سلسبيل
02-07-2009, 08:06 AM
في مسرحياته .... وصل الى القمر قبل الروس والامريكان !
http://www.alwatan.com.kw/Portals/0/Article/02072009/Org/lc30_1.jpg
حاورته نورا جنات
لا يوجد بيت في الكويت لا يعرف هذا الرجل، حساباته الفلكية و»روزناماته« لا بديل او منافس لها في كل بيت، تصريحاته في المواسم المختلفة ننتظرها بشغف وتحذيراته من تقلبات الاحوال الجوية نأخذها على محمل الجد، اذا ما قال او نصح بارتداء الملابس الشتوية بتاريخ محدد، ارتديناها دون تردد، وفي بداية الصيف عندما يدفعنا العطش لشرب الماء البارد، نتذكر جملته الشهيرة التي نقرأها في روزنامته كل صيف »يستلذ بشرب الماء البارد«، وما يذكره في صفحات روزنامته من تعليقات او اوصاف او اسقاطات كثيرا ما اصبح الشغل الشاغل للناس في الكويت ودليلهم في ذلك هو ان »العجيري.. قال«، مصداقيته وعلمه المميز في مجال الفلك امر لا يشكك فيه احد من الكويتيين الذين يعتبرون د.صالح العجيري »واحد من افراد العايلة« فيتصلون به حتى من دون معرفة مسبقة ليستفتونه في امر الملابس الملائمة والاجواء الملائمة للحداق، وهم متأكدون ان هذا الرجل الذي لا نمتلك في بيوتنا ومكاتبنا غير روزنامته الشهيرة لنستدل بها، سيرد عليهم بكل مرح واريحية ويرشدهم الى حالة الطقس وحالة البحر التي تهم الحداقة منهم.
في هذا اللقاء، حاولنا ان نقترب اكثر من الباحث الفلكي الدكتور صالح العجيري، حاولنا ان نكشف لقراء »الوطن« عن مواطن كثيرة في حياته قد لا نعرف عنها الشيء الكثير »لم نسهب كثيرا في الحديث عن الباحث الفلكي صالح العجيري« بقدر ما اهتممنا بسؤاله عن محطات اخرى بحياته بعيداً عن »علم الفلك«، الدكتور صالح العجيري في هذا اللقاء الذي ينشر على حلقات ثلاث فتح لنا قلبه، وتحدث بصدر رحب، عاد بذاكرته الى الوراء سنين طويلة، سمح لنا بأن ننبش في ذكرياته الأليمة، واوجاعه، ولم يخل لقاؤه من »الطرفة« المعهودة التي عهدها عنه الناس في الكويت، فكان هذا اللقاء الشيق.
كل شيء في صالة بيته البسيط الكائن في منطقة اليرموك كان يشي بالحب الكبير والتقدير اللا محدود الذي يكنه كل من في الكويت لهذا الرجل، مئات الدروع وشهادات التقدير والميداليات والصور- التي نجزم بأنها ليست كل ما حصل عليه الباحث الفلكي صالح العجيري خلال مشوار حياته الطويل في علم الفلك، ولكن لم يكن بالإمكان لهذه الصالة أن تحتوى كل شيء! وليست شهادات ودروع التقدير وحدها من كانت تملأ الصالة، بل أن هذه الصالة كانت تجسد بشكل مصغر تاريخ الدكتور العجيري ومشواره الفلكي بما احتوته من أجهزة فلكية وتلسكوبات قديمة كانت يوما هي الأولى في المنطقة العربية، تلك الاجهزة التي استخدمها العجيري يوما قبيل ان تتطور المعدات والوسائل التكنولوجية في علم الفلك فتحال للتقاعد وتحتل مكانها في هذه الصالة كإحدى الذكريات الغالية على قلب الدكتور العجيري.
بحفاوة شديدة استقبلنا الدكتور صالح العجيري وكان اول ما حرص عليه قبيل ان نبدأ في طرح اسئلتنا عليه هو ان يصطحبنا في جولة داخل صالته، ليحدثنا عن قصة كل جهاز وكل صورة، وكل درع وضع في هذه الصالة التي تلخص لكل زائر حجم ذلك الجهد الكبير والانجاز العلمي الذي وصل اليه العجيري خلال مشواره الفلكي.
الفنان.. صالح العجيري
هناك الكثير من المحطات في حياة »د.صالح العجيري« لكننا لا نسمع إلا عن محطتك كفلكي ولا يعرف الكثير من الناس عن صالح العجيري »الممثل« الشيء الكثير رغم ان عملك بالتمثيل استمر لنحو 23 عاماً!
فعلاً.. مارست التمثيل منذ عام 1938 وحتى 1961 تقريباً اظن ان عملي بالتمثيل حينها كان نوعا من التعويض عن اللعب في الطفولة ومع الاقران الذي افتقدته باكراً ما حدث ان عمري كان 12 سنة عندما توفيت والدتي وكان والدي أيامها يعمل كموظف في البلدية وهو بالتالي يغيب معظم يومه خارج البيت ووجدت نفسي في هذا العمر المبكر مسؤولاً عن عائلة كاملة من الاولاد والبنات هم اشقائي كنت اطبخ وانظف المنزل وأغسل الملابس ثم اذاكر واذهب للمدرسة وهذا كله حرمني من أن أمارس طفولتي مع الأطفال في تلك الفترة، لم ألعب مع عيال الحي، ويبدو اني عوضت اللعب في المدرسة لاحقا باتجاهي للتمثيل على خشبة المسرح.
< ما الاعمال التي مثلتها في تلك الفترة؟!
- كثيرة، منها اول مسرحية كويتية باللغة العربية وكان اسمها »اسلام عمر«، التمثيل في الماضي وعلى ايامنا كان شيئاً رائعاً، لأن الناس مساكين على نياتهم ما كانوا شايفين شيء، فكان التمثيل بالنسبة لهم شيئاً مثيراً وممتعاً ولذلك كانوا حريصين على حضور المسرحيات من جميع الاعمار، حتى الشيوخ كنا نشاهدهم في اوائل الصفوف، اما الحين فالناس ما يعجبها العجب، مهما سويتلهم ينتقدون، صار التمثيل ماله طعم، وغير مسرحية »اسلام عمر« كان هناك مسرحيات اخرى كثيرة مثل »جابر عثرات الكرام« و»سكانه مرتة« و»مدير فاشل« و»خبير اسكت«!
< مع مَن مِن الممثلين عملت؟!
- وايد.. مثل »محمد النشمي« و»محمد المنيع« و»عقاب الخطيب«، »حمد الرجيب« و»الفهد الفارس الوقيان« و»عبدالرزاق وخالد النفيسي« ومحمد القطامي وعبدالله خريبط وغيرهم كثر..
< سمعت ان مسرحياتك التي قدمتها في تلك الفترة تخللها شيء من افكارك واهتماماتك الفلكية التي ترجمتها على خشبة المسرح، ما مدى صحة ذلك؟!
- صحيح، عشقي للفلك بدأ باكرا، كان عشقا غلب عشقي للتمثيل وهو عشق لا فكاك منه لقد طبقت افكاري الفلكية على المسرح لدرجة اني في مسرحياتي وصلت قبل الروس والامريكيين الى سطح القمر!
وعن تلك الفترة التي مارس فيها التمثيل يقول الدكتور صالح العجيري: »ميولي الفنية في واقع الامر اكتشفها احد الاساتذة عندما كنت طالبا في مدرسة المباركية، وكان ذلك في الثلاثينيات، انضممت لفريق التمثيل بالمدرسة، ووجدت في التمثيل متنفسا رائعا لكل ما كنت مثقلاً به من مسؤولية وظروف اجتماعية، واستمررت في التمثيل حتى بداية الستينيات، على الرغم من كل التحفظات العائلية وعدم استحسان الناس وقتها لمهنة الممثل، الذي لا يعدو عن كونه »اراجوز« في نظر البعض، قدمت عشرات الاعمال الفكاهية البسيطة في محتواها الا انها على الرغم من بساطتها كانت تجعل الحاضرين يضحكون بعمق، فبساطة الحياة والناس ايام اول كانت تجعلهم يتقبلون كل ذلك باستمتاع وحب، أي مشهد تمثيلي كنا نقدمه مهما كانت بساطته كان يحظى بالاعجاب لدرجة اننا لو ادخلنا »عنزة« الى المسرح فجأة كان ذلك يجعلهم يستغرقون في ضحك طويل!
ويضيف العجيري قائلا: لم نكن نأخذ اجرا على ما نقدمه من اعمال، لأننا في الغالب كنا متطوعين، حتى الناس لم يكونوا يدفعون نقودا ثمنا لتذاكر أو ما شابه، طبعا كان ذلك في البدايات، الى ان بدأ تنظيم الوضع اكثر وتقرر ان يكون الدخول للمسرح بمقابل مادي وعندها فقط بدأ الممثلون يقبضون اجورا رمزية عن اعمالهم المسرحية، واذكر ان اول اجر تقاضيته من عمل مسرحي كان نحو 15 روبية.
ويستطرد الدكتور صالح العجيري قائلاً:
في احدى المسرحيات التي ساهمت في كتابها، ابتدعت شخصية »مخلوق هبط إلى الارض من على سطح القمر«، واخترت ممثلا اسمه محمد جعفر لاداء الشخصية، ولبسناه لباس الغوص الاسود، وكان حجم جسده صغيراً وضئيلاً فكان شكله مناسبا جداً لاداء الدور وبامكانياتنا المسرحية الضئيلة المتاحة حينها علقنا حبلاً في سقف المسرح، حتى ينزل عليه »محمد جعفر« في حركة تمثيلية كأنه نازل من السماء واذكر ان دوري في المسرحية كان فلكياً ايضا بل وكبير علماء الفلك، اذ اظهر في احد المشاهد وان اجمع عدداً كبيراً من العلماء لتدارس امر هذا المخلوق الغريب الذي نزل علينا من سطح القمر، ومازالت اذكر ان الشيخ عبدالله المبارك كان في اوائل صفوف الجالسين في هذه المسرحية.
ويضيف الدكتور العجيري قائلاً: التمثيل »ايام اول« كان ممتعاً وكان متجدداً، لعدم اعتمادنا على نص مكتوب، كل حواراتنا كانت ارتجالية ولهذا في كل ليلة كان الحوار يتغير، والجمهور كان يحضر مراراً المسرحية لانه يعلم ان ما سيراه ويسمعه في تلك الليلة بالتأكيد سيكون مختلفا عما سبق.
< ليش هديت التمثيل؟!
- اسباب وايد، منها ان العائلة كانت متضايقة لان الممثل في عرف الناس ايام اول كان مجرد »اراجوز« يضحك الناس عليه، ولا يوجد له تقدير مثل الان، اضافة لذلك، انا كنت شغوفاً بالفلك، وعشقي للفلك فاق عشقي للتمثيل، وشعرت حينها بان »ماكو وقت للتمثيل«، اضافة إلى اني تزوجت مبكراً واصبحت صاحب اسرة، فزادت المسؤوليات ولم يكن بالامكان ان استمر في مجال التمثيل؟
- هناك من قال لنا بانك كنت ابان فترة المدرسة زعيما للشغب و»الشطانة«، هل كنت مشاغبا بالفعل؟!
- كنت اتزعم عملية الشغب في المدرسة وادرب اللي معاي من طلبة على اساليب ممارسة الشغب! خذي عندك مثلاً اصوات الطنين التي أبداً باصدارها بمجرد دخول المدرس للفصل، ويشاركني فيها بعض الطلبة، وكانت تسبب تشويشا للمدرس الذي لا يعلم مصدره، اما الشغب الحقيقي الذي كنا نستمتع فيه فكان عندما »نضغط« الاساتذة، فنظراً لكونهم من فلسطين كان اغلبهم لا يجيدون اللهجة الكويتية بشكل كامل، وكنا نستغل هذا الضعف في مفردات اللهجة فيهم عشان »نضيعهم« ونتلاعب في معاني الكلمات، اذكر اني كنت اقول لاحد الاساتذة عندما يراني مشغولاً وكأني أبحث عن شيء ما بأني اضعت »يا كليتي« وعندما يسألني الاستاذ عن معنى هذه الكلمة كنت اخبره ان الباكليت هو »المحاية« فتعلق الكلمة في ذهنه ويظل طوال العام وهو يسمي المحاسة »بالباكليت«!
ايضا كنت اقول للاستاذ احيانا: استاذ.. أعكه؟ فيسألني يعني شنو أعكه؟! فكنت أخبره بأن كلمة أعكه تعني ان انقل زميلي ما هو مكتوب على السبورة! والمسكين يوافق ظنا منه ان كلمة »أعكه« ترمز لهذا المعنى بالفعل! في حين ان اعكه باللهجة تعني ان احمله على ظهري! ويظل الاساتذة الفلسطينيون طوال السنوات في حالة من اللخبطة في استخدام مفردات الكلمات باللهجة بسبب تشويشنا عليهم بهذه التصرفات!
< »لولا الرشايدة.. لما أصبح صالح العجيري« فلكيا ما مدى صحة هذه العبارة يا دكتور؟!
- فعلا فعندما بدأ شغفي وحبي لعلم الفلك ارسلني والدي الى البادية في ضيافة قبيلة »الرشايدة« في منطقة »رحية« جنوب غرب الجهراء وكان ذلك بهدف تعلم وتعود الحياة الخشنة وتعلم الفروسية، وقد عزز من حب الفلك في نفسي اذ كنت اقضي الليل وانا اتأمل القمر والنجوم، كما ان خوفي من الظواهر المناخية القاسية والعواصف الرعدية التي تنير الصحراء، جعلني افكر في دراستها والبحث عنها اكثر وربما كان ذلك من باب اعرف عدوك!
لقد تلقيت اول الدروس والعلوم الفلكية وأنا في البادية في ضيافة قبيلة الرشايدة حيث تعلمت كيف اتعرف على الجهات الاربع، من خلال مواقع النجوم.
وبعد عودتي من البادية اصبحت شغوفا اكثر بعلم الفلك، فكانت انطلاقتي الأولى في علم الفلك على يد الاستاذ عبدالرحمن الحجي، الذي درسني وعلمني كيفية استعمال آلة »الربع المجيب« وهي آلة مصنوعة من الخشب أو النحاس احيانا كان العرب والمسلمون قديما يستخدمونها كأداة مسح وتوقيت، اي انها آلة حاسبة قديمة كانت تستخدم لاهداف تحديد مواقيت الصلاة وتحديد اتجاه القبلة.
< الان وبعد كل هذه السنوات لا يكاد يخلو بيت في الكويت ولا مكتب في احدى الوزارات والهيئات من »رزنامة حائط أو مكتب لصالح العجيري« ما علمناه ان اصدار هذه الرزنامة المتاحة اليوم في كل مكان لم يكن بهذه السهولة بل مر بصعوبات وعراقيل شتى هل لك أن تحدثنا عنها؟
- فعلا، رغبتي في اصدار رزنامة أو تقويم بدأت باكرا ومنذ ان كنت طفلا في المدرسة، اذ كنت اشاهد في المدرسة لوحة معلقة على الحائط فيها عدد كبير من الاوراق التي تنتزع يوميا، وقد علمت انها تجلب من »مصر« وكانت بسيطة جدا في محتوياتها، اذ لم تكن تحتوي إلا على الايام والتاريخ، وقد فكرت بتقليدها وهو ما حدث فعلا فكنت اكتب اسم اليوم والتاريخ وقد لاحظ والدي ذلك فارسلني الى المرحوم نصر الله النصر الله وكان يمتلك كتابا ذكر فيه الايام والشهور ومواقيت الصلاة اسمه »تقويم العيوني« للمؤلف الشيخ عبدالعزيز العيوني من الاحساء، فقرأت الكتاب عشرات المرات وطورت منه رزنامتي البدائية وبدأت أعمل رزنامات مخطوطة.
وكانت هذه مجرد رحلة البداية في عالم كتابة الروزنامات، فرغبتي في طباعة روزنامة تكون متاحة للناس جميعا وتكون بديلاً عن الروزنامات المستوردة في »مصر« ظلت تراودني، وعندما لاحظ والدي عندي هذا الاصرار وهذا الشغف اخذني ذات يوم الى المرحوم عبدالعزيز العبد الوهاب، والذي كان تاجراً لديه علاقات تجارية واسعة مع بغداد وكان الهدف من ذلك هو مساعدتي على طباعة الروزنامة في بغداد لعدم وجود مطابع في الكويت في ذلك الحين، وكان ان طلبت المطبعة مبلغ عشرين ديناراً عراقيا للطباعة، وهنا كانت المشكلة، فهذا المبلغ يعد مبلغا كبيرا في تلك الفترة ليس من السهل تدبره، الا ان المرحوم مساعد الصالح تبرع بخمسة دنانير وتبرع ايضا عبدالعزيز العلي بخمسة دنانير اخرى، وتبرعت دائرة المعارف بخمسة دنانير، الا ان عجزي عن تدبير خمسة دنانير اخرى وقف عقبة امام الفكرة وبالتالي لم أتمكن من طباعة التقويم!
ولم تتوقف محاولاتي، ولم أيأس، وبعدها بنحو العام تقريبا، قررت ان اعاود المحاولة وبمساعدة المرحوم عبدالحميد الصانع كنت قاب قوسين او ادنى من طباعة التقويم، فقد قدم عبدالحميد الصانع نسخة من التقويم الى امير البلاد حينها المرحوم الشيخ احمد الجابر الصباح، والذي أمر عزت جعفر ان يرسل التقويم لمصر لطباعته ، الا ان سوء الحظ لازمني واشتعلت الحرب العالمية الثانية وتوقف المشروع!
ولم استسلم ايضا، وبعدها بعدة اعوام عاودت الكرة، وقررت طباعة تقويم صغير على نفقتي الخاصة في بغداد، الا انه في ذلك العام صادف ان اصدرت دائرة التموين في بغداد قراراً يمنع بموجبه تصدير الورق الابيض خارج العراق، ولم، أجد بدا من القبول على الحل الوحيد الذي قدمته المطبعة لي وهو طباعة الروزنامة على ورق رخيص ملون، وفعلاً تمت الطباعة، الا انه بعدها وقبيل ارسال الكمية المطبوعة للكويت، أصدرت دائرة التموين في بغداد قراراً آخر يمنع فيه تصدير الورق كليا خارج العراق!
وكنت وقتها قد أبرمت اتفاقا مع المرحوم محمد الرويح فكان صاحب المكتبة الوطنية اذ طلبت منه عدم استيراد أي روزنامات من مصرفي هذا العام لانني سأسلمه روزناماتي ليبيعها في مكتبته، وطبعا لم اتمكن من الوفاء بوعدي له، فاشتكاني للمرحوم والدي فجاءني والدي ذات ليلة، وانا أجلس في ديوانية »ياسين الغربللي«، ولم يكن والدي يعلم بقصة الطباعة والشحنة المحتجزة في بغداد، وعندما سمع المرحوم ياسين الغربللي تفاصيل القصة، قال لوالدي اعطني مائة روبية، فأخرج والدي من جيبه المبلغ متفرقا، الا ان الغربللي قال له انه يريد المائة روبية نوط اخضر واحد، فاحضر والدي المبلغ المطلوب له، وهنا اعطى الغربللي المبلغ لابنه وطلب منه ان يصطحبني الى سائق ينقل ا لركاب من البصرة الى الكويت واسمه عبداللطيف، وطلب منه ان يحضر المطبوعات من البصرة، وعندما رفض السائق، لوح له عبدالعزيز الغربللي بالمائة روبية الخضراء، وبمجرد ان رآها تبدل موقفه، فبعد ان رفض طلبنا في تهريب شحنة الروزنامات المطبوعة من البصرة للكويت خوفا من المساءلة، لأن موقفه تبدل بعد ان شاهد النقود، فأحضر المطبوعات فعلا الى الكويت، وتحقق حلمي اخيرا في طباعة اول روزنامة اقوم بعملها بعد مصاعب كبيرة ومحاولات كثيرة.
< ما قصة الروزنامة التي طبعتها في »اليابان«؟!
- الناس الذين يتصفحون روزنامات العجيري هالايام سيستغربون كثيرا عندما يعلمون انه وخلال رحلة بحثي الدائمة عن مطابع لطباعة روزنامتي في ظل عدم وجود مطابع في الكويت، فانني قمت بطباعة الروزنامة في كل دول العالم تقريباَ بدأت في العراق مرورا بالهند وباكستان وايران وسنغافورة حتى اني طبعت الروزنامة ذات يوم في اليابان! وذلك كله بهدف البحث عن المطبعة الارخص وحتى اتمكن بعدها من بيع الروزنامة بثمن معقول.
< معقول؟! سافرت لليابان لاجل طباعة الروزنامة؟!
- لا لم اسافر، ولكن كنت ارسل الروزنامة مع المسافرين، نسيت ان اخبرك بأني طبعت احدى روزناماتي ايضا في نابلس قبيل الاحتلال طبعا!.
< واتوقف قليلا بعد ان لمحت جهازا غريب الشكل يتوسط الصالة حيث كنت اجلس مع الدكتور صالح العجيري لاجراء الحوار، فأسأله عن ذلك الجهاز والغرض منه، فيحدثني قائلا:
- هذا اول (تلسكوب« دخل المنطقة وقد احضرته شخصيا من الولايات المتحدة في الستينيات، فقد كانت في بالي فكرة انشاء مرصد فلكي على خلاف المرصد الموجود حاليا في النادي العلمي والذي يحمل اسمي، وقد سافرت للولايات المتحدة الأمريكية لجلب معدات هذا المرصد وكان من ضمن ما اشتريت هذا التلسكوب الذي ترين والذي كان الاول من نوعه في المنطقة!
< هل كان هناك مرصد آخر للعجيري غير ذلك المرصد الذي نعرفه في مشرف حاليا؟
- في الواقع كنت أحلم باكراً بإنشاء مركز فلكي كبير، نظراً لعدم وجود مراكز فلكية في منطقتنا، فاشتريت أرضا على نفقتي الخاصة في منطقة الأندلس، وسافرت الولايات المتحدة لشراء ما يستلزمه إنشاء المركز، فاشتريت قبة قطرها 3 أمتار وكرة سماوية وكثيراً من المعدات الأخرى، وانتقلت إلى لندن لشراء معدات فلكية أخرى، لكن بعد تأسيس النادي العلمي بنحو ثلاثة أعوام تم طرح فكرة إنشاء مركز فلكي تابع للنادي يسمى باسمي وعندما رأيت الرغبة الجادة لتنفيذ هذا المشروع الوطني الكبير الذي سعدت به كثيراً، عدلت عن رغبتي في بناء واستكمال مرصدي الخاص.
< وماذا عن التليسكوب الآخر؟ »ألمح جهاز تليسكوب آخر في الناحية الأخرى من الصالة« فاسأل الدكتور العجيري عنه؟.
- هذا تليسكوب حديث جداً، وهو هدية شخصية تلقيتها من سمو الشيخ ناصر المحمد رئيس مجلس الوزراء قبل نحو 3 شهور إبان زيارته لليابان.
-< دكتور، الآن ونحن في عصر التطور التكنولوجي والتقني في شتى المجالات، ومنها ما هو متعلق بالفلك أيضا، هل تستخدم هذه المعدات المتطورة، وهل تجيد استخدام الـ GPS مثلا؟!
- طبعا استخدم الـ GPS، أنا أؤمن تماما بأن الشخص في أي مجال لا بد وأن ينمي مداركه ويواكب العصر ويتخلى عن الأشياء التقليدية إذا ما ظهرت أشياء أكثر تطوراً.
قبة المرصد فوق السطح!
لا يعلم الكثيرون أن »القبة« التي اشتراها الدكتور صالح العجيري للمرصد الفلكي الذي كان يعتزم إنشاءه في السبعينيات في منطقة الأندلس- قبل أن يتخلى عن الفكرة لاحقا- إثر تبني الدولة لفكرة إنشاء النادي العلمي وما تضمنه من مرصد سمي باسمه، لا يعلم الكثيرون أن القبة التي اشتراها الدكتور العجيري منذ سنوات طويلة وعندما كان في ولاية كولورادوا بالولايات المتحدة، وشاهد بالصدفة مجلة فلكية تحتوي موضوعات عن مصنع في »أوبسيفادو« يصنع القبب الفلكية، فتحمل عناء الوصول لهذه المدينة واشترى القبة الفلكية وتم شحنها للكويت، منذ ذلك الحين ظلت القبة الفلكية فوق سطح منزل العجيري حتى أهداها قبل نحو 5 شهور فقط لفريق المرزم الفلكي وقد سعدوا بها كثيراً وقاموا بترميمها.
في السبت القادم
- العجيري أحبيت بنت الجيران ولم اتزوجها
- والدي تزوج 6 مرات وأنا ماطلعت عليه
- بعد 65 عاما تذكرتني من احببتها بجدر جريش
تاريخ النشر 07/02/2009
http://www.alwatan.com.kw/Portals/0/Article/02072009/Org/lc30_1.jpg
حاورته نورا جنات
لا يوجد بيت في الكويت لا يعرف هذا الرجل، حساباته الفلكية و»روزناماته« لا بديل او منافس لها في كل بيت، تصريحاته في المواسم المختلفة ننتظرها بشغف وتحذيراته من تقلبات الاحوال الجوية نأخذها على محمل الجد، اذا ما قال او نصح بارتداء الملابس الشتوية بتاريخ محدد، ارتديناها دون تردد، وفي بداية الصيف عندما يدفعنا العطش لشرب الماء البارد، نتذكر جملته الشهيرة التي نقرأها في روزنامته كل صيف »يستلذ بشرب الماء البارد«، وما يذكره في صفحات روزنامته من تعليقات او اوصاف او اسقاطات كثيرا ما اصبح الشغل الشاغل للناس في الكويت ودليلهم في ذلك هو ان »العجيري.. قال«، مصداقيته وعلمه المميز في مجال الفلك امر لا يشكك فيه احد من الكويتيين الذين يعتبرون د.صالح العجيري »واحد من افراد العايلة« فيتصلون به حتى من دون معرفة مسبقة ليستفتونه في امر الملابس الملائمة والاجواء الملائمة للحداق، وهم متأكدون ان هذا الرجل الذي لا نمتلك في بيوتنا ومكاتبنا غير روزنامته الشهيرة لنستدل بها، سيرد عليهم بكل مرح واريحية ويرشدهم الى حالة الطقس وحالة البحر التي تهم الحداقة منهم.
في هذا اللقاء، حاولنا ان نقترب اكثر من الباحث الفلكي الدكتور صالح العجيري، حاولنا ان نكشف لقراء »الوطن« عن مواطن كثيرة في حياته قد لا نعرف عنها الشيء الكثير »لم نسهب كثيرا في الحديث عن الباحث الفلكي صالح العجيري« بقدر ما اهتممنا بسؤاله عن محطات اخرى بحياته بعيداً عن »علم الفلك«، الدكتور صالح العجيري في هذا اللقاء الذي ينشر على حلقات ثلاث فتح لنا قلبه، وتحدث بصدر رحب، عاد بذاكرته الى الوراء سنين طويلة، سمح لنا بأن ننبش في ذكرياته الأليمة، واوجاعه، ولم يخل لقاؤه من »الطرفة« المعهودة التي عهدها عنه الناس في الكويت، فكان هذا اللقاء الشيق.
كل شيء في صالة بيته البسيط الكائن في منطقة اليرموك كان يشي بالحب الكبير والتقدير اللا محدود الذي يكنه كل من في الكويت لهذا الرجل، مئات الدروع وشهادات التقدير والميداليات والصور- التي نجزم بأنها ليست كل ما حصل عليه الباحث الفلكي صالح العجيري خلال مشوار حياته الطويل في علم الفلك، ولكن لم يكن بالإمكان لهذه الصالة أن تحتوى كل شيء! وليست شهادات ودروع التقدير وحدها من كانت تملأ الصالة، بل أن هذه الصالة كانت تجسد بشكل مصغر تاريخ الدكتور العجيري ومشواره الفلكي بما احتوته من أجهزة فلكية وتلسكوبات قديمة كانت يوما هي الأولى في المنطقة العربية، تلك الاجهزة التي استخدمها العجيري يوما قبيل ان تتطور المعدات والوسائل التكنولوجية في علم الفلك فتحال للتقاعد وتحتل مكانها في هذه الصالة كإحدى الذكريات الغالية على قلب الدكتور العجيري.
بحفاوة شديدة استقبلنا الدكتور صالح العجيري وكان اول ما حرص عليه قبيل ان نبدأ في طرح اسئلتنا عليه هو ان يصطحبنا في جولة داخل صالته، ليحدثنا عن قصة كل جهاز وكل صورة، وكل درع وضع في هذه الصالة التي تلخص لكل زائر حجم ذلك الجهد الكبير والانجاز العلمي الذي وصل اليه العجيري خلال مشواره الفلكي.
الفنان.. صالح العجيري
هناك الكثير من المحطات في حياة »د.صالح العجيري« لكننا لا نسمع إلا عن محطتك كفلكي ولا يعرف الكثير من الناس عن صالح العجيري »الممثل« الشيء الكثير رغم ان عملك بالتمثيل استمر لنحو 23 عاماً!
فعلاً.. مارست التمثيل منذ عام 1938 وحتى 1961 تقريباً اظن ان عملي بالتمثيل حينها كان نوعا من التعويض عن اللعب في الطفولة ومع الاقران الذي افتقدته باكراً ما حدث ان عمري كان 12 سنة عندما توفيت والدتي وكان والدي أيامها يعمل كموظف في البلدية وهو بالتالي يغيب معظم يومه خارج البيت ووجدت نفسي في هذا العمر المبكر مسؤولاً عن عائلة كاملة من الاولاد والبنات هم اشقائي كنت اطبخ وانظف المنزل وأغسل الملابس ثم اذاكر واذهب للمدرسة وهذا كله حرمني من أن أمارس طفولتي مع الأطفال في تلك الفترة، لم ألعب مع عيال الحي، ويبدو اني عوضت اللعب في المدرسة لاحقا باتجاهي للتمثيل على خشبة المسرح.
< ما الاعمال التي مثلتها في تلك الفترة؟!
- كثيرة، منها اول مسرحية كويتية باللغة العربية وكان اسمها »اسلام عمر«، التمثيل في الماضي وعلى ايامنا كان شيئاً رائعاً، لأن الناس مساكين على نياتهم ما كانوا شايفين شيء، فكان التمثيل بالنسبة لهم شيئاً مثيراً وممتعاً ولذلك كانوا حريصين على حضور المسرحيات من جميع الاعمار، حتى الشيوخ كنا نشاهدهم في اوائل الصفوف، اما الحين فالناس ما يعجبها العجب، مهما سويتلهم ينتقدون، صار التمثيل ماله طعم، وغير مسرحية »اسلام عمر« كان هناك مسرحيات اخرى كثيرة مثل »جابر عثرات الكرام« و»سكانه مرتة« و»مدير فاشل« و»خبير اسكت«!
< مع مَن مِن الممثلين عملت؟!
- وايد.. مثل »محمد النشمي« و»محمد المنيع« و»عقاب الخطيب«، »حمد الرجيب« و»الفهد الفارس الوقيان« و»عبدالرزاق وخالد النفيسي« ومحمد القطامي وعبدالله خريبط وغيرهم كثر..
< سمعت ان مسرحياتك التي قدمتها في تلك الفترة تخللها شيء من افكارك واهتماماتك الفلكية التي ترجمتها على خشبة المسرح، ما مدى صحة ذلك؟!
- صحيح، عشقي للفلك بدأ باكرا، كان عشقا غلب عشقي للتمثيل وهو عشق لا فكاك منه لقد طبقت افكاري الفلكية على المسرح لدرجة اني في مسرحياتي وصلت قبل الروس والامريكيين الى سطح القمر!
وعن تلك الفترة التي مارس فيها التمثيل يقول الدكتور صالح العجيري: »ميولي الفنية في واقع الامر اكتشفها احد الاساتذة عندما كنت طالبا في مدرسة المباركية، وكان ذلك في الثلاثينيات، انضممت لفريق التمثيل بالمدرسة، ووجدت في التمثيل متنفسا رائعا لكل ما كنت مثقلاً به من مسؤولية وظروف اجتماعية، واستمررت في التمثيل حتى بداية الستينيات، على الرغم من كل التحفظات العائلية وعدم استحسان الناس وقتها لمهنة الممثل، الذي لا يعدو عن كونه »اراجوز« في نظر البعض، قدمت عشرات الاعمال الفكاهية البسيطة في محتواها الا انها على الرغم من بساطتها كانت تجعل الحاضرين يضحكون بعمق، فبساطة الحياة والناس ايام اول كانت تجعلهم يتقبلون كل ذلك باستمتاع وحب، أي مشهد تمثيلي كنا نقدمه مهما كانت بساطته كان يحظى بالاعجاب لدرجة اننا لو ادخلنا »عنزة« الى المسرح فجأة كان ذلك يجعلهم يستغرقون في ضحك طويل!
ويضيف العجيري قائلا: لم نكن نأخذ اجرا على ما نقدمه من اعمال، لأننا في الغالب كنا متطوعين، حتى الناس لم يكونوا يدفعون نقودا ثمنا لتذاكر أو ما شابه، طبعا كان ذلك في البدايات، الى ان بدأ تنظيم الوضع اكثر وتقرر ان يكون الدخول للمسرح بمقابل مادي وعندها فقط بدأ الممثلون يقبضون اجورا رمزية عن اعمالهم المسرحية، واذكر ان اول اجر تقاضيته من عمل مسرحي كان نحو 15 روبية.
ويستطرد الدكتور صالح العجيري قائلاً:
في احدى المسرحيات التي ساهمت في كتابها، ابتدعت شخصية »مخلوق هبط إلى الارض من على سطح القمر«، واخترت ممثلا اسمه محمد جعفر لاداء الشخصية، ولبسناه لباس الغوص الاسود، وكان حجم جسده صغيراً وضئيلاً فكان شكله مناسبا جداً لاداء الدور وبامكانياتنا المسرحية الضئيلة المتاحة حينها علقنا حبلاً في سقف المسرح، حتى ينزل عليه »محمد جعفر« في حركة تمثيلية كأنه نازل من السماء واذكر ان دوري في المسرحية كان فلكياً ايضا بل وكبير علماء الفلك، اذ اظهر في احد المشاهد وان اجمع عدداً كبيراً من العلماء لتدارس امر هذا المخلوق الغريب الذي نزل علينا من سطح القمر، ومازالت اذكر ان الشيخ عبدالله المبارك كان في اوائل صفوف الجالسين في هذه المسرحية.
ويضيف الدكتور العجيري قائلاً: التمثيل »ايام اول« كان ممتعاً وكان متجدداً، لعدم اعتمادنا على نص مكتوب، كل حواراتنا كانت ارتجالية ولهذا في كل ليلة كان الحوار يتغير، والجمهور كان يحضر مراراً المسرحية لانه يعلم ان ما سيراه ويسمعه في تلك الليلة بالتأكيد سيكون مختلفا عما سبق.
< ليش هديت التمثيل؟!
- اسباب وايد، منها ان العائلة كانت متضايقة لان الممثل في عرف الناس ايام اول كان مجرد »اراجوز« يضحك الناس عليه، ولا يوجد له تقدير مثل الان، اضافة لذلك، انا كنت شغوفاً بالفلك، وعشقي للفلك فاق عشقي للتمثيل، وشعرت حينها بان »ماكو وقت للتمثيل«، اضافة إلى اني تزوجت مبكراً واصبحت صاحب اسرة، فزادت المسؤوليات ولم يكن بالامكان ان استمر في مجال التمثيل؟
- هناك من قال لنا بانك كنت ابان فترة المدرسة زعيما للشغب و»الشطانة«، هل كنت مشاغبا بالفعل؟!
- كنت اتزعم عملية الشغب في المدرسة وادرب اللي معاي من طلبة على اساليب ممارسة الشغب! خذي عندك مثلاً اصوات الطنين التي أبداً باصدارها بمجرد دخول المدرس للفصل، ويشاركني فيها بعض الطلبة، وكانت تسبب تشويشا للمدرس الذي لا يعلم مصدره، اما الشغب الحقيقي الذي كنا نستمتع فيه فكان عندما »نضغط« الاساتذة، فنظراً لكونهم من فلسطين كان اغلبهم لا يجيدون اللهجة الكويتية بشكل كامل، وكنا نستغل هذا الضعف في مفردات اللهجة فيهم عشان »نضيعهم« ونتلاعب في معاني الكلمات، اذكر اني كنت اقول لاحد الاساتذة عندما يراني مشغولاً وكأني أبحث عن شيء ما بأني اضعت »يا كليتي« وعندما يسألني الاستاذ عن معنى هذه الكلمة كنت اخبره ان الباكليت هو »المحاية« فتعلق الكلمة في ذهنه ويظل طوال العام وهو يسمي المحاسة »بالباكليت«!
ايضا كنت اقول للاستاذ احيانا: استاذ.. أعكه؟ فيسألني يعني شنو أعكه؟! فكنت أخبره بأن كلمة أعكه تعني ان انقل زميلي ما هو مكتوب على السبورة! والمسكين يوافق ظنا منه ان كلمة »أعكه« ترمز لهذا المعنى بالفعل! في حين ان اعكه باللهجة تعني ان احمله على ظهري! ويظل الاساتذة الفلسطينيون طوال السنوات في حالة من اللخبطة في استخدام مفردات الكلمات باللهجة بسبب تشويشنا عليهم بهذه التصرفات!
< »لولا الرشايدة.. لما أصبح صالح العجيري« فلكيا ما مدى صحة هذه العبارة يا دكتور؟!
- فعلا فعندما بدأ شغفي وحبي لعلم الفلك ارسلني والدي الى البادية في ضيافة قبيلة »الرشايدة« في منطقة »رحية« جنوب غرب الجهراء وكان ذلك بهدف تعلم وتعود الحياة الخشنة وتعلم الفروسية، وقد عزز من حب الفلك في نفسي اذ كنت اقضي الليل وانا اتأمل القمر والنجوم، كما ان خوفي من الظواهر المناخية القاسية والعواصف الرعدية التي تنير الصحراء، جعلني افكر في دراستها والبحث عنها اكثر وربما كان ذلك من باب اعرف عدوك!
لقد تلقيت اول الدروس والعلوم الفلكية وأنا في البادية في ضيافة قبيلة الرشايدة حيث تعلمت كيف اتعرف على الجهات الاربع، من خلال مواقع النجوم.
وبعد عودتي من البادية اصبحت شغوفا اكثر بعلم الفلك، فكانت انطلاقتي الأولى في علم الفلك على يد الاستاذ عبدالرحمن الحجي، الذي درسني وعلمني كيفية استعمال آلة »الربع المجيب« وهي آلة مصنوعة من الخشب أو النحاس احيانا كان العرب والمسلمون قديما يستخدمونها كأداة مسح وتوقيت، اي انها آلة حاسبة قديمة كانت تستخدم لاهداف تحديد مواقيت الصلاة وتحديد اتجاه القبلة.
< الان وبعد كل هذه السنوات لا يكاد يخلو بيت في الكويت ولا مكتب في احدى الوزارات والهيئات من »رزنامة حائط أو مكتب لصالح العجيري« ما علمناه ان اصدار هذه الرزنامة المتاحة اليوم في كل مكان لم يكن بهذه السهولة بل مر بصعوبات وعراقيل شتى هل لك أن تحدثنا عنها؟
- فعلا، رغبتي في اصدار رزنامة أو تقويم بدأت باكرا ومنذ ان كنت طفلا في المدرسة، اذ كنت اشاهد في المدرسة لوحة معلقة على الحائط فيها عدد كبير من الاوراق التي تنتزع يوميا، وقد علمت انها تجلب من »مصر« وكانت بسيطة جدا في محتوياتها، اذ لم تكن تحتوي إلا على الايام والتاريخ، وقد فكرت بتقليدها وهو ما حدث فعلا فكنت اكتب اسم اليوم والتاريخ وقد لاحظ والدي ذلك فارسلني الى المرحوم نصر الله النصر الله وكان يمتلك كتابا ذكر فيه الايام والشهور ومواقيت الصلاة اسمه »تقويم العيوني« للمؤلف الشيخ عبدالعزيز العيوني من الاحساء، فقرأت الكتاب عشرات المرات وطورت منه رزنامتي البدائية وبدأت أعمل رزنامات مخطوطة.
وكانت هذه مجرد رحلة البداية في عالم كتابة الروزنامات، فرغبتي في طباعة روزنامة تكون متاحة للناس جميعا وتكون بديلاً عن الروزنامات المستوردة في »مصر« ظلت تراودني، وعندما لاحظ والدي عندي هذا الاصرار وهذا الشغف اخذني ذات يوم الى المرحوم عبدالعزيز العبد الوهاب، والذي كان تاجراً لديه علاقات تجارية واسعة مع بغداد وكان الهدف من ذلك هو مساعدتي على طباعة الروزنامة في بغداد لعدم وجود مطابع في الكويت في ذلك الحين، وكان ان طلبت المطبعة مبلغ عشرين ديناراً عراقيا للطباعة، وهنا كانت المشكلة، فهذا المبلغ يعد مبلغا كبيرا في تلك الفترة ليس من السهل تدبره، الا ان المرحوم مساعد الصالح تبرع بخمسة دنانير وتبرع ايضا عبدالعزيز العلي بخمسة دنانير اخرى، وتبرعت دائرة المعارف بخمسة دنانير، الا ان عجزي عن تدبير خمسة دنانير اخرى وقف عقبة امام الفكرة وبالتالي لم أتمكن من طباعة التقويم!
ولم تتوقف محاولاتي، ولم أيأس، وبعدها بنحو العام تقريبا، قررت ان اعاود المحاولة وبمساعدة المرحوم عبدالحميد الصانع كنت قاب قوسين او ادنى من طباعة التقويم، فقد قدم عبدالحميد الصانع نسخة من التقويم الى امير البلاد حينها المرحوم الشيخ احمد الجابر الصباح، والذي أمر عزت جعفر ان يرسل التقويم لمصر لطباعته ، الا ان سوء الحظ لازمني واشتعلت الحرب العالمية الثانية وتوقف المشروع!
ولم استسلم ايضا، وبعدها بعدة اعوام عاودت الكرة، وقررت طباعة تقويم صغير على نفقتي الخاصة في بغداد، الا انه في ذلك العام صادف ان اصدرت دائرة التموين في بغداد قراراً يمنع بموجبه تصدير الورق الابيض خارج العراق، ولم، أجد بدا من القبول على الحل الوحيد الذي قدمته المطبعة لي وهو طباعة الروزنامة على ورق رخيص ملون، وفعلاً تمت الطباعة، الا انه بعدها وقبيل ارسال الكمية المطبوعة للكويت، أصدرت دائرة التموين في بغداد قراراً آخر يمنع فيه تصدير الورق كليا خارج العراق!
وكنت وقتها قد أبرمت اتفاقا مع المرحوم محمد الرويح فكان صاحب المكتبة الوطنية اذ طلبت منه عدم استيراد أي روزنامات من مصرفي هذا العام لانني سأسلمه روزناماتي ليبيعها في مكتبته، وطبعا لم اتمكن من الوفاء بوعدي له، فاشتكاني للمرحوم والدي فجاءني والدي ذات ليلة، وانا أجلس في ديوانية »ياسين الغربللي«، ولم يكن والدي يعلم بقصة الطباعة والشحنة المحتجزة في بغداد، وعندما سمع المرحوم ياسين الغربللي تفاصيل القصة، قال لوالدي اعطني مائة روبية، فأخرج والدي من جيبه المبلغ متفرقا، الا ان الغربللي قال له انه يريد المائة روبية نوط اخضر واحد، فاحضر والدي المبلغ المطلوب له، وهنا اعطى الغربللي المبلغ لابنه وطلب منه ان يصطحبني الى سائق ينقل ا لركاب من البصرة الى الكويت واسمه عبداللطيف، وطلب منه ان يحضر المطبوعات من البصرة، وعندما رفض السائق، لوح له عبدالعزيز الغربللي بالمائة روبية الخضراء، وبمجرد ان رآها تبدل موقفه، فبعد ان رفض طلبنا في تهريب شحنة الروزنامات المطبوعة من البصرة للكويت خوفا من المساءلة، لأن موقفه تبدل بعد ان شاهد النقود، فأحضر المطبوعات فعلا الى الكويت، وتحقق حلمي اخيرا في طباعة اول روزنامة اقوم بعملها بعد مصاعب كبيرة ومحاولات كثيرة.
< ما قصة الروزنامة التي طبعتها في »اليابان«؟!
- الناس الذين يتصفحون روزنامات العجيري هالايام سيستغربون كثيرا عندما يعلمون انه وخلال رحلة بحثي الدائمة عن مطابع لطباعة روزنامتي في ظل عدم وجود مطابع في الكويت، فانني قمت بطباعة الروزنامة في كل دول العالم تقريباَ بدأت في العراق مرورا بالهند وباكستان وايران وسنغافورة حتى اني طبعت الروزنامة ذات يوم في اليابان! وذلك كله بهدف البحث عن المطبعة الارخص وحتى اتمكن بعدها من بيع الروزنامة بثمن معقول.
< معقول؟! سافرت لليابان لاجل طباعة الروزنامة؟!
- لا لم اسافر، ولكن كنت ارسل الروزنامة مع المسافرين، نسيت ان اخبرك بأني طبعت احدى روزناماتي ايضا في نابلس قبيل الاحتلال طبعا!.
< واتوقف قليلا بعد ان لمحت جهازا غريب الشكل يتوسط الصالة حيث كنت اجلس مع الدكتور صالح العجيري لاجراء الحوار، فأسأله عن ذلك الجهاز والغرض منه، فيحدثني قائلا:
- هذا اول (تلسكوب« دخل المنطقة وقد احضرته شخصيا من الولايات المتحدة في الستينيات، فقد كانت في بالي فكرة انشاء مرصد فلكي على خلاف المرصد الموجود حاليا في النادي العلمي والذي يحمل اسمي، وقد سافرت للولايات المتحدة الأمريكية لجلب معدات هذا المرصد وكان من ضمن ما اشتريت هذا التلسكوب الذي ترين والذي كان الاول من نوعه في المنطقة!
< هل كان هناك مرصد آخر للعجيري غير ذلك المرصد الذي نعرفه في مشرف حاليا؟
- في الواقع كنت أحلم باكراً بإنشاء مركز فلكي كبير، نظراً لعدم وجود مراكز فلكية في منطقتنا، فاشتريت أرضا على نفقتي الخاصة في منطقة الأندلس، وسافرت الولايات المتحدة لشراء ما يستلزمه إنشاء المركز، فاشتريت قبة قطرها 3 أمتار وكرة سماوية وكثيراً من المعدات الأخرى، وانتقلت إلى لندن لشراء معدات فلكية أخرى، لكن بعد تأسيس النادي العلمي بنحو ثلاثة أعوام تم طرح فكرة إنشاء مركز فلكي تابع للنادي يسمى باسمي وعندما رأيت الرغبة الجادة لتنفيذ هذا المشروع الوطني الكبير الذي سعدت به كثيراً، عدلت عن رغبتي في بناء واستكمال مرصدي الخاص.
< وماذا عن التليسكوب الآخر؟ »ألمح جهاز تليسكوب آخر في الناحية الأخرى من الصالة« فاسأل الدكتور العجيري عنه؟.
- هذا تليسكوب حديث جداً، وهو هدية شخصية تلقيتها من سمو الشيخ ناصر المحمد رئيس مجلس الوزراء قبل نحو 3 شهور إبان زيارته لليابان.
-< دكتور، الآن ونحن في عصر التطور التكنولوجي والتقني في شتى المجالات، ومنها ما هو متعلق بالفلك أيضا، هل تستخدم هذه المعدات المتطورة، وهل تجيد استخدام الـ GPS مثلا؟!
- طبعا استخدم الـ GPS، أنا أؤمن تماما بأن الشخص في أي مجال لا بد وأن ينمي مداركه ويواكب العصر ويتخلى عن الأشياء التقليدية إذا ما ظهرت أشياء أكثر تطوراً.
قبة المرصد فوق السطح!
لا يعلم الكثيرون أن »القبة« التي اشتراها الدكتور صالح العجيري للمرصد الفلكي الذي كان يعتزم إنشاءه في السبعينيات في منطقة الأندلس- قبل أن يتخلى عن الفكرة لاحقا- إثر تبني الدولة لفكرة إنشاء النادي العلمي وما تضمنه من مرصد سمي باسمه، لا يعلم الكثيرون أن القبة التي اشتراها الدكتور العجيري منذ سنوات طويلة وعندما كان في ولاية كولورادوا بالولايات المتحدة، وشاهد بالصدفة مجلة فلكية تحتوي موضوعات عن مصنع في »أوبسيفادو« يصنع القبب الفلكية، فتحمل عناء الوصول لهذه المدينة واشترى القبة الفلكية وتم شحنها للكويت، منذ ذلك الحين ظلت القبة الفلكية فوق سطح منزل العجيري حتى أهداها قبل نحو 5 شهور فقط لفريق المرزم الفلكي وقد سعدوا بها كثيراً وقاموا بترميمها.
في السبت القادم
- العجيري أحبيت بنت الجيران ولم اتزوجها
- والدي تزوج 6 مرات وأنا ماطلعت عليه
- بعد 65 عاما تذكرتني من احببتها بجدر جريش
تاريخ النشر 07/02/2009