على
02-08-2009, 03:51 PM
رجال الأمن اعتقلوه لدى عثورهم عليه داخل حافلة متوجها إلى المعقل السابق لـ «القاعدة»
بغداد: ستيفن فارل وأليسا روبين*
«أنا سائح»، كانت تلك كلماته الأولى. كان الخط الهاتفي من الفلوجة سيئا لكن لم يكن محتملا أن ثمة خطأ ما. فأول زائر غربي للفلوجة حط رحاله في المدينة.
لاحظ جندي في إحدى نقاط التفتيش العراقية المسافر لوكا مارشيو في حافلة صغيرة عامة وسط عدد من الركاب العراقيين متوجهين من بغداد إلى إحدى المدن التي كانت تثير الفزع في القلوب - والتي لا تزال تشهد توترا - وأخبر رؤساءه. وسرعان ما وجد مارشيو، المواطن الإيطالي الذي يبلغ من العمر 33 عاما، نفسه في مقر مركز الشرطة في الفلوجة محاطا بعدد من الضباط العراقيين المذهولين الذين يحاولون اكتشاف السبب الذي يدفع شخص غربي لتجول في هذه المدينة دون مترجم أو حراس. ربما يكون مارشيو قد أقلق رجال الشرطة، لكن هدفه الرئيس كان توفير المال.
وخلال مقابلتين عبر الهاتف رفض كل الهواجس بشأن سلامته وعروض المساعدة. وقال: «إنني سائح وأنا أرغب في رؤية أهم المدن في العراق، وذلك هو السبب في حضوري إلى هنا، فأنا أرغب في أن أرى وأفهم الحقيقة لأنني لم أكن هنا من قبل، وأعتقد أنه ينبغي زيارة كل دول العالم». وأضاف مارشيو إنه يرغب في قضاء الليلة في الفلوجة، لكنه أجبر على تغيير خطط سفره فقال: «شرحت لي السلطات أن ذلك مستحيل لأنه لا توجد أي فنادق في المدينة، وطلبوا مني القيام بجولة قصيرة في المدينة ثم العودة إلى بغداد».
وبعد الحصول على تفاصيل الرحلة الغريبة من مارشيو، روى لنا المسؤولون الإيطاليون والعراقيون المتشككون قصة غريبة عن هذا المسافر. تنبهت السفارة الإيطالية إلى وجود مارشيو عن طريق صحيفة «نيويورك تايمز»، ثم وجدت بعد ذلك إنه غادر إيطاليا إلى مصر ثم إلى تركيا ومن هناك اتجه إلى شمال العراق برا حيث توضح صور وثيقة سفره أنه حصل على تأشيرة لمدة عشرة أيام، وعبر الحدود من تركيا إلى كردستان. سافر مارشيو بعد ذلك 200 ميل بسيارة أجرة من اربيل، عاصمة إقليم كردستان، إلى بغداد حيث قام بشار يعقوب، الذي يبلغ من العمر 31 عاما، والذي يعمل كمدير لمكتب الاستقبال في فندق كورال بالاس، الفندق الذي لم يستقبل سائحا غربيا واحدا منذ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، بالحصول على بياناته. فحص بشار وثائق مارشيو ورغم عدم الراحة بشأن استضافة شخص أجنبي إلا أنه أعطاه مفتاح الغرفة عندما وجد أوراقه سليمة. يقول يعقوب: «قال لنا إنه أنه يريد أن يرى بغداد». وعندما سئل بشار عما إذا كان يعتقد أن العراق مستعدة لاستقبال سائحين في الوقت الحالي، أجاب بشار بالنفي، وعندما سئل عما إذا كان يعتقد أن الفلوجة آمنة بالنسبة للسائحين كرر الإجابة بالنفي، ووافقه العاملون بالفندق والنزلاء الذين كانوا على مقربة منا.
لكن، لم يوقف شيء السيد مارشيو، ففي مقابل 40 دولارا إضافية أعد الفندق لمارشيو جولة في أهم معالم المدينة، وتم اصطحابه إلى ضفة النهر حيث التقط صورا لتمثال شهر زاد، راوية قصص «ألف ليلة وليلة»، وتمكن من رؤية الأطفال يلعبون في الحدائق الموجودة على ضفة النهر، ثم اتجه بعد ذلك إلى البحيرة الصناعية الموجودة بالقرب من جامعة بغداد ثم إلى الميدان الذي سمي باسم مؤسس بغداد أبو جعفر المنصور على الضفة الغربية من نهر دجلة.
طاف مارشيو بمتنزه الزوراء، الذي يضم حديقة حيوانات، ثم أنهى يومه بجولة تسوقية في سوق الكرادة النابض الذي لا تزال آثار القنابل عالقة به. وقال مرشده لذلك اليوم رامز فائق، الذي يبلغ من العمر 23 عاما: «عندما حل الظلام شعر بالخوف ورغب في العودة إلى الفندق».
وفي صبيحة اليوم التالي، أعد مارشيو أغراضه للسفر إلى الفلوجة رغم محاولات العاملين بالفندق إقناعه بالعدول عن هذه الفكرة، وأصر على استقلال حافلة عامة إلى المدينة التي تقع على بعد 40 كيلومترا غرب بغداد.
خلال ساعات تلقى العاملون في الفندق اتصالا من شرطة الفلوجة، وقال بشار عن ذلك: «لم أكن مندهشا لدى اتصالهم، فقد قالت الشرطة إنهم وجدوا مارشيو في حافلة يجلس إلى جوار سيدة تبيع الحليب واللبن والزبد إلى المنازل، وقد كانوا قلقين بشأن سلامته». بالنسبة لمارشيو كانت تلك نهاية رحلته الجميلة في العراق. جمعت الشرطة الصحافيين العراقيين لإخبارهم بقصة هذا الإيطالي المتجول، وتم استدعاء المارينز الأميركي وإخطار السفارة الإيطالية. توصلت الشرطة العراقية إلى أن مارشيو ليس جهاديا إيطاليا ولا يشكل خطرا على أحد إلا على نفسه، ومن ثم اقترح أحد جنود المارينز الأميركيين العاملين مع الشرطة العراقية حمله إلى أطراف المدينة وتركه على الطريق السريع خارجها. وقال ريناتو دي بورشيا، نائب رئيس البعثة بالسفارة الإيطالية في بغداد «وضحت له أن التجول في الجوار ليس آمنا»، وأضاف «إنه ساذج إلى حد ما». وقال دي بورشيا «إن مارشيو تم التحفظ عليه من قبل الشرطة العراقية حفاظا على سلامته وأنه سيغادر في أقرب رحلة في اليوم التالي». سألنا مدير الاستقبال في فندق كورال بالاس متى سيكون العراق آمنا بالنسبة للسائحين؟
فكّر في السؤال، وقال إن هناك سياحا شيعة في النجف وكربلاء، «لكنه غير آمن للسياح بوجه عام، ولا يمكنني أن أتوقع متى يكون العراق آمنا لأن الموقف الأمني الآن جيد، لكن أنت تعلم طبيعة هذه البلاد، يمكنك أن تتوقع أي شيء في أية لحظة».
وقال دي بورشيا «إن مسؤولي وزارة الخارجية الإيطالية ينصحون المسافرين بعدم زيارة العراق، أما المضطرون إلى ذلك، فيجب أن يحرصوا على إطار عمل أمني». وأضاف «كان موقفا غريبا إلى حد بعيد، فأنا أرغب في مشاهدة كل الأماكن الجميلة في العراق لكني أعتقد أن ذلك غير ممكن حتى الآن».
*خدمة «نيويورك تايمز»
بغداد: ستيفن فارل وأليسا روبين*
«أنا سائح»، كانت تلك كلماته الأولى. كان الخط الهاتفي من الفلوجة سيئا لكن لم يكن محتملا أن ثمة خطأ ما. فأول زائر غربي للفلوجة حط رحاله في المدينة.
لاحظ جندي في إحدى نقاط التفتيش العراقية المسافر لوكا مارشيو في حافلة صغيرة عامة وسط عدد من الركاب العراقيين متوجهين من بغداد إلى إحدى المدن التي كانت تثير الفزع في القلوب - والتي لا تزال تشهد توترا - وأخبر رؤساءه. وسرعان ما وجد مارشيو، المواطن الإيطالي الذي يبلغ من العمر 33 عاما، نفسه في مقر مركز الشرطة في الفلوجة محاطا بعدد من الضباط العراقيين المذهولين الذين يحاولون اكتشاف السبب الذي يدفع شخص غربي لتجول في هذه المدينة دون مترجم أو حراس. ربما يكون مارشيو قد أقلق رجال الشرطة، لكن هدفه الرئيس كان توفير المال.
وخلال مقابلتين عبر الهاتف رفض كل الهواجس بشأن سلامته وعروض المساعدة. وقال: «إنني سائح وأنا أرغب في رؤية أهم المدن في العراق، وذلك هو السبب في حضوري إلى هنا، فأنا أرغب في أن أرى وأفهم الحقيقة لأنني لم أكن هنا من قبل، وأعتقد أنه ينبغي زيارة كل دول العالم». وأضاف مارشيو إنه يرغب في قضاء الليلة في الفلوجة، لكنه أجبر على تغيير خطط سفره فقال: «شرحت لي السلطات أن ذلك مستحيل لأنه لا توجد أي فنادق في المدينة، وطلبوا مني القيام بجولة قصيرة في المدينة ثم العودة إلى بغداد».
وبعد الحصول على تفاصيل الرحلة الغريبة من مارشيو، روى لنا المسؤولون الإيطاليون والعراقيون المتشككون قصة غريبة عن هذا المسافر. تنبهت السفارة الإيطالية إلى وجود مارشيو عن طريق صحيفة «نيويورك تايمز»، ثم وجدت بعد ذلك إنه غادر إيطاليا إلى مصر ثم إلى تركيا ومن هناك اتجه إلى شمال العراق برا حيث توضح صور وثيقة سفره أنه حصل على تأشيرة لمدة عشرة أيام، وعبر الحدود من تركيا إلى كردستان. سافر مارشيو بعد ذلك 200 ميل بسيارة أجرة من اربيل، عاصمة إقليم كردستان، إلى بغداد حيث قام بشار يعقوب، الذي يبلغ من العمر 31 عاما، والذي يعمل كمدير لمكتب الاستقبال في فندق كورال بالاس، الفندق الذي لم يستقبل سائحا غربيا واحدا منذ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، بالحصول على بياناته. فحص بشار وثائق مارشيو ورغم عدم الراحة بشأن استضافة شخص أجنبي إلا أنه أعطاه مفتاح الغرفة عندما وجد أوراقه سليمة. يقول يعقوب: «قال لنا إنه أنه يريد أن يرى بغداد». وعندما سئل بشار عما إذا كان يعتقد أن العراق مستعدة لاستقبال سائحين في الوقت الحالي، أجاب بشار بالنفي، وعندما سئل عما إذا كان يعتقد أن الفلوجة آمنة بالنسبة للسائحين كرر الإجابة بالنفي، ووافقه العاملون بالفندق والنزلاء الذين كانوا على مقربة منا.
لكن، لم يوقف شيء السيد مارشيو، ففي مقابل 40 دولارا إضافية أعد الفندق لمارشيو جولة في أهم معالم المدينة، وتم اصطحابه إلى ضفة النهر حيث التقط صورا لتمثال شهر زاد، راوية قصص «ألف ليلة وليلة»، وتمكن من رؤية الأطفال يلعبون في الحدائق الموجودة على ضفة النهر، ثم اتجه بعد ذلك إلى البحيرة الصناعية الموجودة بالقرب من جامعة بغداد ثم إلى الميدان الذي سمي باسم مؤسس بغداد أبو جعفر المنصور على الضفة الغربية من نهر دجلة.
طاف مارشيو بمتنزه الزوراء، الذي يضم حديقة حيوانات، ثم أنهى يومه بجولة تسوقية في سوق الكرادة النابض الذي لا تزال آثار القنابل عالقة به. وقال مرشده لذلك اليوم رامز فائق، الذي يبلغ من العمر 23 عاما: «عندما حل الظلام شعر بالخوف ورغب في العودة إلى الفندق».
وفي صبيحة اليوم التالي، أعد مارشيو أغراضه للسفر إلى الفلوجة رغم محاولات العاملين بالفندق إقناعه بالعدول عن هذه الفكرة، وأصر على استقلال حافلة عامة إلى المدينة التي تقع على بعد 40 كيلومترا غرب بغداد.
خلال ساعات تلقى العاملون في الفندق اتصالا من شرطة الفلوجة، وقال بشار عن ذلك: «لم أكن مندهشا لدى اتصالهم، فقد قالت الشرطة إنهم وجدوا مارشيو في حافلة يجلس إلى جوار سيدة تبيع الحليب واللبن والزبد إلى المنازل، وقد كانوا قلقين بشأن سلامته». بالنسبة لمارشيو كانت تلك نهاية رحلته الجميلة في العراق. جمعت الشرطة الصحافيين العراقيين لإخبارهم بقصة هذا الإيطالي المتجول، وتم استدعاء المارينز الأميركي وإخطار السفارة الإيطالية. توصلت الشرطة العراقية إلى أن مارشيو ليس جهاديا إيطاليا ولا يشكل خطرا على أحد إلا على نفسه، ومن ثم اقترح أحد جنود المارينز الأميركيين العاملين مع الشرطة العراقية حمله إلى أطراف المدينة وتركه على الطريق السريع خارجها. وقال ريناتو دي بورشيا، نائب رئيس البعثة بالسفارة الإيطالية في بغداد «وضحت له أن التجول في الجوار ليس آمنا»، وأضاف «إنه ساذج إلى حد ما». وقال دي بورشيا «إن مارشيو تم التحفظ عليه من قبل الشرطة العراقية حفاظا على سلامته وأنه سيغادر في أقرب رحلة في اليوم التالي». سألنا مدير الاستقبال في فندق كورال بالاس متى سيكون العراق آمنا بالنسبة للسائحين؟
فكّر في السؤال، وقال إن هناك سياحا شيعة في النجف وكربلاء، «لكنه غير آمن للسياح بوجه عام، ولا يمكنني أن أتوقع متى يكون العراق آمنا لأن الموقف الأمني الآن جيد، لكن أنت تعلم طبيعة هذه البلاد، يمكنك أن تتوقع أي شيء في أية لحظة».
وقال دي بورشيا «إن مسؤولي وزارة الخارجية الإيطالية ينصحون المسافرين بعدم زيارة العراق، أما المضطرون إلى ذلك، فيجب أن يحرصوا على إطار عمل أمني». وأضاف «كان موقفا غريبا إلى حد بعيد، فأنا أرغب في مشاهدة كل الأماكن الجميلة في العراق لكني أعتقد أن ذلك غير ممكن حتى الآن».
*خدمة «نيويورك تايمز»