الدكتور شحرور
04-01-2009, 08:31 PM
28 مارس 2009
تقرير واشنطن - محمد علاء
http://www.taqrir.org/images/1232.jpg
برنارد لويس مادوف، أو بارني Barnie كما يطلق عليه المقربون منه، هو رجل المال والأعمال والمجتمع الأمريكي اليهودي البارز، الذي لمع اسمه كوسيط مالي ورئيس لبورصة ناسداك NASDAQ، أكبر بورصة تعمل بنظام الشاشات الإلكترونية في الولايات المتحدة، ومستثمر في سوق الأوراق المالية، واحتل مكانة بارزة كعضو في مجالس إدارات عديد من المنظمات المالية والخيرية وأحد كبار المسهمين في أنشطة جمعيات غير حكومية يهودية.
وقد ظل مادوف يتمتع بمكانة متميزة بسبب سمعته في أوساط المال والأعمال الخيرية حتى ديسمبر الماضي، حين أصبح موضع اهتمام جميع الصحف ووكالات الأنباء والقنوات الإخبارية الأمريكية باعتباره المسئول عن أكبر عملية غش استثماري في التاريخ، حيث قامت شركتهBernard L. Madoff Investment Securities LLC ـ التي أنشأها عام 1960 ـ بجمع أموال طائلة من أفراد ومؤسسات لاستثمارها في البورصة. ومنذ أوائل التسعينيات قام بجمع أموال دون القدرة على استثمارها، وبدأ يدفع أرباح عملائه من خلال الأموال التي يحصل عليها من عملاء جدد، واعتمدت الشركة على تزوير خطابات مواقف العملاء وحقيقة وضعها المالي لضمان استمرار تدفق هذه الأموال. ويعرف هذا النمط من التلاعب بـ "مخطط بونزي" Ponzi scheme. وقد قدرت أجهزة التحقيق الفيدرالية إجمالي المبالغ التي دخلت في هذه العمليات الاحتيالية ب 68.4 مليار دولار، هذا ويبلغ الحد الأقصى لإجمالي عقوبات الجرائم التي ارتكبها 150 سنة.
الغش الاستثماري ومخطط بونزي
يرجع مسمى مخطط بونزي Ponzi scheme إلى تشارلز بونزي Charles Ponzi، الذي قَدِمَ من إيطاليا إلى الولايات المتحدة عام 1903 ونجح خلال ستة أشهر من عام 1920 في جمع 15 مليون دولار من 40 ألف شخص للاستثمار في نشاطه القائم على استغلال الفروق في أسعار طوابع البريد بين الولايات المتحدة وإيطاليا، وهو ما يعد نشاطًا قانونيًّا في حد ذاته. ولكن بونزي جمع أموالاً أكثر بكثير من قدرته على الاستثمار وأُثري بسببها بشكل كبير، واعتمد على تزوير خطابات بمواقف المستثمرين والموقف المالي لشركته التي أطلق عليها اسم شركة تبادل الأوراق المالية Securities Exchange Company، كما اعتمد على مهاراته وعلاقاته الشخصية في جذب مزيدٍ من المستثمرين حتى يستطيع سداد أرباح عالية لعملائه من خلال المحافظة على تدفق الأموال إلى الشركة. وقد حكم على بونزي بالسجن خمس سنوات ثم أفرج عنه بعد ثلاث سنوات ونصف ليواجه 22 تهمة بالسرقة Larceny في ولاية ماساشوسيتس Massachusetts، وأفرج عنه نهائيًّا عام 1934 وتم ترحيله إلى إيطاليا حيث لم يحصل على الجنسية الأمريكية.
لم يكن تشارلز بونزي أول من مارس مثل هذه الأنشطة الاحتيالية، حيث عرفت تاريخيًّا في مناطق مختلفة من العالم، إلا أن حجم الأموال التي جمعها بونزي كانت من الضخامة بمعايير وقته مما استحق أن تسمى هذه الممارسات باسمه. والمميز هنا في تجربة مادوف قدرته على الاستمرار في هذه الأنشطة التي تقوم على الاحتيال والتزوير والتلاعب في تقارير المراقبين لمدة حوالي 17 عامًا. وذلك على الرغم من أن هذه الممارسات غالبًا ما تنتهي خلال فترة زمنية محدودة إما بهروب الوسيط المالي بأموال المودعين أو أزمة سيولة تؤدي إلى انكشاف أمره أو قيام أجهزة رقابية أو قانونية بكشف حقيقة وضعه المالي وحجم استثماراته. وربما تكون طول الفترة التي استمر فيها مادوف في جمع أموال المودعين دون وضعها في استثمارات حقيقية أحد أسباب الصدمة التي هزت عديدًا من البنوك والشركات والجمعيات الأهلية داخل وخارج الولايات المتحدة. وقد جاء افتضاح أمر مادوف نتيجة الأزمة المالية التي اشتدت في نوفمبر الماضي وأدت إلى قيام عديد من المودعين بسحب استثماراتهم لدى مادوف، والذي لم يكن لديه السيولة الكافية لمواجهة هذه الطلبات.
قصة الصعود والسقوط
بدأ مادوف نشاطه في عالم الأعمال بمبلغ خمسة آلاف دولار ادخرها من عمله كمنقذ Lifeguard وفي تركيب طفايات الحريق، وافتتح شركة للتجارة في أسهم السنتات، وهي الأسهم التي تقل قيمتها عن خمسة دولارات. وقد أسهمت المنظومة الإلكترونية التي بدأتها شركة مادوف في تطوير المنظومة الإلكترونية التي تقوم عليها بورصة ناسداك، حتى وصلت هذه الشركة في وقت ما للقيام بأكبر قدر من عمليات البيع والشراء ومن ثم توجيه السوق. وقد صار مادوف رئيسًا لبورصة ناسداك في أوائل التسعينيات، كما انضم لعضوية مجالس إدارات عديد من المؤسسات المالية مثل الجمعية الوطنية لتجارة السندات National Association of Securities Dealers وجمعية صناعة السندات Securities Industry Association.
وقد اتخذت الشركة، التي ركزت نشاطها في مجال الوساطة المالية، طابعًا عائليًّا، حيث شارك مادوف في إدارة الشركة أخوه بيترPeter ، ثم انضم إلى إدارتها العليا ولداه أندرو Andrew ومارك Mark. وارتبطت الشركة التي توسعت أعمالها فيما بعد بأقارب مادوف ونفوذه الشخصي وعلاقاته السياسية التي ضمنت وضع ستار كثيف للتغطية على تجاوزاته القانونية.
وقال مادوف خلال محاكمته: إن التجاوزات القانونية بدأت في التسعينيات، وإن كانت جهات التحقيق ترى أنها تمتد لما قبل ذلك. كما أكد مادوف أن أخاه وولديه لا علاقة لهم بمخالفات الشركة، وإن كانت التحقيقات تتجه لضم أفراد من عائلة مادوف إلى قائمة الاتهام، خاصة زوجته روث Ruth.
وقد تواترت سلسة الأحداث التي أدت لسقوط مادوف سريعًا منذ نوفمبر الماضي، حين أدت الأزمة الاقتصادية وتراجع أسواق المال إلى زيادة الطلبات برد الأموال المودعة حتى بلغ إجمالي هذه المطالبات في أوائل ديسمبر الماضي 7 مليار دولار. ومع تأكد مادوف من حتمية افتضاح أمر ممارساته على مدار السنين، قام بإطلاع ولديه على الحقيقة، واصفًا أعماله بأنها مخطط بونزي عملاق giant Ponzi scheme وأن شركته كانت مجرد كذبة كبيرة all just one big lie، وقام ولدا مادوف بإبلاغ محام قام بدوره بإبلاغ هذه المعلومات للسلطات المختصة. وتم القبض على مادوف في 11 من ديسمبر الماضي وتم التحفظ على أمواله ووضعه قيد الإقامة الجبرية وتحت المراقبة في شقته الفاخرة بمانهاتن، وقد تم إيداع مادوف في السحن قيد المحاكمة يوم 13 من مارس الجاري.
و فيما يتعلق بالمحاكمة، اعترف مادوف بمسئوليته عن 11 تهمة وجهتها له النيابة تشمل تزوير مخاطبات وبيانات وغسيل أموال، يبلغ الحد الأقصى لعقوبات هذه الجرائم إلى 150 سنة، ويسعى مادوف الذي يبلغ من العمر 70 عامًا إلى تخفيف العقوبة من خلال الاعتراف بالجرائم. وقد أكدت النيابة أن الحكومة لم تعقد أية صفقات مع مادوف.
و مع تصاعد الغضب العام إزاء عجز الجهات الرقابية في الكشف عن التجاوزات التي ارتكبها مادوف، وحجم الخسائر التي سببها للأشخاص والمؤسسات مما أسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية وتعميق الشعور بعدم الأمان تجاه قوى السوق، اتجهت جهات التحقيق للسعي للتحفظ على أموال أفراد عائلة مادوف خاصة زوجته روث والتفتيش عن شركائه في المخالفات. كما تم إلقاء القبض على المراجع الخاص بشركات مادوف، وهو دافيد فرايهلينج David Friehling، يوم الثامن من مارس الجاري، حيث يواجه اتهامات يصل إجمالي عقوباتها إلى 105 سنوات في السجن.
مادوف وأزمة الجمعيات الخيرية اليهودية
كان وقع خبر حقيقة شركات مادوف بمثابة صدمة لعديد من الأشخاص الذين وجدوا مدخراتهم وقد ضاعت دون مقدمات، وانتهت طموحاتهم في التقاعد أو إنشاء أعمال تجارية، ووقعت حادثة انتحار واحدة على الأقل يوم 23 من ديسمبر الماضي حين انتحر رينيه تيري ماجون دو لا فيولوهيشت René-Thierry Magon de la Villehuchet الذي كان قد استثمر 1,5 مليون دولار لدى مادوف.
برنارد مادوف .. والنصب بتوظيف الأموال
ولكن وقع سقوط مادوف جاء بشكل أوضح على الجمعيات اليهودية والمجتمع اليهودي الأمريكي بوجه عام. فقد كان مادوف رمزًا لليهودي النشط اجتماعيًّا والداعم للعمل الأهلي اليهودي، إضافة إلى تبرعاته للحزب الديمقراطي التي اتجهت نحو خدمة الأهداف اليهودية.
وقد أغلقت مؤسسة عائلة تشايس Chais Family Foundation أبوابها بعد أن كان مادوف أحد أهم المسهمين في أنشطتها لخدمة اليهود في إسرائيل وأوروبا الشرقية، حيث تبرع لها بإجمالي 12,5 مليون دولار على مدار عدة سنوات. كما أغلقت مؤسسة روبرت لابين الخيرية Robert I Lappin Charitable Foundation التي اشتمل نشاطها على تمويل رحلات شباب يهود إلى إسرائيل بعد أن خسرت أموالها التي استثمرتها لدي مادوف.
وكانت سمعة مادوف في الأوساط اليهودية أحد دوافع وضع عديدٍ من الاستثمارات اليهودية لدى شركته، ومن بين المؤسسات التي صار مصير استثماراتها غامضًا جامعة ياشيفا Yashiva University، وهي جامعة يهودية بنيويورك كان مادوف أمين الخزانة treasurer في مجلس أمنائها ورئيس مدرسة الأعمال بها Sy Syms School of Business. كما كان من بين المستثمرين في شركة مادوف مؤسسة حاداسا : منظمة المرأة الصهيونية في أمريكا Hadassah: The Women’s Zionist Organization of America ، وجمعية المراكز الاجتماعية اليهودية بأمريكا Jewish Community Centers of North America، ومؤسسة أيلي وايزل الإنسانية Elie Wiesl Foundation for Humanity، ومؤسسة هبة الحياة Gift of Life Foundation لمكافحة اللوكيميا. وكان من بين المنظمات اليهودية التي حظيت بتبرعات مادوف 92nd Street Y وUJA – Federation of New York. وإضافة إلى هذا كان مادوف من المقربين لعديد من المتبرعين للجمعيات اليهودية الأمريكية، كما كان عديد من المستثمرين في شركته من اليهود .
وإلي جانب هذا التأثير المادي خشيت عديدٌ من التنظيمات اليهودية من تأثر صورة اليهود داخل الولايات المتحدة وخارجها بفعل هذه القضية، فقد صرح الاتحاد ضد التمييز Anti-Defamation League، الذي يعمل لمحاربة أي تمييز ضد اليهود، أن القبض على مادوف أدى لحملة من التعليقات المعادية للسامية على شبكة الإنترنت في جميع أنحاء العالم.
تصاعد أزمة النظام المالي بسبب قضية مادوف
شمل ضحايا مادوف مؤسسات وبنوك خارج الولايات المتحدة، منها بيت نوميورا للسمسرة Nomura ، وهي شركة يابانية، كما اعترف بنكين بسويسرا باستثمار جانبٍ من أموالهما لدى مادوف، وهما Reichmuth & Co. الذي استثمر 358 مليون فرانك سويسري (حوالي 327 مليون دولار) وBanque Benedict Hentsch Fairfield Partners SA الذي استثمر 56 مليون فرانك سويسري (حوالي 47,5 مليون دولار).
إن الأزمة التي يمر بها الاقتصاد العالمي حاليًّا في جانب مهم منها أزمة ثقة. ومن ثم ينبغي على السلطات الأمريكية ألا تدخر جهدًا في محاسبة جميع المسئولين عن أعمال مادوف الاحتيالية على مدار السنين والعمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه بالنسبة للمودعين.
تقرير واشنطن - محمد علاء
http://www.taqrir.org/images/1232.jpg
برنارد لويس مادوف، أو بارني Barnie كما يطلق عليه المقربون منه، هو رجل المال والأعمال والمجتمع الأمريكي اليهودي البارز، الذي لمع اسمه كوسيط مالي ورئيس لبورصة ناسداك NASDAQ، أكبر بورصة تعمل بنظام الشاشات الإلكترونية في الولايات المتحدة، ومستثمر في سوق الأوراق المالية، واحتل مكانة بارزة كعضو في مجالس إدارات عديد من المنظمات المالية والخيرية وأحد كبار المسهمين في أنشطة جمعيات غير حكومية يهودية.
وقد ظل مادوف يتمتع بمكانة متميزة بسبب سمعته في أوساط المال والأعمال الخيرية حتى ديسمبر الماضي، حين أصبح موضع اهتمام جميع الصحف ووكالات الأنباء والقنوات الإخبارية الأمريكية باعتباره المسئول عن أكبر عملية غش استثماري في التاريخ، حيث قامت شركتهBernard L. Madoff Investment Securities LLC ـ التي أنشأها عام 1960 ـ بجمع أموال طائلة من أفراد ومؤسسات لاستثمارها في البورصة. ومنذ أوائل التسعينيات قام بجمع أموال دون القدرة على استثمارها، وبدأ يدفع أرباح عملائه من خلال الأموال التي يحصل عليها من عملاء جدد، واعتمدت الشركة على تزوير خطابات مواقف العملاء وحقيقة وضعها المالي لضمان استمرار تدفق هذه الأموال. ويعرف هذا النمط من التلاعب بـ "مخطط بونزي" Ponzi scheme. وقد قدرت أجهزة التحقيق الفيدرالية إجمالي المبالغ التي دخلت في هذه العمليات الاحتيالية ب 68.4 مليار دولار، هذا ويبلغ الحد الأقصى لإجمالي عقوبات الجرائم التي ارتكبها 150 سنة.
الغش الاستثماري ومخطط بونزي
يرجع مسمى مخطط بونزي Ponzi scheme إلى تشارلز بونزي Charles Ponzi، الذي قَدِمَ من إيطاليا إلى الولايات المتحدة عام 1903 ونجح خلال ستة أشهر من عام 1920 في جمع 15 مليون دولار من 40 ألف شخص للاستثمار في نشاطه القائم على استغلال الفروق في أسعار طوابع البريد بين الولايات المتحدة وإيطاليا، وهو ما يعد نشاطًا قانونيًّا في حد ذاته. ولكن بونزي جمع أموالاً أكثر بكثير من قدرته على الاستثمار وأُثري بسببها بشكل كبير، واعتمد على تزوير خطابات بمواقف المستثمرين والموقف المالي لشركته التي أطلق عليها اسم شركة تبادل الأوراق المالية Securities Exchange Company، كما اعتمد على مهاراته وعلاقاته الشخصية في جذب مزيدٍ من المستثمرين حتى يستطيع سداد أرباح عالية لعملائه من خلال المحافظة على تدفق الأموال إلى الشركة. وقد حكم على بونزي بالسجن خمس سنوات ثم أفرج عنه بعد ثلاث سنوات ونصف ليواجه 22 تهمة بالسرقة Larceny في ولاية ماساشوسيتس Massachusetts، وأفرج عنه نهائيًّا عام 1934 وتم ترحيله إلى إيطاليا حيث لم يحصل على الجنسية الأمريكية.
لم يكن تشارلز بونزي أول من مارس مثل هذه الأنشطة الاحتيالية، حيث عرفت تاريخيًّا في مناطق مختلفة من العالم، إلا أن حجم الأموال التي جمعها بونزي كانت من الضخامة بمعايير وقته مما استحق أن تسمى هذه الممارسات باسمه. والمميز هنا في تجربة مادوف قدرته على الاستمرار في هذه الأنشطة التي تقوم على الاحتيال والتزوير والتلاعب في تقارير المراقبين لمدة حوالي 17 عامًا. وذلك على الرغم من أن هذه الممارسات غالبًا ما تنتهي خلال فترة زمنية محدودة إما بهروب الوسيط المالي بأموال المودعين أو أزمة سيولة تؤدي إلى انكشاف أمره أو قيام أجهزة رقابية أو قانونية بكشف حقيقة وضعه المالي وحجم استثماراته. وربما تكون طول الفترة التي استمر فيها مادوف في جمع أموال المودعين دون وضعها في استثمارات حقيقية أحد أسباب الصدمة التي هزت عديدًا من البنوك والشركات والجمعيات الأهلية داخل وخارج الولايات المتحدة. وقد جاء افتضاح أمر مادوف نتيجة الأزمة المالية التي اشتدت في نوفمبر الماضي وأدت إلى قيام عديد من المودعين بسحب استثماراتهم لدى مادوف، والذي لم يكن لديه السيولة الكافية لمواجهة هذه الطلبات.
قصة الصعود والسقوط
بدأ مادوف نشاطه في عالم الأعمال بمبلغ خمسة آلاف دولار ادخرها من عمله كمنقذ Lifeguard وفي تركيب طفايات الحريق، وافتتح شركة للتجارة في أسهم السنتات، وهي الأسهم التي تقل قيمتها عن خمسة دولارات. وقد أسهمت المنظومة الإلكترونية التي بدأتها شركة مادوف في تطوير المنظومة الإلكترونية التي تقوم عليها بورصة ناسداك، حتى وصلت هذه الشركة في وقت ما للقيام بأكبر قدر من عمليات البيع والشراء ومن ثم توجيه السوق. وقد صار مادوف رئيسًا لبورصة ناسداك في أوائل التسعينيات، كما انضم لعضوية مجالس إدارات عديد من المؤسسات المالية مثل الجمعية الوطنية لتجارة السندات National Association of Securities Dealers وجمعية صناعة السندات Securities Industry Association.
وقد اتخذت الشركة، التي ركزت نشاطها في مجال الوساطة المالية، طابعًا عائليًّا، حيث شارك مادوف في إدارة الشركة أخوه بيترPeter ، ثم انضم إلى إدارتها العليا ولداه أندرو Andrew ومارك Mark. وارتبطت الشركة التي توسعت أعمالها فيما بعد بأقارب مادوف ونفوذه الشخصي وعلاقاته السياسية التي ضمنت وضع ستار كثيف للتغطية على تجاوزاته القانونية.
وقال مادوف خلال محاكمته: إن التجاوزات القانونية بدأت في التسعينيات، وإن كانت جهات التحقيق ترى أنها تمتد لما قبل ذلك. كما أكد مادوف أن أخاه وولديه لا علاقة لهم بمخالفات الشركة، وإن كانت التحقيقات تتجه لضم أفراد من عائلة مادوف إلى قائمة الاتهام، خاصة زوجته روث Ruth.
وقد تواترت سلسة الأحداث التي أدت لسقوط مادوف سريعًا منذ نوفمبر الماضي، حين أدت الأزمة الاقتصادية وتراجع أسواق المال إلى زيادة الطلبات برد الأموال المودعة حتى بلغ إجمالي هذه المطالبات في أوائل ديسمبر الماضي 7 مليار دولار. ومع تأكد مادوف من حتمية افتضاح أمر ممارساته على مدار السنين، قام بإطلاع ولديه على الحقيقة، واصفًا أعماله بأنها مخطط بونزي عملاق giant Ponzi scheme وأن شركته كانت مجرد كذبة كبيرة all just one big lie، وقام ولدا مادوف بإبلاغ محام قام بدوره بإبلاغ هذه المعلومات للسلطات المختصة. وتم القبض على مادوف في 11 من ديسمبر الماضي وتم التحفظ على أمواله ووضعه قيد الإقامة الجبرية وتحت المراقبة في شقته الفاخرة بمانهاتن، وقد تم إيداع مادوف في السحن قيد المحاكمة يوم 13 من مارس الجاري.
و فيما يتعلق بالمحاكمة، اعترف مادوف بمسئوليته عن 11 تهمة وجهتها له النيابة تشمل تزوير مخاطبات وبيانات وغسيل أموال، يبلغ الحد الأقصى لعقوبات هذه الجرائم إلى 150 سنة، ويسعى مادوف الذي يبلغ من العمر 70 عامًا إلى تخفيف العقوبة من خلال الاعتراف بالجرائم. وقد أكدت النيابة أن الحكومة لم تعقد أية صفقات مع مادوف.
و مع تصاعد الغضب العام إزاء عجز الجهات الرقابية في الكشف عن التجاوزات التي ارتكبها مادوف، وحجم الخسائر التي سببها للأشخاص والمؤسسات مما أسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية وتعميق الشعور بعدم الأمان تجاه قوى السوق، اتجهت جهات التحقيق للسعي للتحفظ على أموال أفراد عائلة مادوف خاصة زوجته روث والتفتيش عن شركائه في المخالفات. كما تم إلقاء القبض على المراجع الخاص بشركات مادوف، وهو دافيد فرايهلينج David Friehling، يوم الثامن من مارس الجاري، حيث يواجه اتهامات يصل إجمالي عقوباتها إلى 105 سنوات في السجن.
مادوف وأزمة الجمعيات الخيرية اليهودية
كان وقع خبر حقيقة شركات مادوف بمثابة صدمة لعديد من الأشخاص الذين وجدوا مدخراتهم وقد ضاعت دون مقدمات، وانتهت طموحاتهم في التقاعد أو إنشاء أعمال تجارية، ووقعت حادثة انتحار واحدة على الأقل يوم 23 من ديسمبر الماضي حين انتحر رينيه تيري ماجون دو لا فيولوهيشت René-Thierry Magon de la Villehuchet الذي كان قد استثمر 1,5 مليون دولار لدى مادوف.
برنارد مادوف .. والنصب بتوظيف الأموال
ولكن وقع سقوط مادوف جاء بشكل أوضح على الجمعيات اليهودية والمجتمع اليهودي الأمريكي بوجه عام. فقد كان مادوف رمزًا لليهودي النشط اجتماعيًّا والداعم للعمل الأهلي اليهودي، إضافة إلى تبرعاته للحزب الديمقراطي التي اتجهت نحو خدمة الأهداف اليهودية.
وقد أغلقت مؤسسة عائلة تشايس Chais Family Foundation أبوابها بعد أن كان مادوف أحد أهم المسهمين في أنشطتها لخدمة اليهود في إسرائيل وأوروبا الشرقية، حيث تبرع لها بإجمالي 12,5 مليون دولار على مدار عدة سنوات. كما أغلقت مؤسسة روبرت لابين الخيرية Robert I Lappin Charitable Foundation التي اشتمل نشاطها على تمويل رحلات شباب يهود إلى إسرائيل بعد أن خسرت أموالها التي استثمرتها لدي مادوف.
وكانت سمعة مادوف في الأوساط اليهودية أحد دوافع وضع عديدٍ من الاستثمارات اليهودية لدى شركته، ومن بين المؤسسات التي صار مصير استثماراتها غامضًا جامعة ياشيفا Yashiva University، وهي جامعة يهودية بنيويورك كان مادوف أمين الخزانة treasurer في مجلس أمنائها ورئيس مدرسة الأعمال بها Sy Syms School of Business. كما كان من بين المستثمرين في شركة مادوف مؤسسة حاداسا : منظمة المرأة الصهيونية في أمريكا Hadassah: The Women’s Zionist Organization of America ، وجمعية المراكز الاجتماعية اليهودية بأمريكا Jewish Community Centers of North America، ومؤسسة أيلي وايزل الإنسانية Elie Wiesl Foundation for Humanity، ومؤسسة هبة الحياة Gift of Life Foundation لمكافحة اللوكيميا. وكان من بين المنظمات اليهودية التي حظيت بتبرعات مادوف 92nd Street Y وUJA – Federation of New York. وإضافة إلى هذا كان مادوف من المقربين لعديد من المتبرعين للجمعيات اليهودية الأمريكية، كما كان عديد من المستثمرين في شركته من اليهود .
وإلي جانب هذا التأثير المادي خشيت عديدٌ من التنظيمات اليهودية من تأثر صورة اليهود داخل الولايات المتحدة وخارجها بفعل هذه القضية، فقد صرح الاتحاد ضد التمييز Anti-Defamation League، الذي يعمل لمحاربة أي تمييز ضد اليهود، أن القبض على مادوف أدى لحملة من التعليقات المعادية للسامية على شبكة الإنترنت في جميع أنحاء العالم.
تصاعد أزمة النظام المالي بسبب قضية مادوف
شمل ضحايا مادوف مؤسسات وبنوك خارج الولايات المتحدة، منها بيت نوميورا للسمسرة Nomura ، وهي شركة يابانية، كما اعترف بنكين بسويسرا باستثمار جانبٍ من أموالهما لدى مادوف، وهما Reichmuth & Co. الذي استثمر 358 مليون فرانك سويسري (حوالي 327 مليون دولار) وBanque Benedict Hentsch Fairfield Partners SA الذي استثمر 56 مليون فرانك سويسري (حوالي 47,5 مليون دولار).
إن الأزمة التي يمر بها الاقتصاد العالمي حاليًّا في جانب مهم منها أزمة ثقة. ومن ثم ينبغي على السلطات الأمريكية ألا تدخر جهدًا في محاسبة جميع المسئولين عن أعمال مادوف الاحتيالية على مدار السنين والعمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه بالنسبة للمودعين.