المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحكم الشرعي في مواجهة الاحتلال - من فقه فضل الله!



أبومرتضى
08-19-2004, 09:02 AM
المبحث الثاني: في الدفاع عن الوطن:

في ظلّ الأعراف الدولية السائدة تعتبر كلّ دولة مسلمة وطناً لأبنائها، وكذا كلّ دولة يسكنها المسلمون بشكل كثيف، بحيث يكون الاعتداء عليها بالاحتلال ونحوه اعتداءً عليهم، فإذا تعرّضت للغزو من العدو الخارجي الكافر وجب على أبنائها ـ بالدرجة الأولى ـ بالوجوب الكفائي التصدّي لتحرير الأرض ودفع العدوّ، فإن عجزوا وجب على الأقرب إليهم فالأقرب على نحو الكفاية أيضاً مع القدرة والإمكان.

أمّا إذا كان الغازي والمعتدي حاكم بلد إسلامي آخر فإنه يدخل تحت عنوان "البغي"، حيث يجب السعي للإصلاح بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فتقاتل الفئة الباغية تحت عنوان آخر غير عنوان الدفاع، وهو أمر آخر غير ما نحن بصدده، إذ إننا نريد بالدفاع خصوص ردّ عدوان الكافر على البلد الإسلامي في إطار كونه وطناً اصطلاحياً لجماعة من المسلمين يعيشون فيه، فيهدد ذلك العدوان وجودهم وعيشهم فيه أو يزعزع أمنهم واستقرارهم وانتظام علائقهم الإسلامية والاجتماعية الحرة الكريمة.

م ـ 1214: لا يختص وجوب الدفاع ـ في الأصل ـ بالرجال والشباب، بل يشمل كلّ قادرٍ على الدفع بأية مرتبة منه، فيعمّ الرجال والنساء، والشباب والشيوخ، والمرضى والأصحّاء. نعم إذا تصدّى منهم من يتأدّى به الواجب ويتحقّق به الدفع سقط التكليف عن الباقين.

م ـ 1215: قد يكون الوجوب عينياً على بعض من يملكون خبرات معينة ممن لا بديل لهم ولا غنى عنهم، فيجب عليهم المبادرة للقيام بدورهم ولا يجوز لهم التهاون أو الفرار، بل يجب على من كان منهم خارج وطنه أن يبادر إلى الحضور والنهوض بواجبه.

م ـ 1216: في حال عدم إمكان الانقياد للولي الفقيه العادل، وضرورة المباشرة الفورية بالدفاع، لا تشترط العدالة فيمن يقود عملية الدفاع من المسلمين بعد الوثوق بخبرته وإخلاصه، بل قد يجب الانقياد لغير المسلم الموثوق بخبرته وإخلاصه إذا انحصرت القيادة به، أمّا مع إمكان الانقياد للفقيه العادل فإنَّ الدفاع هو من موارد صلاحياته، فلا يجوز التصدّي له إلاَّ تحت إمرته ونظره.

م ـ 1217: يجب على عامة المسلمين من أبناء الوطن المحتلة أرضه تقديم العون والحماية للمقاتلين الذين يقومون بواجب الدفاع، وذلك بجميع أشكالها ومراتبها اللازمة في عملية الدفاع، سواء المالية أو الأمنية أو إظهار مناصرتهم أو تأييدهم وتكفّل أيتام وأسر شهدائهم، ونحو ذلك.

م ـ 1218: لا يشترط في قيام الولد بمهمة الدفاع الواجب على نحو الكفاية استئذان الأبوين، بل يجوز له ذلك حتى مع منعهما له ونهيهما عنه.

م ـ 1219: الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين وأجزاء من سورية ولبنان كيان غاصب ومعتدٍ، فيجب قتاله حتى تحرير كامل الأراضي المغتصبة، ولا تجوز مهادنته ومسالمته وإقرار احتلاله لأراضي المسلمين، كذلك لا يجوز التعامل معه بأي نحو من المعاملة.

م ـ 1220: إذا اقتضت طبيعة المواجهة مع العدوّ قيام المجاهدين بعمليات استشهادية جاز القيام بها، بل قد تكون واجبة إذا توقف النصر عليها. ولا تكون من قبيل إلقاء النفس في التهلكة، لأنَّ أدلة الجهاد مطلقة، ولأنَّ الجهاد ـ في الأصل ـ مبنيّ على التهلكة، ولو فرض أنها إلقاء النفس في التهلكة، فإنَّ الإلقاء إنما يحرم حيث لا توجد مصلحة إسلامية أهم، فترتفع الحرمة مع وجود المصلحة الأهم.

م ـ 1221: قد لا يتعرّض البلد ـ في زماننا هذا ـ إلى عدوان على الأرض، بل يتعرّض إلى مؤامرة سياسية بمثل فرض حكومة جائرة خائنة، أو إلى عدوان اقتصادي، كمثل بعض الاتفاقات المضرة، ونحوها، فهنا يجب التصدّي ـ على نحو الكفاية ـ لمثل هذه المؤامرات بما يناسبها مما لا بُدَّ فيه ـ بحسب العادة ـ من نظر الفقيه العادل وقيادته.

خاتمة في الردّ بالمثل:

والأصل فيها قوله تعالى: ] فَمن اعْتدَى عليكُم فاعتدُوا عليهِ بِمِثلِ ما اعْتدَى عليكُم[ وقوله تعالى: ] وجَزاءُ سيئةٍ سيئةٌ مِثلُها[ ، حيث تنص هاتان الآيتان على أنَّ المعتدى عليه مأمورٌ بأن يقتصر في ردّ العدوان الواقع عليه بمثله، في حين قد ذكرنا فيما سبق من مسائل الدفاع أنه يجوز دفع المعتدي عن النفس والمال والعرض ولو أدّى ذلك إلى قتله أو جرحه، مما يبدو وكأنَّ الحكمين متعارضان.

والحقيقة أنَّ مورد الدفاع هو مورد التصدّي للعدوان قبل وقوعه حين هجوم الخصم ومباشرته بالعدوان الذي لا نعلم ـ غالباً ـ حجمه وأهدافه. فحيث لم تجز الشريعة الاستسلام للخصم وتركه يمارس عدوانه، فإنها أمرت بعدم تمكينه من تنفيذ عدوانه وأوجبت التصدّي له، فكانت تلك الأحكام التي سلفت.

وأمّا مورد "الردّ بالمثل" فإنَّ الملحوظ فيه ما ينبغي أن يكون المعتدى عليه بعد حدوث العدوان ووقوعه، بغض النظر عن مدافعة المعتدي قبل ذلك وعدم مدافعته، والصورة المفترضة هي أننا أمام عدوان حصل، إمّا غفلةً من المعتدى عليه، أو لانهزامه أمام المعتدي، أو لغلبة المعتدي، ونحو ذلك، فكيف يجب أن تكون ردّة فعل المعتدى عليه عند قدرته على المعتدي؟ هذه هي المسألة. وهي في الحقيقة أَدْخَلُ في باب القصاص منها في باب الدفاع، لذا فإنَّ تفاصيلها الكاملة هناك، ونقتصر هنا على بعض المسائل التي لها علاقة بهذا الباب فنقول:

م ـ 1222: يجب الاقتصار في ردّ العدوان بعد وقوعه على مقدار العدوان إن كان مما له مقدار يمكن الوقوف عنده، وذلك مثل مبادلة السب بمثله، أو الضربة بمثلها، أو الجرح أو الكسر، ونحو ذلك.

فإن كانت الجناية مما لا يمكن تقديرها، وذلك كمثل الهرس، أو الرضة، ونحوهما فإنه لا يجوز ردّها حينئذ بل تؤخذ ديتها أو أرشها، وفي جميع الحالات فإنَّ العفو أقرب للتقوى وأكرم للأخلاق.

م ـ 1223: السبُّ الذي يصدر من الغيرعلى نحوين: أولهما: منه ما يتضمن قذفاً للآخر بما يوجب الحدّ، كأن يقول له: يا زانٍ، يا قوّاد، أو ينعت أهله بذلك، كأن يقول له: يا بن الزانية مثلاً. فمثل هذا السب لا يجوز ردّه لأنَّ القذف حرام مطلقاً حتى في صورة الردّ، ولأنَّ فيه وفي أمثاله شتماً للأهل، فلا يجوز الردّ بشتم أهله الذين لا علاقة لهم بالعدوان عليه. وثانيهما: ما لا يتضمن قذفاً، كأن يقول له: يا مجرم، يا قليل الحياء، ونحوهما. وهذا هو ما يجوز ردّه فيردّه بما يرادفه، أو يردّه بسبٍّ آخر، مراعياً عدم الوقوع في الكذب بنعته بغير ما هو فيه.

ولا شك أنَّ الترفع عن ذلك أهم في ردّ الاعتبار وتعزيز الكرامة من ردّ السباب بمثله، وأقرب للتقوى والخلق الفاضل.

م ـ 1224: قد يلجأ العدوّ في حربه وعدوانه لاستخدام أسلحة محرّمة دولياً، أو يقوم بقصف أهدافٍ مدنية، ونحو ذلك من تجاوزات، فإنه يجوز ـ في هذه الحالة ـ ردّ العدوان بالمثل، بل إنه يجوز للمجاهدين استخدام ذلك ابتداءً إذا توقف عليه دفع العدو ولم يؤد إلى ضرر أكبر، وتشخيص موارده ووسائله من الأمور الدقيقة والجليلة التي ينبغي إناطتها بالحاكم الشرعي ومعاونيه من أهل الخبرة.


http://www.bayynat.org/books/fatawa/k1b7.htm

بو حسين
08-19-2004, 09:08 AM
قول حق وكيله :D