المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلمنة...بقلم: السيد عبد المجيد الخوئي



رشيد الهجري
08-19-2004, 03:09 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه، وأشرف الأنبياء وخاتم المرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.

شغل موضوع العلمنة والدين حيزاً كبيراً ومهماً من حياة المجتمع الحديث منذ بداية هذا القرن وإلى يومنا هذا، فهو موضع إهتمام الحكومات والشعوب في الشرق والغرب، وهو في جدول أعمال الحركات السياسية والمؤسسات الدينية والإجتماعية على اختلاف مشاربها الفكرية، كما هو موضوع أشبع بحثاً ومناقشة على أعمدة الصحف وفي أروقة الجامعات وفي المؤتمرات وحتى البيوت والمقاهي. وقد سفكت من أجله الدماء وسقطت فيه حكومات ودول دون أن ينتهي النقاش فيه إلى نتيجة محددة وواضحة.



المدخل

هناك مجموعة من المقدمات التي ينبغي تقديمها في مناقشة العلاقة بين الدين والعلمانية، منها: مثلاً التعريفات الأولية أي ما الذي نقصده من الإسلام، وما الذي نقصده بالعلمانية،

ومنها: تحديد مجال أو مجالات البحث فيمكن أن يكون البحث عاماً أو نظرياً أو دستورياً أو من الناحية القانونية أو من الناحية العلمية والتاريخية وما شابهها.

ومنها: أيضاً مناقشة الجوانب ذات العلاقة بينهما من خلال التجارب المعاصرة، فقد تشمل التجربة حالات قطرية أو مذهبية مختلفة عن بعضها البعض التي تداخل فيها الدين والعلمانية ببعضها، وينفصلان أو يتناقضان في البعض الآخر.

والغرض من هذا البحث الموجز هو محاولة الإجابة على بعض الأسئلة أعلاه مع التركيز على التحديات المعاصرة في أطار العلاقة بين الدين والعلمانية للإسلام، وهل تمثل التعددية بمختلف مفاهيمها الدينية والسياسية والإجتماعية تحدياً لأي من الدينين الإسلامي والمسيحي؟ وليس الغرض هو ببساطة إصدار فتوى أو حكم بحق هذه التجربة أو تلك ولكن المقصود هو عرض لبعض الأفكار والآراء مطروحة للنقاش وقابلة للنقد.



تعريف الإسلام

يمكن تعريف الإسلام بالمعنى الذي يجمع عليه المسلمون "وإن اختلفوا في تفاصيله" هو الإيمان بالله الواحد الأحد، والتسليم بكل ما جاء في القرآن باعتباره وحياً من الله، والإيمان بنبوة محمد (ص) وأنه خاتم المرسلين، ورسالته إلى الإنسانية جمعاء إلى يوم القيامة "يوم الحساب". وقد جسّد هذه الرسالة وشرحها الرسول (ص) بفعله وقوله وتقريره، فالقرآن والسنة هما مصدر التشريع للمسلمين.

كما أجمع المسلمون على الدلالات العامة للقرآن وسيرة الرسول، وأن أمر الله سبحانه وتعالى إلى الناس يقوم على أساس الإيمان به والعمل الصالح وصلاح النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حدود الله.

ومن هنا نعرف أن تكليف الإسلام للناس لا يقف عند إلتزام الفرد والجماعة بالحدود والشعائر وإنما المسلم مكلف بمهمة التبليغ برسالة القرآن ولكن بشرط عدم الإكراه وإنما بالدعوة والبيان والوعظ والإرشاد من دون جبر أو إكراه، كما يظهر ذلك جلياً من خلال عرض الآيات التالية ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون))، ((وما على الرسول إلا البلاغ المبين))، ((فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر))، ((لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي)).

وقد تجسدت تمام هذه المعاني وبشكل واضح في مجتمع المدينة الذي أقامه الرسول (ص) وطبق مفاهيمها عملياً بسيرته في مواضع العقد والبيعة والتولي والقضاء وحق الدفاع عن النفس وحرمة الإنسان مسلماً كان أو غير مسلم، وحقه في العيش والتعبد بشعائره جنباً إلى جنب المسلم وعقد تحالفات وأبرم عقوداً وفيهم المسيحي واليهودي والمشرك والمنافق.



عمل المسلمين في الإفتاء والحكم بعد الرسول

واجه المسلمون الإمتحان الأول بعد وفاة الرسول (ص) في سدّ فراغ سلطة الإفتاء والحكم وذهب جمهور المسلمين إلى الإجتهاد في تطبيق الشورى، وبانتهاء دور الخلافة الراشدة تميّز منصب الحاكم عن منصب الفقيه العالم، فتميّزت المرجعية الدينية في الإفتاء عن المرجعية في الحكم والخلافة وإقامة الحدود وحماية الثغور.

كما تغير مفهوم سيادة الأمة وأداء البيعة حتى أصبح الحكم غلبة وملكاً موروثاً وانتهت بانهيار الأمة وتفككها إلى دول وأنظمة لا تزال تفتش عن موطء قدم لها في العالم المعاصر متخبطة في موضوع الدين والدولة والمجتمع.

ومهما بالغنا في احترام تاريخ المسلمين فإننا لا يمكننا اعتباره مرجعاً تأسيسياً مقدساً، ومهما دافعنا عن أوضاع المسلمين اليوم فإنها رديئة وبعيدة كل البعد عن مفاهيم الإسلام عموماً، فلابد لنا من صيانة انفسنا من تقديس ممارسات خاطئة أو مغالطات وقع فيها غيرنا فلا يجوز تحميلنا وزره، فيلزم تحديد وبيان المفاهيم الإسلامية الأصيلة والصحيحة في هذا الموضوع الحيوي المتجدد لتحسين أوضاع المسلمين عامة. فعندما نلاحظ:

أ: إن تأريخ المسلمين لا يعبر بالضرورة أو الملازمة الحتمية عن الإسلام، وإنما كان حصيلة إجتهادات واختلافات عدة أجيال من المسلمين.

ب: أنه لا توجد مرجعية إفتاء ولا مرجعية سلطة منصوص عليها عند الغالبية العظمى من المسلمين.

ج: معاناة الأمة وعلماء الدين من السلطة، أو من بعض العلماء المنغلقين والحرفيين في التعامل مع الأحاديث.

د: عدم إمكان المقارنة بين بنية المجتمعات والدول المعاصرة وبين بنية المجتمعات القديمة.

هـ: صعوبة تبسيط مشاكلنا اليوم على ضوء مجتمع المدينة المؤسس لتجربة الإسلام الأولى وبحضور النبي (ص).

وغيرها من الملاحظات، يلزمنا تجاوزها عن طريق العلم والعقل بالانفتاح والإجتهاد للوصول إلى الركب المعاصر الحديث وخصوصاً ما نمتاز به كمسلمين من وجود كتاب الله بين أيدينا هدىً ونوراً للعالمين، وكذلك الصحيح من سنة النبي (ص).



الميزة بين الإسلام والمسيحية

لا شك أن هناك مساحات واسعة ومتشابهة مشتركة بين قيم الإسلام وبقية الديانات السماوية باعتبار وحدة مصدرها، ولا شك أيضاً أن هناك تشابهاً في كثير من الجوانب التأريخية والإجتماعية وكذلك تشابه نمط العيش ضمن سيادة دول، وتشابه نمط الإنتاج والإستهلاك وشياع طرق الإتصالات والمواصلات.

إلا أن هذا التشابه لا يعني بالضرورة التشابه في المشاكل السياسية في هذا الموضوع، وما واجهه الغرب في العلاقة بين الدين والمجتمع والدولة، هي نفس المشاكل التي يواجهها المسلمون كما يتصوره البعض من أن التداخل بين الدين والحياة العامة هو سمة التأريخ وحلولها أيضاً متشابهة. وإن تطور المجتمعات وحركة التأريخ هي التي سمحت بهذا التداخل ثم منعته الشعوب بسبب الضرورة، وبالتالي تصدق المقولات والتجارب الأوربية على الإسلام أيضاً.

الا ان الحقيقة هو اختلاف الاسلام عن بقية الاديان والمسيحية بالخصوص، كونها تقدم نظرة واضحة محددة عن معنى الدين في حياة المسلمين من مصادره التأسيسية الاولى "وان ابتعد المسلمون عنها فيما بعد" أي تميز الاسلام عن المسيحية من خلال وجود القرآن الكامل من دون تلاعب فيه أو زيادة أو نقصان بين أيدي المسلمين جميعاً وكذلك إمكانية الوصول إلى السنة النبوية الصحيحة وهما مصدر تشريع الإسلام، (بخلاف المسيحية التي تغيّر كتابها المقدس وبوجودها لم يكن فيها أحكاماً وتشريعات وحدود كما في القرآن، وإنما هي مجموعة من قصص تأريخية وأخلاقية وتُجمِع مصادرها على مقولة "ترك ما لله لله وما لقيصر لقيصر" على أن سلطة الكنيسة قد ولدت في ما بعد بسبب تفكك وضعف وانهيار الدولة الرومانية ووجود الفراغ في السلطة الذي ملئته الكنيسة ووضعت أسسه الفكرية في القرآن الثالث الميلادي).

وعلى هذا فلو أردنا تقييم ملائمة مشاريع العلمنة في بلدان المسلمين، فلابد من مراجعتها بصورة دقيقة ومعاينة إشكالاتها لا كما عرفته أوروبا.



العلمانية بشرط لا أو لا بشرط

بعيداً عن الإصطلاحات اللغوية والعلمية أو الشرعية، وبغض النظر عن التأريخ وتأثيره في المجتمعات، لا إشكال ولا ريب بأن المسلمين اليوم مختلفون في فهم الدين كشريعة كما هم مختلفون في كيفية تطبيقه، مثلهم في ذلك أتباع الأديان الأخرى، ومثلهم في ذلك أتباع العلمانية، فهم مختلفون في المعنى. وهل تعني العلمانية رفض الدين ومنعه كما هو الحال في الشيوعية؟ أو هل تعني العلمانية عدم وجوب فرض الدين وأحكامه؟ فتكون القوانين المدنية مستمدة من العلم والتجارب الإجتماعية وما يوافق رأي الأكثرية، كما أن الأنظمة العلمانية الحاكمة منها مختلفة في التطبيق، فأمريكا العلمانية هي غير فرنسا العلمانية وبفروقات كثيرة.

وعلى هذا الأساس، فإن كان المقصود من العلمانية هو الفرض الأول أي بشرط لا دين فهو أمر مرفوض إسلامياً وعقلانياً كونه مخالف للحرية التي تنادي بها العلمانية نفسها.

أما إذا كان المقصود من العلمانية هو الفرض الثاني أي العلمانية لا بشرط، فهو ما يعني التعددية وقبول الرأي الآخر والنظر في ما هو صالح للمجتمع من عدمه مع أخذ الدين وأحكامه بنظر الإعتبار، فهذا مما لا مانع منه، بل هو المطبق عملياً اليوم في معظم البلاد الإسلامية ولعل أصدق نموذج لها في البلاد الإسلامية والعربية هي لبنان، كما هو عليه حال المسلمين اليوم عموماً في بلاد الغرب العلمانية.

بمعنىً آخر، لو اعتبرنا مكونات الحضارة الجديدة (العلمانية) متكونة من:

أ: انجازات العلم التجريبي.

ب: التنظيم المجتمعي الدقيق.

ج: قيام العلاقات الإنسانية على مبدأ المصلحة ومبدأ بقاء الأصلح.

فيلاحظ فيها جوانب من الخير وجوانب من الشر، فلا ينبغي أن يحملنا ما فيها من شر على حرمان أنفسنا مما فيها من خير، كما أنه يتفق مع الإسلام في الجانب المادي منه، وهو قبول إنجازات العلم وتنظيم المجتمع الدقيق، ولا يتنافى مع الإسلام بوجه من الوجوه، بل أن الأمر على العكس من ذلك، خاصة في ما يعود إلى مسألة إنجازات العلم التجريبي في مجالات الطبيعة، فإن الإسلام من خلال الكتاب والسنة والفقه يدعو المسلمين إلى توفير هذا العنصر في حياتهم.

لكن وعلى خلاف ذلك فإن الجانب المعنوي من هذه الحضارة يخالف الإسلام وينفيه([1]).

ومع ذلك فلا يمنع هذا من الحوار والعمل المشترك في ما بين المسلمين وغيرهم على أساس المصلحة العامة للأمة واستقرار المجتمع.

لأن الإسلام يريد لكل قيمة من قيمه أن تأخذ مكانها الطبيعي في حياة الناس، سواء بطريقة منفردة أو متصلة بالحل الإسلامي الشامل، بقطع النظر عن الأداة التي تشارك في ذلك، كما يريد للمصير الإسلامي أن يقوى ويتأكد ويأخذ دوره الفاعل في صنع القرار، سواء قام به المسلمون من خلال جهدهم الخاص، أو شاركهم به غيرهم. ولعلنا نستوحي ذلك من تقييم النبي (ص) لحلف الفضول، ودخوله في إتفاقات ومعاهدات مع المشركين من قريش، ومن غيرهم، من خلال المصلحة الإسلامية على صعيد المرحلة الزمنية المعينة، فإن المسألة ليست خصوصية الحادثة بل هي خصوصية المبدأ الذي يحكم كل الحوادث المماثلة. وعلى ضوء هذا فقد يكون الفرق بين العلمانيين من حيث إلتزامهم بالدين كفلسفة أو إنكارهم إياه، سبباً في سعة المواقع التي يمكن الإلتقاء عليها أو ضيقها ([2]).



التعددية بمختلف مفاهيمها الدينية والسياسية والإجتماعية

التعددية في جوهرها تعني التسليم بالإختلاف، التسليم به واقعاً لا يسع عاقلاً إنكاره، كما أن التسليم به حق للمختلفين لا يسع أحداً أو سلطة حرمانهم منه، ويوصف بالموضوع الذي يكون الإختلاف حوله، أو الذي ينحصر في نطاقه، فتكون سياسية أو إقتصادية أو دينية أو عرقية أو لغوية أو غير ذلك ([3]).

وهذا التعريف يعطي للتعدد مشروعيته ويستلزم الإعتراف بهذه المشروعية التسليم بحق المختلفين في التعايش مع بعضهم البعض والتعبير عن اختلافهم ([4]).

ويظهر من ذلك بأن التعددية في جوهرها تعني ثلاثة أمور:

1: الإعتراف بوجود التنوع في المجتمعات بسبب وجود عدة دوائر للإنتماء فيه ضمن هويته الواحدة. ((كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه)). ((ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)).

2: احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من خلاف واختلافات في العقائد والألسنة والمصالح وأنماط الحياة والإهتمامات ومن ثمّ الأولويات. ((قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين)).

((وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهمائهم عمّا جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)).

3: إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك كله بحرية وفي أطار مناسب وبالحسنى وبشكل يحول دون نشوب صراع يهدد سلامة المجتمع، ((وجادلهم بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)).

وبذلك يتميز موقف الإسلام في موضوع العلاقة مع الآخر بأنه قائم على أساس التعايش الإيجابي والعملي المفيد لصالح المجتمع ككل ((قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله......))، ولا يقف الإسلام في علاقته مع الآخر عند التسامح والقبول بمشروعية الآخر وحقه في الإختلاف فحسب وإنما يتعدى ذلك إلى إشعار المسلمين بواجباتهم إزاء الآخرين، فالنظرة إليهم مبني على أساس المساواة بين الجميع وأن لا تفضيل ولا سيادة ولا سلطة لبشر على بشر وإن حرمة النفس والمال والفكر مطلقة للجميع ولا تفاضل إلا بالتقوى ومدى الإلتزام بالعقود والعهود المبرمة بين الأطراف، وأن القرآن هو للبشرية كافة وعلى المسلم تبليغ أحكامه من جهة وترك حرية الإختيار للناس من جهة أخرى.

وبهذا يمكن القول بأن الإسلام معترف بالتعددية كأمر واقع، وقابل للحوار والتفاهم المشترك مع غيره من أصحاب الديانات أو الأفكار غير الإسلامية، ومنها العلمانية في تطبيق النظم الإجتماعية الصالحة للأمة، فلا تعتبر العلمانية بالمفاهيم المتقدمة تحدياً للإسلام أو الأديان بصورة مطلقة ضن الأطر العامة في اختلاف الجماعة



حق اختلاف الجماعة في الأمة

أساس هوية الجماعة المسلمة هو الإيمان المشترك وأساس حياتهم المشتركة هو التعاقد الإختياري في ما بينهم على العمل بالإسلام ومع غيرهم على العمل لصالح الأمة.

فالأمة هي صاحبة السيادة على الفهم الملزم لها في قوانينها وحياتها العامة، وهي المسؤولة عن مراعاة الحدود الواضحة التي أقرها الله سبحانه وتعالى في القرآن والتي تمثل القدر الأدنى الذي يجب أن تلتزم به الأمة المسلمة من قبيل حقوق غير المسلمين وحرية الإنسان وكرامته.

فالعمل بالقرآن في الحياة العامة للأمة يعتمد على ما تتعاقد عليه الأمة من فهم، وكغيره من العقود في الحياة العامة مثل عقود البيعة والولاية والشورى، فهو متروك للأمة في تحديد مجالاته وآفاقه. ولذا فأن اختلاف المسلمين في العمل بالإسلام في اضلحياة العامة هو كاختلافهم في تحديد مصالحهم وأمر تنظيمه، والإجتهاد فيه متروك لأنفسهم. ولا يعني اختلافهم في المواضيع العلمية اختلاف في رفض أو قبول نصوص الوحي وإنما هو اختلاف في فهم الوحي وتأويله وتفسيره، أو في كيفية تطبيقه.

ولذا فإن اختلاف المذاهب وتفاوت أعمال الصحابة والأئمة هي ملزمة لمن يعتقد ويختار التعاقد على العمل بها وإلا فإنها غير ملزمة للجماعة التي لا تقرها.

ومن الطبيعي أن يعتمد المسلمون في تنظيم اختلافاتهم في الرأي على قواعد متعددة منها، العمل بما فيه الصالح العام وضرورة فرض القوانين وحماية الحقوق الأساسية للفرد والمجتمع وغيرها، وعليهم تحديد سلطاتهم التي يرجعون إليها في اختلافاتهم سواء في مفهوم الوحي ودلالة منطوقه أو في مجال تطبيقه، إلا أن هذا الإلتزام بهذه القواعد يتم على أساس التعاقد والإتفاق وليس على أساس فرض السلطات دينية كانت أو مدنية. وشأنهم في ذلك في ما بينهم كما هو في ما بينهم والآخرين، ومن واجب الأمة رعاية الحق الألهي للإنسان في الإختيار والاختلاف وإن نتج عن ذلك اختلاف الناس إلى مسلمين وغير مسلمين، كما وأنه من مسؤولية الجماعة احترام حق الفرد في الاختيار والاعتقاد.



الأصولية وتطورها

أصل التسمية ودلالتها ومفاهيمها

الأصل في اللغة، هو أسفل الشيء، وجمعه أصول ([5]). ويراد منه المبدأ والأساس لكل ما يبنى عليه. أو الركن القويم، ولذا يمكن جمعه. فالأصول تعني الأركان، فيقال أصول الدين ويراد بها أساس الإعتقاد بالإسلام وهي التوحيد والنبوة والمعاد.

وفي الحديث الشريف (بني الإسلام على خمس)، ويراد بها أركان الدين وهي الصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد.

والأصول في الإصطلاح (هو علم يبحث فيه عن قواعد تقع نتيجتها في طرق استنباط حكم شرعي) ([6])، من أدلتها التفصيلية التي هي القرآن والسنة.

وجاء في كتاب (علم أصول الفقه في ثوبه الجديد)، ما يلي:

الأصول جمع أصل، وأصل الشيء في اللغة أساسه القائم عليه، وهذا المعنى بالذات هو المراد بأصول الفقه ([7]).

وتقسم الأصول إلى قسمين:

أ: الأصول اللفظية، ويراد منها تلك القواعد التي تبحث في تحديد دلالة الظاهر من اللفظ على معناه، كصيغة الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، وما شاكلها.

ب: الأصول العملية، ويراد منها تلك القواعد التي تبحث في كيفية تطبيق الفقيه عمله على مقتضاها عند عدم وجود النص عليه، كأصل الإباحة والإستصحاب وكأصل الإحتياط والتخيير.

وفي الإنجيليزية: Fundamentalism

ونلاحظ أنه كيف اشتقت الكلمة مع تغيير كبير في المعنى بين (الأصلي والأساس) إلى (مذهب العصمة) ثم إلى (متعصب ومتشدد).

وقد بدأت شهرة هذا المصطلح في أواخر القرن الماضي في مناطق مختلفة من أمريكا، واشتدت في أوائل القرن الحالي وفي العشرينات منه بالتحديد حيث بدأت حملة منظمة من قبل بعض المسيح البروتستانت استهدفت الليبرالية الدينية في الكنائس والمدارس، معلنة عن خوضها حروباً مقدسة تشنها من أجل الحفاظ على أصول العقيدة، لتمسكهم بتسعة مباديء مسيحية كما فهموها من العهد الجديد.

كما وتشكلت مقابل هذه المجموعة مجموعة أخرى معارضة للمجموعة الأولى على أساس حرفيتهم في التعامل مع الكتاب المقدس، وكان ذكرهم لتلك المجموعة ونعتهم بالأصوليين فيه إزدراء ونقص، وقد حمل هذا المصطلح عندهم معاني متعددة ومتناقضة أحياناً تقدم في مجملها نظرة سلبية تثير في ذهن الغربي عالماً من التناقضات.

فالأصولي عندهم: ريفي متخلف، جاهل غير مثقف، مخالف للعلم وضد الفكر وغير عقلاني، مستبد، فاشستي، رجعي، متعصب وحاد المزاج، ضد المرأة، ومحب للحرب، وبالتالي حرفي الفهم، وما شاكلها من أوصاف دنية.

حتى اختفى هذا المصطلح من الأوساط بانتهاء دور المجموعتين المختلفتين وغلبة القانون الجديد على وضع المجتمع الأمريكي بصورة عامة، ثم عاد من جديد إلى أوساط الإعلاميين ورجال السياسة واطلاقها على بعض الأفراد أو بعض الحركات أو الحكومات الإسلامية المناهضة للسياسة الأمريكي، مع الفارق الكبير والبعد الشاسع بين المعنى الإنجليزي والعربي لهذا المصطلح، وللأسف الشديد فقد انساقت بالتبعية بعض وسائل الإعلام العربية وراء الإعلام الغربي في ترديد المفاهيم المغلوطة.

فالأصولي في اللغة العربية والثقافة والمصادر الإسلامية هو من تخصص في علم الأصول بفروعه المتعددة، ولو افترضنا جدلاً ان الناس فهموا من لفظ ( الاصولي ) انه الشخص الذي يتمسك بأصول الاسلام فهذا أمر ينطبق على المسلمين جميعا، بل ان من لم يؤمن بأصول الاسلام او بمصادره الأصلية من كتاب وسنة فهو ليس بمسلم، ولذا فلا معنى لتقسيم المسلمين الى اصوليين وغيرأصوليين ([8]).

نعم يمكن تقسيم المسلمين على أساس المدارس الفقهية الاجتهادية المختلفة فيما بينها على أساس علمي ولكل مدرسة رأيها الخاص حسب إجتهاد أئمتها وعلمائها.

كما يمكن وصف بعض الحركات السياسية الإسلامية التي تعمل على أساس الخلط بين المفاهيم الدنيوية والأخروية وخروجها بنتائج غير صحيحة محاولين تطبيقها بالقوة أو عن طريق الإرهاب بحركات متطرفة غير عقلانية، وهو ما يرفضه المسلمون عموماً قبل أن تحاول بعض الدوائر الغربية النيل من المسلمين عموماً عن طريق خلط المفاهيم والإصطلاحات غير الصحيحة. فإن ما يحدث اليوم في الجزائر مثلاً أو في أفغانستان من مجازر بشعة وحوادث تقشعر منها الجلود (باسم الإسلام) لهو أمر مشين ومرفوض ومستنكر ومحكوم عليه بالباطل من قبل جمهور المسلمين




--------------------------------------------------------------------------------

([1]) الشيخ محمد مهدي شمس الدين: العلمانية/ ص45.

([2]) السيد محمد حسين فضل الله: الحركة الإسلامية..هموم وقضايا/ ص136 و 137.

([3]) د. محمد سليم العوا: التعددية السياسية من منظور إسلامي/ القاهرة، المنظمة المصرية لحقوق الإنسان.

([4]) د. أحمد صدقي التيجاني: التعددية السياسية في التراث العربي الإسلامي / القاهرة، دار المستقبل العربي.

([5]) ابن منظور: لسان العرب/ مادة أصل.

([6]) الشيخ محمد رضا المظفر: أصول الفقه/ ج1، ص5.

([7]) الشيخ محمد جواد مغنية: علم أصول الفقه في ثوبه الجديد/ ص15.

([8]) د. مانع بن حماد الجهني: مستقبل الأصولية/ مجلة المستقبل الإسلامي، العدد 65.

سيد مرحوم
08-20-2004, 02:32 AM
ربما نسيت اخي الهجري00

فكيف تنقل كلاما للضال المضل فضل الله حيث استشهد السيد مجيد الخوئي بحديثه في كتابه
([2]) السيد محمد حسين فضل الله: الحركة الإسلامية..هموم وقضايا/ ص136 و 137.

ام انك لم تنتبه للمقالة التي ربما لم تقرأها ونقلتها على طريقة كوبي اند بيست كالمعتاد !

hsein_iran
08-20-2004, 07:17 PM
الله يساعد الله يعين الشرايي عالبياعين
ما العالم كلها شرايي بس مش كلها بياعين

إذا كل العالم شرايي وجزء منهن بياعين
اطرح تاني جزء منهن بتعرف مين هني الباقيين
الفلة بتطلع بالباقيين الله يساعد الله يعين

عرفني من اي جزء عرفني عن نفسك مين
no problem إذا شرايين problem إذا بياعين
الله يساعد الله يعين

بالإذن من زياد الرحباني...