المهدى
08-18-2004, 06:37 AM
طبيب "القاعدة" عرض أن يتجسس على زملائه < جدل مع سجين عن الإسلام والإرهاب
واشنطن: محمد علي صالح
كشف كريس ماكي، الذي اشرف على التحقيقات مع المعتقلين في قاعدة باغرام في افغانستان، وسائل التحقيق لجمع معلومات عن حكومة طالبان وتنظيم القاعدة. وقال ان المحققين لم يلجأوا الى وسائل التعذيب والتعري والاستغلال الجنسي الذي حدث في سجن "ابو غريب" في العراق.
وادان ماكي هذه الوسائل، وقال ان الذين قاموا بها "مرضى". واضاف انهم، في قاعدة باغرام بالقرب من كابل، استعملوا وسائل الاغراء والخداع.
وزير طالبان
قال ماكي ان غول جان خان، الذي كان وزيرا في حكومة طالبان، سلم نفسه للقوات الاميركية بعد ثلاثة شهور من غزو افغانستان. الوزير، في البداية، نفى انه يعرف اي شيء عن هجوم 11 سبتمبر (ايلول)، وعن مكان محمد عمر، رئيس الحكومة، واسامة بن لادن، زعيم "القاعدة". لكنه خدع واغري، وكشف معلومات ساعدت المحققين.
وقال الوزير الطالباني ان بن لادن ما كان يعرف كيف سترد اميركا على الهجوم، وانه زار معسكر الفاروق في اليوم التالي للهجوم، وخطب في مؤيديه، واشاد بالهجوم، ووصف الذين قاموا به بأنهم شهداء وقال "لم نحقق كل ما نريد"، واشار الى اهمية هزيمة اسرائيل.
وكشف الوزير ان بن لادن خطط لعمليات اخرى في اميركا، مثل نسف عمارات عالية، وتدمير جسور رئيسية، واشعال النيران في مخازن ومحطات وقود السيارات. وقال الوزير انه سوف يكشف معلومات جديدة اذا عومل كوزير سابق، واذا اطلق سراحه.
الوزير: عندما سلم نفسه، ما كان يتوقع ان تقيد يداه وقدماه، واعتقد انه سوف يتمتع بحصانة دبلوماسية، وانه سوف "يتفاوض"، بأسم طالبان، مع الحكومة الاميركية. وقال انه يريد ان يتفاوض مع مندوب لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه)، ويبدو انه كان يريد عقد صفقة معها. وأضاف "سلمت نفسي طواعية لاختبار نوايا اميركا. اذا تفاوضتم معي، سوف يسلم وزراء آخرون انفسهم". لكنه، عندما عرف انه سوف يعامل كأي سجين، ويقيد، ويلبس ملابس السجن، ويستجوب، ولا يفاوض، توقف عن تقديم معلومات هامة، بل وتراجع عن المعلومات التي كان قدمها.
طبيب "القاعدة"
عبد السلام الايمي، طبيب "القاعدة"، اعتقل بعد معركة تورا بورا في جنوب شرقي افغانستان، وكان اصيب بجروح خطيرة، وربما كان سيموت من الجروح لو لم يعالجه الاطباء العسكريون الاميركيون.
في البداية كان متعاليا ومتحديا، وقال: "لا يحق لكم اعتقالي بدون دليل". ورد عليه المحقق: "هذه حرب، وانت اسير، وهذا هو الواقع". وهدده المحقق بأن معتقلين قبله ارسلوا الى قاعدة غوانتانامو في كوبا، وسيرسل هو، ايضا، اذا لم يقدم كل المعلومات التي يعرفها. في البداية نفى اية صلة بـ"القاعدة"، وقال انه من اليمن، ودرس الطب في بريطانيا بمنحة مالية وسافر الى باكستان، ثم افغانستان، لممارسة الطب "وسط الفقراء". وعندما سأله المحقق: "من كنت تعالج في افغانستان؟" قال، ربما بدون ان يفكر كثيرا: "الاخوان العرب".
واقتنع المحقق ان عبد السلام ليس طبيبا بريئا يمارس الطب وسط جبال افغانستان حبا بالفقراء الافغان، ولكنه عضو في منظمة ارهابية، وكان يعالج اعضاء "القاعدة"، حتي بعد هجوم 11 سبتمبر (ايلول)، وحتى معركة تورا بورا. بعد ذلك، وخوفا من ان ينقل الى كوبا، بدأ عبد السلام يتكلم عن كل تفاصيل حياته، بل كان يتحمس ويأخذ دفتر المحقق، ويكتب بنفسه اسماء، واماكن، وتواريخ سأله عنها المحقق.
وقال عبد السلام ان مندوبا من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) عرض عليه ان يكون جاسوسا يجمع المعلومات عن الافغان العرب، لكنه رفض. وسأل عبد السلام المحقق عن امكانية مقابلة مندوب الوكالة، مرة اخرى، ربما لأنه يريد هذه المرة ان يكون جاسوسا لها.
عبد السلام قال انه قابل اسامة بن لادن مرات كثيرة، وخلال معركة تورا بورا شكره بن لادن لأنه كان يعالج الجرحى، لكن بن لادن نصحه بان يهرب من المكان، وقال له: "يا دكتور، انت لا تناسب هذه الحرب".
عبد الهادي الأندونيسي
عبد الهادي، 16 سنة ، اعتقل في اندونيسيا، ونقل الى قاعدة باغرام، وفي البداية رفض تقديم معلومات حتى عن نفسه، غير انه اندونيسي. لكن، بعد ايام من الاسئلة المتواصلة والمكررة، والتي كانت تمتد حتى الساعات الاولى من الصباح، قال، ربما بدون ان يفكر كثيرا: "نحن في السودان..." وكان ذلك مدخلا للمحقق ليعرف تفاصيل حياته، ونشاطاته في السودان، وتمرده على والده.
واغرى المحقق عبد الهادي بارساله الى اميركا لدخول مدرسة ثانوية، بعد ان قال عبد الهادي انه يحب الافلام والمسلسلات التلفزيونية الاميركية، مثل "دق الجرس" عن تلاميذ وتلميذات مدرسة ثانوية. ولأن عبد الهادي كان يسأل كثيرا عن الفتيات الاميركيات، رتب المحققون له "موعدا" مع جندية شقراء عمرها 19 سنة ، لمشاهدة فيلم "اميركان باي" المثير، في الجناح الذي يعيش فيه المحققون، مع زجاجات الكوكا كولا والكعك والشكولاته.
استبدلت الشقراء الزي العسكري بملابس مدنية مثيرة، ولعبت دور "الصديقة" بصورة جيدة. لكن عبد الهادي كان خجولا، ولم يجلس قريبا منها، وكان يصيح : "يا الهي" كلما رأى منظرا جنسيا في الفيلم. ولم يكن عبد الهادي يعرف ان بعض المحققين كانوا يتابعون تحركاته في الظلام خلال عرض الفيلم، وكانوا يحملون مسدسات لاستعمالها اذا اعتدى على الفتاة.
وبعد نهاية الفيلم، قيدوا عبد الهادي، واعادوه الى القفص مع بقية المعتقلين، وقال متطوعا: "اريد مساعدتكم لأني احب افلامكم وطعامكم وبناتكم". تدريجيا، اصبح عبد الهادي يتجسس على زملائه المعتقلين. لكن الاميركيين لم يستفيدوا منه كثيرا، واعتقدوا ان "القاعدة" استغلت صغر سنه، وخططت له ليكون جاسوسا عليهم. لهذا قرروا ان يسلموه الى الاستخبارات البريطانية. ما كان عبد الهادي يعرف مصيره عندما نقل من القاعدة، وبكى كثيرا، وقال انه كان يعتقد ان الاميركيين سوف يفون بوعودهم له، ويرسلونه الى اميركا.
غول محمود
كانت طائرة استكشاف اميركية تحلق فوق شمال شرقي افغانستان عندما اكتشفت اشارات من تلفون فضائي، وحددت المنزل الذي انطلقت منه الاشارات. وخلال ساعات قليلة هجمت قوات اميركية على المنزل، واعتقلت غول محمود، ونقلته الى المحققين في قاعدة باغرام.
طور المحققون طريقة اسئلتهم، وبدل ان يسألوا: "هل انت عضو في طالبان؟" (لأن الاجابة دائما هي: لا) اصبحوا يسألون: "لماذا تعتقد اننا اعتقلناك؟". وعندما يجيب المعتقل: "لا اعرف"، يقولون له: "فكر في سبب".
وكانت هذه الحيلة تنجح احيانا، وفي حالة غول محمود قال: "اعتقلتموني ربما بسبب صديقي صالح". وسألوه: "من هو صالح؟" فأجاب "صديق لبعض قادة طالبان". وهكذا وجد المحققون طرف الخيط. واستعمل معه المحققون تكتيكا آخر، وهو: "لماذا تعتقد اننا جئنا الى افغانستان؟" فاجاب: "لاعتقال العرب". وسألوا: "لماذا نريد اعتقال العرب؟" فكان جوابه "لانهم ضربوا بلدكم".
مثلما استجوب المحققون الرجال غول محمود، ارسلوا الضابطة آن ماري ووكر لاستجواب النساء في بيته. آن ماري تجيد اللغة الفارسية، ووصفها كبير المحققين بأنها "شقراء من ولاية ميشيغان، وصغيرة في السن، مما فاجأ كثيرا من المعتقلين، وجعلهم يقعون ضحايا جمالها وذكائها".
ونجحت حيل آن ماري مع النساء، ايضا، لأنها كانت تعاملهن وكأنها واحدة منهن، وفعلا اعترفت ام غول محمود بأن ابنها متورط في العمل مع طالبان اكثر مما قال في اعترافاته. وحمل المعتقلون شهادات النساء الى غول محمود، فانهار، وقدم معلومات اكثر اهمية (بعد استجواب استمر ثلاثين ساعة بدون توقف). وفي النهاية سألوه: "لماذا غيرت رأيك؟" فاجاب: "لم تقتلوني، ولم تهددوا بقتلي".
الجزائريون
بالنسبة للجزائري محمود وجزائريين آخرين، كان الاغراء هو عدم ارسالهم الى قاعدة غوانتانامو في كوبا. كانوا يقسمون انهم ذهبوا الى افغانستان لا لينضموا الى تنظيم القاعدة، ولكن للتدريب للعودة الى الجزائر والقتال مع الجماعة الاسلامية المقاتلة. ولهذا فانهم لا يجب ان يرسلوا الى كوبا. قال المحققون: "ليس هناك فرق بين الارهاب في افغانستان وفي الجزائر".
وبسبب هذا التهديد، عرف المحققون ان الملا عمر، قبل هجوم 11 سبتمبر بشهور، امر بمنع نشاطات الجزائريين. وان الامر شمل المقبلين من المغرب وليبيا وتونس والفلبين واندونيسيا والشيشان وسيكيانج (مقاطعة اسلامية في الصين، مجاورة لافغانستان)، وان اسامة بن لادن توسط بين الملا عمر وهؤلاء، وتم الاتفاق على السماح لهم بالبقاء في افغانستان اذا "تعانوا" مع القاعدة. ويبدو ان هذا كان وراء العمليات الارهابية في المغرب واسبانيا وايطاليا.
مناقشات دينية
كبير المحققين ماكي قدم هذه المعلومات، وغيرها، بعد ان عاد من افغانستان، وتعاون مع جريج ميلار، الصحافي مع جريدة "لوس أنجليس تايمز"، الذي حضر بعض جلسات التحقيق، نشرها في كتاب.
في نهاية الكتاب تحدث المحقق ماكي عن مناقشات دينية مع المعتقلين، خاصة عن العلاقة بين الاسلام والارهاب، وعن اتهامات كثير من المعتقلين للمحققين والمحققات الاميركيين بأنهم يكرهون الاسلام، ويريدون هزيمته.
قال ماكي: " نحن لا نكره الاسلام، ولا نحاربه.
هذه كذبة كبرى صدقها هؤلاء المعتقلون الاغبياء البؤساء. انا اقدر الاسلام واحترمه، لكن المعتقلين مجرمون ولا يمثلون الاسلام".
وقال انه كان يشعر بالعطف على بعض المعتقلين، عندما يراهم يصلون، عكس محققين آخرين، كان بعضهم يحمل كل معتقل مسؤولية هجوم 11 سبتمبر.
وقال: "ربما مشكلتنا الاساسية في افغانستان هي اننا فشلنا في فهم ثقافة العدو، وذلك لأني احسست بفشلي في اقناع المعتقلين باني لا اكره العرب والمسلمين. وهناك مشكلة اخرى وهي انى لم اعرف ذلك الا عندما بدأت الاستعداد للرحيل من افغانستان".
حتى خلال المناقشات مع المترجمين المسلمين، يبدو ان ماكي فشل في اقناعهم بحسن نيته ونيات الاميركيين. بالاضافة الى انه احس بان هؤلاء المترجمين يترددون في قول الحقيقة خوفا من ان يفصلوا من وظائفهم.
المترجمون المسلمون غضبوا، مثل المعتقلين، عندما رسم جنود اميركيون اعلاما اسرائيلية على جدران المعتقل.
ورغم ان الاوامر صدرت بمسح الرسوم، واعترف الذين رسموها بخطئهم، اضيف الحادث الى حوادث اخرى كثيرة اوضحت جهل الاميركيين بالاسلام والمسلمين. وممن استجوبهم ماكي سجين يدعى عبد الله الجيبوتي وكان بينهما حديث عن الاسلام وكذلك عن الارهاب. سأل السجين ماكي :
هل انت مسيحي؟
ماكي : نعم
السجين : انا كنت مسيحيا واعتنقت الاسلام
ماكي : بدل الحديث عن الدين، تحدث عن علاقتك بتنظيم القاعدة، واسامة بن لادن، والمدارس التي درست فيها في السودان، والاموال التي وجدناها معك
السجين : الله اهم من كل هذه الاشياء. لأنك مسيحي، انت في نصف الطريق الى الله، وانا اريد مساعدتك لاكمال الطريق. لماذا تؤمن بالتثليث بدلا من الله الواحد؟
ماكي : لماذا كنت تحمل ثلاثين الف دينار عماني عندما اعتقلناك؟
السجين : دينك يقول ان هناك اله، ثم اله ثان، ثم ثالث. هؤلاء مثل آلهة الاغريق والرومان
ماكي : لماذا كنت تريد عبور الحدود من افغانستان الى ايران وانت تحمل كل هذه الاموال؟
السجين : حتي الانجيل لا يقول ان المسيح هو، حقيقة، ابن الله.
ماكي : سوف اصبح مسلما اذا قلت لي من هم الثلاثة الذين كانوا معك عندما كنتم تريدون عبور الحدود الى ايران.
السجين : انت الآن مثل ابن عمي لانك مسيحي. اذا اصبحت مسلما سوف تكون مثل اخي.
ماكي "سوف اصبح مسلما اذا قلت لي الحقيقة: ماذا كنتم تخططون؟"
السجين : انا مستعد للثقة فيك، ولكن ما هو الضمان بأن اخوانك المسيحيين سوف يؤثرون عليك؟
ماكي : وظيفتي هي وقف القتل والارهاب وتحقيق السلام، وليس مهما بالنسبة لي ان اكون مسلما او مسيحيا لافعل ذلك.
السجين : اذا اصبحت مسلما يجب الا تغدر بمسلم آخر، اي يجب الا تستعمل المعلومات التي اقولها لك بما يؤذيني.
ماكي : انا لست ضد الاسلام، لكنكم لستم مسلمين حقيقيين. اذا كنت مسلما حقيقة، قل لى الحقيقة.
السجين : انت ذكي جدا.
واشنطن: محمد علي صالح
كشف كريس ماكي، الذي اشرف على التحقيقات مع المعتقلين في قاعدة باغرام في افغانستان، وسائل التحقيق لجمع معلومات عن حكومة طالبان وتنظيم القاعدة. وقال ان المحققين لم يلجأوا الى وسائل التعذيب والتعري والاستغلال الجنسي الذي حدث في سجن "ابو غريب" في العراق.
وادان ماكي هذه الوسائل، وقال ان الذين قاموا بها "مرضى". واضاف انهم، في قاعدة باغرام بالقرب من كابل، استعملوا وسائل الاغراء والخداع.
وزير طالبان
قال ماكي ان غول جان خان، الذي كان وزيرا في حكومة طالبان، سلم نفسه للقوات الاميركية بعد ثلاثة شهور من غزو افغانستان. الوزير، في البداية، نفى انه يعرف اي شيء عن هجوم 11 سبتمبر (ايلول)، وعن مكان محمد عمر، رئيس الحكومة، واسامة بن لادن، زعيم "القاعدة". لكنه خدع واغري، وكشف معلومات ساعدت المحققين.
وقال الوزير الطالباني ان بن لادن ما كان يعرف كيف سترد اميركا على الهجوم، وانه زار معسكر الفاروق في اليوم التالي للهجوم، وخطب في مؤيديه، واشاد بالهجوم، ووصف الذين قاموا به بأنهم شهداء وقال "لم نحقق كل ما نريد"، واشار الى اهمية هزيمة اسرائيل.
وكشف الوزير ان بن لادن خطط لعمليات اخرى في اميركا، مثل نسف عمارات عالية، وتدمير جسور رئيسية، واشعال النيران في مخازن ومحطات وقود السيارات. وقال الوزير انه سوف يكشف معلومات جديدة اذا عومل كوزير سابق، واذا اطلق سراحه.
الوزير: عندما سلم نفسه، ما كان يتوقع ان تقيد يداه وقدماه، واعتقد انه سوف يتمتع بحصانة دبلوماسية، وانه سوف "يتفاوض"، بأسم طالبان، مع الحكومة الاميركية. وقال انه يريد ان يتفاوض مع مندوب لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه)، ويبدو انه كان يريد عقد صفقة معها. وأضاف "سلمت نفسي طواعية لاختبار نوايا اميركا. اذا تفاوضتم معي، سوف يسلم وزراء آخرون انفسهم". لكنه، عندما عرف انه سوف يعامل كأي سجين، ويقيد، ويلبس ملابس السجن، ويستجوب، ولا يفاوض، توقف عن تقديم معلومات هامة، بل وتراجع عن المعلومات التي كان قدمها.
طبيب "القاعدة"
عبد السلام الايمي، طبيب "القاعدة"، اعتقل بعد معركة تورا بورا في جنوب شرقي افغانستان، وكان اصيب بجروح خطيرة، وربما كان سيموت من الجروح لو لم يعالجه الاطباء العسكريون الاميركيون.
في البداية كان متعاليا ومتحديا، وقال: "لا يحق لكم اعتقالي بدون دليل". ورد عليه المحقق: "هذه حرب، وانت اسير، وهذا هو الواقع". وهدده المحقق بأن معتقلين قبله ارسلوا الى قاعدة غوانتانامو في كوبا، وسيرسل هو، ايضا، اذا لم يقدم كل المعلومات التي يعرفها. في البداية نفى اية صلة بـ"القاعدة"، وقال انه من اليمن، ودرس الطب في بريطانيا بمنحة مالية وسافر الى باكستان، ثم افغانستان، لممارسة الطب "وسط الفقراء". وعندما سأله المحقق: "من كنت تعالج في افغانستان؟" قال، ربما بدون ان يفكر كثيرا: "الاخوان العرب".
واقتنع المحقق ان عبد السلام ليس طبيبا بريئا يمارس الطب وسط جبال افغانستان حبا بالفقراء الافغان، ولكنه عضو في منظمة ارهابية، وكان يعالج اعضاء "القاعدة"، حتي بعد هجوم 11 سبتمبر (ايلول)، وحتى معركة تورا بورا. بعد ذلك، وخوفا من ان ينقل الى كوبا، بدأ عبد السلام يتكلم عن كل تفاصيل حياته، بل كان يتحمس ويأخذ دفتر المحقق، ويكتب بنفسه اسماء، واماكن، وتواريخ سأله عنها المحقق.
وقال عبد السلام ان مندوبا من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) عرض عليه ان يكون جاسوسا يجمع المعلومات عن الافغان العرب، لكنه رفض. وسأل عبد السلام المحقق عن امكانية مقابلة مندوب الوكالة، مرة اخرى، ربما لأنه يريد هذه المرة ان يكون جاسوسا لها.
عبد السلام قال انه قابل اسامة بن لادن مرات كثيرة، وخلال معركة تورا بورا شكره بن لادن لأنه كان يعالج الجرحى، لكن بن لادن نصحه بان يهرب من المكان، وقال له: "يا دكتور، انت لا تناسب هذه الحرب".
عبد الهادي الأندونيسي
عبد الهادي، 16 سنة ، اعتقل في اندونيسيا، ونقل الى قاعدة باغرام، وفي البداية رفض تقديم معلومات حتى عن نفسه، غير انه اندونيسي. لكن، بعد ايام من الاسئلة المتواصلة والمكررة، والتي كانت تمتد حتى الساعات الاولى من الصباح، قال، ربما بدون ان يفكر كثيرا: "نحن في السودان..." وكان ذلك مدخلا للمحقق ليعرف تفاصيل حياته، ونشاطاته في السودان، وتمرده على والده.
واغرى المحقق عبد الهادي بارساله الى اميركا لدخول مدرسة ثانوية، بعد ان قال عبد الهادي انه يحب الافلام والمسلسلات التلفزيونية الاميركية، مثل "دق الجرس" عن تلاميذ وتلميذات مدرسة ثانوية. ولأن عبد الهادي كان يسأل كثيرا عن الفتيات الاميركيات، رتب المحققون له "موعدا" مع جندية شقراء عمرها 19 سنة ، لمشاهدة فيلم "اميركان باي" المثير، في الجناح الذي يعيش فيه المحققون، مع زجاجات الكوكا كولا والكعك والشكولاته.
استبدلت الشقراء الزي العسكري بملابس مدنية مثيرة، ولعبت دور "الصديقة" بصورة جيدة. لكن عبد الهادي كان خجولا، ولم يجلس قريبا منها، وكان يصيح : "يا الهي" كلما رأى منظرا جنسيا في الفيلم. ولم يكن عبد الهادي يعرف ان بعض المحققين كانوا يتابعون تحركاته في الظلام خلال عرض الفيلم، وكانوا يحملون مسدسات لاستعمالها اذا اعتدى على الفتاة.
وبعد نهاية الفيلم، قيدوا عبد الهادي، واعادوه الى القفص مع بقية المعتقلين، وقال متطوعا: "اريد مساعدتكم لأني احب افلامكم وطعامكم وبناتكم". تدريجيا، اصبح عبد الهادي يتجسس على زملائه المعتقلين. لكن الاميركيين لم يستفيدوا منه كثيرا، واعتقدوا ان "القاعدة" استغلت صغر سنه، وخططت له ليكون جاسوسا عليهم. لهذا قرروا ان يسلموه الى الاستخبارات البريطانية. ما كان عبد الهادي يعرف مصيره عندما نقل من القاعدة، وبكى كثيرا، وقال انه كان يعتقد ان الاميركيين سوف يفون بوعودهم له، ويرسلونه الى اميركا.
غول محمود
كانت طائرة استكشاف اميركية تحلق فوق شمال شرقي افغانستان عندما اكتشفت اشارات من تلفون فضائي، وحددت المنزل الذي انطلقت منه الاشارات. وخلال ساعات قليلة هجمت قوات اميركية على المنزل، واعتقلت غول محمود، ونقلته الى المحققين في قاعدة باغرام.
طور المحققون طريقة اسئلتهم، وبدل ان يسألوا: "هل انت عضو في طالبان؟" (لأن الاجابة دائما هي: لا) اصبحوا يسألون: "لماذا تعتقد اننا اعتقلناك؟". وعندما يجيب المعتقل: "لا اعرف"، يقولون له: "فكر في سبب".
وكانت هذه الحيلة تنجح احيانا، وفي حالة غول محمود قال: "اعتقلتموني ربما بسبب صديقي صالح". وسألوه: "من هو صالح؟" فأجاب "صديق لبعض قادة طالبان". وهكذا وجد المحققون طرف الخيط. واستعمل معه المحققون تكتيكا آخر، وهو: "لماذا تعتقد اننا جئنا الى افغانستان؟" فاجاب: "لاعتقال العرب". وسألوا: "لماذا نريد اعتقال العرب؟" فكان جوابه "لانهم ضربوا بلدكم".
مثلما استجوب المحققون الرجال غول محمود، ارسلوا الضابطة آن ماري ووكر لاستجواب النساء في بيته. آن ماري تجيد اللغة الفارسية، ووصفها كبير المحققين بأنها "شقراء من ولاية ميشيغان، وصغيرة في السن، مما فاجأ كثيرا من المعتقلين، وجعلهم يقعون ضحايا جمالها وذكائها".
ونجحت حيل آن ماري مع النساء، ايضا، لأنها كانت تعاملهن وكأنها واحدة منهن، وفعلا اعترفت ام غول محمود بأن ابنها متورط في العمل مع طالبان اكثر مما قال في اعترافاته. وحمل المعتقلون شهادات النساء الى غول محمود، فانهار، وقدم معلومات اكثر اهمية (بعد استجواب استمر ثلاثين ساعة بدون توقف). وفي النهاية سألوه: "لماذا غيرت رأيك؟" فاجاب: "لم تقتلوني، ولم تهددوا بقتلي".
الجزائريون
بالنسبة للجزائري محمود وجزائريين آخرين، كان الاغراء هو عدم ارسالهم الى قاعدة غوانتانامو في كوبا. كانوا يقسمون انهم ذهبوا الى افغانستان لا لينضموا الى تنظيم القاعدة، ولكن للتدريب للعودة الى الجزائر والقتال مع الجماعة الاسلامية المقاتلة. ولهذا فانهم لا يجب ان يرسلوا الى كوبا. قال المحققون: "ليس هناك فرق بين الارهاب في افغانستان وفي الجزائر".
وبسبب هذا التهديد، عرف المحققون ان الملا عمر، قبل هجوم 11 سبتمبر بشهور، امر بمنع نشاطات الجزائريين. وان الامر شمل المقبلين من المغرب وليبيا وتونس والفلبين واندونيسيا والشيشان وسيكيانج (مقاطعة اسلامية في الصين، مجاورة لافغانستان)، وان اسامة بن لادن توسط بين الملا عمر وهؤلاء، وتم الاتفاق على السماح لهم بالبقاء في افغانستان اذا "تعانوا" مع القاعدة. ويبدو ان هذا كان وراء العمليات الارهابية في المغرب واسبانيا وايطاليا.
مناقشات دينية
كبير المحققين ماكي قدم هذه المعلومات، وغيرها، بعد ان عاد من افغانستان، وتعاون مع جريج ميلار، الصحافي مع جريدة "لوس أنجليس تايمز"، الذي حضر بعض جلسات التحقيق، نشرها في كتاب.
في نهاية الكتاب تحدث المحقق ماكي عن مناقشات دينية مع المعتقلين، خاصة عن العلاقة بين الاسلام والارهاب، وعن اتهامات كثير من المعتقلين للمحققين والمحققات الاميركيين بأنهم يكرهون الاسلام، ويريدون هزيمته.
قال ماكي: " نحن لا نكره الاسلام، ولا نحاربه.
هذه كذبة كبرى صدقها هؤلاء المعتقلون الاغبياء البؤساء. انا اقدر الاسلام واحترمه، لكن المعتقلين مجرمون ولا يمثلون الاسلام".
وقال انه كان يشعر بالعطف على بعض المعتقلين، عندما يراهم يصلون، عكس محققين آخرين، كان بعضهم يحمل كل معتقل مسؤولية هجوم 11 سبتمبر.
وقال: "ربما مشكلتنا الاساسية في افغانستان هي اننا فشلنا في فهم ثقافة العدو، وذلك لأني احسست بفشلي في اقناع المعتقلين باني لا اكره العرب والمسلمين. وهناك مشكلة اخرى وهي انى لم اعرف ذلك الا عندما بدأت الاستعداد للرحيل من افغانستان".
حتى خلال المناقشات مع المترجمين المسلمين، يبدو ان ماكي فشل في اقناعهم بحسن نيته ونيات الاميركيين. بالاضافة الى انه احس بان هؤلاء المترجمين يترددون في قول الحقيقة خوفا من ان يفصلوا من وظائفهم.
المترجمون المسلمون غضبوا، مثل المعتقلين، عندما رسم جنود اميركيون اعلاما اسرائيلية على جدران المعتقل.
ورغم ان الاوامر صدرت بمسح الرسوم، واعترف الذين رسموها بخطئهم، اضيف الحادث الى حوادث اخرى كثيرة اوضحت جهل الاميركيين بالاسلام والمسلمين. وممن استجوبهم ماكي سجين يدعى عبد الله الجيبوتي وكان بينهما حديث عن الاسلام وكذلك عن الارهاب. سأل السجين ماكي :
هل انت مسيحي؟
ماكي : نعم
السجين : انا كنت مسيحيا واعتنقت الاسلام
ماكي : بدل الحديث عن الدين، تحدث عن علاقتك بتنظيم القاعدة، واسامة بن لادن، والمدارس التي درست فيها في السودان، والاموال التي وجدناها معك
السجين : الله اهم من كل هذه الاشياء. لأنك مسيحي، انت في نصف الطريق الى الله، وانا اريد مساعدتك لاكمال الطريق. لماذا تؤمن بالتثليث بدلا من الله الواحد؟
ماكي : لماذا كنت تحمل ثلاثين الف دينار عماني عندما اعتقلناك؟
السجين : دينك يقول ان هناك اله، ثم اله ثان، ثم ثالث. هؤلاء مثل آلهة الاغريق والرومان
ماكي : لماذا كنت تريد عبور الحدود من افغانستان الى ايران وانت تحمل كل هذه الاموال؟
السجين : حتي الانجيل لا يقول ان المسيح هو، حقيقة، ابن الله.
ماكي : سوف اصبح مسلما اذا قلت لي من هم الثلاثة الذين كانوا معك عندما كنتم تريدون عبور الحدود الى ايران.
السجين : انت الآن مثل ابن عمي لانك مسيحي. اذا اصبحت مسلما سوف تكون مثل اخي.
ماكي "سوف اصبح مسلما اذا قلت لي الحقيقة: ماذا كنتم تخططون؟"
السجين : انا مستعد للثقة فيك، ولكن ما هو الضمان بأن اخوانك المسيحيين سوف يؤثرون عليك؟
ماكي : وظيفتي هي وقف القتل والارهاب وتحقيق السلام، وليس مهما بالنسبة لي ان اكون مسلما او مسيحيا لافعل ذلك.
السجين : اذا اصبحت مسلما يجب الا تغدر بمسلم آخر، اي يجب الا تستعمل المعلومات التي اقولها لك بما يؤذيني.
ماكي : انا لست ضد الاسلام، لكنكم لستم مسلمين حقيقيين. اذا كنت مسلما حقيقة، قل لى الحقيقة.
السجين : انت ذكي جدا.