المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حرب التجسس بين اسرائيل وحزب الله



بهلول
03-13-2009, 11:52 PM
تاريخ النشر : 2009-03-13

غزة-دنيا الوطن


منذ نشأة «حزب الله» في بداية الثمانينات، تدور حروب متواصلة بينه وبين إسرائيل. فالقضية بينهما هي قضية وجود لكل منهما كما يبدو، حتى أنه باتت هناك قناعة بأن الحروب بينهما لن تنتهي إلا بانتهاء أحدهما.. أو بقدرة قادر. خاض الحزب معارك كبرى عدة مع إسرائيل في العامين 1992 و1996، وأخيرا في عام 2006 حيث كانت أكبر هذه الحروب وأشرسها. كما خاض الحزب حرب استنزاف طويلة ضد الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، استمرت نحو عقدين من الزمن ولم تنته بانسحاب إسرائيل من الجنوب في عام 2000. ويخوض الحزب والدولة العبرية في كل يوم وساعة ودقيقة، حربا سرية استخباراتية، لا يعرف الناس من فصولها إلا ما يسربه هذا الجانب أو ذاك من نجاحات يحققها، أو ما لا يمكن إخفاؤه من عمليات اغتيال ينفذانها.

نجح حزب الله مرات عديدة، ونجحت إسرائيل أيضا في توجيه الضربات. وتعلم كلاهما من «التجربة والخطأ». استطاعت إسرائيل أن تغتال أبرز رجالات الحزب العسكريين والأمنيين، وأخيرا عماد مغنية الذي أحدث اغتياله خضة أمنية كبيرة في صفوف حزب الله الذي تقول المعلومات إنه قام بعد الاغتيال بـ«نفضة» أمنية غير مسبوقة في صفوفه لتجنب واقعة مماثلة قد تكون أقسى. وفي المقابل، نجح الحزب في تفكيك أخطر الشبكات الإسرائيلية، وآخرها شبكة مروان فقيه الذي تقول المعلومات إنه قد يكون أخطر عميل لإسرائيل لجهة اختراقه الحزب. ومن المعروف عن «حزب الله» تمتعه بجهاز أمن متقدم، وهو أجاد استخدام التقنيات التي سهلت عليه التنصت الهاتفي على الجنود الإسرائيليين، كما أنشأ في المقابل جهاز اتصالات خاص به بعيد عن هواتف الدولة اللبنانية... والرقابة الإسرائيلية. ويقول قيادي سابق في الحزب لـ«الشرق الأوسط» إن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله «لم يلمس في حياته هاتفا خليويا»، مشيرا إلى أن اتصالاته الهاتفية كلها تتم من خلال شبكة الحزب الداخلية، حتى تلك التي يجريها مع قياديين لبنانيين أو غيرهم، إذ تتم بربط الشبكة العادية بشبكة الحزب لبعض الوقت وبوسائل تقنية تجعل من تتبع مصدر الاتصال أشبه بالمستحيل.

وكانت وحدة من لواء النخبة في الحزب، المعروف باسم «لواء غولاني»، قد كشفت، وعن طريق الصدفة، مركزًا للتنصت على كل مكالمات الجيش الإسرائيلي في إحدى قرى الجنوب اللبناني خلال الحرب الأخيرة. وتقول دراسة عن الحرب الأخيرة أعدها مديرا «منتدى النزاعات» اليستر كروك المسؤول السابق في المخابرات البريطانية، ومارك بيري الكاتب والمحلل المتخصص في الشؤون العسكرية والاستخباراتية والسياسة الخارجية، إن لدى «حزب الله» قدرات للتنصت على الإشارات اللاسلكية، وهو ما جعل الحزب قادرا طوال مدة الحرب الأخيرة، على التنبؤ بالزمان والمكان الذي ستهاجم فيه المقاتلات والقاذفات الإسرائيلية. وكان لهذا أيضا الأثر الحاسم على الحرب البرية من خلال اعتراض وقراءة التحركات الإسرائيلية. كما أتقن مسؤولو الاستخبارات في حزب الله القدرة على التجسس على الإشارات، إلى درجة مكنتهم من اعتراض الاتصالات الأرضية بين القادة العسكريين الإسرائيليين الذين استخفوا بقدرات المقاومة، على إجادة تقنيات مضادة للتقنيات الإسرائيلية الفائقة التطور القائمة على «القفز بين الترددات». بعد حرب عام 2006، اتخذت قيادة الجيش الإسرائيلي قراراً برفع حجم ميزانية شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش في محاولة للتغلب على التقنية المتقدمة التي بحوزة «حزب الله»، والتي تمكنت من اختراق أجهزة الاتصالات الإسرائيلية والتجسس عليها على مدى عدة أعوام. ونقلت وكالات الأنباء عن ضابط إسرائيلي رفيع المستوى أنه «لا يمكن التنصت على حزب الله بنفس التكاليف التي يتنصت علينا، فمطلوب هنا تمويل جدي وكبير». وأشار إلى أنه «في أعقاب كشف الجيش عن معدات تكنولوجية لدى حزب الله وقدرات عسكرية متطورة، على عكس ما اعتقدنا، سيكون من الضروري زيادة الميزانية بشكل كبير، من أجل بناء الشعبة الاستخباراتية بشكل جدي وتزويدها بإمكانات عالية».

ويشير العميد المتقاعد أمين حطيط، إلى أن الحرب السرية بين الطرفين «وصلت إلى درجة التناغم بالرعب المتبادل؛ فإسرائيل تعيش منذ اغتيال مغنية حالة توتر وحذر بانتظار الرد، والحزب يعيش حالة حذر واتقاء من الاغتيال. لذلك يمتنع قسما كبيرا من قادته من الظهور علنا، ويحرمون من السفر إلى بعض الدول، كما يمتنعون كليا عن السفر إلى دول أخرى». ويلفت حطيط إلى أن إسرائيل لا تزال تمارس حربها السرية ضد «حزب الله» منذ انطلاقته كحركة مقاومة في العام 1982، فيما أن الحزب بدأ حربه السرية بفعالية منذ عام 1992، أي بعد اغتيال أمينه العام الشيخ عباس الموسوي، ما اضطره إلى دخول هذه الحرب لحماية قياداته أولا. ويشير إلى أن الحزب حقق في السنوات السبع الأولى انجازات مهمة جدا، لكنه لم يتفوق على إسرائيل. ويرى العميد المتقاعد أن نجاحات الحزب الفعلية بدأت بعد عام 2000 فيما أن إسرائيل بقي مجالها الاغتيال. ويعترف حطيط بوجود «تقدم» إسرائيلي في مجال الاغتيالات التي استطاعت إسرائيل من خلالها الحصول على سبعة أهداف دسمة في أقل من 10 سنوات، بالإضافة إلى اغتيال رأس الهرم في الحزب الشيخ عباس الموسوي في عام 1992. وقد تمكنت إسرائيل من اغتيال القيادي في الحزب فؤاد مغنية في عام 1994، عبر زرع تفجير استهدفه في محلة الصفير في ضاحية بيروت الجنوبية، في سيناريو قيل إنه يستهدف استدراج شقيقه عماد للظهور واغتياله. ثم اغتالت القيادي في الحزب علي ديب في شرق صيدا في 16 أغسطس (آب) 1999، وبعده المسؤول عن التنسيق مع التنظيمات الفلسطينية علي صالح في الضاحية الجنوبية في 2 أغسطس (آب) 2003، ثم اغتالت قياديا آخر يعمل على الملف نفسه، هو غالب عوالي في 19 يوليو (تموز) 2004. واغتالت أيضا الشقيقين محمود ونضال المجذوب القياديين في حركة الجهاد الإسلامي في 26 مايو (أيار) 2006.

وفي المقابل، نجح «حزب الله» باغتيال قائد القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان إيرز غيرشتاين بهجوم على موكبه في 28 فبراير (شباط) 1999، ونجا خلفه غابي اشكنازي من محاولة مماثلة في الجنوب بعد رصد الحزب تحركاتهما. خلص الإسرائيليون يومها إلى وجود تخطيط مسبق لـ«الاعتداء»، إذ أن تلفزيون المنار بدأ منذ لحظة إعلان النبأ بث مادة أرشيفية لنحو 20 دقيقة عن حياة غيرشتاين. ونجح الحزب أيضا في اغتيال أحد كبار المتعاملين مع إسرائيل في جنوب لبنان، هو عقل هاشم، بتفجير عبوة ناسفة في مزرعته في الجنوب.

وفي الإطار نفسه، يقول الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد إلياس حنا أن مقياس النجاح والفشل في الحرب السرية هي في من يضرب الآخر أخيرا، مشيرا إلى أنه بعد اغتيال مغنية كان لا بد للحزب من القيام بعملية تنظيف واسعة في المؤسسة الأمنية لأنه لا يعرف إلى أي حد تم اختراقه أمنيا وهو لا يستطيع أخذ أي مخاطرة، فيعتمد «السيناريو الأسوأ». ويشير حنا إلى أن إسرائيل فشلت في حربها مع «حزب الله» في الاستعلام التقني، إذ تبين خلال التنفيذ أن لا معلومات أساسية لدى الإسرائيليين عن الحزب في الميدان، معتبرا أن إسرائيل «حتى في الميدان الاستراتيجي فشلت».

ويقول حنا أن ما نعرفه من الحرب السرية هو ما يظهر منها، فيما تبقى الكثير من الأسرار مكتومة. ويشير إلى أن الحزب استطاع مثلا أن يحصل على معلومات استراتيجية في عملية أنصارية وأن يفشل العملية ويضرب القوة الخاصة الإسرائيلية، موضحا أن «حزب الله» هو من التنظيم الوحيد الذي خرق إسرائيل استخباراتيا. ويقول إن ما يساعده في ذلك هو «التناغم مع الحركات الجهادية في الداخل الفلسطيني، وهي حركات من إنتاج إيراني بامتياز». ويتحدث عن «امتداد عربي وإسلامي في إسرائيل متعاطف يمكنه نقل المعلومات إلى الحزب». لكنه يقول إن الحزب ما يزال يفتقر إلى المعلومات الأساسية داخل صناعة القرار الإسرائيلي والتي لا يمكن أن تتوفر لضابط أو جندي عادي، فيما أن الحزب تعرض لضربة قوية باغتيال مغنية الذي يحمل تراكمات وخبرات كبيرة وكانت له اليد الطولى في إنجازات الحزب منذ الثمانينات.

ويرى حنا أن الاستراتيجية هي «وهمية بشكل عام»، ويقول: «قد تفكر أنك محق وأن العدو يفكر بهذه الطريقة أو تلك وتخطط للنجاح، لكن المهم هو المعلومة التي إذا لم تستغل تبقى وهما». ويشير إلى ضرورة تكامل القدرة على جمع المعلومة مع القدرة على الاستفادة منها آنيا، ولهذا لا بد من التساؤل عن وجود هذه الآنية لدى الحزب ومدى قدرته على استغلالها.

يقول حنا إن «المعلومات والمفاجآت تبدأ غامضة لأن الظاهرة تكون جديدة، لكن هذا الغموض يتحول مع الوقت إلى «بازيل» (أو أحجية) تعرف أنها صعبة، لكن بقرارة ذاتك تعرف أن لها حلا، ومن خلال التجربة والخطأ يمكن أن تصل إلى هذا الحل». ويضيف: «حزب الله قبل الالتحام المباشر مع إسرائيل كان لغزا وكلما قاتلها أكثر كلما اقترب منها بأن يقاتل بطريقة أكثر تقليدية، وكلما أصبحت هي أقل تقليدية، يضيق الهامش بينهما». ويشير إلى أن هذا يجعل قدرة الحزب على الابتكار أصعب، خصوصا أنه أصبح أكثر مؤسساتية مما يجعله أكثر قابلية للاختراق.

ويرى حطيط، وهو عميد متقاعد ارتبط اسمه بترسيم «الخط الأزرق» الحدودي بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000، أن نجاح «حزب الله» في الحرب السـرية والنفسية «يعادل إن لم يتقدم على الحرب العسكرية». ويشير إلى «عناوين كبيرة عدة» حقق فيها الحزب النجاح غير المسبوق، منها الملتصقة بالميدان. ويقول «إن إسرائيل اعتادت أن تقدم الصورة كما ترتسم بريشتها قبل أن تجد فريقا عربيا يضاهيها في ذلك». ويشدد على أن القدرة التي يمتلكها الحزب على خرق جهاز الأمن الإسرائيلي وجمع المعلومات في فترات الهدوء والحرب «غير مسبوقة».

يرى حطيط «أن مشكلة العرب مع إسرائيل أنهم حاربوها دون أن يعرفوها، فيما أن «حزب الله» رسم في الحرب الأخيرة بنك أهداف دقيقا تبين أنه أهم من بنك الأهداف الإسرائيلي». ويشير إلى أن إسرائيل حاربت «حزب الله» بالأساليب السرية نفسها التي كانت تمارسها ضد حركات المقاومة الأخرى وضد الأنظمة والدول العربية، أي عبر «زرع جيوش من العملاء»، لكنه يقول إن الحزب استطاع «اقتلاع عيونها وآذانها من منطقته»، كاشفا أنه في الحرب الأخيرة «تم خلال ساعات إخراج كل من كان هناك شك في إمكانية تقديمه المعلومات من كامل الجنوب». ويرى أن الحرب السرية تبقى غالبا بعيدة عن الأضواء، وأن ما يعلن منها هو أقل بكثير مما يحدث في الواقع. ويشير إلى أن الطرفين لا يعلنان عن الكثير مما يحصل «لأن الحرب السرية هي عمل تراكمي، ولا يمكن لأحدهما أن يعلن عن أسراره، بل يحاول البناء على إنجازاته والاستفادة منها بدلا من التفاخر فيها». ومنذ انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني في مايو (أيار) 2000، لاحظ جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) زيادة في معدلات تجنيد العملاء من قبل حزب الله داخل إسرائيل. وتقول تقارير إسرائيلية، إنه منذ ذلك التاريخ وحتى الآن تم الكشف على أكثر من 20 شبكة تجسس.

كما أن جهود حزب الله في تجنيد العملاء لم تتركز فقط على العرب في داخل إسرائيل، إنما شملت السياح، والإسرائيليين أيضًا. فقد أعلنت إسرائيل أنها ألقت القبض على أحمد الأشوح، وهو سائح دنماركي من أصل فلسطيني، وحُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات بتهمة إرساله من قبل حزب الله لجمع معلومات عن أهداف داخل إسرائيل.

وفي عام 2001، حاول حزب الله الحصول على خرائط ومعلومات خاصة بتحركات قوات الأمن الإسرائيلية على الحدود الشمالية مع لبنان، من اثنين من رجال الشرطة اليهود مقابل الكثير من المال. وقد تعاون الشرطيان الإسرائيليان، شمعون مالكا وإتيان رودكو، إلى أقصى مدى مع حزب الله، قبل القبض عليهما. ويقول الصحافي بجريدة هآرتس والمتخصص في شؤون التجسس والمخابرات يوسي ميلمان، إن حزب الله «يحاول دومًا إقامة علاقات- سواء داخل إسرائيل أو خارجها - مع صحافيين (عرب ويهود) ومع رجال أعمال إسرائيليين، وأحيانًا بدون علمهم».

ويتهم «حزب الله» بالاعتماد في مواجهة إسرائيل على عمليات منظمة لتهريب المخدرات إليها، وقال الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الجنرال جيورا أيلاند إن الحزب يفهم معنى الحرب الحديثة أفضل من إسرائيل في بعض الأحيان. وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن حسن نصر الله يرغب في إغراق إسرائيل بالمخدرات، وأنه هرب عشرات الكيلوغرامات من الهيروين إلى إسرائيل منذ حرب صيف عام 2006 سعياً إلى ما قالت إنه «تسميم» المجتمع الإسرائيلي.

ومن بين أحدث الموقوفين، إسماعيل سليمان الذي تقول لائحة الاتهام الإسرائيلية أنه قدم لـ«حزب الله» معلومات عن تحركات وحدات من الجيش الإسرائيلي في المنطقة التي يقطنها شمال إسرائيل. وذكرت لائحة الاتهام أن سليمان التقى في شهر سبتمبر (أيلول) 2008 ناشطًا من «حزب الله» خلال تأديته مناسك العمرة، واتفق الاثنان على أن ينقل سليمان للحزب معلومات أمنية حساسة.

وفي فبراير (شباط) 2008، أوقفت إسرائيل جنديا بتهمة التجسس لحساب حزب الله بعد الاشتباه بنقله إلى الحزب معلومات حول قواعد عسكرية مقابل مخدرات. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 أصدرت محكمة حيفا المركزية الإسرائيلية حكمها بالسجن لمدة ثلاث سنوات وسنتين مع وقف التنفيذ على فتاة من «عرب 48» قالت المحكمة الإسرائيلية أنها تتخابر مع حزب الله بعد أن تم تجنيدها عندما كانت تدرس الطب في جامعة أردنية. وقد تمكنت إسرائيل من كشف شبكات للعملاء قام حزب الله بتشغيلهم من بين سكان قرية بيت زرزير البدوية، وقد حكم على أحد سكانها عمار رحال بالسجن لثماني سنوات بتهمة التجسس. وكان على رأس شبكة أخرى من نفس القرية ضابط بالجيش الإسرائيلي برتبة عقيد هو عمر الهيب، الذي حكمت عليه المحكمة العسكرية الإسرائيلية بالسجن لمدة 15 سنة بتهمة التجسس. وقالت إسرائيل إن الوسيط بين حزب الله وهاتين الشبكتين شخص يدعى جمال رحال، وهو من نفس القرية وسبق أن خدم في الجيش الإسرائيلي كقصاص للأثر، وقد حُكم عليه مؤخرًا بالسجن لمدة 18 عامًا بتهمة التجسس.

وتقول إسرائيل إنه في عام 2002، قام رجال حزب الله بتزويد العقيد عمر الهيب ورجاله بعشرات الكيلوغرامات من الحشيش والهيروين لبيعها في السوق، وفي المقابل كلفوه بمهام محددة وبجمع المعلومات بخصوص تحركات قائد المنطقة الشمالية، آنذاك، غابي أشكنازي، والترتيبات الأمنية التي يتخذها أثناء تحركاته، بالإضافة إلى تحركات الدبابات في منطقة شمال إسرائيل، ونشاطات الجيش على الحدود وتحركات سلاح الطيران. وطلبوا من رحال الحصول على خرائط عسكرية.

وتصف إسرائيل هذه الشبكة التي شملت 11 ضابطا وجنديا بأنها «الأخطر في تاريخ الدولة». وقالت لوائح الاتهام إن الاتصال مع «حزب الله» تم بواسطة أوراق صغيرة، يطلب فيها حزب الله معلومات معينة، فيأخذها أعضاء الخلية، ويحفظونها عن ظهر قلب، ثم يمزقون الأوراق قطعا صغيرة وينشرونها وهم عائدون من الحدود اللبنانية بسياراتهم، ورقة ورقة. وعندما يعدون الإجابات، يسلمونها على الحدود بالطريقة نفسها، ويتقاضون ثمنها إما نقودا بالدولار الأميركي أو قيمتها مخدرات.

ومن بين المعلومات والمطالب، قالت إسرائيل إن حزب الله تقدم بها وتجاوب معها أفراد الخلية، وهي معلومات دقيقة عن أشكنازي نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي منذ أن كان قائدا للواء الشمالي، وجدول عمله اليومي وتحركاته ومكان سكنه وطباعه. ومعلومات دقيقة عن مجموعة من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي في منطقة الشمال، وأماكن سكنهم وأوقات دوامهم وطرق عملهم. ومعلومات عن معسكرات الجيش والقواعد العسكرية في منطقة الشمال وخرائط تبين مسار الدوريات العسكرية على الحدود مع لبنان وأوقات تحركها وخرائط عن مسار الدبابات، وزيارات القادة الكبار لها، ومعلومات عن آلات التصوير التي تنشرها إسرائيل على طول الحدود مع لبنان، إضافة إلى معلومات تفصيلية عن المنطاد ذي المحرك، الذي يرفعه سلاح الجو لرصد تحركات عناصر حزب الله. كذلك حصوله على 12 هاتفا جوالا تابعة لمختلف شركات الهواتف الإسرائيلية، حتى يستفاد منها للرصد والكلام بين الطرفين. وحسب لوائح الاتهام فإن خلية العسكريين الإسرائيليين تلقت أموالا طائلة لقاء هذه الخدمة تقدر بمئات ألوف الدولارات إضافة إلى كمية كبيرة من عشرات الكيلوغرامات من المخدرات على اختلاف أنواعها من الحشيش، والهيروين وغيرهما.

في المقابل، حقق «حزب الله» العديد من النجاحات في حربه «السرية» مع إسرائيل أبرزها إحباطه عملية إنزال إسرائيلية قرب بلدة أنصارية في جنوب لبنان. ففي ليلة مظلمة من ليالي شهر سبتمبر (أيلول) 1997 نزلت مجموعة كوماندوس إسرائيلية من شاطئ البحر باتجاه تلال البلدة لنصب كمين لهدف ما لتجد نفسها في كمين محكم نصبه رجال الحزب الذين قتلوا من الوحدة الإسرائيلية 12 جنديا بقيت أشلاء معظمهم في أرض المعركة. الجميع كان يدرك أن «حزب الله» علم مسبقا بحصول الإنزال، وبمساره أيضا. وهو سؤال أثار قلقا إسرائيليا عميقا كون هذه المعلومات لم تتح إلا لعدد قليل من المسؤولين آنذاك، وقد أدى هذا إلى فتح تحقيق كبير داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وقد توصل هذا التحقيق إلى أن الحزب استطاع تحليل المعلومات التي تبثها طائرات التجسس واستنتج منها مسار العملية.

والعملية الثانية تمثلت بنجاح الحزب في استرجاع معتقل سابق «اختفى» بعد اغتيال قائده السيد عباس الموسوي في عام 1992 عبر عملية أمنية نفذت في أوروبا، أوهم خلالها الإسرائيليون بإمكانية الحصول من خلاله على معلومات مهمة عن الحزب، فجرى نقله من المعتقلات الإسرائيلية إلى الخارج حيث استطاع الحزب «سحبه» إلى لبنان. وقد حول تلفزيون «المنار» الواقعة إلى فيلم تلفزيوني بث بعد أشهر على عودته. واستطاع «حزب الله» أيضا استدراج ضابط احتياط إسرائيلي إلى لبنان هو العقيد الحنان نتنباوم واستعمله في صفقة تبادل مع إسرائيل بعد إيهامه بإمكانية حصول صفقة كبيرة يجني من خلالها الكثير من المال.

واستطاع «حزب الله» أيضا أن يكشف عن عشرات الشبكات الإسرائيلية، وبنى لنفسه منظومة أمنية عجزت إسرائيل عن اختراقها. ولا تكاد تخلو سنة من نبأ اكتشاف الحزب أو أجهزة الاستخبارات اللبنانية التي تنسق مع الحزب في هذا المجال لشبكة إسرائيلية ما، أبرزها في السنوات الماضية، ثلاث شبكات إحداها شبكة يقودها المدعو محمود رافع في عام 2007، وهي شبكة اعترف الضالعون فيها بعمليات اغتيال وتجسس أبرزها اغتيال جهاد جبريل نجل القيادي الفلسطيني أحمد جبريل كذلك اغتيال الأخوين مجذوب في صيدا.

ثم أتى اكتشاف شبكة الأخوين علي ويوسف ديب الجرّاح اللذين تمّ توقيفهما في الصيف الفائت بعد نحو ربع قرن من التعامل مع جهاز الموساد، وهي شبكة وصفتها المصادر اللبنانية بأنها «الأخطر في تاريخ الصراع مع إسرائيل». فقائدها عمل مع الموساد منذ عام 1982 واستطاع أن يصور مواقع في لبنان وسورية وقدم لنفسه غطاء محكما لم يخذله إلا بعد 26 عاما. وأخيرا شبكة مروان فقيه الذي أوقف الشهر الماضي ويبدو أنه أكثر من أحدث خرقا لبنية «حزب الله» حيث زود قياديين في الحزب بسيارات تحمل أجهزة تعقب. ويبدو أن الحزب يخشى أن يكون الإسرائيليون قد تمكنوا، من خلال المعلومات التي حصلوا عليها من هذه الأجهزة، من تحديد مواقع ومنازل قياديين ومراكز قيادة الحزب.