنا قصة ذلك المسؤول الذي راسل عمربن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس يشكو إليه استعصاء مواطني نفوذه الترابي على الانقياد لأوامره قائلا له:إنهم لا يُقيمهم إلا السيف،فكتب إليه عمر:إن العدل يقيمهم،وإلى هذا المعنى أشار القرآن الكريم بقول الباري جل وعلا:"الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن"،فالخروج عن اختيارات المجتمع نوع احتجاج على سوء توزيع الثروة،وعلى عدم المساواة في الفرص،وعلى عدم الإشراك في اتخاذ القرار،وعلى الاستبداد والقهر والظلم.
هل يمكن القول أن التشيع بالمغرب حالة سيكولوجية أكثر منها حقيقة سوسيولوجية؟
إن الغفلة عن طبيعة التكوين النفسي والعقلي للإنسان من حيث الميول والاستعدادات،والغفلة عن حتمية الاختلاف بين البشر، وتعميم الأحكام على وقائع استثنائية،والانتقائية في قراءة التطورات والمستجدات ،ستخل كلها لا محالة بالحكم الصائب على مجموعة من الظواهر والأحداث، ،فالذي سيقرأ ظاهرة التشيع بدون هذه الاعتبارات سيضخم من الظاهرة،وسيتوهم بأن المغرب بصدد تحول مذهبي عام،وسيكون الأمر أشبه بذلك الأعمى الذي لم يسبق له أن رأى الفيل،ومرة قيل له هذا الفيل أمامك،فلما أخذ يتحسس أذنيه خيل إليه أنها أوراق شجرة كبيرة،ولما تحسس إحدى قدميه خيل إليه أنها جذع تلك الشجرة،فالذي يلاحظ ارتباط المغاربة العاطفي الكبير مع أهل البيت سيعتقد بأنه أمام عاطفة شيعية فوارة،بينما سيعتقد آخر أن المغاربة كلهم نواصب يكرهون آل البيت عندما يرى ابتهاج أطفالهم واحتفالهم في عاشوراء،في وقت ينهمك آخرون في شق الجيوب ولطم الصدور حزنا على استشهاد الحسين عليه السلام في نفس الذكرى ،والحقيقة أن الأمر أسهل من أن تُتكلف له التأويلات والتفسيرات ولَي أعناق النصوص ،فلا إسلام ولا إيمان بدون حب أهل البيت،من غير أن يرد إلى ذهن المغاربة أن ذلك الحب يستحقونه لأنهم أحق بالخلافة أو ما شابه بموجب نص أو وصية،ألا ترى أنك قد تحب أحد إخوتك أكثر من الآخرين،والصحابة كإخوة منهم من أحب عليا أكثر من أبي بكر،ومنهم من أحب أبا بكر أكثر من علي،ومنهم من أحب سعد بن عبادة أكثر من الجميع،إذن فالعواطف لا حصار عليها،ولكن عندما تتدخل الأهواء والسياسات عندها يتم توجيه العاطفة،وذلك التمايز الطبيعي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليمه لأهل بيته وصحابته عندما قال لهم في الحديث المعروف:"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر،وأشدهم في الله عمر،وأقضاهم علي،وأشدهم حياء عثمان" .فلم يرد منهم تنميط أحكامهم على الأفراد والمجموعات والمجتمعات.
هل يمكن دمج التشيع في الوحدة المذهبية المغربية؟
إذا قصدنا دمج التشيع كعاطفة قائمة على معاني حب أهل البيت وتبجيلهم فهو مدمج بطريقة تلقائية وعفوية يَشِب عليها الصغير ويَهرَم عليها الكبير في المغرب،وإذا قصدنا الدمج المذهبي الفقهي،عندها لا نتحدث عن دمج،وإنما نتحدث عن الاعتراف بمذهب خامس هو المذهب الجعفري يضاف إلى المذاهب الأربعة السنية المعروفة:المالكي والحنبلي والحنفي والشافعي،وسيلاحظ أن الاختلاف مع الشيعة في معظم الأحكام الفقهية كالاختلاف بين المذاهب السنية نفسها،ودعاة التقريب بين المذاهب لم يكونوا يقصدون تغليب مذهب على مذهب،أو دمج مذهب في مذهب،أو إلغاء مذهب على حساب مذهب،ويبدو أن مما يخفف التوتر هو الاعتراف بالمذهب الفقهي الجعفري كمذهب خامس في البلدان التي يشكل فيها مقلدوه أغلبية،بحيث تصير المذاهب المالكية والشافعية والحنفية والحنبلية والجعفرية من مشمولات لفظ " الجماعة" المضاف إلى "أهل السنة".
يبقى إذن المجال الحساس هو مجال العقائد،ما دام أن الشيعة نقلوا مبحث الإمامة إلى فضاء العقيدة،وهذا المبحث أصبح في ذمة التاريخ ،فلا أئمة الشيعة حاضرون حتى نختلف على أحقيتهم أو عدم أحقيتهم بالخلافة،ولا خلفاء أهل السنة الراشدون حاضرون حتى نختلف بشأنهم أيضا بعد وقوع الانقلاب على الخلافة الراشدة لصالح الملك الوراثي العضوض.