سيد مرحوم
08-18-2004, 08:30 PM
معا من أجل فساد أفضل..!
((وجهة نظر))
* د. مأمون فندي
بداية، انا لست ضد الفساد في الدول العربية، لان محاربة الفساد الآن قد تصل الى حالة احتراب تؤدي الى انهيار الدول، وذلك ببساطة، لان الفساد في المنطقة العربية هو اقوى مؤسسة في الدولة واكثرها قبولا وشرعية من قبل الحاكم والمحكوم، لذا انا لا انادي بحرب شاملة على الفساد، لكنني ادعو الى حرب معقولة من اجل تقليص حجم الفساد الى درجة معقولة، بحيث يمكن ادارته بشكل مقبول. اما الطامحون في ازالة الفساد فهم من القلة الحالمة، التي وان اوتيت رغباتهم وتحققت امنياتهم في القضاء على الفساد، فهم بذلك يقضون على الدولة برمتها، ولا اعتقد انهم جاهزون للتعامل مع حالة الفوضى الناتجة عن انفراط عقد الدولة.
الفساد في العالم العربي الآن، هو «اسمنت» الدولة والمجتمع، ليس هو الزيت الذي يلين عجلات الدولة او الحكومة، هو اللاصق والصمغ الذي يربط الدولة والمجتمع معا.
000، لذا يجب ان نكون واقعيين فيما نطلب، ونطالب بفساد افضل وفساد اقل يمكن ادارته، فساد يمكننا حصاره في ربع الدولة او في خمسها، ويمكننا التعاطي معه.. هذا الفساد الافضل او الاقل، هو اعلى ما يمكن ان نطمح اليه في العالم العربي من حربنا ضد الفساد. واعرف ان هناك كثيرا من الرومانسيين والحالمين الذين سيرمونني بتبرير الفساد ويقولون: لماذا لا اطالب بالقضاء على الفساد كله، الواقع يقول ان الفساد يظهر في وجود مؤسسات قانونية ضعيفة. والحال في العالم العربي، وخصوصا في حالة السلطة الفلسطينية، هو حالة الهزال والهوان والضعف الموجودة في كل مؤسساتنا القانونية والرقابية.
الفساد ايضا يوجد في المجتمعات التي تحكمها قوانين ولوائح غائمة وغامضة، متراكمة بعضها فوق بعض وفي كثير من الاحيان متناقضة، هذا المظهر ايضا واضح وجلي في معظم بلداننا العربية قديمها وحديثها.
فاللوائح والقوانين ليست فقط متراكمة، فهي في معظم الاحيان متناقضة ايضا.
الفساد ايضا يظهر حال تركز السلطات والصلاحيات التي لا تخضع للرقابة، في يد كبار المسؤولين، سواء كانوا حكوميين او من المجتمع العادي او القطاع الخاص. واظن ان هذه النقطة ومظاهرها واضحة للعيان وغنية عن البيان في كل انحاء الوطن العربي الكبير، من المحيط الهادر الى الخليج الثائر.
اتمنى ألا يظن القارئ الآن، ان الفساد هو مشكلة حكومية فقط. فالفساد له قوانينه الحاكمة مثل قوانين الاقتصاد العام. معادلة الفساد هي مثل معادلة الاقتصاد، او معادلة السوق، عرض وطلب.. اذا ما زاد العرض قل الطلب والعكس. بمعنى انه حتى لو كانت الحكومات طالبة للفساد، فلا بد من وجود عرض حتى يتسنى لميكانيزمات الفساد ومحركاته ان تعمل. المجتمع، وكذلك القطاع الخاص في عالمنا العربي، يعرضان الفساد على قدر طلب الحكومات. والعاملون في الشركات يعرضون الفساد على قدر طلب الرؤساء، فحتى تكون للفساد قيمة اجتماعية، فلا بد للفاسد ان يكون مطلوبا ومرغوبا، وقد يفسد فساده ويكون غير ذي قيمة اذا زاد عرض بضاعته عن احتياجات رؤسائه.. اذن بداية الحل هي في تقليل المعروض من الفساد، حتى يرتفع سعره وتقبل عليه الحكومات بدرجة تنظمها ميكانيزمات السوق وآلياته المحركة.
المجتمع شريك للدولة في التحكم في الفساد او في زيادة نسبته، والناظر لعالمنا العربي اليوم، يرى شبه حالة اتفاق ضمني، بين الحكومات والمجتمعات، يقول بان القوانين واللوائح المكتوبة على الورق، هي فقط للتمظهر، اما العمل الحقيقي فهو يسير حسب قوانين عرفية غير مكتوبة، حيث يكون الفساد باشكاله المختلفة من واسطة وقرابة وصداقة وخلافه من بهلوانيات «رفع السماعة» هو العامل الحاسم والحاكم لمجريات الامور.
ان الشراكة القائمة بين المجتمع والدولة في عملية تنظيم الفساد، هي شراكة قائمة ووثيقة العرى ومترابطة، ويمكن لهذه الشراكة التي هي الآن مصدر قلق ومصدر تهديد، ان تصبح فرصة اصلاح اذا ما قرر الشركاء ادارتها بشكل افضل، كذلك تقليص نسبتها ومن هنا جاء العنوان «معاً من اجل فساد افضل»، فانا لا أطالب بالمستحيل، ولا اطالب بانهاء الفساد تماما، وانما اطالب بشيء من الاصلاح للفساد، حتى تسهل عملية ادارته، اطالب بفساد اكثر شفافية، حتى لو وصل الحال الى تقنينه، كما يحدث مثلا في فواتير الخدمات في المطاعم. فمعروف مثلا ان بقشيش النادل في المطعم هو 15% من سعر الوجبة، فلماذا لا نفعل شيئا كهذا، فيكون مثلا حصول الطالب لرخصة قيادة سيارة نسبة خمسة في المائة من الرسوم المدفوعة.. فساد واضح، فساد معروف وفساد افضل من وجهة نظري. الفساد في العالم العربي الآن، وخصوصا في حالة الدولة المتلقية للمعونات الدولية، هو معوق كبير للتنمية. مثلا، نرى الآن حوارا ساخنا بين الدول والمؤسسات المانحة حول الفساد، بمعنى ان منح الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي او برامج المساعدات الأميركية بدأت كلها ترتبط الآن بمسألة اصلاح الاجهزة الادارية للدول. واول مؤشر على الاصلاح هو تقليص نسبة الفساد.
حالة الفساد القائمة الآن، في السلطة الفلسطينية ستؤثر بشكل كبير على ما ستقدمه الدول المانحة للسلطة الفلسطينية وكذلك للفلسطينيين تحت الاحتلال، لذا يجب على السلطة تنظيم حالة الفساد القائمة، واعادة ترتيبها بشكل طيع يمكن المؤسسات الدولية من متابعته حتى يتسنى لها ملء البيانات في الخانات المطلوبة في طلبات الاعانة والاغاثة، فمبادرات منع الفساد الآن، تملأ اروقة المؤسسات الدولية الكبرى، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وخلافه.
النقطة الاساسية في هذا العرض، هي انه يجب علينا ألا نندفع وراء الحالمين المطالبين بانهاء الفساد، في اي دولة عربية، 000، لأن في انهاء الفساد قضاء على السلطة ذاتها، يجب علينا ان نكون عقلاء واكثر واقعية.
فنحن نعرف ان الفساد هو الزيت الذي يدير عجلات السلطة، وكذلك محركات الدولة، لذا نحن نطالب فقط، بان تتكاتف ايدينا ونعمل معا بلا كلل او ملل تحت شعار واحد.. شعار واقعي لا يكلفنا انهيار مؤسساتنا بالكامل، نعمل معا تحت شعار «معاً من أجل فساد أفضل».
((وجهة نظر))
* د. مأمون فندي
بداية، انا لست ضد الفساد في الدول العربية، لان محاربة الفساد الآن قد تصل الى حالة احتراب تؤدي الى انهيار الدول، وذلك ببساطة، لان الفساد في المنطقة العربية هو اقوى مؤسسة في الدولة واكثرها قبولا وشرعية من قبل الحاكم والمحكوم، لذا انا لا انادي بحرب شاملة على الفساد، لكنني ادعو الى حرب معقولة من اجل تقليص حجم الفساد الى درجة معقولة، بحيث يمكن ادارته بشكل مقبول. اما الطامحون في ازالة الفساد فهم من القلة الحالمة، التي وان اوتيت رغباتهم وتحققت امنياتهم في القضاء على الفساد، فهم بذلك يقضون على الدولة برمتها، ولا اعتقد انهم جاهزون للتعامل مع حالة الفوضى الناتجة عن انفراط عقد الدولة.
الفساد في العالم العربي الآن، هو «اسمنت» الدولة والمجتمع، ليس هو الزيت الذي يلين عجلات الدولة او الحكومة، هو اللاصق والصمغ الذي يربط الدولة والمجتمع معا.
000، لذا يجب ان نكون واقعيين فيما نطلب، ونطالب بفساد افضل وفساد اقل يمكن ادارته، فساد يمكننا حصاره في ربع الدولة او في خمسها، ويمكننا التعاطي معه.. هذا الفساد الافضل او الاقل، هو اعلى ما يمكن ان نطمح اليه في العالم العربي من حربنا ضد الفساد. واعرف ان هناك كثيرا من الرومانسيين والحالمين الذين سيرمونني بتبرير الفساد ويقولون: لماذا لا اطالب بالقضاء على الفساد كله، الواقع يقول ان الفساد يظهر في وجود مؤسسات قانونية ضعيفة. والحال في العالم العربي، وخصوصا في حالة السلطة الفلسطينية، هو حالة الهزال والهوان والضعف الموجودة في كل مؤسساتنا القانونية والرقابية.
الفساد ايضا يوجد في المجتمعات التي تحكمها قوانين ولوائح غائمة وغامضة، متراكمة بعضها فوق بعض وفي كثير من الاحيان متناقضة، هذا المظهر ايضا واضح وجلي في معظم بلداننا العربية قديمها وحديثها.
فاللوائح والقوانين ليست فقط متراكمة، فهي في معظم الاحيان متناقضة ايضا.
الفساد ايضا يظهر حال تركز السلطات والصلاحيات التي لا تخضع للرقابة، في يد كبار المسؤولين، سواء كانوا حكوميين او من المجتمع العادي او القطاع الخاص. واظن ان هذه النقطة ومظاهرها واضحة للعيان وغنية عن البيان في كل انحاء الوطن العربي الكبير، من المحيط الهادر الى الخليج الثائر.
اتمنى ألا يظن القارئ الآن، ان الفساد هو مشكلة حكومية فقط. فالفساد له قوانينه الحاكمة مثل قوانين الاقتصاد العام. معادلة الفساد هي مثل معادلة الاقتصاد، او معادلة السوق، عرض وطلب.. اذا ما زاد العرض قل الطلب والعكس. بمعنى انه حتى لو كانت الحكومات طالبة للفساد، فلا بد من وجود عرض حتى يتسنى لميكانيزمات الفساد ومحركاته ان تعمل. المجتمع، وكذلك القطاع الخاص في عالمنا العربي، يعرضان الفساد على قدر طلب الحكومات. والعاملون في الشركات يعرضون الفساد على قدر طلب الرؤساء، فحتى تكون للفساد قيمة اجتماعية، فلا بد للفاسد ان يكون مطلوبا ومرغوبا، وقد يفسد فساده ويكون غير ذي قيمة اذا زاد عرض بضاعته عن احتياجات رؤسائه.. اذن بداية الحل هي في تقليل المعروض من الفساد، حتى يرتفع سعره وتقبل عليه الحكومات بدرجة تنظمها ميكانيزمات السوق وآلياته المحركة.
المجتمع شريك للدولة في التحكم في الفساد او في زيادة نسبته، والناظر لعالمنا العربي اليوم، يرى شبه حالة اتفاق ضمني، بين الحكومات والمجتمعات، يقول بان القوانين واللوائح المكتوبة على الورق، هي فقط للتمظهر، اما العمل الحقيقي فهو يسير حسب قوانين عرفية غير مكتوبة، حيث يكون الفساد باشكاله المختلفة من واسطة وقرابة وصداقة وخلافه من بهلوانيات «رفع السماعة» هو العامل الحاسم والحاكم لمجريات الامور.
ان الشراكة القائمة بين المجتمع والدولة في عملية تنظيم الفساد، هي شراكة قائمة ووثيقة العرى ومترابطة، ويمكن لهذه الشراكة التي هي الآن مصدر قلق ومصدر تهديد، ان تصبح فرصة اصلاح اذا ما قرر الشركاء ادارتها بشكل افضل، كذلك تقليص نسبتها ومن هنا جاء العنوان «معاً من اجل فساد افضل»، فانا لا أطالب بالمستحيل، ولا اطالب بانهاء الفساد تماما، وانما اطالب بشيء من الاصلاح للفساد، حتى تسهل عملية ادارته، اطالب بفساد اكثر شفافية، حتى لو وصل الحال الى تقنينه، كما يحدث مثلا في فواتير الخدمات في المطاعم. فمعروف مثلا ان بقشيش النادل في المطعم هو 15% من سعر الوجبة، فلماذا لا نفعل شيئا كهذا، فيكون مثلا حصول الطالب لرخصة قيادة سيارة نسبة خمسة في المائة من الرسوم المدفوعة.. فساد واضح، فساد معروف وفساد افضل من وجهة نظري. الفساد في العالم العربي الآن، وخصوصا في حالة الدولة المتلقية للمعونات الدولية، هو معوق كبير للتنمية. مثلا، نرى الآن حوارا ساخنا بين الدول والمؤسسات المانحة حول الفساد، بمعنى ان منح الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي او برامج المساعدات الأميركية بدأت كلها ترتبط الآن بمسألة اصلاح الاجهزة الادارية للدول. واول مؤشر على الاصلاح هو تقليص نسبة الفساد.
حالة الفساد القائمة الآن، في السلطة الفلسطينية ستؤثر بشكل كبير على ما ستقدمه الدول المانحة للسلطة الفلسطينية وكذلك للفلسطينيين تحت الاحتلال، لذا يجب على السلطة تنظيم حالة الفساد القائمة، واعادة ترتيبها بشكل طيع يمكن المؤسسات الدولية من متابعته حتى يتسنى لها ملء البيانات في الخانات المطلوبة في طلبات الاعانة والاغاثة، فمبادرات منع الفساد الآن، تملأ اروقة المؤسسات الدولية الكبرى، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وخلافه.
النقطة الاساسية في هذا العرض، هي انه يجب علينا ألا نندفع وراء الحالمين المطالبين بانهاء الفساد، في اي دولة عربية، 000، لأن في انهاء الفساد قضاء على السلطة ذاتها، يجب علينا ان نكون عقلاء واكثر واقعية.
فنحن نعرف ان الفساد هو الزيت الذي يدير عجلات السلطة، وكذلك محركات الدولة، لذا نحن نطالب فقط، بان تتكاتف ايدينا ونعمل معا بلا كلل او ملل تحت شعار واحد.. شعار واقعي لا يكلفنا انهيار مؤسساتنا بالكامل، نعمل معا تحت شعار «معاً من أجل فساد أفضل».