سمير
03-15-2009, 09:19 AM
في حوار صريح مع «النهار» انتهى بمعادلة «الاقتصاد يقود السياسة»
عبد اللطيف الأشمر
annahar@annaharkw.com
الحوار مع د. يوسف الزلزلة انتقل بانسيابية من الشأن الاقتصادي الذي ركز على ما انتهت اليه الأزمة بمجرد «مشروع قانون انقاذي» مازال خاضعا للتعديل والتأخير ليس فقط لانه لا يحل المشكلة الاقتصادية
فقط بل لان السياسة طغت على الحراك الاقتصادي. ففي الشأن الاقتصادي يؤكد ان المعادلة تغيرت وأصبح الاقتصاد هو الذي يقود السياسة، وليس العكس - أي كما كانت عليه المعادلة - ومثال على ذلك ان جميع الدول المستقرة اقتصاديا لا تعاني مشاكل، بينما العديد
من الدول المستقرة سياسيا لديها مشاكل اقتصادية.
وعن قانون الانقاذ يذكر د. يوسف الزلزلة انه حذر كثيرا من خلال متابعته الأزمة العالمية من وصولها الى الكويت، خصوصا ان الكويت جاذبة لمثل هذه التداعيات باعتبار ان سوق الأوراق المالية يتحرك من خلال شركات «ورقية» مشيرا الى ان الحل في هيئة سوق المال وفي ايجاد أدوات رقابية جديدة اسوة ببورصات العالم.
اما بشأن قانون الانقاذ فقال ان المسألة ليست بالمبلغ الذي ضخته الحكومة وهو بليون ونصف البليون دينار... والذي لا يعمل شيئا بل بايجاد تشريعات اقتصادية خصوصا لدى البنك المركزي وتطوير رقابته، اضافة الى تحرك الهيئة العامة للاستثمار والتأمينات والصندوق الكويتي،
لكن المؤسسات الثلاث خائفة من الاتهامات السياسية، مشيرا الى ان جزءا من الحل وليس كله بتكامل المال العام مع المال الخاص بضمانات للشركات ذات الأصول والتي تفصح عن مراكزها التي تحرك العجلة الاقتصادية، لان القضية ليست انقاذ شركات بقدر ما هي انقاذ للاقتصاد. وفي المحور السياسي يتحدث د. يوسف الزلزلة عن الديموقراطية بتفاؤل من ناحية وبشيء من التشاؤم من الناحية الأخرى. فهو متفائل لان الديموقراطية خيار لا رجعة عنه مع تأكيدات سمو الأمير حرفيا وفي مجالات عدة، ومنها قول سموه «ان الكويت تتنفس كل يوم بالديموقراطية».
أما لماذا هو شبه متشائم فلأن النواب تعسفوا كثيرا في استخدام الأدوات الدستورية، ولان أي نائب يستطيع ان يضع البلاد على صفيح ساخن، فبعض النواب يجدون أنفسهم فجأة وهم يمتلكون أدوات خطيرة دون وعي باستخداماتها، مشددا على كلمة «البعض»، ولهذا لم يكتفوا باستجواب الوزراء، بل ذهبوا مباشرة الى رئيس الوزراء، وانشغلوا وشغلوا البلاد بالسياسة في خضم أزمة اقتصادية. وطالب د. يوسف بايجاد هيئة لمراقبة أداء النائب كما هو معمول به في معظم الدول لتقنين وترشيد الأدوات، اضافة الى تشديده على وعي الناخب، مشيرا الى ان هذا من مهمة الدولة والمرشحين... اضافة الى استيعاب الناخب للتجربة.
وأشار الى انه لا يرى أي بادرة تعاون، وان الأوضاع تتردى ولابد من حل المشكلة دون ان تكون هذه دعوة «لحل المجلس» طبعا في اطار الدستور، وفي معرض حديثه عن الدستور أكد انه لا مانع من التعديل، والدستور نفسه يحمل بندا لتعديله الى الأفضل لمزيد من الحريات كل خمس سنوات، ولا داعي للخوف على خلفية تجربة بداية الثمانينيات مستشهدا بقول الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام): «اذا رهبت أمراً فقع فيه» وفيما يلي تفاصيل الحوار:
● سبق لكم ان حذرتم غير مرة من قدوم ازمة اقتصادية في سوق الاوراق المالية على وجه التحديد وفي الحراك الاقتصادي عموماً، وقلتم من موقع مسؤوليتكم عندما كنتم تحملون حقيبة وزارة التجارة ان الازمة ستكون اقوى من ازمة المناخ المعروفة، لكن ايضاً حذرتم من الانهيارات العالمية الاخيرة وتداعياتها، على كل الدول وبطبيعة الحال على الكويت اضافة الى العوامل الداخلية فيها، على ماذا استندتم خصوصاً ان الازمة العالمية فاجأت الجميع، في حين الازمة في الكويت كانت متوقعة؟!
■ المتتبع للامور الاقتصادية والقارئ على المستوى العالمي يعرف ان العالم كان يمر بدورات اقتصادية وبالفعل قد تكون سلبية الى درجة قوية او متفاوتة، لكن بلا شك سيكون في كل نهاية دورة اقتصادية ردود فعل سلبية على المستوى الاقتصادي العالمي ومن الطبيعي ان يتأثر الوضع الاقتصادي المحلي.
والمستقرئ للاقتصاد العالمي الذي بدأ فعلياً سنة 1920 وهي بدايات الاقتصاد العالمي من ناحية التشريعات المالية والاتفاقيات التي حدثت بين دول العالم، وعندما تتابع هذه الدورات تعرف انه عندما تنتعش اسواق العالم الى درجة كبيرة جداً وعندما تصبح هناك بعض الفروقات في اللوائح والنظم الاقتصادية، يعرف الاقتصاديون انه ستكون هناك نكسة.
وما حدث، وانا هنا اتحدث عن سنة 2005، عندما رفض الرئيس الأميركي الاسبق كلينتون اعطاء تسهيلات كبيرة للاميركيين من البنوك حتى يمكنهم من الشراء وافتتحت مؤسستان اميركيتان والزمتا بتمويل المشاريع الضخمة، وفتحت الابواب للمواطنين
وايضاً للشركات الكبرى لتستحوذ على الاراضي وتقيم عليها المصانع والمشاريع، ثم عندما اتى الرئيس بوش أكد هذا الامر، وهنا اصبح هناك خلل رقابي لدى البنوك المركزية في اميركا، وكانت هناك مجموعة من الشرائط لدى البنك المركزي الاميركي على البنوك لكن بعض البنوك لم تلتزم بها، وبالتالي اصبحت ادوات الاقراض للمواطنين ادوات سهلة جداً.
وما حدث في اميركا من عدم رقابة للبنوك والتسهيلات التي قدمت للمواطنين انسحبت على دول اوروبا وسائر دول العالم، حتى على الكويت.
وفي الكويت لم يلتزم البنك المركزي بالرقابة على البنوك المحلية، ومن الطبيعي الا تلتزم البنوك باللوائح والنظم التي تحدد سياسات الاقراض للمواطن التي نتج عنها ازمة ديون المواطنين.
هذا الوضع جعل البنوك تشعر بان هناك خللاً وبدأت مؤشرات سنة 2006 وكانت واضحة جداً، بانه لن يكون لدى المواطنين امكانات التسديد، وبالتالي فان المراكز المالية للبنوك والمؤسسات التمويلية ستكون في خطر، وهنا انذرت الحكومة الكويتية، وحرضت على انشاء هيئة سوق المال، والفكرة كانت موجودة في السابق ولا ادعي انني صاحبها.
ولأني كنت اعلم اننا مقبلون على ازمة اقتصادية نتيجة للقراءات العالمية والمتابعة، حرصت على انه من الضروري ان نغير من الادوات التي تقلل من الازمة وأولها هيئة سوق المال حتى نحافظ على سوق الكويت للاوراق المالية، حتى لا نتأثر بوجود هذه الادوات فان تأثيرات الازمة لن تكون كبيرة جداً واخذت موافقة مجلس الوزراء وشكلت مجموعة من المتخصصين ومنهم من جامعة الكويت، وتم تجنيد مشروع القانون للتنفيذ، لكن حدثت تطورات سياسية واستقالت الحكومة وحل المجلس، وادخلنا في المعمعة السياسية، وبعد ذلك مباشرة اي سنة 2007 كنا ما زلنا نعيش حالة انتعاش اقتصادية ولم نكن بعد قد دخلنا في الازمة، وكتب حينذاك مقالة في احدى الصحف الكويتية وكانت موجهة الى مجلس الأمة والحكومة معاً باننا مقبلون علي ازمة اقتصادية ستعصف بالعالم اجمع، وبالتالي يجب المسارعة في انقاذ سوق الكويت للاوراق المالية، وايجاد هيئة سوق ما تعمل على تخفيف الازمة على السوق فيما اذا حدثت الازمة العالمية، واتذكر ان عنوان المقالة «لماذا يجب ان تكون هناك هيئة سوق مال».
ولم يستمع احد لهذا ولم يعرها احد اهتماماً لان الازمات السياسية كانت متلاحقة بين مجلس الأمة والحكومة.
وسنة 2008 وتحديداً قبل حدوث الازمة بشهر او اكثر، وبدأت بوادر الازمة العالمية تظهر ابتداء من الولايات المتحدة الأميركية، وكتبت مقالة اخرى، وذكرت بانه ستأتي على الكويت ايام سوداء ان لم تقم فوراً
بتنفيذ هيئة سوق المال، وشرحت لماذا ستكون سوداء، وكيف سيكون حال المواطنين، وكيف ستعاني الدولة والحكومة من الازمة، لان كل مواطن سيعاني منها، لكن ايضاً لم يعرها احد الاهتمام.
وحدثت الازمة وكتبت مقالة اخرى وذكرت بما قلته، والان وبعد ان حدثت الازمة ونحن مازلنا في بداياتها، وما سأقوله هنا ليس حلاً، وانما تخفيف لحدة الازمة بان نضع لانفسنا نوعاً من امتصاص الآثار السلبية علينا واذكر مجموعة من الآليات والقضايا التي ينبغي على الحكومة ان تفعلها وما التشريعات التي ينبغي على الدائنين اعتمادها.
وما على الشركات ان تقوم به. والى يومنا هذا، لم يحدث شيء.
والآن ما فعلته الحكومة من خلال مشروع قانون الانقاذ المطروح الذي اثار ردود فعل كثيرة، وانا اعتقد ان كل ما حدث هو نتيجة لتأخير الحكومة في عملية انقاذ الاقتصاد.
والقضية ان اغلب الخبراء الاقتصاديين على مستوى العالم حذروا من ذلك، وكنت مجرد قارئ لتحذيراتهم، الامر الاخر ان بوادر الازمة واضحة واميركا نفسها نشرت في اكثر من موقع وفي اكثر من وسيلة اعلامية، وحتى الرئيس بوش ذكر انه ينبغي على الولايات المتحدة ان تعيد ترتيب خططها واستراتيجياتها.
وكل هذا كان واضحاً، لكن مشكلتنا اننا لا نقرأ الا ما يهم مشاعرنا وعواطفنا، وهذا مع الاسف ما حدث.
خطآن.. حكومي ونيابي
● لنعد الى خطة الانقاذ الحكومية التي بنيت على تقرير البنك المركزي، فالكثيرون يرون ان الخطة لا ترقى الى مستوى الازمة «الكارثة».
ومازلنا مكابرين على الاعتراف بالازمة، حتى بريطانيا اعلنت «الكساد» وتعاملت معه، لكن القانون تآمر على حماية المال العام، فمتى يتدخل المال العام، ان لم يتدخل بكل ثقله الآن؟!
■ اعتقد أن الحكومة والمجلس اخطأتا خطأين بانهما لم يسمعا لخبراء اقتصاديين ولم يلتفتا الى حلول الاختصاصيين، وايضاً لم يتقدما بأي شيء مهم لحل هذه الازمة، والان مازالت هناك جهات تكابر في توصيف ما يحدث، بأن هذه ازمة او كارثة او مشكلة مالية.
أولاً الكويت بلد نفطي ولانه بلد نفطي نعرف ان هناك عائدات نفطية للحكومة سواء خسرت الشركات او لم تخسر، والحكومة ستستمر غنية ولذلك تقول ان الوضع ليس كارثياً.
ولو فرضنا انه لم تكن هناك موارد مالية للدولة رغم انخفاضها تبعاً لاسعار النفط فان الحكومة ستعترف بان الوضع كارثي بل ومصيبة كبيرة ستحل على الكويت.
اذن الوضع ليس كارثياً على مستوى الحكومة نعم، لان هناك ايرادات مستمرة، لكن عندما نبحث عما يعاني منه القطاع الخاص سنجد ان الوضع اكثر من «كارثي».
لكن المشكلة ان من يحلل الارقام هو الذي يحق له توصيف الوضع.
وما ينبغي ان نعرفه هو انه عندما طلب البنك المركزي من الشركات الاستثمارية وهي 94 شركة ان تقدم مراكزها المالية، لم يتقدم منها الا اربع شركات فقط، وهذا يعني 5 في المئة لانها تخشى من الافصاح عن مراكزها المالية فسيؤثر ذلك عليها وعلى سمعتها المالية وستمنى بخسائر اكبر.وسيؤثر على سعر السهم، وحتى على ارتباطاتها مع البنوك الاخرى لانها مدينة لها، ولهذا يجب اعادة النظر في موقف الشركات وانا اعذرها في ذلك، خوفاً من تأثر مراكزها المالية على مختلف المستويات، وحتى مع شركائها الماليين والبنوك وما شابه ذلك.
والواضح ان الخسائر كبيرة جداً، ومن هنا كان موقفها بعدم تقديم مراكزها المالية.
والآن، تقدمت الحكومة بمشروع القانون المسمى «مشروع الانقاذ» وقبلها كانت هناك لجنة بمسمى «لجنة الانقاذ» برئاسة وزير التجارة وفشلت ولم تستطع ان تقدم فتم الغاؤها، وتم تشكيل لجنة برئاسة محافظ البنك المركزي.
وطوال الاشهر الثلاثة الاخيرة لم نصل الى حل، وما بين ايدينا مجرد مشروع حل، وبالتالي لا الحكومة ولا المجلس تقدما ولو خطوة واحدة لانقاذ الوضع الاقتصادي، بل انتهى الطرفان الى الصراع السياسي، وهذا هو الخطأ القاتل الذي يرتكب الان، بعيدا عن رؤية واضحة للعقلاء لما يحدث في البلاد ولتدهور الوضع الاقتصادي الذي يجب ان يكون اولوية مطلقة.
ونحن نعرف ان كل يوم يمر علينا، ومع وجود المشروع لم نقدم شيئا وعندما اتكلم عن الحل مازلت اتكلم عن مشروع قانون، اذ لم يصبح قانونا مع تواصل الاجتماعات حتى منتصف الليل، اتساءل ما نتائج هذه الاجتماعات واين وصلنا، وماذا انجزنا، لا شيء نحن في وضع «صفر». واقول ان الحل بسيط لو تحركنا منذ البداية.
إنقاذ الاقتصاد لا الشركات
● هذا معروف ولكن لا احد تقدم حتى الآن بالبدائل، وما قضية الخشية على المال العام، وفيم يستخدم؟
■ الشركات المتضررة محصورة ومعروفة وكان بامكان الحكومة ان تستخدم المال العام، لان اهمية المال العام هو استخدامه في الازمات، ونحن نعيش الان اكبر ازمة، وعندما نستخدم المال العام ليس القصد من ذلك ان انقذ «زيدا وعمرو» أما المهم هو انقاذ الاقتصاد والشركات التي يقوم عليها اقتصاد البلد وعلى سمعتها ومراكزها.
وكان بامكاننا عندما نرى شركة ما ونرى أن التزاماتها رقم معين نطلب من الشركة زيادة رأسمالها وتدخل الحكومة كشريك، وتوفر السيولة لتسد ما عليها من التزامات، والبقية تستفيد منها في نشاطها الاستثماري.
وهنا يتم تفعيل الادوات الرقابية لمتابعة اداء الشركات سواء من قبل البنك المركزي او من ترى وزارة التجارة وايضاً نفع المساهمين عند مسؤولياتهم في الجمعيات العمومية لمحاسبة ومراقبة مجالس الادارات، حتى لا يكون مجلس الادارة الجهة الوحيدة دون ان يكون هناك دور للمساهمين.
ولو فعلنا هذا من البداية، وهذا لا يحتاج الى قانون، لان الهيئة العامة للاستثمار والتأمينات الاجتماعية. والصندوق الكويتي للتنمية، هذه الجهات هي شريكة في مجموعة من الشركات وتمتلك حصة كبيرة من الاسهم ولذلك لا تحتاج الى قانون وعندما شرعنا في ايجاد مشروع قانون، دخلنا في خلافات سياسية طغت على الساحة ولا ارى لها نهاية وسيحل مجلس الأمة دون ان نصل الى نتيجة.
ذر الرماد في العيون
● وماذا عن الرقم المطروح 1.5 بليون دينار، فهل هذا يكفي لحل ازمة بهذا الحجم؟ وماذا عما يتردد من حلول جديدة او حتى تعديلات على مشروع القانون الحالي؟
■ عندما نتكلم عن حجم المبلغ فان من يدعي انه يملك رقماً واضحاً والمبلغ الذي يجب ان يضخ لحل الازمة الاقتصادية اعتقد انه مجرد ادعاء، لانه في ظل عدم توافر المعلومات الواضحة وفي ظل هذا القانون، فان اي مبلغ يحدد هو لمجرد «ذر الرماد في العيون» وليس القصد منه الالتزام بهذا المبلغ بالذات.
● اذن ما المطلوب في ظل هذا الغموض؟
■ صحيح ان هناك رأياً قد يكون مالياً بأن مشروع القانون سيكلف الحكومة 1.5 بليون دينار تقريباً، والبعض يقول ان ما تتحمله الحكومة مع البنوك يصل الى 5 بلايين دينار.
وبغض النظر عن حجم المبلغ، فهذا المبلغ بامكان الحكومة ان تتحمله من المال العالم، فان أي مبلغ ستضخه الحكومة مع معرفتنا انه سيرتجع بعد فترة محددة مع تحريك العجلة الاقتصادية فانه لا مشكلة في المبلغ، ولكن ينبغي ان تكون هناك خطة استراتيجية واضحة من الحكومة بحيث انها عندما تضع قانوناً بان المبلغ الذي يضخ سيوضع في المكان الصحيح وبالاسلوب الصحيح، وسيعامل الجميع بعدالة، ولا ينظر لاصحاب الشركات فقط، واعتقد ان قانوناً من هذا النوع سيكون سقفه مفتوحاً شرط ان يكون هناك تدخل واضح وبيّن وباسلوب يراعي مبدأ العدالة والمساواة الذي اقره الدستور وان يوضع المبلغ لدى الشركات العاملة وليست الورقية، ولديها اصول تتعامل فيها، وهناك شركات دخلت البورصة وليس لديها اي نشاط وتضخم سهمها ولذلك انا مع ما ذهب اليه البنك المركزي، بانه لا يمكن التعامل مع اي شركة الا عندما تقدم مركزها المالي وتوضح اصولها، وعليه ان يتحقق من ذلك.
● ولكن هل لدى البنك الادوات الرقابية كاملة؟
■ لديه الادوات ولكنه لا يمتلك الموظفين الذين يجب ان يقوموا بهذا العمل، اما اللوائح والقوانين والتشريعات فهي متوافرة.
لكن البنك المركزي يقول انه ليس لديه الامكانات البشرية التي تتابع هذه الادوات، وهذه حجة مردود عليها، لاننا نريد ان ننقذ بلداً يخسر عشرات البلايين، والعقل والمنطق يقران مبدأ تعيين موظفين بأكلاف محددة، وهذا امر طبيعي جداً واذا كان البنك المركزي فعلاً لا يمتلك الطاقم البشري، فهذا هو الوقت المناسب لتعيين موظفين ومتابعين.
● بعض الحلول المطروحة تحدد سقف المبلغ المطلوب ليتراوح بين 10 و15 بليون دينار مع الفترة الزمنية؟
■ هذا ليس حلاً، اي زيادة المبلغ، لان المطلوب التعاون بين المال العام والمال الخاص، والبنوك لا تشكو من نقص في السيولة بل في زيادة السيولة، و«المركزي» يتبع للقطاع العام ولا اعتقد ان مشروع القانون الحالي يكفي، وعليه ان يلغي جزءاً فيه وليس كله ومنها ان يقوم البنك المركزي بتقييم اصول الشركات وبالتالي يضمن للبنوك احجاماً من المبلغ معينة بحيث ان البنوك توفر السيولة للشركات بناء على الاصول، فلو افترضنا ان اصول الشركة 50 بليون دينار وتحتاج الى الوفاء بالتزامات اكبر، هنا يأتي دور «المركزي» ويضمن الاصول مع زيادة 20 في المئة او اكثر حتى تستطيع الوفاء بالتزاماتها وتحريك نشاطها.
والضمان يكون تحت رقابة «المركزي» لمتابعة الاداء بعد اقراضها، وهنا على الشركات ان تغير في سياستها، والا فان الزيادة لن تحل المشكلة، ولهذا يجب ان يكون الحل شاملاً وكاملاً، اي الاقراض والمراقبة وتحسين الاداء، ومن ثم تفعيل الجزاءات.
وهذا يحل جزءا من الازمة وليس كلها، فنحن لا نملك عصا سحرية، فهناك جزءان من المشكلة الاول رقابي والثاني تحسين اداء الشركات.
الخوف من المبادرة!
● انت تعرف الذهنية السائدة في الكويت فهل مازلت تأمل بان كل ما هو مطروح حالياً قد يشكل حلاً؟
■ السؤال الذي نطرحه هو هل استطاعت الشركات تطوير نفسها في ظل الازمة، وماذا قدمت دون تدخل الحكومة، ونحن لدينا مجموعة من الشركات تمتلك الكفاءات المالية والاقتصادية الكثيرة وهذه المجموعة غيرت من سياساتها في الاستثمار واعادت جدولة ديونها وتعاملت تعاملاً حذراً، وقامت بدور دون الحاجة لتدخل الحكومة، ولو انتظرت الحكومة لكانت نهايتها لكنها كيّفت نفسها واستمرت وانقذت نفسها.
ولكن عندما نتحدث عن الاقتصاد فان هذا يشمل القطاعين العام والخاص، ومسؤولية كل منهما في تطوير الاقتصاد لكن المسؤولية مازالت على الحكومة وهي التي تملك المشاريع والدراسات وغيرهما، ولكنها حتى هذه اللحظة لم تتدخل. وبصراحة فان الهيئة العامة للاستثمار والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وصندوق الكويت للتنمية الاقتصادية وهي مؤسسات حكومية متوقفة تماماً الان خشية من المبادرة وبالتالي الاتهام السياسي بانها انقذت جهات محسوبة عليها، مع ان في امكانها التدخل استثمارياً ومن منطلقات اقتصادية بحتة، لكنها تخشى من المساءلة من السلطة التشريعية، وهذا هو الواقع اذ لا يوجد احد يريد ان يقوم بمسؤوليته، والقرار مفقود ولا تعرف الجهة التي عليها ان تأخذ القرار.
ونحن نتابع ما يحدث فالسلطة التشريعية دخلت في صراع مع الحكومة والخاسر الاكبر هو البلد والانقاذ الوطني.
● اذن السياسة قتلت الاقتصاد؟
■ عندما نتكلم عن السياسة والاقتصاد فان القاعدة السابقة هي ان تقود السياسة الاقتصاد حتى تحافظ على الاستقرار.
اما المدارس الاقتصادية الحديثة فقد اجمعت على عكس ذلك بان يقود الاقتصاد السياسة، لان الازمات لا تحلها الا المبادرات الاقتصادية وهذا ينعكس على امن واستقرار البلد.
واي بلد عندما يكون مستقراً اقتصادياً فهذا يعني انه مستقر سياسياً، وهناك بعض الدول مستقرة سياساً لكنها غير مستقرة اقتصادياً، لكن جميع الدول المستقرة اقتصاديا مستقرة سياسياً وليس لديها مشكلة.
● هل تشعر بان الدولة تريد ان تعاقب الاقتصاديين، كما جاء على لسان بعض المسؤولين، بأن على الشركات ان تذوق المرّ وتتحمل المسؤوليات؟
■ المسألة بكل بساطة هي تجيير الحالة الاقتصادية لمصالح بعض النواب كما نتابع من خلال التصريحات والتأزيمات وكأن بعض النواب الذين لا شأن لهم
او لا وجود لهم في الاقتصاد يريد ان يقحم نفسه في الازمة لمصالح انتخابية خصوصاً ان شبح الحل اصبح قريباً - كما نسمع - ونرى ان التأزيم ازداد، والسؤال هو هل بالفعل ان النواب غايتهم ليس حل الازمة وانما الاستفادة منها؟
والجواب ان البعض وليس كل النواب ونحن نعرف ان الاغلبية لها دورها الاقتصادي، فالبعض واشدد على «البعض» يريد ان يستفيد من الازمة، والمشكلة في الكويت انه لا يوجد وعي تكاملي في الحالة السياسية والاقتصادية، وبالتالي يسهل جداً دغدغة عواطف المواطنين عندما نتحدث عن اي ازمة او قضية، بل نستطيع دغدغة عواطف المواطنين بخلق الازمات، كما يحدث الان. فالكويت
دخلت في ازمة اقتصادية، فأوجدنا ازمة اخرى هي ازمة قروض المواطنين مع ان هذه لم تكن ازمة، فالقروض موجودة منذ سنوات، لكن للاستفادة من هذه لمصالح شخصية وانتخابية تم خلط القضيتين مع ان الازمة الاقتصادية تعصف بكل البلد، وانا هنا لا اقول انه لا توجد ازمة قروض مواطنين لكن الاولويات تفرض معالجة الازمة الاكبر اولاً، لا ان نغرق في ازمة نسبة بسيطة من المواطنين المتضررين. الازمة.. ازمة بلد.. وهناك «بعض النواب وللاسف الشديد قدموا مصالحهم وحساباتهم الانتخابية على البلد، وخلقوا الازمات وهنا يأتي دور الناخبين انفسهم لمحاسبة النائب ولو حل المجلس الحالي، فان على الناخب الذي اصبح يتمتع بوعي ان يختار فعلاً النائب الذي يمكنه ان يؤدي دوره.
عبد اللطيف الأشمر
annahar@annaharkw.com
الحوار مع د. يوسف الزلزلة انتقل بانسيابية من الشأن الاقتصادي الذي ركز على ما انتهت اليه الأزمة بمجرد «مشروع قانون انقاذي» مازال خاضعا للتعديل والتأخير ليس فقط لانه لا يحل المشكلة الاقتصادية
فقط بل لان السياسة طغت على الحراك الاقتصادي. ففي الشأن الاقتصادي يؤكد ان المعادلة تغيرت وأصبح الاقتصاد هو الذي يقود السياسة، وليس العكس - أي كما كانت عليه المعادلة - ومثال على ذلك ان جميع الدول المستقرة اقتصاديا لا تعاني مشاكل، بينما العديد
من الدول المستقرة سياسيا لديها مشاكل اقتصادية.
وعن قانون الانقاذ يذكر د. يوسف الزلزلة انه حذر كثيرا من خلال متابعته الأزمة العالمية من وصولها الى الكويت، خصوصا ان الكويت جاذبة لمثل هذه التداعيات باعتبار ان سوق الأوراق المالية يتحرك من خلال شركات «ورقية» مشيرا الى ان الحل في هيئة سوق المال وفي ايجاد أدوات رقابية جديدة اسوة ببورصات العالم.
اما بشأن قانون الانقاذ فقال ان المسألة ليست بالمبلغ الذي ضخته الحكومة وهو بليون ونصف البليون دينار... والذي لا يعمل شيئا بل بايجاد تشريعات اقتصادية خصوصا لدى البنك المركزي وتطوير رقابته، اضافة الى تحرك الهيئة العامة للاستثمار والتأمينات والصندوق الكويتي،
لكن المؤسسات الثلاث خائفة من الاتهامات السياسية، مشيرا الى ان جزءا من الحل وليس كله بتكامل المال العام مع المال الخاص بضمانات للشركات ذات الأصول والتي تفصح عن مراكزها التي تحرك العجلة الاقتصادية، لان القضية ليست انقاذ شركات بقدر ما هي انقاذ للاقتصاد. وفي المحور السياسي يتحدث د. يوسف الزلزلة عن الديموقراطية بتفاؤل من ناحية وبشيء من التشاؤم من الناحية الأخرى. فهو متفائل لان الديموقراطية خيار لا رجعة عنه مع تأكيدات سمو الأمير حرفيا وفي مجالات عدة، ومنها قول سموه «ان الكويت تتنفس كل يوم بالديموقراطية».
أما لماذا هو شبه متشائم فلأن النواب تعسفوا كثيرا في استخدام الأدوات الدستورية، ولان أي نائب يستطيع ان يضع البلاد على صفيح ساخن، فبعض النواب يجدون أنفسهم فجأة وهم يمتلكون أدوات خطيرة دون وعي باستخداماتها، مشددا على كلمة «البعض»، ولهذا لم يكتفوا باستجواب الوزراء، بل ذهبوا مباشرة الى رئيس الوزراء، وانشغلوا وشغلوا البلاد بالسياسة في خضم أزمة اقتصادية. وطالب د. يوسف بايجاد هيئة لمراقبة أداء النائب كما هو معمول به في معظم الدول لتقنين وترشيد الأدوات، اضافة الى تشديده على وعي الناخب، مشيرا الى ان هذا من مهمة الدولة والمرشحين... اضافة الى استيعاب الناخب للتجربة.
وأشار الى انه لا يرى أي بادرة تعاون، وان الأوضاع تتردى ولابد من حل المشكلة دون ان تكون هذه دعوة «لحل المجلس» طبعا في اطار الدستور، وفي معرض حديثه عن الدستور أكد انه لا مانع من التعديل، والدستور نفسه يحمل بندا لتعديله الى الأفضل لمزيد من الحريات كل خمس سنوات، ولا داعي للخوف على خلفية تجربة بداية الثمانينيات مستشهدا بقول الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام): «اذا رهبت أمراً فقع فيه» وفيما يلي تفاصيل الحوار:
● سبق لكم ان حذرتم غير مرة من قدوم ازمة اقتصادية في سوق الاوراق المالية على وجه التحديد وفي الحراك الاقتصادي عموماً، وقلتم من موقع مسؤوليتكم عندما كنتم تحملون حقيبة وزارة التجارة ان الازمة ستكون اقوى من ازمة المناخ المعروفة، لكن ايضاً حذرتم من الانهيارات العالمية الاخيرة وتداعياتها، على كل الدول وبطبيعة الحال على الكويت اضافة الى العوامل الداخلية فيها، على ماذا استندتم خصوصاً ان الازمة العالمية فاجأت الجميع، في حين الازمة في الكويت كانت متوقعة؟!
■ المتتبع للامور الاقتصادية والقارئ على المستوى العالمي يعرف ان العالم كان يمر بدورات اقتصادية وبالفعل قد تكون سلبية الى درجة قوية او متفاوتة، لكن بلا شك سيكون في كل نهاية دورة اقتصادية ردود فعل سلبية على المستوى الاقتصادي العالمي ومن الطبيعي ان يتأثر الوضع الاقتصادي المحلي.
والمستقرئ للاقتصاد العالمي الذي بدأ فعلياً سنة 1920 وهي بدايات الاقتصاد العالمي من ناحية التشريعات المالية والاتفاقيات التي حدثت بين دول العالم، وعندما تتابع هذه الدورات تعرف انه عندما تنتعش اسواق العالم الى درجة كبيرة جداً وعندما تصبح هناك بعض الفروقات في اللوائح والنظم الاقتصادية، يعرف الاقتصاديون انه ستكون هناك نكسة.
وما حدث، وانا هنا اتحدث عن سنة 2005، عندما رفض الرئيس الأميركي الاسبق كلينتون اعطاء تسهيلات كبيرة للاميركيين من البنوك حتى يمكنهم من الشراء وافتتحت مؤسستان اميركيتان والزمتا بتمويل المشاريع الضخمة، وفتحت الابواب للمواطنين
وايضاً للشركات الكبرى لتستحوذ على الاراضي وتقيم عليها المصانع والمشاريع، ثم عندما اتى الرئيس بوش أكد هذا الامر، وهنا اصبح هناك خلل رقابي لدى البنوك المركزية في اميركا، وكانت هناك مجموعة من الشرائط لدى البنك المركزي الاميركي على البنوك لكن بعض البنوك لم تلتزم بها، وبالتالي اصبحت ادوات الاقراض للمواطنين ادوات سهلة جداً.
وما حدث في اميركا من عدم رقابة للبنوك والتسهيلات التي قدمت للمواطنين انسحبت على دول اوروبا وسائر دول العالم، حتى على الكويت.
وفي الكويت لم يلتزم البنك المركزي بالرقابة على البنوك المحلية، ومن الطبيعي الا تلتزم البنوك باللوائح والنظم التي تحدد سياسات الاقراض للمواطن التي نتج عنها ازمة ديون المواطنين.
هذا الوضع جعل البنوك تشعر بان هناك خللاً وبدأت مؤشرات سنة 2006 وكانت واضحة جداً، بانه لن يكون لدى المواطنين امكانات التسديد، وبالتالي فان المراكز المالية للبنوك والمؤسسات التمويلية ستكون في خطر، وهنا انذرت الحكومة الكويتية، وحرضت على انشاء هيئة سوق المال، والفكرة كانت موجودة في السابق ولا ادعي انني صاحبها.
ولأني كنت اعلم اننا مقبلون على ازمة اقتصادية نتيجة للقراءات العالمية والمتابعة، حرصت على انه من الضروري ان نغير من الادوات التي تقلل من الازمة وأولها هيئة سوق المال حتى نحافظ على سوق الكويت للاوراق المالية، حتى لا نتأثر بوجود هذه الادوات فان تأثيرات الازمة لن تكون كبيرة جداً واخذت موافقة مجلس الوزراء وشكلت مجموعة من المتخصصين ومنهم من جامعة الكويت، وتم تجنيد مشروع القانون للتنفيذ، لكن حدثت تطورات سياسية واستقالت الحكومة وحل المجلس، وادخلنا في المعمعة السياسية، وبعد ذلك مباشرة اي سنة 2007 كنا ما زلنا نعيش حالة انتعاش اقتصادية ولم نكن بعد قد دخلنا في الازمة، وكتب حينذاك مقالة في احدى الصحف الكويتية وكانت موجهة الى مجلس الأمة والحكومة معاً باننا مقبلون علي ازمة اقتصادية ستعصف بالعالم اجمع، وبالتالي يجب المسارعة في انقاذ سوق الكويت للاوراق المالية، وايجاد هيئة سوق ما تعمل على تخفيف الازمة على السوق فيما اذا حدثت الازمة العالمية، واتذكر ان عنوان المقالة «لماذا يجب ان تكون هناك هيئة سوق مال».
ولم يستمع احد لهذا ولم يعرها احد اهتماماً لان الازمات السياسية كانت متلاحقة بين مجلس الأمة والحكومة.
وسنة 2008 وتحديداً قبل حدوث الازمة بشهر او اكثر، وبدأت بوادر الازمة العالمية تظهر ابتداء من الولايات المتحدة الأميركية، وكتبت مقالة اخرى، وذكرت بانه ستأتي على الكويت ايام سوداء ان لم تقم فوراً
بتنفيذ هيئة سوق المال، وشرحت لماذا ستكون سوداء، وكيف سيكون حال المواطنين، وكيف ستعاني الدولة والحكومة من الازمة، لان كل مواطن سيعاني منها، لكن ايضاً لم يعرها احد الاهتمام.
وحدثت الازمة وكتبت مقالة اخرى وذكرت بما قلته، والان وبعد ان حدثت الازمة ونحن مازلنا في بداياتها، وما سأقوله هنا ليس حلاً، وانما تخفيف لحدة الازمة بان نضع لانفسنا نوعاً من امتصاص الآثار السلبية علينا واذكر مجموعة من الآليات والقضايا التي ينبغي على الحكومة ان تفعلها وما التشريعات التي ينبغي على الدائنين اعتمادها.
وما على الشركات ان تقوم به. والى يومنا هذا، لم يحدث شيء.
والآن ما فعلته الحكومة من خلال مشروع قانون الانقاذ المطروح الذي اثار ردود فعل كثيرة، وانا اعتقد ان كل ما حدث هو نتيجة لتأخير الحكومة في عملية انقاذ الاقتصاد.
والقضية ان اغلب الخبراء الاقتصاديين على مستوى العالم حذروا من ذلك، وكنت مجرد قارئ لتحذيراتهم، الامر الاخر ان بوادر الازمة واضحة واميركا نفسها نشرت في اكثر من موقع وفي اكثر من وسيلة اعلامية، وحتى الرئيس بوش ذكر انه ينبغي على الولايات المتحدة ان تعيد ترتيب خططها واستراتيجياتها.
وكل هذا كان واضحاً، لكن مشكلتنا اننا لا نقرأ الا ما يهم مشاعرنا وعواطفنا، وهذا مع الاسف ما حدث.
خطآن.. حكومي ونيابي
● لنعد الى خطة الانقاذ الحكومية التي بنيت على تقرير البنك المركزي، فالكثيرون يرون ان الخطة لا ترقى الى مستوى الازمة «الكارثة».
ومازلنا مكابرين على الاعتراف بالازمة، حتى بريطانيا اعلنت «الكساد» وتعاملت معه، لكن القانون تآمر على حماية المال العام، فمتى يتدخل المال العام، ان لم يتدخل بكل ثقله الآن؟!
■ اعتقد أن الحكومة والمجلس اخطأتا خطأين بانهما لم يسمعا لخبراء اقتصاديين ولم يلتفتا الى حلول الاختصاصيين، وايضاً لم يتقدما بأي شيء مهم لحل هذه الازمة، والان مازالت هناك جهات تكابر في توصيف ما يحدث، بأن هذه ازمة او كارثة او مشكلة مالية.
أولاً الكويت بلد نفطي ولانه بلد نفطي نعرف ان هناك عائدات نفطية للحكومة سواء خسرت الشركات او لم تخسر، والحكومة ستستمر غنية ولذلك تقول ان الوضع ليس كارثياً.
ولو فرضنا انه لم تكن هناك موارد مالية للدولة رغم انخفاضها تبعاً لاسعار النفط فان الحكومة ستعترف بان الوضع كارثي بل ومصيبة كبيرة ستحل على الكويت.
اذن الوضع ليس كارثياً على مستوى الحكومة نعم، لان هناك ايرادات مستمرة، لكن عندما نبحث عما يعاني منه القطاع الخاص سنجد ان الوضع اكثر من «كارثي».
لكن المشكلة ان من يحلل الارقام هو الذي يحق له توصيف الوضع.
وما ينبغي ان نعرفه هو انه عندما طلب البنك المركزي من الشركات الاستثمارية وهي 94 شركة ان تقدم مراكزها المالية، لم يتقدم منها الا اربع شركات فقط، وهذا يعني 5 في المئة لانها تخشى من الافصاح عن مراكزها المالية فسيؤثر ذلك عليها وعلى سمعتها المالية وستمنى بخسائر اكبر.وسيؤثر على سعر السهم، وحتى على ارتباطاتها مع البنوك الاخرى لانها مدينة لها، ولهذا يجب اعادة النظر في موقف الشركات وانا اعذرها في ذلك، خوفاً من تأثر مراكزها المالية على مختلف المستويات، وحتى مع شركائها الماليين والبنوك وما شابه ذلك.
والواضح ان الخسائر كبيرة جداً، ومن هنا كان موقفها بعدم تقديم مراكزها المالية.
والآن، تقدمت الحكومة بمشروع القانون المسمى «مشروع الانقاذ» وقبلها كانت هناك لجنة بمسمى «لجنة الانقاذ» برئاسة وزير التجارة وفشلت ولم تستطع ان تقدم فتم الغاؤها، وتم تشكيل لجنة برئاسة محافظ البنك المركزي.
وطوال الاشهر الثلاثة الاخيرة لم نصل الى حل، وما بين ايدينا مجرد مشروع حل، وبالتالي لا الحكومة ولا المجلس تقدما ولو خطوة واحدة لانقاذ الوضع الاقتصادي، بل انتهى الطرفان الى الصراع السياسي، وهذا هو الخطأ القاتل الذي يرتكب الان، بعيدا عن رؤية واضحة للعقلاء لما يحدث في البلاد ولتدهور الوضع الاقتصادي الذي يجب ان يكون اولوية مطلقة.
ونحن نعرف ان كل يوم يمر علينا، ومع وجود المشروع لم نقدم شيئا وعندما اتكلم عن الحل مازلت اتكلم عن مشروع قانون، اذ لم يصبح قانونا مع تواصل الاجتماعات حتى منتصف الليل، اتساءل ما نتائج هذه الاجتماعات واين وصلنا، وماذا انجزنا، لا شيء نحن في وضع «صفر». واقول ان الحل بسيط لو تحركنا منذ البداية.
إنقاذ الاقتصاد لا الشركات
● هذا معروف ولكن لا احد تقدم حتى الآن بالبدائل، وما قضية الخشية على المال العام، وفيم يستخدم؟
■ الشركات المتضررة محصورة ومعروفة وكان بامكان الحكومة ان تستخدم المال العام، لان اهمية المال العام هو استخدامه في الازمات، ونحن نعيش الان اكبر ازمة، وعندما نستخدم المال العام ليس القصد من ذلك ان انقذ «زيدا وعمرو» أما المهم هو انقاذ الاقتصاد والشركات التي يقوم عليها اقتصاد البلد وعلى سمعتها ومراكزها.
وكان بامكاننا عندما نرى شركة ما ونرى أن التزاماتها رقم معين نطلب من الشركة زيادة رأسمالها وتدخل الحكومة كشريك، وتوفر السيولة لتسد ما عليها من التزامات، والبقية تستفيد منها في نشاطها الاستثماري.
وهنا يتم تفعيل الادوات الرقابية لمتابعة اداء الشركات سواء من قبل البنك المركزي او من ترى وزارة التجارة وايضاً نفع المساهمين عند مسؤولياتهم في الجمعيات العمومية لمحاسبة ومراقبة مجالس الادارات، حتى لا يكون مجلس الادارة الجهة الوحيدة دون ان يكون هناك دور للمساهمين.
ولو فعلنا هذا من البداية، وهذا لا يحتاج الى قانون، لان الهيئة العامة للاستثمار والتأمينات الاجتماعية. والصندوق الكويتي للتنمية، هذه الجهات هي شريكة في مجموعة من الشركات وتمتلك حصة كبيرة من الاسهم ولذلك لا تحتاج الى قانون وعندما شرعنا في ايجاد مشروع قانون، دخلنا في خلافات سياسية طغت على الساحة ولا ارى لها نهاية وسيحل مجلس الأمة دون ان نصل الى نتيجة.
ذر الرماد في العيون
● وماذا عن الرقم المطروح 1.5 بليون دينار، فهل هذا يكفي لحل ازمة بهذا الحجم؟ وماذا عما يتردد من حلول جديدة او حتى تعديلات على مشروع القانون الحالي؟
■ عندما نتكلم عن حجم المبلغ فان من يدعي انه يملك رقماً واضحاً والمبلغ الذي يجب ان يضخ لحل الازمة الاقتصادية اعتقد انه مجرد ادعاء، لانه في ظل عدم توافر المعلومات الواضحة وفي ظل هذا القانون، فان اي مبلغ يحدد هو لمجرد «ذر الرماد في العيون» وليس القصد منه الالتزام بهذا المبلغ بالذات.
● اذن ما المطلوب في ظل هذا الغموض؟
■ صحيح ان هناك رأياً قد يكون مالياً بأن مشروع القانون سيكلف الحكومة 1.5 بليون دينار تقريباً، والبعض يقول ان ما تتحمله الحكومة مع البنوك يصل الى 5 بلايين دينار.
وبغض النظر عن حجم المبلغ، فهذا المبلغ بامكان الحكومة ان تتحمله من المال العالم، فان أي مبلغ ستضخه الحكومة مع معرفتنا انه سيرتجع بعد فترة محددة مع تحريك العجلة الاقتصادية فانه لا مشكلة في المبلغ، ولكن ينبغي ان تكون هناك خطة استراتيجية واضحة من الحكومة بحيث انها عندما تضع قانوناً بان المبلغ الذي يضخ سيوضع في المكان الصحيح وبالاسلوب الصحيح، وسيعامل الجميع بعدالة، ولا ينظر لاصحاب الشركات فقط، واعتقد ان قانوناً من هذا النوع سيكون سقفه مفتوحاً شرط ان يكون هناك تدخل واضح وبيّن وباسلوب يراعي مبدأ العدالة والمساواة الذي اقره الدستور وان يوضع المبلغ لدى الشركات العاملة وليست الورقية، ولديها اصول تتعامل فيها، وهناك شركات دخلت البورصة وليس لديها اي نشاط وتضخم سهمها ولذلك انا مع ما ذهب اليه البنك المركزي، بانه لا يمكن التعامل مع اي شركة الا عندما تقدم مركزها المالي وتوضح اصولها، وعليه ان يتحقق من ذلك.
● ولكن هل لدى البنك الادوات الرقابية كاملة؟
■ لديه الادوات ولكنه لا يمتلك الموظفين الذين يجب ان يقوموا بهذا العمل، اما اللوائح والقوانين والتشريعات فهي متوافرة.
لكن البنك المركزي يقول انه ليس لديه الامكانات البشرية التي تتابع هذه الادوات، وهذه حجة مردود عليها، لاننا نريد ان ننقذ بلداً يخسر عشرات البلايين، والعقل والمنطق يقران مبدأ تعيين موظفين بأكلاف محددة، وهذا امر طبيعي جداً واذا كان البنك المركزي فعلاً لا يمتلك الطاقم البشري، فهذا هو الوقت المناسب لتعيين موظفين ومتابعين.
● بعض الحلول المطروحة تحدد سقف المبلغ المطلوب ليتراوح بين 10 و15 بليون دينار مع الفترة الزمنية؟
■ هذا ليس حلاً، اي زيادة المبلغ، لان المطلوب التعاون بين المال العام والمال الخاص، والبنوك لا تشكو من نقص في السيولة بل في زيادة السيولة، و«المركزي» يتبع للقطاع العام ولا اعتقد ان مشروع القانون الحالي يكفي، وعليه ان يلغي جزءاً فيه وليس كله ومنها ان يقوم البنك المركزي بتقييم اصول الشركات وبالتالي يضمن للبنوك احجاماً من المبلغ معينة بحيث ان البنوك توفر السيولة للشركات بناء على الاصول، فلو افترضنا ان اصول الشركة 50 بليون دينار وتحتاج الى الوفاء بالتزامات اكبر، هنا يأتي دور «المركزي» ويضمن الاصول مع زيادة 20 في المئة او اكثر حتى تستطيع الوفاء بالتزاماتها وتحريك نشاطها.
والضمان يكون تحت رقابة «المركزي» لمتابعة الاداء بعد اقراضها، وهنا على الشركات ان تغير في سياستها، والا فان الزيادة لن تحل المشكلة، ولهذا يجب ان يكون الحل شاملاً وكاملاً، اي الاقراض والمراقبة وتحسين الاداء، ومن ثم تفعيل الجزاءات.
وهذا يحل جزءا من الازمة وليس كلها، فنحن لا نملك عصا سحرية، فهناك جزءان من المشكلة الاول رقابي والثاني تحسين اداء الشركات.
الخوف من المبادرة!
● انت تعرف الذهنية السائدة في الكويت فهل مازلت تأمل بان كل ما هو مطروح حالياً قد يشكل حلاً؟
■ السؤال الذي نطرحه هو هل استطاعت الشركات تطوير نفسها في ظل الازمة، وماذا قدمت دون تدخل الحكومة، ونحن لدينا مجموعة من الشركات تمتلك الكفاءات المالية والاقتصادية الكثيرة وهذه المجموعة غيرت من سياساتها في الاستثمار واعادت جدولة ديونها وتعاملت تعاملاً حذراً، وقامت بدور دون الحاجة لتدخل الحكومة، ولو انتظرت الحكومة لكانت نهايتها لكنها كيّفت نفسها واستمرت وانقذت نفسها.
ولكن عندما نتحدث عن الاقتصاد فان هذا يشمل القطاعين العام والخاص، ومسؤولية كل منهما في تطوير الاقتصاد لكن المسؤولية مازالت على الحكومة وهي التي تملك المشاريع والدراسات وغيرهما، ولكنها حتى هذه اللحظة لم تتدخل. وبصراحة فان الهيئة العامة للاستثمار والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وصندوق الكويت للتنمية الاقتصادية وهي مؤسسات حكومية متوقفة تماماً الان خشية من المبادرة وبالتالي الاتهام السياسي بانها انقذت جهات محسوبة عليها، مع ان في امكانها التدخل استثمارياً ومن منطلقات اقتصادية بحتة، لكنها تخشى من المساءلة من السلطة التشريعية، وهذا هو الواقع اذ لا يوجد احد يريد ان يقوم بمسؤوليته، والقرار مفقود ولا تعرف الجهة التي عليها ان تأخذ القرار.
ونحن نتابع ما يحدث فالسلطة التشريعية دخلت في صراع مع الحكومة والخاسر الاكبر هو البلد والانقاذ الوطني.
● اذن السياسة قتلت الاقتصاد؟
■ عندما نتكلم عن السياسة والاقتصاد فان القاعدة السابقة هي ان تقود السياسة الاقتصاد حتى تحافظ على الاستقرار.
اما المدارس الاقتصادية الحديثة فقد اجمعت على عكس ذلك بان يقود الاقتصاد السياسة، لان الازمات لا تحلها الا المبادرات الاقتصادية وهذا ينعكس على امن واستقرار البلد.
واي بلد عندما يكون مستقراً اقتصادياً فهذا يعني انه مستقر سياسياً، وهناك بعض الدول مستقرة سياساً لكنها غير مستقرة اقتصادياً، لكن جميع الدول المستقرة اقتصاديا مستقرة سياسياً وليس لديها مشكلة.
● هل تشعر بان الدولة تريد ان تعاقب الاقتصاديين، كما جاء على لسان بعض المسؤولين، بأن على الشركات ان تذوق المرّ وتتحمل المسؤوليات؟
■ المسألة بكل بساطة هي تجيير الحالة الاقتصادية لمصالح بعض النواب كما نتابع من خلال التصريحات والتأزيمات وكأن بعض النواب الذين لا شأن لهم
او لا وجود لهم في الاقتصاد يريد ان يقحم نفسه في الازمة لمصالح انتخابية خصوصاً ان شبح الحل اصبح قريباً - كما نسمع - ونرى ان التأزيم ازداد، والسؤال هو هل بالفعل ان النواب غايتهم ليس حل الازمة وانما الاستفادة منها؟
والجواب ان البعض وليس كل النواب ونحن نعرف ان الاغلبية لها دورها الاقتصادي، فالبعض واشدد على «البعض» يريد ان يستفيد من الازمة، والمشكلة في الكويت انه لا يوجد وعي تكاملي في الحالة السياسية والاقتصادية، وبالتالي يسهل جداً دغدغة عواطف المواطنين عندما نتحدث عن اي ازمة او قضية، بل نستطيع دغدغة عواطف المواطنين بخلق الازمات، كما يحدث الان. فالكويت
دخلت في ازمة اقتصادية، فأوجدنا ازمة اخرى هي ازمة قروض المواطنين مع ان هذه لم تكن ازمة، فالقروض موجودة منذ سنوات، لكن للاستفادة من هذه لمصالح شخصية وانتخابية تم خلط القضيتين مع ان الازمة الاقتصادية تعصف بكل البلد، وانا هنا لا اقول انه لا توجد ازمة قروض مواطنين لكن الاولويات تفرض معالجة الازمة الاكبر اولاً، لا ان نغرق في ازمة نسبة بسيطة من المواطنين المتضررين. الازمة.. ازمة بلد.. وهناك «بعض النواب وللاسف الشديد قدموا مصالحهم وحساباتهم الانتخابية على البلد، وخلقوا الازمات وهنا يأتي دور الناخبين انفسهم لمحاسبة النائب ولو حل المجلس الحالي، فان على الناخب الذي اصبح يتمتع بوعي ان يختار فعلاً النائب الذي يمكنه ان يؤدي دوره.