المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 'زيادة جرعة الولاء والطاعة' وصفة للعودة الى مناصب المسؤولية في الجزائر



أمير الدهاء
03-07-2009, 12:11 PM
القدس العربي اللندنية

حتى بعد الاقالة والاهانة

الجزائر - كمال زايت

كشفت فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن فئة من الساسة والمسؤولين الذين يغادرون المناصب بطرق تكون أحيانا مهينة، لكنهم على الرغم من ذلك يزيدون في جرعة الولاء والطاعة، فتمر الأيام ويعودون إلى تولي مناصب أخرى.

من الصعب حصر عدد المسؤولين والساسة الذين ينتمون إلى هذه الفئة، لكن هناك أسماء بارزة لا يمكن أن تخطئها عين المراقب للشأن السياسي في الجزائر خلال السنوات العشر الماضية.
يأتي في مقدمة هؤلاء عبد القادر حجار سفير الجزائر حاليا وأحد قياديي حزب جبهة التحرير الوطني، والذي كان من الذين وقفوا إلى جانب الرئيس بوتفليقة في انتخابات الرئاسة الأولى التي خاضها في عام 1999.

بعد إسدال الستار على تلك الانتخابات انتظر حجار الحصول على مقابل 'لوقفته' إلى جانب بوتفليقة، إلا أن ذلك لم يحدث، الأمر الذي جعله يبعث رسالة طويلة عريضة يشتكي فيها للرئيس ألمه وأسفه لأنه لم يحصل على منصب كمكافأة. ولم يجد الرئيس بوتفليقة من طريقة ليرد فيها على حجار سوى أن يبعث بالرسالة إلى وكالة الأنباء الجزائرية (رسمية) مع توصية بنشرها. في اليوم التالي خرجت كل الصحف الجزائرية بالرسالة على صدر صفحاتها الأولى، فأصيب حجار بخيبة أمل كبرى أعقبتها أزمة قلبية رقد بسببها لعدة أيام في المستشفى، وقيل أنها كانت بسبب تعميم الرسالة.

ورغم ما حدث، زاد حجار في جرعة المساندة والتأييد للرئيس بوتفليقة، ولم يحاول في أي لحظة من اللحظات أن يتحول إلى المعارضة فنال جزاءه إذ، وبعد سنوات قليلة، عاد إلى الأضواء سفيرا للجزائر في طهران ثم القاهرة، فرد الجميل بأن انضم الى قيادة ما سمي الحركة التصحيحية في حزبه (جبهة التحرير)، التي برزت عندما قرر أمينه العام السابق علي بن فليس أن يترشح في انتخابات الرئاسة منافسا لبوتفليقة. وناورت 'الحركة التصحيحية' حتى جعلت بن فليس يدفع ثمن تفكيره الترشح ضد بوتفليقة، فأطاحت به من على رأس الحزب وعزلته سياسيا وأحالته على التقاعد قبل الأوان.

تكررت نفس الواقعة بأشكال متعددة عشرات المرات مع مسؤولين من مختلف المستويات، وأصبح الجميع يحفظ ما يمكن أن نلخصه في القاعدة التالية: 'إذا عزلوك من منصبك، ولو بطريقة مهينة، فلا تحتج، ولا تعبر عن ألمك، وتأكد بعد ذلك بأنك ستعود'.

ولعل أحمد أويحيى الوزير الأول حاليا حالة خاصة بين كل هؤلاء المسؤولين، فبعد أن كان من رجال الرئيس السابق اليمين زروال وتولى رئاسة الحكومة في عهده، وجد نفسه بعد مجيء بوتفليقة في 1999 يكلف بوزارة العدل. وخلال تلك الفترة تعرض إلى حملة شرسة، على حد قوله، وصلت حد اندلاع حرائق متكررة في السجون. بعد ذلك أصبح مجرد وزير بلا حقيبة، ومع ذلك ظل يكرر عبارات الدعم والمساندة للرئيس بوتفليقة بمناسبة وبدون مناسبة. وبعد أن اندلع الخلاف بين الرئيس بوتفليقة وبين رئيس حكومته الأسبق علي بن فليس في عام 2003، عاد أويحيى إلى الواجهة من جديد رئيسا للحكومة، ووقف إلى جانب الرئيس بوتفليقة في انتخابات 2004 ضد بن فليس وضد وزرائه الذين كانوا معه في نفس الحكومة. غير أن الأمور تدهورت فجأة مع نهاية عام 2005، بعد إصابة الرئيس بوتفليقة بوعكة صحية نقل على اثرها إلى مستشفى فال دوغراس بباريس، وبقائه هناك عدة أسابيع.

ابتداء من مطلع شهر ايار/مايو 2006 بدأت الصحف وصالونات السياسة تتناقل أخبار الخلاف بين بوتفليقة وأويحيى، وبات معلوما أن رئيس الحكومة لم يعد مرغوبا فيه، وأن الرئيس رفع يد الحماية عنه، فاندلعت حملة شرسة ضده من شركائه في التحالف الرئاسي وصلت حد منعه من تقديم حصيلته أمام البرلمان. وقد هدد العياشي دعدوعة رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير (شريكه في التحالف) آنذاك بسحب الثقة من الحكومة إن أصر أويحيى على تقديم حصيلته التي وصفت بالسلبية.

ومن عجائب السياسة في الجزائر أن أويحيى عاد على رأس الحكومة سنتين بعد ذلك، مع بقاء نفس الفريق الوزاري، ومع بقاء العياشي دعدوعة رئيسا للمجموعة البرلمانية لجبهة التحرير، ولكن حصيلة الحكومة وأداءها تحولا بقدرة قادر من سيئة إلى إيجابية ومليئة بالإنجازات!
ومع أن أويحيى بعث باستقالته للرئاسة عندما اشتدت الحملة ضده، إلا أن الإعلان عنها لم يتم إلا بعد حوالي أسبوعين. ولما استقبله بوتفليقة له ليقدم استقالته كان الغضب باديا على ملامح الرئيس. وعندما كان أويحيى يهم بمغادرة قصر الرئاسة، قال انه يتمنى طول العمر والصحة للرئيس بوتفليقة، وأنه سيظل داعما له اليوم وغدا.

بعدها تولى عبد العزيز بلخادم رئاسة الحكومة، خلفا لأويحيى. استمر رئيسا للحكومة لمدة حوالي سنتين تفنن خلالهما في التعبير عن أنواع الدعم والمساندة المطلقة للرئيس بوتفليقة إلى درجة أنه تخلى عن صلاحياته كرئيس حكومة معلنا انه مجرد 'منسق حكومي'، قبل أن يغادر منصبه بطريقة وصفت بالمهينة في حزيران/يونيو الماضي. وأُقيل بلخادم بقرار من بوتفليقة بعد 24 ساعة من مغادرة رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون الجزائر عقب زيارة وصفت بالمهمة لأنها كانت الأولى منذ 1986.

ورغم ما تردد عنه أنه كان قدم استقالته قبل ذلك بحوالي ثلاثة أسابيع، إلا أن بيان المرسوم الرئاسي الذي نشر في الجريدة الرسمية لم يشر الى ذلك، بل إن الرئيس بوتفليقة لم يستقبله بمقر الرئاسة كما جرت العادة، ولم يستقبل أيضا خلفه الذي لم يكن سوى أويحيى! كانت أول مرة في تاريخ رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على المسؤولية منذ الاستقلال، ألا يستقبل الرئيس رئيس حكومته المغادر وخليفته. وظل بلخادم بعد ذلك من أكثر المتحمسين والمدافعين عن الرئيس بوتفليقة، وقبل بأن يكون وزيرا بلا حقيبة لدى أويحيى.

عسكريون ومدنيون

وقعت خلال سنوات حكم الرئيس بوتفليقة حوادث كثيرة مماثلة، ولكن الفريق محمد العماري قائد أركان الجيش السابق لفت الانتباه أكثر من غيره. فهذا الأخير وقف، حسب الصحف وحسب كثير من الساسة، إلى جانب علي بن فليس في انتخابات الرئاسة التي جرت في 2004، بل إن التحليلات السياسية كانت تقدمه على أنه كان من أشد المعارضين لتقدم الرئيس بوتفليقة لولاية ثانية.
وعندما جاءت نتيجة الانتخابات لصالح الرئيس بوتفليقة قرر مغادرة منصبه في صيف عام 2004، وتوارى عن الأنظار لسنوات. لكن الغياب لم يدم طويلا حتى فوجئ الجزائريون بالعماري يحضر حفل إعلان الرئيس بوتفليقة ترشحه لولاية ثالثة في شباط/فبراير الماضي، بل إنه لم يتوقف عن التصفيق تعقيبا على كلام بوتفليقة. وغادر العماري الحفل وسط دهشة الذين يعرفون ما الذي كان بينه وبين الرئيس في انتخابات الرئاسة الأخيرة.

ولم يشذ مدير التلفزيون السابق والوزير الأسبق حمراوي حبيب شوقي أيضا عن القاعدة، فرغم أنه ترأس التلفزيون الجزائري (حكومي ولا وجود لمحطات قطاع خاص) منذ حوالي 10 سنوات، فقد بدا بأنه باق لسنوات أخرى، لكن الأمور تدهورت فجأة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عقب اتخاذ حمراوي قرارا بتغيير بعض المديرين والمسؤولين داخل التلفزيون. وتحولت هذه الإقالات إلى حديث الخاص والعام، خاصة وأن المقالين كانوا يوصفون بأنهم من 'مراكز القوى' داخل التلفزيون وأن لا أحد يجرؤ على المساس بهم.

وحسب المعلومات التي نشرت في وسائل الإعلام آنذاك، فإن هؤلاء اشتكوا مدير التلفزيون لشقيق الرئيس ومستشاره، السعيد بوتفليقة، وأنهم ربما اتهموه بأنه عيّن مسؤولين غير أكفاء في المناصب التي أبعدوا منها، وأن من خلفوهم أيضا مقربون من رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش. وتدهورت العلاقة بطريقة ما بين حمراوي وبين الرئاسة، وقدم استقالته من منصبه بعد أن رفض التراجع عن القرارات التي اتخذها.

وبسبب نفس القضية تم التخلي عن خدمات وزير الإعلام السابق عبد الرشيد بوكرزازة، الذي قالت تقارير انه اتهم بالموافقة على تلك التعيينات، وأنه كان يزور حمروش في بيته بين فترة وأخرى.
وبعد أيام من الشك والريبة أُعلن عن إقالة مدير التلفزيون، ولكن هذا الأخير وجه رسالة شكوى طويلة إلى الرئيس بوتفليقة، شدد فيها على أنه يبقى 'جنديا من جنود فخامته يضعه حيث يشاء'. ورغم أن كثيرين تنبئوا بنهايته سياسيا، إلا أنهم فوجئوا بعودته ضمن الفريق المكلف بالحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة. وكان الوزير السابق بوكزازة أيضا من الذين وجهت لهم الدعوة للانضمام إلى فريق حملة بوتفليقة.

يضم فريق بوتفليقة في انتخابات 2009، وجوها أخرى تنطبق عليها المقاييس المذكورة آنفا، يتقدمهم وزير الصحة الأسبق عمارة بن يونس، الذي انشق عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (المعارض) وأعلن عن مشروع تأسيس حزب جديد أطلق عليه اسم الاتحاد الجمهوري والديمقراطي. وانضم إلى فريق الحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة في انتخابات 2004، منتظرا 'رد الجميل' بأن يحصل على الاعتماد لحزبه بعد الانتخابات بسهولة كبيرة.
لكن المفاجأة كانت كبيرة عندما مرت الأشهر ولم يحصل عمارة بن يونس على الاعتماد، مع أنه كان قد ذهب بعيدا في تأييد سياسات الرئيس، بل وفي تبرير قرار وزارة الداخلية رفض اعتماد مشاريع أحزاب أخرى، خاصة حركة الوفاء والعدل التي أسسها الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية الأسبق، والجبهة الديمقراطية التي أعلن عن تأسيسها سيد أحمد غزالي رئيس الحكومة الأسبق.

وبكثير من الثقة في النفس قال بن يونس ان حزب طالب الإبراهيمي يستحق عدم الحصول على الاعتماد، لأنه أصولي متطرف. وقال عن حزب غزالي ان ملفه ناقص، وهو ما نفاه هذا الأخير معلنا أن الملف كامل منذ عدة سنوات، قبل أن يفاجأ بن يونس بوزير الداخلية يرفض منحه الاعتماد. وتسبب له ذلك في إحباط كبير، ولكن بدلاً من أن يعارض أو ينتقد النظام الذي رفض أن يمنحه الاعتماد، عاد بن يونس إلى بيته وانتظر اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لينضم مرة أخرى، هو وعدد من أفراد عائلته، إلى فريق الحملة الانتخابية لبوتفليقة.

وفي نفس السياق يوجد أيضا عبد القادر خمري الوزير الأسبق ورئيس شركة النشر والإشهار التي تحتكر كل إعلانات شركات القطاع العام، والذي أقيل من منصبه لأسباب غامضة في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2004. وقد راجت معلومات آنذاك بأن خمري أبعد بسبب وقوفه إلى جانب بن فليس في الانتخابات الرئاسية التي نافس فيها بوتفليقة، ورغم غيابه عن الأضواء طوال الولاية الثانية للرئيس بوتفليقة، إلا أنه كان حاضرا ضمن الفريق المكلف بالحملة الانتخابية الخاصة بالولاية الثالثة.

وتثير تصرفات هؤلاء السياسيين و'رجال الدولة' هذه الكثير من الأسئلة والفضول في الشارع وفي صفوف المعارضة. أحد هذه الأسئلة هو: هل قوة شخصية بوتفليقة هي التي تمحو شخصيات المحيطين به؟ أم أن هؤلاء الاشخاص مجبولون على تحمل الإهانات؟ أم أن مصالحهم المادية والمعنوية تجعلهم يتحملون أنواع الإذلال والإهانات السياسية؟