فاطمي
04-19-2009, 08:30 AM
جريدة النهار الكويتية
المفكر الإسلامي المصري المثير للجدل أكد أن المسلم ليس في حاجة لمعرفة القرآن كله
اكد الكاتب والمفكر الاسلامي المصري جمال البنا المثير للجدل ان الفكر السلفي لايمثل الاسلام ولا يناسب العصر ويجب التخلص منه، كما وجه انتقادات شديدة للتفاسير والصحاح والاسانيد المعروفة لانها دونت على حساب نقاء وصفاء العقيدة.
وقال البنا في حديث خاص لـ«النهار» انه يجب الرجوع الى القرآن الكريم بالدرجة الاولى لانه لم تتطرق اليه «عوامل العبث» والوضع بعكس السنة، مؤكدا رفضه لكثير من الاحاديث التي وردت في صحيحي مسلم والبخاري.
واضاف ان «ضوابط وشروط الشافعي للحكم بصحة الحديث غير منطقية ولا تلزم احدا..». واعتبر البنا في معرض انتقاده ان الكثير من الاحاديث وضعت لاضفاء الشرعية على قوانين الامبراطورية الاسلامية الوليدة في حينها وهي مناقضة للقرآن الكريم، حسب رأيه. كما انتقد البنا تفاسير القرآن الكريم المعروفة معتبرا ان 95 في المئة منها غير صحيح، وقال ان المسلمين ليسوا في حاجة الى معرفة القرآن كله!... لكنه اعتبر ان ما وصفه بـ«سيادة القرآن» من شأنها ان تحدث ثورة تعيدنا الى الاسلام الصحيح.
ودافع جمال البنا الشقيق الاصغر لحسن البنا مؤسس جماعة «الاخوان المسلمين» عن رأيه القائل بانه لا يوجد نسخ بين الايات القرآنية، وقال «لا يوجد نسخ بل تدرج في التحريم كما ورد في تحريم الخمر على سبيل المثال..». كما دافع عن اباحته الامامة للمرأة «الاكثر علما بكتاب الله» وعن اعتراضه على الحجاب وقال ان «الاسلام أمر بالاحتشام لا بالحجاب ولايوجد نص يلزم المرأة به..»، واعتبر انه لا وجود لحد الردة في القرآن وقال ان «النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل من ارتد في عهده».
وفي موضوع جدلي اخر اوضح البنا انه لم يفت بجواز التقبيل بين الشباب لكنه اعتبره في حال حدوثه من اللم الذي تكفره الحسنات..!
وأصر البنا على رأيه باباحة التدخين في نهار رمضان كونه لا يفسد الصوم من وجهة نظره.
من جانب اخر اعتبر المفكر الاسلامي المصري ان التقريب بين السنة والشيعة ممكن فقط اذا تنازل كل طرف عن الخلافات وان كانت في صلب المذهب، ورغم أن البنا لم يحصل على مؤهل من جامعة اسلامية أو كلية شرعية وتعليمه متوسط، لكن له جهود ومؤلفات تزيد على 120مؤلفاً تتنوع بين كتب اسلامية دعا فيها الى فقه جديد..... وفي مايلي نص المقابلة:
● أسباب اختلافك مع جماعة «الاخوان المسلمين» رغم كونك الشقيق الأصغر لمؤسسها حسن البنا؟
■ كوني الشقيق الأصغر للشيخ البنا رحمه الله لايقتضي أن أوافقه فيما يذهب اليه لأن دراسته كانت دينية بحتة، أما أنا فدراستي كانت مدنية وكان لي تحفظات ومازالت هذه التحفظات قائمة حتى الآن، وهذه الخلافات تتعلق بالمرأة وبالآداب والفنون والعمل السياسي، وكنت أصرح ببعض هذه التحفظات فكان البنا يسمع ولا يجيب ولا يوافق ولا ينفي.
● ولا يتناقش؟
■ ولا يتناقش، لأن الشيخ البنا كان واسع الأفق وكان يفهم الناس، وكان يفهم الشخص الذي يريد أن يستقل ويفهم الشخص صاحب الآراء المختلفة، وطبعاً يفهم شقيقه الأصغر أكثر من أي شخص آخر، والحقيقة أيضاً أن البنا كان منظماً أكثر منه منظراً، يعني ويهتم بالتنظيم أكثر منه بالتنظير، وكان رجلاً جماهيرياً، وبقدر مايقود الجماهير بقدر ما أن هذا الجمهور يقيده من الانطلاق ويجعله ملتزماً فكرياً بمستوى الجمهور، ومن المعروف في التاريخ الاسلامي أن عمر بن الخطاب عزل والياً لأنه كره ألا يستطيع أن يحمل الناس على فضل عقله، ويمكن أنه كان يقتنع ويؤمن ببعض ما أقول ولكن التزامه وتقيده بالجماهير يمنعه من التصريح بهذا.
وثانيا كان البنا يؤمن بمسألة التدريج ويأخذ الأسهل فالأسهل، ولو ترك أو امتد به العمر فمن المحتمل أنه كان سيغير تغييراً جذرياً في فكر «الاخوان المسلمين»، لأن البنا بدأ بالجماعة عام1928 في الاسماعيلية من ستة من عمال القناة وكانت أقرب ما تكون الى الطريقة الصوفية.
وبعد20 سنة ظهرت جماعة «الاخوان» كهيئة عالمية تقدم الاسلام كمنهج حياة، كما قال الأستاذ البنا في كتبه، جماعة سنية وفرقة رياضية وشركة اقتصادية وجمعية خيرية وطريقة صوفية وهيئة سياسية.. ويتبعها في مصر أكثر من 500 ألف ولها فروعها في مختلف الدول العربية والاسلامية، والفرق الكبير بين هيئة صوفية صغيرة في احدى مدن القناة، وهيئة عالمية بهذا الشكل تنم عن عبقرية الأستاذ البنا في التنظيم، وهذا بقدر ما هو يحقق مكاسب في التنظيم بقدر ما يكون ذلك على حساب التنظير، فخلال 20 سنة حقق هذه النقلة، فلو ترك 20 عاماً أخرى لحقق نقلة مشابهة لهذه النقلة.
إمامة المرأة
● ماذا تعني بخلافك مع «الإخوان» حول المرأة؟
■ أنا لي آراء عن المرأة قد لايقبلها البعض فأنا أبيح أن تؤم المرأة الأكثر علماً بالقرآن الرجل الأقل منها علماً في الصلاة، لأن المعيار الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم هو الأكثر علماً بالقرآن، والنبي جعل صبياً يؤم من هم أكبر منه لأنه أعلم منهم بالقرآن، وجعل عبداً، مولى أبو حذيفة يؤم جماعة من كبار الصحابة، لأنه أعلم منهم بالقرآن.
● هذه روايات نقلها رواة الحديث ولم يرد حديث أن امرأة أمّت رجالاً، ولكن ورد أن السيدة عائشة أمّت نساء وكانت تصلي في وسط الصف وليست متقدمة على المأمومين كما هو الحال عند الرجال، كما أن الآية القرآنية تقول «الرجال قوامون على النساء».
■ هذا في الانفاق.
● لا الآية تقول «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»، ثم بعد ذلك حرف عطف «و» وهذا الحرف يفيد التغاير وبعده يقول الله تعالى «وَبمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ» اذاً هناك قوامة مطلقة أولاً وبعدها تأتي مسألة الانفاق.
■ أرى أن ذلك يجوز.
● كيف ترى ذلك وهذه مسألة تعبدية يجب فيها التوقف والالتزام وعدم الزيادة أو النقصان؟
■ أرى أن ذلك جائز.
● رغم أنه لم يرد فيها نص يبيح من القرآن كما تقولون بل جاء النص بالنقيض من ذلك؟
■ أرى أن ذلك جائز.
● لماذا الاصرار على هذا الرأي رغم معارضته القرآن وأيضاً معارضته السنة العملية التي تأخذون بها وهي أن هيئة صفوف المصلين في صلاة الجماعة يكون الامام في المقدمة ثم يليه صفوف الرجال ثم تأتي صفوف النساء بعد صفوف الرجال، كما أنه ورد حديث أن ذكوان «عبد أو مولى لعائشة» أمّها في صلاة قيام الليل وهو يقرأ من المصحف وكانت هي مأمومة وهي أحفظ منه، وكان العبد غير الحافظ اماماً.
■ وربما يكون العقل في هذا العصر لا يستوعب أن تؤم امرأة رجالاً، أما اذا استوعبت العقول وتطور العصر فيجوز، وفي أميركا يقولون ان الاسلام يضطهد المرأة ولا يسمح لها بامامة الرجال.
● وهل يتم التشريع في العبادات التي لا يزاد فيها ولا ينقص الا بنصوص صحيحة صريحة؟
■ هذه مسائل وأمور أخرى، وأرى اذا كان فكر المجتمع يقبل ذلك فلا مانع ويجوز.
● لو اتبعنا هذا المنهج فيمكن أن يزاد في الصلاة أو ينتقص منها أو يزاد في الصوم وينتقص منه لو اتبعنا هذا الأسلوب، كما أنه يمكن الرد على من يتهمون الاسلام باضطهاد المرأة دون الحاجة الى تغيير في ثوابت الدين
■ لا، أنا أرى بجواز إمامة المرأة الأعلم بالقرآن
الفكر الإسلامي
● ماذا تعنون بالفكر الاسلامي وما رؤيتكم في تجديده؟
■ الفكر الاسلامي فكر سلفي بمعنى أنه يؤمن بالمذاهب الأربعة، ويؤمن بتفسير القرآن كما فسره القدماء كالطبري والقرطبي وابن كثير ويأخذ الفقه من المذاهب الأربعة، ويؤمن بتصنيف الأحاديث كما وضعها أحمد بن حنبل، ولو سألت أحدهم عن أي قضية لقال لك الامام مالك قال كذا، والأمام الشافعي قال كذا أو ابن تيمية قال كذا وهؤلاء الأئمة جميعاً كانوا عباقرة وأرادوا خدمة الاسلام، ولكنهم ليسوا ملائكة ولا أنبياء ولا عصمة لديهم، فهم قبل كل شيء وبعد كل شيء بشر، كما أن عصرهم كان سيئاً لأن المجتمع الاسلامي تحول بسرعة من مجتمع المدينة في عهد الخلفاء الراشدين الى مستوى الامبراطورية بدءاً من معاوية حتى المراحل التي تلت عصره ودخلته أجناس وملل ونحل وأفكار وعوامل كثيرة لوثت صفاء العقيدة والفكر الاسلامي وأدت الى اختلاف الفهم الاسلامي في هذه العصور عن الفهم الاسلامي أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، فظهر التفسير كعلم كبير وبدأ تدوين السنة وظهرت الصحاح والمسانيد، وكل هذا كان على حساب نقاء وصفاء العقيدة.
● ألا يعطي ذلك مبرراً ومسوغاً للمطالبين بالعودة الى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده وهم أتباع الفكر السلفي؟
■ يعطي مبرراً لاستلهام الأصول لأن العهد الاسلامي الأول قام على دعامتين القرآن والسنة، والرجوع يجب أن يكون للقرآن بالدرجة الأولى لأنه لم تتطرق اليه عوامل العبث والوضع، بعكس السنة التي تطرقت اليها عوامل العبث والوضع بطريقة لا يمكن تصورها ولم يبدأ تدوينها الا بعد 150سنة مثال ذلك أنه يقال ان أحمد بن حنبل كان يحفظ ألف حديث يعني النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له عمل الا قول الأحاديث ما قال هذا العدد الكبير من الأحاديث.
وضع الأحاديث
● لهم على ذلك رد فهم يقولون الحديث برواياته المتعددة المتنوعة؟
■ لا عندي النصوص التي تقول ليس بالروايات، وحتى لوكان بالروايات ولو أن الحديث له 20 رواية فبقسمة مليون على 20 يكون الناتج 50 ألفاً، والبخاري وضع صحيحه من 500 ألف حديث، ومالك وضع الموطأ من كذا ألف حديث، فما هذه الأعداد؟ من أين جاءت، اذن لابد من حدوث دس في الأحاديث، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الحياة في عهده حياة بدائية وعندما قامت الامبراطورية الاسلامية شاسعة المساحة من الأندلس غرباً حتى الصين شرقاً ظهرت مشاكل عديدة لا يناسبها الوضع الذي كانوا عليه في المدينة» وهذا بحكم التطور ولايجاد حلول لهذه المشاكل في دولة اسلامية لابد أن تكون هذه الحلول من الشرع اما من القرآن أو من السنة، والقرآن لايورد التفاصيل لعلاج هذه المشاكل لأنه يقرر الكليات والمبادئ والأسس العامة، أما السنة المختصة بالتفاصيل والتي هي عمل وكلام الرسول فطبعاً كانت مناسبة للوضع في المدينة، ومن الطبيعي ألا يكون فيها حلول للمشاكل العديدة لهذه الامبراطورية، فأصبح وضع الأحاديث ضرورة لاصباغ الشرعية على قوانين وأوضاع الدولة، ولذلك جاءت أحكام الفقهاء مباينة للقرآن الكريم في كثير من المسائل الفقهية وقد حاولت معالجة ذلك في بعض كتبي.
● مباينة بمعنى مغايرة؟
■ نعم مغايرة بل ومناقضة فمثلاً حرية الفكر مفتوحة في القرآن وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن تحدث عن حرية الاعتقاد» فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، وقوله تعالى «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ».. ولم يرتب عليها عقوبة دنيوية، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت مجموعة من الناس ولم يفعل معهم النبي شيئاً وكان من أشهرهم أحد كتبة الوحي وعاد إلى الإسلام مرة ثانية ولجأ إلى عثمان بن عفان وتولى بعد ذلك حكم مصر بعد ذلك وفتح معظم إفريقيا وهو عبد الله بن سعد بن أبي السرح، ولكن في العصور التالية ظهر حديث «من بدل دينه فاقتلوه»، وصيغت عملية الاستتابة والقتل وصاغ العلماء من جحد معلوماً من الدين بالضرورة يعد مرتداً ويستتاب أو يقتل، وهذا كله مخالف لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضاً مخالفة الحاكم يقف الخليفة الأول أبو بكر الصديق ويقول «إن أحسنت فأطيعوني وإن أسأت فقوموني»، وعمر يقول أيضاً نفس المعنى ويقف الأعرابي ليقول له لو أسأت لقومناك بسيوفنا... أين هذا من عهد عبد الملك بن مروان الذي قال «من قال لي اتق الله قطعت عنقه»، أو من زياد الذي وضع مانفيستو إرهابي، أو الحجاج الذي قال «إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني صاحبها»، والمطلوب الآن التخلص من الفكر السلفي لأنه لايناسب العصر الحديث، كما أنه لا يمثل الإسلام حقاً، ولكنه يمثل الإسلام في عصر الدولة الإمبراطورية وظروفها ومقتضياتها التي فرضت نفسها على العلماء والفقهاء، وتخلفنا لأننا نعيش هذا العصر ليس بما قرره القرآن وبما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكننا نتبع ماقرره الفقهاء منذ ألف سنة وفي ظروف سيئة.
حد الردة
● ولماذا لايكون حكم الردة لم يشرع بعد في هذه الوقائع، ثم جاء بعد ذلك الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا الحديث وغيره مثل حديث «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث خصال النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة»؟
■ لا، طالما لم يرد في القرآن فلا حجية لهذه الأحاديث، كما أن من العلماء من قال إن المعني بهذا الحديث من يقاتل المسلمين.
● بماذا تفسر قراءات القرآن المختلفة؟
■ أنزلها الله على اختلافها ليفهمها العرب بلهجاتهم المختلفة.
● أليس من نقلها إلينا هم رواة الحديث؟
■ نعم وأنا لا أرفض السنة كلها ولكن أحكم فيها القرآن فما وافق القرآن أخذ به وما عارض القرآن أرفضه.
السنة والحديث
● ما هو تعريفكم للسنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي؟ وما هي ضوابطها؟
■ أولاً السنة غير الحديث، لأن السنة هي العمل أو الطريق أو المنهج، وكان يجب أن لا يخلط بين السنة وبين الحديث ولكن هذا الخلط حدث، ويقال إن هناك قرآنيين ينكرون السنة وهذا خطأ لأنهم لا ينكرون السنة فهم ينكرون الحديث، لأنه لايستطيع أحد أن ينكر السنة العملية وبدونها لايستطيع المسلم أن يصلي أو يخرج زكاته أو يؤدي مناسك الحج، ولكنهم ينكرون الأحاديث لأنها أولاً لم تدون إلا بعد 150 سنة من الهجرة النبوية في عهد عمر بن عبد العزيز، ولم يبدأ التدوين إلا سنة 150 هجرية.
● ولكن كانت هناك صحف لبعض الصحابة كصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص وحديث اكتبوا لأبي شاة..
■ وأيضاً كان في قراب سيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه صحيفة بها كذا حديث، ولكن هذه الروايات وهذه الحالات كانت استثناءات والأصل هو عدم الكتابة لأن الكتابة لو كانت مباحة لما احتاجت هذه الحالات النادرة إلى تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وردت أحاديث كثيرة بالنهي عن كتابة الأحاديث وأحاديث أخرى بالتصريح بالكتابة، وقد حققت هذه الأحاديث وتبين أن أحاديث النهي أقوى من أحاديث التصريح بالكتابة، وأصدق الأحاديث وأقواها في هذا الباب هو حديث «لاتكتبوا عني شيئاً ومن كتب عني شيئاً فليمحه».. وهناك مقارنة قوية حققها السيد رشيد رضا ونقلناها في كتبنا، و أكدت هذه الدراسة أن أحاديث النهي عن الكتابة أقوى، وكما أكدت سابقاً أن العدد الكبير للأحاديث يثير الشك في ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم فمتى قال كل هذا الكم الرهيب من الأحاديث.
ضوابط قرآنية
● هل هناك ضوابط جديدة غير التي وضعها علماء الحديث لقبول أو رد روايات الحديث النبوي؟
■ لابد من وضع ضوابط جديدة فعلاً لأن كل الضوابط التي وضعها المحدثون كانت مختصة بالسند، بمعنى إذا كان الراوي عادلاً ضابطاً ـ إلى آخر الشروط التي وضعها الإمام الشافعي ـ يحكم على الحديث بالصحة، وهذا ليس صحيحا ولا منطقياً فيمكن أن تتوافر هذه الشروط ولا يكون الحديث صحيحاً، فصفة العدل في الراوي قد لا تظل، ولا يظل عادلاً طوال عمره، ثم هل هذا الراوي عنده فطنة أم لا، وهل روى الحديث بنصه أم بالمعنى، وعندما نريد أن نستدل على صحة الحديث يجب عدم الاكتفاء بالسند، بل يجب أن ننظر إلى المتن لنرى ماذا فيه.
● وضع العلماء شرطان للمتن وهما الشذوذ والعلة؟
-لا، الاهتمام كله من المحدثين منصب على المتن (النص)، وتصحيح الحديث أو تضعيفه عندهم لأن فيه راويا كذا أو راوياً كذا، أما المتن فليس محل عناية عندهم، وهذا بخلاف الأصل الذي هو المتن، ولو أنهم اهتموا بالمتن لتغيرت أمور كثيرة، ويجب مقارنة الحديث بالقرآن فما اتفق مع القرآن يقبل، ومالا يتفق مع القرآن يرفض، وهذا ما أقصده بالضوابط التي أريدها وهي مقارنة الحديث بالقرآن وجعله هو معيار القبول والرفض.
● هل هذه الضوابط شرعية فقط أم أن بها ضوابط عقلية تخضع للتجارب العقلية والعلمية؟
■ أرى الاقتصار على الضوابط الشرعية المستمدة من القرآن فقط، ولا داعي لتحكيم العقل لأن العقول مختلفة ومتفاوتة.
● ولكن هناك آية في القرآن تنص على أن السنة تبين القرآن وتوضحه وهي قوله تعالى» وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»، ألا يستفاد منها أن السنة تبين القرآن وتوضح غوامضه وتفسر المبهم فيه، كما أن هذا التفسير قد يرد به جزئية تستقل فيها السنة بالتشريع؟
■ لا كما قلت إن ما وافق القرآن من الأحاديث يؤخذ به وما خالفه يرفض ولا نعتد به.
تنقيح التراث
● ما مدى الحاجة إلى تنقيح كتب السنة والتاريخ والتفاسير؟
■ نحن في أشد الحاجة إلى هذا التنقيح، وقد لا نستطيع تنقيح كتب التفاسير لأن بها الكثير من الإسرائيليات والروايات غير الصحيحة قد تربو على نصف حجمها، يعني تجد الرواية الإسرائيلية ويقول المصنف إنها تدل على كذا وبعده يقول المصنف إنها تدل على أمر آخر يناقض الأمر الأول، ثم في موضع ثالث يستدل بها على أمر جديد يخالف الرأيين الأوليين وهكذا، وأظن أنه لا يمكن تنقية التفاسير وتنقيحها لأنه لن يبقى منها سوى 5 في المئة، وأرى أنه لا داعي لوضع تفاسير للقرآن لأن أفضل تفسير للقرآن هو القرآن نفسه وابن كثير قال هذا، وفي العصر الحديث قال الشيخ الشعراوي إنه لا يفسر القرآن، ولكنها خواطر وإلهامات من قراءته للقرآن.
● جميع المفسرين قالوا إن أفضل تفسير هو تفسير القرآن بالقرآن، ولكن هذا لايعني الاكتفاء بتفسير القرآن بالقرآن فقط، كما أنه ليس كل الناس يستطيعون أن يفسروا القرآن بالقرآن، وبالتالي لابد من وضع تفاسير يقرؤها العوام وغير المتخصصين؟
■ أرى أن التفاسير بهذا الشكل وبهذا الوضع لا داعي لها، كما أن المفسرين وضعوا علوم القرآن، وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ الذي قالوا عنه «إذا جهلت الناسخ والمنسوخ فقد هلكت وأهلكت» واتضح أنه ليس هناك ناسخ ولا منسوخ.
المفكر الإسلامي المصري المثير للجدل أكد أن المسلم ليس في حاجة لمعرفة القرآن كله
اكد الكاتب والمفكر الاسلامي المصري جمال البنا المثير للجدل ان الفكر السلفي لايمثل الاسلام ولا يناسب العصر ويجب التخلص منه، كما وجه انتقادات شديدة للتفاسير والصحاح والاسانيد المعروفة لانها دونت على حساب نقاء وصفاء العقيدة.
وقال البنا في حديث خاص لـ«النهار» انه يجب الرجوع الى القرآن الكريم بالدرجة الاولى لانه لم تتطرق اليه «عوامل العبث» والوضع بعكس السنة، مؤكدا رفضه لكثير من الاحاديث التي وردت في صحيحي مسلم والبخاري.
واضاف ان «ضوابط وشروط الشافعي للحكم بصحة الحديث غير منطقية ولا تلزم احدا..». واعتبر البنا في معرض انتقاده ان الكثير من الاحاديث وضعت لاضفاء الشرعية على قوانين الامبراطورية الاسلامية الوليدة في حينها وهي مناقضة للقرآن الكريم، حسب رأيه. كما انتقد البنا تفاسير القرآن الكريم المعروفة معتبرا ان 95 في المئة منها غير صحيح، وقال ان المسلمين ليسوا في حاجة الى معرفة القرآن كله!... لكنه اعتبر ان ما وصفه بـ«سيادة القرآن» من شأنها ان تحدث ثورة تعيدنا الى الاسلام الصحيح.
ودافع جمال البنا الشقيق الاصغر لحسن البنا مؤسس جماعة «الاخوان المسلمين» عن رأيه القائل بانه لا يوجد نسخ بين الايات القرآنية، وقال «لا يوجد نسخ بل تدرج في التحريم كما ورد في تحريم الخمر على سبيل المثال..». كما دافع عن اباحته الامامة للمرأة «الاكثر علما بكتاب الله» وعن اعتراضه على الحجاب وقال ان «الاسلام أمر بالاحتشام لا بالحجاب ولايوجد نص يلزم المرأة به..»، واعتبر انه لا وجود لحد الردة في القرآن وقال ان «النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل من ارتد في عهده».
وفي موضوع جدلي اخر اوضح البنا انه لم يفت بجواز التقبيل بين الشباب لكنه اعتبره في حال حدوثه من اللم الذي تكفره الحسنات..!
وأصر البنا على رأيه باباحة التدخين في نهار رمضان كونه لا يفسد الصوم من وجهة نظره.
من جانب اخر اعتبر المفكر الاسلامي المصري ان التقريب بين السنة والشيعة ممكن فقط اذا تنازل كل طرف عن الخلافات وان كانت في صلب المذهب، ورغم أن البنا لم يحصل على مؤهل من جامعة اسلامية أو كلية شرعية وتعليمه متوسط، لكن له جهود ومؤلفات تزيد على 120مؤلفاً تتنوع بين كتب اسلامية دعا فيها الى فقه جديد..... وفي مايلي نص المقابلة:
● أسباب اختلافك مع جماعة «الاخوان المسلمين» رغم كونك الشقيق الأصغر لمؤسسها حسن البنا؟
■ كوني الشقيق الأصغر للشيخ البنا رحمه الله لايقتضي أن أوافقه فيما يذهب اليه لأن دراسته كانت دينية بحتة، أما أنا فدراستي كانت مدنية وكان لي تحفظات ومازالت هذه التحفظات قائمة حتى الآن، وهذه الخلافات تتعلق بالمرأة وبالآداب والفنون والعمل السياسي، وكنت أصرح ببعض هذه التحفظات فكان البنا يسمع ولا يجيب ولا يوافق ولا ينفي.
● ولا يتناقش؟
■ ولا يتناقش، لأن الشيخ البنا كان واسع الأفق وكان يفهم الناس، وكان يفهم الشخص الذي يريد أن يستقل ويفهم الشخص صاحب الآراء المختلفة، وطبعاً يفهم شقيقه الأصغر أكثر من أي شخص آخر، والحقيقة أيضاً أن البنا كان منظماً أكثر منه منظراً، يعني ويهتم بالتنظيم أكثر منه بالتنظير، وكان رجلاً جماهيرياً، وبقدر مايقود الجماهير بقدر ما أن هذا الجمهور يقيده من الانطلاق ويجعله ملتزماً فكرياً بمستوى الجمهور، ومن المعروف في التاريخ الاسلامي أن عمر بن الخطاب عزل والياً لأنه كره ألا يستطيع أن يحمل الناس على فضل عقله، ويمكن أنه كان يقتنع ويؤمن ببعض ما أقول ولكن التزامه وتقيده بالجماهير يمنعه من التصريح بهذا.
وثانيا كان البنا يؤمن بمسألة التدريج ويأخذ الأسهل فالأسهل، ولو ترك أو امتد به العمر فمن المحتمل أنه كان سيغير تغييراً جذرياً في فكر «الاخوان المسلمين»، لأن البنا بدأ بالجماعة عام1928 في الاسماعيلية من ستة من عمال القناة وكانت أقرب ما تكون الى الطريقة الصوفية.
وبعد20 سنة ظهرت جماعة «الاخوان» كهيئة عالمية تقدم الاسلام كمنهج حياة، كما قال الأستاذ البنا في كتبه، جماعة سنية وفرقة رياضية وشركة اقتصادية وجمعية خيرية وطريقة صوفية وهيئة سياسية.. ويتبعها في مصر أكثر من 500 ألف ولها فروعها في مختلف الدول العربية والاسلامية، والفرق الكبير بين هيئة صوفية صغيرة في احدى مدن القناة، وهيئة عالمية بهذا الشكل تنم عن عبقرية الأستاذ البنا في التنظيم، وهذا بقدر ما هو يحقق مكاسب في التنظيم بقدر ما يكون ذلك على حساب التنظير، فخلال 20 سنة حقق هذه النقلة، فلو ترك 20 عاماً أخرى لحقق نقلة مشابهة لهذه النقلة.
إمامة المرأة
● ماذا تعني بخلافك مع «الإخوان» حول المرأة؟
■ أنا لي آراء عن المرأة قد لايقبلها البعض فأنا أبيح أن تؤم المرأة الأكثر علماً بالقرآن الرجل الأقل منها علماً في الصلاة، لأن المعيار الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم هو الأكثر علماً بالقرآن، والنبي جعل صبياً يؤم من هم أكبر منه لأنه أعلم منهم بالقرآن، وجعل عبداً، مولى أبو حذيفة يؤم جماعة من كبار الصحابة، لأنه أعلم منهم بالقرآن.
● هذه روايات نقلها رواة الحديث ولم يرد حديث أن امرأة أمّت رجالاً، ولكن ورد أن السيدة عائشة أمّت نساء وكانت تصلي في وسط الصف وليست متقدمة على المأمومين كما هو الحال عند الرجال، كما أن الآية القرآنية تقول «الرجال قوامون على النساء».
■ هذا في الانفاق.
● لا الآية تقول «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ»، ثم بعد ذلك حرف عطف «و» وهذا الحرف يفيد التغاير وبعده يقول الله تعالى «وَبمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ» اذاً هناك قوامة مطلقة أولاً وبعدها تأتي مسألة الانفاق.
■ أرى أن ذلك يجوز.
● كيف ترى ذلك وهذه مسألة تعبدية يجب فيها التوقف والالتزام وعدم الزيادة أو النقصان؟
■ أرى أن ذلك جائز.
● رغم أنه لم يرد فيها نص يبيح من القرآن كما تقولون بل جاء النص بالنقيض من ذلك؟
■ أرى أن ذلك جائز.
● لماذا الاصرار على هذا الرأي رغم معارضته القرآن وأيضاً معارضته السنة العملية التي تأخذون بها وهي أن هيئة صفوف المصلين في صلاة الجماعة يكون الامام في المقدمة ثم يليه صفوف الرجال ثم تأتي صفوف النساء بعد صفوف الرجال، كما أنه ورد حديث أن ذكوان «عبد أو مولى لعائشة» أمّها في صلاة قيام الليل وهو يقرأ من المصحف وكانت هي مأمومة وهي أحفظ منه، وكان العبد غير الحافظ اماماً.
■ وربما يكون العقل في هذا العصر لا يستوعب أن تؤم امرأة رجالاً، أما اذا استوعبت العقول وتطور العصر فيجوز، وفي أميركا يقولون ان الاسلام يضطهد المرأة ولا يسمح لها بامامة الرجال.
● وهل يتم التشريع في العبادات التي لا يزاد فيها ولا ينقص الا بنصوص صحيحة صريحة؟
■ هذه مسائل وأمور أخرى، وأرى اذا كان فكر المجتمع يقبل ذلك فلا مانع ويجوز.
● لو اتبعنا هذا المنهج فيمكن أن يزاد في الصلاة أو ينتقص منها أو يزاد في الصوم وينتقص منه لو اتبعنا هذا الأسلوب، كما أنه يمكن الرد على من يتهمون الاسلام باضطهاد المرأة دون الحاجة الى تغيير في ثوابت الدين
■ لا، أنا أرى بجواز إمامة المرأة الأعلم بالقرآن
الفكر الإسلامي
● ماذا تعنون بالفكر الاسلامي وما رؤيتكم في تجديده؟
■ الفكر الاسلامي فكر سلفي بمعنى أنه يؤمن بالمذاهب الأربعة، ويؤمن بتفسير القرآن كما فسره القدماء كالطبري والقرطبي وابن كثير ويأخذ الفقه من المذاهب الأربعة، ويؤمن بتصنيف الأحاديث كما وضعها أحمد بن حنبل، ولو سألت أحدهم عن أي قضية لقال لك الامام مالك قال كذا، والأمام الشافعي قال كذا أو ابن تيمية قال كذا وهؤلاء الأئمة جميعاً كانوا عباقرة وأرادوا خدمة الاسلام، ولكنهم ليسوا ملائكة ولا أنبياء ولا عصمة لديهم، فهم قبل كل شيء وبعد كل شيء بشر، كما أن عصرهم كان سيئاً لأن المجتمع الاسلامي تحول بسرعة من مجتمع المدينة في عهد الخلفاء الراشدين الى مستوى الامبراطورية بدءاً من معاوية حتى المراحل التي تلت عصره ودخلته أجناس وملل ونحل وأفكار وعوامل كثيرة لوثت صفاء العقيدة والفكر الاسلامي وأدت الى اختلاف الفهم الاسلامي في هذه العصور عن الفهم الاسلامي أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، فظهر التفسير كعلم كبير وبدأ تدوين السنة وظهرت الصحاح والمسانيد، وكل هذا كان على حساب نقاء وصفاء العقيدة.
● ألا يعطي ذلك مبرراً ومسوغاً للمطالبين بالعودة الى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده وهم أتباع الفكر السلفي؟
■ يعطي مبرراً لاستلهام الأصول لأن العهد الاسلامي الأول قام على دعامتين القرآن والسنة، والرجوع يجب أن يكون للقرآن بالدرجة الأولى لأنه لم تتطرق اليه عوامل العبث والوضع، بعكس السنة التي تطرقت اليها عوامل العبث والوضع بطريقة لا يمكن تصورها ولم يبدأ تدوينها الا بعد 150سنة مثال ذلك أنه يقال ان أحمد بن حنبل كان يحفظ ألف حديث يعني النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له عمل الا قول الأحاديث ما قال هذا العدد الكبير من الأحاديث.
وضع الأحاديث
● لهم على ذلك رد فهم يقولون الحديث برواياته المتعددة المتنوعة؟
■ لا عندي النصوص التي تقول ليس بالروايات، وحتى لوكان بالروايات ولو أن الحديث له 20 رواية فبقسمة مليون على 20 يكون الناتج 50 ألفاً، والبخاري وضع صحيحه من 500 ألف حديث، ومالك وضع الموطأ من كذا ألف حديث، فما هذه الأعداد؟ من أين جاءت، اذن لابد من حدوث دس في الأحاديث، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الحياة في عهده حياة بدائية وعندما قامت الامبراطورية الاسلامية شاسعة المساحة من الأندلس غرباً حتى الصين شرقاً ظهرت مشاكل عديدة لا يناسبها الوضع الذي كانوا عليه في المدينة» وهذا بحكم التطور ولايجاد حلول لهذه المشاكل في دولة اسلامية لابد أن تكون هذه الحلول من الشرع اما من القرآن أو من السنة، والقرآن لايورد التفاصيل لعلاج هذه المشاكل لأنه يقرر الكليات والمبادئ والأسس العامة، أما السنة المختصة بالتفاصيل والتي هي عمل وكلام الرسول فطبعاً كانت مناسبة للوضع في المدينة، ومن الطبيعي ألا يكون فيها حلول للمشاكل العديدة لهذه الامبراطورية، فأصبح وضع الأحاديث ضرورة لاصباغ الشرعية على قوانين وأوضاع الدولة، ولذلك جاءت أحكام الفقهاء مباينة للقرآن الكريم في كثير من المسائل الفقهية وقد حاولت معالجة ذلك في بعض كتبي.
● مباينة بمعنى مغايرة؟
■ نعم مغايرة بل ومناقضة فمثلاً حرية الفكر مفتوحة في القرآن وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن تحدث عن حرية الاعتقاد» فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، وقوله تعالى «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ».. ولم يرتب عليها عقوبة دنيوية، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت مجموعة من الناس ولم يفعل معهم النبي شيئاً وكان من أشهرهم أحد كتبة الوحي وعاد إلى الإسلام مرة ثانية ولجأ إلى عثمان بن عفان وتولى بعد ذلك حكم مصر بعد ذلك وفتح معظم إفريقيا وهو عبد الله بن سعد بن أبي السرح، ولكن في العصور التالية ظهر حديث «من بدل دينه فاقتلوه»، وصيغت عملية الاستتابة والقتل وصاغ العلماء من جحد معلوماً من الدين بالضرورة يعد مرتداً ويستتاب أو يقتل، وهذا كله مخالف لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضاً مخالفة الحاكم يقف الخليفة الأول أبو بكر الصديق ويقول «إن أحسنت فأطيعوني وإن أسأت فقوموني»، وعمر يقول أيضاً نفس المعنى ويقف الأعرابي ليقول له لو أسأت لقومناك بسيوفنا... أين هذا من عهد عبد الملك بن مروان الذي قال «من قال لي اتق الله قطعت عنقه»، أو من زياد الذي وضع مانفيستو إرهابي، أو الحجاج الذي قال «إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وإني صاحبها»، والمطلوب الآن التخلص من الفكر السلفي لأنه لايناسب العصر الحديث، كما أنه لا يمثل الإسلام حقاً، ولكنه يمثل الإسلام في عصر الدولة الإمبراطورية وظروفها ومقتضياتها التي فرضت نفسها على العلماء والفقهاء، وتخلفنا لأننا نعيش هذا العصر ليس بما قرره القرآن وبما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكننا نتبع ماقرره الفقهاء منذ ألف سنة وفي ظروف سيئة.
حد الردة
● ولماذا لايكون حكم الردة لم يشرع بعد في هذه الوقائع، ثم جاء بعد ذلك الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا الحديث وغيره مثل حديث «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بثلاث خصال النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة»؟
■ لا، طالما لم يرد في القرآن فلا حجية لهذه الأحاديث، كما أن من العلماء من قال إن المعني بهذا الحديث من يقاتل المسلمين.
● بماذا تفسر قراءات القرآن المختلفة؟
■ أنزلها الله على اختلافها ليفهمها العرب بلهجاتهم المختلفة.
● أليس من نقلها إلينا هم رواة الحديث؟
■ نعم وأنا لا أرفض السنة كلها ولكن أحكم فيها القرآن فما وافق القرآن أخذ به وما عارض القرآن أرفضه.
السنة والحديث
● ما هو تعريفكم للسنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي؟ وما هي ضوابطها؟
■ أولاً السنة غير الحديث، لأن السنة هي العمل أو الطريق أو المنهج، وكان يجب أن لا يخلط بين السنة وبين الحديث ولكن هذا الخلط حدث، ويقال إن هناك قرآنيين ينكرون السنة وهذا خطأ لأنهم لا ينكرون السنة فهم ينكرون الحديث، لأنه لايستطيع أحد أن ينكر السنة العملية وبدونها لايستطيع المسلم أن يصلي أو يخرج زكاته أو يؤدي مناسك الحج، ولكنهم ينكرون الأحاديث لأنها أولاً لم تدون إلا بعد 150 سنة من الهجرة النبوية في عهد عمر بن عبد العزيز، ولم يبدأ التدوين إلا سنة 150 هجرية.
● ولكن كانت هناك صحف لبعض الصحابة كصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص وحديث اكتبوا لأبي شاة..
■ وأيضاً كان في قراب سيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه صحيفة بها كذا حديث، ولكن هذه الروايات وهذه الحالات كانت استثناءات والأصل هو عدم الكتابة لأن الكتابة لو كانت مباحة لما احتاجت هذه الحالات النادرة إلى تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وردت أحاديث كثيرة بالنهي عن كتابة الأحاديث وأحاديث أخرى بالتصريح بالكتابة، وقد حققت هذه الأحاديث وتبين أن أحاديث النهي أقوى من أحاديث التصريح بالكتابة، وأصدق الأحاديث وأقواها في هذا الباب هو حديث «لاتكتبوا عني شيئاً ومن كتب عني شيئاً فليمحه».. وهناك مقارنة قوية حققها السيد رشيد رضا ونقلناها في كتبنا، و أكدت هذه الدراسة أن أحاديث النهي عن الكتابة أقوى، وكما أكدت سابقاً أن العدد الكبير للأحاديث يثير الشك في ورودها عن النبي صلى الله عليه وسلم فمتى قال كل هذا الكم الرهيب من الأحاديث.
ضوابط قرآنية
● هل هناك ضوابط جديدة غير التي وضعها علماء الحديث لقبول أو رد روايات الحديث النبوي؟
■ لابد من وضع ضوابط جديدة فعلاً لأن كل الضوابط التي وضعها المحدثون كانت مختصة بالسند، بمعنى إذا كان الراوي عادلاً ضابطاً ـ إلى آخر الشروط التي وضعها الإمام الشافعي ـ يحكم على الحديث بالصحة، وهذا ليس صحيحا ولا منطقياً فيمكن أن تتوافر هذه الشروط ولا يكون الحديث صحيحاً، فصفة العدل في الراوي قد لا تظل، ولا يظل عادلاً طوال عمره، ثم هل هذا الراوي عنده فطنة أم لا، وهل روى الحديث بنصه أم بالمعنى، وعندما نريد أن نستدل على صحة الحديث يجب عدم الاكتفاء بالسند، بل يجب أن ننظر إلى المتن لنرى ماذا فيه.
● وضع العلماء شرطان للمتن وهما الشذوذ والعلة؟
-لا، الاهتمام كله من المحدثين منصب على المتن (النص)، وتصحيح الحديث أو تضعيفه عندهم لأن فيه راويا كذا أو راوياً كذا، أما المتن فليس محل عناية عندهم، وهذا بخلاف الأصل الذي هو المتن، ولو أنهم اهتموا بالمتن لتغيرت أمور كثيرة، ويجب مقارنة الحديث بالقرآن فما اتفق مع القرآن يقبل، ومالا يتفق مع القرآن يرفض، وهذا ما أقصده بالضوابط التي أريدها وهي مقارنة الحديث بالقرآن وجعله هو معيار القبول والرفض.
● هل هذه الضوابط شرعية فقط أم أن بها ضوابط عقلية تخضع للتجارب العقلية والعلمية؟
■ أرى الاقتصار على الضوابط الشرعية المستمدة من القرآن فقط، ولا داعي لتحكيم العقل لأن العقول مختلفة ومتفاوتة.
● ولكن هناك آية في القرآن تنص على أن السنة تبين القرآن وتوضحه وهي قوله تعالى» وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»، ألا يستفاد منها أن السنة تبين القرآن وتوضح غوامضه وتفسر المبهم فيه، كما أن هذا التفسير قد يرد به جزئية تستقل فيها السنة بالتشريع؟
■ لا كما قلت إن ما وافق القرآن من الأحاديث يؤخذ به وما خالفه يرفض ولا نعتد به.
تنقيح التراث
● ما مدى الحاجة إلى تنقيح كتب السنة والتاريخ والتفاسير؟
■ نحن في أشد الحاجة إلى هذا التنقيح، وقد لا نستطيع تنقيح كتب التفاسير لأن بها الكثير من الإسرائيليات والروايات غير الصحيحة قد تربو على نصف حجمها، يعني تجد الرواية الإسرائيلية ويقول المصنف إنها تدل على كذا وبعده يقول المصنف إنها تدل على أمر آخر يناقض الأمر الأول، ثم في موضع ثالث يستدل بها على أمر جديد يخالف الرأيين الأوليين وهكذا، وأظن أنه لا يمكن تنقية التفاسير وتنقيحها لأنه لن يبقى منها سوى 5 في المئة، وأرى أنه لا داعي لوضع تفاسير للقرآن لأن أفضل تفسير للقرآن هو القرآن نفسه وابن كثير قال هذا، وفي العصر الحديث قال الشيخ الشعراوي إنه لا يفسر القرآن، ولكنها خواطر وإلهامات من قراءته للقرآن.
● جميع المفسرين قالوا إن أفضل تفسير هو تفسير القرآن بالقرآن، ولكن هذا لايعني الاكتفاء بتفسير القرآن بالقرآن فقط، كما أنه ليس كل الناس يستطيعون أن يفسروا القرآن بالقرآن، وبالتالي لابد من وضع تفاسير يقرؤها العوام وغير المتخصصين؟
■ أرى أن التفاسير بهذا الشكل وبهذا الوضع لا داعي لها، كما أن المفسرين وضعوا علوم القرآن، وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ الذي قالوا عنه «إذا جهلت الناسخ والمنسوخ فقد هلكت وأهلكت» واتضح أنه ليس هناك ناسخ ولا منسوخ.