المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بغداد تستعيد لياليها وتسهر معها عند ضفاف دجلة



سمير
02-27-2009, 03:08 PM
تحسن الأوضاع الأمنية أعاد افتتاح المطاعم والمقاهي الليلية

مع تحسن الأحوال الأمنية، عادت الحياة تدب في مطاعم بغداد وفي المقاهي الشعبية (أ. ف. ب)

لندن: معد فياض

ماذا سيبقى من بغداد إذا جردناها من لياليها؟ وهي المدينة التي تقيس زمنها وفق أنواء الليالي، بل إن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، الذي بنى هذه المدينة المدورة، طلب من المعماريين أن يضعوا قطناً مبللا بالكحول ويفرشوه فوق الطرقات الموزعة على المخطط الأّولي لبغداد قبل بنائها، ثم أمر ليلا أن يحرق القطن كي يتخيل أضواء مدينته ليلا.

في السنوات الماضية، منذ نهاية 2005 وحتى أشهر قريبة كانت بغداد تشكو شلل الحياة الاجتماعية فيها لأنها كانت وببساطة بلا ليل، وكانت الظلمة تلفها وتزيد من عتمة نهرها دجلة وهو يجري بصمت كأنه شبح حياة كانت موجودة، ذلك أن أجمل صور بغداد الحياتية هي انعكاس الأضواء الملونة للمقاهي والمطاعم والحدائق التي تقع على ضفة النهر مباشرة كل ليلة في شارع أبو نواس الشهير.

وعندما غابت الحياة عن هذا الشارع الذي هو الراصد الحقيقي لنبض الهدير اليومي لبغداد، راح البغداديون يبحثون عن متنفسات أخرى بعيدة عن النهر وكورنيش أبو نواس، من غير أن ينسوه أو يتناسوه، فكانت الكرادة، ومنطقة 52، وشارع الكندي في الحارثية، حيث انتشرت المقاهي والمطاعم التي تؤدي بعضاً من مهام شارع أبو نواس لتقديم السمك النهري المشوي على الطريقة البغدادية (المسقوف)، إضافة إلى اللحوم المشوية والكباب العراقي والذي يقدم ساخناً مع الخبز البغدادي الخارج من التنور تواً.

بحث البغداديون، أيضاً عن متنفسات أخرى خارج حدود المدينة وأبنيتها، فاتجهوا شمالا إلى ضاحية الكريعات التي تحتضن نهر دجلة، فأقيمت هناك المقاهي الليلية المنشأة من سعف النخيل لتضفي أجواء ريفية وهي وسط الريف أصلا، وإلى هناك صارت تتوجه العوائل البغدادية لتمضي سهراتها بعيداً عن أخبار السياسة وإشكالات انتخاب رئيس جديد للبرلمان، متمتعين بنسائم دجلة واستكان (قدح) شاي معطر بالهيل.

وحسب الدكتور فارس العمر، وهو أستاذ جامعي، فإن العراقي يقيس زمنه بقدر سعادته، وسعادتنا نحن تبدأ مع الليل، حيث الجلسات العائلية والأحاديث اليومية البعيدة عن السياسة، والأطعمة الشعبية.

ومع تحسن الأحوال الأمنية، عادت الحياة تدب في مطاعم بغداد وفي المقاهي الشعبية ومطاعم سمك «المسقوف» على ضفاف نهر دجلة، فيما فتحت المقاهي الليلية أبوابها مجدداً لاستقبال رجال يحتسون الشاي والعصير ويمارسون لعبة «البينغو». وقال عمر كنو (49 عاماً) الذي أعاد فتح المقهى الليلي، الذي يملكه بعد غلقه أكثر من أربع سنوات في وسط بغداد، لوكالة الصحافة الفرنسية، «كان لدينا سابقاً مقاهٍ ومطاعم تفتح طوال الليل للعوائل، وها قد بدأت تفتح من جديد».
وبعد تراجع موجة العنف التي كانت تعصف بالبلاد وخصوصاً بغداد، قلصت السلطات ساعات الحظر الليلي وأعيد فتح عدد كبير من شوارع المدينة كما عاد الناس للتجول حتى ساعات متأخرة من الليل.

وبعد زوال الخوف من خطر الميليشيات، استعاد عدد من هذه المطاعم والمقاهي والنوادي الاجتماعية نشاطها، ومنها النادي الاجتماعي الذي أعاد كنو افتتاحه، وهو منزل مكون من طبقتين، تتوزع قاعات يجلس فيها عدد كبير من الرجال يتناولون الطعام فيما ينتشر أشخاص عند المدخل والساحة الخارجية لوقوف السيارات بهدف حماية المكان.

وكان كنو يمتلك 14 مطعماً ليلياً في السابق لكن لم يتبق له سوى هذا النادي. وخصصت إحدى قاعات المنزل لممارسة لعبة «البنغو». كما ينظم النادي أمسية شعرية أسبوعياً وينوي كنو تنظيم حفلات لمطربين في الهواء الطلق في حديقة المنزل.

ويستقبل النادي الذي يفتح أبوابه عصراً بشكل يومي، مائة إلى 150 من الزبائن. وعادت كذلك الحياة تدب في مطاعم بغداد وفي المقاهي الشعبية ومطاعم السمك المشوي «المسقوف» على ضفاف نهر دجلة في شارع أبو نواس.

كما انتشرت المطاعم من جديد على امتداد الشارع المزدحم في منطقة 52 (شمال) في مؤشر إلى عودة الحياة إلى طبيعتها.

وقال علي زيدان (28 عاماً) إن «العمل التجاري بات أفضل بكثير من السابق». وأضاف زيدان العامل في أحد المطاعم «نستقبل الطلبات حالياً عبر الهاتف ليتم إيصالها إلى المنازل».
من جهته، قال سعد درزي (38 عاماً) إن «الكثيرين يفضلون تناول العشاء في المطاعم فلا يوجد مكان آخر لديهم للنزهة». وأضاف أن صاحب أحد المطاعم في الشارع بدل زجاج النوافذ ثلاث مرات بسبب انفجار سيارات مفخخة. ويرى حسام علي (29 عاماً) المدرس في جامعة بغداد، بينما كان جالساً برفقة مجموعة من الأصدقاء أن «الأوضاع الآن ليست مثالية لكنها أفضل بكثير»، مشيراً إلى أنه «لا يمكن مقارنة الأحوال الآن بالأيام التي أعقبت غزو العراق».

وفي شارع الكندي، ثمة مطاعم عائلية تحتوي على ملاعب أطفال، تبقى مفتوحة حتى منتصف الليل، هذا بالإضافة إلى النوادي الاجتماعية المعروفة مثل نادي الصيد في المنصور.
بغداد تستعيد حياتها مع الليل، وتستعيد أغانيها متغزلة بنهرها دجلة، مثل «على شواطئ دجله.. يا منيتي»، و«الليلة ليلة من العمر تسوى (تعادل) ألف ليلة»، و«الليلة حلوة.. حلوة وجميلة». ولم يعرف عن أهل بغداد أنهم قد غنوا لنهاراتهم، فالنهار للعمل وجني الأموال، والليل لمتعة العائلة والفرح والاسترخاء.

يقول سعيد اللامي، وهو من سكنة الكرادة بجانب الرصافة «لقد ازدحمت اليوم منطقة الجادرية بالكرادة بالمطاعم العائلية الليلية الراقية، ومن لا يجد له مكاناً في أي مطعم أو لأن ظروفه المادية لا تساعده على دعوة عائلته إلى مطعم فبإمكانه أن يفترش مع عائلته الأرض عند ضفاف دجلة ويشوي اللحوم ويغني».