jameela
03-05-2009, 03:47 PM
المرشد الایرانی: هناک مغالطة کبیرة أن إسرائیل تمثل واقعا مضی علی عمره 60 عاما ... ألم تستعد دول البلقان هویتها بعد 80 عاما
فإن هذا الکیان الغاصب الذي کان قد ظهر طیلة عقود عدة کوجه رهیب و کقوة لاتقهر و ذلک بالاعتماد علی ما لدیه من جیش و سلاح و بفعل الدعم الأمریکي السیاسي و العسکري؛ نجده قد انهزم مرتین أمام قوی المقاومة التي کانت تقاتل بالاعتماد علی الله و الاستناد إلی جماهیر الشعب قبل اعتمادها علی السلاح و العتاد.
القى المرشد الایراني آیة الله على الخامنئي اليوم الاربعاء كلمة في افتتاح المؤتمر الدولي الرابع لنصرة الشعب الفلسطيني بالعاصمة طهران تحت شعار "فلسطين رمز المقاومة وغزة ضحية الاجرام" فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحیم
أرحب بالضیوف الکرام و حضرات العلماء و المفکرین و السیاسیین و المجاهدین المشارکین في المؤتمر الرابع للدفاع عن فلسطین في الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.
إن الفترة الزمنیة الواقعة بین هذا المؤتمر و المؤتمر السابق الذي انعقد في طهران من 15 حتی 17 شهر ربیع الأول لعام 1427 هـ ، قد شهدت أحداثا هامة و مصیریة تجعل آفاق مستقبل القضیة الفلسطینیة أکثر وضوحا، کما تلقي مزیدا من الأضواء علی مسؤولیاتنا تجاه هذه القضیة التي لاتزال تمثل القضیة الرئیسیة بالنسبة للعالم الإسلامي.
وتأتي ضمن هذه الأحداث المهمة، الهزیمة النکراء التي منيت بها إسرائیل عسکریا و سیاسیا أمام المقاومة الإسلامیة خلال حربها ضد لبنان عام 1427 هـ ، والتي استمرت 33 یوما ؛ ثم الفشل المخزئ الذي باء به الکیان الصهیوني خلال حربه الإجرامیة التي شنها لمدة 22یوما ضد الشعب الفلسطیني و الحکومة الفلسطینیة الشرعیة في غزة.
فإن هذا الکیان الغاصب الذي کان قد ظهر طیلة عقود عدة کوجه رهیب و کقوة لاتقهر و ذلک بالاعتماد علی ما لدیه من جیش و سلاح و بفعل الدعم الأمریکي السیاسي و العسکري؛ نجده قد انهزم مرتین أمام قوی المقاومة التي کانت تقاتل بالاعتماد علی الله و الاستناد إلی جماهیر الشعب قبل اعتمادها علی السلاح و العتاد.
و رغم التمارین و التحضیرات العسکریة و الاستعانة بالأجهزة الاستخباراتیة الضخمة و الدعم السخي المتواصل من قبل أمریکا و بعض الدول الغربیة و معاونة بعض المنافقین في العالم الإسلامي، ... رغم کل ذلک ، فقد کشف الکیان الصهیوني عن واقع انهیاره و عن المنحدر الحادّ الذي بات یتدحرج منه إلی الهاویة، کما أثبت عجزه أمام تیار الصحوة الإسلامیة الجارف.
من جهة أخری، فإن الجرائم التي ارتکبها الصهاینة المجرمون خلال حادث غزة التأریخي ـ متمثلة في قتل المدنیین علی نطاق واسع، و هدم البیوت العزلاء، و شق صدور الأطفال الرّضّع، و قصف المدارس و المساجد، و استخدام القنابل الفوسفوریة و بعض الأسلحة المحرمة الأخری، و سد طرق وصول الغذاء و الدواء و الوقود و سائر ما یحتاجه الناس لمدة سنتین تقریبا، و کثیر من الجرائم الأخری ـ ... کل تلک الجرائم قد أثبتت أن غریزة الهمجیة و الإجرام لدی قادة الدولة الصهیونیة المزیفة لم تتغیر عما کانت علیه خلال العقود الأولی لمأساة فلسطین؛ و إن نفس السیاسة و نفس الطبیعة الهمجیة و القسوة التي أوجدت مآسي دیریاسین و صبرا و شاتیلا، لاتزال تحکم بعینها الأذهان و النفوس المظلمة لهؤلاء الطواغیت .
و لاشک أن الاستعانة بالتطور التقني المعاصر قد وسع من نطاق الإجرام و جعله أکثر مأساویة بدرجات.
سواء أولئک الذین کانوا قد توهموا أن الکیان الصهیونی قوة لاتُقهر فرفعوا شعار « الواقعیة» و مدّوا ید المساومة و الاستسلام للغاصبین، أو أولئک الذین اعتبروا ـ حسب أوهامهم الباطلة ـ أن الجیل الثاني و الثالث من الساسة الصهاینة براء من جرائم الجیل الأول فعلقوا الآمال علی إمکانیة التعایش معهم بسلام ، ... ینبغي لهؤلاء جمیعا أن یکونوا قد انتبهوا الیوم إلی خطئهم في التقدیر.
فإنه أولا: علی ضوء موجة صحوة الأمة الإسلامیة و تنامي شجرة المقاومة الإسلامیة سقطت تلک الهیبة الزائفة و ظهرت مؤشرات العجز و الشلل في الکیان الغاصب. و ثانیا: یُلاحظ أن طبیعة العدوان و عدم الخجل من الإجرام لدی قادة هذا الکیان هي هي کما کانت لدیهم خلال العقود الأولی. فإنهم لایتورعون عن ارتکاب أي جریمة کلما وجدوا ـ أو ظنّوا ـ أنفسهم قادرین علیها .
لقد مرّ الیوم ستون عاما علی احتلال فلسطین. و طوال هذه المدة ، وُضع جمیع ملزومات القوة المادیة في خدمة المحتلین، ابتداء من المال و السلاح و التقنیة، إلی المساعي السیاسیة و الدبلوماسیة ، إلی شبکة الإمبراطوریة الخبریة و الإعلامیة الواسعة النطاق. و علی الرغم من هذه الجهود الشیطانیة الهائلة و المحیرة، لم یتمکن الغاصبون و لا حماتهم من حل مشکلة مشروعیة الکیان الصهیوني، لیس هذا فحسب، و إنما ازدادت هذه المشکلة تعقیدا و صعوبة علیهم مع مرور الوقت.
و مما یدل علی هذا التزعزع و التعقید في موقفهم هو أن الأجهزة الإعلامیة الغربیة و الصهیونیة و الحکومات الداعمة للصهیونیة لاتتحمل مجرد طرح سؤال أو إجراء بحث و دراسة حول الهولوکوست الذي اُتُخذ ذریعة لاغتصاب فلسطین . فقد أصبح الکیان الصهیوني الیوم أمام الرأي العام العالمي في حالة هي أسوأ من أي وقت مضی في تأریخه الأسود. کما أصبح التساؤل عن مبرر وجوده أکثر جدیة من أي وقت.
إن موجة الاحتجاج العالمیة العفویة التي انطلقت ضد هذا الکیان بشکل لم یسبق له مثیل و التي اجتاحت العالم من شرق آسیا إلی أمریکا اللاتینیة ، و المظاهرات الجماهیریة التي قامت في 120 بلد من بلدان العالم بما في ذلک البلدان الأوروبیة التي هي المنبت الرئیسی لهذه الشجرة الخبیثة، و ذلک سواء للدفاع عن المقاومة الإسلامیة في غزة أو عن المقاومة الإسلامیة اللبنانیة خلال حرب الـ 33 یوما ، ... کل ذلک إن دل علی شيء فإنما یدل علی ظهور مقاومة عالمیة ضد الصهیونیة بما لم یسبق له مثیل بهذا المستوی من الجدیة و الشمولیة طوال الأعوام الستین الماضیة. فیمکن القول إذن بأن المقاومة الإسلامیة في لبنان و فلسطین قد نجحت في إیقاظ الضمیر العالمي.
و إن هذا لدرسٌ کبیر لأعداء الأمة الإسلامیة الذین حاولوا أن یصطنعوا دولة و أمة مزیفتین بفعل القمع و الکبت، و أن یحولوا ذلک إلی واقع لایمکن إنکاره، ثم یعملوا علی تطبیع مثل هذا الظلم المفروض علی العالم الإسلامي؛ کما أنه درس کبیر للأمة الإسلامیة و بخاصة الشباب الغیاری و الضمائر الحیة فیها، لیعلموا أن الجهاد في سبیل استعادة الحق المسلوب لن یذهب هباءً ، و أن وعد الله حق إذ یقول : « أذن للذین یقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله علی نصرهم لقدیر.
الذین أخرجوا من دیارهم بغیر حقّ إلا أن یقولوا ربّنا الله و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع و بیع و صلوات و مساجد یذکر فیها اسم الله کثیرا و لینصرن الله من ینصره إن الله لقوي عزیز». و یقول تعالی: « إن الله لایخلف المیعاد » و قال عز و جلّ: « و لن یخلف الله وعده » و یقول: « وعد اللهِ لایخلف الله وعده و لکنّ أکثر الناس لایعلمون » و یقول عز من قائل: « فلاتحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزیز ذوانتقام » .
و أي وعد یکون أکثر صراحة من هذا الوعد الإلهي حیث یقول: « وعد الله الذین آمنوا منکم و عملوا الصالحات لیستخلفنهم في الأرض کما استخلف الذین من قبلهم و لیمکنن لهم دینهم الذي ارتضی لهم و لیبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا یعبدونني لایشرکون بي شیئا و من کفر بعد ذلک فأولئک هم الفاسقون» .
هناک مغالطة کبیرة قد انتابت أذهان بعض المعنیین فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة و هي أن دولة باسم إسرائیل تمثل واقعا مضی علی عمره ستون عاما، فیجب التصالح و التعایش معه. و أنا لاأدري لماذا لایتلقی هؤلاء الدرس من سائر الوقائع الماثلة أمام أعینهم؟ ألم تستعد دول البلقان و القوقاز و جنوب غرب آسیا هویتها الأصلیة مرة أخری رغم أنها عاشت ثمانین عاما في غیاب الهویة بعد التحول إلی أجزاء من الاتحاد السوفیتي السابق؟ فلماذا لاتستطیع فلسطین ـ و هي بضعة من جسد العالم الإسلامي ـ أن تستعید هویتها الإسلامیة و العربیة مرة أخری؟ و لماذا لایستطیع شباب فلسـطین ـ وهم من أکثر شباب الأمة العــربیة ذکاء و صمودا ـ أن یُغلّبوا إرادتهم علی هذا الواقع الظالم؟
و هناک مغالطة أخری أکبــر من المغالطة الأولی، و هي أن یقال بأن الطریق الوحید لإنقاذ الشعب الفلسطیني هو إجراء المباحثات! مع من یا تری تکون المباحثات؟ أتکون المباحثات مع الکیان الغاصب المتعسف الضالّ الذي لایؤمن بأي مبدأ سوی مبدأ القوة؟ ماذا جنی أولئک الذین علقوا الأمل علی هذه الألعوبة و الخدیعة؟
أولا : ما أخذه هؤلاء من الصهاینة باعتباره حکما ذاتیا ـ بغض النظر عن طبــیعته المخزیة و المهینة ـ قد کلفهم ثمنا باهظا و هو الاعتراف بملکیة الکیان الغاصب لکل أرجاء فلسطین تقریبا. ثانیا : إن تلک السلطة الناقصة الزائفة نفسها ظلت تُنتهَک و تُداس تحت أقدام الصهاینة مرات و مرات. فإن محاصرة یاسر عرفات في مبنی إدارته في رام الله مع أنواع ممارسات التحقیر و الإذلال لیست من الأحداث التي تمحی من الذاکرة. ثالثا: کان تعامل الصهاینة مع مسؤولي السلطة الفلسطینیة ـ سواء في عهد عرفات أو بعده ـ علی شکل التعامل مع رؤساء مراکز شرطتهم ممن یتمثل واجبهم في مطاردة و اعتقال المجاهدین الفلسطینیین و تطویقهم استخباراتیا و أمنیا.
فکان أن زرعوا بذور العداء بین الفصائل الفلسطینیة و حرّضوهم ضد بعضهم. رابعا: و حتی ذلک القدر الضئیل من الإنجاز لم یتحقق إلا بفضل جهاد المجاهدین و مقاومة الغیاری من الرجال و النساء الرافضین للاستسلام. فلولا موجات الانتفاضة لما أعطی الصهاینة للقادة الفلسطینیین التقلیدیین حتی هذا الشيء الضئیل رغم التنازلات المتواصلة التي قدمها هؤلاء للجانب الصهیوني.
هل تکون المباحثات مع أمریکا و بریطانیا اللتین ارتکبتا الذنب الأکبر من خلال إیجادهما هذه الغدة السرطانیة و دعمهما لها؟ و اللتین تمثلان طرفا في الدعوی قبل أن تکونا الوسیط فیها؟ فلم تتوقف الإدارة الأمریکیة یوما عن دعمها اللامحدود للکیان الصهیوني أو حتی لجرائمه السافرة من قبیل ما ارتکبه في غزة مؤخرا. بل إن الرئیس الأمریکي الجدید الذي جاء إلی سدة الرئاسة رافعا شعار التغییر في سیاسات إدارة بوش، نراه یتکلم عن التزامه ـ بلا قید أو شرط ـ بحمایة أمن إسرائیل، أي دفاعه عن إرهاب الدولة و عن الظلم و التعسف، و عن مجازر راح ضحیتها مئات من الرجال و النساء و الأطفال الفلسطینیین خلال 22 یوما. هذا یعنی نفس الطریق الخاطئ المسلوک في عهد بوش بالضبط.
کما أن إجراء المباحثات مع الأوساط التابعة للأمم المتحدة هو أیضا توجه عقیم آخر. فقلـّما نجد حالة قد تعرضت الأمم المتحدة فیها لاختبار فاضح مثل تعرضها للاختبار في قضیة فلسطین.
لقد سارع مجلس الأمن بالأمس إلی الاعتراف رسمیا باحتلال فلسطین من قبل الجماعات الإرهابیة الفاتکة و قام بدور أساس في تکریس هذا الظلم التاریخي و استمراره. ثم طفق یلتزم صمتا ینم عن الرضا أمام ما ارتکبه الکیان الصهیوني طوال عدة عقود من عملیات إبادة جماعیة و تشرید و جرائم حربیة و غیرها من أنواع الجرائم. بل إنه لما أعلنت الجمعـــیة العامة عنصریة الصهـــیونیــة لم یواکبها مجلس الأمن. لیس هذا فحسب و إنما ابتعد عن موقف الجمعیة العامة عملیا بمقدار 180 درجة.
إن الدول الجبارة في العالم و المتمتعة بالعضویة الدائمة في مجلس الأمن تستخدم هذا المحفل العالمي کأداة لها. و نتیجة لذلک ، فإن هذا المجلس لایساعد علی تعزیز الأمن في العالم ، بل یسارع لمساعدة تلک الدول الجبارة کلما یراد أن تکون مواضیع کحقوق الإنسان أو الدیمقراطیة و ما إلی ذلک وسیلة لفرض مزید من هیمنة تلک الدول، فیسدل علی أعمالها اللاشرعیة ستارا من الخداع و الدجل.
إن إنقاذ فلسطین لن یتحقق من خلال الاستجداء من الأمم المتحدة أو القوی المسیطرة و لا من الکیان الغاصب البتة. إنما السبیل إلی الإنقاذ هو الصمود و المقاومة و ذلک من خلال توحید کلمة الفلسطینیین و بالاستعانة بکلمة التوحید التي تشکل رصیدا لاینضب للحرکة الجهادیة.
إن رکیزتي هذه المقاومة عبارة عن المجموعات الفلسطینیة المجاهدة و أبناء الشعب الفلسطیني المؤمن المقاوم في داخل فلسطین و خارجها من جهة، و الحکومات و الشعوب الإسلامیة في أرجاء المعمورة ـ سیما علماء الدین و المثقفون و النخب السیاسیة و الجامعیون ـ من جهة أخری.
فإذا استقرت هاتان الرکیزتان في مکانهما، فلاشک أن الضمائر الحیة و القلوب و العقول التي لم تنطلِ علیها الأحابیل الدعائیة للإمبراطوریة الإعلامیة الاستکباریة ـ الصهیونیة، ستسارع إلی مناصرة أصحاب الحق و المظلومین في أي مکان من العالم کانوا، و ستجعل الأجهزة الاستکباریة أمام عاصفة هوجاء من الفکر و الإحساس و العمل.
إننا شاهدنا وجها من هذه الحقیقة خلال الأیام الأخیرة من المقاومة الباسلة في غزة. فدموع مدیر منظمة خدماتیة دولیة ینتمي للعالم الغربي أمام کامیرات الإعلامیین، أو التصریحات المتعاطفة التي جرت علی ألسن الناشطین في المنظمات الإنسانیة ، أو المظاهرات الضخمة المخلصة الجماهیریة في وسط العواصم الأوروبیة و المدن الأمریکیة، او الخطوة الشجاعة التي اتخذها بعض رؤساء دول أمریکا اللاتینیة ... کل ذلک إن دل علی شيء فإنما یدل علی أن قوی الشر و الفساد ـ التي سمّیت في القرآن بالشیاطین ـ لم تهیمن بعد علی کل عالَم غیرالمسلمین بالکامل، و أن الساحة مازالت مفتوحة لجولان الحقیقة.
نعم، إن عامل المقاومة و الصبر لدی المجاهدین الفلسطینیین و مواطنیهم ، و دعم جمیع الأقطار الإسلامیة لهم بوجه شامل سیستطیع کسر هذا الطلسم الشیطاني المتمثل في اغتصاب فلسطین. و إن الطاقة الهائلة التي تمتلکها الأمة الإسلامیة من شأنها أن تحل مشاکل العالم الإسلامي بما في ذلک مشکلة فلسطین المتفاقمة و التي تتطلب معالجة سریعة.
و ها هو کلامي الموجه إلیکم أیها الإخوة و الأخوات المسلمون في کل أرجاء المعمورة کما إلی جمیع الضمائر الحــیة من کل بلد أو شعب کانوا : اشحذوا الهِمم و اکسروا طلسم حصانة المجرمین الصهاینة. اعملوا علی محاکمة کل من لعب دورا في مأساة غزة من القادة السیاسیین و العسکریین في الکیان الصهیوني الغاصب، و معاقبتهم وفق ما یحکم به العقل و العدالة. إنها الخطوة الأولی التي یجب اتخاذها. لابد من محاکمة القادة السیاسیین و العسکریین في الکیان الغاصب. فعندما یعاقَب المجرم فإن طریق الإجرام سیصبح وعرا و شائکا لمن لدیه دافع ارتکاب الجریمة و یعاني من جنون الإجرام. إن ترک مرتکبي الجرائم الکبری و إطلاق أیدیهم یشکل بدوره عاملا مشجعا لارتکاب جرائم أخری.
فلو أن الأمة الإسلامیة ـ بعد حرب الـ 33 یوما في لبنان و ما انطوت علیه من مآسٍ مروعة ـ طالبت مطالبة جادة بمعاقبة الصهاینة المتسببین في تلک المآسي ، لو تمت متابعة هذه المطالبة العادلة کذلک بعد ارتکاب المجازر الدامیة في قوافل العرس بأفغانستان، أو بعد ممارسات الجنود الأمریکان المفضوحة في أبوغریب؛ ... لما کنا الیوم أمام مشهد کربلاء في غزة. إننا بصفتنا الحکومات و الشعوب المسلمة لم نقم في تلک الأحداث و القضایا بالواجب الذي یحکم به القانون و العقل و العدالة. و نتیجة ذلک الموقف ما نشهده الیوم عیانا.
و مما یدعو للأسف العمیق أن بعض الحکومات و الساسة في العالم یقفون بعیدین کل البعد عن المقولات الأخلاقیة و عما یحکم به الضمیر الإنساني. حیث أن مجزرةً في غزة تکون حصیلتها خلال 22 یوما، أکثر من 1350 قتیلا و حوالي 5500 جریح من المواطنین العزّل ـ و بینهم عدد کبیر من الأطفال ـ لا تثیر أي حساسیة لدی هؤلاء. و إن القتلة و المجرمین لایعاقبون علی جرائمهم، بل یُمنَحون مکافآت.
کما أن أمن هذا الکیان الدموي یُعتبر أمرا مقدسا یجب الدفاع عنه بأي حال، و أن الطرف المظلوم هو الذي یُتّهم و یدان سواء أکان هذا الطرف المظلوم حکومة جاءت إلی الحکم بواسطة أصوات الشعب الحاسمة أو کان أولئک المواطنین الذین جاؤوا بها بأصواتهم. هذا هو موقف محکمة السیاسة التي لاتمتّ بصلة إلی الأخلاق و الضمیر و الفضیلة ، و لا یمکن لها أن تنسجم مع هذه القیم. و عندما تواجه هذه الحکومات الکراهیة العمیقة التي یحملها الرأي العام تجاهها، تلجأ مرة أخری إلی اللعبة السیاسیة دون أن تکترث بالسبب الواضح لذلک. ثم یستمر هذا الدور الباطل دون أن یتوقف.
أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء في أرجاء العالم الإسلامي! لنتلقّ الدرس من التجارب.
إن أمتنا العظیمة تمتلک الیوم قوة هائلة ببرکة الصحوة الإسلامیة. و إن مفتاح حل المشاکل العدیدة التي تعاني منها الدول الإسلامیة بید هِمَم هذه المجموعة المدهشة، و إن القضیة الفلسطینیة أهم قضیة ملحّة في العالم الإسلامي.
یُسمع في بعض الأحیان أن هناک من یقول: إن قضیة فلسطین هي قضیة عربیة . ماذا یعنی هذا الکلام یاتری؟ فإذا کان المقصود منه أن لدی العرب شعورا أقوی بصلة القرابة و إنهم یریدون أن یقدموا خدمة أوفَی و یبذلوا مزیدا من الجهود، فهذا شيء محمود و نحن نبارکهم علیه. لکن إذا کان المقصود من هذا الکلام أن لایکترث قادة بعض الدول العربیة بصرخة «یا للمسلمین» المنطلقة من حناجر الفلسطینیین، و أن یتعاونوا مع العدو الغاصب الغاشم في حادث خطیر مثل مأساة غزة و یطلقوا صرخة الاحتجاج علی الآخرین الذین یناصرون أهل غزة بسبب أن الشعور بالواجب لایسمح لهم أن یبقوا متفرجین؛ ففي هذه الحالة لایقبل بذلک الکلام أي غیور یملک ضمیرا حیا ـ مسلما کان أو عربیا ـ و لایُعفي قائله من اللوم و الشجب. إنه منطق « أخزم » بعینه.
إذ کان یضرب أباه و کلما أراد أحد أن یتوسط صرخ بوجهه محتجا، ثم تبعه ابنه فأشبع جده ضربا. فأصبح ذلک مثلا لدی العرب کما ورد في البیت التالي : إن بنيّ رمّلوني بدمي شنشنة أعرفها من أخزم
أیها الحضور الکرام ، إنکم قد شارکتم في هذا المؤتمر بصفتکم أصحاب رأي و خبرة في القضیة الفلســــطینـیة. و لیس من واجبنا التاریخي ـ الیوم ـ أن نقوم بتکرار المقولات و النظریات العقیمة الماضیة. و إنما علینا أن نبحث عن طریقة تؤدي إلی تحریر فلسطین من نیر ظلم الکیان الصهیوني. إن ما نقترحه هو طریقة متطابقة تماما مع مبدأ حکم الشعب وهو مبدأ یمکن أن یکون منطقا مشترکا بین کل أنواع التفکیر في العالم. و هذا الاقتراح هو أن یشارک جمیع أصحاب الحق في أرض فلسطین ـ من المسلمین و المسیحیین و الیهود ـ في اختیار نوع نظامهم المنشود، و ذلک من خلال استفتاء شعبي عام ؛ علی أن یشارک في ذلک الاستفتاء جمیع الفلسطینیین الذین تحملوا عناء التشرد طوال سنین .
علی العالم الغربي أن یعلم بأن رفضه لهذا الحل یبرهن علی عدم التزامه بالدیمقراطیة التي یتبجح بها دوما، و أن ذلک سیکون اختبارا أخر لفضح أمره وکشف وجهه الحقیقي. کما أنه سبق أن تعرض لاختبار آخر في الساحة الفلسطینیة عندما رفض الاعتراف بنتیجة الانتخابات في الضفة الغربیة و قطاع غزة و التي جاءت بحکومة حماس إلی السلطة. إن الذین لایقبلون بالدیمقراطیة إلا إذا کانت نتائجها متفقة مع مایریدون، هم طلاب الحرب و المغامرة. و إذا تحدثوا عن السلام فلیس ذلک إلا کذبا و خداعا.
إن موضوع إعادة بناء غزة هو من أهم القضایا الملحة بالنسبة لفلسطین في الوقت الحاضر. و إن حکومة حماس المنتخبة من قبل الأغلبیة الساحقة من الفلسطینیین، و التي تشکل ملحمة مقاومتها في إفشال مخطط الکیان الصهیوني أکبر نقطة مشرقة خلال فترة المائة عام الأخیرة من تأریخ فلسطین، یجب أن تکون هي القاعدة و المرکز لجمیع الأنشطة الخاصة بعملیة إعادة البناء. و إنه من الجدیر أن یقوم الإخوة المصریون بفتح الطرق لوصول المساعدات و التبرعات و أن یسمحوا بأن تقوم الدول و الشعوب المسلمة بواجبها في هذا الشأن.
و في الختام، أود أن أذکر بالتکریم و الإجلال ، شهداء حرب الـ 22 یوما، الذین حولوا غزة ـ ببرکة دمائهم ـ إلی معزة للإسلام و العرب؛ سائلا لهم من المولی الرحمة و الغفران. تحیة لجمیع شهداء فلسطین و لبنان و العراق و أفغانستان و جمیع شهداء الإسلام ، و تحیة لروح الإمام الراحل العظیم الطاهرة.
أسأل الله تعالی العز و الرفعة للإسلام و المسلمین ، و المزید من التقارب و التلاحم بین الشعوب المسلمة، و الیقظة المتنامیة للعالم الإسلامي.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته
فإن هذا الکیان الغاصب الذي کان قد ظهر طیلة عقود عدة کوجه رهیب و کقوة لاتقهر و ذلک بالاعتماد علی ما لدیه من جیش و سلاح و بفعل الدعم الأمریکي السیاسي و العسکري؛ نجده قد انهزم مرتین أمام قوی المقاومة التي کانت تقاتل بالاعتماد علی الله و الاستناد إلی جماهیر الشعب قبل اعتمادها علی السلاح و العتاد.
القى المرشد الایراني آیة الله على الخامنئي اليوم الاربعاء كلمة في افتتاح المؤتمر الدولي الرابع لنصرة الشعب الفلسطيني بالعاصمة طهران تحت شعار "فلسطين رمز المقاومة وغزة ضحية الاجرام" فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحیم
أرحب بالضیوف الکرام و حضرات العلماء و المفکرین و السیاسیین و المجاهدین المشارکین في المؤتمر الرابع للدفاع عن فلسطین في الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.
إن الفترة الزمنیة الواقعة بین هذا المؤتمر و المؤتمر السابق الذي انعقد في طهران من 15 حتی 17 شهر ربیع الأول لعام 1427 هـ ، قد شهدت أحداثا هامة و مصیریة تجعل آفاق مستقبل القضیة الفلسطینیة أکثر وضوحا، کما تلقي مزیدا من الأضواء علی مسؤولیاتنا تجاه هذه القضیة التي لاتزال تمثل القضیة الرئیسیة بالنسبة للعالم الإسلامي.
وتأتي ضمن هذه الأحداث المهمة، الهزیمة النکراء التي منيت بها إسرائیل عسکریا و سیاسیا أمام المقاومة الإسلامیة خلال حربها ضد لبنان عام 1427 هـ ، والتي استمرت 33 یوما ؛ ثم الفشل المخزئ الذي باء به الکیان الصهیوني خلال حربه الإجرامیة التي شنها لمدة 22یوما ضد الشعب الفلسطیني و الحکومة الفلسطینیة الشرعیة في غزة.
فإن هذا الکیان الغاصب الذي کان قد ظهر طیلة عقود عدة کوجه رهیب و کقوة لاتقهر و ذلک بالاعتماد علی ما لدیه من جیش و سلاح و بفعل الدعم الأمریکي السیاسي و العسکري؛ نجده قد انهزم مرتین أمام قوی المقاومة التي کانت تقاتل بالاعتماد علی الله و الاستناد إلی جماهیر الشعب قبل اعتمادها علی السلاح و العتاد.
و رغم التمارین و التحضیرات العسکریة و الاستعانة بالأجهزة الاستخباراتیة الضخمة و الدعم السخي المتواصل من قبل أمریکا و بعض الدول الغربیة و معاونة بعض المنافقین في العالم الإسلامي، ... رغم کل ذلک ، فقد کشف الکیان الصهیوني عن واقع انهیاره و عن المنحدر الحادّ الذي بات یتدحرج منه إلی الهاویة، کما أثبت عجزه أمام تیار الصحوة الإسلامیة الجارف.
من جهة أخری، فإن الجرائم التي ارتکبها الصهاینة المجرمون خلال حادث غزة التأریخي ـ متمثلة في قتل المدنیین علی نطاق واسع، و هدم البیوت العزلاء، و شق صدور الأطفال الرّضّع، و قصف المدارس و المساجد، و استخدام القنابل الفوسفوریة و بعض الأسلحة المحرمة الأخری، و سد طرق وصول الغذاء و الدواء و الوقود و سائر ما یحتاجه الناس لمدة سنتین تقریبا، و کثیر من الجرائم الأخری ـ ... کل تلک الجرائم قد أثبتت أن غریزة الهمجیة و الإجرام لدی قادة الدولة الصهیونیة المزیفة لم تتغیر عما کانت علیه خلال العقود الأولی لمأساة فلسطین؛ و إن نفس السیاسة و نفس الطبیعة الهمجیة و القسوة التي أوجدت مآسي دیریاسین و صبرا و شاتیلا، لاتزال تحکم بعینها الأذهان و النفوس المظلمة لهؤلاء الطواغیت .
و لاشک أن الاستعانة بالتطور التقني المعاصر قد وسع من نطاق الإجرام و جعله أکثر مأساویة بدرجات.
سواء أولئک الذین کانوا قد توهموا أن الکیان الصهیونی قوة لاتُقهر فرفعوا شعار « الواقعیة» و مدّوا ید المساومة و الاستسلام للغاصبین، أو أولئک الذین اعتبروا ـ حسب أوهامهم الباطلة ـ أن الجیل الثاني و الثالث من الساسة الصهاینة براء من جرائم الجیل الأول فعلقوا الآمال علی إمکانیة التعایش معهم بسلام ، ... ینبغي لهؤلاء جمیعا أن یکونوا قد انتبهوا الیوم إلی خطئهم في التقدیر.
فإنه أولا: علی ضوء موجة صحوة الأمة الإسلامیة و تنامي شجرة المقاومة الإسلامیة سقطت تلک الهیبة الزائفة و ظهرت مؤشرات العجز و الشلل في الکیان الغاصب. و ثانیا: یُلاحظ أن طبیعة العدوان و عدم الخجل من الإجرام لدی قادة هذا الکیان هي هي کما کانت لدیهم خلال العقود الأولی. فإنهم لایتورعون عن ارتکاب أي جریمة کلما وجدوا ـ أو ظنّوا ـ أنفسهم قادرین علیها .
لقد مرّ الیوم ستون عاما علی احتلال فلسطین. و طوال هذه المدة ، وُضع جمیع ملزومات القوة المادیة في خدمة المحتلین، ابتداء من المال و السلاح و التقنیة، إلی المساعي السیاسیة و الدبلوماسیة ، إلی شبکة الإمبراطوریة الخبریة و الإعلامیة الواسعة النطاق. و علی الرغم من هذه الجهود الشیطانیة الهائلة و المحیرة، لم یتمکن الغاصبون و لا حماتهم من حل مشکلة مشروعیة الکیان الصهیوني، لیس هذا فحسب، و إنما ازدادت هذه المشکلة تعقیدا و صعوبة علیهم مع مرور الوقت.
و مما یدل علی هذا التزعزع و التعقید في موقفهم هو أن الأجهزة الإعلامیة الغربیة و الصهیونیة و الحکومات الداعمة للصهیونیة لاتتحمل مجرد طرح سؤال أو إجراء بحث و دراسة حول الهولوکوست الذي اُتُخذ ذریعة لاغتصاب فلسطین . فقد أصبح الکیان الصهیوني الیوم أمام الرأي العام العالمي في حالة هي أسوأ من أي وقت مضی في تأریخه الأسود. کما أصبح التساؤل عن مبرر وجوده أکثر جدیة من أي وقت.
إن موجة الاحتجاج العالمیة العفویة التي انطلقت ضد هذا الکیان بشکل لم یسبق له مثیل و التي اجتاحت العالم من شرق آسیا إلی أمریکا اللاتینیة ، و المظاهرات الجماهیریة التي قامت في 120 بلد من بلدان العالم بما في ذلک البلدان الأوروبیة التي هي المنبت الرئیسی لهذه الشجرة الخبیثة، و ذلک سواء للدفاع عن المقاومة الإسلامیة في غزة أو عن المقاومة الإسلامیة اللبنانیة خلال حرب الـ 33 یوما ، ... کل ذلک إن دل علی شيء فإنما یدل علی ظهور مقاومة عالمیة ضد الصهیونیة بما لم یسبق له مثیل بهذا المستوی من الجدیة و الشمولیة طوال الأعوام الستین الماضیة. فیمکن القول إذن بأن المقاومة الإسلامیة في لبنان و فلسطین قد نجحت في إیقاظ الضمیر العالمي.
و إن هذا لدرسٌ کبیر لأعداء الأمة الإسلامیة الذین حاولوا أن یصطنعوا دولة و أمة مزیفتین بفعل القمع و الکبت، و أن یحولوا ذلک إلی واقع لایمکن إنکاره، ثم یعملوا علی تطبیع مثل هذا الظلم المفروض علی العالم الإسلامي؛ کما أنه درس کبیر للأمة الإسلامیة و بخاصة الشباب الغیاری و الضمائر الحیة فیها، لیعلموا أن الجهاد في سبیل استعادة الحق المسلوب لن یذهب هباءً ، و أن وعد الله حق إذ یقول : « أذن للذین یقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله علی نصرهم لقدیر.
الذین أخرجوا من دیارهم بغیر حقّ إلا أن یقولوا ربّنا الله و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع و بیع و صلوات و مساجد یذکر فیها اسم الله کثیرا و لینصرن الله من ینصره إن الله لقوي عزیز». و یقول تعالی: « إن الله لایخلف المیعاد » و قال عز و جلّ: « و لن یخلف الله وعده » و یقول: « وعد اللهِ لایخلف الله وعده و لکنّ أکثر الناس لایعلمون » و یقول عز من قائل: « فلاتحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزیز ذوانتقام » .
و أي وعد یکون أکثر صراحة من هذا الوعد الإلهي حیث یقول: « وعد الله الذین آمنوا منکم و عملوا الصالحات لیستخلفنهم في الأرض کما استخلف الذین من قبلهم و لیمکنن لهم دینهم الذي ارتضی لهم و لیبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا یعبدونني لایشرکون بي شیئا و من کفر بعد ذلک فأولئک هم الفاسقون» .
هناک مغالطة کبیرة قد انتابت أذهان بعض المعنیین فیما یتعلق بالقضیة الفلسطینیة و هي أن دولة باسم إسرائیل تمثل واقعا مضی علی عمره ستون عاما، فیجب التصالح و التعایش معه. و أنا لاأدري لماذا لایتلقی هؤلاء الدرس من سائر الوقائع الماثلة أمام أعینهم؟ ألم تستعد دول البلقان و القوقاز و جنوب غرب آسیا هویتها الأصلیة مرة أخری رغم أنها عاشت ثمانین عاما في غیاب الهویة بعد التحول إلی أجزاء من الاتحاد السوفیتي السابق؟ فلماذا لاتستطیع فلسطین ـ و هي بضعة من جسد العالم الإسلامي ـ أن تستعید هویتها الإسلامیة و العربیة مرة أخری؟ و لماذا لایستطیع شباب فلسـطین ـ وهم من أکثر شباب الأمة العــربیة ذکاء و صمودا ـ أن یُغلّبوا إرادتهم علی هذا الواقع الظالم؟
و هناک مغالطة أخری أکبــر من المغالطة الأولی، و هي أن یقال بأن الطریق الوحید لإنقاذ الشعب الفلسطیني هو إجراء المباحثات! مع من یا تری تکون المباحثات؟ أتکون المباحثات مع الکیان الغاصب المتعسف الضالّ الذي لایؤمن بأي مبدأ سوی مبدأ القوة؟ ماذا جنی أولئک الذین علقوا الأمل علی هذه الألعوبة و الخدیعة؟
أولا : ما أخذه هؤلاء من الصهاینة باعتباره حکما ذاتیا ـ بغض النظر عن طبــیعته المخزیة و المهینة ـ قد کلفهم ثمنا باهظا و هو الاعتراف بملکیة الکیان الغاصب لکل أرجاء فلسطین تقریبا. ثانیا : إن تلک السلطة الناقصة الزائفة نفسها ظلت تُنتهَک و تُداس تحت أقدام الصهاینة مرات و مرات. فإن محاصرة یاسر عرفات في مبنی إدارته في رام الله مع أنواع ممارسات التحقیر و الإذلال لیست من الأحداث التي تمحی من الذاکرة. ثالثا: کان تعامل الصهاینة مع مسؤولي السلطة الفلسطینیة ـ سواء في عهد عرفات أو بعده ـ علی شکل التعامل مع رؤساء مراکز شرطتهم ممن یتمثل واجبهم في مطاردة و اعتقال المجاهدین الفلسطینیین و تطویقهم استخباراتیا و أمنیا.
فکان أن زرعوا بذور العداء بین الفصائل الفلسطینیة و حرّضوهم ضد بعضهم. رابعا: و حتی ذلک القدر الضئیل من الإنجاز لم یتحقق إلا بفضل جهاد المجاهدین و مقاومة الغیاری من الرجال و النساء الرافضین للاستسلام. فلولا موجات الانتفاضة لما أعطی الصهاینة للقادة الفلسطینیین التقلیدیین حتی هذا الشيء الضئیل رغم التنازلات المتواصلة التي قدمها هؤلاء للجانب الصهیوني.
هل تکون المباحثات مع أمریکا و بریطانیا اللتین ارتکبتا الذنب الأکبر من خلال إیجادهما هذه الغدة السرطانیة و دعمهما لها؟ و اللتین تمثلان طرفا في الدعوی قبل أن تکونا الوسیط فیها؟ فلم تتوقف الإدارة الأمریکیة یوما عن دعمها اللامحدود للکیان الصهیوني أو حتی لجرائمه السافرة من قبیل ما ارتکبه في غزة مؤخرا. بل إن الرئیس الأمریکي الجدید الذي جاء إلی سدة الرئاسة رافعا شعار التغییر في سیاسات إدارة بوش، نراه یتکلم عن التزامه ـ بلا قید أو شرط ـ بحمایة أمن إسرائیل، أي دفاعه عن إرهاب الدولة و عن الظلم و التعسف، و عن مجازر راح ضحیتها مئات من الرجال و النساء و الأطفال الفلسطینیین خلال 22 یوما. هذا یعنی نفس الطریق الخاطئ المسلوک في عهد بوش بالضبط.
کما أن إجراء المباحثات مع الأوساط التابعة للأمم المتحدة هو أیضا توجه عقیم آخر. فقلـّما نجد حالة قد تعرضت الأمم المتحدة فیها لاختبار فاضح مثل تعرضها للاختبار في قضیة فلسطین.
لقد سارع مجلس الأمن بالأمس إلی الاعتراف رسمیا باحتلال فلسطین من قبل الجماعات الإرهابیة الفاتکة و قام بدور أساس في تکریس هذا الظلم التاریخي و استمراره. ثم طفق یلتزم صمتا ینم عن الرضا أمام ما ارتکبه الکیان الصهیوني طوال عدة عقود من عملیات إبادة جماعیة و تشرید و جرائم حربیة و غیرها من أنواع الجرائم. بل إنه لما أعلنت الجمعـــیة العامة عنصریة الصهـــیونیــة لم یواکبها مجلس الأمن. لیس هذا فحسب و إنما ابتعد عن موقف الجمعیة العامة عملیا بمقدار 180 درجة.
إن الدول الجبارة في العالم و المتمتعة بالعضویة الدائمة في مجلس الأمن تستخدم هذا المحفل العالمي کأداة لها. و نتیجة لذلک ، فإن هذا المجلس لایساعد علی تعزیز الأمن في العالم ، بل یسارع لمساعدة تلک الدول الجبارة کلما یراد أن تکون مواضیع کحقوق الإنسان أو الدیمقراطیة و ما إلی ذلک وسیلة لفرض مزید من هیمنة تلک الدول، فیسدل علی أعمالها اللاشرعیة ستارا من الخداع و الدجل.
إن إنقاذ فلسطین لن یتحقق من خلال الاستجداء من الأمم المتحدة أو القوی المسیطرة و لا من الکیان الغاصب البتة. إنما السبیل إلی الإنقاذ هو الصمود و المقاومة و ذلک من خلال توحید کلمة الفلسطینیین و بالاستعانة بکلمة التوحید التي تشکل رصیدا لاینضب للحرکة الجهادیة.
إن رکیزتي هذه المقاومة عبارة عن المجموعات الفلسطینیة المجاهدة و أبناء الشعب الفلسطیني المؤمن المقاوم في داخل فلسطین و خارجها من جهة، و الحکومات و الشعوب الإسلامیة في أرجاء المعمورة ـ سیما علماء الدین و المثقفون و النخب السیاسیة و الجامعیون ـ من جهة أخری.
فإذا استقرت هاتان الرکیزتان في مکانهما، فلاشک أن الضمائر الحیة و القلوب و العقول التي لم تنطلِ علیها الأحابیل الدعائیة للإمبراطوریة الإعلامیة الاستکباریة ـ الصهیونیة، ستسارع إلی مناصرة أصحاب الحق و المظلومین في أي مکان من العالم کانوا، و ستجعل الأجهزة الاستکباریة أمام عاصفة هوجاء من الفکر و الإحساس و العمل.
إننا شاهدنا وجها من هذه الحقیقة خلال الأیام الأخیرة من المقاومة الباسلة في غزة. فدموع مدیر منظمة خدماتیة دولیة ینتمي للعالم الغربي أمام کامیرات الإعلامیین، أو التصریحات المتعاطفة التي جرت علی ألسن الناشطین في المنظمات الإنسانیة ، أو المظاهرات الضخمة المخلصة الجماهیریة في وسط العواصم الأوروبیة و المدن الأمریکیة، او الخطوة الشجاعة التي اتخذها بعض رؤساء دول أمریکا اللاتینیة ... کل ذلک إن دل علی شيء فإنما یدل علی أن قوی الشر و الفساد ـ التي سمّیت في القرآن بالشیاطین ـ لم تهیمن بعد علی کل عالَم غیرالمسلمین بالکامل، و أن الساحة مازالت مفتوحة لجولان الحقیقة.
نعم، إن عامل المقاومة و الصبر لدی المجاهدین الفلسطینیین و مواطنیهم ، و دعم جمیع الأقطار الإسلامیة لهم بوجه شامل سیستطیع کسر هذا الطلسم الشیطاني المتمثل في اغتصاب فلسطین. و إن الطاقة الهائلة التي تمتلکها الأمة الإسلامیة من شأنها أن تحل مشاکل العالم الإسلامي بما في ذلک مشکلة فلسطین المتفاقمة و التي تتطلب معالجة سریعة.
و ها هو کلامي الموجه إلیکم أیها الإخوة و الأخوات المسلمون في کل أرجاء المعمورة کما إلی جمیع الضمائر الحــیة من کل بلد أو شعب کانوا : اشحذوا الهِمم و اکسروا طلسم حصانة المجرمین الصهاینة. اعملوا علی محاکمة کل من لعب دورا في مأساة غزة من القادة السیاسیین و العسکریین في الکیان الصهیوني الغاصب، و معاقبتهم وفق ما یحکم به العقل و العدالة. إنها الخطوة الأولی التي یجب اتخاذها. لابد من محاکمة القادة السیاسیین و العسکریین في الکیان الغاصب. فعندما یعاقَب المجرم فإن طریق الإجرام سیصبح وعرا و شائکا لمن لدیه دافع ارتکاب الجریمة و یعاني من جنون الإجرام. إن ترک مرتکبي الجرائم الکبری و إطلاق أیدیهم یشکل بدوره عاملا مشجعا لارتکاب جرائم أخری.
فلو أن الأمة الإسلامیة ـ بعد حرب الـ 33 یوما في لبنان و ما انطوت علیه من مآسٍ مروعة ـ طالبت مطالبة جادة بمعاقبة الصهاینة المتسببین في تلک المآسي ، لو تمت متابعة هذه المطالبة العادلة کذلک بعد ارتکاب المجازر الدامیة في قوافل العرس بأفغانستان، أو بعد ممارسات الجنود الأمریکان المفضوحة في أبوغریب؛ ... لما کنا الیوم أمام مشهد کربلاء في غزة. إننا بصفتنا الحکومات و الشعوب المسلمة لم نقم في تلک الأحداث و القضایا بالواجب الذي یحکم به القانون و العقل و العدالة. و نتیجة ذلک الموقف ما نشهده الیوم عیانا.
و مما یدعو للأسف العمیق أن بعض الحکومات و الساسة في العالم یقفون بعیدین کل البعد عن المقولات الأخلاقیة و عما یحکم به الضمیر الإنساني. حیث أن مجزرةً في غزة تکون حصیلتها خلال 22 یوما، أکثر من 1350 قتیلا و حوالي 5500 جریح من المواطنین العزّل ـ و بینهم عدد کبیر من الأطفال ـ لا تثیر أي حساسیة لدی هؤلاء. و إن القتلة و المجرمین لایعاقبون علی جرائمهم، بل یُمنَحون مکافآت.
کما أن أمن هذا الکیان الدموي یُعتبر أمرا مقدسا یجب الدفاع عنه بأي حال، و أن الطرف المظلوم هو الذي یُتّهم و یدان سواء أکان هذا الطرف المظلوم حکومة جاءت إلی الحکم بواسطة أصوات الشعب الحاسمة أو کان أولئک المواطنین الذین جاؤوا بها بأصواتهم. هذا هو موقف محکمة السیاسة التي لاتمتّ بصلة إلی الأخلاق و الضمیر و الفضیلة ، و لا یمکن لها أن تنسجم مع هذه القیم. و عندما تواجه هذه الحکومات الکراهیة العمیقة التي یحملها الرأي العام تجاهها، تلجأ مرة أخری إلی اللعبة السیاسیة دون أن تکترث بالسبب الواضح لذلک. ثم یستمر هذا الدور الباطل دون أن یتوقف.
أیها الإخوة و الأخوات الأعزاء في أرجاء العالم الإسلامي! لنتلقّ الدرس من التجارب.
إن أمتنا العظیمة تمتلک الیوم قوة هائلة ببرکة الصحوة الإسلامیة. و إن مفتاح حل المشاکل العدیدة التي تعاني منها الدول الإسلامیة بید هِمَم هذه المجموعة المدهشة، و إن القضیة الفلسطینیة أهم قضیة ملحّة في العالم الإسلامي.
یُسمع في بعض الأحیان أن هناک من یقول: إن قضیة فلسطین هي قضیة عربیة . ماذا یعنی هذا الکلام یاتری؟ فإذا کان المقصود منه أن لدی العرب شعورا أقوی بصلة القرابة و إنهم یریدون أن یقدموا خدمة أوفَی و یبذلوا مزیدا من الجهود، فهذا شيء محمود و نحن نبارکهم علیه. لکن إذا کان المقصود من هذا الکلام أن لایکترث قادة بعض الدول العربیة بصرخة «یا للمسلمین» المنطلقة من حناجر الفلسطینیین، و أن یتعاونوا مع العدو الغاصب الغاشم في حادث خطیر مثل مأساة غزة و یطلقوا صرخة الاحتجاج علی الآخرین الذین یناصرون أهل غزة بسبب أن الشعور بالواجب لایسمح لهم أن یبقوا متفرجین؛ ففي هذه الحالة لایقبل بذلک الکلام أي غیور یملک ضمیرا حیا ـ مسلما کان أو عربیا ـ و لایُعفي قائله من اللوم و الشجب. إنه منطق « أخزم » بعینه.
إذ کان یضرب أباه و کلما أراد أحد أن یتوسط صرخ بوجهه محتجا، ثم تبعه ابنه فأشبع جده ضربا. فأصبح ذلک مثلا لدی العرب کما ورد في البیت التالي : إن بنيّ رمّلوني بدمي شنشنة أعرفها من أخزم
أیها الحضور الکرام ، إنکم قد شارکتم في هذا المؤتمر بصفتکم أصحاب رأي و خبرة في القضیة الفلســــطینـیة. و لیس من واجبنا التاریخي ـ الیوم ـ أن نقوم بتکرار المقولات و النظریات العقیمة الماضیة. و إنما علینا أن نبحث عن طریقة تؤدي إلی تحریر فلسطین من نیر ظلم الکیان الصهیوني. إن ما نقترحه هو طریقة متطابقة تماما مع مبدأ حکم الشعب وهو مبدأ یمکن أن یکون منطقا مشترکا بین کل أنواع التفکیر في العالم. و هذا الاقتراح هو أن یشارک جمیع أصحاب الحق في أرض فلسطین ـ من المسلمین و المسیحیین و الیهود ـ في اختیار نوع نظامهم المنشود، و ذلک من خلال استفتاء شعبي عام ؛ علی أن یشارک في ذلک الاستفتاء جمیع الفلسطینیین الذین تحملوا عناء التشرد طوال سنین .
علی العالم الغربي أن یعلم بأن رفضه لهذا الحل یبرهن علی عدم التزامه بالدیمقراطیة التي یتبجح بها دوما، و أن ذلک سیکون اختبارا أخر لفضح أمره وکشف وجهه الحقیقي. کما أنه سبق أن تعرض لاختبار آخر في الساحة الفلسطینیة عندما رفض الاعتراف بنتیجة الانتخابات في الضفة الغربیة و قطاع غزة و التي جاءت بحکومة حماس إلی السلطة. إن الذین لایقبلون بالدیمقراطیة إلا إذا کانت نتائجها متفقة مع مایریدون، هم طلاب الحرب و المغامرة. و إذا تحدثوا عن السلام فلیس ذلک إلا کذبا و خداعا.
إن موضوع إعادة بناء غزة هو من أهم القضایا الملحة بالنسبة لفلسطین في الوقت الحاضر. و إن حکومة حماس المنتخبة من قبل الأغلبیة الساحقة من الفلسطینیین، و التي تشکل ملحمة مقاومتها في إفشال مخطط الکیان الصهیوني أکبر نقطة مشرقة خلال فترة المائة عام الأخیرة من تأریخ فلسطین، یجب أن تکون هي القاعدة و المرکز لجمیع الأنشطة الخاصة بعملیة إعادة البناء. و إنه من الجدیر أن یقوم الإخوة المصریون بفتح الطرق لوصول المساعدات و التبرعات و أن یسمحوا بأن تقوم الدول و الشعوب المسلمة بواجبها في هذا الشأن.
و في الختام، أود أن أذکر بالتکریم و الإجلال ، شهداء حرب الـ 22 یوما، الذین حولوا غزة ـ ببرکة دمائهم ـ إلی معزة للإسلام و العرب؛ سائلا لهم من المولی الرحمة و الغفران. تحیة لجمیع شهداء فلسطین و لبنان و العراق و أفغانستان و جمیع شهداء الإسلام ، و تحیة لروح الإمام الراحل العظیم الطاهرة.
أسأل الله تعالی العز و الرفعة للإسلام و المسلمین ، و المزید من التقارب و التلاحم بین الشعوب المسلمة، و الیقظة المتنامیة للعالم الإسلامي.
و السلام علیکم و رحمة الله و برکاته