مهدي عمار
08-14-2004, 04:22 PM
ديدن العلماء
يصطدم الإنسان في كثير من الأحيان ببعض أدعياء العلم والمعرفة، حيث تراهم لا يوفّرون مناسبة إلا ويُقحمون أنفسهم فيها ليقذفوا ما احتوته ذاكرتهم مما سمعوه أو قرأوه، حتى لو كانت الموضوعات المطروحة ممّا ينبغي أن تتّسم بالدقة والوضوح، وأبعد ما تكون عن الاستعراضات الفكرية.
ولا يتوانى هؤلاء عن إقناعك بأن ما تبحث عنه موجود في حوزتهم، وأن الخلل يتمثّل في هروبك مما يسمّونه «حقائق»، هي لا تكون في الغالب سوى نتف متفرقة من المعارف والمعلومات التي انتزعت من غير سياقها، وتراكم فوقها من الأفكار المبعثرة والأساطير المتفرعة، ما يجعلك تشعر بضرورة الانكفاء عن مثل هذه الأجواء، لأن المعرفة التي كنت تُمنّي النفس بها بعيدة عن المنال.
وما يفاقم الأمر، أن هؤلاء يدّعون الإحاطة العلمية بكل شيء، ولو تجاوزت السطح إلى الأعماق، لما رأيتهم متحصّنين إلا بأفكار ومسلمات، تحتوي من التناقضات في داخلها بمقدار ابتعادها الصارخ عن الواقعية والموضوعية، وما يؤلمك، أنك مهما طرحت من أفكار أو تجارب تستدعي التعامل معها بجدّية، أو الإنصات للتفكير بها ملياً، لما رأيت غير الصد، فالذات مشبعة بالقناعات والتصنيفات، وليست مستعدة أبداً لإعادة فحص أفكارها ومسلّماتها، مهما تعرَّضت للاهتزاز.
ذلك هو نمط مدّعي المعرفة، أما الذين يحترمون أفكارهم وقناعاتهم، فشأنهم مختلف، وأمرهم متميز، فلأن الحقيقة هي الهدف والغاية، فهم في إعادة بحث دائمة وتمحيص مستمر لما يحملون من أفكار، وقد يبدّلون بعض القناعات إذا تولّدت لديهم معطيات جديدة، وقد يوافقونك على آراء تخالف آرائهم، أو يطالبون بالتريث في الرد بانتظار المزيد من التحقيق، وهذا هو ديدن العلماء حين يكون العلم أو الحقيقة هما المعيار، بصرف النظر عن اعتبارات مقامية أو ذاتية...
مناسبة هذا الكلام، الانتهاء من قراءة فكرة لأحد العلماء وردت في كتاب أخير له جاء فيها:
«أذكر الآن الموقف المشرف النبيل لآية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، حينما أهديته أحد كتبي، وهو في بيته قرب مقام السيدة زينب في سوريا، وبعد أيام لقيته مرة ثانية في البيت نفسه، وسألته عن رأيه في الكتاب، فقال لي بالحرف الواحد:لقد قرأت كتابك، وأنا لا علم لي بهذه المعارف، ولكنني أضعها في خانة خاصة من ذاكرتي بدون نفي أو إثبات حتى تتبين لي الحقائق».
ويدعو المؤلف أخيراً إلى التعلم من هذا العالم الكبير المعروف، لا في الأوساط الشيعية فحسب، بل في العالم كله، حتى يتّخذه الناس قدوة في الأسلوب الفكري المتحرر والانفتاح على الأفكار والآراء الأخرى.
علي سمور
يصطدم الإنسان في كثير من الأحيان ببعض أدعياء العلم والمعرفة، حيث تراهم لا يوفّرون مناسبة إلا ويُقحمون أنفسهم فيها ليقذفوا ما احتوته ذاكرتهم مما سمعوه أو قرأوه، حتى لو كانت الموضوعات المطروحة ممّا ينبغي أن تتّسم بالدقة والوضوح، وأبعد ما تكون عن الاستعراضات الفكرية.
ولا يتوانى هؤلاء عن إقناعك بأن ما تبحث عنه موجود في حوزتهم، وأن الخلل يتمثّل في هروبك مما يسمّونه «حقائق»، هي لا تكون في الغالب سوى نتف متفرقة من المعارف والمعلومات التي انتزعت من غير سياقها، وتراكم فوقها من الأفكار المبعثرة والأساطير المتفرعة، ما يجعلك تشعر بضرورة الانكفاء عن مثل هذه الأجواء، لأن المعرفة التي كنت تُمنّي النفس بها بعيدة عن المنال.
وما يفاقم الأمر، أن هؤلاء يدّعون الإحاطة العلمية بكل شيء، ولو تجاوزت السطح إلى الأعماق، لما رأيتهم متحصّنين إلا بأفكار ومسلمات، تحتوي من التناقضات في داخلها بمقدار ابتعادها الصارخ عن الواقعية والموضوعية، وما يؤلمك، أنك مهما طرحت من أفكار أو تجارب تستدعي التعامل معها بجدّية، أو الإنصات للتفكير بها ملياً، لما رأيت غير الصد، فالذات مشبعة بالقناعات والتصنيفات، وليست مستعدة أبداً لإعادة فحص أفكارها ومسلّماتها، مهما تعرَّضت للاهتزاز.
ذلك هو نمط مدّعي المعرفة، أما الذين يحترمون أفكارهم وقناعاتهم، فشأنهم مختلف، وأمرهم متميز، فلأن الحقيقة هي الهدف والغاية، فهم في إعادة بحث دائمة وتمحيص مستمر لما يحملون من أفكار، وقد يبدّلون بعض القناعات إذا تولّدت لديهم معطيات جديدة، وقد يوافقونك على آراء تخالف آرائهم، أو يطالبون بالتريث في الرد بانتظار المزيد من التحقيق، وهذا هو ديدن العلماء حين يكون العلم أو الحقيقة هما المعيار، بصرف النظر عن اعتبارات مقامية أو ذاتية...
مناسبة هذا الكلام، الانتهاء من قراءة فكرة لأحد العلماء وردت في كتاب أخير له جاء فيها:
«أذكر الآن الموقف المشرف النبيل لآية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، حينما أهديته أحد كتبي، وهو في بيته قرب مقام السيدة زينب في سوريا، وبعد أيام لقيته مرة ثانية في البيت نفسه، وسألته عن رأيه في الكتاب، فقال لي بالحرف الواحد:لقد قرأت كتابك، وأنا لا علم لي بهذه المعارف، ولكنني أضعها في خانة خاصة من ذاكرتي بدون نفي أو إثبات حتى تتبين لي الحقائق».
ويدعو المؤلف أخيراً إلى التعلم من هذا العالم الكبير المعروف، لا في الأوساط الشيعية فحسب، بل في العالم كله، حتى يتّخذه الناس قدوة في الأسلوب الفكري المتحرر والانفتاح على الأفكار والآراء الأخرى.
علي سمور