المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف انتمى طفل يعشق الأفلام الهندية وكرة القدم إلى «جيش المهدي» ليقتل بسرعة؟



جمال
08-15-2004, 10:26 AM
الفقر والخواء الروحي وآثار 3 حروب مدمرة تدفع جيل الشباب في العراق إلى الالتحاق بالميليشيا المسلحة

بغداد: سابرينا تافرنيس*

ظل محمد حسين دائما طفل العائلة وبطله كان أحد لاعبي كرة القدم العراقيين، وكان يحب الأفلام الهندية. ومع بلوغ إخوته سن الرشد وخروجهم من البيت أصبح يقضي أكثر وقته وحيدا.
لكن بداية هذا العام قرر حسين أن ينتمي إلى «جيش المهدي» فآثار ذلك انزعاج كل أفراد عائلته. وظل حسين يقوم بمراقبة الجنود الأميركيين في شوارع مدينة الصدر المغمورة بالأوساخ. وهذه المنطقة هي من أكثر مناطق بغداد فقرا وتدهورا.

لكنه في يوم قائظ من أيام يونيو (حزيران) الماضي قتل حسين حينما كان يطلق النار من بيته على الوحدات الأميركية والعراقية بالقرب من مركز شرطة. كان عمره 19 عاما.
قال أخوه عدنان حسين «الألم بداخلي. نحن حاولنا منعه من الذهاب معهم. لكنه كان منجذبا إليهم بقوة».

وإلى جنب القتال الذي تفجر اخيرا في النجف ومدن أخرى في جنوب العراق، هناك نقاش يدور حول درجة الولاء والفاعلية التي يتحلى بهما المقاتلون المنتمون إلى «جيش المهدي». فقصة محمد حسين تسلط الضوء على ذلك السؤال إضافة إلى التهديد الجديد الذي يشكله هو وشبان غاضبون آخرون على الوجود الأميركي وعلى الحكومة الانتقالية التي يرأسها الدكتور إياد علاوي.

إنهم يمثلون جيلا ضائعا، فهؤلاء الشبان ترعرعوا خلال تدهور احوال العراق بفعل آثار الحروب والعقوبات الدولية خلال العشرين عاما الأخيرة. لكنهم بعيدون عن أن يشكلوا كيانا متجانسا واحدا. فأسبابهم للقتال لها علاقة بحالة الفقر التي تكتنفهم وبرغبتهم في الانتماء إلى أي فكرة قوية سواء كانت دينية أو وطنية.

قالت أيام محمد، 19 سنة، «إنه لم يكن يخاف من أي شخص». وأضافت أنها تنتمي إلى لواء النساء التابع لـ«جيش المهدي».. «إنه فجّر ثورة ضد صدام حسين».
ولد محمد حسين عام 1985 أي بعد مرور خمس سنوات على الحرب مع إيران حيث كان صدام حسين يفرض قبضته الدموية على المجتمع. وعاش خلال ظروف الحصار الاقتصادي المدمر الذي فرض على العراق منذ عام 1991 بعد غزو العراق للكويت واستمر حتى وقوع غزو العراق عام 2003. وهذا أدى إلى تعمق الفقر في مناطق مثل مدينة الصدر وتكون جيل من الشبان أقل تعلما وأقل فرصا من الجيل الذي سبقه.

لا تعتبر عائلة محمد حسين فقيرة. مع ذلك فهو لم يمتلك أبدا هاتفا ولم يصعد طائرة ولم يذهب إلى الخارج. وهو لم يكمل سوى سبع سنوات في المدرسة. وعلى العكس منه يحمل أخوته الذين تتراوح أعمارهم بين 48 و56 عاما على شهادات الثانوية وأحدهم في الموسيقى والآخر في الهندسة الميكانيكية. بل سافر أحدهم إلى الخارج ويتكلم لغة أجنبية.
قال عدنان حسين، 48 سنة، الذي يعمل كمدرب لآلة العود الموسيقية عن أخيه القتيل «كان هو الشاذ في العائلة». وحينما غزا الأميركيون العراق في مارس (آذار) 2003 كان محمد حسين يعلب سجائر في مصنع يقع عند ضواحي مدينة الصدر. بل حتى قبل الغزو ظل حسين يصادق أشخاصا أجلافا حسبما قال أخوه. كان أصدقاؤه من المعدمين والكثير منهم فقدوا أفرادا من عائلاتهم في الحروب.

وأضاف عدنان «معظم أصدقائه كانوا من اللصوص. إنهم يتظاهرون بتدينهم لكن في دواخلهم هم بعيدون جدا عن الدين».
بعد الغزو الأميركي للعراق شارك محمد حسين أصدقاءه في أعمال النهب وذات يوم جلب معه إلى شقة عائلته الصغيرة أثاثا وبنادق. وغضب أبوه بشدة وأمره بإعادة كل شيء سرقه لكن الابن رفض تنفيذ ما طلبه الأب منه.

وعند قدوم الشتاء توقف حسين عن الأكل في البيت مع عائلته، وبدأ بحمل الأسلحة. وعلى الرغم من أنه لم يكن يوما متدينا بدأ بحضور صلاة الجمعة في المسجد المحلي. وتشدد رأيه تدريجيا تجاه الاحتلال الأميركي، وهذا حدث حينما بدأ يسمي نفسه بمقاتل المهدي.
سبّب تصرف محمد حسين شعورا بالذعر لدى أفراد عائلته. حاول والده معاقبته وذات مرة قام بطرده من البيت. لكن أخاه عدنان توسل اليه كي يبقى داخل البيت. لكن لم يستطع أي كان تغيير موقفه.

بعد عشرة أيام فقط من تلك الحادثة قُتل محمد حسين تاركا وراءه أسئلة عن سبب رغبته في المجازفة بحياته ولأجل ماذا. الكثير من العراقيين بمن فيهم أولئك المتعاطفون مع التمرد ينظرون إلى مقاتلي «جيش المهدي» على أنهم هواة وقطاع طرق. قال يحيى العبيدي، 33 سنة، الذي يمتلك محلا في منطقة الشعب المجاورة لمدينة الصدر في بغداد حيث قام جيش المهدي بهجوم يوم الثلاثاء الماضي «إنهم ليسوا جيشا، إنهم مجرد حفنة من الرجال غير المنظمين».

وهذه القناعة لها أصداء بين الكثير من سكان مدينة الصدر من الطبقة المتوسطة بمن فيهم عائلة حسين نفسه، وهؤلاء جميعا يتهمون رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر بأنه يستثمر مشاعر الحنق الموجودة لدى سكان مدينة الصدر بسبب أوضاعهم المعيشية، ويقولون إن أتباعه ليسوا أكثر من عصابات همها الأساسي سرقة العابرين. وقال ثائر السوداني المقيم في مدينة الصدر والذي يعمل مترجما من بيته لصالح جامعة بغداد «إنهم لا يمتلكون أي هدف وبلا برنامج وبدون أي شيء».

وتكلم السوداني عبر الهاتف من بيته لأن العنف الأخير جعل أي لقاء في مدينة الصدر خطرا جدا وقال إن المقاتلين هم «من أقاربنا وجيراننا» وليس فقط من المتمردين المقبلين من خارج المنطقة. وقال إن جيش المهدي جذب أقل الناس حظا من بين السكان والكثير منهم كان متورطا في بيع المخدرات والكحول قبل الحرب.

وقال السوداني إن السرقة متفشية بشكل واسع بين عناصر «جيش المهدي». واشار الى حادثة جرت الأسبوع الماضي فقط حينما أوقف مقاتلون من «جيش المهدي» سيارة بيك آب فأخرجوا صاحبها منها ثم ساقوها مبتعدين عن المكان.
قال عدنان حسين إن أخاه مجرد «صخرة واحدة في جدار» يتكون من شبان فارغين ويبحثون عن معنى لحياتهم. وأضاف أن «جيش المهدي» ساعد على ملء الفراغ.

وعلى العكس من المقاتلين في الفلوجة والمدفوعين بروح عقائدية ملتهبة يبدو أن ميليشيا «جيش المهدي» تقاتل تحت وطأة الولاء للصدر الذي يرونه الشخص الوحيد الذي يعبر عنهم. قالت أيام محمد إنها تناصر الصدر لأنه «يريد أن يكون مفيدا للفقراء الذين عانوا كثيرا».
وقال عدي هاشم، 22 سنة، الذي يعمل ميكانيكي سيارات وانتمى إلى «جيش المهدي» إن كل رفاقه هم أصدقاء وجيران. وعارض تلك الانتقادات الموجهة لجيش المهدي التي تقول إن أعضاءه يريدون تحسين حياتهم. وقال «تعتبرنا الحكومة مجرمين لكننا لسنا كذلك. أميركا لم تعطنا أي شيء. نحن نريد انتخابات».

وقال سكان منطقة أخرى في بغداد إن توفر الوظائف سيقلص كثيرا من الحماسة التي تنامت حول الصدر. ورجل الدين نفسه يبدو أنه قد قال للوسطاء في أحاديث خاصة جرت معه الأسبوع الماضي إنه مستعد لجعل جيشه «منظمة اجتماعية» لمشاريع العمل العام لا للقتال. مع ذلك فإن الحداد في بيت محمد حسين ما زال قائما. فلم يتم تشغيل التلفزيون منذ مقتل حسين. ولا يخرج أبوه، 77 سنة، من سريره أكثر أوقات اليوم. ويبحث أخوه عدنان عن طريقة تمكنه من أخذ أعواده وتعليمه لها إلى سورية.

إنه ما زال يحاول فهم اختيار أخيه القتيل. قال عدنان حسين «إنه عالمه الخاص به. هو الذي اختاره. وكان خيارا خاطئا. لكن هناك شيئا في داخله كان بحاجة إلى هذا الخيار».