المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علي شريعتي... جدل يتجدد في ايران كعلامة جديدة للمعارضة الشابة



الدكتور عادل رضا
03-28-2009, 11:35 PM
علي شريعتي... جدل يتجدد في ايران كعلامة جديدة للمعارضة الشابة

--------------------------------------------------------------------------------

الحياة 18/1/2003 م

الكاتب المصري وليد محمود عبدالناصر

ان الكلمة التي القاها هاشم اغاجاري في ذكرى مرور ربع قرن على رحيل علي شريعتي في نهاية حزيران (يونيو) الماضي، كانت ايذاناً ببدء جدل في ايران، فقهي وفكري وسياسي واسع حول ما سمّاه الحاجة الى اصلاح ديني reformation اسوة بما مرت به المسيحية، وحول مدى صلة هذه الافكار بعلي شريعتي وما مثله من طرح ايديولوجي متكامل.

وعن شريعتي اقول انني سمعت به للمرة الأولى عام 1977 وتحديداً في الايام الاخيرة من شهر حزيران من ذلك العام، وبعد ايام قليلة من رحيله، وكان ذلك في العاصمة البريطانية لندن. وكانت المفارقة واضحة على جدران لندن، حيث ظهرت ملصقات ترحب بوصول شريعتي الى لندن منفياً من ايران الشاه، واخرى تنعى "الشهيد" شريعتي وتتهم جهاز الاستخبارات الايراني في ذلك الوقت (السافاك) بدس السم له في الطعام ما أدى الى وفاته بعد ايام من وصوله الى لندن. وحملت الملصقات بنوعيها صورة شريعتي الذي رحل وهو في الرابعة والاربعين من العمر. وبدا لي من مقتطفات من كتابات وافكار شريعتي كانت توزعها تنظيمات ايرانية سياسية وطلابية معارضة لحكم الشاه ان هذا المفكر الشاب يقول شيئاً جديداً، متميزاً في شكله ومضمونه، ومختلفا في اطاره ولغته ومرجعياته، كما بدا واضحاً ان ما يقوله كانت له جاذبية خصوصاً للشباب المتعلم في غير المدارس الدينية من ابناء الطبقة الوسطى في الحضر، من دون ان يعني ذلك عدم اتباع بعض رجال الدين من الفئات الوسطى والصغرى وايضاً بعض طلاب الحوزات العلمية لأفكاره.

ولننتقل الآن الى محاولة التحقق من دقة ما ذكره هاشمي اغاجاري بأن شريعتي مثل محاولة للاصلاح الديني، وان دعوته بمثابة بروتستانتية في مسار الدعوة الاسلامية الشيعية، وأنه باختصار كان "مارتن لوثر" الاسلام، وهي كلمات تداعت فوصلت الى حد اصدار حكم بإعدام اغاجاري وردود فعل غاضبة من الشارع الايراني - خصوصاً الشباب والطلاب - وكذلك جدل على مستوى رجال الدين والمثقفين والسياسيين بشأن هذا الحكم.

واتسم موقف شريعتي على الصعيد الفكرى بالانفتاح تجاه روافد الفكر الانساني التقدمي على اطلاقه، بما في ذلك الفكر الغربي بأشكاله المختلفة: الاستشراقي والوجودي والعالم ثالثي وغيرهم. وكان شريعتي جريئاً كعادته عندما اعلن ان المسلمين يجب ان يدركوا انهم لا يحتكرون وحدهم كل الايجابيات، بل عليهم ايضاً دراسة ما هو متاح في العالم من حولهم ليأخذوا منه ما هو نافع ومفيد لهم ومتفق مع المبادئ الاساسية للشريعة الاسلامية. وتأثر شريعتي بكتابات غربيين مثل ماسينيون، وآرنست رينان، وروجيه جارودي (في مرحلته الماركسية)، وجان بول سارتر، وفرانز فانون وغيرهم، وتفاعل مع المستشرقين - في زمن دراسته بفرنسا - كما اشار في كتاباته الى اتفاقه مع آراء غير مسلمين مثل البير كامو، وبوذا وليوبولد سيدار سنغور وغيرهم. ودعا شريعتي المسلمين الى دراسة الغرب وقادته السياسيين والاجتماعيين وتاريخه وتطوره الثقافي والفكري والمجتمعي، خصوصاً عصر النهضة وظهور البروتستانتية ودورها في تقدم اوروبا. ودعا الى مقارنة ذلك بما يشابهه في التاريخ الاسلامي. كما انه توجه في كتاباته الى شعوب العالم الثالث كافة مثله مثل منظرين في اليسار الاسلامي، آية الله طلقاني، بخلاف المفكرين الاسلاميين التقليديين الذين قصروا خطابهم على شعوب المسلمين. وتأكيداً لدعوته للانفتاح على الفكر غير الاسلامي ونزعته التجديدية داخل الاطار الاسلامي. اسس علي شريعتي في "حسينية ارشاد" - وهي قاعة المحاضرات التي كان يلقي فيها دروسه - لجاناً متخصصة في اعادة تفسير القرآن الكريم، وإعادة تفسير التاريخ الاسلامي، وتأكيد تشجيع الاسلام الفنون.

ويجب ان نذكر هنا ان آية الله الخميني ذكر عام 1977 ان علي شريعتي طرح قضايا جديدة وأعاد طرح قضايا قديمة بشكل جديد، وانه تميز بأنه لم يدّع ابداً انه قال الكلمة الاخيرة في أي من هذه القضايا بل ترك الباب مفتوحاً لاجتهادات وحوارات تالية. واقر الخميني ان شريعتي قاد جيلاً من الشباب الايراني المثقف في طريق عودتهم الى الاسلام.

وأرجع شريعتي بداية تحريف المفاهيم الى حكم الاسرة الصفوية لايران (1501 - 1722) وتحول التشيع الى "شعائرية" تحتكرها مؤسسة دينية رسمية ذات طابع بيروقراطي تعزل التشيع عن المسائل السياسية والاجتماعية. وفي هذا الاطار، اعاد تفسير مفاهيم "العدل" و"الحج" و"الغيبة" و"الشهادة" و"الامامة" و"عاشوراء" بانحياز واضح للعدالة والاستنارة والاجتهاد. ورفض ما من شأنه تبرير التسلط السياسي او الاستغلال الاقتصادي او احتكار السلطة الدينية. كما دعا الى تطهير التشيع مما سمّاه "الخرافات" التي تناقض الحقائق العلمية الحديثة، ودعا المسلمين الى ترك العلوم للمتخصصين باعتبار القرآن الكريم رؤية شاملة توجه العلم والعلماء في اتجاه معين وتشجعهم. وقد فرق شريعتي بين الاسلام الشيعي العلوي القائم على اسس العدل والمساواة والنقاء الروحي والاخلاقي والايديولوجي وبين ما سماه الاسلام الشيعي الصفوي القائم على تزييف وعي البشر وتبرير استعبادهم واستغلالهم وتغييب عقولهم.

اما الجزء الآخر مما جاء في كلمة هاشم اغاجاري، واعني نقد شريعتي شرعية وجود المؤسسة الدينية، فإنه اذا كان شريعتي تعـرض للاتهام بالعمل من اجل اسلام من دون رجال دين، فإن في هذا الاتهام قدراً من الصحة، فبينما كسب شريعتي عودة الشباب الايراني للاسلام، كان ذلك اسلاماً آخر غير اسلام رجال الدين. ومحاضرات شريعتي في "حسينية ارشاد" كانت دعوة لبديل اسلامي مختلف عن التعاليم التقليدية لرجال الدين اذ اتهم هؤلاء بتحويل الشباب الايراني بعيداً عن الاسلام بسبب جمودهم. كما ان شريعتي تحدث وكتب في زمن قاوم فيه غالبية رجال الدين في ايران أي دور للمثقفين من خارج المؤسسة الدينية في تناول مسائل فقهية. وقد حظر عدد من كبار رجال الدين في قم تدريس كتابات شريعتي في المدارس الدينية والحوزات العلمية لانهم اعتبروه غير ملم بشكل كامل ومتعمق بالمسائل الدينية.

وقد وجه شريعتي اعمق نقد لدور غالبية رجال الدين حيث اتهمهم باحتكار تفسير القرآن الكريم على رغم ان الاسلام توجه الى المسلمين وعقولهم بشكل مباشر وبسيط لا يحتاج الى وسطاء. واتهم رجال الدين الشيعة بتحويل التشيع الى مؤسسة شكلت جزءاً من النظام الحاكم تسعى للحفاظ عليه وتبرير الاوضاع السياسية والاجتماعية القائمة، واتهمهم بالعداء ليس للحضارة الغربية ولكن لكل اشكال التغيير والابتكار لأنهم يعتبرون التغيير الاجتماعي وحماية حقوق الانسان والمجتمع المدني اشكالاً من الشرك. ولكن شريعتي لم ينكر وجود رجال دين يشاركون في مهام تثقيفية وتنويرية والقيام بتغيير سياسي واجتماعي ثوري او اصلاحي. وتساءل عن شرعية وجود المؤسسة الدينية كحكم رسمي يقرر في شأن المسائل الدينية، وهو الامر الذي كلفه عداء عدد من مراجع التقليد الشيعة، بينما بقي آخرون صامتين تجاهه وتعاطف معه القليل منهم. وهاجم شريعتي ألقاباً مثل "آية الله" و"حجة الاسلام" باعتبارها من بقايا "الحقبة الصفوية"، كما انه اشار الى الملا محمد باقر المجلسي باعتباره ممثلاً للاسلام الشيعي الصفوي، واعتبر كتابه "بحار الانوار" رمزاً للكتب المليئة بالخرافات، وكان عدد من آيات الله يعتبرون المجلسي اطاراً مرجعياً لهم على الصعيد الفقهي.

وعلى رغم ان شريعتي لم يدرس علوم الشريعة والفقه باستفاضة، فإنه اتهم غالبية رجال الدين في ايران بالتخلي عن روح التسامح والحوار والاجتهاد السائدة في ايام الاسلام الاولى، واتهم هؤلاء ايضاً بجمع الاموال باسم الاسلام وانفاقها في غير مصارفها الشرعية وانهم يرمون المختلفين معهم في الرأي بالكفر، وانهم ناضلوا ضد حكم الشاه فقط عندما تعرض لامتيازاتهم ومصالحهم، كما اعتبر انهم يتمسكون بفقه تقليدي لم يعد قادراً على معالجة مشكلات المجتمع المسلم المعاصر. وقد فرق شريعتي بين تعبيري "عالم" و"معمم"، معتبراً المعمم هو من يرتدي زي رجال الدين من دون ان تكون لديه المعرفة الدينية والعملية الكافية او يكون ملتزماً فكرياً ومنخرطاً في العمل الاجتماعي. كما ذهب الى حد تفضيل من سماه "الانسان الثوري" من غير المسلمين على رجال الدين الممتنعين عن ممارسة السياسة للحفاظ على مكاسبهم، وشكك في مدى اتساع افق وتنوع مدارك رجال الدين نظراً لتقليديتهم وجمودهم الفكري، وشبه دورهم بدور كبير الكهنة هامان في زمن فرعون.

* كاتب مصري.

بالنسبة للعالَم بأسره قد تكون مجرد شخص ما، لكن بالنسبة لشخص ما قد تكون العالَم بأسره