المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حسّان حطّاب يروى قصة التمرد على «إمارة زوابري» وتأسيس «الجماعة السلفية»



مرتاح
03-16-2009, 03:02 PM
روى قصة التمرد على «إمارة زوابري» وتأسيس «الجماعة السلفية» على أنقاض «الجماعة المسلحة» ... حطّاب لـ«الحياة»: قُتل الليبيون لرفضهم مبايعة زيتوني ... ووفد بن لادن «نزل عندي» ولم أمسّه بسوء

الجزائر - كميل الطويل الحياة - 15/03/09//

يعرف كثيرون أن حسّان حطّاب كان أوّل أمراء المناطق المنشقين عن «الجماعة الإسلامية المسلحة»، أو «الجيا»، كما تُوصف في الجزائر. إذ «استقل» في العام 1996 بـ«المنطقة الثانية» (شرق العاصمة) عن إمارة عنتر زوابري (أبي طلحة) خليفة جمال زيتوني (أبي عبدالرحمن أمين) الذي قُتل في تموز (يوليو) من ذلك العام في مكمن نصبه له منشقون عنه. لكن قلّة يعرفون تفاصيل خروجه عن هذا التنظيم، وكيف أن حطّاب كان في الواقع قد انتهى من صوغ بيان الخروج على زيتوني ونال موافقة أمراء منطقته عليه، لكن البيان لم يُبصر النور لأن زيتوني كان قد قُتل في اليوم المحدد لإصداره.

بعدما عرضت حلقة أمس إلى انضمام حطّاب إلى «الجيا» في 1994 واندلاع خلافاته مع «زيتوني وحاشيته»، تتناول حلقة اليوم قصة الإنشقاق عن «الجماعة» وتصفية عناصر «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية الذين كانوا يقاتلون مع «الجهاديين» في الجزائر والنقاشات مع الوفد الذي أرسله زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن إلى جمال زيتوني، وتفاصيل إنشاء «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في العام 1998.

يُقر حسان حطّاب (أبو حمزة) بأن قرار الخروج عن قيادة «الجماعة الإسلامية المسلحة» لم يكن هيّناً. فأمراء «الجيا» آنذاك، بين 1995 و1996، كانوا ما زالوا في أوج قوتهم، وكانوا يتصرفون مع معارضيهم - أو حتى الذين يُشتمّ منهم أنهم ربما يفكّرون في أن يكونوا معارضين - ببطش ما بعده بطش. تعرّض كثير من الدعاة وطلبة العلم والأمراء والجنود لـ «محاكمات صورية» وأُرغموا على الاعتراف بذنوب ربما ما اقترفوها يوماً. وحملت نهاية العام 1995 أنباء مقلقة لكثيرين من مؤيدي «الجماعة» بعدما تبنّى أميرها جمال زيتوني قتل قياديين في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» ممن انضموا إليها في «وحدة» العام 1994 وعلى رأسهم الشيخ محمد السعيد (زعيم تيار «الجزأرة»). اتهمهم زيتوني بأنهم كانوا «يتآمرون» على «المنهج السلفي» الذي زعم أنه وحاشيته يمثّلونه في «الجماعة».

سألت حطّاب في الإقامة السرية التي التقينا فيها في ضواحي العاصمة الجزائرية، عن سبب تأخره في الخروج عن قيادة «الجماعة المسلحة» ما دام كان يعرف مُبكراً بأن زيتوني وحاشيته من الأعيان والأمراء «منحرفون» ويقومون بأعمال قتل لا يبررها الشرع (كما قال في الحلقة السابقة). فردّ: «دعني أقول لك لماذا انتظرت. كُنتُ أمير منطقة وليس أمير سرية. فلو كنت أميراً على سرية أو كتيبة مثلاً لأمكنني الخروج، ولكنت فعلاً من أوائل الخارجين.

لكن ما أردت أن أقوم به هو تصحيح مسار»الجيا» وليس الخروج عليها. فقد كنت أنصح زيتوني، ودخلت معه في جدال محتدم بسبب المخالفات الشرعية التي كان يرتكبها. كان يخشى أن أخرج عليه ما سيؤدي إلى «إنهيار الجماعة»، كما كان يقول. وهذا الشيء الذي كنت أحظى به (خوف زيتوني من خروجه عليه) سمح لي بأن أضغط عليه. وبصراحة، لولا تلك الضغوط التي مارستها عليه لكانت الانحرافات في «الجيا» أكبر بكثير من تلك التي ارتكبتها. كنتُ أقلل شرّهم ببقائي معهم. في البداية أعلنت قراري توقيف السمع والطاعة لزيتوني، لكنني وصلت إلى وقت وجدتُ فيه أنه لم يعد هناك من مبرر لبقائي معهم وأن لا بد لي أن آخذ موقفاً مهما كانت النتيجة».

ويوضح حطّاب كيف تم اتخاذ قرار الخروج: «كان عندي طالب علم يتمتع بمستوى جيد وأثق برأيه، فاستشرته في الأمر. وعلى رغم أنه لم يكن يخشى زيتوني، إلا أنه كان يعتقد بعدم جواز الخروج عليه من الناحية الشرعية. فقلت له إنني لم أعد أرى أملاً في زيتوني، وإنه إذا كانت هناك مفسدتان (في الخروج عليه) فلنأخذ أقلهما ضرراً. في البقاء معه مفسدة عظمى، لكن في الخروج عليه مفسدة أقل ضرراً من الأولى. المهم أن نخرج. لكنه لم يوافقني على ذلك. فلجأت إلى جمع أعيان المنطقة الثانية. كانوا جميعهم من رؤساء اللجان، فطرحت عليهم ما أعرف عن خبايا «الجيا». فقد كانت لديهم فكرة عمّا يحصل، لكنهم لم يكونوا على اطلاع تام على أسرارها. كنت أعرف بتلك الخبايا بما أنني من الأعيان وأحضر اللقاءات (التي تعقدها قيادة التنظيم)، كما كانت لديّ مصادري التي تأتي لي بالأخبار عما يحصل في الخفاء. وبعدما طرحت الصورة كما هي على أعيان المنطقة تكوّنت لديهم صورة أوضح من تلك التي كانوا كوّنوها من بعيد. فوافقوني جميعهم على الخروج على زيتوني، وصغنا بياناً في تموز (يوليو) 1996 وأعددناه للخروج، فإذا بنا نسمع في اللحظة ذاتها أن زيتوني قُتل. جاءني رُسل لإبلاغي بأنه قُتل.

لكنني كنت أعرف مكرهم وشرهم فقلت إن نبأ مقتله ربما يكون مكيدة، إذ ربما أشاعوا ذلك كي يتمكنوا من الوصول إليّ. ربما قالوا إن لا شيء يسمح لنا بالوصول إلى حسان سوى أن نقول له إن زيتوني قُتل فيأتي إلينا ساعياً إلى تولي الإمارة فنعتقله أو نقتله. كان زيتوني وحاشيته يعرفون أنني سأخرج عليهم، فقد أبلغت زيتوني فعلاً بأنني لن أبقى معه إذا واصل التصرفات التي يقوم بها. وهو، في الحقيقة، أرسل لي (القيادي) عبدالرزاق «البارا» (عماري صايفي) ليقنعني بأن أهدأ ولا أخرج على قيادته».

ويشرح حطّاب أن زيتوني حاول كسب «البارا» (أي المظلي) إلى صفّه بغية إضعافه وإيجاد شرخ بينهما: «كان زيتوني يخشى خروجي عليه. ولو التحق «البارا» بي وخرجنا عليه كلانا في المنطقة الثانية، فقد كان الأمر سيشكل له بمثابة الضربة القاضية. ففكروا (زيتوني وحاشيته) في أن يستميلوا عبدالرزاق «البارا» إليهم، حتى إذا خرج حسان حطاب على «الجيا» يكون ضعيفاً بدونه.

وفكّروا أيضاً في منحه صلاحيات على أساس أن يحصل صراع على السلطة بيننا (في المنطقة الثانية)، لكن علاقتي مع «البارا» كانت وطيدة، ولم يكن ليدخل معي في صراع. اجتمعت معه في بيت وسألني عن أسباب خلافاتي بين زيتوني. فقلت له: أنظر يا عبدالرزاق: حاشيته «بانديا»، أي»عصابة» بالعامية الجزائرية. فقد كانوا عصابة خطيرة فعلاً. قلت له إنني لا أثق بهم أصلاً، وأحذر كل الحذر من هؤلاء الأفراد، فلن يترددوا في محاولة توسيخك في جرائمهم، ولو قمت بذلك فستصبح ضعيفاً ولن تستطيع بالتالي أن تأخذ عليهم أي موقف. فإذا أخذت موقفاً وأنت متورط معهم فلن يؤيدك أحد. لذلك خذ حذرك. فرد عليّ: يا حسان، سأطلب تحويلي إلى الشرق (شرق البلاد). فقلت له: هؤلاء لا يحبونك يا عبدالرزاق، يريدون استغلالك ولن يدعوك تتحوّل إلى الشرق، وأحذر منهم كل الحذر».

ويكشف حطّاب أنه قال لزيتوني قبل انشقاقه عن «الجماعة»: «لو بقيت على هذه السياسة فسيقتلك جنودك. فقال لي: لماذا؟ قلت له: إقرأ التاريخ فتعرف أن القادة الذين تسير أنت على خطاهم يُقتلون دائماً على يد جنودهم. فالجنود سيرون إنك ما جئت إلا لتُحدث فساداً، وإنك دخيل عليهم والسبب في إفساد الجماعة، وبالتالي فإنهم يمكن أن يتجرّأوا عليك ويقتلوك ... وهذا ما حصل. لذلك عندما جاء الرسل ليبلغوني بمقتل أمير الجماعة سألتهم: أين قُتل تحديداً، حددوا لي المكان، إذ كنت متشككاً في أن الأمر خدعة. قلت لهم: من قتله؟

هل الجيش هو من قتله؟ فقالوا لي: الله أعلم، لا نعلم من قتله. فقلت لهم: تقولون لي إن زيتوني قُتل وهو في وسطكم ولا تعرفون من قتله! وزدت قائلاً لهم إنني على رغم بعدي بكليومترات كثيرة عن مكان مقتله، إلا أنني اعتقد انه قُتل من طرفكم (أي على يد أفراد في الجماعة نفسها). فالمنطقة وطريقة نصب المكمن تؤكد أنه قُتل من طرفكم. استأذنت الرسل وقلت لهم إن لدي بعض الناس أريد استشارتهم في الأمر.

فرجعت إلى الجماعة (أعيان المنطقة الثانية) وقلت لهم إن الرسل أبلغوني بمقتل زيتوني ولكنني بحكم معرفتي بالجماعة أخشى أن يكون ذلك خدعة، لاستدراجي إلى المجيء إليهم سعياً إلى تنصيبي أميراً للجماعة (خلفاً لزيتوني). لكنني أضفت أنه يُمكن أن يكون زيتوني قد قُتل حقيقة، وإذا كان ذلك حصل فعلاً فإنني أستطيع أن أقول لكم بما لا يدع مجالاً للشك إن عنتر (زوابري) أو (رضوان) ماكادرو سيُنصّب أميراً مهما كان موقف بقية الأمراء والأعيان. فلو ذهبنا إلى هناك (اجتماع قيادة الجماعة لاختيار خلف لزيتوني) فإننا سنقع في فخ لا محالة. استشرت الأعيان فقالوا لي إنهم يؤيدون أن نُصدر رسالة (إلى اجتماع أعيان الجماعة).

قلنا في الرسالة إننا لسنا ملزمين بأي شيء يصدر في غيابنا، فإذا ما عيّنتم أميراً فإننا لن نعترف به. طلبنا ثانياً ايضاح كيفية مقتل زيتوني لأنه قُتل في وسط الجماعة (منطقة نشاطها). وقلنا ثالثاً إنه ممنوع عليهم دخول المنطقة الثانية، بسبب مكرهم وخداعهم، وإنهم إذا أرسلوا لنا رسلاً فإن عدد أعضاء الوفد لا يجب أن يتجاوز ثلاثة. أعطيناهم الأمان بشرط أن لا يكونوا أكثر من ثلاثة رُسل. حمّلنا الرسالة إلى رُسل نقلوها إلى مؤيدي زيتوني. نقلوها فعلاً، لكن عنتر كان قد تأمر على الجماعة، وكان يعرف أنني أبغضه، إذ اصطدمت معه مراراً ومنعته من الإقامة في المنطقة الثانية. قلت لزيتوني إنه يجب إبعاد هذا الرجل عنه، لأن مجرد وجوده في مقر قيادة «الجماعة» سيشوّه صورتها، بل قلت له: والله، إن «الجيا» ستصير هجرة وتكفير (في ظل عنتر) وسيصير عندها غلو. فهو سفيه يتلفظ بألفاظ لا علاقة لها بالدين. وكان دائماً محيطاً بزيتوني ويرافقه».

ويقدّم حطّاب روايته لملابسات كثير من القضايا التي ارتبط اسم زيتوني بها قبل مقتله، ومنها قضية الخلافات مع الليبيين من عناصر «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الذين التحقوا بجبال الجزائر للمشاركة في ما اعتبروه «جهاداً» ضد الحكم، قبل ان يختفوا في «ظروف غامضة» ولم يظهر لكثير منهم أثر. ويوضح «أبو حمزة» قائلاً:

«جوهر الخلاف الذي حصل بين قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة والجماعة الليبية المقاتلة هو مسألة البيعة، فقد طلب زيتوني أمير الجماعة الإسلامية المسلحة البيعة من أفراد الجماعة الليبية المقاتلة والانضمام إلى الجماعة الإسلامية المسلحة، فكان موقفهم الرفض». ويتابع: «تمت تصفية عناصر الجماعة الليبية المقاتلة من طرف الجماعة الإسلامية المسلحة بإمارة زوابري بعد خروجنا منها (في 1996)، وتبرّأنا من أفعالها (آنذاك). حصلت التصفية في منطقة تابعة للجماعة الإسلامية المسلحة ولكن لم تحصل أي تصفية على مستوى منطقتنان أي المنطقة الثانية».

وينفي حطّاب أن يكون احتجز أعضاء الوفد الثلاثي الذي أرسله أسامة بن لادن إلى الجزائر للبحث في قضية الخلافات بين «الجماعة» و «المقاتلة» وفي سبل التنسيق بين «الجهاديين» في داخل الجزائر وخارجها. ويقول: «أعضاء وفد بن لادن، أي عطية عبدالرحمن، عبدالحكيم وعاصم، لم يكونوا محتجزين عندنا، بل كانوا مقيمين، وفرارهم إلى منطقة الأربعاء (حيث جماعة الشيخ مصطفى كرطالي المنشقة عن قيادة زيتوني) لا يُعد فراراً بل هو تنقل، وكنا على علم بذلك. ولو أردنا بهم سوءاً لفعلنا. والدليل على ذلك أن «عاصم» بقي عندنا حتى خرج إلى خارج الجزائر بمحض إرادته. وكان زيتوني يريد لقاءهم قبل مقتله، فرفضت وامتنعت خشية أن يؤذيهم. ومكوثهم عندنا كان حماية لهم من أي مكروه قد يصيبهم من طرف زيتوني وجماعته». ومثلما هو معروف الآن، صار عطية عبدالرحمن أحد القادة البارزين في تنظيم «القاعدة» وهو من أرسل الرسالة الشهيرة إلى «ابي مصعب الزرقاوي» في العراق في نهايات العام 2005 يحذّره فيها من أن قيادة القاعدة في وزيرستان (باكستان) ليست سعيدة بتصرفاته وتطلب منه أن يشاورها قبل أن يوسّع نشاطاته خارج العراق (إثر التفجيرات «الانتحارية» في فنادق عمّان).


تأسيس «الجماعة السلفية»

في أي حال، كرّس تولي زوابري الإمارة شرخاً خطيراً داخل «الجماعة المسلحة» وبدأت المجموعات المختلفة تنشق عنها واحدة تلو الأخرى. وليس واضحاً لحد الساعة إن كانت تلك الإنشقاقات ساهمت في أي شكل من الأشكال في «حشر» عنتر في زاوية رأى أن ليس في إمكانه الخروج منها سوى بالسير في اتجاه مزيد من الغلو الذي تُوّجه بإصدار بيان، في 1997، يُكفّر فيه عموم الشعب الجزائري، ويتبنى سلسلة من المذابح الرهيبة التي راح ضحيتها مئات المواطنين. لكن حطّاب يقول إنه لم يستغرب أن يفعل زوابري ذلك: «عندما بلغنا خبر مقتل زيتوني خلال تحضيرنا للخروج على إمارته وتعيين زوابري أميراً رفضنا ذلك لعلمنا بهذا الرجل (زوابري) والخط الذي انتهجه مع بطانته في ما بعد، وهو خط المجازر الجماعية، وقد تبرذأنا من ذلك في بيانات عدة».

كان حطاب آنذاك ما زال يعمل بصفته أميراً على «المنطقة الثانية» في «الجماعة المسلحة»، على رغم خروجه على زوابري. لكن مع حلول العام 1998 صار إسم «الجيا» مرادفاً لكل ما هو إجرامي في أعين شريحة واسعة من الجزائريين بعد سلسة المذابح الرهيبة التي شهدتها. وإزاء هذا الوضع، قرر حطّاب وقياديون آخرون منشقون عن عنتر أن الوقت قد حان لتأسيس جماعة مسلحة باسم جديد لا يرتبط في أذهان الجزائريين بـ «الجيا» وجرائمها. وهكذا تأسست «الجماعة السلفية للدعوة والقتال». واستطاعت في ظرف وجيز توسيع انتشارها من شرق العاصمة الجزائرية في اتجاه حدود البلاد شرقاً، في حين بقي مؤيدو إمارة زوابري ينشطون خصوصاً في ولايات الوسط جنوب العاصمة وغربها. أما بقية البلاد فقد انتشرت فيه إلى جانب «الجيا» جماعات أخرى منشقة أبرزها الجماعة التي أطلقت على نفسها إسم «حماة الدعوة السلفية».

سألت حطاب كيف تأسست «الجماعة السلفية» ولماذا؟ فأجاب: «أحببت أن أؤسس جماعة تكون مختلفة عن «الجيا» التي تشوهت سمعتها بسبب الجرائم التي ارتكبتها.

أحببت أن أنشيء جماعة أخرى وأغيّر حتى الأفكار التي كان بعض الأمراء في بعض الجهات يحملها عن الجماعة الإسلامية المسلحة. أردت تصحيح المسار بعد الأخطاء التي وقعت فيها «الجيا». فجمعنا الأمراء على مستوى المناطق المختلفة - لم يتمكن ممثلو الغرب من المجيء - وأنشأنا الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في الأول من محرّم 1420 (الموافق لـ 27 نيسان/أبريل 1999).

وكان بين الحاضرين ممثلون للمناطق السادسة والخامسة والثانية والتاسعة (الصحراوية)، واختير أبو مصعب عبدالمجيد (عبدالمجيد ديشو) أميراً للجماعة الجديدة التي أشارت في بيانها الأول («الجماعة رحمة») إلى أن الاتفاق على تغيير إسم «الجماعة الإسلامية المسلحة» إلى «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» كان لأن «الإسم الأول صار شعاراً لدعاة الهجرة والتكفير»، وأعلنت «البراءة إلى الله من المجازر التي قامت على قتل عموم الشعب بإمارة زوابري». لكن البيان أضاف إلى ذلك إعلان «البراءة إلى الله من الهدنة المزعومة التي أقامها «جيش الإنقاذ»، والتي هي في حقيقتها مقاتلة أهل الإسلام وموادعة أهل الأوثان».

كان ذلك مؤشراً إلى أن «الجماعة السلفية» تريد أن تميّز نفسها عن «الجيا» من خلال النأي بنفسها عن الهجمات التي تستهدف المواطن العادي، لكنها تتمسك بالقتال ضد الحكم الجزائري وترفض مسعى بعض الجماعات إلى مهادنته. كان المقصود بذلك تحديداً «جيش الإنقاذ» الذي قرر منذ صيف 1997 الدخول في هدنة قبل التخلي كلياً عن «العمل المسلح» والنزول من الجبل في نهاية 1999. كان أمير «جيش الإنقاذ» مدني مزراق هو أول المبادرين إلى هذه الخطوة، وأقنع بها عدداً من القادة الإسلاميين الذين انشقوا عن «الجماعة المسلحة» في عهد زيتوني وخليفته زوابري لكنهم آثروا عدم الإنضمام إلى حطاب و «جماعته السلفية».

سالت حطّاب لماذا لم تقرر وقف القتال في تلك الفترة؟ فرد بسرعة: «لأن ذلك كان مستحيلاً. أمراء الجماعة السلفية لم يكونوا كلهم من المنطقة الثانية. كانت لدى الأمراء في المنطقة الثانية عقلية تختلف عن عقلية أمراء المناطق الأخرى. كان لدينا برنامج، وعندنا إمارة ولجان، وكل لجنة لديها أعضاء يملكون وسائل إعلام.

كانت اللجان في منطقتنا منظمة. لكن لجان المناطق الأخرى كان وضعها مختلفاً. واستطيع أن اقول إن بعض اللجان في مناطق أخرى لم يكن لديها حتى هاتف تتصل منه، ولا حتى جهاز «توكي ووكي». كان وضع بعض المناطق في حال يرثى لها. وبعد التأسيس تركنا الحرية للأمراء في اقتراح القادة في الجماعة السلفية للدعوة والقتال، فاقترحوا الأشخاص أنفسهم الذين كانوا مسؤولين في الجماعة الإسلامية المسلحة. كان ذلك بمحض ارادتهم. لكننا بدأنا نغيّر في أفكار كثيرة كانت من رواسب الجماعة الإسلامية المسلحة، فبدأ يقع احتدام بيننا وبين بعض الأمراء في الجماعة الجديدة. كان هناك من خرج على الجماعة الإسلامية المسلحة ولكنه يرفض تغيير بعض الأمور التي كان مقتنعاً بها.

فكيف تأتي إليه في ذلك الظرف وتحدثه عن المصالحة؟ كان من المستحيل اقناعهم بذلك. بعض الأمراء كان ما زال يعتقد انه يجب قتل نساء الدرك والشرطة، على رغم خروجه على «الجيا». كان يرى أن عليه قتل عناصر الدفاع الذاتي، ويعتقد بضرورة قتل الأجانب. كانت هناك أفكار عديدة ما زالوا مقتنعين بها، على رغم خروجهم عن الجماعة. ولكن على رغم ذلك استطعنا أن نفرض عليهم أموراً لم يكونوا راضين عنها. كان بينهم من دخل تحت إمارتنا على مضض. لكننا واصلنا عملية التغيير. وهذه العملية تتطلب وقتاً. غيّرنا أموراً كثيرة. لم يكن بالبساطة والسهولة إقناع بعض أمراء المناطق بها. لكن أن تطرح عليه هدنة أو مصالحة، فهذا لم يكن بالأمر الممكن. كان مستحيلاً طرح مثل هذه الأمور آنذاك».

ويؤكد حطاب أن مدني مزراق لم يشمله آنذاك بالاتصالات التي كان يجريها من أجل إقناع أكبر عدد من المسلحين بالقاء السلاح والنـــــزول من الجبل، إذ يقول: «لم يتـــــــصل (مزراق) أبداً. أنا من أرسل له رسولاً كي نوقف القتال. أمرت الأفراد الذين انضموا (إلى «الجماعة السلفية») من منطقة جيجل وكانوا تابعين للجيا، بوقف القتال ضد جيش الإنقاذ. هؤلاء العناصر لم يكونوا تابعين لنا في البداية. وكانت أول خطوة أخذناها (بعد انضمامهم) أننا أمرناهم بوقف القتال، على رغم أنهم كانوا مقتنعين بذلك وكانوا في صدامات مع جيش الإنقاذ. أوقفناهم عن القتال وهم التزموا بذلك حقيقة».


عضو مجلس الشورى ومسؤول اللجنة الطبية ... «أبو زكريا» لـ«الحياة»: صعدت إلى الجبل عن جهل وعاطفة ... ونزلت عن علم

يقدّم «أبو زكريا»، رئيس اللجنة الطبية في «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» سابقاً، صورة مرعبة للأوضاع في جبال الجزائر حيث يخاف المسلحون من بعضهم بعضاً ويُحاكمون أحياناً بتهمة الجهر بتفكيرهم في التخلي عن العمل المسلح والنزول من الجبل.

«أبو زكريا»، وهو عضو في مجلس شورى «الجماعة السلفية» وأحد «أعيانها» (في الخمسينات من عمره)، نزل من الجبل في 2004 واستفاد من قانون المصالحة، لكنه قبل أن يفعل ذلك كاد أن يُقتل عندما حاول جندي في الجماعة نزع سلاحه وأطلق عليه الرصاص عندما رفض فعل ذلك.
يقول «أبو زكريا»: «في إحدى المرات قال لي (مسؤول اللجنة الشرعية، أو المفتي، في «الجماعة السلفية») أبو البراء أحمد، رحمه الله، يا أبو زكريا صار لازم «تعتزل» (توقف القتال)، فأنت معروف (بما قمت به). «بركات» (تعبير جزائري معناه «يكفي» ما حصل حتى الآن). قلت له إنه ليست هناك مشكلة في ذلك ويمكن أن نعتزل. ثم حدث أنني تكلّمت مع صهيب أمير «كتيبة الجماعة» وقلت له إنني أستطيع أن التحق بكندا وأذهب من هنا. فنظر إليّ وقال: ماذا تقول؟

أنت عين من أعيان الجماعة. فقلت له: نعم، قريبي مسؤول في حزب التجمع الوطني الديموقراطي في بسكرة، واستطيع (بمساعدته) أن أرحل من هنا وأسافر إلى كندا. فذهب صهيب إلى «أبي البراء» وقال له إن الأخ أبو زكريا يقول كذا وكذا وكذا. فاستدعوني إلى حلقة (جلسة) مع الأخ رشيد حلوية والأخ أبو البراء. تحدث الشيخ أبو البراء وقدّم الملف ضدي قائلاً إنه بلغنا أنك قلت كذا وكذا وكذا. فقلت له يا أبو البراء هل هذه محاكمة فعلاً؟.

فقال لي إنها محاكمة. فقلت له: «ويش تهدر» (ماذا تقول)؟ أنت تطلب مني أن اعتزل ونحن في مخبأ ثم تحاكمني على قولي أمام الملأ ما قلناه في السر في شأن استطاعتي الذهاب إلى كندا. فطلبت منه رفع الجلسة وبسرعة. كان، رحمه ربي، يخاف خوفاً شديداً، وأنا أتحسر أن أجد نفسي أعلّق على كلام طلبة العلم. العلم هو الذي يدفع بصاحبه إلى اتخاذ مواقف جريئة وشجاعة، وأنا كنت جاهلاً. إذا سألتني ماذا دفعك إلى الصعود إلى الجبل فاقول لك الجهل والعاطفة. ولماذا نزلت؟ أقول: العلم.

قال «أبو مصعب» (عبدالمجيد ديشو، الأمير السابق لـ «الجماعة السلفية»)، رحمه الله، في مرة من المرات: لا يجوز لك شرعاً يا أبو زكريا أن تجلس هكذا في الجبل من دون طلب العلم (شرعي)، فأطلب العلم. اعتكفت فعلاً على طلب العلم، وبدأت في حفظ القرآن الكريم والحديث وأصول الفقه، ورأيت من خلال اطلاعي على العلم الشرعي انه لا يجوز لنا ما كنا نفعل. لا يجوز شرعاً، حتى ولو كان الحاكم كافراً. كانت هناك قناعات علمية. رسّخوها لنا في الجبل ونحن جهلة، فلما أمكننا الله عز وجل من القليل من العلم اكتشفنا أننا كنا على خطأ في ما نفعل. ماذا نفعل؟ نفتح الأبواب أمام أميركا والغرب كي تتدخل في بلداننا. تفتح الباب لأناس يغيّرون المنكر بمنكر أعظم. جئنا لنجبر الدولة على تحكيم الكتاب والسنّة فإلى ماذا وصلنا؟ وصلنا إلى عدم تحكيم الكتاب والسنة وقتل آلاف الجزائريين وإهدار أموال المسلمين وفتح ثغرة وابواب لعدو خارجي كي يتدخل في بلادنا.

فكان موقفي هو أخذ موقف جريء من أجل المصالحة. والحمد لله تلاقيت مع أمير الجماعة وكنا في رأي واحد وقلنا إنه ما دام أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فتح الباب أمام المصالحة فجاءتنا أبواب الرحمة ونحن يمكننا أن نعيش بهناء وكرامة مع أهلنا فلماذا نبقى في هذه البوتقة البؤرة التي لا تؤدي الى مصلحة. فأخذنا الموقف الذي أخذناه. وأدى إلى هذا (الجرح البليغ في يده). والأخ أبو حمزة أنا تلمست منه النية للمصالحة ووقف القتال منذ العام 2000. جلست معه في جلسة لوحدي وقلت له: يا حسان من باب المصلحة فقط من دون أن نتطرق الى الأمور الشرعية الأخرى: هل بإمكاننا أن نفتح مدينة دلس (شرق العاصمة) في الليل؟ فقال لي: نعم، يمكننا فتحها. قلت له: هل بإمكاننا المكوث فيها في النهار؟ قال لي: لا. فقلت له: أين هي حماية بيضة المسلمين، أي هي قوتنا، إذا كنا نفتح المدينة في الليل ونفر منها مع طلوع الفجر. قال لي حسان: كلامك صحيح وواقعي. حصل هذا الحديث في العام 2000 تقريباً. ولكن مع من تقول هذا الكلام؟ مع الضباط الشرعي الذي يقول لك في السر «اعتزل بركات»، ولكن في الحلقة الرسمية (المحاكمة) يقول لي غير ذلك. يخاف أن يقول علناً ما يهمس به في السر».

ويرى «أبو زكريا» أن «القناعة الشرعية (بوقف القتال والانضمام الى المصالحة) هي في حدود 90 في المئة تقريباً في المسلحين في الجبل الآن. ولكن يبقى عامل الثقة بين الدولة وهؤلاء. لو التمسوا الثقة من الدولة فلن يبقى واحد منهم في الجبل. خلال سنتين لن يبقى مسلح واحد في الجبل. هناك عامل الخوف فقط (الذي يمنعهم من النزول) ولكن الناس مقتنعة من الناحية الشرعية».

سألت «أبو زكريا» كيف حصلت الإصابة البالغة في يده، فرد: «كانت محاولة تصفية. كانت محاولة اغتيال ولم تنجح». ومن حاول اغتيالك؟ رد: «الأمر يشبه أن وزيراً يسير في الطريق فيأتي إليه شرطي ويوقفه أو يقتله! هذا ما حصل. هناك عين من أعيان الجماعة وعضو المجلس الشوري ورئيس الهيئة الطبية (أي هو) يسير مع جندي تابع له، فيأتي جندي آخر ويقول للوزير: ألق سلاحك، وإلا قتلتك. فقلت له: لن ألقي سلاحي حتى ولو قتلتني، وبدأت أردد لا إله إلا الله محمد رسول الله. فأطلق النار عليّ. كان هذا الجندي مأموراً بذلك، بلا شك».

وهل تقصد أن أبا مصعب عبدالودود، أمير الفرع المغاربي لـ «القاعدة» («الجماعة السلفية» سابقاً) هو من أرسله لقتلك بسبب ترويجك لمسعى المصالحة بين جنوده؟ رد: "هو صاحب الأمر في النهاية، لكنني لا أعرف إذا كان هو من أمر بذلك حقاً".

مرتاح
03-17-2009, 04:32 PM
انتقد انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة» وهاجم أسلوب «العمليات الانتحارية» و»سب العلماء» وقتل الأجانب (الحلقة الأخيرة)... حطّاب لـ «الحياة»: لا رجعة إلى القتال في الجزائر ... ونزلت من الجبل لأكون قدوة للمسلحين



الجزائر – كميل الطويل الحياة - 17/03/09//

نزل حسان حطاب (أبو حمزة) من الجبل وسلّم نفسه إلى السلطات الجزائرية في أيلول (سبتمبر) 2007. ليس موضوعاً في معتقل. فهو ينزل في إقامة سرية قرب العاصمة الجزائرية تحرسها أجهزة الأمن. وليس واضحاً حتى الآن ما إذا كان سيُحال على القضاء لمحاكمته، أم أن وضعه سيُسوّى في إطار إجراءات المصالحة الوطنية. فهو على ما يبدو ما نزل من الجبل لولا أمله في أن يستفيد من العفو الذي تعد السلطات به المسلحين الذين يُلقون السلاح، باستثناء قلة منهم ممن تورطت في جرائم إرهابية خطيرة.

وبعض النظر عن استفادته أو عدم استفادته من العفو، فإن الواضح أن حطّاب مقتنع اقتناعاً لا يساوره شك بأن مصلحة الجزائر والجزائريين تكمن في القاء السلاح والاندماج مجدداً في إطار الدولة. تشعر بذلك من حماسته للمصالحة، ودعواته المتكررة للمسلحين للنزول من الجبل، اليوم قبل الغد. «لم يعد هناك مبرر شرعي لبقائهم في الجبل»، كما يؤكد مؤسس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» التي صارت الآن «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي».

يعرف حطّاب، كما يقول، أن دعواته هذه تلقى آذاناً صاغية لدى المسلحين الذين ينتظرون فرصة لإلقاء السلاح وتسليم أنفسهم، كما فعل هو وغيره كثيرون من قادة «الجماعة السلفية» – «القاعدة». في الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت السلطات الجزائرية نزول قياديين كبار من «القاعدة» على رأسهم «أمين أبو تميم» المعروف بـ «أمير كتيبة الأنصار» الذي سلّم نفسه في أواخر الشهر قبل الماضي. ويُنسب نزول «أبو تميم» إلى اقتناعه بدعوات حطاب، رفيقه منذ أيام «الجماعة السلفية»، وإن كانت «القاعدة» قالت إنه كان في مهمة عندما اعتُقل.

الشهور المقبلة ستكشف بما لا يدع مجالاً للشك إن كان حطّاب سينجح فعلاً، كما يأمل هو (والحكومة)، في إقناع مسلحي «القاعدة» بوقف القتال والنزول من الجبل. لكن المهمة التي ندب نفسه لها لن تكون هيّنة بالتأكيد، علماً أنه لم يحقق سوى نجاح محدود عندما كان ما زال في الجبل وقريباً من مراكز المسلحين شرق العاصمة.

في هذه الحلقة الأخيرة من المقابلات مع قادة «الجماعة السلفية»، يتحدث حطّاب عن محاولاته التواصل مع المسلحين في الجبل لإقناعهم بالنزول، والصعوبات التي يواجهها في هذه المهمة. ينتقد المنحى الذي سار فيه رفيقه السابق في «الجماعة السلفية» عبدالمالك درودكال (أبو مصعب عبدالودود) بعدما حوّل الجماعة الجزائرية إلى الفرع المغاربي لـ «القاعدة». يشعر حطّاب وكأن السياسة التي تسير فيها «القاعدة» في الجزائر حالياً ليست سياسة درودكال الذي كان يعرفه، ويذهب إلى حد تشبيهه بجمال زيتوني الذي كان أميراً على «الجماعة الإسلامية المسلحة» في منتصف تسعينات القرن الماضي لكن منحى الغلو الذي سار فيه كان نتيجة عدد من المتشددين المحيطين به وعلى رأسهم عنتر زوابري.

< تغيّرت «الجماعة السلفية» كثيراً منذ تنحى مؤسسها حسان حطاب عن إمارتها في العام 2003. لم تعد هي ذاتها منذ انضوت تحت لواء تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن في أيلول (سبتمبر) 2006 وصارت «فرع القاعدة المغاربي» بدءاً من كانون الثاني (يناير) 2007.

وعلى رغم تغيّر»السلفية» إلى «القاعدة»، ما زال حطاب واثقاً بأن لديه احتراماً واسعاً في أوساط مسلحي هذا التنظيم يسمح له بإقناع غالبيتهم، إن لم يكن جميعهم، بالقاء السلاح والنزول من الجبل والإنخراط في سياسة المصالحة.

بدأت «الجماعة السلفية» تتغير مباشرة بعد عجز حطّاب عن إقناع «مفتيها» أبو البراء أحمد (أحمد زراريب) بإعلان تأييده لمسعى المصالحة مع حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، على رغم اقتناعه، كما يقول «أبو حمزة»، بصحة هذا المسعى. وتعقّدت الأمور أكثر مع تولي نبيل صحراوي (أبو إبراهيم مصطفى) الإمارة خلفاً لحطاب الذي تنحى في آب (أغسطس) 2003. إذ لم يكد يمر شهر واحد على انتقال الإمارة إلى صحراوي، مهندس الدولة في الطّاقة الحرارية والأمير السابق للمنطقة الخامسة (باتنة)، حتى أصدر هذا بياناً في 11 أيلول (سبتمبر) 2003، بمناسبة ذكرى هجمات 11 سبتمبر 2001 في أميركا، أعلن فيه تأييده لأسامة بن لادن في حربه ضد الأميركيين. وشكّل بيان صحراوي نكسة لحطّاب الذي كان قد أصدر مباشرة بعد «غزوة واشنطن ونيويورك»، بحسب تسمية «القاعدة» لما قامت به في سبتمبر 2001، بياناً استنكر فيه إسراع الأميركيين إلى تحميل إسلاميين عملاً من هذا النوع، في نفي غير مباشر لإمكان ضلوع «القاعدة» في تلك الهجمات (علماً أن بن لادن كان آنذاك لم يعلن بعد مسؤوليته عن «الغزوة»).

ويقول حطّاب لـ «الحياة» شارحاً ملابسات بيانه وبيان صحراوي الناقض له: «لم أكن مرحّباً بهذه الهجمات (ضد الولايات المتحدة) ولم أكن من مشجعيها، إلا أنني كنت أدرك مآلها، وكنت متيقناً من أن القاعدة هي التي تقف وراء العملية، لكن قراءتنا لما سيحدث بعد الهجمة هو الذي جعلنا نخطّئ أميركا في اتهاماتها للإسلاميين خشية ما يلحق من ضرر على دولة طالبان خصوصاً وعلى المسلمين عموماً». ويضيف: «انتقد بعض الأوساط في الجماعة السلفية موقفنا لأنهم لم يدركوا ما قصدناه في البيان، وهؤلاء طبعاً من المؤيدين للهجمات والمرحبين بالإنضمام إلى القاعدة».

في أي حال، لم تدم إمارة صحراوي طويلاً. فقد قتلته قوات الأمن في حزيران (يونيو) 2004 مع عدد من عناصر تنظيمه في أثناء عملية تمشيط قرب بلدة القصر بولاية بجاية على بعد 250 كيلومترا شرق الجزائر العاصمة. وانتقلت الإمارة مباشرة بعد مقتل صحراوي إلى القيادي القريب منه أبو مصعب عبدالودود (عبدالمالك درودكال). وتبيّن أن صحراوي كان أوصى بأنه إذا قُتل أو حصل له مكروه فإنه يطلب تعيين درودكال أميراً محله، وهو ما كان.

واصل الأمير الجديد لـ «الجماعة السلفية» سياسة سلفه في التقرب من «القاعدة» وفتح قنوات اتصال مباشرة مع هذا التنظيم وأرسل رسائل إلى قيادات «القاعدة» على الحدود الأفغانية – الباكستانية يعرض فيها الإنضمام إلى تنظيم أسامة بن لادن.

وجاء عرض الانضمام بعد شهور من النقاشات بين درودكال وقادة تنظيمه في شأن جدوى الإنضمام إلى «القاعدة». فقد كانت «الجماعة السلفية» بحاجة إلى إثبات أنها ما زالت موجودة وقادرة على القيام بعمليات، بعد النزف الذي أصاب صفوفها بنزول كثير من قادتها السابقين ومقاتليها للإستفادة من إجراءات العفو التي يتضمنها قانون المصالحة. وفي ظل تراجع التأييد في شكل كبير لأي عمل مسلح داخل الجزائر، مثلما عبّرت عن ذلك استحقاقات عدة في البلاد (مثل الاستفتاء الشعبي على قانون السلم والمصالحة الذي حظي بتأييد واسع)، كان على «الجماعة السلفية» أن تسير في «مشروع جهادي» يمكن أن يجذب إليها تأييداً.

لم تتردد «القاعدة» في قبول عرض «السلفية» الجزائرية، ربما على أمل أن تنجح من خلالها – وتحديداً من خلال «الخلايا المغاربية» المفترض أنها تملكها في الدول الأوروبية – في القيام بتفجيرات ضد أهداف غربية، على نسق تفجيرات مدريد في 11 آذار (مارس) 2004. وكان نجاح «السلفية» في تنفيذ عملية من هذا النوع سيقدّمه تنظيم بن لادن على أنه «نصر جديد ضد الغرب الصليبي». وهكذا سارع الدكتور أيمن الظواهري إلى إعلان انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة» في أيلول (سبتمبر) 2006، وهو تحالف تكرّس بتغيير التنظيم الجزائري اسمه إلى «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» في كانون الثاني (يناير) 2007 وتغيير نمط عملياته ليشابه «القاعدة» لناحية استخدام «انتحاريين» يفجّرون أنفسهم بسيارات مفخخة (أو أحزمة ناسفة) ضد أهداف محلية وأجنبية.

وينتقد حطاب في شدة تصرفات «الجماعة السلفية» منذ انضمامها إلى «القاعدة»، ويقول إنها انحرفت عن مسار الجماعة التي خرجت في الأصل عن «الجماعة الإسلامية المسلحة» بسبب غلوّها وتطرفها وعمليات القتل العشوائي التي تقوم بها. ويوضح حطاب: «قلنا لهم (أي للمسلحين) وما زلنا نقول: انزلوا من الجبل.

كنت أقول ذلك وأندد بأعمالهم وأنا في الجبل. كان هذا رأيي قبل أن آتي إلى النظام (لأسلّم نفسي في 2007). لقد نددت بمثل هذه الأعمال حتى في عهد (جمال) زيتوني. نددت بجرائمه. كنت أعرف من هو مقترف تلك الأمور (التي نُسبت أحياناً إلى الأجهزة الجزائرية)، وهذه شهادة لله. فعلى رغم أنني كنت في صراع مع النظام، إلا أنني أقدم شهادة لله ولا استطيع سوى أن أكون منصفاً فيها. حتى مع الخصم يجب أن تكون منصفاً ولا تُلبسه أموراً وتفبركها له على رغم معرفتك بهوية مقترفها الحقيقي.

لهذا، نددت مراراً وتكراراً بالعمليات التي تقوم بها الآن جماعة درودكال («السلفية» سابقاً و»القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» حالياً). نددت بها وأنا ما زلت في الجبل. أصدرت بيانات بهذا الخصوص كان يعرف بها العام والخاص. وقلت منذ 2005، ولم أكن قد نزلت بعد من الجبل، إنني أنصح الناس بالنزول، على رغم الإجحاف في حقهم (عدم تطبيق إجراءات قانون العفو في حق بعضهم). لقد قررت تطليق القتال عن اقتناع، ولا رجعة في ذلك. كان وقف القتال قناعة راسخة لدي. أردت النظام أن يأخذ الأمر بجدية أكبر. وعلى رغم انه كانت لدي بعض التحفظات، إلا أنها لم تدفعني إلى استغلال الأمر لأعود إلى القتال.

وكان الناس لو سألوني في الجبل هل ننزل أو نبقى ، كنت أقول لهم إنزلوا خير لكم من البقاء هنا. وبعد فترة وجدت أن بقائي في الجبل لا فائدة منه، وربما يكون ذريعة لبعض الناس كي تبقى في الجبل. لم أكن أقاتل ولا أريد أن أقاتل. فرأيت أن الأفضل هو أن أنزل وأكون قدوة للناس. على الأقل يمكن أن تقتدي بي الناس وتنزل من الجبل. فحتى لو أُهرق جزء من حقي إلا أن ذلك لا يهمني. بلدي أولى. عدم النزول من الجبل ربما يكون له أثر سلبي على الوطن وتبقى الأمور متدهورة».

ويجادل حطاب بأنه لم يعد هناك أي مبرر الآن للمسلحين للبقاء في الجبال أو للعناصر الجديدة الراغبة في اللحاق بهم. ويقول: «ليس هناك في الحقيقة أي مبرر الآن كي تصعد الناس إلى الجبل. ليس هناك مبرر شرعي ولا واقعي.

في أيامنا ربما كانت هناك مبررات نتيجة أخطاء في تصرفات قوات الأمن. ولكن بصراحة أرى أن قوات الأمن اكتسبت الآن خبرة لم تكن تتمتع بها في السابق، ولا أقول ذلك مجاملة (لضباط الأمن الذين يحرسون إقامته). فأحد الأشياء التي دفعتني إلى تغيير قناعتي كان تغيير طريقة تصرف النظام. النظام غيّر سياسته، وهذا الأمر بات ملموساً. فأنا كنت في الجبل ونزلت إلى النظام (الذي لم يمس بي). رأيت خطابات الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ورأيت جديته وصدقه وثقته، فأعطاني ذلك نوعاً من الأمل. بصراحة، لم يكن هناك في السابق هذا النوع من الخطابات، ولم يكن هناك هذا النوع من المعاملة (الحسنة)».

ويقول حطاب إن انضمام «الجماعة السلفية» إلى «القاعدة»، في 2007، كان «انضماماً شكلياً. عُرض هذا الانضمام على «الجماعة الإسلامية المسلحة» في عهد (جمال) زيتوني لكننا رفضناه. قُدّم طلب بهذا المعنى من وفد أرسله (الدكتور أيمن) الظواهري عام 1995. رفضه جمال زيتوني، وكنت حاضراً تلك الجلسة بينه وبين الوفد (الذي أرسله الظواهري).

وأشهد شهادة للتاريخ أن «الجماعة الإسلامية المسلحة» في عهد زيتوني كانت ترفض الانضمام إلى أي جماعة خارجية مهما كانت، وهذا الموقف أعلنه «أمير الجماعة الإسلامية المسلحة» زيتوني، وهو موقف يعبّر عن موقف الجماعة الاسلامية المسلحة ككل». ويضيف أن بعض عناصر «الجماعة السلفية» راسلوه خلال إمارته على هذا التنظيم «ليطلبوا الانضمام إلى «القاعدة» لكننا لم نسر في ذلك ولم يستطيعوا تجسيد هذه الفكرة في عهدي. كنا نفرض عليهم أفكاراً معينة (تختلف عن الأسلوب الذي تعتمده قيادة «القاعدة» في الجزائر حالياً). هذه الأعمال الانتحارية التي تحصل حالياً وحتى سبّ العلماء وشتمهم وعمليات الخطف التي يقومون بها وقتل الأجانب، هذه الأمور لم يكونوا قادرين على تجسيدها في عهدي.

كانوا يقومون ببعض المشاكل، لكنها كانت تُخمد بسرعة ولم يمكنهم إظهارها إلى العلن. بعد انسحابنا (في 2003) حصل ذلك على عهد درودكال. صاروا يشتمون العلماء كي لا يستمع لهم الجنود. في عهدنا كان الجنود مربوطين بالعلماء أكثر من ارتباطهم بي، وهو أمر دفع بأمراء المناطق إلى انتقادي عليه. قال بعضهم: لماذا تربطون جنود المنطقة الثانية بالعلماء؟ فقلت لهم: ما هو مستواي (الشرعي) كي أربطهم بي؟ مستواي محدود، بينما هم علماء. لذلك تراهم الآن (القاعدة في الجزائر) يشتمون العلماء ويسبونهم، لأن الجندي يصير ينظر إلى العلماء مباشرة على انهم بطانة السوء ومن عملاء الحكام أو من العلماء الجبناء ممن لا يقولون كلمة حق. يصير لدى الجندي صورة مشوهة عن العلماء ولا يعود يأخذ بما يقولونه».

سألت حطاب عن مدى معرفته بدرودكال (أبي مصعب عبدالودود)، فأجاب: «أعرفه منذ أن كان جندياً عادياً. كنت أميراً على المنطقة الثانية وكان هو جندياً في ورشة تصنيع الأسلحة والمتفجرات. هو إنسان عادي. صدقني، إذا التقيته لا تظن أن هذا الرجل هو من يقود هذه الجماعة أو من يتنبى هذه الأعمال. بصراحة هذه ليست معتقداته. المحيطون به هم من يديره. فهو صورة طبق الأصل عن زيتوني في ما مضى. زيتوني كان المحيطون به هم من ورّطه في ما قام به. ولو رأيت زيتوني لعرفت أنه ليس هو من يقود بل المحيطون به، على رغم تبنيه لأعمالهم وهو غير مقتنع بها اصلاً.

أما درودكال فقد كان جندياً عاقلاً، ولكن كيف أصبح أميراً وهو لا يستطيع حتى تسيير سرية؟ حقاً، إمارة سرية لا يستطيع تسييرها. فأنا من أمّره أمير جند على كتيبة خلال إمارتي وأنا من عزله. أعرف قدرته في التسيير. وجدت أن الأمر صعب عليه أن يسيّر كتيبة (القدس). لذلك عزلته. وبعد تأسيس الجماعة السلفية للدعوة والقتال جئت به لعندي، لكن قدراته كانت محدودة. وبعد مقتل أبو ابراهيم مصطفى (نبيل صحراوي) تولى هو الإمارة فقد كان هو رئيس مجلس الأعيان وأوصى به صحراوي أميراً للجماعة. لكن هناك من يسيّره حالياً، فالتصرفات التي يقوم بها تنظيمه لا أعتقد أنه شخصياً يمكن أن يكون مقتنعاً بها».

سألت حطاب عن جدوى انسحابه من قيادة «الجماعة السلفية» فقد كان يمكنه أن ينفّذ سياساته بطريقة أسهل وهو على رأس الجماعة، فرد: «لقد رأيت انه لو استقلت من الجماعة يكون الأمر أفضل. أكون حراً في تحركي. كنت أعرف انني استطيع أن أنشئ جماعة مجدداً. فوسائل الاتصال المتاحة تغيّرت. قمت بجس النبض ووجدت غالبية الجند عندها قابلية للنزول من الجبل. فقررت أن أكون منعزلاً حيث سأتمكن من أن أعمل بحرية مطلقة واكتسح الميدان. رأيت هذا الأمر بسيطاً بحكم تجربتي السابقة (في جمع الجماعات المنشقة عن «الجيا» في تنظيم جديد هو «الجماعة السلفية»).

لذلك كثّفت اتصالاتي ووزعت رقماً للاتصال بي وتكثّفت الاتصالات بي من الجنود. بدأت أتواصل بالجنود والأعيان وأشرح لهم موقفي وأتناقش معهم. هذا الأسلوب الذي استخدمته في الخروج عن الجيا ونجحت في ذلك. حتى الناس الذين كانوا في الجيا في الماضي وكانوا يكنون لي عداء كبيراً، صاروا يأتوني بعدما انتهت الأزمة وقلت لهم إن (الخلافات معهم) من الماضي ولا أريد أن اضرهم».

ولكن كيف يمكن أن تصدقكم الناس في أنكم مقتنعون بالمصالحة وأنتم من كان يصدر حتى سنوات قليلة مضت بيانات تستنكر الهندنة والمصالحة وتحذّر حتى من يفكّر في الانضمام اليها؟

أجاب حطاب: «أقول لك الصراحة: أنا حتى قبل 1999 كنت مقتنعاً بأنه يجب أن أخاطب النظام بالمثل. فالنظام كان نظاماً قاسياً، لذلك كنا نتعامل معه بالقسوة نفسها. ولكن عندما تغيّر النظام كان أمراً إيجابياً كبيراً. لذلك فنحن أيضاً تغيّرنا.

وغيّرنا أسلوبنا. عندما صرنا نرى ان النظام يتصرف بطريقة ايجابية ويطرح موضوع المصالحة كان علينا ان نتعامل بايجابية معها ايضاً. لم يكن معقولاً أن نواصل القتال عندما يمد النظام يده للمصالحة. رأينا ان النظام صار واعياً وفي المستوى. لذلك رأينا ان علينا ان نغيّر في اسلوبنا أيضاً. صرنا حتى ننتقي العبارات التي نستخدمها مع النظام. كان هناك بعض الأشخاص (في جماعته) يشوشون عليّ بسبب التعابير التي استخدمها. أخذوا عليّ كيف استخدم عبارة النظام بدل استخدام عبارة الطاغوت.

لكننا غيّرنا هذا الأمر البسيط (وتسبب الأمر بمشكلة). لكن الأكيد بالنسبة لنا أن النظام كان يتغيّر أيضاً. ليس مجاملة بل حقيقة. رأيناهم مقتنعين بالتغيير ورأينا ذلك مجسداً على الأرض. كنا نعمل على مراقبة تصرفات النظام. وندرس الكلمات التي يستخدمها رئيس الجمهورية. كانت كلها أمور ايجابية».