المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علي شريعتي..انحياز للإنسان .. ورفض لفقهاء السلطان



الدكتور عادل رضا
03-28-2009, 11:37 PM
بغداد ـ شمخي جبر
مرجعية ثقافية
يقول حيد حب الله أنّ ما كُتب عن شريعتي في إيران يساوي مجموع ما كتب حول الأفغاني ومحمد إقبال ومهدي بازركان وطالقاني ومطهري، وأنّ هناك مئة وخمسين دراسة عنه حتى العام 1997م حسب إحصاء الباحث المتتبّع محمد اسفندياري




.بعض الإحصاءات أكّدت أن مجموع ما طبع لشريعتي في السبعينيات من القرن الماضي لجميع كتبه وطبعاتها وصل إلى خمسة عشر مليون نسخة وهذا ما يؤكّده شريعتي نفسه ـ من حيث المبدأ ـ إذ يقول: إن كتابه حول الولاية وصل إلى مليون نسخة، ويؤكّد هو نفسه أن عدد الطلاب الجامعيين الذين سجلوا اسمهم في درسه بلغ خمسين ألف طالب، بل تفيد بعض التقارير التي نشرت عن وثائق ''السافاك'' الإيراني أن حسينية الإرشاد في السبعينيات كانت تطبع كل ثلاثة أيام كتاباً لشريعتي كان طُبِعَ من قَبْل،فقد كان لشريعتي الكثير من الأسماء المستعارة قبل انتصار الثورة تبلغ نحو 24 اسماً،، فالمسألة السياسية وتوظيف بعض المعارضين السياسيين لأفكار شريعتي في معارضة النظام الجديد للحد من سلطة المؤسسة الدينية كانت من جملة العناصر التي أحدثت ردّ فعل من طرف السلطة وحدّت من الاهتمام بكتب شريعتي؛ فصارت طبعاتها نادرة.
لكنّ مجيء خاتمي أعاد إحياء شريعتي وطباعة كتبه، وكتابة دراسات عنه، وعقد ندوات عديدة، وقد قام منظرو الحركة الإصلاحية باستحضار أفكاره وتحليلها، لاسيما من جهة مسألة الإصلاح الديني والسياسي، ومسألة العلاقة مع المؤسّسة الدينية.
وإذا أردنا تحليل أعمال شريعتي، فلابدّ أن نعرف أنّ أحد الأسباب الرئيسة لهيمنتها على العقل الإيراني يعود إلى نزعة ثقافة الأيديولوجيا التي كان يحملها؛ لهذا تحوّل إلى قائد أيديولوجي يملك كاريزما نادرة، إضافةً إلى حركة النقد الداخلي التي مارسها شريعتي ضدّ الحياة الدينية الإيرانية، من كتابه ''التشيع العلوي والتشيع الصفوي''، إلى كتابه ''مذهب ضدّ المذهب''، إلى كتابه ''معرفة الإسلام''، إلى كتابه ''أبي وأمي نحن متهمون'' و... إن وجود ثورة عارمة ضدّ الواقع والمفاهيم في بلد صاخب كإيران يجعل حركة النقد قائمةً على قدم وساق، وسيكون هذا النقد مقبولاً طالما لا يصبّ في صالح السلطة والدفاع عنها وسط حياة غاضبة منها ومن أعمالها.
التجهيل وتسطيح الوعي
كان شريعتي يؤكد وبكل شجاعة رفضه للحلف غير المقدس الذي كونه بعض رجال الدين (فقهاء السلطان) مع الحكام واصحاب رؤوس الاموال وممارستهم التجهيل وهو ماسماه شريعتي (الاستحمار).
وفي سياق رفضه الشامل للطبقية، بلغ الحال بشريعتي أن طرح مقولة ''إسلام بلا رجال دين أو بلا مؤسسة دينية'' وهي المقولة التي أثارت غضباً عاماً ضدَّه في الأوساط الدينية في إيران، أي في مجتمع كانت تركيبته الاجتماعية قائمة على هرمية يقف المرجع الديني على رأسها.اذ يقول شريعتي (وقع مصير الدين في أيدي قوات استحمارية مضادة للإنسانية تتسمى بأسماءٍ كالطبقة الروحانية والطبقة المعنوية والطبقة الصوفية وطبقة الكهنوت الذين اتخذوا من الدين وسيلة لاستحمار الناس- الاستحمار الفردي والاستحمار الاجتماعي. وكلامي هنا يدور حول الدين الاستحماري المضلل… الدين الحاكم وشريك المال والقوة الذي يتولاه طبقة من الرسميين الذين لديهم بطاقات للدين أي لديهم إجازات للاكتساب تُنبئ عن احتفاظهم بالدين وأنهم هم الدعاة وشركاء السلطة والمال والقوة. شكّلت المنطلق الذي صدرت على أساسه الفتاوى ضدّ كتبه التي اعتبرت كتب ضلال، حتى من بعض المرجعيات الكبيرة آنذاك، فطبيعة التشيّع السائد في إيران كانت ـ من وجهة نظر شريعتي ـ تاريخية، أي إنها من إفرازات ما يسمّيه شريعتي في بعض كتبه (الاستحمار) الذي تمارسه السلطة، إنه استخدام منطق الدين للتجهيل والاستغباء وتفريغ الوعي وتسطيحه.ورغم الحركة النقدية التي عرفتها كتب شريعتي، إلا أن أيديولوجيته وحماسته وثوريته كانت تساعده على تقديم شخصية ذات مصداقية على مستوى الرأي العام.
محمد اقبال وشريعتي
في مقالته عن محمد إقبال يقول شريعتي إن أعظم نصيحة قدمها للبشرية ذلك المفكر الهندي المسلم هي ‘'ليكن قلبك مثل قلب المسيح وفكرك مثل فكر سقراط ويدك مثل يد قيصر. ولكن ليكن كل ذلك في إنسانٍ واحد).
يقول عبدالهادي خلف: ولعله باستعادة تلك الأسماء غير المعتادة عند الحديث عن مفكرٍ إسلامي يريدنا أن نرى إن للإنسانية منابع عدة تصب مجتمعة في تشكيل الإنسان الكامل. فوحده ذلك الإنسان الذي يستطيع أن يجمع المحبة والحكمة والقوة في نفسٍ واحدة قادرٌ على أن يكون، كما أراده الله، خليفته على الأرض. محمد إقبال كما يراه شريعتي، ذهب إلى أوروبا وتعرف على مدارسها الفلسفية وعرّف بها الناس حين عاد إلى الهند. ورغم إنه عاش في القرن العشرين وفي خضم الحضارة الغربية ورغم اعتراف الجميع به بعلمه وبأنه فيلسوفٌ من فلاسفة ذلك القرن إلا إن أحداً لا يتهمه بأنه صنيعة الفكر الغربي أو إنه ''تغريبي''. بل على العكس. فشريعتي يرى إن إقبال استوعب ثقافة الغرب فصار لا يرهبها. وذلك لأن معرفة إقبال بالغرب مكنته من السيطرة عليه، وسلاحه في هذا هو ما يمتلكه من ملكات نقدية وقدرة على الاختيار.
البحث عن الهوية
في كتابه العودة الى الذات يتساءل شريعتي عن اية ذات واية هوية هذه التي نعود لها بعد رحلتنا ولقائنا مع الاخر، الى أي ذات ينبغي ان نعود؟ أينبغي ان نعود الى هذه الذات الممسوخة التي علمونا اياها؟اذا عدت الى ذاتي القومية، فإنني سوف أسقط فريسة للعرقية، والفاشية والجاهلية القومية، وهذه عودة رجعية.هل العودة الى الذات تعني العودة الى ذاتنا الثقافية، والمعنوية، والانسانية التي اكتشفنا انها تبلورت في حضارة ما، أو في عصر ما، أو في دين ما، أو ثقافة ما في عصر خاص؟وحين يحاول شريعتي مغادرة الذات الهجينة فأنه يحاول ان يجد ذاتا يتبناها ضمير الامة والمجتمع(ان هذه العودة الى الذات التأريخية التي ندعو اليها، لا تعني العودة الى عراقة الحمار، بل هي العودة الى الذات الموجودة بالفعل والموجودة في قلب المجتمع، وفي وجدانه، تصير مثل مادة، ومنبع من منابع الطاقة، تفتت على يد مفكر، وتستخرج، وتحيا، وتتحرك، هي تلك الذات الحية. ليست تلك الذات العتيقة القائمة على عظام نخرة، هي تلك الذات القائمة على اساس الاحساس العميق بالقيم الروحية والانسانية عندنا، والقائمة على ارواحاً، واستعداداتنا