المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عيوب التحريات وراء براءة المتهمين بـ«الفرعيات»



فيثاغورس
02-16-2009, 10:58 AM
كتب مبارك العبد الله : القبس


بعد قيام الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية بمحاربة «الفرعيات» بشكل جدي كما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، عبر إحالة العديد من المواطنين بعد مداهمة المقار التي كانوا يجرون فيها الانتخابات الفرعية إلى النيابة العامة، التي قررت بدورها إحالة الأغلبية إلى المحاكمة، وطالبت بمعاقبة المتهمين بالعقوبة الأشد حسبما ينص القانون.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذا الجهد ومداولة القضية: لماذا نال أغلب المتهمين بانتخابات الفرعيات البراءة بعد كل هذه الضجة والحرب؟

هذا السؤال يحتاج إلى إجابة ولا يعتبر تدخلا في الشؤون القضائية، لأن الإجابة عليه واضحة ولا تحتاج إلا الى نقلها للناس.

فالواضح أن محاكمنا في القضايا المعروضة أمامها لا تصدر أحكام الإدانة التي تقضي بالامتناع عن النطق بالعقاب أو بالتغريم المالي أو الحبس لسنوات متفاوتة، إلا إذا كانت القضية تحمل أدلة تقطع باليقين والجزم وليس الشك والتخمين.
ويوضح القانونيون أن السبب الذي يؤدي إلى براءة المتهمين في الفرعيات، هو تحريات المباحث التي دائما ما تعتمد على نقل صور وأحداث ولا تحمل أدلة ووثائق يقينية، الأمر الذي لا تأخذ به المحكمة.
«لماذا تبرئ محاكمنا المتهمين بالقضايا الفرعية؟» سؤال طرحته «القبس» على أهل القانون الذين تعددت إجاباتهم في هذا الاستطلاع.

يقول المحامي محمد منور المطيري ان المحاكم تطبق قانونا لا علاقة له إلا بالأدلة. وأضاف: المشكلة تكمن في ضعف الأدلة، وجرائم الفرعيات كانت مبنية على تحريات المباحث، وأغلب القضايا إن لم تكن كلها كانت تقوم على دليل واحد مستمد من أقوال ضابط الواقعة بأن هناك أشخاصا تجمعوا في مكان واحد، ولم يكن هناك أي دليل حسي مادي يؤكد ارتكاب جريمة حسبما ينص عليها القانون.

الدليل المادي
وأشار إلى أن المحكمة لا تعتمد على الشك والتخمين وإنما على الجزم واليقين، فطالما كانت الأدلة المطروحة عليها وهمية، فمن المؤكد أنها ستحكم بالبراءة.
وزاد: حكم الإدانة لا يصدر إلا إذا كانت هناك أدلة قوية من الممكن أن يعتمد عليها القاضي في قضائه، ويجب أن يكون هناك ضبط لأجهزة الكمبيوتر مثلا في المكان الذي أجريت فيه الانتخابات الفرعية.
وأوضح أن القاضي لا يمكن أن يدين أشخاصا بناء على رواية ضابط الواقعة التي لم يعززها الدليل المادي، مشيرا إلى أن المشكلة كلها تقع بسبب تحريات المباحث.

إثارة
وبدوره، قال المحامي علي العصفور: لعل من القضايا التي يجدر الوقوف طويلا أمامها هي قضية الفرعيات، حيث أن الإثارة التي تصحب هذه القضايا تشغل الشارع والإعلام بشكل كبير، وهي في اعتقادنا تحمل في طياتها دعاية للأجهزة الأمنية بأنها تمارس دورها في منع الفرعيات، في حين أن هذا الدور هو بمنزلة ردود أفعال لما يثار من المرشحين عن وجود انتخابات فرعية تحت سمع وبصر وزارة الداخلية المناط بها منع مثل هذه الانتخابات.

وأضاف: بالتالي يكون هناك تحرك سريع للوقوف في وجه هذه الفرعيات، من دون أن تكون هناك تحريات مسبقة وكافية، مما يجعل من عملية الضبط مثار كثير من المشاكل، أولها وليس اخرها ما رأيناه من اشتباكات مع رجال الأمن، بحيث عكست صورة سلبية جدا عن كيفية التعاطي مع هذه الجرائم الانتخابية، والتي انعكست أيضا على الأدلة التي تقدم للنيابة حول هذه الجرائم، حيث أضحت هذه الأدلة غير كافية على حمل مثل هذا الاتهام، نظرا لعدم الجدية في تمحيص أدلة الإثبات.
وأكمل: المحكمة تمحص الأدلة ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تأخذ بتحريات غير جادة وغير كافية، من قبل من يقوم بضبط هذه الجرائم، حيث أن التحريات لا تقوم على الصدق، والأدلة المقدمة غير كافية، وتكون قاصرة عن حد الإدانة لعدم وجود شواهد على هذه الأدلة، وهو ما يصم هذه الأدلة بالقصور الشديد، مما يجعل المحكمة أمام أسباب للبراءة في أحكامها وليس أسباب للإدانة.

وختم بالقول: يجب على جهة الضبط أن تعيد التفكير أكثر من مرة قبل تقديم أي أشخاص للمحاكمة بتهمة إجراء انتخابات فرعية من دون أدلة ترقى لمرتبة الإدانة وتبرر التعرض للحريات، وأحكام القضاء مثلت رسائل يجب قراءتها.

الخبرة
أما المحامي نجيب الوقيان فأوضح أن قانون الفرعيات صدر قبل فترة تعتبر قصيرة جدا بالنسبة للداخلية، لأن أمر تطبيقه والتعامل معه يحتاج إلى فترة طويلة، ناهيك عن محاربة هذه الانتخابات كل أربع سنوات مرة واحدة.

وأضاف: ضباط الداخلية والمباحث حتى الآن لم يتعودوا على الإجراءات ولم يقرأوا الأحكام حتى يقومون بتلافي النواقص في الأدلة .

وتابع: في قضايا أخرى كثيرة تجد ضابط المباحث متمرسا في البحث عن أدلة ويستطيع تكييف القضية من جميع الأوجه، ويعلم تماما أنه لا يجوز أن يقوم بأمر إلقاء القبض قبل أن يستصدر أمرا من النيابة بذلك.

وقال: بالنسبة إلي فإني أشعر بأن وزارة الداخلية كأنها تواجه أمرين: إما جهلها بالقانون وإجراءات تنفيذه لكونه يعتبر حديثا، أو أن يدخل في الموضوع الجانب السياسي، وبالتالي تجدها تفتح عينا واحدة، وكأنها تريد أن تنبه على استحياء وتبرر لخصومها السياسيين الذين يطالبون بمحاربة الفرعيات أنها قامت بتطبيق القانون .

عضوية مهددة بالإلغاء
أوضح المحامون ان هناك عددا من أعضاء مجلس الأمة يواجهون حاليا تهمة الاشتراك في تنظيم الانتخابات الفرعية وشراء الأصوات وهم محمد هايف، رجا حجيلان، حسين قويعان، عصام الدبوس، مشيرين إلى أن صدور حكم إدانة نهائي بحقهم يهدد عضويتهم في مجلس الأمة أو حتى الترشيح مرة أخرى في انتخابات مقبلة.

متى بدأت الفرعيات ؟
توضح مصادر قضائية لـ «القبس» ان بداية الفرعيات كانت عام 1976، إلا أن قانون تجريمها لم يفعّل إلا في العام 1998.

وأشارت إلى أن نص هذا القانون الذي صدر عن مجلس الأمة، وأضيف إلى المادة 45 من القانون رقم 35 لسنة 1962بشأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة الكويتي، تضمن معاقبة كل من نظّم أو اشترك في تنظيم انتخابات فرعية أو دعا إليها، وهي التي تتم بصورة غير رسمية قبل الميعاد المحدد للانتخابات لاختيار واحد أو أكثر من بين المنتمين الى فئة أو طائفة معينة.
وأضافت: «الأحكام القضائية لا تعتمد دائما على الشك أو التخمين، وإنما تتطلب أحكام الإدانة أدلة يقينية تطمئن إليها المحكمة حتى تصدر حكمها، حسبما ينص عليه القانون، وذلك بالعقوبة الأشد، ومثال ذلك ان عقوبة جريمة الانتخابات الفرعية تصل إلى الحبس لمدة 5 سنوات».
وعلقت المصادر على مسألة عدم ظهور حكم إدانة لجرائم الفرعيات حتى الآن قائلة: «المشكلة تكمن في جهاز وزارة الداخلية، فالقاضي ليس منوطا به القيام بجمع الأدلة، لأن ذلك هو دور وزارة الداخلية، حيث لم تكن هناك قضية سابقة فيها أدلة يقينية تتمثل في ضبط وإحضار المتهمين أثناء الإدلاء بأصواتهم وغيرها من الأدلة التي تتمثل بوقوع جرائم الانتخابات الفرعية».

معنى الانتخابات الفرعية قانونا
فسرت المذكرة الإيضاحية الانتخابات الفرعية على انها عبارة عن تنظيم لانتخابات أولية، وهي الانتخابات التي تجري أو تتم خارج نطاق الإجراءات التي نص عليها قانون الانتخاب وتنص على أن يحدد ميعاد الانتخابات العامة بمرسوم ويحدد ميعاد الانتخابات التكميلية بقرار من وزير الداخلية.
وأشارت إلى أن الانتخابات الفرعية تكون بين من يرغبون في الترشيح من المنتمين الى فئة معينة (قبيلة أو طائفة) لاختيار واحد أو أكثر من بينهم يكون له وحده أن يرشح نفسه بصورة رسمية في الانتخابات التي يعلن عنها.

مخالفة الدستور
شدّد المحامون على ضرورة تحري الدقة من قبل جهة الضبط، وأن تكون لديها من التحريات الجدية والكافية ما يكون قادرا على حمل الاتهام قبل الولوج بأي إجراء من شأنه التعرض للحريات ووضع قيود عليها بما يخالف القانون والدستور.

الصناديق والكمبيوتر
أكد القانونيون ان المحاكم تبرّئ الفرعيات لأن هناك قصورا في الأدلة، وهي عبارة عن أدلة الصناديق واستخدام الكمبيوتر وغيرها من أشياء أخرى، مشيرين إلى أن كل ذلك لم تقدمه المباحث بصورة جيدة، والمحكمة أيا كانت القضية لن تصدر الإدانة بالصورة، فهي تلتمس مليون مرة دليل البراءة قبل الإدانة.